المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : إذا صلّى الإنسان قبل دخول الوقت ، فان فرغ من جميعها قبل دخول الوقت ، يبطل إجماعا. وان دخل الوقت وهو متلبّس ، فهل تصحّ صلاته أم لا؟.

التحقيق أن نقول : شروعه فيها قبل الدخول لا يخلو إمّا ان يكون عامدا أو ناسيا أو جاهلا ، أو ظانا فالمسائل أربع :

(ألف) : العامد. ويجب عليه الإعادة بالإجماع ، ولو تقدّم بالتحريمة خاصة.

وكلام الشيخ في النهاية يوهم الصحّة ، حيث قال : من صلّى (١) قبل الوقت عامدا أو ناسيا ، ثمَّ علم بعد ذلك ، وجب عليه إعادة الصلاة ، فإن كان في الصلاة ولم يفرغ منها بعد ، ثمَّ دخل وقتها أجزأت عنه (٢). لكن تفصيله راجع إلى الناسي ، فتصريحه بالبطلان في العامد في باقي كتبه.

(ب) : الناسي : وبالصحّة قال الشيخ في النهاية (٣) ، وهو مذهب التقى (٤) ، وظاهر القاضي (٥).

وبالبطلان قال السيد (٦) ، وهو مذهب القديمين (٧) ، واختاره المصنّف (٨).

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن في النهاية : «من صلّى الفرض قبل دخول الوقت» فراجع.

(٢) النهاية : ص ٦٢ ، س ٨ ، باب أوقات الصلاة.

(٣) النهاية : باب أوقات الصلاة ، ص ٦٢ ، س ٩ ، قال : «فان كان في الصلاة لم يفرغ منها بعد ، ثمَّ دخل وقتها فقد أجزأت عنه».

(٤) الكافي في الفقه : ص ١٣٨ ، الشرط الثالث ، س ٣ ، قال : وإن كان جاهلا به ، أو ساهيا عنه فان دخل الوقت وهو في شي‌ء منها فهي تجزيه.

(٥ و ٦ و ٧) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ١ ، قال : والظاهر من كلام ابن البراج (أي صحّة الصلاة) ثمَّ قال : وقال السيد المرتضى لا تصحّ صلاته ، وهو منصوص ابن أبي عقيل ، والظاهر من كلام ابن الجنيد ، وهو الأقوى».

(٨) الشرائع : ج ١ ، ص ٦٤ ، المقدمة الثانية في المواقيت ، قال في الفرع الثالث من أحكام المواقيت : «ولو صلّى قبل الوقت عامدا أو جاهلا أو ناسيا كانت صلاته باطلة».

٣٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلّامة (١).

(ج) : الجاهل. وبالصحّة قال التقي (٢) ، والأكثرون على الإعادة.

(د) : الظانّ. وهو موضوع مسألة الكتاب ، ومحلّ الخلاف المشهور.

فالصحّة مذهب الشيخين (٣) ، وسلّار (٤) ، والقاضي (٥) ، وابن إدريس (٦) ، والمصنّف في كتابيه (٧) ، والعلامة في القواعد (٨).

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ٢ ، وقال السيد المرتضى لا تصحّ صلاته ، وهو منصوص ابن أبي عقيل ، والظاهر من كلام ابن الجنيد ، وهو الأقوى».

(٢) الكافي في الفقه : ص ١٣٨ ، الشرط الثالث ، س ٣ ، قال : وإن كان جاهلا به ، أو ساهيا عنه فان دخل الوقت وهو في شي‌ء منها فهي تجزيه.

(٣) اي الشيخ المفيد في المقنعة : باب أوقات الصلاة وعلامة كل وقت ، ص ١٤ ، س ١٨ ، قال : «ومن ظنّ انّ الوقت قد دخل فصلّى» ، إلى أن قال : س ١٩ «فيجزيه ذلك».

والشيخ الطوسي في النهاية : باب أوقات الصلاة ، ص ٦٢ ، س ١٠ ، قال : «ولا يجوز لأحد أن يدخل في الصلاة إلّا بعد حصول العلم بدخول وقتها أو أن يغلب على ظنّه ذلك».

(٤) المراسم : ذكر الأوقات ، قال : فان ظن ظان ان الوقت دخل فصلى ، ثمَّ علم أنه لم يدخل الوقت. فان كان دخل الوقت وهو في الصلاة ، لم يعد».

(٥) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ٨ ، قال : «المقام الرابع ، الظان ، وهو المقام المشكل في هذه المسألة ، فجماعة من علمائنا كالشيخين ، وابن البراج ، وابن إدريس ، وسلّار على انه يصح صلاته».

(٦) السرائر : كتاب الصلاة ، ص ٤١ ، س ٥.

(٧) المعتبر : كتاب الصلاة ، ص ١٤٣ ، س ٢٠ ، قال : «ولو دخل ظانا دخول الوقت ، ثمَّ تبيّن فساد ظنّه ، أعاد ، إلا أن يدخل ولمّا يتم» وفي الشرائع : ج ١ ، ص ٦٤ ، في أحكام المواقيت ، قال : وان كان الوقت قد دخل وهو متلبّس ، ولو قبل التسليم ، لم يعد على الأظهر.

(٨) القواعد : كتاب الصلاة ، ص ٢٥ ، س ٤ ، قال : «فان ظن الدخول ولا طريق إلى العلم صلّى فان ظهر الكذب استأنف ، ولو دخل الوقت ولم يفرغ أجزء».

٣٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والإرشاد (١).

وبالإعادة قال السيد (٢) ، وعليه القديمان (٣) ، واختاره العلّامة في المختلف (٤) ، ولم يختر المصنّف في المعتبر شيئا (٥).

احتجّ الشيخ : برواية إسماعيل بن رياح (٦) عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا صلّيت وأنت ترى أنّك في وقت ، ولم يدخل الوقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة ، فقد أجزأت عنك (٧).

وبأنّه مأمور بالصلاة عند غلبة الظنّ ، إذ مع الاشتباه لا يصحّ التكليف بالعلم ، لاستحالة تكليف ما لا يطاق ، فيتحقّق الإجزاء.

احتجّ الآخرون : بما رواه أبو بصير عن الصادق (عليه السّلام) : من صلّى في غير وقت فلا صلاة له (٨).

__________________

(١) الإرشاد : (مخطوط) كتاب الصلاة ، المقصد الثاني في أوقاتها ، قال : «ويجتهد في الوقت إذا لم يتمكن من العلم ، الى ان قال : وان دخل وهو متلبس ولو في التشهد أجزأه».

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ١٠ ، قال : «وقال السيد المرتضى ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد يعيد الصلاة ، وهو الأقوى عندي».

(٣) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ١٠ ، قال : «وقال السيد المرتضى ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد يعيد الصلاة ، وهو الأقوى عندي».

(٤) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ١٠ ، قال : «وقال السيد المرتضى ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد يعيد الصلاة ، وهو الأقوى عندي».

(٥) بل اختار عدم الإعادة كما قدمناه آنفا.

(٦) قال العلامة المامقاني في تنقيح المقال : ج ١ ، ص ١٣٤ ، تحت رقم ٨٠٩ : الضبط قال الوحيد في التعليقة : رباح بالباء الموحّدة وقد يوجد في بعض النسخ بالمثنّاة انتهى ، وفي توضيح الاشتباه انه بفتح الراء المهملة والباء الموحدة والحاء المهملة بعد الالف انتهى. ويردّهما مضافا إلى ما في نسخة مصحّحة من رجال الشيخ رحمه الله رياح بنقطتين ، ما في القاموس في مادّة روح ، من عد جمع مسمّين برياح بالياء ، وقوله : انهم محدثون وعد منهم إسماعيل بن رياح الى آخره.

(٧) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٤١ ، باب ٩ ، تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز ، حديث ٨.

(٨) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٤٠ ، باب ٩ ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون وما يجوز فيها وما لا يجوز ، حديث ٥.

٣٠٣

الثالثة

في القبلة

وهي : الكعبة مع الإمكان ، وإلّا فجهتها وإن بعد.

وقيل : هي قبلة لأهل المسجد الحرام ، والمسجد قبلة من صلّى في الحرم ، والحرم قبلة أهل الدنيا. وفيه ضعف. ولو صلّى في وسطها استقبل أي جدرانها شاء ولو صلّى على سطحها ، أبرز بين يديه شيئا منها ولو كان قليلا.

______________________________________________________

وبأنّ الصلاة تجب بدخول الوقت إجماعا ، ومع فعلها تسقط عن الذمّة قطعا ، ولا يقين بالسقوط مع التقدّم ، فيجب عليه فعل ما تقطع بالبراءة معه.

وأجابوا عن الرواية : بضعف السند. قال العلامة في المختلف : إسماعيل بن رياح لا تحضرني الآن حاله ، فان كان ثقة فهي صحيحة ، ويتعيّن العمل بمضمونها ، وإلّا فلا (١)

وعن الثاني : بأنّه قادر على العلم بالاستظهار بالصبر. قال أبو علي : ليس للشاكّ يوم الغيم ولا غيره أن يصلّي إلّا عند تيقّنه بالوقت ، وصلاته في آخر الوقت مع التيقّن خير من صلاته في أوله مع الشك (٢).

قال طاب ثراه : وقيل : هي قبلة لأهل المسجد (٣) ، والمسجد قبلة من صلّى في الحرم ، والحرم قبلة أهل الدنيا وفيه ضعف.

أقول : استقبال القبلة ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة.

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٤ ، س ٢٦ ، قال : «واعلم ان الرواية التي ذكرها الشيخ ، في طريقها إسماعيل بن رياح» إلى آخره.

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ٧٣ ، س ٣٦.

(٣) هكذا في الأصل : ولكن في المتن «هي قبلة لأهل المسجد الحرام».

٣٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

فمنه واجب ، وهو في ثلاث مواضع.

(ألف) : فرائض الصلوات.

(ب) : الميّت ، في ثلاثة أحوال. احتضاره ، والصلاة عليه ، ودفنه.

ومختلف استقباله باختلاف حالاته. ففي الاحتضار يكون مستلقيا ، وظاهر رأسه مستدبرا ، ووجهه وباطن قدميه مستقبلا. وفي حالة الصلاة عليه يكون مستلقيا أيضا ، ورأسه إلى المغرب ومقدّم جنبه الأيمن مستقبلا. وفي حالة دفنه يكون مضطجعا رأسه إلى المغرب ووجهه وبطنه ومقاديم بدنه إلى القبلة. ومستند هذا التفصيل نصوص الطائفة وعملهم عليه.

(ج) : عند الذبح والنحر ، مع علم الجهة والتمكّن من صرف المذبوح والمنحور إليها. ويسقط مع تعذّرهما كما في المتردّية والصائلة. والمراد الاستقبال بالمذبح والمنحر ، ولا عبرة باستقبال الذابح وعدمه.

ومندوب. وهو في مواضع.

(ألف) : النافلة على الأشبه ، وهو مذهب المصنّف (١) والعلّامة في تصنيف الإرشاد (٢) واشترط في غيره الاستقبال ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣) واختاره فخر المحقّقين (٤).

__________________

(١) المعتبر : كتاب الصلاة ، المقدمة الثالثة ، ص ١٤٤ ، س ١ ، قال : «المقدمة الثالثة في القبلة. استقبال القبلة في الصلاة الواجبة واجب وشرط» الى ان قال : س ٥ : «ورخص في النافلة».

(٢) الإرشاد : (مخطوط) قال : «المقصد الثالث في الاستقبال. يجب استقبال الكعبة مع المشاهدة ، وجهتها مع البعد في فرائض الصلاة ، الى ان قال : ويستحب للنوافل».

(٣) المبسوط : كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القبلة وأحكامها ، ص ٧٧ ، س ١٥ ، قال : «والتوجه إليها واجب في جميع الصلوات فرائضها وسننها».

(٤) إيضاح الفوائد : ج ١ ، كتاب الصلاة ، المطلب الثاني في المستقبل له ، ص ٧٨ ، س ٥ ، قال : «والحق عندي ان النافلة حال الاستقرار والاختيار يشترط فيها الاستقبال».

٣٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) : الجلوس للقضاء على أحد القولين.

(ج) : قراءة القران.

(د) : الدعاء.

ومحظور. وهو حالة التخلّي بالفرجين خاصة ، دون الوجه ، وفي الاستنجاء نظر.

ومكروه. وهو حالة الجماع ، ورمي جمرة العقبة.

ومباح. وهو ما عدا ما ذكرناه.

إذا عرفت هذا ، فنقول : اختلف الناس في القبلة التي يتوجّه إليها المصلّي على قولين :

الأوّل : أنها الكعبة للمشاهد ، وحكمه كالأعمى ، وجهتها للبعيد ، كما يستقبلها العالي والسافل ، كالمصلّي على جبل أبي قبيس ، أو في سرداب. وهو مذهب أبي علي (١) ، وبه قال المرتضى (٢) ، وابن إدريس (٣) ، واختاره المصنّف (٤) ، والعلّامة (٥).

والمستند وجوه :

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثاني في القبلة ، ص ٧٦ ، س ٢٦ ، قال : «وقال السيد المرتضى : القبلة هي الكعبة» الى ان قال : س ٢٧ : «وهو اختيار ابن الجنيد ، وأبي الصلاح ، وابن إدريس».

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثاني في القبلة ، ص ٧٦ ، س ٢٦ ، قال : «وقال السيد المرتضى : القبلة هي الكعبة» الى ان قال : س ٢٧ : «وهو اختيار ابن الجنيد ، وأبي الصلاح ، وابن إدريس».

(٣) السرائر : كتاب الصلاة ، باب القبلة وكيفية التوجه إليها ، ص ٤٢ ، س ٦ ، فإنه بعد نقل مذهب السيد قال : «وهو الذي يقوى في نفسي وبه أفتي».

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، المقدمة الثالثة في القبلة ، ص ١٤٤ ، س ٥ ، قال : «مسألة القبلة هي الكعبة مع الإمكان».

(٥) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثاني في القبلة ، ص ٧٦ ، س ٢٦ ، قال : «وقال السيد المرتضى : القبلة هي الكعبة» الى ان قال : س ٢٧ : «وهو اختيار ابن الجنيد ، وأبي الصلاح ، وابن إدريس ، وهو الأقوى عندي».

٣٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألف) : قوله تعالى (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ) (١).

(ب) : الاحتياط. فانّ من استقبل الكعبة ، استقبل المسجد والحرم ، فيخرج عن العهدة بيقين ، بخلاف المتوجّه إلى المسجد أو الحرم.

(ج) : ما رواه معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له : متى صرف رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الكعبة؟ قال : بعد رجوعه من بدر (٢).

الثاني : إنّها الكعبة لمن كان في المسجد ، وهو لمن كان في الحرم ، وهو لمن نأى عنه. اختاره الشيخان (٣) ، وسلّار (٤) ، والقاضي (٥) ، وابن حمزة (٦) ، وابن زهرة (٧).

والدليل وجوه :

(ألف) : الإجماع.

(ب) : لو وجب التوجّه إلى عين الكعبة ، لزم بطلان الصفّ الطويل خلف الإمام ، لصغرها ، بخلاف الحرم فإنّه لطوله يمكن أن يكون كلّ واحد من

__________________

(١) سورة المائدة : ٩٧.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٤٣ ، باب ٥ القبلة ، حديث ٣.

(٣) اي المفيد في المقنعة : باب القبلة ، ص ١٤ ، س ٢١ ، قال : «القبلة هي الكعبة إلى أن قال : «ثمَّ المسجد قبلة من نأى عنه».

والطوسي في النهاية ، كتاب الصلاة : باب معرفة القبلة وأحكامها ، ص ٦٢ ، س ١٨ ، قال : «والقبلة هي الكعبة ، وهي قبلة من كان في المسجد الحرام فمن خرج من المسجد الحرام كان قبلته المسجد إذا كان في الحرم ، فإن نأى عن الحرم كان فرضه التوجه الى الحرم».

(٤) المراسم : كتاب الصلاة ، ذكر معرفة القبلة ، ص ٦٠.

(٥) المهذب : باب القبلة ، ص ٨٤ ، س ١٢ ، قال : «فكل من شاهد الكعبة» انتهى.

(٦) المختلف : في القبلة : ص ٧٦ ، س ٢٥ ، قال : «وهو (أي مذهب الشيخين) اختيار ابن حمزة وابن زهرة».

(٧) المختلف : في القبلة : ص ٧٦ ، س ٢٥ ، قال : «وهو (أي مذهب الشيخين) اختيار ابن حمزة وابن زهرة».

٣٠٧

وقيل : يستلقي ويصلّي موميا إلى البيت المعمور.

ويتوجّه أهل كلّ إقليم إلى سمت الركن الذي يليهم. فأهل المشرق يجعلون المشرق إلى المنكب الأيسر ، والمغرب إلى الأيمن ، والجدي خلف المنكب الأيمن ، والشمس عند الزوال محاذية لطرف الحاجب الأيمن ممّا يلي الأنف.

______________________________________________________

الجماعة متوجّه إلى جزء منه.

(ج) : ما رواه عبد الله بن محمد الحجّال ، عن بعض رجاله ، عن الصادق (عليه السّلام) ان الله جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا (١).

وهي مرسلة ، والثاني : مندفع بالاكتفاء بالجهة ومعارض بقصر الحرم عن أهل الدنيا ، فإنه يلزم خروج أكثرهم عن سمته ، وإذا جعل المناط الجهة سقط الإلزام ، ودعوى الإجماع ممنوع.

قال طاب ثراه : وقيل : يستلقي ويصلّي موميا إلى البيت المعمور.

أقول : تكره الفريضة على سطح الكعبة ، كما تكره في جوفها ، لاستلزام استدبار القبلة. فلو صلّى على سطحها صلّى قائما مبرزا بين يديه شيئا يكون مستقبلا له حالة قيامه وسجوده ، ولو لم يبرز بين يديه منها شيئا أصلا ، كانت صلاته باطلة.

وقال الشيخ في النهاية (٢) ، والخلاف (٣) ، والصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه (٤) : يصلّى مستلقيا على قفاه متوجّها إلى البيت المعمور. ويعرف بـ (الضراح)

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٤٤ ، باب القبلة ، حديث ٧ ، وفيه «ما رواه عبيد الله بن محمّد».

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لا يجوز ، ص ١٠١ ، س ٤ ، قال : «ومتى اضطر الإنسان إلى الصلاة فوق الكعبة ، فليستلق على قفاه» الى آخره.

(٣) الخلاف : ج ١ ، ص ١٤٦ ، كتاب الصلاة ، مسألة ١٨٨.

(٤) الفقيه : ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب ٤٢ ، القبلة ، ذيل حديث ٢ ، قال : «ومن كان فوق الكعبة وحضرت الصلاة اضطجع وأومأ برأسه.».

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

بالضاد المعجمة المضمومة ، وهو في السماء الثالثة ، وقيل : في الرابعة بإزاء البيت ، بحيث لو سقط لوقع على سطحه. وبه قال القاضي (١) إن لم يتمكّن من النزول ، وإلّا فعليه أن ينزل ، وقال ابن إدريس (٢) ، والمصنّف (٣) ، والعلّامة (٤) : بل يصلّي قائما.

فالحاصل انّ في المسألة ثلاثة أقوال :

(ألف) : الاستلقاء مطلقا ، موميا إلى الضراح ، وهو اختيار الشيخ (٥) ، واستدلّ بالإجماع ، وبرواية عبد السلام عن الرضا (عليه السّلام) في الذي تدركه الصلاة وهو فوق الكعبة؟ فقال : «إن قام لم يكن له قبلة ، ولكن يستلقي على قفاه ويفتح عينيه ويقصد بقلبه إلى القبلة في السماء البيت المعمور ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع غمّض عينيه ، وإذا أراد ان يرفع رأسه من الركوع فتح عينيه ، والسجود على نحو ذلك (٦).

وأجيب : بضعف السند ، فلا يعارض الأحكام القطعيّة الدالّة على وجوب القيام والركوع مع المكنة.

__________________

(١) المهذب : ص ٨٥ ، س ١٦ ، باب القبلة ، قال : «ومن كان على سطح الكعبة فعليه أن ينزل ويتوجه إليها ، فان لم يتمكن من ذلك لضرورة استلقى على ظهره ونظر الى السماء وصلّى إليها».

(٢) السرائر : كتاب الصلاة : ص ٥٨ ، س ٢٠ ، قال : «ومن اضطر إلى الصلاة فوق الكعبة ، فليقم قائما عليها ويصلي».

(٣) المعتبر : كتاب الصلاة ، المقدمة الثالثة في القبلة ، ص ١٤٥ ، س ٣ ، قال : «وما ذكره في المبسوط حسن ، ويلزم منه وجوب ان يصلّي قائما على السطح».

(٤) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثاني في القبلة ص ٧٧ ، س ٦ ، قال بعد نقل قول ابن إدريس : «انه يصلّي قائما ، وهو الحق عندي».

(٥) النهاية ، ص ١٠١ ، س ٤.

(٦) الكافي : ج ٣ ، كتاب الصلاة ، باب الصلاة في الكعبة وفوقها ، ص ٣٩٢ ، حديث ٢١ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.

٣٠٩

وقيل : يستحبّ التياسر لأهل الشرق عن سمتهم قليلا ، وهو بناء على أنّ توجّههم إلى الحرم.

وإذا فقد العلم بالجهة والظنّ ، صلّى الفريضة إلى أربع جهات ، ومع الضرورة أو ضيق الوقت يصلّي إلى أيّ جهة شاء ، ومن ترك الاستقبال عمدا ، أعاد ، ولو كان ظانا أو ناسيا وتبيّن الخطأ لم يعد ما كان بين المشرق والمغرب ، ويعيد الظان ما صلّاه إلى المشرق والمغرب في وقته ، لا ما خرج وقته.

______________________________________________________

(ب) : القيام وإبراز قليل بين يديه يكون مستقبلا له ، وهو اختيار ابن إدريس (١) لقوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢) ، وهو عام. ولانّ القيام شرط في الصلاة وركن فيها ، فلا يصحّ مع عدمه اختيارا. ولأن التوجّه انّما هو إلى جهة الكعبة وهو حاصل لمن صلّى فوقها ، كما لو صلّى على جبل أبي قبيس أو جبل حراء ، أو سافلا ، كما لو صلّى في سرداب.

(ج) : التفصيل. وهو الإيماء مع الاستلقاء ، إذا لم يتمكّن من النزول وإلّا فعليه أن ينزل ويصلّي قائما ، وهو اختيار القاضي (٣) ووجهه انّه جمع بين القولين. وتضعيفه ما مرّ.

قال طاب ثراه : وقيل يستحبّ التياسر لأهل الشرق عن سمتهم قليلا ، وهو بناء على أن توجّههم إلى الحرم.

أقول : هنا مذهبان.

__________________

(١) تقدم آنفا.

(٢) سورة البقرة : ١٤٤.

(٣) تقدم آنفا.

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألف) : وجوب التياسر ، ذهب إليه الشيخ في المبسوط (١) ، والجمل (٢). وهو الظاهر من عبارة المفيد (٣) ، لما رواه المفضّل بن عمر قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن التحريف لأصحابنا ذات اليسار عن القبلة ، وعن السبب فيه؟

فقال : إنّ الحجر الأسود لمّا أنزله الله سبحانه من الجنّة ووضع في موضعه ، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه النور ، نور الحجر في يمين الكعبة أربعة أميال وعن يسارها ثمانية أميال كلّها إثنا عشر ميلا ، فاذا انحرف الإنسان ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة ، لقلّة أنصار الحرم ، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ الكعبة (٤) والرواية ضعيفة السند.

(ب) : استحبابه ، وهو مذهب المصنّف (٥) ، والعلّامة (٦). لأنّ الأمر بالتوجّه انّما هو إلى شطر الكعبة ، فتحمل الأحاديث الواردة بالانحراف على الاستحباب ، جمعا بين الأدلّة. وكأنّ فخر المحقّقين قدّس الله سرّه يختار لزوم السمت ويمنع من الانحراف

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القبلة وأحكامها ، ص ٧٨ ، س ٦ ، قال : «ويلزم أهل العراق التياسر قليلا».

(٢) الجمل : فصل في القبلة وأحكامها ، ص ٢٢ ، س ٧ ، قال : «وعلى أهل العراق التياسر قليلا».

(٣) المقنعة : باب القبلة ، ص ١٤ ، س ٢٩ ، قال : «فلذلك أمر أهل العراق». إلى أن قال : «أن يتياسروا في بلادهم».

(٤) الفقيه : ج ١ ، ص ١٧٨ ، باب ٤٢ القبلة ، حديث ٢ ، والتهذيب : ج ٢ ، ص ٤٤ ، باب ٤٢ القبلة ، حديث ١٠ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث فراجع.

(٥) المعتبر : كتاب الصلاة ، المقدمة الثالثة في القبلة ، ص ١٤٥ ، س ١٨ ، قال : «والأقرب إنا لو قلنا بالاستقبال الى الحرم لقلنا باستحباب التياسر».

(٦) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثاني في القبلة ، ص ٧٧ ، س ١٦ ، قال : «والأقرب انه على سبيل الاستحباب».

٣١١

.................................................................................................

______________________________________________________

يمينا ويسارا (١) ، قال المصنّف في المعتبر : وكل من جعل قبلته الحرم أمر بالتياسر ، ثمَّ قال : والأقرب إنّا لو قلنا بالاستقبال إلى الحرم ، لقلنا باستحباب التياسر ، لعدم الدلالة على الوجوب (٢).

وحمل ما ورد على الندب ، لدلالته على الاستظهار.

تذنيب

واعلم : انّه اتفق حضور العلّامة المحقّق خواجه نصير الدين محمد بن محمد الحسن الطوسي قدّس الله روحه مجلس المصنّف طاب ثراه ودرسه ، فكان فيما جرى بحضوره درس القبلة ، فأورد إشكالا على التياسر ، فأجاب المصنّف في الحال بما اقتضاه ذلك الزمان ، ثمَّ عمل في المسألة رسالة وبعثها إليه ، فاستحسنها المحقّق حين وقف عليها.

وها أنا موردها بلفظها :

بسم الله الرّحمن الرّحيم

جرى في أثناء فوائد المولى ـ أفضل علماء الإسلام وأكمل فضلاء الأنام نصير الدنيا والدين محمد بن محمد بن الحسن الطوسي أيّد الله بهجته العالية قواعد الدين ووطّد أركانه ، ومهّد بمباحثه السامية عقائد الايمان وشيّد بيانه ـ إشكالا على التياسر.

وحكايته : الأمر بالتياسر لأهل العراق لا يتحقّق معناه. لأن التياسر أمر إضافي لا يتحقّق إلّا بالإضافة إلى صاحب يسار متوجّه إلى جهة ، وحينئذ إمّا أن تكون الجهة

__________________

(١) لم نعثر على ما نقله عن الفخر ، ولم ينقل في الإيضاح عند قول العلامة «ويستحب لهم التياسر قليلا الى يسار المصلي» شيئا. لاحظ الإيضاح : ج ١ ، كتاب الصلاة ، الفصل الثالث في القبلة ، ص ٧٧ ، س ١٠.

(٢) المعتبر : كتاب الصلاة ، ص ١٤٥ ، س ١٧.

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

محصّلة ، وإمّا أن لا تكون. ويلزم من الأوّل التياسر عمّا وجب التوجّه إليه ، وهو خلاف مدلول الآية ، ومن الثاني عدم إمكان التياسر ، إذ تحقّقه موقوف على تحقّق الجهة التي يتياسر عنها. ثمَّ يلزم مع تحقّق هذا الاشكال تنزيل التياسر على التأويل ، أو التوقّف فيه حتّى يوضّحه الدليل.

وهذا الاشكال ممّا لم يقع عليه الخواطر ولا تنبّه له الأوائل والأواخر ولا كشف عن مكنونه الغطا ، لكن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء.

وفرض من يقف على فوائد هذا المولى الأعظم من علماء الأنام أن يبسطوا له يد الانقياد والاستسلام ، وان يكون قصاراهم التقاط ما يصدر عنه من جواهر الكلام ، فإنّها شفاء الأنفس وجلاء الأفهام. غير انّه ظاهر الله جلاله ولا أعدم أولياءه فضله وإفضاله ، سوّغ لي الدخول في هذا الباب وأذن لي أن أورد ما تخطر في الجواب ما يكون صوابا أو مقارنا للصواب.

فأقول : ممتثلا لأمره ، مشتملا ملابس صفحة وعفوه : انّه ينبغي أن تتقدّم ذلك مقدّمة تشتمل على بحثين.

البحث الأول

لفقهائنا قولان :

أحدهما : انّ الكعبة قبلة لمن كان في الحرم ومن خرج عنه ، والتوجّه إليها متعيّن على التقديرات فعلى هذا لا يتياسر أصلا.

والثاني : انّها قبلة لمن كان في المسجد ، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه. وتوجّه هذا القائل من الآفاق ليس إلى الكعبة ، حتّى انّ استقبال الكعبة في الصفّ المتطاول متعذّر ، لأن عنده جهة كل واحد من المصلّين غير جهة الآخر. إذ لو خرج من وجه كلّ واحد منهم خطّ مواز للخطّ الخارج من وجه الآخر

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لخرج بعض تلك الخطوط عن ملاقاة الكعبة. فحينئذ يسقط اعتبار الكعبة بانفرادها في الاستقبال ، ويعود الاستقبال مختصّا باستقبال ما اتّفق من الحرم.

لا يقال : هذا باطل لقوله تعالى (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١). وبأنّه لو كان كذا ، لجاز لمن وقف على طرف الحرم في جهة الحل ان يعدل عن الكعبة إلى استقبال بعض الحرم.

لأنّا نجيب عن الأوّل : بأنّ المسجد قد يطلق على الحرم ، كما روي في تأويل قوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (٢). وقد روي أنّه قد كان في بيت أم هاني بنت أبي طالب (٣). وهو خارج عن المسجد ، ولأنّا نتكلّم على التياسر المبني على قول من يقول بذلك.

ونجيب عن الثاني : بأنّ استقبال جهة الكعبة متعيّن لمن تيقّنها ، وإنّما يقتصر على الحرم من تعذّر عليه التيقّن بجهتها ، ثمَّ لو ضويقنا جاز أن يلتزم ذلك ، تمسّكا بظاهر الرواية.

البحث الثاني من شاهد الكعبة استقبل ما شاء منها ولا تياسر عليه. وكذا من تيقّن جهتها على التعيين. أمّا من فقد القسمين ، فعليه البناء على العلامات المنصوبة للقبلة ، لكن محاذاة كلّ علامة من العلامات بالعضو المختصّ بها من المصلّي ليس يوجب محاذاة القبلة بوجهه تحقيقا ، إذ قد يتوهّم المحاذاة ويكون منحرفا عن السمت انحرافا خفيّا ،

__________________

(١) سورة البقرة : ١٥١.

(٢) سورة الإسراء : ٢.

(٣) تفسير التبيان للشيخ الطوسي : ج ٦ ، ص ٤٤٦ سورة الإسراء ، قال : وروت أم هاني بنت أبي طالب. «أن النبي (صلّى الله عليه وآله) كان في منزلها ليلة أسري به».

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

خصوصا عند مقابلته الشي‌ء الصغير.

إذا تقرّر ذلك رجعنا إلى الإشكال.

أمّا كون التياسر أمرا إضافيّا لا يتحقّق إلّا بالمضاف ، فلا ريب.

واما كون الجهة أمّا محصّلة أو غير محصّلة ، فالوجه أنّها محصّلة ، وبيان ذلك : إن الشرع نصب علامات أوجب محاذاة كلّ واحد منها لشي‌ء من أعضاء المصلّي ، بحيث تكون الجهة المقابلة لوجهه حال محاذاة تلك العلامة ، هي جهة الاستقبال ، فالتياسر حينئذ عن تلك الجهة المقابلة لوجه المصلّي. فأمّا أنّه إذا كانت محصّلة ، كانت هي جهة الكعبة ، والانحراف عنها يزيل التوجّه إليها.

فالجواب عنه : إنّا قد بيّنّا انّ الفرض هو استقبال الحرم ، لا نفس الكعبة ، فإنّ العلائم قد يحصل الخلل في مسامتها (مشاهدتها) فالتياسر حينئذ استظهار في مقابلة الحرم الذي يجب التوجّه إليه في كلي حالتي الاستقبال ، والتياسر يكون متوجّها إلى القبلة المأمور بها. أما في حال الاستقبال فلأنّها جهة الإجزاء من حيث هو محاذ جهة من جهات الحرم تقليبا مستندا إلى الشرع. وامّا في حال التياسر فيلحقه محاذاة جهة الحرم ، ولهذا تحقّق الاستحباب في طرفه ، لحصول الاستظهار به.

إن قيل : هنا إيرادات ثلاثة :

الأوّل : النصوص خالية عن هذا التعيين ، فمن أين صرتم إليه؟.

الثاني : ما الحكمة في التياسر عن الجهة التي نصبت العلائم إليها؟

فإن قلتم : لأجل تفاوت مقدار الحرم عن يمين الكعبة ويسارها.

قلنا : إن أريد بالتياسر وسط الحرم ، فحينئذ يخرج المصلّي عن جهة الكعبة يقينا وإن أريد تياسرا لا يخرج به عن سمت الكعبة ، فحينئذ يكون ذلك قبلة حقيقيّة ، ثمَّ لا يكون بينه وبين التيامن اليسير فرق.

الثالث : الجهة المشار إليها ، إن كان استقبالها واجبا لم يجز العدول عنها ، والتياسر

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عدول فلا يكون مأمورا به.

قلنا : أمّا الجواب عن الأوّل ، فإنّه وإن كانت النصوص خالية عن تعيين الجهة نطقا ، فإنّها غير خالية من التنبيه عليها ، إذ لم يثبت وجوب استقبال الجهة التي دلّت عليه العلائم وثبت الأمر بالتياسر بمعنى انه عن السمت المدلول عليه.

وعن الثاني : بالتفصّي عن إبانة الحكمة في التياسر ، فإنّه غير لازم في كلّ موضع ، بل غير ممكن في كلّ تكليف. ومن شأن الفقيه تلقّي الحكم مهما صحّ المستند.

أو نقول : إمّا أن يكون الأمر بالتياسر ثابتا ، وإمّا أن لا يكون. فإن كان لزم الامتثال تلقّيا عن صاحب الشرع ، وإن لم يعط العلّة الموجبة للتشريع. وإن لم يكن ثابتا ، فلا حكمة.

ويمكن أن نتكلّف إبانة الحكمة ، بأن نقول : لمّا كانت الحكمة متعلّقة باستقبال الحرم ، وكان المستقبل من أهل الآفاق قد يخرج من الاستناد إلى العلامات عن سمته ، بأن يكون منحرفا إلى اليمين ، وقدر الحرم يسير عن يمين الكعبة ، فلو اقتصر على ما يظنّ أنّه جهة الاستقبال أمكن أن يكون مائلا إلى جهة اليمين فيخرج عن الحرم ، وهو يظنّ استقباله. إذ محاذاة العلائم على الوجه المحرّر قد يخفى على المهندس الماهر ، فيكون التياسر يسيرا عن سمت العلائم مفضيا إلى سمت المحاذاة ، ويشهد لهذا التأويل ما روي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) وقد سئل عن سبب التحريف عن القبلة ذات اليسار؟ فقال : ان الحرم عن يسار الكعبة ثمانية أميال ، وعن يمينها أربعة أميال ، فإذا انحرف ذات اليمين خرج عن حدّ القبلة ، وإن انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حدّ القبلة (١).

وهذا الحديث يؤذن بأن المقابلة قد يحصل معها احتمال الانحراف.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ١٧٨ ، حديث ٢ ، باب ٤٢ القبلة. نقلا بالمضمون.

٣١٦

وكذا لو استدبر القبلة. وقيل : يعيد وإن خرج الوقت. ولا يصلّي الفريضة على الراحلة اختيارا. ويرخّص في النافلة سفرا ، حيث توجهت الراحلة.

______________________________________________________

وأمّا الجواب عن الثالث : فقد مرّ في أثناء البحث.

وهذا كلّه مبنيّ على أنّ استقبال أهل العراق إلى الحرم لا إلى الكعبة. وليس ذلك بمعتمد ، بل الوجه الاستقبال إلى جهة الكعبة إذا علمت أو غلب الظن مع عدم الطريق إلى العلم ، سواء كان في المسجد أو خارجه فيسقط حينئذ اعتبار التياسر ، والتعويل في استقبال الحرم إنّما هو على أخبار آحاد ضعيفة ، وبتقدير أن يجمع جامع بين هذا المذهب وبين التياسر ، يكون ورود الاشكال عليه أتم ، وبالله العصمة والتوفيق انّه وليّ الإجابة. هذا آخر رسالة المصنّف قدّس الله روحه.

واعلم : أنّ غير المصنّف أجاب عن هذا الاشكال ، بمنع الحصر. لأن حاصل السؤال : إنّ التياسر إمّا إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبّا. وإمّا عنها فيكون حراما.

والجواب : بمنع الحصر ، بل نقول : التياسر فيها ، وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض ، أو حصول الاستظهار بالتوسّط بسبب الانحراف.

قال طاب ثراه : وكذا لو استدبر (١) ، وقيل : يعيد وإن خرج الوقت.

أقول : يريد لو تبيّن صلاته إلى دبر القبلة وقد خرج الوقت ، هل يعيد؟ فيه قولان :

(ألف) : الإعادة ، قاله الشيخ (٢) ، وهو اختيار العلّامة في أكثر كتبه (٣).

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في المتن «وكذا لو استدبر القبلة» فراجع.

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب معرفة القبلة وأحكامها ، ص ٦٤ ، س ٤ ، قال : «وقد رويت رواية انه إذا كان صلّى إلى استدبار القبلة ، ثمَّ علم بعد خروج الوقت ، وجب عليه إعادة الصلاة. وهذا هو الأحوط وعليه العمل».

(٣) التذكرة : كتاب الصلاة ، البحث الثالث في المستقبل ، ص ١٠٣ ، س ١٨ ، قال : «فان كان قد استدبر أعاد الصلاة ، سواء كان الوقت باقيا أو لا».

وفي القواعد : كتاب الصلاة ، المطلب الثالث في المستقبل ، ص ٢٧ ، س ٦ ، قال : «ولو بان الاستدبار أعاد مطلقا».

٣١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) : الصحّة ، وهو مذهب المرتضى (١) ، وابن إدريس (٢) ، واختاره المصنّف (٣) ، والعلّامة في المختلف (٤).

احتجّ الشيخ : بما رواه عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) في رجل صلّى إلى غير القبلة ، فيعلم وهو في الصلاة قبل أن يفرغ من صلاته؟ قال : إن كان متوجّها فيما بين المشرق والمغرب ، فليحوّل وجهه إلى القبلة حين يعلم. وإن كان متوجّها إلى دبر القبلة ، فليقطع ثمَّ يحوّل وجهه إلى القبلة ثمَّ يفتتح الصلاة (٥).

ورد بوجهين :

(ألف) : ضعف السند.

(ب) : كونه غير دالّ على محل النزاع ، لانّ قوله : «فليقطع ، ثمَّ يحوّل وجهه ، إلى القبلة» تؤذن بكونه في الوقت ولا نزاع فيه.

احتجّ الآخرون : بأنّه امتثل المأمور به ، فيخرج عن العهدة ، أمّا الأولى : فلكونه مخاطبا بما في ظنّه ، أمّا الثانيّة : فلأنّ الأمر للإجزاء.

فإن قيل : تلزمكم مثل هذا في الوقت.

قلنا : فرق بين الصورتين فإنّه في الوقت إنّما تخرج عن العهدة بالظنّ مع استمراره ،

__________________

(١) الناصريات ، ص ١٧ ، س ٢٨ ، كتاب الصلاة ، مسألة ٨٠ قال : «فان علم بعد مضي وقتها فلا إعادة عليه».

(٢) السرائر : كتاب الصلاة ، باب القبلة وكيفية التوجه إليها ، ص ٤٢ ، س ١٣ ، قال : «فان كان قد خرج الوقت فلا إعادة عليه على الصحيح من المذهب».

(٣) المعتبر : في القبلة ، ص ١٤٦ ، س ٢١ ، قال : «ولا كذا لو خرج وقته».

(٤) المختلف : في القبلة ، ص ٧٨ ، س ١٣ ، قال : «وإن كان قد صلّى إلى المشرق أو المغرب أو مستدبرا أعاد في الوقت لا خارجه».

(٥) التهذيب : ج ٢ ، ص ٤٨ ، حديث ٢٧ ، وفيه : «على القبلة».

٣١٨

الرابعة

في لباس المصلّي

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة ولو دبغ ، وكذا ما لا يؤكل لحمه ، ولو ذكي ودبغ ، ولا في صوفه وشعره ووبره ، ولو كان قلنسوة أو تكّة ، ويجوز استعماله لا في الصلاة. ولو كان مما يؤكل لحمه جاز في الصلاة وغيرها ، وإن أخذ من الميتة جزّا ، أو قلعا مع غسل موضع الاتصال نتفا. ويجوز في الخزّ الخالص لا المغشوش بوبر الأرانب والثعالب.

وفي فرو السنجاب قولان : أظهرهما الجواز.

______________________________________________________

لا مع ظهور خطأه ، فيبقى في العهدة. وأمّا مع خروج الوقت ، فإنّ الأمر يسقط ، لانّه مقيّد بالوقت ، وإنّما يجب القضاء بأمر جديد ، ولم يثبت. ولصحيحة سليمان بن خالد قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السّلام) : الرجل يكون في قفر من الأرض في يوم غيم ، فيصلّي إلى غير القبلة ، ثمَّ يصحى فيعلم إنّه صلّى إلى غير القبلة ، كيف يصنع؟ قال : إن كان في وقت فليعد صلاته ، وان كان مضى الوقت فحسبه اجتهاده (١).

قال طاب ثراه : وفي فرو السنجاب قولان : أظهرهما الجواز.

أقول : الجواز مختار ابن حمزة (٢) ، والمصنّف (٣) ، وهو الذي ذكره الشيخ في كتاب الصلاة من النهاية (٤) ،

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٢٥٨ ، كتاب الصلاة ، باب وقت الصلاة في يوم الغيم والريح ومن صلى لغير القبلة ، حديث ٩ ، وفيه «لغير القبلة».

(٢) المختلف : في اللباس ، ص ٧٩ ، س ٢٢ ، قال : «وابن حمزة بالكراهة».

(٣) المعتبر : في لباس المصلي ، ص ١٥٠ ، س ٧ ، قال : «والثاني الجواز».

(٤) النهاية : كتاب الصلاة ، باب ما يجوز الصلاة فيه من الثياب والمكان وما لا يجوز ، ص ٩٧ ، س ٩ ، قال : «ولا بأس بالصلاة في السنجاب والحواصل» الى آخره.

٣١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والمبسوط (١) ، واختاره العلامة في أكثر كتبه (٢) ، للأصل ، ولصحيحة علي بن راشد قال : قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) : ما تقول في الفراء؟ قال : أيّ الفراء؟ ، قلت : الفنك والسنجاب والسّمّور ، قال : فصلّ في الفنك والسنجاب ، أما السّمّور فلا تصلّ فيه (٣).

وعن مقاتل بن مقاتل قال : سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الصلاة في السّمور والسنجاب والثعالب؟ فقال : لا خير في ذلك كلّه ما خلا السنجاب ، فإنّه دابة لا تأكل اللحم (٤).

والمنع مختار الشيخ في الخلاف (٥) ، والمرتضى في الجمل (٦) ، وابن زهرة (٧) ، و

__________________

(١) المبسوط : كتاب الصلاة ، فصل فيما يجوز الصلاة فيه من اللباس ، ص ٨٢ ، س ٢٢ ، قال : فأما السنجاب والحواصل فإنه لا خلاف انه يجوز الصلاة فيهما».

(٢) اختلف فتوى العلامة في كتبه. ففي التحرير ، في الفصل الرابع من كتاب الصلاة ، ص ٣٠ ، س ١٢ ، قال : «لا يجوز الصلاة في شعر كل ما يحرم أكله ولا في صوفه ولا في وبره الا الخز الخالص ، والحواصل والسنجاب على قول.

وفي التذكرة : كتاب الصلاة ، ص ٩٥ ، س ٢١ ، قال : «مسألة. وفي السنجاب قولان : المنع» الى ان قال س ٢٢ ، «والجواز» ، ثمَّ قال ، س ٢٤ ، اختار المنع عملا بالمتيقن. وفي المختلف أيضا قال : والوجه عندي المنع لاحظ كتاب الصلاة من المختلف ، ص ٧٩ س ٢٢».

(٣) التهذيب : ج ٢ ، ص ٢١٠ ، باب ١١ ، في ما يجوز الصلاة فيه من اللباس حديث ٣٠ ، وفيه : «في الفراء أيّ شي‌ء يصلى فيه؟ قال».

(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٠١ ، حديث ١٦ ، وفيه : «والسنجاب والثعلب».

(٥) الخلاف : ج ١ ، ص ١٧٧ ، كتاب الصلاة ، مسألة ٢٥٦ ، قال : «كلما لا يؤكل لحمه لا يجوز الصلاة في جلده ولا وبره ولا شعره ذكي أو لم يذك». الى ان قال : «ورويت رخصة في جواز الصلاة في الفنك والسّمور والسنجاب ، والأحوط ما قلناه».

(٦) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثالث في اللباس ، ص ٧٩ ، س ١٨ ، قال : «وكذا أطلق السيد المرتضى في الجمل فقال : ولا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، وكذا ابن زهرة»

(٧) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثالث في اللباس ، ص ٧٩ ، س ١٨ ، قال : «وكذا أطلق السيد المرتضى في الجمل فقال : ولا تجوز الصلاة فيما لا يؤكل لحمه ، وكذا ابن زهرة»

٣٢٠