الثاني
ألّا يقطع السفر بعزم الإقامة ، فلو عزم مسافة وله في أثنائها منزل قد استوطنه ستّة أشهر ، أو عزم في أثنائها إقامة عشرة أيّام ، أتمّ. ولو قصد مسافة فصاعدا وله على رأسها منزل قد استوطنه القدر المذكور ، قصّر في طريقه وأتمّ في منزله. وإذا قصّر ثمَّ نوى الإقامة لم يعد ولو كان في الصلاة أتمّ.
______________________________________________________
ووضعي : وهو مدّ البصر في الأرض المستوية ، تحقيقا لمستوي الأبصار.
والميل الهاشمي أربعة آلاف خطوة ، أو اثنى عشر ألف قدم ، لأنّ كلّ خطوة ثلاثة أقدام ، منسوب إلى هاشم جد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وهو مقارب للمشهور ، وهو الميل المعتبر عند الشافعي (١).
وقال ابن الجنيد : المسافة مسير يوم للماشي ، وراكب السفينة (٢).
فروع
(ألف) : التقدير تحقيق لا تقريب ، فلو نقص خطوة لم يجز القصر.
(ب) : لو شك في المسافة وجب التمام ، لأنّه الأصل. وكذا لو اختلف المخبرون بحيث لا ترجيح. ولو شهد عنده عدلان وجب القصر ، ولو تعارضت البيّنتان وجب القصر ترجيحا لبيّنة الإثبات.
__________________
(١) نيل الأوطار : ج ٣ ، أبواب صلاة المسافر ، ص ٢٥٣ ، قال : «وذهب الشافعي إلى انه لا يجوز إلّا في مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلا هاشمية».
(٢) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٢ ، س ١٦ ، قال : «وحد ابن الجنيد مسيرة يوم للماشي وراكب السفينة».
الثالث
أن يكون السفر مباحا ، فلا يترخّص العاصي ، كالمتّبع للجائر واللاهي بصيده.
ويقصّر لو كان الصيد للحاجة. ولو كان للتجارة قيل : يقصّر صومه ويتمّ صلاته.
الرابع
ألّا يكون سفره أكثر من حضره ، كالراعي ، والمكاري ، والملّاح ، والتاجر ، والأمير ، والرائد ، والبريد ، والبدوي. وضابطه : ألّا يقيم في بلده عشرة ، ولو أقام في بلده أو غير بلده ذلك قصّر.
______________________________________________________
(ج) : الزمان مع بلوغها ليس معتبرا ، فلو قطعها في أيّام فله القصر.
(د) : البحر كالبحر ، فتقصر مع بلوغها ، وإن قطعها في ساعة.
(ه) : اعتبار المسافة من حد الجدران ، لا من البساتين والمزارع.
(و) : لو جمع سور قرى ، لم تعتبر السور في المساحة والترخّص ، بل قرينة. ولو كان البلد كبيرا خارجا عن العادة ، اعتبر محلّته.
قال طاب ثراه : ويقصّر لو كان الصيد للحاجة ، ولو كان للتجارة قيل : يقصّر صومه ويتمّ صلاته.
أقول : الصيد على ثلاثة أقسام : فما كان للهو والبطر لا يقصّر فيه إجماعا ، وما كان لحاجته وقوت عياله يقصّر فيه قطعا ، وما كان للتجارة هل يقصّر في محليه أعني الصوم والصلاة ، أو في الصوم خاصة؟.
بالثاني : قال المفيد (١).
__________________
(١) المقنعة : كتاب الصيام ، باب حكم المسافرين ، ص ٥٥ ، س ٢٣ ، قال : «الا المسافر في طلب الصيد للتجارة خاصة ، فإنه يلزمه التقصير في الصيام ويجب عليه إتمام الصلاة».
.................................................................................................
______________________________________________________
والشيخ في النهاية (١) ، والفقيه (٢) ، والقاضي (٣) ، وابن حمزة (٤) ، وادّعى ابن إدريس الإجماع (٥).
وبالأول : قال المصنّف (٦) ، والعلّامة (٧) ، وهو ظاهر الحسن (٨) ، وعلم الهدى (٩) ، وسلّار (١٠) حيث قالوا : التقصير على من كان سفره طاعة أو مباحا ، ولم يفصّلوا. ويؤيّده عموم الآية (١١) ، والرواية (١٢) ، ولأنّ مناط الرخصة هو قصد المسافة
__________________
(١) النهاية : ص ١٢٢ ، باب الصلاة في السفر ، س ١١ ، قال : «وان كان صيده للتجارة وجب عليه التمام في الصلاة والتقصير في الصوم».
(٢ و ٤) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٢ ، س ٦ ، قال : وهو «اي التقصير في الصوم والإتمام في الصلاة» اختيار المفيد وعلى بن بابويه وابن حمزة».
(٣) المهذب : ج ١ ، ص ١٠٦ ، باب صلاة السفر ، س ٧ ، قال : «ومن كان سفره في طلب الصيد للتجارة لا لقوته وقوت عياله وأهله فقد ورد أنّه يتمّ الصلاة ويفطر الصوم».
(٥) السرائر : ص ٧٣ ، باب صلاة المسافر ، س ٥ ، قال : «فاما إن كان الصيد للتجارة الى ان قال : روى أصحابنا بأجمعهم انه يتم الصلاة ويفطر الصوم».
(٦) المعتبر : ص ٢٥٢ ، في صلاة المسافر ، س ٢٤ ، قال : «ولو كان للتجارة قال الشيخ في النهاية والمبسوط يقصّر صلاته ويتمّ صومه ، وتابعه جماعة من الأصحاب ، ونحن نطالبه بدلالة الفرق ، ونقول : ان كان مباحا قصّر فيهما وان لم يكن أتمّ فيهما.
(٧ و ٨) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦١ ، س ٩ ـ ١٠ ، قال : «وأوجب السيد المرتضى وابن أبي عقيل التقصير على من كان سفره طاعة أو مباحا ، ولم يفصّلوا». الى أن قال : «والأقرب عندي وجوب التقصير».
(٩) جمل العلم والعمل : فصل في صلاة المسافر ، ص ٧٧ ، س ١٦ ، قال : «ولا تقصير إلا في سفر طاعة أو مباح».
(١٠) المراسم : ذكر صلاة المسافر ، ص ٧٤ ، س ١٠ ، قال : «صلاة السفر مشروطة إذا كان المسافر في طاعة أو مباح»
(١١) سورة النساء : ١٠١ ، قال تعالى (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ).
(١٢) الوسائل : ج ٧ ، ص ١٣٠ ، كتاب الصوم ، باب ٤ ، من أبواب من يصح منه الصوم ، حديث ١ ،
وقيل : هذا يختصّ المكاري ، فيدخل فيه الملّاح والأجير. ولو أقام خمسة ، قيل : يقصّر صلاته نهارا ويتمّ ليلا ، ويصوم شهر رمضان على رواية.
______________________________________________________
مع إباحة السفر ، وهو حاصل ، وإلّا لما جاز القصر في الصوم.
قال طاب ثراه : وقيل : هذا يختص بالمكاري ، فيدخل فيه الملّاح والأجير. ولو أقام خمسة قيل : يقصّر صلاته نهارا ويتمّ ليلا ويصوم شهر رمضان على رواية.
أقول : هنا مسائل :
الأولى : كثير السفر كالمكاري والملّاح لا يجوز لهم التقصير ، لأنّه لو جاز لهم ، لزم خروجهم عن التكليف بشهر رمضان ، وهو باطل قطعا ، وعليه الأصحاب ، ولم يذكرهم الحسن ، بل عمّم الحكم بوجوب القصر على كلّ مسافر ، ولم يذكر الفرق بين قليل السفر وكثيره (١). ولعلّه استند إلى ما رواه إسحاق بن عمّار قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الذين يكرون الدواب يختلفون كلّ الأيّام ، أعليهم التقصير إذا كانوا في سفر؟ قال : نعم (٢).
احتجّ الأصحاب : بروايات ، منها ما رواه إسماعيل بن زياد ، عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) قال : سبعة لا يقصّرون الصلاة ، الجابي يدور في جبايته ، والأمير يدور في إمارته ، والتاجر يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب القطر والشجر ، والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب (٣).
__________________
وفيه (إذا قصرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت).
(١) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ٣ ، قال : «ولم يذكر ابن أبي عقيل هؤلاء ، أجمع بل عمّم وجوب القصر على المسافر».
(٢) الاستبصار : ج ١ ، ص ٢٣٣ ، باب ١٣٧ ، باب من يجب عليه التمام في السفر ، الحديث ٨.
(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢١٤ ، باب ٢٣ ، الصلاة في السفر ، الحديث ٣٣. مع نقص في بعض ألفاظ الحديث.
.................................................................................................
______________________________________________________
الثانية : بما ذا يحصل كثرة السفر؟ قيل : أربعة أقوال.
(ألف) : صدق الاسم ، وهو مذهب المصنّف (١) ، والعلّامة في القواعد (٢).
(ب) : بالسفرة الثانية مطلقا ، وهو مذهب العلّامة في المختلف (٣).
(ج) : بالأولى لذي الصنعة ، كالمكاري والملّاح ، وبالثالثة لغيرهم ، وهو مذهب ابن إدريس (٤).
(د) : بالثالثة مطلقا ، وهو مذهب الشهيد (٥).
تنبيه
ويتعلّق وجوب التمام بالسّفرة التي تسمّى فيها كثير السفر ، فيتمّ في الثانية على مذهب المختلف ، وفي الثالثة على مذهب ابن إدريس لغير ذي الصنعة ، وفي الأولى لذي الصنعة.
__________________
(١) المعتبر : صلاة المسافر ، ص ٢٥٢ ، س ٢٧ ، قال : «الشرط الرابع ان لا يكون ممن يلزمه الإتمام سفرا ، الى ان قال : س ٣١ ، والذين يلزمهم الإتمام سفرا سبعة. انتهى فيفهم منه ان مجرد صدق الاسم كافية».
(٢) القواعد : في صلاة السفر ، ص ٥٠ ، س ١٠ ، قال في الشرط الرابع من شرائط القصر : «والمعتبر صدق اسم المكاري ومشاركيه في الحكم».
(٣) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ٢٧ ، قال : «وكذا من لا صنعة له إذا جعل السفر عادته فإنه يجب عليه التمام في ثاني مرة إذا لم يتخلل الإقامة عشرة أيام».
(٤) السرائر : باب صلاة المسافر ، ص ٧٦ ، س ٢ ، قال : «وكل هؤلاء يجب عليهم التمام في السفر ، الى ان قال : «وليس يسير الإنسان بسفرة واحدة إذا ورد إلى منزله ولم يقم عشرة أيام ممّن سفره أكثر من حضره» إلى ان قال : «أدناها ثلاث دفعات».
(٥) الدروس : ص ٥١ ، قال في الشرط السابع من شروط التقصير : وهو (اي صدق الاسم) بالثالثة أقرب.
.................................................................................................
______________________________________________________
قلت : وممّا يضعّف الأوّل ، وتفصيل ابن إدريس : نصّهم على أنّ المكاري ومشاركيه إذا أقام أحدهم عشرا يخرج مقصّرا ، وإذا كان التقصير واجبا عليه بعد ثبوت حكم المكاراة له بالفعل ، فلئن يجب عليه قبل ذلك أولى.
الثالثة : إذا ثبت كونه كثير السّفر ، بما ذا يخرج عنه؟ فالمشهور أنّه يخرج بإقامة شهر في غير بلده متردّدا ، أو عشرة منويّة إذا كانت في غير بلده ، وفيه مطلقا ، أي منويّة كانت العشرة أو غير منويّة.
وقال أبو علي : يكفي الخمسة وكذا المسافر مطلقا إذا نوى الإقامة في غير بلده خمسة أيّام وجب عليه التمام.
وقال الشيخ في النهاية (١) ، والمبسوط (٢) : يقصّر بالنهار ويتمّ صلاته بالليل ، واختاره القاضي (٣) ، وابن حمزة (٤).
ومنعه ابن إدريس (٥) والمصنّف (٦) ، والعلامة (٧).
__________________
(١) النهاية : ص ١٢٢ ، باب الصلاة في السفر ، س ١٨ ، قال : «وان كان مقامهم في بلدهم خمسة أيام قصروا بالنهار وتمّموا الصلاة بالليل».
(٢) المبسوط : ج ١ ، ص ١٤١ ، كتاب صلاة المسافر ، س ٩ ، قال : بعين ما قال في النهاية.
(٣) المهذب : ج ١ ، باب صلاة السفر ، ص ١٠٦ ، س ٢١ ، قال : «وان كان مقامه خمسة أيام قصر بالنهار وتمم بالليل».
(٤) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ١٥ ، قال : «واختاره ابن حمزة».
(٥) السرائر : في صلاة المسافر ، ص ٧٦ ، س ٢٥ ، قال بعد نقل قول الشيخ : «وهذا غير واضح ولا يجوز العمل به ، بل يجب عليهم التمام بالنهار وبالليل.
(٦) الشرائع : ج ١ ، ص ١٣٤ في صلاة المسافر ، قال في الشرط الخامس من شروط القصر بعد نقل قول الشيخ : والأوّل أشبه.
(٧) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ١٥ ، قال : «واختاره ابن حمزة ومنعه ابن إدريس وهو الأقوى».
.................................................................................................
______________________________________________________
احتجّ الشيخ : بما رواه عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السلام) قال : المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقلّ ، قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان ، وان كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر ، قصّر في سفره وأفطر (١).
وحملها العلّامة : على التقصير في النافلة (٢).
الرابعة : هذا الحكم ، أي الخروج عن حدّ كثرة السفر بإقامة العشرة أو ما يقوم مقامها يشمل الجميع ، ونقل المصنّف اختصاصه بالمكاري ، ويدخل فيه الملّاح والأجير ، دون التاجر والأمير.
قال المصنّف : في المعتبر عند ما أورد الروايات المتضمّنة للزوم التمام لإضافة المذكورين : ظاهر هذه الروايات عدم لزوم التقصير كيف كان ، لكن الشيخ رحمه الله يشترط أن لا يقيموا في بلدهم عشرة أيّام لرواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : المكاري إن لم يستقرّ في منزله إلّا خمسة أيّام أو أقل قصّر في سفره بالنهار وأتمّ بالليل ، وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيّام أو أكثر ، قصّر في سفره وأفطر.
وهذه الرواية تتضمّن المكاري ، ولقائل أن يخصّ الحكم بهم دون غيرهم ممّن يلزمه الإتمام في السفر ، لكن الشيخ قيّد الباقين بهذه الشريطة ، وهو قريب من الصواب (٣).
__________________
(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٨١ ، باب ٥٩ ، الصلاة في السفر ، الحديث ١٣ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.
(٢) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ١٩ ، قال : «والجواب يحمل على تقصير النافلة ، بمعنى انه يسقط عنه نوافل النهار».
(٣) المعتبر : ص ٢٥٢ ، س ٣٤.
.................................................................................................
______________________________________________________
وقوله في النافع : «وقيل : هذا الحكم يختص المكاري» لم نظفر بقائله ، ولعلّه سمعه من معاصر له في غير كتاب مصنّف ، فقال : قيل ، وقد رأيت عبارته في المعتبر لم يشر إليه بأكثر من قوله : ولقائل أن يخصّ هذا الحكم.
فرعان
(ألف) : إذا خرج عن حدّ كثرة السفر بالإقامة ووجب عليه القصر ، متى يعود إلى التمام؟ الأقرب أنّه لا بدّ من الكثرة المعتبرة ابتداء ، سواء كان لهم صنعة أولا ، وقال ابن إدريس : فإن عادوا إلى بلدهم من سفرهم بعد تقصيرهم ولم يقيموا فيه عشرة أيّام ، خرجوا متمّمين (١) ، ولم يفصّل بين المكاري وغيره ، فاعتبر الثالثة في ابتداء السفر ولم يعتبر هاهنا ، وهو قوي ، والأوّل مذهب الشهيد (٢).
(ب) : لو أنشأ البدوي سفرا إلى مسافة ، لا للقطر والنبت ، فالأقرب القصر ، قاله الشهيد (٣) لتعليل إتمامه في الرواية بهما (٤) ، وكذا الكلام في الملّاح ، لتعليل إتمامهم بأنّ بيوتهم معهم (٥).
بل الأقرب اختصاص الإتمام بكون السفر لتلك الصناعات ، فلو سافروا لغيرها ، كما لو سافر مكاري الكوفة وبغداد إلى الحجاز للحج ، لا للمكاراة ، أو إلى
__________________
(١) السرائر : في صلاة المسافر ، ص ٧٦ ، س ٢٦ ، نقلا بالمعنى.
(٢) الدروس : كتاب الصلاة ، ص ٥١ ، س ١٥ ، قال في الشرط السابع : «ولو أقام أحدهم عشرة أيام بنيّة الإقامة في غير بلده ، أو في بلده وان لم ينو قصّر».
(٣) الدروس : كتاب الصلاة ، ص ٥١ ، س ١٧ ، قال في الفرع الأوّل من فروع شرائط القصر : «لو سافر البدوي إلى مسافة لا للقطر والنبت ، فالأقرب القصر».
(٤) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٣٨ ، باب صلاة الملاحين والمكاريين ، الحديث ٥ ـ ٩.
(٥) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٣٨ ، باب صلاة الملاحين والمكاريين ، الحديث ٥ ـ ٩.
الخامس
أن تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه ، أو يخفى أذانه ، فيقصّر في صلاته وصومه. وكذا في العود من السفر على الأشهر وأمّا القصر فهو عزيمة إلّا في أحد المواطن الأربعة : مكة ، والمدينة ، وجامع الكوفة ، والحائر ، فإنّه مخيّر في قصر الصلاة ، والإتمام أفضل.
______________________________________________________
الشام للتجارة لا للمكاراة ، وجب عليهم القصر.
تنبيه
السفرة المحسوبة ذهابه وإيابه إلى وطنه ، تحسب سفرة واحدة ، ولا فرق بين طول السفر وقصره ، فلو قصد موضعا بعيدا وتمادى فيه وأقام في أثنائه إقامات ، عدّ (عدت) واحدة.
قال طاب ثراه : الخامس ان تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه ، أو يخفى (عليه) أذان مصره (١) ، فيقصّر في صلاته وصومه ، وكذا في العود من السفر على الأشهر.
أقول : في المسألة ثلاثة أقوال :
(ألف) : المشهور ، وهو اعتبار خفائهما معا ، وعليه الشيخ (٢) ، والقاضي (٣) ،
__________________
(١) هكذا في الأصل : ولكن في المتن أو يخفى أذانه.
(٢) النهاية : ص ١٢٣ ، باب الصلاة في السفر س ٢ ، قال : «ولا يجوز التقصير للمسافر إلّا إذا توارى عنه جدران بلده وخفي عليه أذان مصره».
(٣) لم نعثر على قوله في المهذب ، بل الموجود فيه الترديد بين خفاء الأذان وجدران البلد لا اجتماعهما معا. راجع المهذب : ج ١ ص ١٠٦ ، باب صلاة السفر س ٨ ، قال : «حتى يخفى عليه أذان مصره أو يتوارى عنه جدران مدينته».
.................................................................................................
______________________________________________________
والسيد (١) ، والمصنّف (٢) ، والعلّامة (٣).
(ب) : خفاء الأذان المتوسّط دون الجدران قاله ابن إدريس (٤) ، وهو ظاهر الحسن حيث قال : «على من سافر عند آل الرسول ، إذا خلّف أذان مصره أو قريته وراء ظهره وغاب عنه صوت الأذان ، أن يصلّي صلاة السفر ركعتين» (٥) ، وكذا سلّار ، وقال : «ابتداء وجوب التقصير من حيث يغيب عنه أذان مصره» (٦). ولم يذكر الجدران ، والصدوق في المقنع لم يذكر الأذان ، بل قال : «يجب التقصير إذا لم ير حيطان القرية» (٧).
(ج) : ابتداء التقصير من المنزل ، قاله الفقيه (٨) ، وهو نهاية السفر عنده ، فيقصّر حتّى يدخله. وتبعه ابن الجنيد في النهاية (٩) ، ولم يذكر الابتداء ، والمرتضى وافق
__________________
(١) جمل العلم والعمل : فصل في صلاة السفر ، ص ٧٧ ، س ١٤ ، قال : «وابتداء وجوبه من حيث يغيب عنه أذان مصره وتتوارى عنه أبيات مدينته».
(٢) لم نعثر على قوله في الشرائع ، بل الموجود فيه الترديد بين خفاء الأذان وجدران البلد لا اجتماعهما معا ، راجع الشرائع : ج ١ ، ص ١٣٤ ، باب صلاة المسافر ما لفظه : «الشرط السادس : لا يجوز للمسافر التقصير حتى تتوارى جدران البلد الذي يخرج منه أو يخفى عليه الأذان».
(٣) المختلف : صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ٣٦ ، قال ما لفظه : «والأقرب عندي خفاؤهما معا».
(٤) السرائر : صلاة المسافر ، ص ٧٤ ، س ٥ ، قال ما لفظه : «والاعتماد عندي على الأذان المتوسط دون الجدران».
(٥) المختلف : صلاة المسافر ، ص ١٦٣ ، س ٣٢.
(٦) المراسم : ذكر صلاة المسافر ، ص ٧٥ ، س ٥.
(٧) المقنع : باب الصلاة في السفر ، ص ٣٧ ، س ١٧ ، قال : «ويجب التقصير على الرجل إذا توارى من البيوت».
(٨) من لا يحضره الفقيه : ج ١ ، ص ٢٧٩ ، باب ٥٩ ، الصلاة في السفر ، وإليك لفظه : «إذا خرجت من منزلك فقصّر الى أن تعود إليه».
(٩) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٤ ، س ٣ ، قال : «وقال ابن الجنيد : المسافر يقصّر إلى أن يدخل منزله».
وقيل : من قصد أربع فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه ، تخيّر في القصر والإتمام ، ولم يثبت.
ولو أتمّ المقصّر عامدا أعاد ، ولو كان جاهلا لم يعد. والناسي يعيد في الوقت لا مع خروجه.
______________________________________________________
المشهور في الابتداء ووافق الفقيه وأبا علي في الانتهاء (١). ومستند الكل الروايات (٢).
قال طاب ثراه : وقيل من قصد أربعة فراسخ ولم يرد الرجوع ليومه ، تخيّر في القصر والإتمام.
أقول : هنا ثلاثة أقوال :
(ألف) : وجوب الإتمام في محلّيه معا ، اختاره السيد (٣) ، وابن إدريس (٤) ، والمصنّف (٥) ، والعلّامة (٦). وهو المعتمد.
(ب) : الإتمام في الصّوم ، ويتخيّر في الصّلاة ، وهو اختيار الشيخ (٧).
__________________
(١) تقدم مذهب المرتضى في الابتداء ، ولم نعثر على مذهبه في الانتهاء كما ادعاه المصنّف.
(٢) لاحظ الوسائل : كتاب الصلاة ، باب ٦ ، من أبواب صلاة المسافر ، ص ٥٠٥.
(٣) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٢ ، س ١٣ ، قال : «والسيد المرتضى أوجب الإتمام في الصلاة والصوم».
(٤) السرائر : باب صلاة المسافر ، ص ٧٣ ، س ٢٠ ، قال : «وان لم ينو الرجوع ليومه ولا أراده وجب عليه التمام».
(٥) المعتبر : صلاة المسافر ، ص ٢٥١ ، س ٢٤ ، قال : «ولو لم يرد الرجوع من يومه» إلى أن قال س ٢٥ : «لنا ان شرط القصر المسافة ولم تحصل فيسقط المشروط».
(٦) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٢ ، س ١٣ ، قال : «والسيد المرتضى أوجب الإتمام في الصلاة والصوم» الى ان قال : س ١٧ «والمعتمد اختيار السيد المرتضى».
(٧) النهاية : باب الصلاة في السفر ، ص ١٢٢ ، س ٥ ، قال : «فان لم يرد الرجوع فهو بالخيار في التقصير والإتمام».
.................................................................................................
______________________________________________________
(ج) : التخيير فيهما ، وهو اختيار الصدوقين (١) ، والمفيد (٢) ، وتلميذه (٣) ، وقال الحسن : يقصّر إذا كان في عزمه الرجوع في يوم واحد ، أو ما دون عشرة أيّام (٤).
فروع
(ألف) : إنّما يقصّر مع الرجوع ليومه ، فلو حبس بعد الوصول إلى مقصده ، أو بدا له عن العود من يومه ، رجع متمّما.
(ب) : لو تردّد هل يرجع ليومه ، أو لا؟ لم يجز القصر ، ولو صمّم عزمه بعد ذلك فإن كان قد نقصت المسافة عن الأربعة ، لم يجز القصر.
(ج) : لا يعيد ما صلّاه قصرا لو رجع عن نيّة العود وإن كان في الوقت.
(د) : لو قصد التردّد في ثلاثة فراسخ لم يجز القصر ، وإن كان في الثانية لم يبلغ الأذان ، (لأنّه بعوده إلى منزله ينقطع سفره) (٥).
(ه) : لو رجع المسافر لأخذ شيء نسيه ، ولم يكن على رأس مسافة ، أتمّ في رجوعه ، إلّا أن يكون غريبا ، وإن كان قد أقام ثلاثين ، لأنّه ليس بعائد إلى بلده.
__________________
(١) الهداية : س ٣٣ ، باب ٥٣ ، باب صلاة المسافر ، قال : «فاذا كان سفره أربعة فراسخ فلم يرد الرجوع من يومه فهو بالخيار».
(٢) المقنعة : كتاب الصوم ، ص ٥٥ ، باب حكم المسافرين ، س ٣٠ ، قال : «وان أراد الرجوع بعد مضي يومه فهو بالخيار».
(٣) المراسم : ذكر صلاة المسافر ، ص ٧٥ ، س ٣ ، قال : «وان كان راجعا من غده فهو مخير بين القصر والإتمام».
(٤) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٢ ، ص ١٥ ، قال : «وقال ابن أبي عقيل : في يوم واحد أو ما دون عشرة أيّام».
(٥) وجملة «لأنه بعوده إلى منزله ينقطع سفره» تكون في نسخة (ب).
ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باق ، قصّر على الأشهر (١) وكذا لو دخل من سفره أتمّ مع بقاء الوقت. ولو فاتت ، اعتبر حال الفوات ، لا حال الوجوب ، وإذا نوى المسافر الإقامة في غير بلده عشرة أيّام أتمّ. ولو نوى دون ذلك قصّر ، ولو تردّد ، قصّر ما بينه وبين ثلاثين يوما ، ثمَّ أتمّ ، ولو صلاة. ولو نوى الإقامة ثمَّ بدا له ، قصّر ما لم يصلّ على التمام ولو صلاة.
ويستحب أن يقول عقيب الصلاة : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، ثلاثين مرّة ، جبرا.
ولو صلّى المسافر خلف المقيم لم يتمّ ، واقتصر على فرضه ، وسلّم منفردا.
______________________________________________________
قال طاب ثراه : ولو دخل وقت الصلاة فسافر والوقت باق ، قصّر على الأشهر.
أقول : هنا أربعة أقوال :
(ألف) : وجوب التمام ، اعتبارا بحالة الوجوب ، وبه روايات صحاح (١) ، وهو اختيار الحسن (٢) ، والصدوق في المقنع (٣) ، والعلّامة (٤) ، وفخر المحقّقين (٥).
(ب) : التمام مع السعة ، والتقصير مع الضيق ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٦) ،
__________________
(١) الوسائل : ج ٥ ، ص ٥٣٤ ، باب ٢١ ، من أبواب صلاة المسافر.
(٢) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٥ ، س ٧ ، قال : «مسألة ، لو سافر بعد دخول الوقت قال ابن أبي عقيل : يجب عليه الإتمام ، الى ان قال : س ٢٤ ، والأقرب قول ابن ابي عقيل».
(٣) المقنع : باب الصلاة في السفر ، ص ٣٧ ، س ١٨ ، قال : «وإذا خرج من مصره بعد دخول الوقت ، فعليه التمام».
(٤) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٥ ، س ٧ ، قال : «مسألة ، لو سافر بعد دخول الوقت قال ابن أبي عقيل : يجب عليه الإتمام ، الى ان قال : س ٢٤ ، والأقرب قول ابن ابي عقيل».
(٥) إيضاح الفوائد : ج ١ ، في صلاة السفر ، ص ١٥٩ ، س ٣ و ٤.
(٦) النهاية : ص ١٢٣ ، باب الصلاة في السفر ، س ٦ ، قال : «فان خرج من منزله وقد دخل الوقت وجب عليه التمام إذا كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه على التمام.»
.................................................................................................
______________________________________________________
وموضع من المبسوط (١) ، ومعنى ضيق الوقت أن لا يبقى من الوقت ما يسع الصلاة تماما ، واختاره القاضي (٢).
(ج) : التقصير مطلقا اعتبارا بحالة الأداء ، وهو اختيار المفيد (٣) ، وابن إدريس (٤) ، ونقله عن السيد (٥) ، واختاره المصنّف (٦) ، والفقيه في رسالته (٧).
وروى الصدوق في كتاب من لا يحضره الفقيه عن إسماعيل بن جابر قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلّي حتّى أدخل أهلي؟ فقال : صلّ وأتمّ الصلاة. قلت : فيدخل علي وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أصلّي حتّى أخرج؟ فقال : صلّ وقصّر ، فان لم تفعل فقد خالفت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) (٨).
(د) : التخيير بين القصر والتمام ، وهو اختيار الشيخ في الخلاف (٩) ، ومستنده
__________________
(١) المبسوط : ج ١ ، ص ١٤١ ، كتاب صلاة المسافر ، س ١٢ ، قال : «فان خرج من منزله وقد دخل الوقت وجب عليه التمام إذا بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه على التمام.»
(٢) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٥ ، س ٨ ، قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : «وبه قال ابن البراج».
(٣) المقنعة : باب احكام فوات الصلاة ، ص ٣٥ ، س ١٦ ، قال : «وإذا دخل وقت صلاة على الحاضر فلم يصلها لعذر حتى صار مسافرا وكان الوقت باقيا صلّاها على التقصير».
(٤) السرائر : باب صلاة المسافر ، ص ٧٤ ، س ١٣ ، قال : «والأظهر بين محصلي أصحابنا انه يصلي بحسب حاله وقت الأداء». إلى أن قال س ٣٦ : «وهو مذهب السيد المرتضى رحمة الله ذكره في مصباحه».
(٥) السرائر : باب صلاة المسافر ، ص ٧٤ ، س ١٣ ، قال : «والأظهر بين محصلي أصحابنا انه يصلي بحسب حاله وقت الأداء». إلى أن قال س ٣٦ : «وهو مذهب السيد المرتضى رحمة الله ذكره في مصباحه».
(٦) المعتبر : في صلاة المسافر ، ص ٢٥٤ ، س ٢٩ ، قال بعد نقل الروايات في ذلك : «والرواية الأولى (أي رواية إسماعيل بن جابر) أشهر وأظهر في العمل.
(٧) المختلف : في صلاة المسافر ، ص ١٦٥ ، س ١٥ ، قال : «وهو اختيار الشيخ علي بن بابويه في رسالته».
(٨) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٨٣ ، باب ٥٩ ، الصلاة في السفر ، الحديث ٢٣.
(٩) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٠٥ ، كتاب صلاة المسافر ، مسألة ١٤ ، قال : «جاز له التقصير ويستحب له الإتمام».
ويجمع المسافر بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء.
ولو سافر بعد الزوال ولم يصلّ النوافل ، قضاها سفرا وحضرا.
______________________________________________________
رواية منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول : إذا كان في سفر ودخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله؟ قال : إن شاء قصّر وإن شاء أتمّ ، والإتمام أحبّ إليّ (١).
هذا في حال الخروج إلى السفر. وأمّا حال القدوم من السفر ، فعند المصنّف يصلّي تماما ، اعتبارا بحالة الأداء ، وعند العلّامة تصلّي تماما في البابين ، أمّا التمام في الأوّل فلأنّه قصّر بتأخيره ، وقد استقرّت في ذمّته تماما ، فيصلّيها كذلك. وأمّا الثاني فلأنّ القصر إنّما كان لمكان السفر وقد زال ، وهو اختيار فخر المحقّقين (٢) ، والشهيد (٣) ، ورواية منصور يقتضي التخيير.
قال طاب ثراه : ويجمع المسافر بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
أقول : يسأل هنا ، ويقال : إنّ المذهب جواز الجمع اختيارا للحاضر والمسافر ، لا خلاف بيننا في ذلك فأيّ فائدة في تكرير هذه المسألة أولا ، ثمَّ أيّ فائدة في تخصيص المسافر ثانيا؟
والجواب : في إيراد هذه المسألة هنا فوائد :
(ألف) : إنّ المراد جواز الجمع هنا في وقت واحد ، سواء كان من الأولى أو الثانية ، ويكون تأخير الأولى إلى وقت الثانية هنا مغتفرا ، لمكان السفر ، ولهذا
__________________
(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٢٣ ، باب ٢٣ ، باب الصلاة في السفر ، الحديث ٧٠ مع اختلاف يسير في العبارة.
(٢) إيضاح الفوائد : ج ١ ، في صلاة السفر ، ص ١٥٩ ، س ٥ ، قال : «إذا دخل الوقت وهو مسافر» الى ان قال : س ٦ : «يجب الإتمام وهو المشهور».
(٣) اللمعة الدمشقيّة : ص ٤٦ ، في صلاة المسافر ، قال : «ولو دخل عليه الوقت حاضرا ، أو أدرك بعد انتهاء سفره ، أتم فيهما على الأقوى».
.................................................................................................
______________________________________________________
أجازه الشافعي وأحمد (١) ، مع منعهما من الجمع في الحضر ، لما روي عن ابن عمر أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا جدّ به السير جمع بين المغرب والعشاء (٢).
وروى مسلم : أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا عجّل عليه السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر ليجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتّى يجمع بينها وبين العشاء (٣).
(ب) : جاز أن يريد بالجمع إيقاع الصلاتين من غير نوافل بينهما ، وإن كانت راتبة ، واختصّ السفر بهذا الحكم لأنّه في مظنّة الاشتغال وتشعّب القلب ، فكان الجمع مشتملا على تعجيل تفريغ الذمّة ، وهو أولى من الاشتغال بالنافلة ، وربّما كان إماما وفي المأمومين من له شغل ، واشتغاله بالنافلة وانتظار المأموم له إضرار به وتشويش لخاطره ، أو مفوّت للمأموم عن الجماعة ، وكما جاز التأخير لانتظار الجماعة ، جاز الجمع لتحصيلها. ثمَّ المصلّي إن أراد إيقاع النافلة الراتبة بعد فريضتها ، ووقتها باق صلّاها أداء ، ولا يضرّ ترك الترتيب ، كما لو أحرم الإمام فإن المأموم بترك نافلته ، ثمَّ يصلّيها بعد الفريضة مع بقاء وقتها أداء. وأمّا معنى الجمع في الحضر فمعناه أن يوقع الصلاتين في وقت واحد ، سواء كانت الأولى أو الثانية ، وإن كان بينهما نوافل.
(ج) : انّ الجمع وإن كان جائزا في الحضر ، لكنّه ليس أفضل من التفريق ، بل ذهب بعض الأصحاب إلى أفضليّة التفريق ، لأنّ توزيع العبادة على الزمان أفضل ، ففي السفر الأفضل الجمع عكس الحضر.
__________________
(١) نيل الأوطار : ج ٣ ، أبواب الجمع بين الصلاتين ، ص ٢٦١ ، س ٤ ، قال : «وقد وقع الخلاف في الجمع في السفر ، فذهب الى جوازه مطلقا تقديما وتأخيرا كثير من الصحابة والتابعين ، ومن الفقهاء الثوري والشافعي واحمد».
(٢) صحيح مسلم : ج ١ ، ص ٤٨٨ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ٥ ، جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، الحديث ٤٢ و ٤٨ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
(٣) صحيح مسلم : ج ١ ، ص ٤٨٨ ، كتاب صلاة المسافرين وقصرها ، باب ٥ ، جواز الجمع بين الصلاتين في السفر ، الحديث ٤٢ و ٤٨ بتفاوت يسير في بعض الألفاظ.
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة
وهي قسمان
الأوّل : زكاة المال
وأركانها أربعة :
الأوّل : من تجب عليه ، وهو كل بالغ عاقل حرّ مالك للنصاب ، متمكّن من التصرّف. فالبلوغ يعتبر في الذهب والفضّة إجماعا. نعم لو اتّجر من إليه النظر أخرجها استحبابا ولو ضمن الولي واتّجر لنفسه كان الربح له ، إن كان ملّيا ، وعليه الزكاة استحبابا. ولو لم يكن مليّا ولا وليّا ضمن ولا زكاة ، والربح لليتيم.
______________________________________________________
مقدمة
الزكاة لغة : النموّ والطهارة ، يقال زكا الزرع ، إذا نمى ، وزكى قلبه إذا طهر ، والنفس الزكيّة : الطاهرة من الذنوب.
وشرعا : صدقة مقدّرة بأصل الشرع ابتداء.
فالصدقة كالجنس ، وبالتقدير يخرج مطلق الصدقة كالمواساة ، وبأصل الشرع يخرج المقدّر بالنذر ، وبقولنا ابتداء ، يخرج الكفارة.
وسمّيت زكاة : لازدياد الثواب ، واثمار المال بإخراجها. ولقوله (عليه السلام) : «ما نقص مال من زكاة» (١).
__________________
(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ، ص ١١٣ ، حديث ١.
ونحوه ما رواه في دعائم الإسلام : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، كتاب الزكاة ولفظه : انه قال : «ما نقصت زكاة من
.................................................................................................
______________________________________________________
وقال (عليه السلام) : «الصدقة مثراة للمال» (١).
ولطهارته من حق الفقراء قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها) (٢).
وهي واجبة بالكتاب والسنّة والإجماع.
أمّا الكتاب : فلقوله تعالى (وَآتُوا الزَّكاةَ) (٣). و (آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) (٤) (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ) (٥).
واما السنّة : فلقوله (صلّى الله عليه وآله) «إن الله فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة» (٦) ، زكّوا أموالكم تقبل صلاتكم» (٧)
__________________
مال قط ولا هلك مال في برّ ولا بحر أدّيت زكاته».
ونحوه أيضا ما رواه في قرب الاسناد (الجعفريات) كتاب الزكاة : ص ٥٣ ، ولفظه «ولا اعطى رجل زكاة ماله فنقصت من ماله».
ونحوه أيضا ما رواه في الفقيه : ج ٢ ، ص ٧ ، باب ما جاء في مانع الزكاة ح ٨ ، ولفظه : «ما ادى أحد الزكاة فنقصت من مالة».
(١) عوالي اللئالى : ج ٣ ، ص ١١٣ ، حديث ٢.
ونحوه ما ورد في الكافي : ج ٤ ، ص ٩ ، كتاب الزكاة ، باب في ان الصدقة تزيد في المال ، الحديث ٢ ، ولفظه : (تصدقوا فإن الصدقة تزيد في المال كثرة).
(٢) سورة التوبة : الآية : ١٠٣.
(٣) سورة البقرة : الآية ٤٣ و ٨٣ و ١١٠. وهكذا في سائر السور كالنساء والانعام ، والحج ، والنور ، والمجادلة ، والممتحنة ، والمزمل.
(٤) سورة الأنعام : الآية ١٤١.
(٥) سورة المعارج : الآية ٢٥.
(٦) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٧ ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، قطعة من حديث ٢.
(٧) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٩٧ ، باب فرض الزكاة وما يجب في المال من الحقوق ، قطعة من حديث ٢.