المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

وقيل : يكره أن يقطع الكفن بالحديد.

الرابع

الدفن

والفرض فيه : مواراته في الأرض على جانبه الأيمن موجّها إلى القبلة.

فلو كان في البحر وتعذّر البر ، ثقّل ، أو جعل في وعاء وأرسل إليه.

ولو كانت ذمّية حاملة من مسلم ، قيل : تدفن في مقبرة المسلمين ، يستدبر بها القبلة ، إكراما للولد.

______________________________________________________

احتجّ الشيخ : بما رواه سهل بن زياد ، عن غير واحد من أصحابنا قالوا : قلنا :

جعلنا الله فداك إن لم نقدر على الجريدة؟ فقال : عود السدر ، قلت : فإن لم نقدر على السدر؟ فقال عود الخلاف (١).

قال طاب ثراه : وقيل : يكره أن يقطع الكفن بالحديد.

أقول : ذكر ذلك الشيخان ، قال في التهذيب : سمعنا ذلك مذاكرة من الشيوخ رحمهم الله وعليه كان عملهم (٢).

قال المصنّف في المعتبر : قلت : فيستحب متابعتهم ، تخلصا من الوقوع فيما يكره (٣).

قال طاب ثراه : ولو كانت ذمّية حاملا من مسلم ، قيل : دفنت في مقبرة المسلمين يستدبر بها القبلة إكراما للولد.

أقول : وجه دفنه في مقبرة المسلمين : أن له حرمة أجنّتهم ، لأنه لو سقط لم يدفن

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ١٥٣ ، كتاب الجنائز ، باب الجريدة ، حديث ١٠ ، وفيه «قلنا له جعلنا فداك .. قيل فان لم تقدر».

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٩٤ ، باب ١٣ ، تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال. قال بعد نقل حديث ٢٩ ، ما لفظه : «قال الشيخ أيده الله تعالى (ولا يقطع شي‌ء من أكفان الميت بحديد ، ولا يقرب النار ببخور ولا غيره. ثمَّ قال : قال مصنف هذا الكتاب : سمعنا ذلك. انتهى

(٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، في مكروهات الكفن ، ص ٧٨ ، س ٢٢.

١٨١

وسننه : إتباع الجنازة ، أو مع جانبيها وتربيعها ، وحفر القبر قدر قامة ، أو إلى التّرقوة ، وأن يجعل له لحد ، وأن يتحفى النازل إليه ، ويحلّ أزراره ، ويكشف رأسه ، ويدعو عند نزوله ، ولا يكون رحما إلّا في المرأة.

ويجعل الميّت عند رجلي القبر إن كان رجلا ، وقدّامه إن كانت امرأة.

وينقل مرّتين ويصبر عليه ، وينزل في الثّالثة ، سابقا برأسه ، والمرأة عرضا.

ويحلّ عقد كفنه ، ويلقّنه ، ويجعل معه تربة ، ويشرج اللّحد ، ويخرج من قبل رجليه ، ويهيل الحاضرون بظهور الأكف مسترجعين ، ولا يهيل ذو الرحم.

ثمَّ يطمّ القبر ، ولا يوضع فيه من غير ترابه ، ويرفع مقدار أربع أصابع مربّعا ، ويصبّ عليه الماء من رأسه دورا ، فان فضل ماء صبّه على وسطه. ويضع الحاضرون الأيدي عليه مترحّمين. ويلقّنه الولي. بعد انصرافهم.

ويكره فرش القبر بالساج ، إلّا مع الحاجة. وتجصيصه ، وتجديده ، ودفن ميّتين في قبر واحد. ونقل الميّت إلى غير بلد موته ، إلّا إلى المشاهد المشرّفة.

______________________________________________________

إلّا في مقبرة المسلمين. وإذا كان الدفن له ، روعي كيفيّة الدفن فيه ، لا في امّه.

وقوله : (قيل) إشارة إلى قول الشيخ (رحمه الله) ، واستدلّ عليه في التهذيب برواية أحمد بن أشيم ، عن يونس قال : سألت الرضا (عليه السلام) عن الرجل يكون له الجارية اليهوديّة أو النصرانيّة ، حملت منه ، ثمَّ ماتت والولد في بطنها ، ومات الولد. أيدفن معها على النصرانيّة ، أو يخرج منها ويدفن على فطرة الإسلام؟ فكتب : يدفن معها (١).

وليس فيها حجة. أما أوّلا : فلأنّ ابن أشيم ضعيف.

وأمّا ثانيا : فلانّ دفنه معها لا تقتضي دفنها في مقبرة المسلمين ، بل ظاهر اللفظ

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٣٣٤ ، باب ١٣ ، تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال ، حديث ١٤٨ ، وشطر من الحديث منقول بالمضمون فراجع.

١٨٢

(يلحق بهذا الباب مسائل)

الأولى : كفن المرأة على زوجها ولو كان لها مال.

الثانية : كفن الميّت من أصل تركته قبل الوصيّة والدين والميراث.

الثالثة : لا يجوز نبش القبر ولا نقل الموتى بعد دفنهم.

الرابعة : الشهيد إذا مات في المعركة لا يغسّل ولا يكفّن ، بل يصلّى عليه ويدفن بثيابه ، وينزع عنه الخفّان والفرو.

الخامسة : إذا مات ولد الحامل قطّع وأخرج ، ولو ماتت هي دونه يشق جوفها من الجانب الأيسر واخرج ، وفي رواية يخاط بطنها.

______________________________________________________

يدلّ على دفن الولد معها حيث تدفن هي ، ولا إشعار في الرواية بموضع دفنها.

قال المصنّف في المعتبر : والوجه أنّ الولد لمّا كان محكوما له بأحكام المسلمين ، لم يجز دفنه في مقابر أهل الذمّة ، وإخراجه مع موتهما غير جائز ، فتعيّن دفنها معه ، (١) وقال أحمد بن حنبل : يدفن في مقبرة اليهود والنصارى ويستدبر بها.

وقوله رحمه الله في المتن ، (قيل) استضعافا لمستند الحكم ، من ضعف الراوي ، ومن ضعف الدلالة. إذ ليست الرواية صريحة في المدعى. واختار العمل به ، لا من حيث الرواية ، بل من دليل آخر. وهو انّ هذا الولد محكوم بإسلامه ، فلا يدفن في مقبرة غير المسلمين.

قال طاب ثراه : ولو ماتت هي دونه ، يشق جوفها من الجانب الأيسر واخرج. وفي رواية يخاط بطنها.

أقول : البحث هنا في ثلاثة أمور.

(ألف) : الشقّ. وهو إجماع الإماميّة ، إذا بلغ الحمل أجله ، بحيث لو خرج الولد

__________________

(١) إلى هنا كلام المعتبر : كتاب الطهارة ، في أحكام الدفن ، ص ٧٩ ، س ٣.

١٨٣

السادسة : إذا وجد بعض الميّت وفيه الصدر ، فهو كما لو وجد كله. وإن لم يوجد الصّدر ، غسّل وكفن ما فيه عظم ، ولفّ في خرقة ودفن ما خلا من عظم.

______________________________________________________

بقي حيّا على اليقين. وأقله مضىّ ستة أشهر ، وعليه العامة عدا أحمد بن حنبل حيث منع من الشقّ في المسلمة والذمّيّة ، بل تسطو (١) القوابل عليها ، فيخرجنّه ، ولو لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليها ، وتركت حتّى يتيقّن موته ثمَّ يدفن ، لأنّه مثله ، ولأنّ حرمة الميّت كحرمة الحيّ ، وهذا الولد لا يعيش عادة ، فلا تهتك حرمة متيقّنة لأمر موهوم (٢).

احتجّ الأصحاب : بأنّه توصّل إلى بقاء الحيّ يخرج في ميّت ، فيكون أولى ، فيغتفر. ولأنّه لو خرج بعضه وتشبّث بحيث يحتاج إلى السّعة ، وجب الاتّساع عليه ، والحال واحدة.

والروايات من طرق أهل البيت (عليهم السلام). فمنها ما رواه علي بن يقطين قال : سألت العبد الصالح (عليه السلام) عن المرأة تموت وولدها في بطنها؟ قال : يشقّ بطنها ويخرج ولدها (٣).

ومنها رواية إسماعيل بن مهران ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن المرأة تموت ويتحرّك الولد في بطنها ، أيشقّ بطنها ويستخرج ولدها؟ قال : نعم (٤).

__________________

(١) مجمع البحرين : ج ١ ، ص ٢١٨ ، وفي الخبر «لا بأس أن يسطو الرجل على المرأة إذا لم تجد امرأة تعالجها وخيف عليها يعني إذا نشب ولدها في بطنها ميّتا فله مع عدم القابلة أن يدخل يده ويستخرج الولد».

(٢) نقله عنه في المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٨٥ ، س ٢٩.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ١٥٥ ، كتاب الجنائز ، باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك ، حديث ١.

(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ١٥٥ ، كتاب الجنائز ، باب المرأة تموت وفي بطنها ولد يتحرك ، حديث ٢.

١٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) : كون الشقّ من الجانب الأيسر : فهو الّذي ذكره الشيخ في النهاية (١) وعليه اتّباعه. وهو مذهب الصدوق (٢) ، والمفيد (٣) ، وأطلق في الخلاف الشق ، ولم يقيّده بالأيسر (٤) ، وكذا المصنّف في الشرائع (٥) ، والعلّامة في القواعد (٦) ، وعليه دلّ إطلاق الروايات.

(ج) : خياطة الموضع. وهو الذي ذكره الشيخ في المبسوط ، فإنه قال فيه : وإن ماتت المرأة ولم يمت الولد شقّ بطنها من الجانب الأيسر ، وخيط الموضع (٧). وبالخياطة قال العلّامة في التحرير (٨) ، والقواعد (٩) ، والمصنّف في الشرائع (١٠) ، وكلامه

__________________

(١) النهاية : باب تغسيل الأموات وتكفينهم وتحنيطهم ، ص ٤٢ ، س ٧ ، قال : «وإذا ماتت المرأة ولم يمت ولدها شقّ بطنها من الجانب الأيسر ، واخرج الولد ، وخيط الموضع».

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٩٧ ، باب ٢٤ ، المس ، ذيل حديث ٤٧.

(٣) المقنعة : باب تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال ، ص ١٣ ، س ٢٠ ، قال : «فان ماتت امرأة وفي جوفها ولد حي يتحرك شقّ بطنها مما يلي جنبها الأيسر واخرج الولد منه ، ثمَّ خيط الموضع».

(٤) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٦٨ ، كتاب الجنائز ، مسألة ٩٢.

(٥) لا يخفى ان المصنّف قدّس سرّه في الشرائع قيّده بالجانب الأيسر ، قال في المسألة الرابعة : من لواحق الدفن ، ج ١ ، ص ٤٤ ، ما نصّه : «وان ماتت هي دونه شق جوفها من الجانب الأيسر ، وانتزع وخيط الموضع».

(٦) القواعد : الفصل الخامس في لواحق الدفن ، ص ٢١ ، س ١٩ ، قال : «ويشق بطن الميتة لإخراج الولد الحي ثمَّ يخاط».

(٧) المبسوط : ج ١ ، كتاب الجنائز ، ص ١٨٠ ، س ٢٣ و ٢٤ ، وفيه : «شق بطنها من الجانب الأيسر واخرج الولد وخيط الموضع».

(٨) التحرير : كتاب الطهارة ، المطلب الخامس في الدفن ، ص ٢٠ ، س ١٦ ، قال : «(ح) إذا ماتت الحامل دون الولد ، شق بطنها من الجانب الأيسر واخرج الولد وخيط الموضع.

(٩) تقدم آنفا.

(١٠) تقدم آنفا.

١٨٥

قال الشيخان : ولا يغسل السقط إلّا إذا استكمل شهورا أربعة. ولو كان لدونها لفّ في خرقة ودفن.

______________________________________________________

في المعتبر يؤذن بعدم الخياطة (١).

احتجّ الموجبون : بما رواه الشيخ عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة : يخرج الولد ويخاط بطنها (٢).

وهي مقطوعة.

احتجّ الآخرون : بأصالة براءة الذمّة ، وضعف الرواية بالقطع.

قال المصنّف في المعتبر : «وانّما قلنا : وفي رواية : ويخاط الموضع لأنّها رواية ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، موقوفة عليه ، فلا يكون حجّة. ولا ضرورة إليه ، لأنّ مصيرها إلى البلى» (٣).

والأقرب : الوجوب ، لما فيه من ستر الميتة ، واستدراك المثلة الحاصلة بالشقّ ، ولاشتماله على حفظ أمعائها وجمع أجزائها ومنعها عن التفرّق والتبدّد ، وللعمل بالرواية.

قال طاب ثراه : قال الشيخان : ولا يغسل السقط إلّا إذا استكمل شهورا أربعة. ولو كان لدونها لفّ في خرقة ودفن.

أقول : لا خلاف بين الأصحاب في ذلك ، وذكره للشيخين تفخيما لهما. وإنّما الخلاف فيه مع العامّة ، فمذهب أبو حنيفة ومالك انه يلفّ في خرقة ويدفن إلّا أن

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة ، في أحكام الأموات ، ص ٨٥ ، س ٢٨. قال : «ولو ماتت الام وبقي هو حيّا على اليقين شق جوفها من الجانب الأيسر واخرج الولد».

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٣٤٤ ، باب ١١ ، في تلقين المحتضرين وتوجيههم عند الوفاة وما يصنع بهم في تلك الحال ، حديث ١٧٥.

(٣) المعتبر : في أحكام الأموات ، ص ٨٥ ، س ٣٤.

١٨٦

السابعة : لا يغسّل الرجل إلّا الرجل وكذا المرأة ويغسّل الرجل بنت ثلاث سنين مجردة ، وكذا المرأة ويغسّل الرجل محارمه من وراء الثياب ، وكذا المرأة.

الثامنة : من مات محرما كان كالمحل ، لكن لا يقرب الكافور.

التاسعة : لا يغسّل الكافر ولا يكفّن ولا يدفن بين مقبرة المسلمين.

العاشرة : لو لاقى كفن الميّت نجاسة غسّلت ما لم يطرح في القبر ، وقرّضت بعد جعله فيه.

______________________________________________________

يستهلّ (١) ، وللشافعي كالقولين (٢) ، وعند أحمد يجب مع الصلاة عليه (٣).

وهو ممنوع إلّا ان يستهلّ.

واحتجّ أصحابنا على الحكم الأوّل : بأنّه كان حيّا ، فيجب غسله (٤) وبما رواه زرارة ، عن سماعة ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن السقط إذا استوت خلقته يجب عليه الغسل والكفن واللّحد؟ قال : نعم ، كلّ ذلك يجب عليه إذا استوى (٥).

ولا يضعف بسماعة ، لعدم المعارض.

وعلى الثاني : ما رواه الترمذي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : الطفل لا يصلّى عليه ولا يورث حتّى يستهلّ (٦).

__________________

(١) نقله عنهم في المعتبر : في أحكام الأموات ، ص ٨٦ ، س ٢٨ ، وفيه «يدرج في خرقة»

(٢) نقله عنهم في المعتبر : في أحكام الأموات ، ص ٨٦ ، س ٢٨ ، وفيه «يدرج في خرقة»

(٣) نقله في المعتبر : في أحكام الأموات ، ص ٨٦ ، س ٣٣ ، ونقله الترمذي : ج ٣ ، كتاب الجنائز ، ص ٣٥٠ ، باب ٤٢ ، ما جاء في الصلاة على الأطفال ، ذيل حديث ١٠٣١ قالوا : «يصلّى على الطفل وان لم يستهل بعد ان يعلم انه خلق ، وهو قول أحمد وإسحاق».

(٤) عبارة المعتبر هكذا في صفحة ٨٦ ، س ٢٩ : (لنا انه مات بعد ان كان حيا فيجب غسله).

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ٣٢٩ ، باب تلقين المحتضرين وتوجيههم وما يصنع بهم في تلك الحال ، حديث ١٣٠. وفيه : «عن زرعة عن سماعة».

(٦) رواه الترمذي : ج ٣ ، كتاب الجنائز ، ص ٣٥٠ ، باب ٤٣ ، ما جاء في ترك الصلاة على الجنين حتّى يستهلّ ، حديث ١٠٣٢ وفيه : «لا يصلى عليه ولا يرث ولا يورث».

١٨٧

السادس

غسل من مسّ ميّتا

يجب الغسل بمسّ الميّت الآدمي بعد برده بالموت وقبل تطهيره بالغسل على الأظهر.

وكذا يجب الغسل بمسّ قطعة فيها عظم ، سواء أبينت من حي أو ميّت ، وهو كغسل الحائض.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : يجب الغسل بمسّ ميّت (١) الآدمي بعد برده بالموت وقبل تطهيره على الأظهر.

أقول : الوجوب مذهب الشيخين (٢) ، وبه قال الصدوقان (٣) ، واختاره المصنّف (٤) ، والعلّامة (٥).

وذهب المرتضى في المصباح إلى الاستحباب (٦).

احتجّ الأوّلون : بصحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من غسّل ميّتا فليغتسل ، وإن مسّه ما دام حارّا فلا غسل عليه ، وإذا برد ثمَّ مسّه فليغتسل.

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن الماتن ذكر : «بمسّ الميّت الآدمي» فراجع.

(٢) اي : المفيد في المقنعة : باب الأغسال المفترضات والمسنونات ، ص ٦ ، س ٧ ، والشيخ الطوسي في النهاية : كتاب الطهارة ، باب تغسيل الأموات وتكفينهم ، ص ٣٥ ، س ١١.

(٣) المقنع : أبواب الطهارة ، صفة غسل الميت ، ص ٢٠ ، س ١ ، والهداية : باب ١٥ الأغسال ، ص ١٩ ، س ١٢ ، وفي الفقيه : ج ١ ، ص ٨٧ ، باب ٢٤ ، المس س ١٠ ، قال : «وان مسه بعد ما يبرد فعليه الغسل» انتهى.

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٩٦ ، س ٢١.

(٥) المختلف : الفصل الأول من باب الغسل من كتاب الطهارة ، ص ٢٨ ، س ١١.

(٦) قال في المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٩٦ ص ٢٢ ما لفظه : «وبالاستحباب قال علم الهدى في شرح الرسالة والمصباح» ، وفي المختلف : في الفصل الأوّل من باب الغسل من كتاب الطهارة ، ص ٢٨ ، س ١٢ ، ما لفظه : «وقال السيّد المرتضى رحمه الله انه مستحب ، ونقله الشيخ عنه في الخلاف».

١٨٨

وأمّا المندوب من الأغسال :

فالمشهور غسل الجمعة : ووقته ما بين طلوع الفجر إلى الزوال. وكلّما قرب من الزوال كان أفضل.

وأوّل ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وليلة سبع عشرة وتسع عشرة ، وإحدى وعشرين ، وثلاث وعشرين ، وليلة الفطر ، ويومي العيدين ، ويوم عرفة ، وليلة النصف من رجب ، ويوم المبعث.

______________________________________________________

قلت : فمن أدخله القبر؟ قال : لا غسل عليه إنّما يمسّ الثياب (١).

احتجّ السيد : بالأصل ، وبما رواه سعد بن أبي خلف في الصحيح عن الصادق (عليه السلام) قال : سمعته يقول : الغسل أربعة عشر موطنا ، وأحد فريضة والباقي سنّة (٢).

والجواب عن الأوّل : أنّ الأصل يخالف للدليل ، وقد تقدم.

وعن الثاني : أنّ المراد ما ثبت من جهة السنّة لا من طريق القرآن. وأيضا فإنّ غسل الحيض وأخويه واجب عنده ، فلا يجوز حمل لفظ السنّة هنا على الندب ، بل ما ذكرناه هو الواقع ، فان غسل الجنابة يعلم وجوبه من الكتاب ، قال الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (٣) وبواقي الأغسال أستفيد وجوبها من كلامهم (عليهم السلام).

قال طاب ثراه : وأمّا المندوب من الأغسال ، فالمشهور غسل الجمعة.

أقول : ذهب الصدوق إلى وجوبه على الرّجال والنّساء في السفر والحضر ، إلّا أنّه

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ١٠٨ ، باب ٥ الأغسال المفترضات والمسنونات ، حديث ١٥.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ١١٠ ، باب ٥ الأغسال المفترضات والمسنونات ، حديث ٢١ ، وفيه : «الغسل في أربعة عشر موطنا».

(٣) سورة المائدة : ٧.

١٨٩

وليلة النصف من شعبان ، والغدير ، ويوم المباهلة ، وغسل الإحرام ، وزيارة النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) ، ولقضاء الكسوف ، وللتوبة ، ولصلاة الحاجة ، والاستخارة ، ولدخول الحرم ، والمسجد الحرام ، والكعبة والمدينة ، ومسجد النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، وغسل المولود.

______________________________________________________

رخّص للنساء في السفر لقلّة الماء (١).

والمشهور بين أصحابنا : الاستحباب.

احتجّ الصدوق : بما رواه سماعة عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن غسل الجمعة؟ فقال : واجب في السفر والحضر إلّا أنّه رخّص للنساء في السفر لقلّة الماء (٢)

احتجّ الباقون : بالأصل ، وبحسنة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الغسل في الجمعة والأضحى والفطر؟ قال : سنّة وليس بفريضة (٣).

وأجابوا عن روايته : بحملها على الاستحباب المؤكّد ، ويؤيّده صحيحة زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال : سألته عن غسل الجمعة؟ فقال : سنّة في السفر والحضر ، إلّا أن يخاف المسافر على نفسه القرّ (٤).

وقوله : «فالمشهور غسل الجمعة» إلى آخر الباب ، يحتمل أمرين.

أحدهما : أن يكون معناه. فالمشهور عدّ غسل الجمعة في الأغسال المسنونة ، لا الواجبة ، خلافا للصدوق.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٦١ ، باب ٢٢ غسل يوم الجمعة ودخول الحمّام وآدابه وما جاء في التنظيف والزينة ، ذيل حديث ٢.

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٥ ، باب ١٨ ، الأغسال ، حديث ٥.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ١١٢ ، باب ٥ الأغسال المفترضات والمسنونات ، حديث ٢٧.

(٤) التهذيب : ج ١ ، ص ١١٢ ، باب ٥ الأغسال المفترضات والمسنونات ، حديث ٢٨.

١٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والثاني : أن يكون معناه ، فالمشهور من الأغسال المندوبة غسل الجمعة ، وأوّل ليلة من شهر رمضان ، وليلة النصف منه ، وتعدّد الأغسال المندوبة حتّى يأتي على آخرها المذكورة في المتن أي المشهور بين الأصحاب استحباب هذه الأغسال المعدودة.

وهناك أغسال أخر غير هذه المعدودة وليست بالمشهورة فاضرب عنها ، لكون النافع مختصرا ، فاقتصر فيه على إيراد المشهور وما تعمّ به البلوى ، دون النوادر والشواذ. وذلك مثل ما ورد من استحباب الغسل في كلّ ليلة وتر من شهر رمضان (١) ، ومثل استحباب الغسل عند قتل الوزغ (٢) ، ومثل غسل يوم النيروز ، نيروز الفرس ومستنده رواية المعلى بن الخنيس ، وذكره الشيخ في مختصر المصباح ، ويستحب فيه الصيام وصلاة أربع ركعات بعد صلاة الظهرين ، ويسجد بعدها ويدعو بالمرسوم ، يغفر له ذنوب خمس سنين (٣).

تنبيه

يوم النيروز يوم جليل القدر ، وتعيينه من السنة غامض ، مع أن معرفته أمر مهمّ من حيث تعلّق به عبادة مطلوبة للشارع ، والامتثال موقوف على معرفته ، ولم يتعرّض لتفسيره أحد من علمائنا ، سوى ما قاله الفاضل المنقب محمد بن إدريس رضي الله عنه

__________________

(١) نقله المحقق المجلسي في كتابه زاد المعاد. ونقله الشهيد قدس سره في الروضة : كتاب الصلاة ، ص ٣٩ ـ ٤٠ في الفصل السادس في بقية الصلوات ، في صلاة الآيات. قال : «وكذا يستحب الغسل الجمعة ، الى ان قال : «وليالي فرادى شهر رمضان الخمس عشرة ، وهي العدد الفرد من أوله الى آخره».

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٤ ، باب ١٨ الأغسال ، حديث ٣.

(٣) مختصر المصباح (مخطوط) ولفظه : «يوم النيروز : روى معلى بن خنيس عن مولانا الصادق (عليه السلام) قال : إذا كان يوم النيروز فاغتسل وأنظف والبس ثيابك وتطيب بأطيب طيبك ، الى ان قال : يغفر لك ذنوب ستين سنة».

١٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

وحكايته :

والذي قد حقّقه بعض محصلي أهل الحساب وعلماء الهيئة وأهل هذه الصنعة في كتاب له : أنّ يوم النيروز يوم العاشر من أيار (١).

وقال الشهيد : وفسّر بأوّل سنة الفرس ، أو حلول الشمس برج الحمل ، أو عاشر أيار (٢).

والثالث إشارة إلى قول ابن إدريس. والأوّل إشارة إلى ما هو مشهور عند فقهاء العجم في بلادهم ، فإنّهم يجعلونه عند نزول الشمس الجدي ، وهو قريب مما قاله صاحب كتاب الأنواء.

وحكايته : اليوم السابع عشر من كانون الأوّل ، هو صوم اليهود ، وفيه يرجع الشمس مصعده إلى الشمال ، ويأخذ النهار من الليل ثلاث عشر ساعة ، وهو مقدار ما يأخذ في كلّ يوم ، وينزل الشمس برج الجدي قبله بيومين ، وبعض العلماء جعله رأس السنة ، وهو النيروز (٣). فجعله حكاية عن بعض العلماء. وقال بعد ذلك :

اليوم التاسع من شباط هو يوم النيروز. ويستحبّ فيه الغسل ، وصلاة أربع ركعات لما رواه المعلّى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) ، ثمَّ ذكر الخبر (٤). فاختار التفسير الأخير ، وجزم به.

__________________

(١) السرائر : كتاب الصلاة ، باب النوافل المرتبة في اليوم والليلة ونوافل شهر رمضان وغيرها من النوافل ، ص ٦٩ ، س ٣٠ ، وتمامه : «وشهر أيار أحد وثلاثون يوما ، فاذا مضى منه تسعة أيّام ، فهو يوم النيروز» الى آخره.

(٢) قال الشهيد قدس سره في الروضة : ص ٤٠ في الفصل السادس من كتاب الصلاة في بيان صلاة الآيات ما لفظه : «وكذا يستحب الغسل للجمعة ، الى ان قال : «ونيروز الفرس ، والمشهور الان انه يوم نزول الشمس في الحمل ، وهو الاعتدال الربيعي وفي بعض الحواشي : وهو أول سنة الفرس ، وهي نزول الشمس في برج الحمل ، أو بعاشر أيار» الى آخره.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) تقدم آنفا.

١٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والأقرب من هذه التفاسير : أنه يوم نزول الشمس برج الحمل ، لوجوه.

(ألف) : أنّه أعرف بين الناس وأظهر في استعمالهم ، وانصراف الخطاب المطلق الشامل لكلّ مكلّف إلى معلوم في العرف ، وظاهر في الاستعمال أولى من انصرافه إلى ما كان على الضّد من ذلك. ولأنّه المعلوم من عادة الشرع وحكمته ، ألا ترى كيف علّق أوقات الصلاة بسير الشمس الظاهر ، وصوم رمضان برؤية الهلال ، وكذا أشهر الحج. وهي أمور ظاهرة يعرفها عامّة الناس ، بل الحيوانات.

فان قلت : استعماله في نزول الشمس برج الحمل غير ظاهر الاستعمال في بلاد العجم ، حتّى أنّهم لا يعرفونه وينكرون على معتقده فلم خصّصت ترجيح العرف الظاهر في بعض البلاد دون بعض؟ وأيضا فإن ما ذكرته حادث ويسمّى النيروز السلطاني ، والأوّل أقدم حتّى قيل : انه منذ زمان نوح (عليه السلام).

فالجواب عن الأوّل : أنّ العرف إذا تعدّد انصرف إلى العرف الشرعي ، فان لم يكن فإلى أقرب البلاد واللغات إلى الشرع ، فيصرف إلى لغة العرب وبلادها ، لأنّها أقرب إلى الشرع.

وعن الثاني : بأنّ التفسيرين معا متقدّمان على الإسلام.

(ب) : أنّه مناسب لما ذكره صاحب الأنواء : من أنّ الشمس خلقت من الشرطين ، وهما أوّل الحمل ، فيناسب ذلك إعظام هذا اليوم الذي عادت فيه إلى مبدإ كونها.

(ج) : أنّه مناسب لما ذكره السيد رضى الدين علي بن طاوس قدّس الله روحه : إنّ ابتداء العالم وخلق الدنيا كان في شهر نيسان ولا شك أنّ نيسان يدخل والشمس في الحمل ، وإذا كان ابتداء العالم في مثل هذا اليوم ، يناسب أن يكون يوم عيد وسرور ، ولهذا ورد استحباب التطيّب فيه بأطيب الطيب ولبس أنظف الثياب ومقابلته بالشكر والدعاء والتأهّب لذلك بالغسل وتكميله بالصوم والصلاة المرسومة

١٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

له (١) ، حيث كان فيه ابتداء النّعمة الكبرى ، وهي الإخراج من حيّز العدم إلى الوجود ، ثمَّ تعريض الخلق لثوابه الدائم. ولهذا أمرنا بتعظيم يوم المبعث والغدير ، حيث كان فيهما ابتداء منصب النبوّة والإمامة ، وكذا المولودين.

فان قلت : نسبته إلى الفرس يؤيّد الأوّل ، لأنّهم واضعوه ، والثاني وضعه قوم مخصوصون ولم يوافقهم الباقون.

قلنا : يكفي في نسبته إليهم ، أن تقول به طائفة منهم وإن قصروا في العدد عمّن لم يقل به ، ألا ترى إلى قوله تعالى (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ ، وَقالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ) (٢) وليس القائل بذلك كلّ اليهود ولا كلّ النصارى. ومثله قوله تعالى (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) (٣) وليس إشارة إلى أهل الكتاب بأجمعهم ، بل إلى عبد الله بن سلام وأصحابه.

زيادة

وممّا ورد في فضله ويعضد ما قلناه ، ما حدّثني به المولى السيد المرتضى العلّامة بهاء الدين علي بن عبد الحميد النسّابة دامت فضائله ، ما رواه بإسناده إلى المعلّى بن خنيس عن الصادق (عليه السلام) : إنّ يوم النوروز ، هو اليوم الّذي أخذ فيه النّبي (صلّى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين (عليه السلام) العهد بغدير خم ، فأقرّوا له بالولاية ، فطوبى لمن ثبت عليها والويل لمن نكثها ، وهو اليوم الّذي وجّه فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عليّا (عليه السلام) إلى وادي الجن ، فأخذ عليهم العهود والمواثيق. وهو اليوم الذي ظفر فيه بأهل النّهروان ، وقتل ذا الثدية. وهو اليوم الذي

__________________

(١) رواه في الوسائل : ج ٥ ، ص ٢٨٨ ، باب ٤٨ ، من أبواب بقية الصلوات المندوبة ، حديث ١ ، نقلا عن مصباح المتهجد.

(٢) سورة التوبة : ٣٠.

(٣) سورة الرعد : ٣٦.

١٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

يظهر فيه قائمنا أهل البيت وولاة الأمر ويظفّره الله تعالى بالدجّال ، فيصلبه على كناسة الكوفة. وما من يوم نوروز إلّا ونحن نتوقّع فيه الفرج ، لأنه من أيّامنا حفظه الفرس وضيّعتموه. ثمَّ إنّ نبيّا من أنبياء بني إسرائيل سأل ربّه أن يحيي القوم الّذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فأماتهم الله تعالى ، فأوحى إليه أن صبّ عليهم الماء في مضاجعهم ، فصبّ عليهم الماء في هذا اليوم ، فعاشوا وهم ثلاثون ألفا ، فصار صب الماء في يوم النيروز سنّة ماضية لا يعرف سببها إلّا الراسخون في العلم. وهو أوّل يوم من سنة الفرس.

قال المعلّى : وأملى عليّ ذلك ، فكتبته من إملائه (١).

وعن المعلّى أيضا قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في صبيحة يوم النيروز. فقال : يا معلّى أتعرف هذا اليوم؟ قلت : لا ، ولكنّه يوم يعظّمه العجم ، يتبارك فيه. قال : كلّا والبيت العتيق الذي ببطن مكّة ما هذا اليوم إلّا لأمر قديم ، أفسّره لك حتّى تعلمه. قلت : لعلمي هذا من عندك أحبّ إليّ من ان تعيش أترابي ويهلك الله أعداء كم (امواتي وتموت أعدائي) قال : يا معلّى يوم النيروز ، هو اليوم الذي أخذ الله فيه ميثاق العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وأن يدينوا برسله وحججه وأوليائه ، وهو أوّل يوم طلع فيه الشمس ، وهبّت فيه الرياح اللّواقح ، وخلقت فيه زهرة الأرض. وهو اليوم الذي استوت فيه سفينة نوح (عليه السلام) على الجودي ، وهو اليوم الذي أحيا الله فيه القوم الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثمَّ أحياهم ، وهو اليوم الذي هبط فيه جبرئيل (عليه السلام) على النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وهو اليوم الذي كسر فيه إبراهيم

__________________

(١) رواهما العلّامة المجلسي قدس سره بسند واحد مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ. لاحظ البحار : ج ٥٩ ، ص ٩١ ، باب ٢٢ ، يوم النيروز وتعيينه وسعادة أيام شهور الفرس والروم ، ونحوستها ، حديث ١.

١٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(عليه السلام) أصنام قومه ، وهو اليوم الذي حمل فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمير المؤمنين عليا (عليه السلام) على منكبه حتّى رمى أصنام قريش من فوق البيت الحرام وهشّمها (١) والخبر بطوله.

والشاهد في هذين الحديثين من وجوه.

(ألف) : قوله : (أنه اليوم الّذي أخذ فيه العهد بغدير خم) وهذا تاريخ وكان ذلك سنة عشرة من الهجرة وحسب ، فوافق نزول الشمس الحمل في التاسع عشر من ذي الحجة على حساب التقويم ، ولم يكن الهلال رؤي بمكّة في ليلة الثلاثين ، فكان الثامن عشر من ذي الحجة على الرؤية.

(ب) : كون صبّ الماء في ذلك اليوم سنّة شائعة. والظاهر أنّ مثل هذه السنّة العامّة الشاملة لسائر المكلفين أن يكون صبّ الماء في وقت لا ينفر منه الطبع ويأباه ، ولا يتصوّر ذلك مع كون الشمس في الجدي ، لأنّه غاية القمر في البلاد الإسلاميّة.

(ج) : قوله في الحديث الثاني : (وهو أوّل يوم خلقت فيه الشمس) وهو مناسب لما قيل أنّ الشمس خلقت في (الشرطين).

(د) : قوله : (وفيه خلقت زهرة الأرض) وهذا إنّما يكون في الحمل دون الجدي ، وهو ظاهر (٢).

__________________

(١) راجع الى التعليقة الاولى في الصفحة السابقة.

(٢) نقل العلّامة المجلسي قدّس سرّه كلامه برمته من قوله : «تنبيه : يوم النيروز يوم جليل القدر وتعيينه من السنة غامض ، الى هنا ، ثمَّ أورد بعده تحقيقات شافية ، أعرب فيها عن الغوامض وأظهر فيها المصالح ، وان شئت لاحظ ، بحار الأنوار : ج ٥٩ ، باب ٢٢ ، يوم النيروز وتعيينه وسعادة أيام شهور الفرس والروم ونحوستها ، ذيل الفائدة الثانية ، ص ١١٧ ، أقول : في نسخة (ج) زيادة أسطر على ما نقلناه من نسختي (ألف ـ ب) ولما لم تكن الزيادة في البحار ولم ينقله العلّامة المجلسي بل كتب بعد قوله (وهو ظاهر) انتهى كلامه ، رحمه الله فلذا أعرضنا عن نقلها ، والله العاصم.

١٩٦

الركن الثالث

في الطهارة الترابيّة

والنظر في أمور أربعة

الأوّل : شرط التيمّم : عدم الماء ، أو عدم الوصلة إليه ، أو حصول مانع من استعماله كالبرد والمرض ، ولو لم يوجد إلّا ابتياعا وجب وإن كثر الثمن ، وقيل : ما لم يضر في الحال ، وهو الأشبه ، ولو كان معه ماء وخشي العطش ، تيمّم إن لم يكن فيه سعة عن قدر الضرورة ، وكذا لو كان على جسده نجاسة ومعه ما يكفيه لإزالتها ، أو للوضوء ، أزالها وتيمّم وكذا من معه ماء لا يكفيه لطهارته.

وإذا لم يوجد للميّت ماء يمّم كالحي العاجز.

______________________________________________________

الركن الثالث

في الطهارة الترابيّة

قال طاب ثراه : ولو لم يجد إلّا ابتياعا وجب ، ولو كثر الثمن ، وقيل : ما لم يضرّ في الحال. وهو الأشبه.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(ألف) : قال أبو علي : إذا كان الثمن غاليا ، تيمّم وصلّى وأعاد إذا وجد الماء ، صيانة للمال عن التلف ، كما لو خاف لصّا (١).

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة ، في التيمم ، ص ١٠١ ، س ٣٥ ، ولفظه : «وقال ابن الجنيد منا : إذا كان

١٩٧

الثاني : فيما يتيمّم به : وهو التراب الخالص دون ما سواه من المنسحقة كالأشنان ، والدقيق ، والمعادن كالكحل والزرنيخ.

ولا بأس بأرض النورة والجص. ويكره بالسبخة والرمل.

______________________________________________________

(ب) : قال المرتضى : يجب الشراء وان كثر الثمن مع القدرة عليه (١). وأطلق ، محتجّا برواية صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : سألته عن رجل احتاج إلى وضوء الصلاة ، وهو لا يقدر على الماء ، فوجد قدر ما يتوضأ به بمائة درهم أو بألف درهم ، وهو واجد لها ، يشتري ويتوضأ أو يتيمّم؟ قال : بل يشتري ، قد أصابني مثل هذا فاشتريت ، وما يشتري بذلك مال كثير (٢).

(ج) : الوجوب بشرط عدم الضرر الحالي. وهو مذهب الشيخ في كتبه كلّها (٣) وفتوى فقهائنا ، وفقهاء الجمهور (٤) واختاره المصنّف (٥).

واحتج على الوجوب مع عدم الضرر : بما تقدّم. وعلى تقديره. بان من خشي من لصّ أخذ ما يجحف به ، لم يجب عليه السعي ، وتعرّض المال للتلف. وإذا ساغ التيمّم هناك دفعا لهذا الضرر ، ساغ هنا. ويؤيّده رواية يعقوب بن سالم قال : سألت

__________________

الثمن غاليا تيمم وصلّى وأعاد إذا وجد الماء».

(١) قال في المعتبر : كتاب الطهارة في التيمم ، ص ١٠١ ، س ٣٠ ، «مسألة إذا لم يوجد الا ابتياعا وجب مع القدرة ، وان كثر الثمن كذا قال : علم الهدى».

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٧٤ ، كتاب الطهارة ، باب النوادر ، حديث ١٧ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.

(٣) النهاية : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٤٥ ، س ١٩. والمبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، فصل في ذكر التيمم وأحكامه ، ص ٣٠ ، س ١٤. والخلاف : كتاب الطهارة ، ج ١ ، ص ٣٨ ، مسائل التيمّم. مسألة ١١٧.

(٤) راجع الخلاف : كتاب الطهارة ، ج ١ ، ص ٣٩ ، مسائل التيمم ، مسألة ١١٧.

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة ، في التيمم ، ص ١٠١ ، س ٣١ ، قال : «وقيل : ما لم يضر به في الحال ، وهو أشبه».

١٩٨

وفي جواز التيمّم بالحجر تردّد ، وبالجواز قال الشيخان.

ومع فقد الصعيد تيمّم بغبار الثوب واللبد وعرف الدابّة ، ومع فقده بالوحل.

الثالث : في كيفيّته.

ولا يصحّ قبل دخول الوقت ، ويصحّ مع تضيّقه ،

______________________________________________________

أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يكون معه ماء ، والماء عن يمين الطريق ويساره غلوتين ، أو نحو ذلك؟ قال : لا آمره أن يغرّر بنفسه ، فيعرض له لصّ أو سبع (١).

قال طاب ثراه : وفي جواز التيمّم بالحجر تردّد ، وبالجواز قال الشيخان.

أقول : قال المصنّف في المعتبر : الحجر الصلد كالرخام والصفا والبرام يجوز التيمّم به ، وان لم يكن عليه غبار ، قاله الشيخ وعلم الهدى ، وقال المفيد : يجوز مع الاضطرار ، ومنعه الشافعي أصلا. لنا قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً) والصعيد وجه الأرض ، والحجر أرض إجماعا.

لا يقال : الصعيد تراب الحرث كما نقل عن ابن عباس رضي الله عنه ، وقوله حجّة.

لأنا نقول : هذا يبطل بالرمل والسبخة فإن التيمّم بهما جائز ، وان لم يكونا من تراب الحرث.

وانّما قال في الأصل : (فيه تردّد) لأنّ علم الهدى قال في المصباح : لم أقف لأصحابنا فيه على نصّ ، والمفيد أجازه عند الاضطرار ، فنشأ التردّد من ذلك (٢).

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٦٥ ، كتاب الطهارة ، باب الوقت الذي يوجب التيمم ومن تيمم ثمَّ وجد الماء ، حديث ٨.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، في التيمم ، ص ١٠٣ ، س ٣٥.

١٩٩

وفي صحّته مع السعة قولان : أحوطهما التأخير.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي صحّته مع السعة قولان :

أقول : في المسألة ثلاث أقوال :

الأوّل : ذهب الشيخ (١) ، والمرتضى (٢) ، وسلّار (٣) ، وابن إدريس (٤) ، إلى وجوب التأخير ، لوجوه.

(ألف) : قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) شرط في جوازه فقدان الماء في الوقت. وانّما يتحقّق بالعدم في جميع أجزائه ، ولا يعلم إلّا بالتأخير حتّى يمضي.

(ب) : عموم الأخبار الدالّة على وجوب التأخير إلى آخر الوقت. روى يعقوب بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن رجل تيمّم فصلّى فأصاب بعد صلاته ماء أيتوضّأ ويعيد الصلاة ، أم تجوز صلاته؟ قال : إذا وجد الماء قبل أن يمضي الوقت توضّأ وأعاد ، وإن مضى الوقت فلا إعادة عليه (٥).

ولو كان مأمورا بالصلاة في أوّله ، لم يعد ، لاقتضاء الأمر الإجزاء.

(ج) : الاحتياط ، فان المتيمّم آخر الوقت يصحّ صلاته قطعا ، بخلاف المتيمّم في أوّله.

__________________

(١) قال في النهاية : كتاب الطهارة ، ص ٤٧ ، س ١٩ «والتيمم يجب آخر الوقت الى تضيقه ، فلا يجوز التيمم قبل دخول وقت الصلاة ، ولا بعد دخوله في أول وقت».

(٢) جمل العلم والعمل : فصل في التيمم ، ص ٥٢ ، س ٨ ، قال : «ولا يجوز التيمم الا عند تضييق الصلاة».

(٣) المراسم : ذكر ما يقوم مقام الماء ، ص ٥٤ ، س ٤ ، قال : «ولا يتيمّم إلا في آخر الوقت وعند تضيقه».

(٤) السرائر : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٢٦ ، س ٥ ، قال : «ولا يجوز له التيمم قبل دخول وقت الصلاة ، بل لا يجوز التيمم إلا في آخر وقت الصلاة وعند تضيّقها» انتهى.

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ١٩٣ ، باب ٨ التيمم واحكامه ، حديث ٣٣ ، وفيه : «توضأ وأعاد الصلاة».

٢٠٠