المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

اختيار المصنّف (١) والعلّامة (٢) (٣).

احتجّ الثلاثة على مطلوبهم : بما رواه زرارة ، ومحمد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما (عليهما السلام) قال : قلت له : رجل دخل في الصلاة وهو متيمّم فصلّى ركعة ، ثمَّ أحدث فأصاب الماء؟ قال : يخرج ويتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضي من صلاته التي صلّى بالتيمّم (٤)

وفي الصحيح عن زرارة ، ومحمد بن مسلم قال : قلت : في رجل لم يصب الماء ، وحضرت الصلاة ، فتيمّم وصلّى ركعتين ، ثمَّ أصاب الماء. أينقض الركعتين ، أو يقطعهما ويتوضّأ ثمَّ يصلّي؟ قال : لا ولكنّه ، يمضي في صلاته ، ولا ينقضها ، لمكان أنه دخلها وهو على طهور بتيمّم. قال زرارة : قلت له : دخلها وهو متيمّم ، فصلّى ركعة وأحدث ، فأصاب ماء؟ قال : يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم (٥).

وعن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل صلّى ركعة على تيمّم ، ثمَّ جاء رجل ومعه قربتان من ماء؟ قال : يقطع الصلاة ويتوضّأ ثمَّ يبني على واحدة (٦).

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ١١٣ ، س ١.

(٢) المختلف : احكام التيمم ، ص ٥٣ ، س ٣ ، قال بعد نقل المنع من ابن إدريس : وهو الأقوى عندي ، لنا : ان صحة الصلاة مشروطة بدوام الطهارة ، وقد زال الشرط فيزول المشروط» الى آخره.

(٣) لا يخفى ان المحقق قدّس سرّه يوافق المفيد والشيخ في هذه المسألة ، من الطهارة والبناء. والعلّامة قدّس سرّه يوافق ابن إدريس في بطلان الصلاة ووجوب الاستيناف. فراجع ما قرّراه من الدليل. فعلى هذا كلام الماتن قدّس سرّه من قوله : (وهو اختيار المصنّف والعلّامة) لا يخلو من إجمال.

(٤) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٤ ، باب ٨ التيمّم واحكامه ، حديث ٦٨.

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٥ ، باب ٨ التيمّم واحكامه ، حديث ٦٩.

(٦) التهذيب : ج ١ ، ص ٤٠٣ ، أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة باب ٢٠ : التيمّم واحكامه ، ح ١.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

فالحسن عمل بهذه الأحاديث على عمومها (١) ، والشيخان نزّلاها على النسيان (٢).

ووجهه إنّ تعمّد الحدث مبطل إجماعا ، فلا يجوز حمل الرواية عليه ، إذ الخبر لا يعارض الإجماع ، وحملت على المشهور. لأنّ الواقع من الصلاة وقع مشروعا ، مع بقاء الحدث ، فلا يبطل بزوال الاستباحة ، كالمبطون إذا فجأه الحدث.

فان قيل : هذا ينتقض بالطهارة المائيّة ، فإن تجدّد الحدث يبطلها وهي أقوى ، ومبطل الأقوى مبطل الأضعف.

أجيب : بأن الطهارة المائيّة رافعة للحدث ، فالحدث المتجدّد فيها مبطل لذلك الرفع.

واعلم : أنّ هذه الأحاديث قد خالفت الأصول من وجوه.

(ألف) : عدم الحكم ببطلان الصلاة التي وقع الحدث في أثنائها.

(ب) : وجوب قطع الصلاة مع عدم الحكم ببطلانها.

(ج) : وجوب التطهير والبناء ، وبينهما منافاة.

وكذا فتوى الشيخين بالفرق بين حصول الحدث نسيانا ، وبينه عمدا. ولم يفرّقا في غير هذه المسألة بينهما.

وأجاب العلّامة : عن قول السائل (وقد صلّى ركعة) بحمل الركعة على الصلاة مجازا ، إطلاقا لاسم الجزء على الكل.

وقوله : (يخرج ويتوضّأ ثمَّ يبني على ما مضى من صلاته) إشارة إلى الاجتزاء

__________________

(١) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥٣ ، س ١ ، قال : «قال ابن أبي عقيل : من تيمّم وصلّى ثمَّ أحدث فأصاب ماء خرج فتوضّأ ثمَّ بنى».

(٢) اي المفيد في المقنعة : باب التيمم وأحكامه ، ص ٨ ، س ١٨ ، والشيخ الطوسي في النهاية باب التيمم واحكامه ، ص ٤٨ ، س ١٥.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بتلك الصلوات السابقة على وجدان الماء ، وعن مضمون الرواية الثانية من التفصيل بين الركعة والركعتين ، بذلك أيضا. وباحتمال رجوعه استحبابا إذا صلّى ركعة واحدة. وعن الرواية الثالثة ، بمنع سندها. وتأويل الشيخين رضي الله عنهما بالتفصيل لا يدلّ عليه الأحاديث (١).

واعلم : أنّ الحديثين الأوّلين الدالّين على عدم بطلان الصلاة بالحدث ، من الصحاح. لكنّهما ليسا من قبيل المتواتر ، فلا يصلحان لتخصيص ما دلت عليه عموم الأدلّة القاطعة والأصول المسلّمة التي وقع الإجماع عليها. ويجوز أن يحملا على التأويل البعيد من حيث صحّتهما.

__________________

(١) المختلف : كتاب الطهارة ، الفصل الرابع في الأحكام ، ص ٥٣ ، س ١١ ، قال : «والجواب عن الحديث الأول انا نحمل الركعة» الى آخره.

٢٢٣

الركن الرابع

في

النجاسات

والنظر في أعدادها وأحكامها.

وهي عشرة : البول ، والغائط ممّا لا يؤكل لحمه ، ويندرج تحته الجلّال ، والمني ، والميتة ممّا يكون له نفس سائلة ، وكذا الدم ، والكلب ، والخنزير ، والكافر ، وكلّ مسكر ، والفقّاع.

______________________________________________________

الركن الرابع

في

النجاسات

إنّما أخّر هذا الركن عن الأركان المتقدّمة عليه ، لأنّه في الحقيقة ليس بطهارة شرعيّة. وإنما ذكر في كتاب الطهارة ، إمّا لكونه طهارة لغويّة ، فذكر استطرادا واستتباعا عقيب ذكر الطهارة الشرعيّة. أو لأنّ التمكّن من فعل الماهيّة إنّما يكون بفعل شرطها وإزالة مانعها. فلمّا ذكر مباحث الشرط لزمه ذكر مباحث إزالة المانع ، ولا شك أنّ النجاسة مانعة من الصلاة ، فلا بدّ من ذكر مباحثها.

٢٢٤

وفي نجاسة عرق الجنب من الحرام ، وعرق الإبل الجلّالة ، ولعاب المسوخ ، وذرق الدجاج والثعلب والأرنب ، والفأرة والوزغة ، اختلاف.

والكراهية أظهر.

وأمّا أحكامها فعشرة :

الأوّل : كل النجاسات يجب إزالة قليلها وكثيرها عن الثوب والبدن عدا الدم فقد عفى عمّا دون الدرهم سعة في الصلاة ، ولم يعف عمّا زاد عنه ،

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي عرق الجنب من الحرام (١) ، وعرق الإبل الجلّالة ، ولعاب المسوخ ، وذرق الدجاج والثعلب والأرنب والفأرة والوزعة ، اختلاف. والكراهية أظهر.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : عرق الجنب من الحرام ، وفيه قولان :

(ألف) : النجاسة. وهو مذهب الشيخين (٢) ، وبه قال الصدوق (٣) ، والقاضي (٤).

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في المتن «وفي نجاسة عرق الجنب من الحرام» فراجع.

(٢) اي الشيخ المفيد في المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ١٨ ، قال : «ولا بأس بعرق الحائض والجنب ولا يجب غسل الثوب منه إلّا ان تكون الجنابة من حرام ، فيغسل ما أصابه من عرق صاحبها من جسد وثوب» الى آخره. والشيخ الطوسي في النهاية : كتاب الطهارة ، باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥٣ ، س ١١ ، قال : «ولا بأس بعرق الجنب والحائض في الثوب ، واجتنابه أفضل ، اللهم الا ان تكون الجنابة من حرام ، فإنه يجب عليه غسل الثوب إذا عرق فيه».

(٣) المقنع : كتاب الطهارة ، باب الغسل من الجنابة وغيرها ، ص ١٤ ، س ٤ ، قال : «وقال والدي في رسالته اليّ : الى ان قال : وان كانت الجنابة من حرام ، فحرام الصلاة فيه». وفي الفقيه : ج ١ ، ص ٤٠ ، باب ١٦ ، باب ما ينجس الثوب والبدن ، ذيل حديث ٥ ، قال : «وان كانت الجنابة من حلال ، فحلال الصلاة فيه ، وان كانت من حرام فحرام الصلاة فيه».

(٤) المهذب : ج ١ ، باب ما يتبع الطهارة ويلحق بها ، ص ٥١ ، س ١٣ ، قال : «وعرق الجنب من حرام».

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

احتجّوا بحسنة محمد الحلبي : قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل أجنب في ثوبه ، وليس معه ثوب غيره؟ قال : تصلّي فيه وإذا وجد الماء غسله (١).

قال الشيخ : هذا الخبر يحتمل شيئين :

أحدهما وهو الأشبه ، أن يكون أصاب الثوب نجاسة من المني ، فحينئذ يصلّي فيه إذا لم يجد غيره ولا يمكنه نزعه ، وكان عليه الإعادة ، ويحتمل ان يكون المراد : إذ أصابته الجنابة من حرام وعرق فيه ، فإنّه يصلّي فيه ، وإذا وجد الماء غسله (٢).

والجواب : المراد بالحديث : إذا أصاب الجنابة الثوب يصلّي فيه ، لعدم غيره على ما تضمّنه سؤال السائل ، ثمَّ يغسله إذا وجد الماء ، لوجود النجاسة.

وبالطهارة قال سلّار (٣) ، وابن إدريس (٤) لوجوه :

(ألف) : الأصل.

(ب) : انّ الجنب من الحرام ليس بنجس ، فلا يكون عرقه نجسا ، كغيره من الحيوانات الطاهرة.

(ج) : ما رواه أبو أسامة في الحسن قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الجنب يعرق في ثوبه ، أو يغتسل فيعانق امرأته ، أو يضاجعها ، وهي حائض أو جنب فيصيب جسده من عرقها؟ قال : هذا كلّه ليس بشي‌ء (٥) ولم يفصّل بين

__________________

(١) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٨٧ ، باب ١١٠ ، عرق الجنب والحائض يصيب الثوب ، حديث ١٢ ، ثمَّ قال بعد نقل الحديث : «فهذا الخبر يحتمل شيئين» الى آخره.

(٢) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٨٧ ، باب ١١٠ ، عرق الجنب والحائض يصيب الثوب ، حديث ١٢ ، ثمَّ قال بعد نقل الحديث : «فهذا الخبر يحتمل شيئين» الى آخره.

(٣) المراسم : ذكر تطهير الثياب وما يصلى عليه ، ص ٥٦ ، س ١٤ ، قال : «فأما غسل الثياب الى ان قال : وعرق الجنب من حرام فأصحابنا يوجبون إزالته ، وهو عندي ندب».

(٤) السرائر : كتاب الطهارة ، باب تطهير الثياب من النجاسات ، ص ٣٦ ، س ٢٨ ، فإنه قدّس سرّه ، بعد نقل قول الشيخ في المبسوط ، قال : «ويقوي في نفسي ان ذلك تغليظ في الكراهة دون فساد الصلاة لو صلى فيه» الى آخره.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٢ ، كتاب الطهارة ، باب الجنب يعرق في الثوب ، أو يصيب جسده ثوبه وهو رطب ، ح ١.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الحلال والحرام.

الثانية : عرق الإبل الجلّالة. وفيه قولان :

(ألف) : النّجاسة. قاله الشيخان (١) والقاضي (٢).

لصحيحة هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا تأكلوا لحوم الجلّالة ، وإن أصابك من عرقها فاغسله (٣).

وأجيب : بحمله على الاستحباب.

(ب) : الطّهارة ، قاله سلّار (٤) ، وابن إدريس (٥) ، واختاره المصنّف (٦) ،

__________________

(١) اي الشيخ المفيد في المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ١٦ ، قال : «ويغسل الثوب أيضا من عرق الإبل الجلالة إذا اصابه كما يغسل من سائر النجاسات». والشيخ الطوسي في النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥٣ ، س ١٣ : «وإذا أصاب الثوب عرق الإبل الجلّالة وجب عليه إزالته».

(٢) لم نجد في المهذب الحكم بنجاسة عرق الإبل الجلّالة ، لاحظ المهذب : ج ١ ، باب فيما يتبع الطهارة ويلحق بها ، ص ٥١ ، س ١٣ ، قال : «وذرق الدجاج الجلّال والإبل الجلّالة وعرق الجنب من حرام. ولكن قال في المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٧ ، س ٢ ، قال الشيخان : «يجب إزالة عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلالة عن الثوب والبدن وهو اختيار ابن البراج».

(٣) الكافي : ج ٦ ، ص ٢٥٠ ، كتاب الأطعمة ، باب لحوم الجلالات وبيضهن ، والشاة تشرب الخمر ، حديث ١ ، وفيه «لحوم الجلّالات».

(٤) المراسم : ذكر تطهير الثياب وما يصلى عليه ، ص ٥٦ ، س ١٤ ، قال : «فاما غسل الثياب من ذرق الدجاج وعرق جلال الإبل الى ان قال : وهو عندي ندب».

(٥) كلام ابن إدريس في السرائر يوهم خلاف ذلك ، لاحظ السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات ، ص ٣٦ ، س ٣١ ، قال : «وعرق الإبل الجلالة يجب إزالته على ما ذهب إليه بعض أصحابنا» ولكن قال في المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٧ ، س ٤ ، والمشهور : «الطهارة وهو اختيار سلّار وابن إدريس وهو المعتمد».

(٦) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٣ ، الركن الرابع في النجاسات قال : «وفي عرق الجنب من الحرام وعرق الإبل الجلّالة والمسوخ خلاف ، والأظهر الطهارة».

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلّامة (١) ـ ، للأصل. ولأنّها ليست نجسة ، فلا يكون عرقها نجسا ، كغيرها.

الثالثة : لعاب المسوخ ، وفيه قولان :

(ألف) : النجاسة ، قاله سلّار (٢) ، وابن حمزة (٣) ، والشيخ في الخلاف في كتاب البيوع. حيث منع من بيع القرد لانّه مسخ نجس (٤).

احتجّوا : بان المسوخ يحرم بيعها ، ولا مانع سوى النجاسة.

وهما ممنوعان.

(ب) : الطهارة ، وهو مذهب المصنّف (٥) ، والعلّامة (٦). لأصالة الطهارة. ولأنّ المسوخ لو كانت نجسة ، وأحد أنواعها الفيل ، لكان عظمه نجسا ، والتالي باطل ، لما رواه عبد الحميد بن سعد قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن عظام الفيل ، يحلّ بيعه أو شرائه ، الذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : لا بأس. قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط (٧).

الرابعة : ذرق الدجاج غير الجلّال ، وفيه مذهبان :

__________________

(١) تقدم آنفا.

(٢) المراسم : ذكر تطهير الثياب وما يصلى عليه ، ص ٥٥ ، س ٨ ، قال : «ولعاب الكلب والمسوخة».

(٣) المختلف : في أحكام النجاسات ، ص ٥٨ ، س ٢ ، قال : «وكذا (أي نجاسة المسوخ) قال سلار وابن حمزة».

(٤) الخلاف : كتاب البيوع ، ج ٢ ، ص ٨١ ، مسألة ٣٠٨ ، قال : «لا يجوز بيع شي‌ء من المسوخ مثل القرد والخنزير».

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة ، في الأسئار ، ص ٢٥ ، س ٩ ، قال : «الفرع السادس ، قال بعض الأصحاب : لعاب المسوخ نجس» الى ان قال س ١٠ : «والوجه الكراهية».

(٦) المختلف : باب النجاسات وأحكامها ، ص ٥٨ ، س ٣ ، قال : «والأقرب عندي الطهارة».

(٧) الكافي : ج ٥ ، ص ٢٢٦ ، كتاب المعيشة ، باب جامع فيما يحل الشراء والبيع منه وما لا يحل ، حديث ١.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألف) : النجاسة ، وهو مذهب الشيخين (١) لما رواه محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن عيسى ، عن فارس قال : كتب إليه رجل يسأله عن ذرق الدجاج ، يجوز الصلاة فيه؟ فكتب : لا (٢) وهي مقطوعة.

وأجاب في الاستبصار : بحملها على الجلّال ، أو التقيّة ، لأنّ ذلك مذهب كثير من العامّة (٣).

(ب) : الطهارة ، وهو مذهب ابن بابويه في كتابه (٤) ، والمرتضى في المسائل الناصرية (٥) ، والتقي (٦) ، والحسن (٧) ، والقاضي (٨) ، واختاره المصنّف (٩) ، والعلّامة (١٠). لما رواه زرارة في الحسن أنّهما قالا : لا تغسل ثوبك من بول كلّ شي‌ء

__________________

(١) أي الشيخ المفيد في المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ١٥ ، قال : «ويغسل الثوب من ذرق الدجاج خاصة» الى آخره. والشيخ الطوسي في النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥١ ، قال : «ولا بأس بذرق كل شي‌ء من الطيور ، الى ان قال : سوى ذرق الدجاج خاصة ، فإنه يجب إزالته على كل حال» الى آخره.

(٢) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب ذرق الدجاج ، حديث ٢.

(٣) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب ذرق الدجاج ، حديث ٢.

(٤) الفقيه : ج ١ ، ص ٤١ ، باب ١٦ ، ما ينجس الثوب والجسد ، ذيل حديث ١٦ ، قال : «ولا بأس بخرء الدجاجة والحمامة لو أصاب الثوب».

(٥) الجوامع الفقهية : المسائل الناصريّة ، ص ٢١٧ ، المسألة ١٢ ، قال : «كل حيوان يؤكل لحمه فبوله وروثه طاهر ، هذا صحيح».

(٦) المختلف : باب النجاسات وأحكامها ، ص ٥٥ ، س ٣٧ ، قال : «وفي ذرق غير الجلال قولان : أحدهما الطهارة» الى ان قال : س ٣٨ «وكذا قال أبو الصلاح ، وهو الظاهر من كلام ابن ابي عقيل وابن البراج».

(٧) المختلف : باب النجاسات وأحكامها ، ص ٥٥ ، س ٣٧ ، قال : «وفي ذرق غير الجلال قولان : أحدهما الطهارة» الى ان قال : س ٣٨ «وكذا قال أبو الصلاح ، وهو الظاهر من كلام ابن ابي عقيل وابن البراج».

(٨) المختلف : باب النجاسات وأحكامها ، ص ٥٥ ، س ٣٧ ، قال : «وفي ذرق غير الجلال قولان : أحدهما الطهارة» الى ان قال : س ٣٨ «وكذا قال أبو الصلاح ، وهو الظاهر من كلام ابن ابي عقيل وابن البراج».

(٩) المعتبر : كتاب الطهارة ، الركن الرابع في النجاسات ، ص ١١٤ ، س ٢١ ، قال : «وفي ذرق الدجاج روايتان» الى ان قال ، س ٢٢ : «والثانية الطهارة ما لم يكن جلالا ، وهو مذهب الشيخ في التهذيب ، وهو الحق».

(١٠) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات وأحكامها ، ص ٥٦ ، س ١ ، قال : «الا ان الشيخ رحمه الله ذهب الى طهارته في الاستبصار ، وهو المعتمد».

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

يؤكل لحمه (١).

وعن وهب بن أبي وهب ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) قال : لا بأس بخرء الدجاج والحمام يصيب الثوب (٢) ولأصالة الطهارة.

الخامسة : الثعلب والأرنب ، وبنجاستهما قال الشيخ في النهاية (٣) ، والمبسوط (٤) ، وبه قال المفيد (٥) ، والتقى (٦) ، والقاضي (٧).

لما رواه يونس عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته هل يجوز أن يمسّ الثعلب والأرنب أو شي‌ء من السباع حيّا أو ميّتا؟ قال : لا يضرّه ،

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، باب تطهير المياه من النجاسات ، حديث ٤١ ، وفيه : «من بول ما يؤكل لحمه».

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٨٣ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ١١٨.

(٣) النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥٢ ، س ١٥ ، قال : «وإذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب» إلى أن قال : س ١٦ «وجب غسل الموضع الذي أصابه».

(٤) المبسوط : كتاب الطهارة ، فصل في تطهير الثياب والأبدان من النجاسات ، ص ٣٧ ، س ٥ ، قال : «ما مس الكلب والخنزير والثعلب والأرنب» الى ان قال : س ٦ «وجب غسل الموضع» الى آخره.

(٥) لم نعثر في كلام المفيد قدّس سرّه على تصريح بحكم الثعلب والأرنب وبنجاستهما ، ولعله فهم من قوله في المقنعة ، ص ١٠ ، س ١٤ ، وكذلك ان مس واحد مما ذكرنا جسد الإنسان أو وقعت يده عليه وكان رطبا غسل ما أصابه منه الى آخره. كما ان الشيخ قدّس سرّه في التهذيب بعد نقل العبارة المتقدمة عن المفيد ، استشهد بحديث يونس بن عبد الرحمن عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «سألته هل يجوز أن يمس الثعلب والأرنب أو شيئا من السباع حيّا أو ميّتا؟ قال : لا يضره ولكن يغسل يده. لاحظ التهذيب ، ج ١ ، ص ٢٦٢ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٥٠.

(٦) الكافي في الفقه : فصل في النجاسات ، ص ١٣١ ، س ١٤ ، قال : «والثاني ان يمس الماء وغيره حيوان نجس كالكلب والخنزير والثعلب والأرنب والكافر».

(٧) المهذب : ج ١ ، باب فيما يتبع الطهارة ، ويلحق بها ، ص ٥١ ، س ١٥ ، قال : «أو ولغ فيها كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب».

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولكن يغسل يده (١).

وبالطهارة قال ابن إدريس (٢) ، والمصنّف (٣) ، والعلّامة (٤) ، لأصالة الطهارة.

ولما رواه الفضل ، أبو العباس في الصحيح ، قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فضل الهرّ والشاة والبقرة والإبل والحمار والخيل والبغال والوحش والسباع ، فلم أترك شيئا إلّا سألته عنه؟ فقال : لا بأس ، حتّى انتهيت إلى الكلب فقال : رجس نجس ، الحديث (٥).

السادسة : الفأرة والوزغة. وبنجاستهما قال الشيخان (٦) ، وسلّار (٧).

لما رواه معاوية بن عمّار في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الفأرة والوزغة تقع في البئر؟ قال : ينزح منها ثلاث دلاء (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٦٢ ، باب ١٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٥٠.

(٢) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، ص ٣٨ ، س ٧ ، قال : «وقال بعض أصحابنا في كتاب له : وإذا أصاب ثوب الإنسان» ، إلى أن قال : س ٩ ، قال : «محمد بن إدريس : هذا القول غير واضح» الى آخره.

(٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ١١٨ ، س ١٣ ، قال : «مسألة ، اضطرب قول الأصحاب في الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة» الى ان قال : س ١٨ «والكراهية أظهر».

(٤) المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٧ ، س ٢٩ ، قال : «والوجه عندي طهارة ذلك».

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٢٥ ، باب ١٠ ، المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز ، حديث ٢٩ ، وفيه «الهرة. لا بأس به».

(٦) اي الشيخ المفيد في المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ١٣ ، قال : «وكذا الحكم في الفارة والوزغة الى آخره. والشيخ الطوسي في النهاية : كتاب الطهارة ، باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥٢ ، س ١٥ ، قال : «وإذا أصاب ثوب الإنسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فأرة أو وزغة وكان رطبا وجب غسل الموضع» الى آخره.

(٧) المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٧ ، س ٢٧ ، قال : «وحكم سلّار بنجاسة الفارة والوزغة».

(٨) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٣٨ ، باب ١١ ، تطهير المياه من النجاسات ، حديث ١٩.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو لا النجاسة لما وجب النزح بالموت.

ولما رواه عمّار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) في حديث طويل ، وسأل عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الخبز وشبهه؟ قال : يطرح منه ، ويؤكل الباقي. وعن العظاية تقع في اللبن؟ قال : يحرم اللبن وقال : إنّ فيها السمّ (١).

وأجيب عن الأوّل : بحملها على الاستحباب.

وعن الثاني : بضعف السند ، وكون التحريم في الوزغة لخوف السمّ ، لا النجاسة.

وبالطهارة قال ابن إدريس (٢) ، والمصنّف (٣) ، والعلّامة (٤) ، لوجوه.

(ألف) : الأصل.

(ب) : دلالة رواية البقباق عليه ، وقد تقدّمت (٥).

(ج) : إنّ هذه الأشياء كثير المزاولة للبشر ، فالاحتراز عنها حرج وعسر ، فيكون منفيّا بالآية والرواية.

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٨٤ ، باب ١١ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، قطعة من حديث ١١٩ ، والحديث طويل.

(٢) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، ص ٣٨ ، س ١١ ، قال : «واما قوله : الفأرة والوزغة ، فلا خلاف أيضا في ان سؤر الفأر طاهر» الى ان قال س ١٢ «واما الوزغة ، فإنّها لا نفس لها سائلة كالذباب والزنابير ، وما لا نفس له سائلة ، لا ينجس المائع بموته فيه ، فكيف يصحّ القول بأن سؤره نجس ، وما لاقاه وهو رطب ينجسه». انتهى.

(٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ١١٨ ، س ١٣ ، قال : «اضطرب قول الأصحاب في الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة إلى أن قال بعد أسطر : والكراهية أظهر».

(٤) المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٧ ، س ٢٥ ، قال : «مسألة ، أوجب الشيخ رحمه الله في النهاية غسل ما أصابه الثعلب والأرنب والفأرة والوزغة برطوبة ، إلى أن قال : س ٢٩» والوجه عندي طهارة ذلك أجمع» الى آخره.

(٥) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٢٥ ، باب ١٠ ، المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز ، حديث ٢٩.

٢٣٢

وفيما بلغ قدر الدرهم مجتمعا روايتان ، أشهرهما وجوب الإزالة ، ولو كان متفرّقا لم تجب إزالته.

وقيل : تجب مطلقا ، وقيل : بشرط التفاحش.

الثاني : دم الحيض : تجب إزالته وإن قلّ.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفيما بلغ قدر الدرهم مجتمعا ، روايتان ، أشهرهما وجوب الإزالة ، ولو كان متفرّقا لم تجب إزالته. وقيل : تجب مطلقا ، وقيل : بشرط التفاحش.

أقول : اعلم أنّ الدم قد يكون حدثا وخبثا ، وهو الدماء الثلاثة. وقد يكون خبثا لا حدثا ، وهو الدم المسفوح. ولا يوجد العكس عندنا ، بل عند العامة ، فإن المسرف في الجماع ربّما خرج ماؤه دما غير مستحيل إلى لون المني ، وهو حدث ، وليس بنجس عندهم. وقد ينفك عنهما ، كما في دم البق.

ثمَّ اعلم : أنّ بين الدم والنجاسة عموما وخصوصا من وجه. لصدقهما على الدم المسفوح. ووجودها بدونه في البول. ووجوده بدونها في نحو دم البق.

وهو ينقسم باعتبار آخر إلى ثلاثة أقسام.

قسم يجب إزالة قليله وكثيره ، وهو الدماء الثلاثة ، ودم نجس العين.

وقسم لا يجب إزالة شي‌ء منه ، وهو دم البق والبراغيث والسمك ، والمستخلف في اللحم ممّا لا يقذفه المذبوح.

وهو طاهر عند السيد (١) ، والمصنّف (٢) ، والعلّامة (٣) ، ويظهر من تقسيم الشيخ

__________________

(١) قال السيد في الناصريّات : المسألة ١٥ «الدم كلّه نجس عندنا إلّا دم السمك طاهر لا بأس بقليله وكثيره في الثوب. وكذلك ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبق».

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، في النجاسات ، ص ١١٧ ، س ٨ ، قال : «دم السمك طاهر لا يجب إزالته عن الثوب والبدن» الى آخره.

(٣) المختلف : باب النجاسات ، ص ٥٩ ، س ١٩ ، قال : «وقال السيّد المرتضى رحمه الله : دم السمك طاهر وكذلك ما لا دم له سائل نحو البراغيث والبق وهو المعتمد».

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في الجمل النجاسة (١) ، وكذا يفهم من كلام سلّار (٢).

وقال أبو علي : الدماء كلّها ينجّس الثوب بحلولها فيه ، وأغلظها نجاسة دم الحيض ، وأمّا ما يظهر من السمك بعد موته فليس ذلك عندي دما (٣).

وقسم هو نجس ويعفى عن قدر معيّن منه ، وما زاد لا عفو فيه ، وهو الدم المسفوح وفيه : مسئلتان :

الاولى : المجتمع ، وفي قدر ما عفى عنه مذهبان :

(ألف) : مقدار الدرهم فما دون ، وما زاد يجب إزالته ، وهو مذهب المرتضى (٤) ، وسلّار (٥) ، لأصالة براءة الذمّة من وجوب الإزالة مطلقا ، وترك العمل به فيما زاد.

للإجماع ، فيبقى الباقي على أصله.

ولحسنة محمد بن مسلم قال : قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصّلاة؟

قال : إن رأيت وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ. وان لم يكن عليك غيره ، فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء رأيته قبل أو لم تره. وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم

__________________

(١) الجمل والعقود : ص ١٨ «فصل في ذكر النجاسات ووجوب إزالتها عن الثياب والبدن الى ان قال : والنجاسات على ضربين دم وغير دم ، فالدم على ثلاثة أضرب». الى آخره.

(٢) المراسم : ذكر تطهير الثياب وما يصلى عليه ، ص ٥٥ ، قال : «النجاسات على ثلاثة أضرب إلى أن قال : والثالث دم السمك والبراغيث».

(٣) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، ص ٥٩ ، س ١٧.

(٤) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، ص ٦٠ ، س ٣ ، قال : «وفيما بلغ درهما قولان ، الى ان قال : ويلوح من كلام السيد رحمه الله عدم الوجوب».

(٥) المراسم : ذكر تطهير الثياب وما يصلى عليه ، ص ٥٥ ، س ١٤ ، قال : «فاما دم القروح خاصة إذا لم يكن بهذه الصفة وزاد على قدر الدرهم فإنه تجب ازالته».

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة ، فأعد ما صلّيت فيه (١).

والجواب : الرواية مقطوعة.

فإن قلت : الراوي عدل ، وعدالته تقتضي الإخبار عن معصوم؟

قلنا : معارضتها للأحاديث ، لا لبس فيه ، فهي أولى منها ، خصوصا إذا كانت صحاحا.

(ب) : ما نقص عن الدرهم وما بلغه ، يجب إزالته. وهو مذهب الفقيهين (٢) ، والشيخين (٣) ، والقاضي (٤) ، وابن إدريس (٥) ، واختاره المصنّف (٦) ، والعلّامة (٧).

واحتجّوا : بعموم قوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٨). وهو عام ترك العمل به فيما

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٩ ، حديث ٣ ، كتاب الطهارة ، باب الثوب يصيبه الدم والمدة.

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٢ ، باب ١٦ ما ينجس الثوب والبدن ، قال : بعد إيراد حديث ١٧ : «والدم إذا أصاب الثوب فلا بأس بالصلاة فيه ما لم يكن مقداره مقدار درهم واف».

وفي الهداية : باب المياه ، ص ١٥ ، س ٥ ، نحوه.

(٣) اي المفيد في المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ١ ، قال : «فإن أصاب ثوبه دم وكان مقداره في سعة الدرهم الوافي» ، الى ان قال : س ٢ «وجب عليه غسله بالماء ولم يجز له الصلاة فيه». انتهى والطوسي في النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥٢ ، س ١ ، قال : «فان بلغ مقدار الدرهم فصاعدا ، وجبت إزالته».

(٤) المهذب : ج ١ ، باب فيما يتبع الطهارة ويلحق بها ، ص ٥١ ، س ١٩ ، قال : «فان لم يبلغ ذلك (اى مقدار الدرهم) لم تجب إزالته».

(٥) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، ص ٣٥ ، س ٣٥.

(٦) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٣ ، في أحكام النجاسات ، قال : «وعمّا دون الدرهم البغلي سعة».

(٧) المختلف : باب النجاسات ، ص ٦٠ ، س ٧ ، قال : «والأقرب عندي مذهب الشيخين».

(٨) سورة المدثر : ٤.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

نقص عن الدّرهم ، للمشقّة ، وعسر الانفكاك منه ، فيبقى ما زاد على عموم الأمر بإزالته.

وبصحيحة عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) ، قلت : فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم ، ولا يعلم به ، ثمَّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ، ثمَّ يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ولا يعيد صلاته إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا ، فيغسله ، ويعيد الصلاة (١).

الثانية : المتفرّق. وفيه ثلاثة أقوال :

(ألف) : العفو حتّى يبلغ كلّ موضع منه قدر الدرهم ، وهو قول ابن إدريس ، حيث قال : والأقوى والأظهر في المذهب عدم الوجوب ، والأحوط للعبادة وجوب إزالته إن كان بحيث لو جمع بلغ درهما (٢). واختاره المصنّف (٣).

ويدلّ عليه صحيحة ابن أبي يعفور ، وقد تقدّمت (٤) ، ولأن كلّ واحد من المتفرّق عفو لقصوره عن سعة الدرهم.

وأجيب : بأنّه يحتمل أن يكون المراد ، إلّا أن يكون مقدار الدرهم لو كان مجتمعا.

ولم يفرّق سلّار بين المجتمع والمتفرّق ، بل أوجب إزالة الزائد على الدرهم وعفى عن قدره مطلقا (٥).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٥٥ ، باب ١٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، قطعة من حديث ٢٧.

(٢) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، ص ٣٥ ، س ٣٧ ، وفي العبارة تقديم وتأخير ، فلاحظ.

(٣) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٣ ، كتاب الطهارة ، القول في أحكام النجاسات ، قال : «وما زاد عن ذلك (اي عمّا دون الدرهم البغلي) تجب إزالته ان كان مجتمعا ، وان كان متفرّقا ، قيل : هو عفو ، إلى أن قال : والأوّل أظهر».

(٤) تقدم آنفا.

(٥) تقدم مختاره.

٢٣٦

وألحق الشيخ به دم الاستحاضة والنفاس.

وعفى عن دم القروح والجروح التي لا ترقأ ، فاذا رقأ اعتبر فيه سعة الدرهم.

______________________________________________________

(ب) : العفو ما لم يبلغ التفاحش ، إذا قصر كل واحد عن الدّرهم ، وهو قول الشيخ في النهاية (١) ، ولم يذكر وجهه ، وليس في الروايات ما يدلّ عليه. ولعلّه نظر إلى كونه جمعا بين العفو مع عدم التفاحش للرواية المذكورة ، وللأصل. وبين عدمه مع التفاحش ، لاستقذاره واستخباثه ، والخبث علّة في الحرمة ، لقوله تعالى (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (٢).

(ج) : عدم العفو مطلقا ، أي : سواء تفاحش أو لا ، إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) ، واختاره العلّامة (٤).

واحتجّ عليه بقوله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٥) خرج عنه ما وقع الإجماع عليه ، فيبقى الباقي على عمومه ، وبأنّ النجاسة البالغة مقدار معيّنا لا تتفاوت باجتماعها وافتراقها في المحل.

قال طاب ثراه : وألحق الشيخ به دم الاستحاضة والنفاس.

__________________

(١) النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، ص ٥١ ، س ١٨ ، قال : «وان كان دم رعاف أو فصد أو غيرهما من الدماء ، الى ان قال : لا يجب إزالته الا ان يتفاحش ويكثر» الى آخره.

(٢) سورة الأعراف : ١٥٧.

(٣) لا يخفى ان مذهب الشيخ في المبسوط : ج ١ ، ص ٣٦ ، س ٣ ، من كتاب الطهارة ، فصل في تطهير الثياب والأبدان من النجاسات ، هو العفو أيضا ، ولكن قال فيه بعدم العفو للاحتياط في العبادة ، فإنه قدس سره بعد بيان ان ما نقص عن الدرهم لا يجب إزالته ولو كان في مواضع كثيرة ، قال : «وان قلنا : إذا كان جميعه لو جمع كان مقدر الدرهم وجب إزالته ، كان أحوط للعبادة».

(٤) المختلف : في أحكام النجاسات ، ص ٦٠ ، س ٢٨ ، قال : «والأقرب ما ذكره الشيخ في المبسوط».

(٥) سورة المدثر : ٤.

٢٣٧

الثالث : يجوز الصلاة فيما لا يتمّ الصلاة فيه منفردا مع نجاسته ، كالتكّة والجورب والقلنسوة.

الرابع : يغسل الثياب والبدن من البول مرّتين ، إلّا من بول الصبي ، فإنّه يكفي صبّ الماء عليه ، ويكفي إزالة عين النجاسة وإن بقي اللون.

الخامس : إذا علم موضع النجاسة غسل ، وإن جهل غسل كلّ ما يحصل فيه الاشتباه.

ولو نجس أحد الثوبين ولم يعلم عينه صلّى الصلاة الواحدة في كلّ واحد مرّة ،

______________________________________________________

أقول : الذي ذكره المفيد (١) ، والسيد (٢) ، وأبو علي (٣) ، بل متقدّمو الأصحاب ، الحيض فقط. وألحق الشيخ به أخويه (٤) إمّا لمشاركتهما له في الحدثيّة ، فاختصاصه بهذه المزيّة يدلّ على قوّة نجاسته على باقي الدماء فيغلظ حكمه بوجوب الإزالة. أو لمشاركتهما له في المخرج. وللاحتياط ، وعليه المتأخّرون.

وألحق السعيد قطب الدين الراوندي (٥) ، وابن حمزة (٦) ، رضي الله عنهما بالثلاثة دم الكلب والخنزير ، وألحق العلّامة الكافر (٧).

__________________

(١) المقنعة : باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، ص ١٠ ، س ٣ ، قال : «اللهم الا ان يكون دم حيض فإنه لا يجوز الصلاة في قليل منه ولا كثير» الى آخره.

(٢) الانتصار : كتاب الطهارة ، قال : «مسألة : ومما انفردت به الإماميّة القول بان الدم الذي ليس بدم حيض يجوز الصلاة في ثوب أو بدن أصاب منه» الى آخره.

(٣) المختلف : في أحكام النجاسات ، ص ٥٩ ، س ٣٠ ، قال : «قال ابن الجنيد : كل نجاسة وقعت على ثوب الى ان قال : لم ينجس الثوب بذلك الا ان تكون النجاسة دم حيض» الى آخره.

(٤) النهاية : باب تطهير الثياب من النجاسات ، ص ٥١ ، س ١٤ ، قال : «وإن أصاب الثوب دم وكان دم حيض أو استحاضة أو نفاس وجب إزالته» الى آخره.

(٥ و ٦ و ٧) المختلف : في أحكام النجاسات ، ص ٥٩ ، س ٣٦ ، قال : «مسألة ألحق القطب

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنع ابن إدريس من ذلك ، وادّعى عليه إجماع الإماميّة (١).

احتجّ العلّامة بأن العفو إنّما هو عن نجاسة الدم ، والدم الخارج من الثلاثة يلاقي أجسامها ، فتتضاعف نجاسته ، ويكتسب بملاقاته الأجسام النجسة ، نجاسة أخرى غير الدم ، وهي غير معفوّ عنها. كما لو أصاب الدم المعفوّ عنه ، نجاسة غير الدم ، فإنّه تجب إزالته مطلقا ، قال : وابن إدريس لم يتفطّن لذلك فشنّع على قطب الدين بغير الحقّ (٢). واختار في منتهى المطلب : ما ذهب إليه ابن إدريس (٣).

تنبيه

النصاب المعفو عنه من الدم المختص بالعفو ، اختلف عبارات الأصحاب في تقديره. فالمشهور انّه الدرهم البغلي بفتح الغين المعجمة وتشديد اللّام ، وهو الذي سمعناه من الشيوخ رضوان الله عليهم.

قال المصنّف (٤) : والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ، ويسمّى البغلي ،

__________________

الراوندي وابن حمزة بدم الاستحاضة والحيض والنفاس ، دم الكلب والخنزير والكافر ، الى ان قال : س ٣٧ ، والمعتمد قول القطب رحمه الله. ولا يخفي ان إلحاق الكافر من قول القطب أيضا واستحسنه العلّامة».

(١) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية. ص ٣٥ ، س ٢٨ ، قال : «وقد ذكر بعض أصحابنا المتأخرين من الأعاجم وهو الراوندي المكنى بالقطب. ان دم الكلب والخنزير لا يجوز الصلاة في قليله ولا كثيره الى ان قال : وهذا خطأ عظيم وزلل فاحش ، لان هذا هدم وفرق لإجماع أصحابنا» الى آخره.

(٢) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، ص ٥٩ ، س ٣٨.

(٣) المنتهى : المقصد الخامس في الطهارة من النجاسات وأحكامها ، قال في الفرع الثالث من القسم الثاني من الدم النجس ، ص ١٧٣ ، س ٢٦ ما لفظه : «واستثنى قطب الدين الراوندي دم الكلب والخنزير فألحقهما بدم الحيض» ، إلى ان قال : س ٢٧ ، «والمشهور مساواة غيرهما من الحيوانات».

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في القسم الثالث من أقسام النجاسات ،

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

نسبة إلى قرية بالجامعين (١).

وقال الشهيد في ذكراه : البغلي بإسكان الغين ، وهو منسوب الى رأس البغل ، ضربه الثاني في ولايته بسكة كسرويّة ، وزنه ثمانية دوانيق ، والبغلة كانت تسمّى قبل الإسلام كسرويّة ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام ، والوزن بحاله ، وجرت في المعاملة مع الطبريّة ، وهي أربعة دوانيق ، وهذه التسمية ذكرها ابن دريد (٢)

وقيل : منسوب إلى بغل قرية بالجامعين كان يوجد بها دراهم ، تقرب سعتها من أخمص الراحة ، لتقدّم الدّراهم على الإسلام.

قلنا : لا ريب في تقدّمها ، وإنّما التسمية حادثة ، فالرجوع الى المنقول أولى (٣) هذا آخر كلامه رحمه الله.

واتّباع المشهور بين الفقهاء أولى من اتّباع المنقول من ابن دريد.

__________________

ص ١١٩ ، س ٢٠.

(١) قال في معجم البلدان : ج ٢ ، ص ١٠ : «الجامعين : كذا يقولونه بلفظ المجرور المثنى : هو حلة بني مزيد التي بأرض بابل على الفرات ، بين بغداد والكوفة ، وهي الآن مدينة كبيرة آهلة. قد ذكرت تاريخ عمارتها وكيفيتها في الحلة ، وقد أخرجت خلقا كثيرا من أهل العلم والأدب ، ينسبون الحلي. وقال أيضا في ص ٣٢٢ ، من ج ٢ : والحلة علم لعدة مواضع وأشهرها حلة بني مزيد ، مدينة كبيرة بين الكوفة وبغداد ، كانت تسمّى الجامعين» الى آخره.

(٢) قال المحدث القمي رحمه الله في الكنى والألقاب : ج ١ ، ص ٢٧٣ : «ابن دريد ، مصغرا ، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي القحطاني البصري الشيعي الإمامي عالم فاضل أديب حفوظ شاعر نحويّ لغويّ. وقال : وكان واسع الرواية ، لم ير أحفظ منه. يحكى انه كان إذا قرء عليه ديوان شعر مرة واحدة حفظه من أوله إلى آخره ، الى ان قال : له مصنّفات منها كتاب الجمهرة ، وهو من الكتب المعتبرة في اللغة الى ان قال : توفى ببغداد ١٨ شعبان ، سنة ٣٢١ هجرية. وقال الزركلي في الإعلام : ج ٦ ، ص ٨٠ ، ابن دريد : ٢٢٣ ـ ٣٢١ هجرية). كانوا يقولون : ابن دريد أشعر العلماء وأعلم الشعراء. ثمَّ عدّد مصنّفاته».

(٣) الذكرى : ص ١٦ ، س ٢٥ ، كتاب الصلاة ، في البحث الثامن عشر من حكم النجاسات. فلاحظ.

٢٤٠