المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والبدن (١). وهو صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة.

وقال الشيخان : بطهارته (٢) ، ويدلّ عليه رواية الأحول عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت : أخرج من الخلاء وأستنجي بالماء ، فيقع ثوبي في ذلك الماء الّذي استنجيت به؟ فقال : لا بأس (٣).

وما رواه عبد الكريم بن عتبة الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يقع ثوبه على الماء الّذي استنجي به ، أينجّس ذلك ثوبه؟ فقال : لا (٤).

واختاره المصنّف في الشرائع (٥) وظاهر المعتبر كالسيد ، حيث قال عند ما أورد الحديث : «ولأن التفصيّ منه عسر ، فشرّع العفو دفعا للعسر» (٦). وتظهر الفائدة في جواز استعماله في الطهارة أو إزالة النجاسة فيجوز على الثاني دون الأوّل.

واستقرب الشهيد الأوّل احتياطا ، لتيقّن البراءة بغيره (٧).

__________________

(١) قال في المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٢٢ ، س ٣١ ، ما لفظه : (وقال علم الهدى في المصباح : لا بأس بما ينضح من ماء الاستنجاء على الثوب والبدن. وكلامه صريح في العفو وليس بصريح في الطهارة).

(٢) أي المفيد في المقنعة : باب صفة الوضوء والفرض منه ، ص ٥ ، س ١٧ ، قال : «وكذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجي به ثمَّ يرجع اليه لا يضرّه ولا ينجس شيئا من ثيابه وبدنه والطوسي في النهاية : باب آداب الحدث وكيفية الطهارة ، ص ١٦ ، س ٨ ، قال : «وكذلك ان وقع على ثوبه من الماء الذي يستنجي به ، لم يكن به بأس» إلخ.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٨٥ ، باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، ح ٧٢ ، وفيه : «لا بأس به».

(٤) التهذيب : ج ١ ص ٨٦ ، باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، حديث ٧٧.

(٥) الشرائع : كتاب الطهارة ، في الطرف الثاني من المياه ، في المضاف ، ج ١ ، ص ١٦ ، س ٢ ، قال : «عدا ماء الاستنجاء فإنه طاهر ما لم يتغيّر بالنجاسة ، أو تلاقيه نجاسة من خارج».

(٦) المعتبر : كتاب الطهارة ، في نجاسة الغسالة ، ص ٢٢ ، س ٣٤.

(٧) الذكرى : كتاب الصلاة ، في المسألة الثالثة. وهي نجاسة الماء القليل الواقف بالملاقاة ، ص ٩ ، س ٩.

١٢١

وفي سؤر ما لا يؤكل لحمه قولان : وكذا في سؤر المسوخ ، وكذا ما أكل الجيف مع خلوّ موضع الملاقاة من عين النجاسة ، والطهارة في الكل أظهر.

______________________________________________________

وهذا البحث إنّما هو على تقدير عدم تغيّره بالنجاسة ، وعدم ملاقاة نجاسة غير الغائط من خارج ، كما لو وقع على أرض نجسة ، أو من داخل كما لو استصحب دما من جرح في المقعدة.

نعم لو زاد وزنه فإنّه يجتنب. ويستوي فيه ما يغسل به القبل والدبر ، لانّه يطلق على كل منهما لفظ الاستنجاء.

قال الشهيد في الذكرى : «ولا فرق بين المتعدّي وغيره للعموم» (١).

قال طاب ثراه : وفي سؤر ما لا يؤكل لحمه قولان : وكذا في سؤر المسوخ. وكذا ما أكل الجيف مع خلوّ موضع الملاقاة من عين النجاسة.

أقول : السؤر بالهمزة ماء قليل فضل من شرب حيوان ، فهو أبدا يتّبع ذلك الحيوان ، فإن كان نجسا كالكلب وأخويه ، فهو نجس. وإن كان طاهرا فهو طاهر. وهو مختار المصنّف (٢) ، وعلم الهدى (٣) ، والعلّامة (٤) ، وهو أحد الأقوال.

وهنا مسائل

(ألف) : ما لا يؤكل لحمه ، فالشيخ في المبسوط على نجاسته ، إلّا ما كان

__________________

(١) الذكرى : كتاب الصلاة ، في المسألة الثالثة ، وهي نجاسة الماء القليل الواقف بالملاقاة ، ص ٩ ، س ١٠ قال : «ولا فرق في العفو بين المتعدي وغيره للعموم».

(٢) و (٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٢٣ ، س ١٥ ، قال قدّس سرّه : «مسألة : أما الأسآر فكلّها طاهرة عدا الكلب والخنزير والكافر». ثمَّ قال : س ١٦ ، «وما ذكرناه اختيار الشيخ في النهاية وعلم الهدى في المصباح».

(٤) قال في المختلف : في الفصل الرابع من باب المياه من كتاب الطهارة ، ص ١٢ ، س ٤ ، «والحق عندي طهارة سؤر كل حيوان غير ادمي ، سواء كان مأكول اللحم أو غير ذلك ، عدا الكلب والخنزير».

١٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

من الطيور ، أو من حيوان البر ، أو الحضر ممّا لا يمكن التحرّز منه كالفأرة (١) واختاره ابن إدريس (٢).

(ب) : المسوخ ، وبنجاسته قال في الخلاف : والجلّال (٣) ، وبنجاسته قال في المبسوط : وهو مذهب ابن الجنيد فيهما (٤).

(ج) : ما أكل الجيف ، مع خلوّ موضع الملاقاة ، وبنجاسته قال في المبسوط (٥) والنهاية (٦). أمّا الآدمي : فالمسلمون أطهار ، وإن اختلفوا في الآراء والمذاهب ، عدا الخوارج والغلاة والنواصب.

وقال في المبسوط : بنجاسة المجبّرة والمجسّمة (٧). وهو حسن.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، ص ١٠ ، س ١٤ ، قال : «وما كان منه في الحضر فلا يجوز استعمال سؤره الا ما لا يمكن التحرز منه مثل الهرّة والفارة والحية».

(٢) السرائر : كتاب الطهارة ، ص ١٣ ، س ٢٩ ، قال : «وما لا يمكن التحرز منه فسؤره طاهر ، فعلى هذا سؤر الهر» الى ان قال : «طاهر سواء غابت عن العين أو لم يغب» آه.

(٣) الخلاف : ج ٣ ، ص ٢٦٤ ، كتاب الأطعمة ، مسألة ٢ ، س ٦ ، ولفظه : «والنجس ، الكلب والخنزير والمسوخ كلها» وأيضا في كتاب البيوع ، ج ٢ ، ص ٨١ مسألة ٣٠٦ ، س ١٨ ، قال : «القرد لا يجوز بيعه ، وقال الشافعي : يجوز بيعه ، دليلنا إجماع الفرقة على انه مسخ نجس» آه (٤ و ٥) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، ص ١٠ ، س ٣ ، قال : «فما يؤكل لحمه لا بأس بسؤره على كل حال الا ما كان جلالا» إلى أن قال بعد أسطر ، س ١٢ : «فسؤر الطيور كلها لا بأس بها الا ما كان في منقاره دم أو يأكل الميتة ، أو كان جلالا».

(٦) النهاية : كتاب الطهارة ، ص ٥ ، س ٤ ، قال : «وكذلك لا بأس بأسآر الطيور كلها الا ما أكل الجيف» آه

(٧) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، باب حكم الأواني والأوعية والظروف إذا حصل فيها نجاسة ، ص ١٤ ، س ٩ ، قال : وحكم سائر الكفار في هذا الباب سواء كانوا عباد الأوثان وأهل الذمة أو مرتدين أو كفار ملّة من المشبهة والمجسّمة والمجبّرة وغيرهم».

١٢٣

وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطرف من الدم قولان : أحوطهما النجاسة ولو نجس أحد الإنائين ولم يتعيّن اجتنب ماؤهما ، وكلّ ماء حكم بنجاسته لم يجز استعماله ، ولو اضطر معه إلى الطهارة تيمّم.

______________________________________________________

وقال المصنّف في المعتبر : «وخرّج بعض المتأخرين ـ إشارة إلى ابن إدريس ـ بنجاسة من لم يعتقد الحق عدا المستضعف» (١). وهو غلط.

تنبيه

لو أكلت الهرّة فأرة ، ثمَّ شربت من الماء في الحال ، وليس على فمها أثر دم ، لم ينجس ، وإن لم تغب عن العين. وكذا سائر الحيوان ، فإنه يكفي في الحكم بطهارتها زوال عين النجاسة عنها.

قال طاب ثراه : وفي نجاسة الماء بما لا يدركه الطّرف من الدم ، قولان : أحوطهما النجاسة.

أقول : قال الشيخ في المبسوط : إنّ ما لا يدركه الطرف من الدم مثل رؤوس الإبر إذا وقع في الماء القليل ، لا ينجّسه (٢) ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى (عليه السلام) قال : سألته عن رجل امتخط فصار الدّم قطعا فأصاب إناءه ، هل يصحّ الوضوء منه؟ فقال : إن لم يكن شي‌ء يستبين في الماء ، فلا بأس ، وإن كان شيئا بيّنا ، فلا يتوضّأ منه (٣) ولما في التحرّز من المشقّة المنفيّة.

__________________

(١) المعتبر : كتاب الطهارة ، في الفرع الثاني من فروع الأسآر ، ص ٢٤ ، س ٢٦.

(٢) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، ص ٧ ، س ٢ نقلا بالمعنى ، ولا يخفى ان كلامه قدس سره غير مخصوص بالدم بل بكل ما لا يمكن التحرز منه من الدم وغيره ، فراجع.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٧٤ ، باب النوادر من كتاب الطهارة ، حديث ١٦ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

١٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال ابن إدريس : بنجاسته (١) وهو اختيار العلّامة (٢).

وأجاب : عن الرواية : بعدم دلالتها على موضع النزاع ، لتضمّنها إصابة الدّم الإناء ، ولا يلزم منه إصابة الماء ، ولهذا شرط (عليه السلام) الاستبانة.

وعارضها العلّامة برواية علي بن جعفر الصحيحة عن أخيه (عليه السلام) قال : سألته عن رجل رعف وهو يتوضّأ فقطر قطرة في إنائه ، هل يصلح الوضوء منه؟ قال : لا (٣).

ومنع كون المشقّة المذكورة مسقطة للتكليف بالإزالة ، وإن اعتبر مطلق المشقّة ، ارتفع أكثر التكاليف (٤).

__________________

(١) السرائر : كتاب الطهارة ، ص ٨ ، س ٧ ، قال بعد الحكم بنجاسة الماء القليل بكل نجاسة ، ما لفظه : (لان بعض أصحابنا ذكر في كتاب له : الّا ما لا يمكن التحرز منه مثل رؤوس الابر من الدم وغيره. وهذا غير واضح ، لأنه ماء قليل وقعت فيه نجاسة ، فيجب أن تنجسه ، ومن استثنى نجاسة دون نجاسة يحتاج الى دليل ولن نجده).

(٢) المختلف ، باب المياه ، ص ٣ ، س ٢٧.

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٧٤ ، باب النوادر ، من كتاب الطهارة ، ذيل حديث ١٦.

(٤) المختلف : باب المياه ، ص ٣ ، ص ٣٥ ، وفيه : «انتقض بجميع التكاليف».

١٢٥

الركن الثاني

في الطهارة المائيّة

وهي : وضوء وغسل.

الوضوء

فالوضوء : يستدعي بيان أمور :

الأوّل : في موجباته. وهي خروج البول والغائط والريح من الموضع المعتاد ، والنوم الغالب على الحاستين ، والاستحاضة القليلة.

وفي مسّ باطن الدبر وباطن الإحليل ، قولان : أظهرهما أنّه لا ينقض.

الثاني : في آداب الخلوة. والواجب : ستر العورة.

______________________________________________________

الركن الثاني

في الطهارة المائيّة

قال طاب ثراه : وفي مسّ باطن الدبر أو باطن الإحليل ، قولان : أظهرهما أنّه لا ينقض.

أقول : هذا مذهب الثلاثة (١) ، واختاره المصنّف (٢) ، والعلّامة (٣).

__________________

(١) أي المفيد والمرتضى والطوسي قدس الله أسرارهم. قال في المقنعة : ص ٣ ، س ٣٢ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة. وجميع ما يوجب الطهارة من الاحداث عشرة أشياء ، إلى أن قال : س ٣٤ وليس يوجب الطهارة شي‌ء من الأحداث سوى ما ذكرناه على حال من الأحوال وقال في النهاية : باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه ، ص ١٩ ، س ١ : «وليس ينقض الطهارة شي‌ء سوى ما ذكرناه» إلخ.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، في نواقض الوضوء ، ص ٢٩ ، س ١٠ ، قال ما لفظه : (إذا مسّ الرجل أحد فرجيه لم ينتقض وضوءه ، سواء مس الباطنين أو الظاهرين ، وكذا لو مست المرأة فرجها بباطن الكف وظاهره ، بشهوة وغيرها ، وهو اختيار الثلاثة وأتباعهم).

(٣) المختلف : باب الوضوء ، ص ١٧ ، س ٢٤.

١٢٦

ويحرم استدبار القبلة واستقبالها ولو كان في الأبنية على الأشبه.

ويجب غسل مخرج البول ، ويتعيّن الماء لإزالته ، وأقلّ ما يجزئ مثلا ما على الحشفة ، وغسل موضع الغائط بالماء ، وحدّه الإنقاء ، فإن لم يتعدّ المخرج تخيّر بين الأحجار والماء ، ولا يجزئ أقلّ من ثلاثة ولو نقي بما دونها ،

______________________________________________________

وقال الصدوق (١) ، وأبو علي : أنّه ناقض (٢).

احتجّ الأوّلون : بروايات ، منها صحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ليس في المذي من الشهوة ولا من الإنعاظ ولا من القبلة ولا من مسّ الفرج ولا من المضاجعة وضوء ، ولا يغسل منه الثوب ولا الجسد (٣).

احتجّ الآخرون : بما رواه عمّار بن موسى ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سئل عن الرجل يتوضّأ ثمَّ يمسّ باطن دبره؟ قال : نقض وضوءه. وإن مسّ باطن إحليله ، فعليه أن يعيد الوضوء ، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضّأ ويعيد الصلاة ، وإن فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة (٤).

وأجيب : بمنع السند ، ومع تسليمه يحمل على الاستحباب ، أو خروج شي‌ء من النواقض على يده.

قال طاب ثراه : ويحرم استقبال القبلة واستدبارها ولو كان في الأبنية على الأشبه.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، باب ١٥ ، ما ينقض الوضوء ، ص ٣٩ ، ذيل ح ١٢. قال : «وإذا مس الرجل باطن دبره أو باطن إحليله ، فعليه ان يعيد الوضوء» إلخ.

(٢) المختلف : باب الوضوء ، ص ١٧ ، س ٢٥ ، قال ما لفظه : (وقال ابن الجنيد : ان من مس ما انضم عليه الثقبان نقض وضوءه) إلخ.

(٣) التهذيب : ج ١ ص ١٩ ، باب ١ ، الأحداث الموجبة للطهارة ، حديث ٤٧.

(٤) الاستبصار : ج ١ ، ص ٨٨ ، باب ٥٣ ، القبلة ومس الفرج ، حديث ٨.

١٢٧

ويستعمل الخزف بدل الأحجار ، ولا يستعمل العظم ، ولا الروث ، ولا الحجر المستعمل.

وسننها : تغطية الرأس عند الدخول ، والتسمية ، وتقديم الرجل اليسرى ، والاستبراء والدّعاء عند الدخول ، وعند النظر إلى الماء ، وعند الاستنجاء ، وعند الفراغ. والجمع بين الأحجار والماء ، والاقتصار على الماء إن لم يتعدّ ، وتقديم اليمنى عند الخروج.

ومكروهاتها : ويكره الجلوس في الشوارع والمشارع ، ومواضع اللّعن ، وتحت الأشجار المثمرة ، وفي‌ء النزّال ، واستقبال الشمس والقمر ، والبول في الأرض الصّلبة ، وفي مواطن الهوام ، وفي الماء جاريا وراكدا واستقبال الريح به ، والأكل والشرب والسواك ، والاستنجاء باليمين ، وباليسار وفيها خاتم عليه اسم الله تعالى ، والكلام إلّا بذكر الله ، أو لضرورة.

(الثالث في الكيفيّة والفروض سبعة)

الثالث : في الكيفيّة والفروض سبعة :

______________________________________________________

أقول : للأصحاب هنا أربعة أقوال :

(ألف) : وجوب تجنّب الاستقبال والاستدبار مطلقا ، قاله الشيخ (١) ، وبه قال السيد ، وابن إدريس (٢) ، والقاضي (٣) ، والمصنّف (٤) ، والعلّامة (٥).

__________________

(١) الخلاف : ج ١ ، ص ١٧ ، كتاب الطهارة ، مسألة ٤٨.

(٢) السرائر : كتاب الطهارة ، باب احكام الاستنجاء والاستطابة ، ص ١٦ ، س ٢٥ ، قال ما لفظه :

(فإذا أراد القعود لحاجته ، فالواجب عليه ان لا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ببول ولا غائط. فهذان تركان واجبان في الصحاري والبنيان) إلخ.

(٣) المهذب : ج ١ ، ص ٤١ ، باب ترك استقبال القبلة واستدبارها وكذلك الشمس والقمر في حال البول والغائط س ١٩.

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، في آداب الخلوة ، ص ٣١ ، س ٢٢.

(٥) المختلف : في التخلي والاستنجاء ، ص ١٩ ، س ٤.

١٢٨

الأوّل : النيّة مقارنة لغسل الوجه ، ويجوز تقديمها عند غسل اليدين ، واستدامة حكمها حتى الفراغ.

والثاني : غسل الوجه ، وطوله من قصاص شعر الرأس إلى الذقن ، وعرضه ما اشتملت عليه الإبهام والوسطى ، ولا يجب غسل ما استرسل من اللّحية ولا تخليلها.

والثالث : غسل اليدين مع المرفقين مبتدئا بهما ،

______________________________________________________

(ب) : الاستحباب مطلقا ، قاله أبو علي (١).

(ج) : التحريم في الصحاري والفلوات ، والرخصة في الأبنية ، قاله سلّار (٢).

(د) : الكراهية في الصحاري والإباحة في الأبنية ، قاله المفيد (٣).

احتجّ الأوّلون : بأنّها محل التعظيم ، لوجوب استقبالها في الصلاة ، فيناسب تحريم استقبالها بالحدث. ولأنّ فيه تعظيما لشعائر الله ، وبما رواه الشيخ عن عيسى بن عبد الله الهاشمي ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن علي (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها ، ولكن شرّقوا وغرّبوا (٤). والنهي دلالة التحريم.

احتجّ سلّار : بما رواه محمد بن إسماعيل قال : دخلت دار أبي الحسن الرضا

__________________

(١) قال في المعتبر : كتاب الطهارة ، في آداب الخلوة ، ص ٣١ ، س ٢٣ ، ما لفظه : (وقال ابن الجنيد في المختصر : يستحب للإنسان إذا أراد التغوط في الصحراء أن يجتنب استقبال القبلة أو الشمس أو القمر أو الريح بغائط أو بول).

(٢) المراسم : ذكر ما يتطهر منه الاحداث ، ص ٣٢ ، س ٥ ، قال : ويجلس غير مستقبل القبلة ولا مستدبرها» الى ان قال : «وقد رخص ذلك في الدور».

(٣) المقنعة : باب آداب الاحداث للطهارة ، ص ٤ ، س ١٣.

(٤) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٥ ، باب ٣ ، آداب الاحداث الموجبة للطهارة ، ح ٣ ، وفيه : «قال لي النبي (صلّى الله عليه وآله). شرقوا أو غربوا».

١٢٩

ولو نكس فقولان : أشبههما انه لا يجزئ ، وأقلّ الغسل ما يحصل به مسمّاه ولو دهنا.

والرابع : مسح مقدّم الرأس ببقيّة البلل بما يسمّى مسحا.

______________________________________________________

(عليه السلام) وفي منزله كنيف مستقبل القبلة (١). ولأصالة الجواز.

والجواب : عدم دلالة الخبر على جلوسه (عليه السلام) عليه ، لجواز انتقال الملك إليه على هذه الحال وتجنّبه له ، وانحرافه عند جلوسه عليه. والأصل مخالف للدليل.

قال المصنّف : وانّما قلنا على الأشبه. لأنّ التحريم مأخوذ من إطلاق الألفاظ المانعة ، لا لنص على عين المسألة. وكل حكم مستفاد من لفظ عام أو مطلق ، أو من استصحاب ، نسمّيه بالأشبه ، لأنّ مذهبنا التمسّك بالظاهر. فالأخذ بما يطابق ظاهر المنقول أشبه بأصولنا. فكلّ موضع نقول فيه : على الأشبه ، فالمراد به هذا المعنى (٢).

قال طاب ثراه : ولو نكس فقولان : أشبههما أنّه لا يجزئ.

أقول : هذا مذهب الشيخ (٣) ، وأبي علي (٤) ، وابن حمزة (٥) ، وسلّار (٦).

وقال المرتضى : انه مكروه (٧) ، واختاره ابن إدريس (٨).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٦ ، باب ٣ ، آداب الاحداث الموجبة ، للطهارة ، حديث ٥.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، في آداب الخلوة ، ص ٣٢ ، س ٤.

(٣) المبسوط : ج ١ كتاب الطهارة ، فصل في كيفية الوضوء وجملة أحكامه ، ص ٢٠ ، ص ١٦ ، قال : «فان خالف وغسل منكوسا ، خالف السنة»

(٤) المختلف : في كيفية الوضوء ، ص ٢١ ، س ٤ ، قال : «فان نكس أعاد الوضوء وجوبا» الى ان قال : «وكذا (أي أوجبه) ابن الجنيد وابن حمزة».

(٥) المختلف : في كيفية الوضوء ، ص ٢١ ، س ٤ ، قال : «فان نكس أعاد الوضوء وجوبا» الى ان قال : «وكذا (أي أوجبه) ابن الجنيد وابن حمزة».

(٦) المراسم : ذكر كيفية الطهارة الصغرى ، ص ٣٨ ، س ٨ ، قال : «وان لا يستقبل الشعر الذي في اليدين» إلخ.

(٧) الانتصار : كتاب الطهارة ، قال : «مسألة : وممّا انفردت به الإماميّة الابتداء في غسل اليدين للوضوء من المرافق» الى ان قال : «ان الاولى ان يكون ذلك مسنونا ومندوبا إليه وليس بفرض حتم» إلخ.

(٨) السرائر : كتاب الطهارة ، في كيفية الوضوء ، ص ١٧ ، س ١٩ و ٢٠.

١٣٠

وقيل : أقلّه ثلاث أصابع مضمومة.

______________________________________________________

احتجّ الأوّلون : بصحيحة زرارة بن أعين قال : حكى لنا أبو جعفر (عليه السلام) وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فدعا بقدح من ماء فادخل يده اليمنى فأخذ كفّا من ماء فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه الحديث (١).

وبيان الواجب ، واجب. وبقول (صلّى الله عليه وآله) : وقد أكمل وضوءه هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلّا به (٢) أي بمثله.

احتجّ السيد : بما رواه حماد بن عثمان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا (٣).

والجواب : حمله على مسح الرأس والرجلين ، لانّه المتبادر إلى الفهم عند إطلاق لفظ المسح.

قال طاب ثراه : وقيل : أقلّه ثلاث أصابع.

أقول : الإجزاء مذهب الشيخ في أكثر كتبه (٤). وبه قال القديمان الحسن وأبو علي (٥) ، وسلّار والتقي (٦) ، وابن إدريس (٧).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٥٥ ، باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه قطعة من ح ٦.

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٥ ، باب ٨ ، صفة وضوء رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، حديث ٣.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٥٨ ، باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، حديث ١٠.

(٤) المبسوط : ج ١ ، ص ٢١ كتاب الطهارة ، فصل في كيفية الوضوء وجملة أحكامه ، س ١٥ ، قال : «والواجب من المسح ما يقع عليه اسم المسح : ولا يتحدد ذلك بحد ، والفضل مقدار ثلاث أصابع مضمومة» وفي الخلاف : ج ١ ، ص ١١ ، كتاب الطهارة ، مسائل الوضوء ، مسألة ٢٩ ، قال : «المسح ببعض الرأس هو الواجب ، والأفضل ما يكون مقدار ثلاث أصابع مضمومة ، ويجزئ مقدار إصبع واحدة».

(٥) أي الحسن بن ابي عقيل العماني ، وأبو علي محمد بن احمد بن الجنيد الإسكافي.

(٦) المختلف : في كيفية الوضوء ، ص ٢٣ ، س ٢٤ ، قال : «مسألة : المشهور بين علمائنا الاكتفاء في مسح الرأس والرجلين بإصبع واحدة ، اختاره الشيخ في أكثر كتبه ، وابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، وسلار ، وأبو الصلاح ، وابن البراج ، وابن إدريس».

(٧) السرائر : كتاب الطهارة ، ص ١٨ ، س ٣ ، قال : «وأقل ما يجزئ في مسح الناصية ، ما وقع عليه

١٣١

ولو استقبل فالأشبه الكراهية ، ويجوز على الشعر ، أو البشرة ، ولا يجزئ على حائل كالعمامة.

والخامس : مسح الرجلين إلى الكعبين ، وهما قبّتا القدم ، ويجوز منكوسا ، ولا يجوز على حائل من خفّ وغيره إلّا للضرورة.

والسادس : الترتيب : يبدأ بالوجه ، ثمَّ باليمنى ، ثمَّ باليسرى ، ثمَّ بالرأس ، ثمَّ بالرجلين ، ولا ترتيب فيهما.

والسابع : الموالاة : وهي أن يكمل طهارته قبل الجفاف.

______________________________________________________

وقال في النهاية : لا يجوز أقلّ من ثلاث أصابع مضمومة مع الاختيار ، فان خاف البرد من كشف الرأس أجزأه مقدار إصبع واحدة (١).

احتجّ الأوّلون : بما رواه الشيخ في الصحيح عن زرارة وبكير ابني أعين ، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال في المسح : تمسح على النعلين ولا تدخل يدك تحت الشراك ، وإذا مسحت بشي‌ء من رأسك أو بشي‌ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك (٢).

احتجّ المانع : بما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر في الصحيح عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على الأصابع فمسحها إلى الكعبين إلى ظهر القدم. فقلت : جعلت فداك ، لو أنّ رجلا قال :

بإصبعين من أصابعه؟ قال : لا يكفيه (لا الا بكفّه) (٣).

والجواب : حمله على الاستحباب.

قال طاب ثراه : ولو استقبل ، فالأشبه الكراهية.

__________________

اسم المسح» إلخ.

(١)) النهاية : كتاب الطهارة ، ص ١٤ ، س ٤.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٩٠ ، باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، حديث ٨٦.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٩١ باب ٤ ، صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، حديث ٩٢.

١٣٢

مسائل : والفرض في الغسلات مرّة ، والثانية سنّة ، والثالثة بدعة ، ولا تكرار في المسح ، ويحرّك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة وجوبا كالخاتم ، ولو لم يمنع حرّكه استحبابا.

والجبائر تنزع إن أمكن ، وإلّا مسح عليها ولو في موضع الغسل.

ولا يجوز أن يولي وضوءه غيره اختيارا.

ومن دام به السّلس يصلّي كذلك. وقيل : يتوضّأ لكلّ صلاة وهو

______________________________________________________

أقول : بالكراهيّة قال ابن إدريس (١) ، واختاره المصنّف (٢) ، والعلّامة (٣).

وبالتحريم قال السيد (٤) ، وابن حمزة (٥) ، وهو ظاهر الصدوق (٦) ، والشيخ في الخلاف (٧).

احتجّ الأوّلون : بأنّه يصدق عليه الامتثال في الأمر بالمسح ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا بأس بمسح الوضوء مقبلا ومدبرا (٨).

واحتجّ الآخرون : بأنّه مستقبل الشعر ، فيكون منهيّا.

والجواب : المنع بتناول استقبال شعر اليدين ، وحمل الرأس عليه قياس.

قال طاب ثراه : ومن دام به السلس يصلّي كذلك. وقيل : يتوضّأ لكلّ صلاة ،

__________________

(١) السرائر : كتاب الطهارة ، ص ١٨ ، س ٧.

(٢) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٤٠ ، س ١٤.

(٣) المختلف : باب الوضوء ، ص ٢٤ ، س ٧ ، فإنه بعد نقل كلام الشيخ في المبسوط من انه لا يستقبل شعر الرأس في المسح ، فان خالف أجزأه لأنه ماسح قال : «والحق عندي ما ذهب اليه الشيخ».

(٤) المختلف : باب الوضوء ، ص ٢٤ ، س ٥.

(٥) المختلف : باب الوضوء ، ص ٢٤ ، س ٥.

(٦) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٨ ، باب ١٠ ، حد الوضوء وترتيبه وثوابه ، ذيل ح ١ ، قال : «ولا ترد الشعر في غسل اليدين ولا في مسح الرأس والقدمين».

(٧) الخلاف : ج ١ ، ص ١٢ ، كتاب الطهارة ، مسائل الوضوء ، مسألة ٣١.

(٨) التهذيب : ج ١ ، ص ٥٨ ، باب ٤ صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه ، حديث ١٠.

١٣٣

حسن. وكذا المبطون ، ولو فجأه الحدث في الصلاة توضّأ وبنى.

والسنن عشرة : وضع الإناء على اليمين ، والاغتراف بها ، والتسمية ، وغسل اليدين مرّة للنوم والبول ، ومرّتين للغائط قبل الاغتراف ، والمضمضة ، والاستنشاق ، وأن يبدأ الرّجل بظاهر ذراعيه ، والمرأة بباطنهما ، والدعاء عند غسل الأعضاء ، والوضوء بمدّ ، والسواك عنده ، ويكره الاستعانة فيه ، والتمندل منه.

______________________________________________________

وهو حسن. وكذلك المبطون. ولو فجأه الحدث في الصلاة توضّأ وبنى.

أقول : هنا مسألتان.

الأولى : السلس. وفيه ثلاثة أقوال :

(ألف) : جواز الجمع بين صلوات كثيرة بوضوء واحد. وهو اختيار الشيخ في المبسوط (١).

(ب) : تجديده لكلّ فريضة ، اختاره في الخلاف (٢) ، واستحسنه المصنّف (٣) ، وهو اختيار العلّامة في كتبه (٤) ، لقوله تعالى : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) (٥) وهو عام ، خرج من لا حدث عليه ، فيبقى الباقي على العموم. ولأنّه أحوط.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ص ٦٨ كتاب الطهارة ، فصل في ذكر الاستحاضة وأحكامها ، س ٢ ، ولفظه : «ولا يجوز للمستحاضة أن تجمع بين فرضيين بوضوء واحد. واما من به سلس البول فيجوز له ان يصلّي بوضوء واحد صلوات كثيرة ، لأنّه لا دليل على تجديد الوضوء عليه ، وحمله على الاستحاضة قياس لا نقول به».

(٢) الخلاف : ج ١ ، ص ٧٣ ، كتاب الحيض ، مسائل المستحاضة ، مسألة ٢٨ ، قال : «المستحاضة ومن به سلس البول يجب عليه تجديد الوضوء عند كل صلاة فريضة ، ولا يجوز لهما ان يجمعا بوضوء واحد بين صلاتي فرض».

(٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٤١ ، س ٩ ، قال : «وقيل : يتوضّأ لكل صلاة. وهو حسن».

(٤) المختلف : احكام الوضوء ، ص ٢٧ ، س ٢٩.

(٥) سورة المائدة : ٦.

١٣٤

الرابع في الأحكام : فمن تيقّن الحدث وشك في الطهارة ، أو تيقّنهما وجهل المتأخّر ، تطهّر.

ولو تيقّن الطهارة وشكّ في الحدث ، أو شكّ في شي‌ء من أفعال الوضوء بعد انصرافه بنى على الطهارة. ولو كان قبل انصرافه أتى به وبما بعده.

ولو تيقّن ترك عضو أتى به على الحالين وبما بعده ولو كان مسحا.

ولو لم تبق على أعضائه نداوة أخذ من لحيته وأجفانه ، ولو لم تبق نداوة استأنف الوضوء.

______________________________________________________

احتجّ الشيخ : بأصالة براءة الذمّة ، وحمله على المستحاضة قياس (١).

(ج) : الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد. وهو اختيار العلّامة في منتهى المطلب (٢) ، ومستنده ما رواه ابن بابويه في الصحيح ، عن حريز عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال : إذا كان الرجل يقطر منه البول والدّم ، إذا كان حين الصلاة اتّخذ كيسا وجعل فيه قطنا ، ثمَّ علّقه عليه وأدخل ذكره فيه ثمَّ صلّى ، يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر ، يؤخّر الظهر ويعجّل العصر بأذان وإقامتين ، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء بأذان وإقامتين ، ويفعل ذلك في الصبح (٣). وهو يشعر بجواز الجمع بين الظهر والعصر خاصّة ، وبين المغرب والعشاء خاصّة ، دون باقي الصلوات.

الثانية : المبطون الّذي به البطن ، وهو الذرب ، قال المصنّف في المعتبر : فهو يفعل كمن به السّلس من تجديد الوضوء لكلّ صلاة ، لأنّ الغائط حدث فلا يستبيح معه إلّا الصّلاة الواحدة ، لمكان الضرورة. أمّا لو تلبّس بالصلاة متطهّرا ثمَّ فجأه الحدث

__________________

(١) الى هنا تلخيص كلام العلامة في المختلف ص ٢٧ ، س ٣١.

(٢) المنتهى : البحث في الوضوء وما يتعلق به ، ص ٧٣ ، س ٣٤.

(٣) الفقيه : ج ١ ، ص ٣٨ ، باب ١٥ ، ما ينقض الوضوء ، ح ١٠.

١٣٥

ويعيد الصلاة لو ترك غسل إحدى المخرجين ولا يعيد الوضوء. ولو كان الخارج أحد الحدثين غسل مخرجه دون الآخر.

______________________________________________________

مستمرّا تطهّر وبنى ، لأن التخلّص متعذّر ، ولو استأنف الصلاة مع وجوده لم تظهر فائدة ، فالاستمرار أولى. ويؤيّد ذلك ما رواه محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال : صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمَّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي. (١) و (٢).

وقال العلّامة في المختلف : المبطون إذا فجأه الحدث وهو في الصلاة قال بعض علمائنا : يتطهّر ويبني على صلاته لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السلام) قال : صاحب البطن الغالب يتوضّأ ويبني على صلاته (٣).

وعن الفضيل بن يسار قال : قلت للباقر (عليه السلام) : أكون في الصلاة فأجد غمزا في بطني أو أذى أو ضربانا؟ فقال : انصرف وتوضّأ وابن على ما مضى من صلاتك ما لم تنقض الصلاة بالكلام متعمّدا ، فإن تكلّمت ناسيا فلا شي‌ء عليك ، وهو بمنزله من تكلّم في الصلاة ناسيا قلت : وإن قلّب وجهه عن القبلة؟ قال : نعم وإن قلّب وجهه عن القبلة (٤).

والوجه عندي : أنّ عذره إن كان دائما لا ينقطع ، فإنّه يبني على صلاته من غير أن يجدّد وضوءا كصاحب السلس. وإن كان يتمكّن من تحفّظ نفسه بمقدار زمان الصلاة ، فإنّه يتطهّر ويستأنف الصلاة. ويدلّ على التفصيل. أنّ الحدث المتكرّر لو نقض الطهارة لأبطل الصلاة ، لأنّ شرط صحّة الصلاة استمرار الطّهارة. وأمّا مع التمكن من التحفّظ فإنّه يجب عليه الاستيناف ، لأنّه يتمكّن من فعل الصلاة

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٣٥٠ ، باب ١٤ ، باب الأحداث الموجبة للطهارة من أبواب الزيادات ، حديث ٢٨.

(٢) الى هنا كلام المعتبر : كتاب الطهارة ، في حكم من به السلس ، ص ٤١ ، س ١٧.

(٣) المختلف : ص ٢٨ ، س ١.

(٤) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٤٠ ، باب ٥٠ ، صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون ، حديث ٢٨.

١٣٦

وفي جواز مسّ كتابة المصحف للمحدث ، قولان : أصحّهما المنع.

______________________________________________________

كملا بطهارة ، فوجب عليه ما يتمكّن منه كما كلّف (١).

قال طاب ثراه : وفي جواز مسّ (لمس) كتابة المصحف للمحدث قولان : أصحّهما المنع.

أقول : ذهب الشيخ في المبسوط إلى الكراهية (٢) ، وبه قال ابن إدريس (٣) ، وذهب في الخلاف إلى التحريم (٤) ، وبه قال الصدوق (٥) ، والتقي (٦) ، واختاره المصنّف (٧) ، والعلّامة (٨).

احتجّ المجوّزون : بالأصل ، فإنّه الإباحة ، وبأصالة براءة الذمّة من وجوب التطهير للمسّ.

__________________

(١) الى هنا كلام العلّامة في المختلف ، الفصل الرابع في بقايا احكام الوضوء من كتاب الطهارة ، ص ٢٨ ، س ١ ، «وفيه مما كلف به».

(٢) المبسوط : كتاب الطهارة ، فصل في كيفية الوضوء وجملة أحكامه ، ص ٢٣ ، س ٢٣ ، قال : «ويكره للمحدث مس كتابة المصحف» إلخ

(٣) لم نعثر على مذهبه بكراهية مسّ المصحف للمحدث بالحدث الأصغر ، ولكن قال بحرمة المس للمحدث بالحدث الأكبر ، لاحظ السرائر باب الجنابة وأحكامها ، ص ٢١ ، س ٢٩ ، ولكن نسب اليه القول بالكراهية في المختلف : لاحظ باب الوضوء ، ص ٢٦ ، س ١٧.

(٤) الخلاف : كتاب الطهارة ، ج ١ ، ص ١٧ ، مسألة ٤٦.

(٥) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٨ ، باب صفة غسل الجنابة ، ذيل ح ١٣ ، قال : «ومن كان جنبا أو على غير وضوء فلا يمس القرآن» إلخ.

(٦) الكافي في الفقه : ص ١٢٦ ، س ١٧ ، قال بعد ذكر الاحداث المانعة من الصلاة : «فمتى حدث شي‌ء من هذه صار المكلف محدثا ممنوعا من الصلاة ، ومس المصحف» إلخ.

(٧) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٤٦ ، س ٣٠.

(٨) المختلف : ص ٢٦ ، س ٢٠ الفصل الرابع من باب الوضوء في بقايا احكام الوضوء.

١٣٧

الغسل

وأمّا الغسل ففيه : الواجب والندب ، فالواجب منه ستّة

الأوّل

غسل الجنابة

والنظر في موجبه وكيفيّته وأحكامه

أمّا الموجب فأمران :

١ ـ إنزال الماء يقظة أو نوما. ولو اشتبه اعتبر بالدفق وفتور البدن ، وتكفي في المريض الشهوة. ويغتسل المستيقظ إذا وجد منيّا على جسده أو ثوبه الّذي ينفرد به.

٢ ـ الجماع في القبل. وحدّه غيبوبة الحشفة وإن أكسل

______________________________________________________

احتجّ المانعون : بقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (١) وبرواية أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عمّن قرء في المصحف وهو على غير وضوء؟ قال : لا بأس ، ولا يمسّ الكتاب (٢). وفي معناها كثير.

فرع

هل يختصّ المسّ بباطن الكف ، أم هو اسم للملاقاة؟ الأوّل هو المعروف. وبالثاني قال المصنّف (٣) مصيرا إلى اللغة ، ويتفرّع على ذلك ما لو مسّ المصحف بظاهر الكف أو الزند أو الوجه واللسان فإنّه يأثم على الثاني ، دون الأوّل. أمّا لو اغتسل الجنب وفي فيه درهم عليه اسم الله ، فإنّه يصحّ غسله. أمّا على الأوّل فظاهر ،

__________________

(١) سورة الواقعة : ٧٩.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ١٢٧ ، باب ٦ ، حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، حديث ٣٤.

(٣) المعتبر : كتاب الطهارة ، الفرع الثالث من فروع المس ، ص ٤٧ ، س ٨ ، قال : «المس هل يختص بباطن الكف أم هو اسم للملاقاة الأشبه الثاني مصيرا إلى اللغة».

١٣٨

وكذا في دبر المرأة على الأشبه.

______________________________________________________

وأمّا على الثاني فلرجوع النهي إلى غير الغسل ، ولعدم المنافاة بين الغسل والإلقاء ، بل يأثم بإبقائه في فيه.

قال طاب ثراه : وكذا في دبر المرأة على الأشبه.

أقول : روى ابن بابويه في كتابه ، عدم إيجاب الغسل (١) وهو اختيار الشيخ في النهاية (٢) والاستبصار (٣) والظاهر من كلام السلّار ، وقال المرتضى بالوجوب (٤) وهو اختيار الشيخ في المبسوط (٥) ، واختاره المصنّف (٦) ، والعلّامة (٧).

احتجّ الأوّلون : بما رواه أحمد بن محمد البرقي رفعه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا أتى الرجل المرأة في دبرها ولم ينزل فلا غسل عليهما ، وإن أنزل فعليه الغسل ولا غسل عليها (٨) ، ولأنّ الأصل براءة الذمّة.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٤٧ ، باب ١٩ ، صفة غسل الجنابة ، حديث ٨.

(٢) النهاية : كتاب الطهارة : باب الجنابة وأحكامها وكيفية الطهارة منها ، ص ١٩ ، س ١٥ ، قال : «فان جامع امرأته فيما دون الفرج» الى ان قال : «فليس عليه الغسل أيضا».

(٣) الاستبصار : ج ١ ، ص ١١٢ ، باب ٦٦ ، الرجل يجامع المرأة فيما دون الفرج ، فينزل هو دونها ، ح ٢.

(٤) المختلف : باب الغسل ، ص ٣٠ ، س ١٣ ، قال ما لفظه «مسألة. لعلمائنا في وجوب الغسل بالوطئ في دبر المرأة من غير إنزال قولان : فالذي اختاره السيد المرتضى ، وابن الجنيد ، وابن حمزة ، وابن إدريس وجوب الغسل».

(٥) قال في المبسوط : فصل في ذكر غسل الجنابة وأحكامها ، ص ٢٧ ، س ١٩ ، ما لفظه «فاما إذا أدخل ذكره في دبر المرأة أو الغلام فلأصحابنا فيه روايتان : إحديهما يجب الغسل عليهما ، والثانية لا يجب عليهما» ولم يذكر فتواه بعد ذلك. ولكن قال في ج ٤ ، من المبسوط : كتاب النكاح ، فصل في ذكر ما يستباح من الوطي وكيفيته ، ص ٢٤٣ ، س ٦ ، ما لفظه «والوطي في الدبر يتعلق به احكام الوطي في الفرج ، من ذلك إفساد الصوم ، ووجوب الكفارة ، ووجوب الغسل».

(٦) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ٤٨ ، س ٩ ، قال بعد نقل قول المبسوط : و «هو أشبه».

(٧) المختلف : باب الغسل ، ص ٣٠ ، س ٢٠ ، قال : «والحق ما اختياره السيد المرتضى».

(٨) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٧ ، كتاب الطهارة ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة حديث ٨.

١٣٩

وفي وجوب الغسل بوطء الغلام تردّد ، وجزم علم الهدى بالوجوب.

وأمّا كيفيّته : فواجبها خمسة :

النيّة مقارنة لغسل الرأس ، أو متقدّمة عند غسل اليدين ، واستدامة حكمها.

غسل البشرة بما يسمّى غسلا ، ولو كان كالدّهن.

وتخليل ما لا يصل الماء إليه إلّا به.

والترتيب. يبدأ برأسه ، ثمَّ ميامنه ، ثمَّ مياسره. ويسقط الترتيب بالارتماس.

______________________________________________________

احتجّ الآخرون : بقوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) (١).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : سألته متى يجب الغسل على الرجل والمرأة؟ فقال : إذا أدخله فقد وجب الغسل (٢).

وما رواه عن حفص بن سوقة عمّن أخبره قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يأتي أهله من خلفها؟ قال : هو أحد المأتيّين فيه الغسل (٣).

وأجابوا عن حجة الأوّلين : بأنّ الإتيان في الدبر أعم من غيبوبة الحشفة وعدمها ، فيحمل على العدم ، لصحة تناول اللفظ له ، جمعا بين الأدلّة. والبراءة معارضة بالأدلّة وبالاحتياط.

قال طاب ثراه : وفي وجوب الغسل بوطء الغلام تردّد ، وجزم علم الهدى بالوجوب.

__________________

(١) سورة النساء : ٤٣.

(٢) الكافي : ج ٣ ، ص ٤٧ ، كتاب الطهارة ، باب ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة قطعة من حديث ٨ ، وفيه (فلم ينزل).

(٣) التهذيب : ج ٧ ص ٤٦١ ، باب ٤١ ، من الزيادات في فقه النكاح ، حديث ٥٥ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

١٤٠