المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وقدّره الحسن بسعة الدينار (١). وأبو علي بسعة العقد الأعلى من الإبهام (٢).

وهذه التفاسير وإن تفاوتت ، فالعمل بالأولى ، أولى. لأنّه أشهر.

تذنيب

المشهور : اختصاص العفوّ بالدّم. وقال أبو علي : كلّ نجاسة وقعت على ثوب ، وكانت عينها فيه مجتمعة أو منقسمة ، دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى ، لا ينجس الثوب بذلك ، إلّا أن تكون النجاسة دم حيض أو منيّا (٣). وهو متروك.

وفي قوله : لا ينجس الثوب ، أيضا نظر ، لأن النجاسة حاصلة قطعا ، غايته عفو الشارع عنها بإباحة الصلاة من دون إزالتها ، لا أنها طاهرة ، فلو لاقتها رطوبة حكم بنجاسة الملاقي الرطب.

فرع

لو أصاب ما نقص عن الدّرهم بصاق أو ماء ، فإن تعدّى عن محلّه لم يبق العفو.

وإن بقي على محلّ الدم خاصة من غير أن يتعدّى ، هل يبقى العفو؟ قيل : لا ، لأنّه قد صار حاملا لمتنجّس ، وهو الرطوبة الملاقية للدم.

وقيل : بل يبقى العفو ، لأنّ المنجّس بشي‌ء لا يزيد عليه في الحكم ، وهو أقوى.

__________________

(١ و ٢ و ٣) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، ص ٦٠ ، س ٤ ، قال : وقال ابن أبي عقيل : «إذا أصاب ثوبه دم ، إلى ان قال : وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه. وفي ص ٥٩ ، س ٣٠ ، قال : قال ابن الجنيد كل نجاسة وقعت على ثوب وكانت عينها فيه مجتمعة أو منبسطة دون سعة الدرهم الذي يكون سعته كعقد الإبهام الأعلى لم ينجس الثوب بذلك» الى آخره.

٢٤١

وقيل : يطرحهما ويصلّي عريانا.

السادس : إذا لاقى الكلب أو الخنزير أو الكافر ثوبا أو جسدا وهو رطب ، غسل موضع الملاقاة وجوبا ، وان كان يابسا رش الثوب بالماء استحبابا.

السابع : من علم النجاسة في ثوبه أو بدنه وصلّى عامدا أعاد في الوقت وبعده.

______________________________________________________

فرع آخر

لو تعدّدت الثياب وفي كل واحد منها قدر ما عفى عنه من الدّم ، صحّت صلاته.

وإن زاد المجموع عن النصاب. وكذا البدن والثوب متعدّدان ، لا يضمّ أحدهما إلى الآخر. أمّا الثوب الواحد فيضمّ متفرّقاته ، ليبلغ النصّاب. ولو كانت في ظاهره وباطنه ، فان نفذت ، فواحدة ، وإلّا تعدّدتا.

قال طاب ثراه : وقيل : يطرحهما ويصلّي عريانا.

أقول : إذا كان مع المصلّي ثوبان ونجس أحدهما ثمَّ اشتبه ولم يجد غيرهما ما ذا يصنع؟ قيل فيه قولان :

أحدهما : أنّه ينزعهما ويصلّي عريانا ، نقله الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا (١) ، واختاره ابن إدريس ، واحتجّ بالاحتياط ، ثمَّ أورد أنّ الاحتياط في التكرير مع النسيان أولى ، وأجاب : بوجوب اقتران ما يؤثّر في وجوه الأفعال بها ، إذ الواجب عليه عند إيقاع كلّ فريضة أن يقطع بطهارة ثوبه ، وهو منتف عند افتتاح كلّ صلاة هنا ، ولا يجوز أن يقف الصلاة على ما يظهر بعد ، وكون الصلاة واجبة ،

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، ص ٩١ ، س ١ ، كتاب الصلاة ، فصل في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة وكيفية تطهيره.

٢٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وجه يقع عليه الصلاة فلا يؤثّر فيه ما يتأخّر (١).

والثاني : وجوب الصلاة الواحدة في كلّ منهما. وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٢) ، والمصنّف (٣) ، والعلّامة (٤) ، لوجوه :

(ألف) : أنّه متمكّن من الصلاة في ثوب طاهر ، فيجب عليه. وبالصلاة فيهما مرّتين ، يحصل المأمور.

(ب) : انّ تكرار الصلاة في صورة اشتباه القبلة ، إن كان واجبا وجب هنا ، والمقدّم حقّ ، فالتالي مثله.

بيان الشرطيّة : أنّ المقتضي موجود وهو الاشتباه ، مع إمكان الإتيان بما وقع فيه الاشتباه. وهذا من باب اتّحاد طريق المسألتين.

(ج) : ما رواه صفوان بن يحيى في الحسن عن أبي الحسن (عليه السلام) قال : كتبت إليه أسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ولم يدر بأيّهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : يصلّي فيهما جميعا (٥).

والجواب : عمّا تمسّك به ابن إدريس ، بالمنع من وجوب علمه بطهارة الثوب

__________________

(١) السرائر : باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، ص ٣٧ ، س ٢٢.

(٢) المبسوط : ج ١ ، ص ٩٠ ، س ٢٤ ، كتاب الصلاة ، فصل في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة وكيفية تطهيره.

(٣) المعتبر : ص ١٢١ ، س ٣٢ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات.

(٤) المختلف : ص ٦١ ، س ٣٧ ، كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، قال : «مسألة. لو كان معه ثوبان ونجس أحدهما واشتبه وليس له سواهما ، صلّى الصلاة الواحدة في كلّ منهما مرة» الى آخره.

(٥) الفقيه : ج ١ ، ص ١٦١ ، حديث ٨ ، باب ٣٩ ، ما يصلّى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع الأنواع.

٢٤٣

ولو نسي في حال الصلاة فروايتان ، أشهرهما : ان عليه الإعادة.

______________________________________________________

حينئذ ، لسقوط التكليف عند تعذّره ، والفرض ذلك ، والمؤثّر في وجوب الصلاة هنا موجود مع الفعل ، لا متأخّر عنه ، فانّا نحكم بوجوب الصلاتين عليه ، إحديهما بالاشتباه ، والأخرى بالأصالة.

تذنيب

لو حضر وقت الصلاتين ، كالظهرين. هل يصلّيهما في أحدهما ، ثمَّ ينزعه ويعيدهما في الآخر. أو يصلّي الصلاة الأولى فيهما مرّتين ، ليقطع ببراءته منها ، ثمَّ يصلّي الأخرى فيهما؟ بالأوّل قال العلّامة في التحرير (١) ، وبالثاني قال ولده فخر المحقّقين في درسه طاب ثراهما.

قال طاب ثراه : ولو نسي في حال الصلاة فروايتان ، أشهرهما أنّ عليه الإعادة.

أقول : هنا روايتان :

(ألف) : الإعادة مطلقا. وهو مذهب المفيد (٢) ، والسيد (٣) ، واختاره المصنّف (٤) ، والعلّامة (٥) ، لأنّ النسيان مستند إلى التفريط ، فإنّه كان قادرا

__________________

(١) التحرير : ص ٢٥ ، س ٢٢ ، كتاب الطهارة ، الفصل الثاني في أحكام النجاسات ، قال : «ولو صلى الظهرين في أحدهما ثمَّ كررهما في الآخر صحتا معا» انتهى.

(٢) المقنعة : ص ٢٤ ، س ٣٧ ، أبواب الصلاة ، باب أحكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة ، قال : «وكذلك من صلّى في ثوب يظن انه طاهر ، ثمَّ عرف بعد ذلك انه كان نجسا ففرّط في صلاته فيه من غير تأمّل له أعاد ما صلى فيه في ثوب طاهر من النجاسات».

(٣) المعتبر : ص ١٢٢ ، س ٢٣ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في الفرع الثاني من فروع من صلّى ثمَّ رأى النجاسة ، على ثوبه ، قال : «الثاني. علم النجاسة ثمَّ نسيها وصلّى ثمَّ ذكر فروايتان ، إحداهما هي كالأولى يعيد ، الى ان قال : س ٢٤ ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، والخلاف ، والنهاية ، والمفيد في المقنعة ، وعلم الهدى في المصباح ، إلى ان قال : س ٣١ ، لكن القول الأول أكثر والرواية به أشهر».

(٤) المعتبر : ص ١٢٢ ، س ٢٣ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في الفرع الثاني من فروع من صلّى ثمَّ رأى النجاسة ، على ثوبه ، قال : «الثاني. علم النجاسة ثمَّ نسيها وصلّى ثمَّ ذكر فروايتان ، إحداهما هي كالأولى يعيد ، الى ان قال : س ٢٤ ، وهو اختيار الشيخ في المبسوط ، والخلاف ، والنهاية ، والمفيد في المقنعة ، وعلم الهدى في المصباح ، إلى ان قال : س ٣١ ، لكن القول الأول أكثر والرواية به أشهر».

(٥) اختلف فتوى العلامة في كتبه ، فقال في التذكرة : «لو علم النجاسة ثمَّ نسيها وصلّى ، فقولان :

٢٤٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على التكرار الموجب للتذكار ، ولصحيحة أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال : إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم ، فلا إعادة عليه. وان هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة (١).

وفي معناها رواية سماعة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يرى بثوبه الدم ، فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال : يعيد صلاته ، كي يهتمّ بالشي‌ء إذا كان في ثوبه ، عقوبة لنسيانه (٢).

(ب) : عدمها ، وهو في رواية الحسن بن محبوب ـ الحسنة ـ ، عن العلاء ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجّسه ، فينسى أن يغسله ، فيصلّي فيه ، ثمَّ يذكر انّه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : لا يعيد قد مضت الصلاة وكتبت له (٣).

قال المصنّف : وعندي انّ هذه الرواية حسنة ، والأصول تطابقها ، لانّه صلّى صلاة مأمورا بها ، فيسقطها الفرض ، ويؤيّد ذلك قوله (عليه السلام) : «عفى عن أمّتي الخطأ والنسيان». ولكن القول الأوّل أكثر ، والرواية به أشهر (٤).

__________________

أحدهما انه يعيد مطلقا في الوقت وخارجه ، اختاره الشيخان والمرتضى وهو المعتمد. لاحظ ص ٩٧ ، س ٣٧ ، من كتاب الصلاة. وقال في التحرير : ص ٢٥ ، س ٢٧ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، «ولو نسي حالة الصلاة فالوجه الإعادة في الوقت لا خارجه» وكذا قال في القواعد أيضا ، لاحظ كتاب الطهارة ، ص ٨ ، س ١١.

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٥٤ ، باب ١٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٢٤.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٥٤ ، باب ١٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٢٥.

(٣) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٨٣ ، باب ١٠٩ ، الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم ، حديث ١٤.

(٤) المعتبر : ص ١٢٢ ، س ٣٠ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في الفرع الثاني من فروع من صلّى ثمَّ رأى النجاسة على ثوبه ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الكتاب.

٢٤٥

ولو لم يعلم وخرج الوقت فلا قضاء ، وهل يعيد مع بقاء الوقت؟ فيه قولان ، أشبههما انه لا إعادة.

______________________________________________________

قال الشيخ في الاستبصار : يحمل هذه على كون الذكر خارج الوقت (١) ، واستند في هذا الحمل إلى رواية علي بن مهزيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل ، وأنه أصاب كفّه برد نقط من البول ، لم يشك أنّه أصابه ولم يره وأنه مسحه بخرقة ، ثمَّ نسي أن يغسله ، وتمسّح بدهن فمسح به كفيه ووجهه ورأسه ، ثمَّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى؟ فأجابه بجواب قرأته بخطّه : أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقّق ، فان تحقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صليتهنّ بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت. وإذا كان جنبا أو على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات اللواتي فاتته ، لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله (٢).

واعلم : أنّ هذه الرواية ضعيفة جدّا. أمّا أولا : فلاشتمالها على المكاتبة ، وأمّا ثانيا : فلان المكتوب إليه مجهول غير معلوم العصمة. ولهذا لم يشر المصنّف إليها ولم يعتدّ بها.

قال طاب ثراه : ولو لم يعلم وخرج الوقت ، فلا قضاء ، وهل يعيد مع بقاء الوقت؟ فيه قولان : أشبههما أنّه لا إعادة.

أقول : إذا لم يسبقه العلم وتيقّن سبقها على الصلاة ، فلا إعادة مع خروج الوقت

__________________

(١) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٨٤ ، باب ١٠٩ ، الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم ، ذيل حديث ١٤.

(٢) الاستبصار : ج ١ ص ١٨٤ ، باب ١٠٩ ، الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة قبل ان يعلم ، حديث ١٥ ، وفيه «إذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء». وفيه «إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي».

٢٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إجماعا. وهل يعيد مع بقائه؟ قال المفيد (١) ، والسيد (٢) ، والشيخ في باب تطهير الثياب من النهاية (٣) : لا. وهو اختيار ابن إدريس (٤) ، والمصنّف (٥) ، والعلّامة في الإرشاد (٦).

واحتجّوا : بأصالة براءة الذمة ، وبما رواه حفص بن غياث ، عن جعفر عن أبيه ، عن علي (عليه السلام) قال : ما أبالي بول أصابني أو ماء إذا لم أعلم (٧).

وما رواه عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) ، عن الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد (٨).

__________________

(١ و ٢) المعتبر : ص ١٢٢ ، س ٣٣ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في الفرع الثالث من فروع من صلّى ثمَّ رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه قال : «لو لم يعلم بالنجاسة حتى فرغ من صلاته وتيقّن انّها كانت في ثوبه أو بدنه فقولان : أحدهما لا إعادة ، إلى ان قال : س ٣٤ ، وهو اختيار المفيد وعلم الهدى».

(٣) النهاية : ص ٥٢ ، س ١٣ ، باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني ، قال : «فان لم يعلم حصولها في الثوب وصلى ثمَّ علم انّه كان فيه نجاسة ، لم يلزمه إعادة الصلاة».

(٤) السرائر : ص ٣٧ ، س ١٠ ، كتاب الطهارة ، باب تطهير الثياب من النجاسات والبدن والأواني والأوعية ، قال : «فان كان الوقت باقيا ، الى ان قال : س ١١ ، وبعض منهم من يقول : لا يجب عليه الإعادة. وهذا الذي يقوي في نفسي وبه أفتي» الى آخره.

(٥) المعتبر : ص ١٢٢ ، س ٣٣ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، في المسألة الثالثة من مسائل من صلّى ثمَّ رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه.

(٦) الإرشاد : (مخطوط) قال في النظر السادس فيما يتبع الطهارة : «ولو صلّى مع نجاسة ثوبه أو بدنه عامدا ، أعاد في الوقت وخارجه ، والناسي يعيد في الوقت خاصة ، والجاهل لا يعيد مطلقا».

(٧) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٥٣ ، باب ١٢ تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٢٢ ، وفيه «ما أبالي أبول أصابني».

(٨) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٠٦ ، باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، حديث ١١ ، وفيه «فقال ان كان».

٢٤٧

ولو رأى النجاسة في أثناء الصلاة ، أزالها وأتمّ ، أو طرح عنه ما هي فيه ، إلّا أن يفتقر ذلك إلى ما ينافي الصلاة فيبطلها.

______________________________________________________

ومثلها رواية العيص عنه (عليه السلام) (١).

وقال الشيخ في باب المياه من النهاية (٢) ، والعلّامة في القواعد (٣) : يعيد للاحتياط ، وهو معارض بالبراءة الأصليّة.

وبما رواه وهب بن عبد ربّه ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه ، فيصلّي فيه ، ثمَّ يعلم بعد ذلك؟ قال : يعيد إذا لم يكن علم (٤).

وحملها في الاستبصار على من سبقه العلم ثمَّ نسي حالة الصلاة.

فروع

(ألف) : لو علم بالنجاسة في الأثناء ، طرحها إن أمكن وأتمّ صلاته. وإن لم يمكن إلّا بفعل المنافي كالاستدبار والفعل الكثير. استأنف ، وقال به في المبسوط (٥) ،

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٠٤ ، باب الرجل يصلي في الثوب وهو غير طاهر عالما أو جاهلا ، حديث ١.

(٢) النهاية : ص ٨ ، س ٧ ، باب المياه وأحكامها ، قال : «اللهم الا ان يكون الوقت باقيا فإنه يجب عليه غسل الثوب وإعادة الوضوء وإعادة الصلاة» الى آخره.

(٣) القواعد : ص ٨ ، س ١١ ، المقصد الثالث في النجاسات ، قال : «ولو جهل النجاسة أعاد في الوقت خاصة».

(٤) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٨١ ، حديث ٧ ، باب ١٠٩ ، الرجل يصلي في ثوب فيه نجاسة ، قبل أن يعلم. هكذا في الأصل ، ولكن في الاستبصار المطبوع «قال : لا يعيد» فحينئذ إن كان ما في الاستبصار هو الصحيح ، فهذا وإن أمكن صلاحيّته لمعارضة الاحتياط إلّا أنّه لا يلائم من الحمل كما ذكره المؤلف (قدّس سرّه) وإن كان ما في النسخ الأصليّة هو الصحيح فهذا ينافي من المعارضة مع الاحتياط ، بل بالعكس فإنّه مؤيّد للاحتياط ، فلا يتمّ ما ذكره المؤلّف (قدّس سرّه) من الاستدلال.

(٥) المبسوط : ج ١ ، ص ٩٠ ، س ٢٠ ، كتاب الصلاة ، فصل في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة وكيفيّة تطهيره.

٢٤٨

الثامن : المربية للصبي إذا لم يكن لها إلّا ثوب واحد ، اجتزأت بغسله في اليوم والليلة مرّة واحدة.

التاسع : من لم يتمكّن من تطهير ثوبه ، ألقاه وصلّى عريانا ، ولو منعه مانع صلّى فيه ، وفي الإعادة قولان ، أشبههما أنّه لا إعادة.

______________________________________________________

وهو مطابق لمذهبه الأوّل في النهاية ، وعلى قوله الآخر وفتوى القواعد من وجوب الإعادة في الوقت ، يستأنف مع بقاء الوقت مطلقا ، أي سواء افتقر إلى المنافي أو لا ، وسواء تيقّن سبقها على الصلاة أو لا عند المصنّف في المعتبر (١) ، وقيّد الشهيد ذلك بعلم سبقها على الصلاة ، أمّا لو شك في حدوثها وتقدّمها ، أزالها ، ولا إعادة (٢). لأصالة صحّة الصلاة الخالية عن معارضة التقدّم.

(ب) : لو وقعت عليه نجاسة ثمَّ زالت قبل علمه ، ثمَّ علم. استمرّ على حاله على الأوّل ، واستقبل صلاته على الثاني. هذا على مذهب المعتبر ، وعند الشهيد لا يلتفت.

(ج) : لو كان تجدّد العلم بعد خروج الوقت ، وهو في الصلاة ، أزالها مع المكنة ، وصحّت صلاته قطعا. ولو تعذّر إلّا بالمبطل ، استأنفها أيضا.

قال طاب ثراه : ولو منعه مانع صلّى فيه ، وفي الإعادة قولان : أشبههما أنه لا إعادة.

أقول : هنا مذهبان :

__________________

(١) المعتبر : ص ١٢٣ ، س ٦ ، كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ، في الفرع الأول من فروع : من صلّى ثمَّ رأى النجاسة على ثوبه أو بدنه.

(٢) المسالك : ص ١٨ ، س ١٩ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، قال : «هذا إذا علم سبق النجاسة على الصلاة ولو أحتمل وجودها حين الرؤية نزعها مع الإمكان».

٢٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الأوّل : الإعادة. وهو مذهب الشيخ (١). ومستنده رواية عمّار الساباطي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه سئل عن رجل ليس معه إلّا ثوب ولا تحلّ الصلاة فيه ، وليس معه ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال : يتمّم ويصلّي ، فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة (٢).

وردّ بمنع السند ، وحملها على من تمكّن من نزعه.

الثاني : عدم الإعادة. وهو مذهب ابن إدريس (٣) ، واختاره المصنّف (٤) ، والعلّامة (٥).

واحتجّوا بوجوه :

(ألف) : أنّه أتى بالمأمور به ، فيخرج عن العهدة.

(ب) : حسنة محمد الحلبي قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : رجل أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره؟ قال : يصلّي فيه وإذا وجد الماء غسله (٦).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٤٠٧ ، حديث ١٧ ، أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة ، باب ٢٠ ، التيمم وأحكامه. وفيه «ليس عليه إلّا ثوب واحد ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد» ثمَّ قال : بعد نقل الحديث : «لان الوجه في هذا الخبر حال الضرورة التي لا يتمكن معها من نزع الثوب من برد أو غيره ، فحينئذ يصلّي فيه ، ويعيد بعد ذلك الصلاة».

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٤٠٧ ، حديث ١٧ ، أبواب الزيادات في أبواب كتاب الطهارة ، باب ٢٠ ، التيمم وأحكامه. وفيه «ليس عليه إلّا ثوب واحد ولا تحلّ الصلاة فيه وليس يجد» ثمَّ قال : بعد نقل الحديث : «لان الوجه في هذا الخبر حال الضرورة التي لا يتمكن معها من نزع الثوب من برد أو غيره ، فحينئذ يصلّي فيه ، ويعيد بعد ذلك الصلاة».

(٣) المختلف : باب النجاسات ، ص ٦٢ ، س ١١ ، قال : «ويلوح من كلام ابن بابويه عدم الإعادة وهو اختيار ابن إدريس وهو الحق».

(٤) المعتبر : ص ١٢٤ ، س ١ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، قال : «والأشبه انّه لا إعادة ، لانّه صلّى صلاة مأمورا بها ، والأمر يقتضي الإجزاء».

(٥) المختلف : باب النجاسات ، ص ٦٢ ، س ١١ ، قال : «ويلوح من كلام ابن بابويه عدم الإعادة وهو اختيار ابن إدريس وهو الحق».

(٦) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٠ ، باب ١٦ ، ما ينجس الثوب والبدن ، حديث ٧. وفيه : «فاذا وجد الماء غسله».

٢٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ولو وجب عليه الإعادة لبيّنه.

(ج) : إنّ المشقّة الموجودة في المربية ، وذي الجرح السائل ، موجودة فيه ، فيتساويان في عدم الإعادة.

تنبيه

المذهبان المذكوران ، مشهوران في كتب الفتاوي. وللمصنّف في المعتبر قول ثالث (١) ، وبه قال العلّامة في منتهى المطلب (٢) ، وهو جواز الصلاة في الثوب النجس مع التمكّن من نزعه إذا لم يتمكّن من غسله. وذهبا إلى تخيير المصلّي بين الصلاة فيه وبين نزعه ، لوجهين :

(ألف) : أنّ طهارة الثوب شرط في الصلاة ، وستر العورة شرط أيضا ، فيتخيّر المكلّف.

(ب) : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل عريان وحضرت الصلاة ، فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه. أيصلّي فيه؟ أو يصلّي عريانا؟ فقال : إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد ماء صلّى فيه ، ولم يصلّ عريانا (٣).

__________________

(١) المعتبر : ص ١٢٣ ، س ٣١ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، قال : «لان نزعه يستلزم فوات ستر العورة وهو شرط في الصلاة. والصلاة فيه يستلزم فوات طهارة الثوب ، وهو شرط. وكلاهما متساويان ، فلا ترجيح إذا والاولى القول بالتخيير».

(٢) المنتهى : ص ١٨٢ ، س ٢٧ ، كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، قال : «والأقرب عندي ان المصلّي مخيّر بين الصلاة عاريا وبين الصلاة فيه. وفي كتاب الصلاة ، المطلب الثاني في أحكام الخلل ، ص ٢٣٩ ، س ٣٦ ، قال : لو لم يجد الا ثوبا نجسا تخيّر في الصلاة فيه وعريانا» انتهى

(٣) الفقيه : ج ١ ، ص ١٦٠ ، باب ٣٩ ، ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع الأنواع ، حديث ٧ ، وفيه «يصلّي فيه».

٢٥١

العاشر : الشمس إذا جفّفت البول أو غيره عن الأرض والبواري والحصر ، جازت الصلاة عليه ، وهل تطهر؟ الأشبه نعم ، والنار ما أحالته. وتطهّر الأرض باطن الخف والقدم مع زوال النجاسة.

______________________________________________________

ومثلها رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يجنب في ثوبه ، وليس معه غيره ، ولا يقدر على غسله؟ قال : يصلّي فيه (١).

قلت : وربّما كانت الصلاة فيه أرجح من الصلاة عريانا ، لتمكّنه مع الصلاة فيه من الإتيان بأفعال الصلاة على التمام من الركوع والسجود ، وعدم تمكّنه منهما في صورة النزع ، وفوات أحد الشرطين لازم قطعا ، فاختيار شرط لا يفوت معه أحد الأركان أولى من اختيار شرط يفوت معه بعضها.

قال طاب ثراه : الشمس إذا جفّفت البول أو غيره عن الأرض والبواري والحصر ، جازت الصلاة عليه. وهل تطهر؟ الأشبه : نعم ، والنار ما أحالته.

أقول : هنا مسائل :

الأولى : الأرض والبارية والحصير إذا أصابها البول وشبهه من النجاسات المائعة ، هل تطهر؟

مذهب أكثر علمائنا : ذلك ، وجزم به المصنّف في الشرائع (٢) ، والنافع (٣) ، واختاره العلّامة في كتبه (٤).

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ١٦٠ ، باب ٣٩ ، ما يصلى فيه وما لا يصلى فيه من الثياب وجميع الأنواع ، حديث ٥.

(٢) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٥ ، في أحكام النجاسات ، قال : «والشمس إذا جففت البول وغيره من النجاسات» الى ان قال : «طهر موضعه».

(٣) النافع : ص ١٩ ، في أحكام النجاسات ، قال : «العاشر الشمس» الى آخره.

(٤) المختلف : ص ٦١ ، س ١٠ ، في أحكام النجاسات ، قال : «مسألة. الأرض والحصر والبواري إذا أصابها بول وشبهه من النجاسات المائعة. ثمَّ جفّفتها الشمس طهرت على مذهب أكثر علماءنا. ويلوح من كلام قطب الدين الراوندي انها باقية على التنجيس» ، الى ان قال : س ١٣ ، «والحق هو الأول».

٢٥٢

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال قطب الدين الراوندي : هذه الثلاثة فحسب إذا أصابها البول فجفّفها الشمس ، حكمها حكم الطاهر في جواز السجود عليها ، ما لم يصر رطبة ، أو يكون الجبين رطبا.

قال العلّامة في المختلف : وكان شيخنا أبو القاسم جعفر بن سعيد يختار ذلك (١).

وقال المصنّف في المعتبر ـ بعد ما حكى قول الراوندي ، وصاحب الوسيلة بعدم الطهارة وجواز الصلاة ـ وهو جيّد (٢).

احتجّ العلّامة بوجوه :

(ألف) : ما رواه عمّار الساباطي عن الصادق (عليه السلام) قال : سئل عن الشمس هل تطهر الأرض؟ قال : إذا كان الموضع قذرا من البول أو غير ذلك فأصابته الشمس ثمَّ يبس الموضع ، فالصلاة على الموضع جائزة (٣).

والسؤال وقع عن الطهارة ، فلو لم يكن في الجواب ما يفهم السائل منه الطهارة ، لزم تأخير البيان عن وقت السؤال ، أو الحاجة ، وكلاهما محذوران.

(ب) : ما رواه أبو بكر عن الباقر (عليه السلام) ، قال : يا أبا بكر ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر (٤).

(ج) : ما رواه زرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السلام) ، إنه سئل عن البول

__________________

(١) المختلف : ص ٦١ ، س ١٠ ، في أحكام النجاسات ، قال : «مسألة. الأرض والحصر والبواري إذا أصابها بول وشبهه من النجاسات المائعة. ثمَّ جفّفتها الشمس طهرت على مذهب أكثر علمائنا. ويلوح من كلام قطب الدين الراوندي انها باقية على التنجيس» ، الى ان قال : س ١٣ ، «والحق هو الأول».

(٢) المعتبر : ص ١٢٤ ، س ٣ ، في أحكام النجاسات ، قال : «وقيل : لا يطهر ويجوز الصلاة عليها وبه قال الراوندي منّا وصاحب الوسيلة ، وهو جيد».

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب ١٢ تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، قطعة من حديث ٨٩.

(٤) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب ١٢ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٩١.

٢٥٣

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون على السطح ، أو في المكان الذي يصلّي فيه؟ قال : إذا جفّفته الشمس فصلّ عليه وهو طاهر (١). وهذا نصّ في الباب.

(د) : انّ المقتضي للتنجيس هو الأجزاء التي عدمت بإسخان الشمس ، فيزول الحكم.

وفيه نظر : لأنّ زوال الأجزاء لا يكفي في الطهارة مطلقا ، ولهذا لا يكفي لو جفّفت بغير الشمس.

احتجّ الآخرون بوجوه : (ألف) : الاستصحاب ، فإنّه يقتضي الحكم بالنجاسة.

(ب) : صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال : سألته عن الأرض والسطح يصيبه البول وما أشبهه ، هل تطهره الشمس من غير ماء؟ قال : كيف تطهر من غير ماء (٢)!

(ج) : الاحتياط ، فإنّه يقتضي تجنّبها.

فان قيل : جواز السجود عليها دليل على طهارتها.

قلنا : ممنوع لجواز العفو ، كالدّم اليسير ، فالعفو لا يدلّ على الطهارة ، وبحثنا ليس إلّا فيها.

والجواب عن الأوّل : أنّ حكم الاستصحاب ثابت مع بقاء الأجزاء النجسة ، لا مع عدمها ، وهو التقدير.

وعن الثاني : أنّ الرواية متأوّلة بجواز حصول اليبوسة من غير الشمس. مع انّها

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ١٥٧ ، باب ٣٨ ، باب المواضع التي تجوز الصلاة فيها ، والمواضع التي لا يجوز فيها ، حديث ٩.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، باب ١٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات ، حديث ٩٢.

٢٥٤

.................................................................................................

______________________________________________________

مقطوعة ، فجاز أن يكون المسؤول غير معصوم ، فلا حجّة فيها.

وعن الثالث : معارضته بأصالة براءة الذمّة من وجوب التجنّب ، وأصالة صحّة الصلاة ، وعموم إباحة الإذن ، لقوله (عليه السلام) : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، أينما أدركتني الصلاة صلّيت» (١).

الثانية : هل يسرى الحكم إلى غير هذه الثلاثة مما أشبهها ، كالأبنية والأشجار؟ الحقّ ذلك. وهو اختيار المصنّف (٢) ، والعلّامة (٣) ، بقول الباقر (عليه السلام) : ما

__________________

(١) رواه المحقق (قدّس سرّه) في المعتبر كما في المتن ص ١٢٤ ، س ٧ ، من كتاب الطهارة في أحكام النجاسات في مسألة التطهير بالشمس.

ورواه صاحب الوسائل عن المعتبر ج ٣ ، ص ٤٢٣ ، كتاب الصلاة باب ١ ، من أبواب مكان المصلي حديث ٥ ، «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» مع العلم بمخالفته لما في المعتبر.

ورواه الشيخ في الخلاف ج ١ ، ص ١٧١ ، كتاب الصلاة مسألة ٢٣٧ ، والعجب من صاحب الوسائل ، كيف لم يروه عن الخلاف مع تقدمه ورواه عن المعتبر مع تأخره.

هذا وقد رواه أئمة الحديث في ضمن نصوص مختلفة ، وإليك أنموذج منها :

١ ـ الفقيه : ج ١ ، ص ١٥٥ ، حديث ١ ، باب ٣٨ ، المواضع التي تجوز الصلاة فيها والمواضع التي لا تجوز فيها ، وإليك نص الحديث : قال النبي (صلّى الله عليه وآله) : «أعطيت خمسا لم يعطها أحد قبلي ، جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، ونصرت بالرعب ، وأحلّ لي المغنم ، وأعطيت جوامع الكلام ، وأعطيت الشفاعة».

٢ ـ ورواه البخاري ، في صحيحة : ج ١ ، ص ٩١ ، كتاب التيمّم ، رقم الحديث ٢ وإليك نصّه : عن جابر بن عبد الله : ان النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : أعطيت خمسا لم يعطهنّ أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيّما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ ، وأحلّت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي ، وأعطيت الشفاعة ، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة ، وبعثت إلى الناس عامة ، إلى غير ذلك مما يظهر عليه المتتبع.

(٢) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٥ ، أحكام النجاسات ، قال : «وكذا كل ما لا يمكن نقله».

ولكن في المعتبر تردد في ذلك ، راجع كتاب الطهارة في أحكام النجاسات ، ص ١٢٤ ، س ١٥ ، قال : «وفيما عدا الأرض ممّا لا ينقل تردّد».

(٣) المختلف : باب النجاسات ، ص ٦١ ، س ٢١ ، قال : والوجه عندي طهارة ما أشبهها من الأبنية والأشجار.

٢٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أشرقت عليه الشمس فقد طهر (١) ، ولأنّ المقتضي للطهارة هناك زوال عين النجاسة بالشمس عن محل بغير تطهيره ، وهو ثابت هنا.

ومنع الراوندي من التعدّي ، واحتجّ باختصاص النصّ بهذه الثلاثة. فيقتصر عليها. استنادا إلى أنّ الطهارة حكم شرعي ، فيقف

على الدلالة الشرعيّة. وبأصالة بقاء النجاسة.

وأجيب : بمنع الاختصاص ، فإنّ رواية أبي بكر (٢) عامة ، والأصل مخالف للدليل.

وقال العلّامة : بسريان الحكم إلى ما يشابهها في عدم النقل عادة ، من النباتات والثمار على الأشجار. والضابط : كلّ ما لا تنقل عادة. وما كان منقولا بالعادة لا يطهر بها إلّا البارية والحصير ، اقتصارا على المتيقّن ، وتحفّظا من الاشتمار المفضي إلى التهاون بالنجاسة ، حذرا من الوقوع فيما يكره.

وكان فخر المحقّقين قدّس الله روحه : يرى عموم الحكم للنباتات وإن انفصلت ، كالخشب والآلات المتّخذة من النبات. ويؤيّده قوله في رواية الحضرمي «ما أشرقت عليه الشمس» ، لكن التمسّك به ضعيف.

فروع

(ألف) : يلحق بالأرض ، مجاورها إذا اتصل بها ، كالطين الموضوع عليها تطيينا ، أو على السّطح. وكذا الجص المثبت بإزاء الحائط ، حكمه حكم البناء ، وكذا المطيّن به ، وكذا القير على الحوض والحائط. ويلحق بالأبنية مشابهها وما اتّصل بها مما لا ينقل عادة كالأخصاص (٣) ، والأخشاب المستدخلة في البناء ، والأجنحة ،

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، حديث ٩١ ، باب ٦٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٣ ، حديث ٩١ ، باب ٦٢ ، تطهير الثياب وغيرها من النجاسات.

(٣) الخص بالضم والتشديد : البيت من القصب. والجمع أخصاص ، مثل قفل وأقفال ، ومنه الحديث. الخصّ لمن إليه القمط يعني شد الحبل. مجمع البحرين : ج ٤ ، ص ١٦٨.

٢٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والرواشن (١) ، والأبواب المغلقة وأغلاقها ، والرفوف المسمّرة ، والأوتاد المستدخلة في البناء.

(ب) : لو انتقل كل من المنقول وغيره إلى الحالة الأخرى ، كان المناط بحالة الجفاف ، فلو انفصلت الحجارة من الجدار ، أو الثمرة من الشجرة بعد الحكم بنجاستها وهي رطبة ، لم تطهر بالشمس. ولو كان الطين نجسا ثمَّ طيّن به الحائط أو السطح ، طهر بها.

وقال العلّامة في المنتهى : بطهارة حجارة الاستنجاء (٢).

(ج) : المراد وقوع ضوء الشمس عليه ، ولا يكفي جفافه بحرارتها بالمجاورة ، كما في أيّام السمائم ، لقوله (عليه السلام) : «ما أشرقت عليه الشمس فقد طهر».

(د) : لو وضع في الشمس حصيران ، أو باريتان وإحداهما على الأخرى ، طهر الأعلى المواجه للشمس دون الأسفل ، نعم يطهر ظاهر الواحد وباطنه ، عملا بالعموم.

الثالثة

الخمر إذا وقع على هذه الأشياء ، هل حكمه حكم البول؟ قال في المبسوط : لا ، لانّه قياس (٣)

__________________

(١) الرواشن جمع روشن : وهي ان تخرج أخشابا إلى الدرب ، وتبنى عليها ، وتجعل لها قوائم من أسفل مجمع البحرين ، ج ٦ ، ص ٢٥٥.

(٢) المنتهى : ص ٤٦ ، س ١٧ ، كتاب الطهارة ، مقدمات الوضوء ، قال في الفرع الثاني من فروع الاستنجاء بالأحجار : «اما لو كانت النجاسة مائعة كالبول ، فزالت عنها بالشمس ، جاز استعماله لطهارته». الى آخره.

(٣) المبسوط : ج ١ ، ص ٩٣ ، س ١٢ ، كتاب الصلاة ، فصل في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة وكيفيّة تطهيره ، قال : «وحكم الخمر حكم البول إذا أصاب الأرض ، إلّا إذا جفّفتها الشمس فإنه لا يحكم بطهارته ، وحمله على البول قياس لا يجوز استعماله».

٢٥٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واختاره المصنّف في المعتبر (١).

وقال العلّامة : نعم لأن روايتي عمّار ، ومحمد بن إسماعيل يدلان عليه (٢). لأن السؤال فيهما غير مخصوص بالبول ، بل سئل عن البول وما يشبهه. وهو مذهب الشيخ في الخلاف (٣).

الرابعة

الريح هل يشارك الشمس في التطهير بالتجفيف؟ قال في الخلاف : نعم (٤) ، ومنع ابن إدريس ، واقتصر على الشمس ، لاختصاصها بالنص (٥) ، وهو الأكثر ، واختاره المصنّف (٦) ، والعلّامة (٧).

__________________

(١) بل الظاهر من المصنّف في المعتبر إلحاق الخمر بالبول ، حيث قال في كتاب الطهارة ، ص ١٢٤ ، س ١٣ ، بعد نقل قول المبسوط : «وفيه إشكال. لأن معوّله على رواية عمّار. وهي تتضمّن البول أو غيره» فلاحظ.

(٢) المختلف : ص ٦١ ، س ٢٥ ، كتاب الطهارة ، باب النجاسات.

(٣) الخلاف : ج ١ ، كتاب الطهارة ، ص ٦٠ ، مسألة ١٨٦ ، قال : «الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت عليه الشمس ، أو هبّت عليها الريح حتّى زالت عين النجاسة ، فإنّها تطهر» الى آخره هذا. ولكن قال : ج ١ ، في كتاب الصلاة ، ص ١٧٠ ، مسألة ٢٣٦ ، «إذا بال على موضع من الأرض وجففته الشمس طهر الموضع ، وان جفف بغير الشمس لم يطهر ، وكذلك الحكم في البواري والحصر سواء»

(٤) الخلاف : ج ١ ، كتاب الطهارة ، ص ٦٠ ، مسألة ١٨٦ ، قال : «الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل البول وما أشبهه وطلعت عليه الشمس ، أو هبّت عليها الريح حتّى زالت عين النجاسة ، فإنّها تطهر» الى آخره هذا. ولكن قال : ج ١ ، في كتاب الصلاة ، ص ١٧٠ ، مسألة ٢٣٦ ، «إذا بال على موضع من الأرض وجففته الشمس طهر الموضع ، وان جفف بغير الشمس لم يطهر ، وكذلك الحكم في البواري والحصر سواء»

(٥) السرائر : ص ٣٧ ، س ١ ، باب تطهير الثياب من النجاسات ، قال بعد نقل كلام الشيخ في الخلاف : «وهذا غير واضح لا يجوز القول به ، لأنه مخالف لمذهبنا ، وإجماعنا على الشمس دون هبوب الرياح».

(٦) المعتبر : ص ١٢٤ ، س ١٧ ، كتاب الطهارة ، في الفرع الثالث من فروع التطهير بالشمس.

(٧) المختلف : كتاب الطهارة ، باب النجاسات ، ص ٦١ ، س ٩ ، قال بعد توجيه كلام الشيخ : «وهذا يدل على ما ذكرناه أولا».

٢٥٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامسة

الأرض تطهّر باطن النعل والقدم ، وكعب العكاز والقنادل. وكذا حكم الخفّ والحافر والظلف.

فروع

(ألف) : لا يشترط المشي ، للخبر عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في النعلين «فليمسحهما وليصلّ فيهما» (١).

وقال (عليه السلام) : إذا وطئ أحدكم الأذى بخفّيه فان التراب له طهور (٢).

وقال الباقر (عليه السلام) في العذرة يطأها برجله : يمسحها حتّى يذهب أثرها (٣).

(ب) : لا يشترط جفاف النجاسة حال المشي ، ولا كونها ذات جرم ، للعموم ، خلافا لأبي حنيفة في الأخير.

(ج) : لا حصر في المشي ، بل يكفي الاسم مع زوال العين. وحدّه أبو على بنحو من خمسة عشر ذراعا (٤) ، وهو مرويّ عن الصادق (عليه السلام) (٥).

__________________

(١) رواه في المعتبر : ص ١٢٤ ، س ٢١ ، كتاب الطهارة في أحكام النجاسات عن أبي سعيد الخدري ، ولفظ الحديث : عن النبي (صلّى الله عليه وآله) «إذا جاء أحدكم إلى المسجد فان رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحهما وليصلّ فيهما» وقريبا منه ما رواه في عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٦٠ ، حديث ١٧٧.

(٢) رواه في المعتبر : ص ١٢٤ ، س ٢٢ ، عن أبي هريرة وعن عائشة. ورواه في عوالي اللئالي ، ج ٣ ، ص ٦٠ ، حديث ١٧٨.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٧٥ ، باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات قطعة من حديث ٩٦.

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، ص ١٢٤ ، س ١٨ ، ولم نعثر على ما نقله من أبي علي من التحديد بخمسة عشر ذراعا.

(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٣٨ ، كتاب الطهارة ، باب الرجل يطأ على العذرة أو غيرها من القذر ، حديث ١.

٢٥٩

وقيل في الذنوب : يلقى على الأرض النجسة بالبول ، انّها تطهّرها ، مع بقاء ذلك الماء على طهارته.

ويلحق بذلك النظر في الأواني ، ويحرم منها استعمال الأواني الذهب والفضّة في الأكل وغيره ،

______________________________________________________

(د) : ظاهر أبي علي : اشتراط طهارة الأرض ويبوستها ، حيث قال : لو وطئ برجله أو ما هو وقائها نجاسة ، ثمَّ وطئ بعدها على أرض طاهرة يابسة طهر ما مسّت النجاسة برجله والوقاء ، ولو مسحها حتى يذهب عين النجاسة وأثرها بغير ماء أجزأه إذا كان ما مسحها به طاهرا (١).

وهو حسن. ولو كانت الأرض نجسة وهي يابسة ، فالنجاسة حكميّة ، كالبول اليابس ، أو رطبة ومشى عليها حتّى زالت العين ، ومشى بعد ذلك على أرض طاهرة خطوات ، أو الخمسة عشر ذراعا ، فالأقرب الطهارة.

قال طاب ثراه : وقيل في الذنوب يلقى على الأرض النجسة بالبول ، انّها تطهّرها ، مع بقاء ذلك الماء على طهارته.

أقول : إذا نجست الأرض بالبول وألقي عليها ماء قليل ، كما لو ألقي عليها ذنوب ، وهو الدلو من الماء ، ولم يتغيّر ذلك الماء بالبول هل تطهر؟ قال الشيخ : نعم (٢) ، محتجّا بما رواه أنس ، قال : جاء أعرابي فبال في طابقة المسجد ، فزجره الناس ، فنهاهم النبي (صلّى الله عليه وآله). فلمّا قضى بوله أمر بذنوب (٣) من الماء فأهريق عليه (٤).

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة ، في أحكام النجاسات ، ص ١٢٤ ، س ١٨ ، ولم نعثر على ما نقله من أبي علي من التحديد بخمسة عشر ذراعا.

(٢) المبسوط : ج ١ ، ص ٩٢ ، س ١٧ ، كتاب الصلاة ، فصل في حكم الثوب والبدن والأرض إذا أصابته نجاسة وكيفية تطهيره.

(٣) النهاية لابن الأثير : ج ٢ ، ص ١٧١ ، باب الذال مع النون. وفي حديث بول الأعرابي في المسجد «فأمر بذنوب من ماء فاريق عليه» الذنوب الدّلو العظيمة. وقيل : لا تسمى ذنوبا إلّا إذا كان فيه ماء.

(٤) صحيح مسلم : ج ١ ، كتاب الطهارة ، باب ٣٠ ، وجوب غسل البول وغيره من النجاسات إذا حصلت في المسجد ، وان الأرض تطهر بالماء من غير حاجة الى حفرها ، حديث ٩٩.

٢٦٠