المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

الثاني : العدد ، وفي أقلّه روايتان. أشهرهما خمسة ، الامام أحدهم.

الثالث : الخطبتان ، ويجب في الأولى حمد الله والثناء عليه ، والوصيّة بتقوى الله ، وقراءة سورة خفيفة. وفي الثانية ، حمد الله تعالى ، والصلاة على النبي صلّى الله عليه وآله وأئمة المسلمين ، والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات. ويجب تقديمها على الصلاة ، وأن يكون الخطيب قائما مع القدرة ،

______________________________________________________

يسبّح المأموم لما رواه الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا أدركت الامام وقد كبّر وركع فكبّرت وركعت قبل أن يرفع رأسه ، فقد أدركت الصلاة. وإن رفع الإمام رأسه قبل أن تركع فقد فاتتك (١).

قال طاب ثراه : الثاني : العدد ، وفي أقلّه روايتان أشهرهما خمسة ، الإمام أحدهم.

أقول : الإنسان مدني بالطبع لا يمكنه أن يعيش وحده ، لافتقاره في بقائه إلى مأكل وملبس ومسكن يتوقّى فيه الحر والبرد ، ولا يمكن استقلال الإنسان بهذه الأمور فافتقر إلى الاجتماع الذي هو مظنّة التنازع ، والتنازع يوجب اختلال نظام النوع ، فاستدعا كمال نظامه وبقائه على السداد وجود رئيس يقهرهم على الطاعة ويعدهم عليها الثواب ويزجرهم عن المعصية ويتوعّدهم عليها بالعقاب فوجب اعتبار الامام. ثمَّ لمّا كان الإنسان محلّا للحوادث والاضطراب ، وجب في بقاء الاجتماع ونظامه اعتبار نائب له. ولمّا كان التنازع يفتقر إلى مدّع ومدّعى عليه وجب اعتبارهما. ولمّا كان التناكر والتجاحد ممكنا ، وجب اعتبار شاهدين يثبت بهما ما يقع التنازع فيه ، وقد يكون التنازع مؤدّيا إلى استحقاق الحدّ في جنب أحدهم ، فيجب وضع مستوف للحدود. فظهر احتياج التمدّن والاستيطان والاستقرار

__________________

(١) الاستبصار : ج ١ ، ص ٤٣٥ ، باب من لم يلحق تكبيرة الركوع ، حديث ٥ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.

٤٠١

.................................................................................................

______________________________________________________

إلى هؤلاء السبعة ، المدّعي حقّا والمدّعى عليه والشاهدان والإمام وقاضيه ، والمتولّي لإقامة الحدود. فلهذه الحكمة وجب اعتبار هذا العدد في الصلاة التي لا تجب على غير المستوطنين ، وبعض اعتبر خمسة. المدّعي حقّا ، والمدّعى عليه ، والشاهدان ، والامام ويتولّى هو الحكم ، وإقامة الحدّ كما فعل علي (عليه السّلام) في كثير من الأحكام.

فالأوّل : مذهب الشيخ (١) ، وتلميذه (٢) ، وابن زهرة (٣) ، وابن حمزة (٤) ، ورواه ابن بابويه في كتابه (٥).

والثاني : مذهب المفيد (٦) ، وتلميذه (٧) ، والسيد (٨) ، وأبي علي (٩) ، والحسن (١٠) ، والتقي (١١) ، وابن إدريس (١٢).

__________________

(١) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها ، ص ١٠٣ ، س ٦ ، قال : «ويبلغ عدد من يصلي بهم سبعة نفر».

(٢) المهذب : باب صلاة الجمعة ، ص ١٠٠ ، س ١١ ، قال : «ويجتمع من الناس سبعة نفر».

(٣) الغنية : كتاب الصلاة ، قال : «فصل ، واما الاجتماع الى ان قال : وحضور ستة نفر معه».

(٤) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٣ ، س ١٥ ، قال : «وبه (اي بما قاله الشيخ) قال ابن حمزة».

(٥) الفقيه : ج ١ ، باب ٥٧ ، وجوب الجمعة وفضلها ، ص ٢٦٦ ، حديث ٢ و ٦.

(٦) المقنعة : باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، ص ٢٧ ، س ١١ ، قال : «واجتمع معه (اي مع الإمام) أربعة نفر وجب الاجتماع».

(٧) المراسم : ذكر صلاة الجمعة ، ص ٧٧ ، س ١٠ ، قال : «واجتماع خمسة نفر فصاعدا».

(٨) جمل العلم والعمل : فصل في صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٧١ ، س ٧ ، قال : «واجتماع خمسة فصاعدا أحدهم الإمام».

(٩) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٣ ، س ١٤ ، قال : «فالذي ذهب اليه. وابن الجنيد وابن عقيل. أنه خمسة نفر».

(١٠) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٣ ، س ١٤ ، قال : «فالذي ذهب اليه. وابن الجنيد وابن عقيل. أنه خمسة نفر».

(١١) الكافي في الفقه : ص ١٥١ ، فصل في صلاة الجمعة ، س ٥ ، قال : «بشرط حضور أربعة نفر معه».

(١٢) السرائر : كتاب الصلاة ، باب صلاة الجمعة ، وأحكامها ، ص ٦٣ ، س ١٠ ، قال : «واجتماع

٤٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واختاره المصنّف (١) ، والعلامة (٢).

احتجّ الأوّلون : برواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال : تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا تجب على أقلّ منهم. الإمام ، وقاضيه ، والمدّعى حقّا ، والمدّعى عليه ، والشاهدان ، والذي يضرب الحدود بين يدي الإمام (٣).

وبرواية أبي العباس عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : أدنى ما يجب في الجمعة سبعة ، أو خمسة أدناه (٤) ، فحمل الأوّل على الوجوب ، والثاني على الندب.

احتجّ الآخرون : بوجوه :

(ألف) : عموم الأمر بالسعي في الآية.

(ب) : صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة فما زاد ، فان كانوا أقلّ من خمسة فلا جمعة لهم (٥).

(ج) : الاكتفاء بهذا العدد في حكمة الاجتماع ، فاستغني عن الزائد.

__________________

خمسة نفر فصاعدا الإمام أحدهم».

(١) الشرائع : ج ١ ، ص ٩٤ ، كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، قال : «والثاني العدد وهو خمسة الامام أحدهم».

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، ص ١٠٣ ، س ١٦ ، قال : «والأقوى عندي الأول. أي قول المفيد بكفاية خمسة نفر».

(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٠ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٧٥.

(٤) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢١ ، باب ١ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٧٦ ، وفيه : «أدنى ما يجزى في الجمعة».

(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٣٩ ، باب ٢٤ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ١٨ ، وفيه : «كانوا خمسة فما زادوا».

٤٠٣

وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد ، أحوطه الوجوب ولا يشترط فيهما الطهارة.

وفي جواز إيقاعهما قبل الزوال ، روايتان ، أشهرهما : الجواز.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي وجوب الفصل بينهما بالجلوس تردّد ، أحوطه الوجوب.

أقول : وجه الأحوطيّة ، احتمال الوجوب ، لفعله (عليه السّلام) (١) والتأسّي واجب ، ولرواية معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : «يخطب وهو قائم ، ثمَّ يجلس بينهما جلسة لا يتكلّم فيها» (٢).

ويحتمل الاستحباب ، لأصالة البراءة. ولأنّه فصل بين ذكرين جعل للاستراحة فلا يتحقّق فيه معنى الوجوب.

وفعله (عليه السّلام) : كما يحتمل الوجوب يحتمل الندب ، وإذا لم يعلم الوجه الذي أوقعه عليه ، لا يجب علينا المتابعة فيه.

قال طاب ثراه : وفي جواز إيقاعهما قبل الزوال روايتان ، أشهرهما الجواز.

أقول : للأصحاب هنا ثلاثة أقوال :

(ألف) : وجوب الإيقاع قبل الزوال ، قاله ابن حمزة (٣) متابعة للشيخ في النهاية (٤) والمبسوط (٥).

__________________

(١) صحيح مسلم : ج ٢ ، كتاب الجمعة ، باب ١٠ ، باب ذكر الخطبتين قبل الصلاة وما فيهما من الجلسة ، حديث ٣٣ و ٣٤ و ٣٥ ، ولفظ الأول «عن ابن عمر قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب يوم الجمعة قائما ، ثمَّ يجلس ، ثمَّ يقوم. قال : كما يفعلون اليوم».

(٢) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٠ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، قطعة من حديث ٧٤ ، بتفاوت يسير في ألفاظه.

(٣) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ١٢ ، قال : «وقال ابن حمزة» الى أن قال : «وان يخطب قبل الزوال».

(٤) النهاية : ص ١٠٥ ، س ٤ ، كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها.

(٥) المبسوط : ج ١ ، ص ١٥١ ، كتاب الصلاة ، كتاب صلاة الجمعة س ٣.

٤٠٤

.................................................................................................

______________________________________________________

قال في الخلاف : إذا وقفت الشمس (١) ويريد به مقارنة الزوال ، واختاره القاضي (٢).

(ب) : وجوبه بعد الزوال ، قاله المرتضى (٣) ، والحسن (٤) ، والتقي (٥) ، وابن إدريس (٦) ، واختاره العلّامة (٧).

(ج) : الجواز ، اختاره المصنّف (٨).

احتجّ ابن حمزة : بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلّى الجمعة حين تزول الشمس على قدر شراك ، ويخطب في الظلّ الأوّل ، فيقول جبرئيل يا محمّد قد زالت الشمس فانزل فصلّ (٩) والتأسّي واجب.

__________________

(١) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٢٥ ، كتاب الجمعة ، مسألة ٣٦ ، قال : «يجوز للإمام أن يخطب عند وقوف الشمس ، فاذا زالت صلّ الفرض».

(٢) المهذّب : ج ١ ، كيفية صلاة الجمعة ، ص ١٠٣ ، س ٤ ، قال : «بمقدار ما إذا خطب الخطبتين زالت الشمس».

(٣) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ١٠ ، قال : «بل اختيار المرتضى رحمه الله تعالى في المصباح انه لا يجوز إلّا بعد الزوال» الى ان قال ، س ١٣ : «وقال ابن أبي عقيل : إذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر».

(٤) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ١٠ ، قال : «بل اختيار المرتضى رحمه الله تعالى في المصباح انه لا يجوز إلّا بعد الزوال» الى ان قال ، س ١٣ : «وقال ابن أبي عقيل : إذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر».

(٥) الكافي في الفقه : ص ١٥١ ، فصل في صلاة الجمعة ، س ١٣ ، قال : «فاذا زالت الشمس. صعد المنبر».

(٦) السرائر : باب صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٦٤ ، س ١٩ ، قال : «فاذا فرغ من الأذان قام الامام»

(٧) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ١٤ ، «والحق عندي اختيار المرتضى».

(٨) المعتبر : كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، ص ٢٠١ ، س ٢ ، قال : «يجوز ان يخطب في الفي‌ء الأول فإذا زالت صلّى ويجوز ان يؤخر الخطبة حتى يزول».

(٩) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٢ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٤٢ ، وفيه : «تزول الشمس قدر شراك».

٤٠٥

ويستحب أن يكون الخطيب بليغا ، مواظبا على الصلاة ، متعمّما ، مرتديا ببرد يمني ، معتمدا في حال الخطبة على شي‌ء. وأن يسلّم أوّلا ، ويجلس أمام الخطبة ، ثمَّ يقوم فيخطب جاهرا.

الرابع : الجماعة ، فلا تصحّ فرادى.

الخامس : أن لا يكون بين الجمعتين أقل من ثلاثة أميال.

والذي تجب عليه : كلّ مكلّف ، ذكر ، حرّ ، سليم من المرض والعرج والعمى ، غير همّ ولا مسافر. وتسقط عنه لو كان بينه وبين الجمعة أزيد من فرسخين. ولو حضر أحد هؤلاء وجبت عليه عدا الصبي والمجنون والمرأة.

______________________________________________________

احتجّ المانعون : بحسنة محمد بن مسلم قال سألته عن الجمعة؟ فقال : أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر ويخطب ، ولا يصلّي الناس ما دام الامام على المنبر (١).

وبصحيحة يعقوب بن يقطين عن العبد الصالح قال : «وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة» (٢).

وأجمعوا انّ الجمعة عقيب الخطبتين ، فلو خطب قبل الزوال ، لسقطت الركعتان.

واحتجّ المجوّزون : بانّ الجمع بين الاولى والثانية ، هو الجواز.

__________________

(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٤١ ، باب ٢٤ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، قطعة من حديث ٣٠ ، وفيه : «فيخطب ولا يصلّى».

(٢) التهذيب : ج ٣ ، ص ١١ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٣٦.

٤٠٦

واما اللواحق

فسبع

الأولى : إذا زالت الشمس وهو حاضر حرم عليه السفر ، لتعيّن الجمعة ، ويكره بعد الفجر.

الثانية : يستحب الإصغاء إلى الخطبة ، وقيل : يجب. وكذا الخلاف في تحريم الكلام معها.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : يستحب الإصغاء إلى الخطبة ، وقيل : يجب ، وكذا الخلاف في تحريم الكلام معها.

أقول : هنا مسألتان.

الاولى : في الإصغاء. وإلى وجوبه ذهب الشيخ في النهاية (١) ، وابن حمزة (٢) ، والتقي (٣) ، وابن إدريس (٤) ، والعلّامة في المختلف (٥).

وإلى استحبابه : ذهب الشيخ في المبسوط (٦) ، وموضع من الخلاف (٧).

__________________

(١) النهاية : ص ١٠٥ ، كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها ، س ١١ ، قال : «ويجب عليه الإصغاء إليها»

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ٢٩ ، قال : «وقال ابن حمزة. ويجب على من حضر الإنصات إليها».

(٣) الكافي في الفقه : ص ١٥٢ ، فصل في صلاة الجمعة ، س ٢ ، قال : «ويلزم المؤتميين به أن يصغوا الخطبة».

(٤) السرائر : كتاب الصلاة ، باب صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٦٣ ، س ١٩ ، قال : «ويجب على الحاضرين استماعها. وقال في ص ٦٤ ، س ٢٤ ، «وإذا كان الامام يخطب حرم الكلام ووجب الصمت» انتهى.

(٥) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ٣٣ : «والأقرب الأول» أي قول الشيخ في النهاية.

(٦) المبسوط : كتاب صلاة الجمعة ، ص ١٤٨ ، س ٢٢ ، قال : «والإنصات للخطبة مستحب ليس بواجب».

(٧) لم نعثر على فتواه صريحا باستحباب الإصغاء ، وسيأتي في المسألة الثانية ما يمكن الاستفادة منه.

٤٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

واحتجّ الأوّلون : بصحيحة ابن سنان عن الصادق (عليه السّلام) : «وانّما جعل الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين ، فهي : صلاة إلى أن ينزل الامام» (١).

وجه الاستدلال : أنّه (عليه السّلام) ، جعل الخطبتين صلاة ، وكلّ صلاة يحرم فيها الكلام. وبانّ الفائدة من الخطبة الوعظ ، وانّما يحصل بالإنصات والسماع ، فلو لم يكن واجبا لانتفت الحكمة من وضعها ، وأيضا فإنّ القرآن جزء من الخطبتين ، قال تعالى (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) (٢) والأمر للوجوب.

احتجّ الآخرون : بأصالة براءة الذمّة. والمعتمد الأول.

الثانية : في تحريم الكلام حال الخطبة. والمراد به من الخطيب والمستمع ، لكنّه ليس مبطلا للجمعة من كلّ منهما لو فعله ، والفائدة في الإثم والعصيان ووجوب التوبة ، والتعزير ، والحكم بصحّة طلاق سمعه ، أو شهادة قام بها ولم يحكم بعد.

وفيه مذهبان.

فالتحريم : مذهب الشيخ في النهاية (٣) ، وموضع من الخلاف (٤) ، وبه قال ابن حمزة (٥) ، والتقي (٦).

__________________

(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٢ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، قطعة من حديث ٤٢ ، وفيه : «فهي صلاة حتى ينزل».

(٢) سورة الأعراف ، ٢٠٤.

(٣) النهاية : ص ١٠٥ ، كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها ، س ١١ ، قال : «ويحرم الكلام على من يسمع الخطبة».

(٤) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٢٢ ، صلاة الجمعة ، مسألة ٢٩ ، قال : «إذا أخذ الإمام في الخطبة حرم الكلام على المستمعين».

(٥) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ٢٩ ، قال : «وقال ابن حمزة يحرم عليه وعلى من حضر الكلام بين الخطبتين وخلالهما».

(٦) الكافي في الفقه : ص ١٥٢ ، فصل في صلاة الجمعة ، س ٢ ، قال : «ولا يتكلمون بما لا يجوز مثله في الصلاة».

٤٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

والعلّامة في المختلف (١).

والكراهية : مذهبه في المبسوط (٢) ، وموضع من الخلاف (٣) ، واختاره المصنّف (٤).

احتجّ الأوّلون : بروايات.

منها : ما روي أنّ أبا الدرداء سأل أبيّا عن «تَبَارَكَ» متى أنزلت. والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يخطب فلم يجبه ، ثمَّ قال أبيّ : ليس لك من صلاتك ما لغوت ، فأخبر النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : صدق أبيّ (٥).

ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلّم حتّى يفرع الامام من خطبته ، فاذا فرغ الإمام من خطبته تكلّم ما بينه وبين أن تقام الصلاة ، فإن سمع القراءة أو لم يسمع أجزأه (٦).

وبقوله في رواية ابن سنان : فهي صلاة (٧).

احتجّ الآخرون : بالأصل. وبأنّه (عليه السّلام) قام يخطب ، فقام إليه رجل فسأله عن الساعة؟ فقال : ما أعددت لها؟ فقال : حب الله ورسوله ، فقال : إنّك مع من أحببت (٨).

__________________

(١) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٤ ، س ٣٣ ، والأقرب الأول ، أي : قول الشيخ في النهاية.

(٢) المبسوط : ج ١ ، ص ١٤٦ ، كتاب الصلاة ، كتاب صلاة الجمعة ، س ١٧ ، قال : «ولا ينبغي ان يتكلّم في حال خطبة الإمام».

(٣) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٢٧ ، صلاة الجمعة ، مسألة ٤٢ ، قال : يكره الكلام للخطيب والسامع وليس بمحظور».

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، صلاة الجمعة ، ص ٢٠٦ ، س ١٤ ، قال : «الثانية في الإصغاء». الى آخره.

(٥) عوالي اللئالي : ج ٣ ، ص ٩٩ ، حديث ١٢١.

(٦) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٠ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٧١.

(٧) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٢ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، قطعة من حديث ٤٢.

(٨) عوالي اللئالي : ج ٣ ، ص ٩٩ ، حديث ١٢٢.

٤٠٩

الثالثة : الأذان الثاني بدعة ، وقيل : مكروه.

الرابعة : يحرم البيع بعد النداء ، ولو باع انعقد.

______________________________________________________

وحملوا الرواية على الكراهية. والأوّل هو المذهب.

قال طاب ثراه : الأذان الثاني بدعة ، وقيل : مكروه.

أقول : هنا مسألتان :

الأولى : أذان الجمعة. وفي بعض عبارات الأصحاب والروايات ، الأذان الثالث ، فبعض يذهب إلى الكراهية ، وبعض إلى عدمها ، وبعض يذهب إلى التحريم.

وتحقيق البحث في ذلك يستدعي توطئة توضيح.

فنقول : الأصل أنّه إذا زالت الشمس صعد الإمام المنبر ، ثمَّ أمر مؤذّنه فأذّن على قول الحسن (١). أو يصعد بعد أذانه على قول التقي (٢) فاذا فرغ من الخطبة ونزل أقيمت الصلاة ، وصلّوا الجمعة من غير أذان. فالأذان المنهي عنه ، الّذي يحصل بعد نزول الامام ، بعد ما يفرغ من الخطبة ، وسمّي ثالثا ، لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) شرّع للصلاة أذانا وإقامة ، فالزائد ثالث ، لأنّ الإقامة يطلق عليها اسم الأذان.

قال المصنّف : ويفصل بينهما بركعتين ، أو سجدة ، خلا المغرب ، فلا تفصل بين أذانها إلّا بخطوة أو تسبيحة (٣).

والأكثر يسمّونه الثاني ، لوقوعه بعد الأذان الأوّل ، فهو ثان بالنسبة إلى وضعه ووقت إيقاعه وحقيقته ، وثالث باعتبار عدده ، والنزاع لفظي.

إذا عرفت هذا ، فنقول : هل هو محرّم أو مكروه؟

والأوّل : مذهب ابن إدريس (٤).

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، ص ١٠٤ ، س ١٣.

(٢) الكافي في الفقه : ص ١٥١ ، كتاب الصلاة ، فصل في صلاة الجمعة ، س ١٣.

(٣) المعتبر : كتاب الصلاة ، في الأذان والإقامة ، ص ١٦٥ ، س ١٢.

(٤) السرائر : كتاب الصلاة ، في صلاة الجمعة ، ص ٦٤ ، س ٢٦ ، قال : «ولا يجوز الأذان بعد نزوله الى

٤١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والمصنّف في النافع (١) ، والعلّامة في المختلف (٢).

والثاني : مذهب الشيخ في المبسوط (٣) ، واختاره المصنّف في المعتبر (٤).

احتجّ الأوّلون : برواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه (عليهم السّلام) قال :

الأذان الثالث يوم الجمعة بدعة (٥) ولقوله (صلّى الله عليه وآله) : صلّوا كما رأيتموني أصلّي (٦) وصلّى الجمعة بأذان واحد.

قيل : أوّل من فعله عثمان ، وقال عطا : أوّل من فعله معاوية (٧) ، وقال الشافعي : ما فعله النبي (صلّى الله عليه وآله) وأبو بكر وعمر أحبّ إليّ ، وهو السنّة (٨).

احتجّ الآخرون : بالأصل ، فإنه عدم التحريم وبأنّه ذكر فلا يحرم. وأجابوا عن الرواية بضعف السند ، فانّ حفص عامي.

__________________

ان قال س ٢٧ : ويسميه بعض أصحابنا ، الأذان الثالث».

(١) المختصر النافع : ص ٣٦.

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، صلاة الجمعة ، ص ١١٠ ، س ٣ ، قال بعد نقل قول ابن إدريس : «وهو الأقرب».

(٣) المبسوط : ج ١ ، ص ١٤٩ ، كتاب الصلاة ، كتاب صلاة الجمعة ، س ٢١ ، قال : «ولا يؤذن إلا أذان واحد يوم الجمعة ، والثاني مكروه».

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، صلاة الجمعة ، ص ٢٠٦ ، س ٣٠ ، قال : «لكن من حيث لم يفعله النبي (صلّى الله عليه وآله) ولم يأمر به كان أحق بوصف الكراهية».

(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٩ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٦٧.

(٦) عوالي اللئالي : ج ١ ، ص ١٩٨ ، حديث ٨.

(٧) كتاب الام : ج ١ ، وقت الجمعة ، ص ١٩٥ ، س ٦ ، قال : «وقد كان عطاء ينكر ان يكون عثمان أحدثه ويقول : أحدثه معاوية ، إلى أن قال : وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أحب إليّ» ونقله في المعتبر : ص ٢٠٦ ، س ٣١ ، ونقله في المبسوط ، ج ١ ، ص ١٤٩ ، س ٢٢.

(٨) كتاب الام : ج ١ ، وقت الجمعة ، ص ١٩٥ ، س ٦ ، قال : «وقد كان عطاء ينكر ان يكون عثمان أحدثه ويقول : أحدثه معاوية ، إلى أن قال : وأيهما كان فالأمر الذي على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أحب إليّ» ونقله في المعتبر : ص ٢٠٦ ، س ٣١ ، ونقله في المبسوط ، ج ١ ، ص ١٤٩ ، س ٢٢.

٤١١

.................................................................................................

______________________________________________________

الثانية. أذان العصر يوم الجمعة ، وفيه أربعة أقوال.

(ألف) : المنع منه مطلقا ، قاله الشيخ في النهاية ، بل ينبغي إذا فرغ من الظهر أقام للعصر (١) ، ونقل عن المفيد ، ثمَّ قم فأقم للعصر (٢).

واستدلّ عليه بما رواه الفضيل ، وزرارة في الصحيح عن الباقر (عليه السّلام) انّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جمع بين الظهر والعصر بأذان وإقامتين (٣).

ويجب التأسّي والقدوة للآية (٤) والرواية.

(ب) : الكراهية مطلقا ، قاله الشيخ في المبسوط (٥) ، والعلّامة في المختلف (٦).

(ج) : التفصيل. وهو سقوطه عمّن صلّى الجمعة ، أمّا الظهر فلا ، وهو قول ابن إدريس (٧).

(د) : قال المفيد في الأركان : ثمَّ قم فأذّن للعصر وأقم ، وتوجّه بسبع تكبيرات (٨) ، وهو مذهب القاضي (٩).

واحتجّ العلّامة : بعموم الأمر بالأذان للصلوات الخمس. وبانّ الأذان وضع

__________________

(١) النهاية : باب الجمعة وأحكامها ، ص ١٠٧ ، س ١٥.

(٢) لم نعثر في المقنعة على هذه العبارة ، ولكن نقل الشيخ في التهذيب ، ج ٣ ، ص ١٨ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، بعد إيراد حديث ٦٥ ، ما لفظه : قال الشيخ رحمه الله (ثمَّ قم فأقم للعصر).

(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٨ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، قطعة من حديث ٦٦.

(٤) سورة الأحزاب : الآية ٢١ ، (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)

(٥) المبسوط : ج ١ ، ص ١٥١ ، كتاب صلاة الجمعة ، س ٢٢ ، قال : «ويكره الأذان لصلاة العصر يوم الجمعة» انتهى.

(٦) المختلف : في صلاة الجمعة ، ص ١١٠ ، س ١٣ ، قال : «والأقرب عندي الكراهة».

(٧) السرائر : كتاب الصلاة ، باب صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٦٧ ، س ٥.

(٨) المقنعة : باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، ص ٢٦ ، س ٣٦.

(٩) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١١٠ ، س ٩ ، قال : «وهو قول ابن البراج».

٤١٢

الخامسة : إذا لم يكن الامام موجودا وأمكن الاجتماع والخطبتان استحب الجمعة (الجماعة) ، ومنعه قوم.

السادسة : إذا حضر إمام الأصل مصرا ، لم يؤم غيره إلّا لعذر.

السابعة : لو ركع مع الإمام في الاولى ومنعه زحام عن السجود لم يركع مع الإمام في الثانية ، فإذا سجد الإمام ، سجد ونوى بهما للأولى.

______________________________________________________

للإعلام بأوقات الصلوات وقد حصل ، إذ وقت العصر هنا عقيب صلاة الظهر بلا فصل. ولأنّها صلاة يستحب الجمع بينها وبين السابقة عليها ، فيسقط أذانها كعرفة والمشعر والجمعة (١).

قال طاب ثراه : إذا لم يكن الإمام موجودا وأمكن الاجتماع والخطبتان ، استحب الجمعة ، ومنعه قوم.

أقول : إذا أمكن في حال الغيبة اجتماع العدد المعتبر والخطبتان استحب الاجتماع ، وإيقاع الجمعة بنيّة الوجوب ويجزي عن الظهر ، قاله الشيخ في النهاية (٢) ، والتقي (٣) ، والمصنّف (٤) ، والعلّامة (٥).

__________________

(١) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١١٠ ، س ١٤.

(٢) النهاية : كتاب الصلاة ، باب الجمعة وأحكامها ، ص ١٠٧ ، س ٢ ، قال : «ولا بأس ان يجتمع المؤمنون في زمان التقيّة بحيث لا ضرر عليهم ، فيصلوا جمعة بخطبتين».

(٣) الكافي في الفقه : ص ١٥١ ، فصل في صلاة الجمعة ، س ٢ ، قال : «لا تنعقد الجمعة إلا بإمام الملة ، أو منصوب من قبله ، أو بمن يتكامل له صفات إمام الجماعة عند تعذر الأمرين».

(٤) الشرائع : ج ١ ، ص ٩٨ ، في صلاة الجمعة ، قال في مسألة التاسعة من مسائل من يجب عليه الجمعة : «إذا لم يكن الامام موجودا ولا من نصبه للصلاة وأمكن الاجتماع والخطبتان ، قيل : يستحب ان يصلّى جمعة ، وقيل لا يجوز ، والأول أظهر».

(٥) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٩ ، س ٥ ، قال : «والأقرب الجواز».

٤١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنعه السيد (١) ، وسلّار (٢) ، وابن إدريس (٣).

احتجّ الأوّلون : بصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السّلام) قال : حثّنا أبو عبد الله (عليه السّلام) على صلاة الجمعة ، حتّى ظننت انّه يريد ان نأتيه. فقلت له : نغدوا عليك؟ فقال : لا انّما عنيت عندكم (٤).

وفي الموثّق عن زرارة ، عن عبد الملك ، عن الباقر (عليه السّلام) قال : مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله قال : قلت : كيف أصنع؟ قال : صلّوا جماعة ، يعني صلاة الجمعة (٥). ولأصالة الصحّة وعدم اشتراط أمر زائد.

احتجّ الآخرون : إنّ شرط الجمعة الإمام أو نائبه إجماعا ، وهو مفقود. وأيضا فإنّ الذمّة متيقّنة الشغل بأربع ركعات ، فلا يخرج عن العهدة إلّا بفعلها ، وأخبار الآحاد مظنونة لا يجوز التعويل عليها.

وأجيب عن الأوّل : بمنع الإجماع على خلاف موضع النزاع. وأيضا نحن قائلون بموجبة ، لأنّ الفقيه المأمون منصوب عن الامام حال الغيبة ، ولهذا يجب الترافع إليه ويمضى أحكامه وعلى الناس مساعدته على إقامة الحدود ، والقضاء بين الناس.

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : المسائل الميافارقيات ، ص ٢٧٢ ، س ٧ ، قال : «صلاة الجمعة ركعتان. من غير زيادة عليها ولا جماعة إلّا مع امام عادل أو من ينصبه الامام العادل ، فاذا عدم ذلك صليت الظهر اربع ركعات».

(٢) المراسم : ذكر : صلاة الجمعة ، ص ٧٧ ، س ٩ ، قال : «صلاة الجمعة فرض مع حضور إمام الأصل» انتهى.

(٣) السرائر : كتاب الصلاة ، باب صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٦٤ ، س ٥ ، قال : «وجب عليهم الجمعة بشرط ان يكون فيهم الامام.» انتهى.

(٤) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٣٩ ، س ٢٤ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ١٧.

(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢٣٩ ، س ٢٤ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٢٠ ، وفيه : «قلت : فكيف».

٤١٤

ولو نوى بهما للأخيرة بطلت الصلاة ، وقيل : يحذفهما ويسجد للأولى.

وسنن الجمعة : التنفّل بعشرين ركعة ، ست عند انبساط الشمس ، وست عند ارتفاعها ، وست قبل الزوال ، وركعتان عنده. وحلق الرأس ، وقصّ الأظفار ، والأخذ من الشارب. ومباكرة المسجد على سكينة ووقار ، متطيّبا ، لابسا أفضل ثيابه ، والدعاء أمام التوجّه.

ويستحب الجهر جمعة وظهرا ، وأن تصلّى في المسجد ولو كانت ظهرا. وأن يقدّم المصلّي ظهره إذا لم يكن الإمام مرضيّا. ولو صلّى معه ركعتين وأتمّهما بعد تسليم الإمام ، جاز.

______________________________________________________

وعن الثاني : بانتفاء اليقين ، لوجوب السعي عند النداء لقوله تعالى (إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا) (١).

وعن الثالث : أنّ أخبار الآحاد وإن أفادت الظن ، فانّ العمل بها قطعي.

قال طاب ثراه : ولو نوى بهما للأخيرة بطلت الصلاة ، وقيل : يحذفهما ويسجد للأولى.

أقول : توضيح المسألة : انّ المأموم إذا ركع مع الإمام في الاولى ومنعه الزحام عن سجودها ، فان تمكّن بعد قيام الإمام من الاولى إلى الثانية ـ من السجود واللحاق به قبل ركوع الثانية ، فلا كلام. وإلّا فلا يتابعه في ركوع الثانية. لأنّه على تقدير متابعته له في ركوع الثانية لا يخلو إمّا أن تحتسب ذلك للركعة الثانية ، فيكون قد أخلّ من الاولى بسجدتين. أو تحتسبه للركعة الأولى ، فيكون قد زاد فيها ركوعا ، وكلاهما مبطل. فلهذا لا يركع في ثانية الإمام ، فإذا سجد الامام سجد معه ونوى بهاتين السجدتين أنّهما للركعة الأولى ، فإذا سلّم الإمام قام هو فأتى بالركعة الأخرى ، و

__________________

(١) سورة الجمعة : ٩.

٤١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

تمّت له الجمعة ، هذا في الأصحّ ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (١) ، والمصنّف (٢) ، والعلامة (٣).

وقال في المبسوط : إن لم ينو بهما للأولى لم يعتدّ بهما ووجب أن يحذفهما ويسجد سجدتين للركعة الاولى (٤).

وبه قال المرتضى في المصباح (٥) ، وقال ابن إدريس : بالأوّل إلّا انّه لم يوجب تجديد نيّة السجود أنّه للأولى ، واكتفى بالاستدامة (٦).

والحاصل : انّ في المسألة ثلاثة أقوال :

(ألف) : الاكتفاء بالاستدامة في جعلها للثانية ، لكونهما تابعة لصلاة الإمام ، ثمَّ يحذفهما ويأتي بالسجدتين للأولى ، وهو اختياره في المبسوط.

(ب) : الاكتفاء بالاستدامة في جعلهما للأولى ، ولا يفتقر إلى تجديد نيّة في صيرورتهما للأولى ، لأنّهما في نفس الأمر كذلك ، وهو اختيار ابن إدريس.

__________________

(١) النهاية : باب الجمعة وأحكامها ، ص ١٠٧ ، س ٩ ، قال : «فان صلّى مع الإمام ركعة وركع فيها ولم يتمكّن من السجود». الى آخره.

(٢) المعتبر : في المسألة السابعة من فروع صلاة الجمعة ، ص ٢٠٧ ، س ١٧ ، قال : «لو ركع مع الإمام في الاولى ومنعه زحام عن السجود». الى آخره.

(٣) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٩ ، س ٢١ ، قال : «لو صلى مع الامام وركع في الاولى ، ثمَّ زوحم على السجود». الى آخره.

(٤) المبسوط : في شرائط صلاة الجمعة ، ص ١٤٥ ، س ٣ ، قال : «إذا ركع الامام وركع معه المأموم». الى آخره.

(٥) المختلف : صلاة الجمعة ، ص ١٠٩ ، س ٢٥ ، قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : «وهو مذهب السيد المرتضى في المصباح».

(٦) السرائر : باب صلاة الجمعة وأحكامها ، ص ٦٥ ، س ٢٦ ، قال : «فاما من كبّر مع الامام وركع ولم يقدر على السجود». الى آخره.

٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) : بطلان الصلاة بذلك ، بل لا بد من جعل هاتين السجدتين للأولى بالنيّة ، ومع ذهوله عن نيّة ذلك ، يبطل صلاته ، وهو اختيار الشيخ في النهاية ، ومذهب العلامة.

احتجّ الشيخ : على مذهبه في المبسوط : برواية حفص بن غياث قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : في رجل أدرك الجمعة ، وقد ازدحم الناس فكبّر مع الامام وركع فلم يقدر على السجود ، وقام الامام والناس في الركعة الثانية وقام هذا معهم ، فركع الامام ولم يقدر هذا على الركوع في الركعة الثانية من الزحام وقدر على السجود ، كيف يصنع؟ قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : أما الركعة الأولى فهي إلى عند الركوع تامّة ، فلمّا لم يسجد لها حتّى دخل في الركعة الثانية لم يكن له ذلك. ولمّا سجد في الثانية ، فإن كان نوى أنّ هذه السجدة هي للركعة الأولى فقد تمّت له الأولى فإذا سلّم الامام ، قام فصلّى ركعة يسجد فيها ثمَّ يتشهّد ويسلّم. وإن كان لم ينو أن تكون تلك السجدة للركعة الأولى ، لم تجز عنه للأولى ولا الثانية وعليه أن يسجد سجدتين وينوي أنّهما للركعة الاولى وعليه بعد ذلك ركعة ثانية يسجد فيها (١) وهي ضعيفة السند ، مع قصورها في الدلالة على المطلوب بقبول التأويل.

واحتجّ على مطلوب النهاية : بأنّ أفعال المأموم تابعه لأفعال الامام ، وقد سجدهما بنيّة أنّهما للثانية ، فيكون المأموم بحكمه ، فتصرف سجدتاه إلى الثانية تحقيقا للمتابعة ، فان اقتنع بذلك كان قد نقص ركنين من الصلاة ، سجدتين من الاولى وركوع من الثانية ، وإن حذفهما كما قال في المبسوط ، كان قد زاد سجدتين في الصلاة عمدا وذلك مبطل.

واحتجّ ابن إدريس : بأصالة براءة الذمّة من تجديد النيّة ، والاكتفاء بالاستدامة.

__________________

(١) التهذيب : ج ٣ ، ص ٢١ ، باب العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ٧٨ ، مع اختلاف يسير في بعض ألفاظ الحديث.

٤١٧

ومنها :

صلاة العيدين

وهي واجبة جماعة بشروط الجمعة ، ومندوبة مع عدمها ، جماعة وفرادى.

ووقتها ما بين طلوع الشمس الى الزوال ، ولو فاتت لم يقض ، وهي ركعتان ، يكبّر في الأولى خمسا ، وفي الثانية أربعا ، بعد قراءة الحمد والسورة في الركعتين.

وقبل تكبير الركوع على الأشهر.

ويقنت مع كلّ تكبيرة بالمرسوم استحبابا.

وسننها : الإصحار بها ، والسجود على الأرض ، وأن يقول المؤذّن :

الصلاة ثلاثا ، وخروج الإمام حافيا على سكينة ووقار ، وان يطعم قبل خروجه في الفطر ، وبعد عوده في الأضحى ممّا يضحّى به. وان يقرأ في الأولى بـ «الأعلى» وفي الثانية بـ «والشمس» والتكبير في الفطر عقيب أربع صلوات : أوّلها المغرب ، وآخرها صلاة العيد. وفي الأضحى عقيب خمس عشرة : أوّلها ظهر يوم العيد لمن كان بـ (منى) وفي غيرها عقيب عشر.

يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، على ما هدانا الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام.

وفي الفطر يقول : الله أكبر ثلاثا ، لا إله إلّا الله والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا.

ويكره الخروج بالسلاح ، وأن يتنفّل قبل الصلاة وبعدها إلّا بمسجد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) قبل خروجه.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وقبل تكبير الركوع على الأشهر.

أقول : أطبق الأصحاب على تقدّم القراءة على القنوت في الركعتين معا ، خلا

٤١٨

مسائل خمس

الاولى : قيل : التكبير الزائد واجب ، والأشبه الاستحباب ، وكذا القنوت.

الثانية : من حضر العيد فهو بالخيار في حضور الجمعة. ويستحب للإمام إعلامهم بذلك.

______________________________________________________

أبو على فإنّه جعله في الأولى قبل القراءة ، وفي الثانية بعدها ، ليصل القراءة بالقراءة (١).

احتجّ الأوّلون : بصحيحة يعقوب بن يقطين قال : سألت العبد الصالح (عليه السّلام) عن التكبير في العيدين أقبل القراءة أو بعدها؟ إلى أن قال : ثمَّ يقرأ ثمَّ يكبّر خمسا ويدعو بينهما ، ثمَّ يكبر اخرى ويركع بها ، ثمَّ قال : ويكبّر في الثانية خمسا يقوم فيقرأ ثمَّ يكبّر أربعا (٢).

احتجّ أبو علي : بصحيحة عبد الله بن سنان عن الصادق (عليه السّلام) قال : التكبير في الأولى سبع قبل القراءة ، وفي الأخيرة خمس بعد القراءة (٣).

وأجيب : بأنّها غير دالة على محل النزاع ، لكون السابعة بعد القراءة بالإجماع ، لأنّها للركوع ، وإذا احتمل الواحدة احتمل غيرها ، وهو أنّ بعضها قبل القراءة فيحمل على تكبيرة الإحرام.

وبحملها على التقيّة ، لأنّ ذلك موافق لمذاهب العامّة.

قال طاب ثراه : قيل : التكبير الزائد واجب ، والأشبه الاستحباب ، وكذا القنوت.

أقول : هنا ثلاثة أبحاث.

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة العيدين ، ص ١١١ ، س ٣٦ ، قال : «وقال ابن الجنيد : التكبير في الأولى قبل القراءة ، وفي الثانية بعدها».

(٢) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٣٢ ، باب صلاة العيدين ، قطعة من حديث ١٩.

(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٣١ ، باب صلاة العيدين ، حديث ١٦ ، وفيه : «في العيدين في الأولى».

٤١٩

الثالثة : الخطبتان بعد صلاة العيدين ، وتقديمهما بدعة ، ولا يجب استماعهما.

الرابعة : لا ينقل المنبر ، بل يعمل منبر من طين.

الخامسة : إذا طلعت الشمس حرم السفر حتّى يصلّى العيد ، ويكره قبل ذلك.

______________________________________________________

البحث الأوّل

في التكبير الزائد على المعتاد في سائر الصلوات ، وهي تكبيرات القنوت ، وفيها قولان : فالوجوب مذهب أبي علي (١) ، واختاره العلّامة (٢) ، والاستحباب مذهب الشيخ في التهذيب (٣) ، واختاره المصنّف (٤).

احتجّ الموجبون : بقوله (عليه السّلام) : «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» (٥) وصلّاها كذلك ، ونصّ الأئمّة (عليهم السّلام) على وجوب العيدين ثمَّ بيّنوا كيفيّتها ، فمن ذلك رواية يعقوب بن يقطين (٦) ومعاوية بن عمّار (٧).

احتجّ الآخرون : بما رواه زرارة في الصحيح. أنّ عبد الملك بن أعين سأل أبا جعفر

__________________

(١) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة العيدين ، ص ١١٢ ، س ٢٣ ، قال : «وابن الجنيد نص على ذلك ، وقال : لو ترك التكبير أو بعضه عامدا لم تجزيه الصلاة» وهو الأقرب.

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، في صلاة العيدين ، ص ١١٢ ، س ٢٣ ، قال : «وابن الجنيد نص على ذلك ، وقال : لو ترك التكبير أو بعضه عامدا لم تجزيه الصلاة» وهو الأقرب.

(٣) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٣٤ ، باب صلاة العيدين ، س ٢ ، قال : «ومن أخل بالتكبيرات السبع لم يكن مأثوما إلّا انه يكون تاركا سنّة ومهملا فضيلة».

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، في صلاة العيدين ، ص ٢١١ ، س ٢٥ ، قال : «التكبيرات الزائدة في القنوت بينهما مستحب».

(٥) عوالي اللئالي : ج ١ ، ص ١٩٨ ، حديث ٨.

(٦) التهذيب : ج ٣ ، ص ١٣٢ ، باب صلاة العيدين ، قطعة من حديث ١٩.

(٧) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٦٠ ، باب صلاة العيدين ، والخطبة فيهما ، حديث ٣.

٤٢٠