المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني : قول الصدوق (١) ، والعلّامة في منتهى المطلب (٢) بجوازه مع السعة ، لوجوه.

(ألف) : قوله تعالى (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا) وهذا غير واجد.

(ب) : إن الأفضل الإتيان والمبادرة بالصلاة في أول وقتها ، والتيمّم طهارة شرعيّة مسوغ عند إرادتها كالوضوء والغسل ، لعطفه عليهما في الآية ، والعطف يقتضي التسوية.

(ج) : صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) قال : قلت له : فإن أصاب الماء وقد تيمّم وهو في وقته؟ قال : تمّت صلاته ولا إعادة عليه (٣).

وهو يدلّ على جوازه مع السعة.

وفيه نظر : لجواز أن يكون الضمير في قوله (في وقته) عائدا إلى فراغه من الفريضة تقديره ، وهو في وقت فراغه من الفريضة ، ولا يلزم منه أن تكون قد تيمّم في أوّل الوقت ، لجواز أن يكون فراغه في آخر جزء من الوقت.

الثالث : قول أبي علي (٤) ، والعلّامة في القواعد (٥) ، وهو جوازه في أوّل الوقت

__________________

(١) لم نعثر للصدوق من التصريح بجواز التيمّم في سعة الوقت الا ما حكاه العلامة عنه في المختلف ، في الفصل الأول من باب التيمم ، ص ٤٧ ، س ٣٣ ، من قوله : «وقال أبو جعفر بن بابويه يجوز في أول الوقت» هذا ولكن الظاهر من كلامه في المقنع عدم الجواز ، حيث قال في كتاب الطهارة ، باب التيمم ما لفظه : «اعلم انه لا تيمم للرجل حتى يكون في آخر الوقت ، ثمَّ قال : وإذا تيمم أجزأه أن يصلّى بتيممه صلوات الليل والنهار ما لم يحدث أو يصب ماء. وقريب منه ما في الفقيه والهداية»

(٢) المنتهى : كتاب الطهارة وموجباته ، ص ١٤٠ ، س ١٨ ، فإنه بعد ما نقل احتجاج ابن بابويه بجواز التيمم في أول الوقت قال : «وقول ابن بابويه في غاية القوة ، فالأقرب عندي ان التأخير مستحب والتقديم جائز».

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ١٩٤ ، باب ٨ التيمم واحكامه ، حديث ٣٦.

(٤) المختلف : باب التيمم ، ص ٤٧ ، س ٣٤ ، قال : «وقال ابن الجنيد : فان وقع اليقين بفوته الى آخر الوقت ، أو غلبه الظن كان تيممه وصلاته في أول الوقت أحبّ إليّ».

(٥) القواعد : ص ٢٣ ، س ١٤ ، قال : «وفي السعة خلاف ، أقربه الجواز مع العلم باستمرار العجز وعدمه مع عدمه».

٢٠١

وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه روايتان. أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفّين.

______________________________________________________

مع العلم باستمرار العذر وعدمه مع عدمه. لوجوه :

(ألف) : أنّه جمع بين القولين.

(ب) : انتفاء فائدة التأخير ، من تحصيل الوضوء أو الغسل ، إذ هو التقدير.

(ج) : وجود المقتضي لإباحة التيمّم ، وهو تعذّر استعمال الماء ، وانتفاء المانع الذي هو التمكّن منه ، وإنّما قال المصنّف : قولان : وأهمل الثالث ، لشهرتهما ، أو لأنّه منتزع منهما ، وهو ظاهر. لأنّ محصّل البحث يرجع إلى أنّه هل يجوز إيقاعه في أوّل الوقت أم لا؟

قال طاب ثراه : وهل يجب استيعاب الوجه والذراعين بالمسح؟ فيه روايتان ، أشهرهما اختصاص المسح بالجبهة وظاهر الكفّين.

أقول : أعضاء التيمّم انّما هي الجبهة ، وحدّها من قصاص الشعر إلى الحاجب. وظاهر الكفّين ، من مفصل المعصم إلى أطراف الأصابع ، دون باقي الوجه ، ودون الذراعين. وهو الّذي عليه الجمهور من الأصحاب. اختاره الأربعة (١) ، وأبو علي (٢) ، والقاضي (٣).

__________________

(١) وهم : المفيد في المقنعة : باب صفة التيمّم ، ص ٨ ، س ٢١.

والشيخ في النهاية : باب التيمّم واحكامه ، ص ٤٩ ، س ١٥.

والصدوق في المقنع : باب التيمّم ، ص ٩ ، س ٤.

وعلم الهدى في جمل العلم والعمل : فصل في التيمم واحكامه ، ص ٥٢ ، س ١٠.

(٢) المختلف : في كيفية التيمم ، ص ٥٠ ، س ٢ ، قال : «مسألة. ذهب. ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، إلى أن الواجب في مسح الوجه مسح الجبهة خاصة ، الى ان قال : س ٤ ، بعد نقل القول الثاني : والحق الأول».

(٣) المهذب : ج ١ ، باب كيفية التيمّم ، ص ٤٧ ، س ٥.

٢٠٢

.................................................................................................

______________________________________________________

والتقي (١) ، وسلار (٢) ، والحسن (٣) ، واختاره المصنّف (٤) ، والعلامة (٥) ، وقال الفقيه : مجموع الوجه والذراعين ، كالوضوء (٦).

احتجّ الأوّلون : بقوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) (٧). والباء إذا دخلت على المتعدّي بنفسه أفادت التبعيض.

فان قيل : قد منع سيبويه في سبعة عشر موضعا من كتابه ورودها للتبعيض.

أجيب : بأنّها شهادة نفي ، وعدم وجدانه لا يدلّ على عدم وجودها.

ويدلّ على أنّ وجودها للتبعيض صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) في حديث ، إلى أن قال : ثمَّ فصّل الكلام فقال (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) فعرفنا حين قال (بِرُؤُسِكُمْ) ان المسح ببعض الرأس ، لمكان الباء (٨).

__________________

(١) الكافي في الفقه : في فرض التيمّم ، ص ١٣٦ ، س ١٠.

(٢) المراسم : ذكر كيفية التيمّم وما ينقضه ، ص ٥٤ ، س ١٠.

(٣) المختلف : في كيفية التيمم ، ص ٥٠ ، س ٢ ، قال : «مسألة. ذهب. ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، إلى أن الواجب في مسح الوجه مسح الجبهة خاصة ، الى أن قال : س ٤ ، بعد نقل القول الثاني : والحق الأول.

(٤) الشرائع : ج ١ ، ص ٤٨ ، في كيفية التيمم ، قال : «والترتيب ، يضع يديه على الأرض» انتهى.

(٥) المختلف : في كيفية التيمم ، ص ٥٠ ، س ٢ ، قال : مسألة. ذهب. ابن أبي عقيل ، وابن الجنيد ، إلى أن الواجب في مسح الوجه مسح الجبهة خاصة ، الى ان قال : س ٤ ، بعد نقل القول الثاني : والحق الأول».

(٦) المختلف : باب التيمم ، ص ٥٠ ، س ٣ ، قال : «وقال على بن بابويه رحمه الله يمسح الوجه بأجمعه وكذا اليدين من المرفقين إلى أطراف الأصابع ، وقال في المقنع : وقد روى انه تضرب يديك على الأرض مرة واحدة ثمَّ تنفضهما فتمسح بهما وجهك ، ثمَّ تضرب بيسارك الأرض فتمسح بهما يمينك من المرفق إلى أطراف الأصابع ، ثمَّ تضرب بيمينك الأرض فتمسح بها يسارك من المرفق إلى أطراف الأصابع. وافتى في الفقيه كالمشهور».

(٧) سورة المائدة : ٦

(٨) الفقيه : ج ١ ، ص ٥٦ ، باب ٢١ ، التيمم ، قطعة من حديث ١.

٢٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وبصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ذات يوم لعمّار في سفر له : يا عمّار بلغنا أنّك أجنبت فكيف صنعت؟ قال : تمرغّت يا رسول الله في التراب ، قال : فقال له : كذلك يفعل الحمار ، أفلا صنعت كذا؟ ثمَّ أهوى بيديه إلى الأرض ، فوضعهما على الصعيد ، ثمَّ مسح جبينيه بأصابعه وكفيه إحداهما على الأخرى ، ثمَّ لم يعد ذلك (١).

احتجّ الفقيه : بما رواه سماعة قال : سألته كيف التيمّم؟ فوضع يديه على الأرض فمسح بها وجهه وذراعيه إلى المرفقين (٢).

ولأنّه تعالى بيّن في الغسل ، الوجه واليدين ، وأحال في التيمّم عليه ، ولأنّ طهارة الماء أكمل ، وقد وجب فيها الاستيعاب ، ففي الأنقص أولى.

والجواب عن الأوّل : بالمنع من صحّة السند ، مع كونها مقطوعة.

وعن الثاني : بالمنع من الحوالة على الغسل لوجود الفاصل ، وهو الباء الدالّة على التبعيض.

وعن الثالث : بأنّ الأنقص لا يليق مساواته في الفعل بالأكمل.

واعلم : أنّ الذي يظهر في هذه المسألة أربعة أقوال :

(ألف ـ ب) : ما قرّرنا.

(ج) : قال ابن أبي عقيل : لو أنّ رجلا تيمّم فمسح ببعض وجهه أجزأه. لأنّ الله عزّ وجل. قال (بِوُجُوهِكُمْ) ومسح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جبينه ، وهو بعض وجهه (٣). وهذا منه يدلّ على جواز مسح جميع الوجه (٤).

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٥٧ ، باب ٢١ التيمم ، حديث ٢ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٨ ، باب ٩ صفة التيمم واحكام المحدثين منه ، حديث ٥.

(٣) المختلف : ص ٥٠ ، س ٢٨ ، باب التيمّم.

(٤) المختلف : ص ٥٠ ، س ٢٨ ، باب التيمّم.

٢٠٤

وفي عدد الضربات أقوال. أجودها للوضوء ضربة وللغسل اثنتان.

والواجب فيه النيّة : واستدامة حكمها ، والترتيب. يبدأ بمسح الجبهة ، ثمَّ بظاهر اليمنى ، ثمَّ بظاهر اليسرى.

______________________________________________________

(د) : قال أبو علي : إذا حصل الصعيد براحتيه ، مسح بيمينه وجهه ، ومهما وصلت إليه اليد من الوجه أجزأه ، من غير أن يدع جبينه وموضع سجوده (١). وهذا يدلّ على وجوب مسح غير الجبهة (٢).

وأيضا يدلّ على جواز المسح باليمين وحدها.

والأقرب : وجوب المسح باليدين معا ، لما رواه الشيخ في الموثّق عن زرارة قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التيمّم؟ فضرب بيديه الأرض ، ثمَّ رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح بهما جبهته وكفيه مرّة واحدة (٣).

قال طاب ثراه : وفي عدد الضربات أقوال.

أقول : في المسألة ثلاثة أقوال.

(ألف) إجزاء الضربة الواحدة في الجميع. أعني فيما كان بدلا عن الوضوء ، وما كان بدلا عن الغسل. وهو مذهب السيد (٤) وبه قال القديمان (٥) (٦).

احتجّوا : بصحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام) ، وقد ذكر التيمّم وما صنع عمّار. فوضع أبو جعفر (عليه السلام) كفيه على الأرض ، ثمَّ مسح بهما وجهه وكفّيه ، ولم

__________________

(١) منقول عن المختلف ، ص ٥٠ ، س ٢٨ ـ ٣١ ، باب التيمّم ،

(٢) منقول عن المختلف ، ص ٥٠ ، س ٢٨ ـ ٣١ ، باب التيمّم ،

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٧ ، باب ٩ ، صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، حديث ٤.

(٤) نقله عنه في المعتبر : كتاب الطهارة ، في كيفية التيمّم ، ص ١٠٧ ، س ٢٠ ، قال : «وقال علم الهدى : ضربة واحدة فيهما».

(٥) اي الحسن بن أبي عقيل العماني ، وأبو علي أحمد بن الجنيد الإسكافي.

(٦) قال في المختلف : في الفصل الثالث في كيفية التيمم ، ص ٥٠ ، س ٣٦ ، «وقال السيد المرتضى : الواجب ضربة واحدة في الجميع ، وهو اختيار ابن الجنيد وابن أبي عقيل».

٢٠٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يمسح الذراعين بشي‌ء (١) ، وتيمّم عمّار كان عن غسل ، وبأن الثابت في الذمّة بيقين هو الواحدة ، والزائد منفيّ بالبراءة الأصليّة.

وأجيب عن الأوّل : بأنّه (عليه السلام) بيّن كيفيّة التيمّم وصفة مسحه ، وحدّ أعضاءه. ويدلّ عليه سياقة الكلام من قوله (عليه السلام) : «ولم يمسح الذراعين بشي‌ء». وإذا سبق الكلام لهذا وجب بيانه خاصة. وأهمل عدد الضربات فيه. وليس في الحديث أنّه (عليه السلام) اقتصر على ضربة واحدة ، أو ضرب ضربتين.

وأيضا فلا دلالة فيه على أنّ التيمّم الذي وصفه بدل من الوضوء أو الغسل ، وذكر قصّة عمّار لا يدلّ على إرادة بيان بدل الغسل ، لاحتمال ذكر القضيّة ، ثمَّ سئل (عليه السلام) عن كيفيّة التيمّم مطلقا ، أو عن كيفيّة التيمّم الّذي هو بدل عن الوضوء.

وعن الثاني : أنّ الأصل يصار عنه للدليل ، وهو الأحاديث الدالّة على خلافه.

(ب) : وجوب الضربتين مطلقا. أى : فيما كان بدلا عن الوضوء ، وما كان بدلا عن الغسل ، ضربة للوجه ، والأخرى لليدين. وهو مذهب الفقيه (٢). متمسّكا بصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : كيف التيمّم؟ قال : هو ضرب واحد للوضوء والغسل من الجنابة. تضرب بيديك مرّتين ، ثمَّ تنفضهما ، مرّة للوجه ومرّة لليدين (٣).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٨ ، باب ٩ صفة التيمم واحكام المحدثين منه ، حديث ٦.

(٢) قال في المختلف : في الفصل الثالث في كيفية التيمم ، ص ٥٠ ، س ٣٧ : «وقال علي بن بابويه : يجب ضربتان في الجميع ، ضربة للوجه وضربة لليدين ، ولم يفصل الغسل من الوضوء».

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢١٠ ، باب صفة التيمم واحكام المحدثين منه ، حديث ١٤ ، وفيه «نفضة للوجه».

٢٠٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأجيب باحتمال كون قوله (عليه السلام) : (هو ضرب واحد للوضوء) كلام تام ، وأشار به إلى وحدة الضرب في الوضوء. ثمَّ ابتدأ فقال : (والغسل من الجنابة تضرب بيديك مرّتين).

(ج) : التفصيل : وهو الاكتفاء بالضربة الواحدة في الوضوء دون الغسل. وهو مذهب الشيخين (١) ، والصدوق (٢) ، وسلّار (٣) ، وابن إدريس (٤) ، واختاره المصنّف (٥) ، والعلّامة (٦).

__________________

(١) أي : الشيخ المفيد في المقنعة : باب صفة التيمم ، ص ٨ ، س ٢٦ ، قال : وان كان المحدث جنبا الى آخره. والشيخ الطوسي في النهاية : كتاب الطهارة باب التيمم واحكامه ، ص ٤٩ ، س ٢٠. قال : «فان كان بدلا من الغسل ضرب بيده على الأرض مرتين». الى آخره.

(٢) قال في الفقيه : ج ١ ، ص ٥٧ ، باب ٢١ ، التيمم ، ذيل حديث ٢ : «فاذا تيمم الرجل للوضوء : ضرب يديه على الأرض مرة واحدة ، الى ان قال : وإذا كان التيمم للجنابة. ضرب يديه على الأرض مرة واحدة ثمَّ نفضهما ومسح بهما جبينيه وحاجبيه ، ثمَّ ضرب يديه على الأرض مرة أخرى» الى آخره ، هذا ولكن في المقنع والهداية اكتفى بمرة واحدة ، ولم يفصّل. راجع المقنع : باب التيمم ، ص ٩ ، س ٤ ، والهداية ١٤ ، باب التيمم ، ص ١٨ ، س ١٦.

(٣) المراسم : ذكر كيفية التيمم ، ص ٥٤ ، س ٧ ، قال : «التيمم على ضربين ، أحدهما من جنابة والآخر من حدث يوجب الوضوء».

(٤) السرائر : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٢٦ ، س ١٥ ، قال : «وإذا كان تيمّمه من حدث يوجب الغسل كالجنابة الى ان قال س ١٦ : ثمَّ ضرب بيديه الأرض ثانية» الى آخره.

(٥) المعتبر : كتاب الطهارة ، في كيفية التيمم ، ص ١٠٧ ، س ١٨ ، قال : «مسألة : وفي عدد الضربات أقوال : قال الشيخان في المبسوط والنهاية والمقنعة : ضربة للوضوء وضربتان للغسل وهو أجودها».

(٦) التحرير : كتاب الطهارة ، الفصل الثالث في الكيفية ص ٢٢ ، س ٨ ، قال : (و) التيمّم ان كان بدلا من الوضوء اكتفى فيه بالضربة الواحدة للوجه واليدين. وان كان بدلا من الغسل ضرب ضربة للوجه وأخرى لليدين على أظهر الأقوال».

٢٠٧

.................................................................................................

______________________________________________________

احتجّوا على الوحدة في الوضوء : بما رواه في الموثّق ، زرارة عن الباقر (عليه السلام) في التيمّم؟ قال : تضرب بكفّيك الأرض ، ثمَّ تنفضهما ، وتمسح وجهك ويديك (١).

وفي الحسن عن عمرو بن أبي المقدام ، عن الصادق (عليه السلام) : أنّه وصف التيمّم ، فضرب بيديه على الأرض ، ثمَّ رفعهما فنفضهما ، ثمَّ مسح على جبينه وكفّيه مرّة واحدة. (٢)

وعلى التعدّد في الغسل : بما رواه إسماعيل بن همّام الكندي (في الحسن) عن الرضا (عليه السلام) قال : التيمّم ضربة للوجه وضربة للكفين (٣).

فان قيل : هذه الأحاديث المذكورة في الموضعين غير دالة على المطلوب ، لإطلاقها ، وعدم الإشعار فيها ببدليّة الوضوء أو الغسل.

أجيب : باستحالة تناقض الأخبار الواردة عن الأئمّة الأطهار. فلا يمكن إهمالها ولا العمل بها على عمومها. فلا بدّ وأن يخصّص كلّ واحد بصورة لا يشركه فيها الحكم الآخر ، فينزل على ما قلناه. إذ لا يمكن صرف الكثرة إلى ما هو بدل عن الوضوء ، لمناسبة الاستيعاب في الغسل كثرة الضربات ، وعدم استيعابه في الوضوء يناسب وحدتها ، ولأنّهما حدثان مختلفان في المبدل ، فيختلفان في البدل (٤). وهو اختيار فخر المحقّقين (٥).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢١٢ ، باب ٩ ، صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه ، حديث ١٨.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢١٢ ، باب ٩ ، صفة التيمم واحكام المحدثين منه ، حديث ١٧ ، وفيه : «عن عمرو بن أبي المقدّم».

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ٢١٠ ، باب ٩ ، صفة التيمم واحكام المحدثين منه ، حديث ١٢.

(٤) من قوله (فان قيل) الى هنا ، كلام العلّامة قدّس سرّه في المختلف. راجع المختلف الفصل الثالث في كيفية التيمّم ، ص ٥١ ، س ٣. مع اختلاف في بعض ألفاظ الكتاب.

(٥) اي التفصيل في الضربة والضربتين. ثمَّ لا يخفى انه لم نجد من الفخر قدّس سرّه تصريحا بالتفصيل ،

٢٠٨

الرابع

في أحكامه

وهي ثمانية :

الأوّل : لا يعيد ما صلّى بتيمّمه. ولو تعمّد الجنابة لم يجزئ التيمّم ما لم يخف التلف. فإن خشي فتيمّم وصلّى ، ففي الإعادة تردّد أشبهه انّه لا يعيد.

______________________________________________________

والشهيد طاب ثراهما (١).

قال طاب ثراه : فإن خشي فتيمّم وصلّى ففي الإعادة تردّد.

أقول : من أجنب عامدا وخشي على نفسه من استعمال الماء ، فتيمّم وصلّى ، هل يعيد صلاته أم لا؟ فيه ثلاثة أقوال :

(ألف) : عدم جواز التيمّم وإن خاف على نفسه ، ويلزمه بطلان الصلاة ، وعدم الاعتداد بها. وهو قول المفيد (٢).

احتجّ برواية علي بن أحمد رفعه عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن مجدور أصابته جنابة؟ قال : إن كان أجنب هو فليغتسل ، وان كان احتلم تيمّم (٣).

(ب) : جواز التيمّم مع خوف التلف والصلاة به ، ثمَّ الإعادة بعد الغسل ، وهو

__________________

ولعلّه لما لم يعلق على كلام والده في القواعد تعليقا ، يشعر ذلك على رضاه ومطابقته له مع الفتوى.

(١) قال في اللمعة : ص ٢٦ ، في الفصل الثالث من كتاب الطهارة ، في التيمم : «والضرب على الأرض بيديه معا ، مرة للوضوء ومرتين للغسل». الى آخره.

(٢) قال في المقنعة : باب التيمم واحكامه ، ص ٨ ، س ١٣ : «وإن أجنب نفسه مختارا وجب عليه الغسل ، وإن خاف منه على نفسه ، ولم يجزه التيمّم ، بذلك جاء الأثر عن أئمة آل محمد (عليهم السلام)».

(٣) الكافي : ج ٣ ، ص ٦٨ ، كتاب الطهارة ، باب الكسير والمجدور ومن به الجراحات وتصيبهم الجنابة حديث ٣. وفيه : «فليتيمّم».

٢٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قول الشيخ رحمه الله (١).

احتج : برواية جعفر بن بشير ، عن عبد الله بن سنان ، أو غيره عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في ليلة باردة ، يخاف على نفسه التلف إن اغتسل؟ قال : يتيمّم ، فإذا أمن البرد اغتسل وأعاد الصلاة (٢).

وبأنّه مفرط بتعمّد الجنابة ، فيعيد ما فعله.

وأجيب عن الأوّل : بضعف الحديث لجهالة الراوي.

وعن الثاني : أنّ التفريط لا يوجب الإعادة ، كالحدث الأصغر.

(ج) : صحّة التيمّم ، وعدم الإعادة ، وهو قول ابن إدريس (٣) واختاره المصنّف (٤) والعلّامة (٥).

ويدل على الأوّل : قوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٦) ، وما رواه ابن بابويه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : إنّ فلانا أصابته جنابة وهو مجدور ، فغسّلوه فمات!؟ فقال : قتلوه ، ألا سألوا ، ألا يمّموه ، إنّ شفاء العيّ السؤال (٧).

__________________

(١) النهاية : باب التيمم واحكامه ، ص ٤٦ ، س ١٣ ، قال : «فان كان غسله من الجنابة التي تعمّدها ، الى ان قال : فاذا زال الخوف وجب عليه الغسل وإعادة تلك الصلاة».

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ١٩٦ ، باب ٨ التيمم واحكامه ، حديث ٤٢.

(٣) السرائر : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٢٧ ، س ١٧ ، قال : «وليس على جميع من صلى بتيمم إعادة شي‌ء من صلاته» الى آخره.

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، الفصل الرابع في أحكامه ، ص ١١٠ ، س ٢١ ، قال : «والوجه عندي انه لا إعادة» الى آخره.

(٥) المختلف : كتاب الطهارة ، الفصل الرابع في أحكامه ، ص ٥٢ ، س ٦ ، قال : «واختار ابن إدريس عدم الإعادة وهو الوجه عندي».

(٦) سورة الحج : ٧٨.

(٧) الفقيه : ج ١ ، ص ٥٩ ، باب ٢١ ، التيمم حديث ٨.

٢١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

فأطلق (عليه السلام) جواز التيمّم من غير تفصيل.

وروى أنّ أبا ذر أتى النبي (صلّى الله عليه وآله) ، فقال : يا رسول الله هلكت ، جامعت على غير ماء قال : فأمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بمحمل وبماء فاستترنا به ، واغتسلت أنا وهي. ثمَّ قال : يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين (١).

وعلى الثاني : انّها صلاة وقعت على الوجه المأمور به شرعا ، فيخرج فاعلها عن العهدة ، لما ثبت في موضعه ، ولما رواه العيص في الصحيح قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يأتي الماء وهو جنب وقد صلّى؟ قال : يغتسل ولا يعيد الصلاة (٢).

«تنبيهان»

(ألف) : ينبغي أن يقيّد الحكم على القول بعدم الإعادة ، على إباحة الجنابة. أما لو كانت جنابته عن حرام ، مع علمه عدم تمكّنه من الغسل ، إمّا بعدم الماء ، أو بالعجز عن استعماله ، فإنّه يجب عليه التيمّم والإعادة ، كمن بدّد الماء بعد دخول الوقت.

(ب) : الفرق بين قولي الشيخين ، عدم الحكم بصحّة الصلاة ، على قول المفيد ، ووجوب القضاء. لعدم فعل ما وجب بالأصل. وعند الشيخ يجب الصلاة والقضاء عند التمكّن بعد ذلك.

وتظهر الفائدة في مسائل :

(ألف) : تحريم فعل الصلاة عليه على قول المفيد ، لاشتراطها بالطّهارة.

__________________

(١) الفقيه : ج ١ ، ص ٥٩ ، باب ٢١ ، التيمم حديث ١١.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ١٩٧ ، باب ٨ التيمم واحكامه ، حديث ٤٣.

٢١١

وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزّحام يوم الجمعة ، تيمّم وصلّى ، وفي الإعادة قولان : الأجود الإعادة.

الثاني : يجب على من فقد الماء الطلب في الحزنة غلوة سهم ، وفي السهلة غلوة سهمين.

فإن أخلّ فتيمّم وصلّى ثمَّ وجد الماء ، تطهّر وأعاد.

الثالث : لو وجد الماء قبل شروعه تطهّر إجماعا ، ولو كان بعد فراغه فلا إعادة.

______________________________________________________

وجوازها ، بل وجوبها على قول الشيخ.

(ب) : الحكم بمشروعيّة الصلاة في الحال ، فيستحقّ منذور الصدقة للمصلّين على الثاني ، لا الأوّل.

(ج) : لو مات قبل التمكّن من القضاء ، لم يجب على قول الشيخ ، لأنّه إنما يجب بأمر جديد ، وهو التمكّن ولم يحصل ، ويجب على قول المفيد.

(د) : مشروعيّة هذا التيمّم على قول الشيخ ، فيستبيح به ما يستبيح بالتيمّم. وبطلانه وما يترتّب عليه على قول المفيد.

قال طاب ثراه : وكذا من (١) منعه الزحام الجمعة.

أقول : من أحدث في الجامع ومنعه الزّحام فلم يتمكّن من الخروج بسببه ، فتيمّم في المسجد وصلّى. هل تصحّ هذه الصلاة ، ويخرج عن العهدة بها ، أو يجب قضائها؟ فيه قولان :

أحدهما : الصحّة ، وهو مذهب المصنّف (٢) ، والعلّامة (٣) ، لأنّه صلّى ما أمر به ،

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في المتن : «وكذا من أحدث في الجامع ومنعه الزحام يوم الجمعة» فراجع.

(٢) المعتبر : في التيمم ، ص ١١٠ ، س ٢٤ ، قال : «المسألة الثانية : من أحدث في الجامع يوم الجمعة ومنعه الزحام عن الخروج تيمم وصلّى الى قوله س ٢٥ : «فيجزيه التيمم».

(٣) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥٢ ، س ٢٥ ، قال : والأقوى عندي عدم الإعادة».

٢١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيخرج عن العهدة. ولأنّه فعل أحد الطهورين ، فيسقط عنه الوجوب ، لصحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) وقد سأله عن رجل أجنب وتيمّم بالصعيد وصلّى ثمَّ وجد الماء؟ فقال : لا يعيد ، إنّ ربّ الماء هو ربّ الصعيد ، فقد فعل أحد الطهورين (١).

والآخر : الإعادة إذا وجد الماء ، قاله الشيخ (٢) ، وأبو علي (٣) ، لرواية السكوني عن جعفر ، عن أبيه ، عن على (عليهما السلام) ، أنه سئل عن رجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة ، ولا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة النّاس؟

قال : يتيمّم ويصلّى معهم ، ويعيد إذا انصرف (٤). ولأنّه تيمّم مع وجود الماء ، فلا يكون مجزيا.

وأجيب عن الأوّل : بضعف السند ، قال الصدوق : ولا أعمل بما ينفرد به السكوني (٥).

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ١٩٧ ، باب ٨ التيمّم وأحكامه ، حديث ٤٥.

(٢) النهاية : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٤٧ ، س ٣ ، قال : «وإذا حصل الإنسان يوم الجمعة في المسجد الجامع الى ان قال : فليتيمّم وليصل ، فاذا انصرف توضأ وأعاد الصلاة».

(٣) المعتبر : في أحكام التيمم ، ص ١١٠ ، س ٢٦ ، قال : «وقال الشيخ في الخلاف والمبسوط : يعيد ، وكذا قال ابن الجنيد».

(٤) التهذيب : ج ١ ، ص ١٨٥ ، باب ٨ التيمّم وأحكامه ، حديث ٨.

(٥) الفقيه : ج ٤ ، ص ٢٤٩ ، باب ١٧٤ ، ميراث المجوس ، ذيل حديث ١ ، قال : «ولا افتي بما ينفرد السكوني بروايته. ولا يخفى ان المحقق قدس سره أيضا في موارد متعددة من نكت النهاية ، قال : بعدم العمل والفتوى بما ينفرد به السكوني». لاحظ كتاب التجارة من نكت النهاية ، ص ٣٩٦ ، س ٣٣ ، قال : والسكوني عامي لا يعمل بما ينفرد به». وأيضا في كتاب الديات منه ، ص ٤٦٠ ، س ٣٥ ، قال : والسكوني ضعيف ، وفي العمل بما ينفرد به توقف ، الى غير ذلك من الموارد التي يجدها المتتبع ، ومع ذلك قال في تنقيح المقال : ج ١ ، تحت رقم ٧٧٤ ، ص ١٢٧ نقلا عن المحقق : انه من ثقات الرواة».

٢١٣

ولو كان في أثناء الصلاة فقولان : أصحّهما البناء ولو كان على تكبيرة الإحرام.

______________________________________________________

وعن الثاني : أن المراد بالوجود : التمكّن من استعماله ، وهو غير موجود في صورة النزاع.

واعلم : أنه لو كان المانع من الطهارة خوف فوات الجمعة مع التمكّن من الخروج من الجامع ، لسهولة الزحام وضيق الوقت ، لم يجز التيمّم إجماعا.

قال طاب ثراه : ولو كان في أثناء الصلاة فقولان.

أقول : هنا أربعة أقوال :

(ألف) : عدم الرجوع بعد التلبّس بالتكبير. وهو اختيار المفيد (١) ، والسيد (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وأحد قولي الشيخ (٤) ، واختاره المصنّف (٥) ، والعلّامة (٦) ، لأنّه دخل في الصلاة دخولا مشروعا ، فيجب إكماله ، ويحرم إبطاله ، لقوله تعالى (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٧).

__________________

(١) المقنعة : باب صفة التيمم ، ص ٨ ، س ١٧ ، قال : ومن قام إلى صلاة بتيمم لقصد الماء ثمَّ وجده بعد قيامه فيها ، فإنه ان كان كبّر تكبيرة الإحرام ، فليس عليه الانصراف من الصلاة. الى آخره

(٢) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥١ ، س ٢٩ ، قال : «وهو (اى عدم جواز الرجوع بعد التكبير) اختيار المفيد والسيد المرتضى رحمه الله في مسائل خلافه».

(٣) السرائر : باب التيمّم واحكامه ، ص ٢٧ ، س ٤ ، قال : «والصحيح من الأقوال : انه إذا دخل في صلاته بتكبيرة الإحرام مضى فيها» الى آخره.

(٤) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، فصل في ذكر التيمّم وأحكامه ، ص ٣٣ ، س ١٢ ، قال : «وان وجده وقد دخل في الصلاة بتكبيرة الإحرام مضى في صلاته» الى آخره.

(٥) الشرائع : ج ١ ، ص ٥٠ ، كتاب الطهارة ، الطرف الرابع في أحكامه ، قال : «وقيل : يمضي في صلاته ولو تلبّس بتكبيرة الإحرام حسب وهو الأظهر».

(٦) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥١ ، س ٣٣ ، قال : «والوجه عندي ما قاله المفيد والسيد.

(٧) سورة محمد : ٣٣.

٢١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ولما رواه محمد بن حمران عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قلت له : رجل تيمّم ثمَّ دخل في الصلاة ، وقد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ، ثمَّ يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة؟ قال : يمضي في الصلاة. واعلم انّه لا ينبغي لأحد أن يتيمّم إلّا في آخر الوقت (١).

(ب) : رجوعه ما لم تقرأ. قاله سلّار (٢).

(ج) : رجوعه ما لم يركع ، قاله الشيخ في النهاية (٣) ، وبه قال الصدوق (٤) ، والحسن (٥). لما رواه عبد الله بن عاصم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل لا يجد الماء فيتيمّم ويقوم في الصلاة ، فجاء الغلام فقال : هو ذا الماء؟ فقال : إن لم يركع انصرف وتوضّأ. وان كان قد ركع فليمض في صلاته (٦).

وأجيب : بحمله على الاستحباب ، أو الدخول في أوّل الوقت. وجاز أن يريد بقوله :

(ما لم يركع) ما لم يصلّ ، أي يدخل في الصلاة ، لإطلاق اسم الركوع على الصلاة ، كما في قوله تعالى (وَارْكَعُوا مَعَ الرّاكِعِينَ) (٧). وساغ ذلك مجازا ، من باب إطلاق اسم الجزء على الكل.

__________________

(١) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٣ ، باب ٨ التيمّم وأحكامه ، حديث ٦٤.

(٢) المراسم : ذكر كيفية التيمم وما ينقضه ، ص ٥٤ ، س ١٦ ، قال : «الا ان يجده وقد دخل في صلاته وقرأ».

(٣) النهاية : باب التيمم واحكامه ، ص ٤٨ ، س ١١ ، قال : «فان وجد الماء وقد دخل في الصلاة وركع لم يجب عليه الانصراف».

(٤) المقنع : باب التيمّم ، ص ٩ ، س ٢ ، قال : «فان ركعت فامض».

(٥) المختلف : في أحكام التيمّم ، ص ٥١ ، س ٢٨ ، قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : «وهو اختيار ابن أبي عقيل».

(٦) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٤ ، باب ٨ التيمم واحكامه ، حديث ٦٥ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

(٧) سورة البقرة : ٤٣.

٢١٥

الرابع : لو تيمّم الجنب ثمَّ أحدث ما يوجب الوضوء ، أعاد بدلا من الغسل.

الخامس : لا ينقض التيمّم إلّا ما ينقض الطهارة المائيّة ، ووجود الماء مع التمكّن من استعماله.

السادس : يجوز التيمّم لصلاة الجنازة مع وجود الماء ندبا.

السابع : إذا اجتمع ميّت ومحدث وجنب ، وهناك ماء يكفي أحدهم ، تيمّم المحدث.

______________________________________________________

(د) : الرجوع ما لم يركع في الثانية ، قاله : أبو علي (١) لما رواه زرارة ، ومحمد بن مسلم في الصحيح قال : قلت : في رجل لم يصب الماء وحضرت الصلاة ، فيتيمّم ويصلّى ركعتين ، ثمَّ أصاب الماء ، أينقض الركعتين أو يقطعهما ويتوضّأ ثمَّ يصلّي؟

قال : لا ، ولكنّه يمضي في صلاته ولا ينقضهما ، لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمّم ، قال زرارة : قلت له : دخلها وهو متيمّم فصلّى ركعة واحدة فأصاب ماء؟

قال : يخرج ويتوضّأ ويبني على ما مضى من صلاته التي صلّى بالتيمّم (٢). وحملها العلّامة على من دخل في أول الوقت (٣).

قال طاب ثراه : لو أحدث المجنب ما يوجب الوضوء ، أعاد بدلا من الغسل (٤).

أقول : يريد أنّ المتيمّم إذا كان تيمّمه بدلا عن الغسل ، ثمَّ أحدث حدثا أصغر ،

__________________

(١) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥١ ، س ٣١ ، قال : «وقال ابن الجنيد : ان وجد الماء بعد دخوله في الصلاة ، قطع ما لم يركع الركعة الثانية» الى آخره.

(٢) التهذيب : ج ١ ، ص ٢٠٥ ، باب ٨ ، التيمم واحكامه ، حديث ٦٩ ، مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ.

(٣) المختلف : في أحكام التيمم ، ص ٥٢ ، س ٣ ، قال : «وعن الثاني (أي حديث زرارة ومحمد بن مسلم) أنه محمول على من صلى في أول الوقت أيضا».

(٤) هكذا في الأصل : ولكن في المتن لو تيمّم الجنب ثمَّ أحدث ما يوجب الوضوء أعاد بدلا من الغسل.

٢١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنّه يعيد التيمّم بدلا من الغسل ، وذلك لأن التيمّم لا يرفع الحدث ، وانّما فائدته إباحة الصلاة ، والاستباحة قد زالت بوجود الناقض ، فيرجع إلى أصل الحدث الذي كان تيمّمه بدلا منه. وهذا هو المشهور بين الأصحاب.

وذهب السيّد رحمه الله إلى انّه يعيد التيمم بدلا من الوضوء ، لأنّ التيمّم يرفع الحدث عنده ، فلمّا تيمّم أوّلا بدلا من الغسل ارتفع حدثه بذلك التيمّم ، والحدث المتجدّد حدث أصغر ، فيتيمّم بدلا منه.

فان قلت : لا مشاحة في ذلك عند السيد ، لأنّه يوجب ضربة واحدة ، للغسل كان التيمّم أو للوضوء ، فلا فرق بين أن يعيد بدلا من الغسل أو الوضوء.

قلت : بل تظهر الفائدة في كون التيمّم الثاني بدلا من الغسل أو الوضوء في مواضع :

(ألف) : النيّة ، فعلى قول السيد ينوي بدليّة الوضوء ، وعلى المشهور ينوي بدليّة الغسل.

(ب) : لو وجد هذا المحدث من الماء ما يكفيه للوضوء خاصة ، توضّأ به عنده ، لارتفاع حدثه بالتيمّم الأوّل ، والحدث الثّاني يوجب الوضوء وقد حصل من الماء ما يكفيه. وعلى المشهور تيمّم بدلا من الغسل ، لبقاء الحدث الأكبر بحاله ، فالواجب الغسل ، والتقدير أنّ هذا الماء لا يكفيه ، والطهارة لا يتبعّض.

(ج) : لو كان الحدث الأوّل أكبر ، وهو ممّا يوجب الطهارتين ، كالمسّ. فعندنا يجب طهارتان بنيّتين وثلاث ضربات. وعنده يكفيه تيمّم واحد بنيّة واحدة بدلا من الوضوء.

(د) : دخوله في حكم المحدثين حدثا أصغر عنده ، ويخرج عن حكم من عليه الحدث الأكبر ، فيباح له دخول المسجد وقراءة العزيمة قبل التيمّم الثاني ، ويستحقّ منذور الصدقة على من ليس بمحدث عنده ، لا عندنا.

٢١٧

وهل يخصّ به الميّت أو الجنب فيه روايتان أشهرهما أن يخصّ به الجنب.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وهل يخصّ به الجنب (١) أو الميّت؟ فيه روايتان.

أقول : إذا اجتمع ميّت ومحدث وجنب ، وهناك من الماء ما يكفي أحدهم ، بحيث لا يفضل بعد استعماله منه ما يكفي آخر. فان كان الماء ملكا لأحدهم ، اختصّ به. ولا يجوز أن يهبه لغيره ، ولو فعل وكان ذلك بعد دخول الوقت ، قضى الصلاة الواقعة بتيمّمه ، لتفريطه. وان كان لهم جميعا اختصّ كل واحد بحصّته.

فاذا لم يكفه ، أو كان مباحا ولم يحزه أحدهم بعد. أو مع مالك يسمح ببذله لهم. أو أوصى لأحق الناس به. فالمشهور أنّ لنا فيه قولين :

(ألف) : اختصاص الجنب به ، لكثرة آثار الطهارة في حقّه ، فإنّه يستبيح بها الصلاة ، وقراءة العزيمة ، ودخول المسجد. والميّت خرج بالموت عن التحاق الأحكام ، وإنّما يستباح بها الصلاة عليه وهي تحصل بتيمّمه أيضا ، والمحدث حدثه خفيف ، إذ لا يمنعه من دخول المسجد وقراءة العزيمة. وهو اختيار الشيخ في النهاية (٢) لصحيحة عبد الرحمن بن أبي نجران انّه سأل أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن ثلاثة نفر كانوا في سفر ، أحدهم جنب والثاني ميّت والثالث على غير وضوء ، وحضرت الصلاة ، ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم ، من يأخذ الماء؟ وكيف يصنعون؟ قال : يغتسل الجنب ، ويدفن الميّت بتيمّم ، ويتيمّم الذي هو على غير وضوء. لانّ الغسل من الجنابة فريضة ، وغسل الميّت سنّة ، والتيمّم للآخر جائز (٣).

(ب) : التخيير في الاستعمال لكلّ واحد واحد. لأنّها فروض اجتمعت وليس

__________________

(١) هكذا في الأصل ولكن في المتن «وهل يخص به الميّت أو الجنب» فراجع.

(٢) النهاية : كتاب الطهارة ، باب التيمم واحكامه ، ص ٥٠ ، س ١٧ قال : «وإذا اجتمع ميت ومحدث وجنب ، الى ان قال : فليغتسل الجنب وليتيمّم المحدث ويدفن الميّت بعد أن ييمم» الى آخره.

(٣) الفقيه : ج ١ ، ص ٥٩ ، باب ٢١ التيمم ، حديث ١٢.

٢١٨

الثامن : روي فيمن صلّى بتيمّم فأحدث في الصلاة ووجد الماء ، قطع وتطهّر وأتم. ونزّلها الشيخان على النسيان.

______________________________________________________

بعضها أولى ببعض فتعيّن التخيير ، وهو قول الشيخ في المبسوط (١).

ونقل العلّامة في التحرير قولا ثالثا : وهو اختصاص الميّت ، ووجهه أنه آخر أغساله من الدنيا ، فيعطى غسلا اختياريّا (٢) ، ولأنّ المراد من تغسيل الميّت إنّما هو إزالة الأوساخ والأدران ، وهذا المعنى لا يحصل من التيمّم ، وهو مذهب الشافعي.

وفي رواية محمّد بن علي ، عن بعض أصحابنا ، قلت : الميّت والجنب يتّفقان في مكان واحد ، ولا يكون الماء إلّا بقدر كفاية أحدهما ، أيّهما أولى؟ قال : تيمّم الجنب ويغسّل الميت بالماء (٣).

وهي مقطوعة مرسلة ، والأولى متّصلة ، والقائل بها أكثر ، فيكون أرجح.

قال المصنّف : وما ذكره الشيخ ليس موضع البحث ، فانّا لا نخالف أنّ لهم الخيرة ، لكن البحث في من الأولى ، أولوية لا يبلغ اللزوم ، ولا ينافي التخيير (٤) واعلم : ان المنازعة في الأفضليّة ، لا على الوجوب ، فلو يغلب المرجوح أساء وصحّت طهارته إلّا في الموصى به ، فيبطل لعدم الإذن من المالك.

قال طاب ثراه : الثامن : روي فيمن صلّى بتيمّم فأحدث في صلاته ، ثمَّ وجد الماء ، قطع وتطهّر وأتم. ونزّلها الشيخان على النسيان.

أقول : في المسألة ثلاثة أقوال :

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، كتاب الطهارة ، فصل في ذكر التيمم واحكامه ، ص ٣٤ ، س ٤ ، قال : «إذا اجتمع جنب وحائض وميت ، الى ان قال س ٥ : كانوا مخيرين في استعمال من شاء منهم».

(٢) التحرير : كتاب الطهارة ، الفصل الرابع في أحكام التيمم ، ص ٢٢ ، س ٣٤ ، قال : «ولو كان (اي الميت) وفق المحدث فهو أولى ، لاستفادته كمال الطهارة» الى آخره.

(٣) التهذيب : ج ١ ، ص ١١٠ ، باب ٥ الأغسال المفترضات والمسنونات ، حديث ٢٠.

(٤) المعتبر : كتاب الطهارة ، ص ١١٢ ، س ٢٥.

٢١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألف) : قال الحسن : من تيمّم وصلّى ثمَّ أحدث فأصاب ماء ، خرج وتوضّأ ، ثمَّ بنى على ما مضى من صلاته التي صلّاها بالتيمّم ، ما لم يتكلّم ويتحوّل عن القبلة (١).

وهو أعم من حصول الحدث على جهة النسيان أو التعمّد.

(ب) : قال المفيد : المتيمّم إذا دخل في الصلاة ، فأحدث ما ينقض الوضوء من غير تعمّد ، ووجد الماء ، كان عليه أن يتطهّر بالماء ويبني على ما مضى من صلاته ، ما لم ينحرف عن القبلة إلى استدبارها أو يتكلّم عامدا بما ليس من الصلاة. فإن أحدث ذلك متعمّدا كان عليه أن يستأنف الصلاة من أوّلها ، ولم يجزه ما تقدّم منها (٢) وبمثله قال الشيخ : في النهاية (٣) (إلّا إنّه لم يفرض وجود الماء ، وأجاز البناء على ما انتهى إليه من صلاته ، لكنّه مراد له ، لأنّ الحدث مبطل ، لا طهارة مطلقا ، وقد صرّح به في كتبه). (٤)

(ج) : منع ابن إدريس من البناء في الصورتين ، وأوجب الاستيناف (٥) وهو

__________________

(١) المختلف : احكام التيمم ، ص ٥٣ ، س ١ ، قال : «قال ابن أبي عقيل من تيمّم وصلى ثمَّ أحدث» الى آخره.

(٢) المقنعة : باب التيمم واحكامه ، ص ٨ ، س ١٨ ، قال : «ولو ان متيمّما دخل في الصلاة». الى آخره

(٣) النهاية : ص ٤٨ ، س ١٥ ، باب التيمم واحكامه ، قال : «فإن أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة ناسيا ، وجب عليه الطهارة والبناء». الى آخره.

(٤) بين القوسين موجود في بعض النسخ المخطوطة التي عندنا دون بعض.

(٥) السرائر : باب التيمم وأحكامه ، ص ٢٧ ، س ١٩ ، قال : «وقد روي ان المتيمم إذا أحدث في الصلاة حدثا ينقض الطهارة ناسيا وجب عليه الطهارة والبناء» ، إلى أن قال س ٢٠ : «والصحيح ترك العمل بهذه الرواية» الى آخره.

٢٢٠