المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

فيتربّع في حال قراءته ، ويثنى رجليه في حال ركوعه ، ويتورّك في حال تشهّده.

والفرق بين التورّك وثني الرجلين ، كون التورّك أن يجلس على وركه الأيسر. وثني الرجلين أن يكون كالمقعى ولا بد أن يرفع دبره عن عقبيه ويجافي فخذيه عن ظبّة ركبتيه ، ويتنحّى قدر ما يحاذي وجهه بإقدام ركبتيه وموضع سجوده أفضل.

وهذا التفصيل هو قول الشيخ في المبسوط (١) ومستنده رواية حمران بن أعين عن أحدهما (عليهما السّلام) قال : كان أبي (عليه السّلام) إذا صلّى جالسا تربّع فاذا ركع ثنى رجليه (٢).

ومثلها رواية محمد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن رجل يكسل أو يضعف فيصلّي التطوّع جالسا؟ قال يضعّف ركعتين بركعة ويتربّع في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه (٣).

وقال المصنّف في المعتبر : وقيل : لا يثني رجليه إلّا حالة السجود ، لأنّ هيئة الرّجلين لا تختلف في حال القيام والركوع (٤).

اما التورّك حال التشهد ، فانّ الروايات خالية من ذكره ، ولكن الشيخ ذكره

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، ص ١٠٠ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القيام وبيان أحكامه ، س ١٩.

(٢) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٣٨ ، باب ٥٠ ، صلاة المريض والمغمى عليه والضعيف والمبطون والشيخ الكبير وغير ذلك ، حديث ١٧.

(٣) رواه في التهذيب : ج ٢ ، ص ١٦٦ ، باب ٩ ، تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، وما يجوز فيها وما لا يجوز ، حديث ١١٣ ، الى قوله : (يضعّف ركعتين بركعة) وفي سائر كتب الحديث أيضا كذلك. ولكن رواه المحقق في المعتبر كما في المتن بزيادة قوله : «ويتربع في حال قراءته ويثني رجليه في حال ركوعه» لاحظ المعتبر ، كتاب الصلاة ، في مسألة : السواك مستحب أمام صلاة الليل ، ص ١٣٣ ، س ٢٢.

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، ص ١٣٣ ، س ٢٥.

٣٦١

وفي وجوب سورة مع (الحمد) في الفرائض للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلّم قولان : أظهرهما الوجوب.

ولا يقرأ في الفرائض عزيمة ، ولا ما يفوت الوقت بقراءتها ، ويتخيّر المصلّي في كلّ ثالثة ورابعة بين قراءة الحمد والتسبيح. ويجهر من الخمس واجبا ، في الصبح واولي المغرب والعشاء ويسرّ في الباقي ، وأدناه أن يسمع نفسه. ولا تجهر المرأة.

ومن السنن : الجهر بالبسملة في موضع الإخفات من أوّل (الحمد) والسورة ، وترتيل القراءة ، وقراءة سورة بعد (الحمد) في النوافل ، والاقتصار في الظهرين والمغرب على قصار المفصّل ، وفي الصبح على مطوّلاته ، وفي العشاء على متوسّطاته.

______________________________________________________

في المبسوط (١) ، وتبعه المتأخرون (٢) ، فلهذا قال : (قيل) لعدم ظفر بنصّ من الروايات.

والكلام مع الشهيد في موضعين.

(ألف) : إيجاب هذه الكيفيّة ، فإنّ الأصحاب مطبقون أن العاجز يقعد كيف يشاء ، فإيجاب هذه الكيفيّة خلاف الإيجاب.

(ب) : مطالبته بسند التفسير الذي ذكره.

قال طاب ثراه : وفي وجوب سورة مع الحمد للمختار مع سعة الوقت وإمكان التعلّم قولان : أظهرهما الوجوب.

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، ص ١٠٠ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القيام وبيان احكامه ، س ٢٠.

(٢) لعل المراد من قوله : (وتبعه المتأخرون) هو الشهيد قدّس سرّه ، حيث قال في الدروس : ص ٣٤ ، س ١٠ ، «والأفضل التربع قارئا وثني الرجلين راكعا والتورك متشهدا» الى آخره.

٣٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

أقول : هذا اختيار الشيخ في أكثر كتبه (١) ، وبه قال السيد (٢) ، والتقي (٣) ، والحسن (٤) ، وابن إدريس (٥) ، واختاره المصنّف (٦) ، والعلّامة (٧).

وقال في النهاية : يجزي الحمد وحدها (٨) ، وهو مذهب أبي على (٩) ، وأبي يعلى (١٠).

__________________

(١) الخلاف : ص ١٠٥ ، كتاب كيفيّة الصلاة ، مسألة ٨٦ ، والمبسوط : ج ١ ، ص ١٠٧ ، س ٣ ، وجمل العقود : ص ٢٦ ، س ٩.

(٢) الانتصار : مسائل الصلاة ، ص ٤٤ ، قال : «مسألة. ومما انفردت به الإماميّة القول بوجوب قراءة سورة تضم إلى الفاتحة في الفرائض خاصة».

(٣) الكافي في الفقه : ص ١١٧ ، باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس ، قال : «الفرض الثالث يجب مضيّقا في الركعتين الأوليين. الحمد وسورة مع الإمكان».

(٤) المختلف : في القراءة ، ص ٩١ ، س ٢٣ ، قال : «المشهور انّه يجب على المختار قراءة سورة بعد الحمد» إلى ان قال س ٢٤ : «وهو اختيار السيد المرتضى وابن أبي عقيل».

(٥) السرائر : كتاب الصلاة ، باب تفصيل احكام ما تقدّم ذكره في الصلاة من المفروض فيها والمسنون ، وما يجوز فيها وما لا يجوز ، ص ٥٠ ، س ٢٣ ، قال : «والواجب من القراءة ما قدّمناه وهو الحمد وسورة أخرى».

(٦) المعتبر : كتاب الصلاة ، في القراءة وأحكامها ، ص ١٧٣ ، س ٢٤.

(٧) المختلف : في القراءة ، ص ٩١ ، س ٢٣ ، قال : «المشهور انّه يجب على المختار قراءة سورة بعد الحمد».

(٨) النهاية : كتاب الصلاة ، باب القراءة في الصلاة وأحكامها ، ص ٧٥ ، س ٨ ، قال : «فمن صلى بالحمد وحدها متعمدا من غير عذر كانت صلاته ماضية ولم يجب عليه اعادتها غير انه يكون قد ترك الأفضل».

(٩) المختلف : في القراءة ، ص ٩١ ، س ٢٦.

(١٠) المراسم : ذكر كيفية الصلاة ، ص ٦٩ ، قال : «فالواجب. قراءة الفاتحة في الأوليين من كل صلاة».

٣٦٣

وفي ظهري الجمعة بها وبالمنافقين ، وكذا لو صلّى الظهر جمعة على الأظهر. ونوافل النهار إخفات ، والليل جهر. ويستحبّ إسماع الإمام من خلفه قراءته ما لم تبلغ العلو ، وكذا الشهادتين.

______________________________________________________

احتجّ الأولون : بوجوه.

(ألف) : قوله تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (١) والأمر للوجوب ، و (ما) للعموم ، ولا وجوب في غير الصلاة ، فيجب فيها قراءة كلّ ما تيسّر من القران ، خرج ما زاد عن الحمد والسورة بالإجماع ، فيبقى الباقي على أصله عملا بالمقتضي السالم عن معارضة الإجماع.

(ب) : ما رواه منصور بن حازم قال : قال أبو عبد الله (عليه السّلام) : لا تقرأ في المكتوبة بأقل من سورة ولا بأكثر (٢).

(ج) : الاحتياط احتجّ الآخرون : بالأصل ، وبرواية علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سمعته يقول : فاتحة الكتاب تجوز وحدها في الفريضة (٣).

ومثلها رواية الحلبي (٤) ، وهما من الصحاح ، وحملا على الضرورة.

قال طاب ثراه : وفي ظهري الجمعة بها وبالمنافقين. وكذا لو صلّى الظهر جمعة على الأظهر.

أقول : الأظهر بين الأصحاب استحباب السورتين في الجمعة وظهرها. وذهب

__________________

(١) سورة المزمل : ٢.

(٢) الكافي : ج ٢ ، ص ٣١٤ ، كتاب الصلاة ، باب قراءة القران ، حديث ١٢.

(٣) التهذيب : ج ٢ ، ص ٧١ ، باب ٨ ، كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ٢٧ ، وفيه : «ان فاتحة الكتاب».

(٤) التهذيب : ج ٢ ، ص ٧١ ، باب ٨ ، كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ٢٩.

٣٦٤

مسائل أربع

الأولى : يحرم قول آمين آخر الحمد ، وقيل : يكره.

الثانية : و (الضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة ، وكذا (الفيل) و (الإيلاف)

______________________________________________________

أبو الصلاح (١) ، والمرتضى في المصباح (٢) إلى الوجوب فيهما. وهو ظاهر الصدوق (٣).

احتجّ الأوّلون : بصحيحة علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يقرأ في صلاة الجمعة بغير سورة الجمعة متعمّدا؟ قال : لا بأس بذلك (٤). وبأصالة البراءة.

احتجّ الصدوق بحسنة محمد بن مسلم عن الباقر (عليه السّلام) قال : إنّ الله أكرم بالجمعة المؤمنين فسنّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بشارة لهم ، والمنافقين توبيخا للمنافقين فلا ينبغي تركهما ، فمن تركهما متعمّدا فلا صلاة له (٥). وبالاحتياط.

والجواب : تقدّم الصحيح على الحسن مع التعارض. وجاز إضمار الكمال ، كما أضمرتم الصحّة. ويعارض الاحتياط بالبراءة الأصلية.

قال طاب ثراه : يحرم قول آمين آخر الحمد ، وقيل : يكره.

أقول : آمين لفظ وضع للتأمين على الدعاء ، معناه اللهم استجب. وفيه لغتان القصر والمدّ (٦).

__________________

(١) الكافي في الفقه : فصل في صلاة الجمعة ، ص ١٥٢ ، س ١٢ ، قال : «صلّى الظهر أربعا كسائر الأيام يقرأ في الأوليتين بعد الحمد الجمعة وإذا جاءك المنافقون».

(٢) لم أعثر على ما نقله عن السيد.

(٣) المقنع : كتاب الصلاة ، ص ٤٥ ، باب ٢٣ ، صلاة الجمعة ، س ١٣.

(٤) الاستبصار : ج ١ ، ص ٤١٤ ، باب ٢٤٩ ، القراءة في الجمعة ، حديث ٦.

(٥) التهذيب : ج ٣ ، ص ٦ ، باب ١ ، العمل في ليلة الجمعة ويومها ، حديث ١٦.

(٦) تفسير الكشاف للزمخشري : ج ١ ، ص ١٧ ، قال وفيه لغتان : «مدّ ألفه وقصرها».

٣٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

قال الشاعر :

تباعد مني فطحل إذ دعوته

أمين فزاد الله ما بيننا بعدا (١)

فاتى به قصرا.

وقال الأخر :

يا رب لا تسلبني حبّها أبدا

ويرحم الله عبدا قال آمينا

(٢) فاتى به مدا.

وهل تبطل الصلاة إذا وقعت في الصلاة؟ قال أبو الصلاح : لا ، بل يكره (٣) ، والباقون على الإبطال ، وهو الأصح لوجوه :

(ألف) : قوله (عليه السّلام) : «إنّما هي التكبير والتسبيح وقراءة القران» (٤) و (إنّما) للحصر ، وليس التأمين أحدها.

(ب) : إنّ معناها (اللهم استجب) ولو نطق بها أبطل صلاته ، وكذا ما قام مقامها.

(ج) : إنّ النّبي (صلّى الله عليه وآله) لم يفعله ، وإلّا لوجب ، لقوله (عليه السّلام) : «صلّوا كما رأيتموني أصلي» (٥) ولم يقل به أحد.

__________________

(١) هامش تفسير الكشاف : ج ١ ، ص ١٨ ، وفيه : «لجبير كان قد سأل فطحلا الأسدي فأعرض عنه فدعا عليه».

(٢) هامش تفسير الكشاف : ج ١ ، ص ١٨ «لقيس بن معاذ الملوح مجنون ليلى العامرية ، اشتد وجده بها ، فأخذه أبوه إلى الكعبة ليدعو الله عسى أن يشفيه ، فأخذ بحلقة بابها وقال ذلك».

(٣) لم نعثر عليه في كتاب الكافي في الفقه ، ولا في سائر الكتب الاستدلالية إلّا ما حكي في الجواهر عن أبي الصلاح ، ج ١٠ ، ص ٣ ، فراجع.

(٤) صحيح مسلم : ج ١ ، كتاب المساجد ومواضع الصلاة ، باب ٧ ، تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من أباحته ، حديث ٣٣.

(٥) صحيح البخاري : ج ١ ، ص ١٦٢ ، كتاب الأذان ، باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة ، حديث ٣.

٣٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) : إنّ جماعة من الصحابة نقلوا صلاته (عليه السّلام) ، منهم أبو حميد الساعدي ، قال : أنا أعلّمكم بصلاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، قالوا : أعرض علينا؟ قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتّى يحاذي بهما منكبيه ، ثمَّ وصف إلى أن قال : ثمَّ يركع (١) والزيادة على فعله (عليه السّلام) غير مشروع.

(ه) : إنّ التأمين يستدعي سبق دعاء ، ولا يتحقّق إلّا مع قصده ، ومع عدمه يخرج عن حقيقته ، فيكون لغوا.

(و) : إنّ التأمين لا يجوز إلّا مع قصد الدعاء ، وليس قصد الدعاء شرطا بالإجماع. أمّا عندنا فللمنع من قولها مطلقا ، وأمّا عند الخصم فلإطباقهم على الاستحباب مطلقا.

(ز) : ما رواه عبد الكريم ، عن محمد الحلبي ، عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سألته أقول إذا فرغت من فاتحة الكتاب : آمين؟ قال : لا (٢).

ولعلّ تمسّك المرخّص بما رواه جميل عن أبي عبد الله (عليه السّلام) ، قال : سألته عن قول الناس في الصلاة جماعة حين تقرأ الفاتحة : آمين؟ قال : ما أحسنها ، وأخفض الصوت بها (٣).

وأطبق الجمهور على الاستحباب. قال الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد : هو سنّة للإمام والمأموم. وقال مالك : ليس بسنّة للإمام.

واحتجّوا : برواية أبي هريرة عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : إذا قال الامام :

__________________

(١) المعتبر : ص ١٧٧ ، س ٢٤ ، كتاب الصلاة ، في القراءة وأحكامها. وقريب منه ما ورد في المبسوط للسرخسي : ج ١ ، ص ١١.

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٧٤ ، باب ٨ ، كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ٤٤.

(٣) التهذيب : ج ٢ ، ص ٧٥ ، باب ٨ كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ٤٥.

٣٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضّالِّينَ) فقولوا : آمين (١).

وبرواية وائل بن حجر قال : كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) إذا قال : ولا الضالين ، قال : آمين. ورفع بها صوته (٢).

والجواب عن الاولى : بالمنع من صحّة السند. فإن أبا هريرة اتفق له مع عمر واقعة ، شهد عليه فيها ، بأنّه عدوّ الله وعدوّ المسلمين ، وحكم عليه بالخيانة ، وأوجب عليه عشرة آلاف دينار لزمه بها بعد ولايته البحرين (٣).

ومن هذا حاله لا تسكن إليه في النقل. ولانّ ذلك لو كان مشروعا لم يختص بنقله ، لأنّه من الأمور الشهيرة التي تعمّ بها البلوى ، فانفراد الواحد بها قادح في روايته (٤).

وعن الثانية : الطعن من وجهين :

(ألف) : تضمّنها كونه (عليه السّلام) كان يرفع بها صوته ، ولو كان ذلك حقّا لنقل واشتهر.

(ب) : أنّ مالك أنكر استحبابها للإمام ، وأبو حنيفة ، والثوري أنكرا الجهر بها ، ولو كانت الرواية حقّا لما خفي ذلك عليهم ، لاشتمال أقوالهم على خلاف مضمونها.

والجواب عمّا تمسّك به الحلبي : حملها على التقيّة ، ألا ترى عدول الصادق (عليه السّلام) عن الجواب حين سأله معاوية بن وهب ، أقول : آمين ، إذا قال الامام غير المغضوب عليهم

__________________

(١) السنن الكبرى للبيهقي : ج ٢ ، باب التأمين ، ص ٥٥ ، وفي صحيح مسلم : ج ١ ، كتاب الصلاة ، باب ١٨ ، التسميع والتحميد والتأمين ، ص ٣٠٧ ، حديث ٧٦ مثله.

(٢) رواه الدار قطني في سننه : ج ١ ، ص ٣٣٣ ، باب التأمين في الصلاة بعد فاتحة الكتاب والجهر بها ، حديث ١ ، وفيه : «يمدّ بها صوته» وحديث ٦ بدون الإسناد إلى وائل بن حجر.

(٣) العقد الفريد لابن عبد ربه : ج ١ ، (حسن السيرة والرفق بالرعيّة) ص ١٦ ، س ٧.

(٤) من قوله (والجواب عن الاولى) إلى هنا من كلام المحقّق في المعتبر مع تغيير في بعض ألفاظ الكتاب راجع كتاب الصلاة ، ص ١٧٨.

٣٦٨

وهل تعاد البسملة بينهما؟ قيل : لا ، وهو الأشبه.

______________________________________________________

ولا الضالين؟ قال : هم اليهود والنصارى (١).

ولم يجب فيه بشي‌ء لعدم تمكّنه من التصريح بالجواب. وعليه يحمل قوله : (ما أحسنها) ، ولهذا خفض صوته بها ، تمويها عن السؤال وإعراضا عن الجواب.

فان قيل : جاز أن يقصد بالفاتحة الدعاء ، لتضمّنها ذلك ، فيصلح للتأمين حينئذ لوقوعها موقعها.

فالجواب : القصد ليس بواجب ، إذ لم يقل به أحد ، والقائل بها قائل بالاستحباب مطلقا ، ولم يقيّده بالقصد. وأيضا فإذا قصد بالقراءة الدعاء فقط ، كان داعيا لا قارئا ، وإن قصد القراءة خرجت عن كونها تأمينا ، وإن قصدهما معا كان مستعملا للمشترك في كلي معنييه ، وقد بيّن بطلانه في موضعه.

قال طاب ثراه : وهل تعاد البسملة بينهما؟ قيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : سورة الضحى وألم نشرح واحدة ، وكذا الفيل ولإيلاف. فإذا أراد قراءتهما في الفريضة لم يجز إفراد أحدهما من صاحبتها ، بل تقرأهما معا ، وهل يجب إعادة البسملة بينهما أم لا؟ لأصحابنا قولان :

أحدهما : لا تعاد ، قاله الشيخ في التبيان (٢) واختاره المصنّف (٣).

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٧٥ ، باب ٨ كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ٤٦.

(٢) التبيان : ج ١٠ ، ص ٣٧١ ، قال في تفسير سورة الانشراح : روى أصحابنا «ان ألم نشرح من الضحى سورة واحدة ، لتعلّق بعضها ببعض ، ولم يفصلوا بينهما بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» وأوجبوا قراءتهما في ركعة ، والا يفصل بينهما» الى آخره.

(٣) الشرائع : ج ١ ، ص ٨٣ ، كتاب الصلاة ، الركن الثاني في أفعال الصلاة ، قال في المسألة الثالثة : «روى أصحابنا إن الضحى والم نشرح سورة واحدة وكذا الفيل مع الإيلاف ، فلا يجوز إفراد أحدهما من صاحبتها في كل ركعة ، ولا يفتقر إلى البسملة بينهما على الأظهر».

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

والأخر : الإعادة ، قاله ابن إدريس (١) واختاره العلّامة (٢).

احتجّ الشيخ : بأنّهما سورة واحدة ، فلا يكون فيهما بسملتان (٣).

أمّا الأولى : فقد نصّ الأصحاب على ذلك. قال ابن بابويه : والضحى وألم نشرح سورة واحدة ، فلا ينفرد إحداهما عن الأخرى (٤) ، وكذا قال المفيد (٥) ، وعلم الهدى (٦). ولتحريم القران أو كراهته ، وقد فعله المعصوم (عليه السّلام) ، وكلاهما لا تقع منه ، روى زيد الشحّام قال : صلّى بنا أبو عبد الله (عليه السّلام) الفجر فقرأ الضحى وألم نشرح في ركعة واحدة (٧) وذلك يدلّ على الوحدة.

وأمّا الثانية ، فلأنّها ليست آيتين من سورة.

والجواب عن الاولى : المنع من كونهما واحدة ، روى البزنطي في جامعه عن المفضّل قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : لا تجمع بين سورتين في ركعة واحدة إلّا الضحى و (أَلَمْ نَشْرَحْ) والفيل و (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) (٨) ، وجاز استثنائهما من الحظر والكراهة.

وعن الثانية : لا امتناع أن يكون في السورة الواحدة بسملتان كما في النمل.

واحتجّ ابن إدريس : بأنّها مثبتة بينهما في المصحف (٩).

__________________

(١) السرائر : كتاب الصلاة ، باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال ، ص ٤٦ ، س ٥.

(٢) التذكرة : كتاب الصلاة ، البحث الرابع القراءة ، ص ١١٦ ، س ٣٩ ، قال : «الضحى وألم نشرح سورة واحدة» إلى ان قال ، س ٤٠ : «وهل تعاد البسملة بينهما؟ الأقرب ذلك».

(٣) تقدّم ما يدل على ذلك.

(٤) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٠٠ ، باب ٤٥ ، باب وصف الصلاة من فاتحتها الى خاتمتها ، ذيل حديث ٧.

(٥) لم نعثر على مختارهما.

(٦) لم نعثر على مختارهما.

(٧) الاستبصار : ج ١ ، ص ١٣ ، باب ١٧٤ ، (القران في السورتين في الفريضة) حديث ٤ ، وليس في آخره لفظ «واحدة».

(٨) مجمع البيان : ج ٩ ـ ١٠ ، ص ٥٤٤ ، إلّا انّه عن العياشي ، عن المفضل بن صالح.

(٩) السرائر : ص ٤٦ ، س ٦ ، كتاب الصلاة باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال.

٣٧٠

الثالثة : يجزئ بدل الحمد من الأواخر تسبيحات أربع صورتها ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر.

وروى تسع ، وقيل : عشر ، وقيل : إثنا عشر ، وهو الأحوط.

الرابعة : لو قرء في النافلة إحدى العزائم ، سجد عند ذكره ، ثمَّ يقوم فيتمّ ويركع. ولو كان السجود في آخرها قام وقرأ الحمد استحبابا ، ليركع عن قراءة.

الخامس : الركوع : وهو واجب في كلّ ركعة مرّة ، إلّا في الكسوف والزلزلة ، وهو ركن في الصلاة.

والواجب فيه خمسة : الانحناء قدر ما تصل معه كفّاه إلى ركبتيه ، ولو عجز اقتصر على الممكن ، وإلّا أومأ والطمأنينة بقدر الذكر الواجب. وتسبيحة واحدة كبيرة ، صورتها : سبحان ربّي العظيم وبحمده ، أو سبحان الله ثلاثا. ومع الضرورة تجزئ واحدة صغرى.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : يجزئ بدل الحمد (١) تسبيحات أربع وقيل (وروى) : تسع ، وقيل : عشر ، وقيل : اثنا عشر ، وهو الأحوط.

أقول : أجمع الأصحاب على التخيير بين القراءة والتسبيح في الثالثة والرابعة.

واختلفوا في ثلاثة مواضع.

الأوّل : في كميّته على ستة أقوال :

(ألف) : أنّه ثلاث تحميد وتسبيح وتكبير ، تقدّم ما تشاء ، وهو قول أبي علي (٢) ومستنده رواية الحلبي عن الصادق (عليه السّلام) قال : إذا قمت في الأخيرتين ، لا

__________________

(١) هكذا في الأصل : ولكن نقله مختصرا.

(٢) المختلف : كتاب الصلاة ، في القراءة ، ص ٩٢ ، س ١٤ ، قال : «وقال ابن الجنيد» والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير ، يقدم ما يشاء».

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

تقرأ فيهما ، فقل : الحمد لله وسبحان الله والله أكبر (١).

واعلم : أنّ قوله (لا تقرأ فيهما) ليس نهيا ، بل بمعنى غير ، كأنّه قال : إذا قمت غير قارئ فقل.

(ب) : إنّه أربع ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، قاله المفيد (٢) ، وهو اختيار العلّامة في كتبه (٣). ومستنده صحيحة زرارة قال : قلت لأبي جعفر (عليه السّلام) : ما يجزي من القول في الركعتين الأخيرتين؟ قال : أن تقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، وتكبّر وتركع (٤).

(ج) : أنّه تسع ، سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ، ثلاثا ، ذكره حريز السجستاني في كتابه (٥) ، وهو مذهب الفقيه (٦) ، ورواه ابن بابويه في كتابه (٧) واختاره التقي (٨).

(د) : انّه عشر بإضافة التكبير في الثالثة ، قاله المرتضى (٩).

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٩٩ ، باب كيفية الصلاة ، وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ١٤٠ ، وفيه : «الركعتين الأخيرتين».

(٢) المقنعة : ص ١٨ ، س ٤ ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها.

(٣) المختلف : ص ٩٣ ، س ١٤ ، قال بعد نقل كلام المفيد بأنّها أربعة قال : وهو الحق عندي.

(٤) التهذيب : ج ٢ ، باب ٨ ، باب كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، ص ٩٨ ، حديث ١٣٥.

(٥) نقله عنه في المعتبر : كتاب الصلاة ، في المسألة الثالثة من مسائل القراءة ، ص ١٧٨ ، س ٢٦ ، قال : «وقال حريز بن عبد الله السجستاني في كتابه تسع تسبيحات وأسقط التكبير من الثلاث».

(٦) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٥٦ ، باب ٥٦ ، باب الجماعة وفضلها ، حديث ٦٨.

(٧) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٥٦ ، باب ٥٦ ، باب الجماعة وفضلها ، حديث ٦٨.

(٨) الكافي في الفقه : ص ١١٧ ، باب تفصيل أحكام الصلاة الخمس ، س ١٤.

(٩) جمل العلم والعمل : ص ٦٨ قال : «والركعتان الأخيرتان من الظهر والعصر وعشاء الآخرة والثالثة من المغرب أنت مخير فيهن بين قراءة الحمد وبين عشر تسبيحات».

٣٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

واختاره الشيخ في الجمل (١) ، والمبسوط (٢) ، وسلّار (٣) ، وابن إدريس (٤).

(ه) : انّه اثنى عشر بتكرير الأربع ثلاثا قاله الشيخ في النهاية (٥) والاقتصاد (٦).

(و) : التخيير بين اثنى عشر وعشرين ، وثمان وعشرين ، قاله الحسن بن أبي عقيل ، وعبارته : من السّنة في الأواخر التسبيح ، وهو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر ، سبعا أو خمسا ، وأدناه ثلاثة في كلّ ركعة (٧).

تتمّة

وهنا روايتان أخريان ، لم يقل لمضمونهما من الأصحاب قائل.

(ألف) : صحيحة عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين من الظهر؟ قال : تسبّح وتحمد الله وتستغفر لذنبك (٨).

__________________

(١) الجمل والعقود : فصل في ذكر ما يقارن حال الصلاة ، ص ٢٧ ، س ١١ ، قال : «ويكون في قراءة الحمد مخيّرا بينها وبين عشر تسبيحات».

(٢) المبسوط : ج ١ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القراءة وأحكامها ، ص ١٠٦ ، س ١٨ ، قال : «وهو مخيّر بين القراءة وبين التسبيح عشر تسبيحات».

(٣) المراسم : كتاب الصلاة ، شرح الكيفية ، ص ٧٢ ، س ١٣ ، قال : «وفي الثالثة والرابعة الحمد وحدها أو يسبّح فيقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله ثلاثا ويزيد في الثالثة «والله أكبر».

(٤) السرائر : كتاب الصلاة ، باب كيفية فعل الصلاة ، على سبيل الكمال ، ص ٤٦ ، س ١٦ ، قال : «ويقوى عندي العشرة».

(٥) النهاية : باب القراءة في الصلاة وأحكامها ، ص ٧٦ ، س ٥.

(٦) الاقتصاد : فصل فيما يقارن حال الصلاة ، ص ٢٦١ ، س ٢٠.

(٧) المختلف : في القراءة ، ص ٩٢ ، س ١٠.

(٨) الاستبصار : ج ١ ، ص ٣٢١ ، باب التخيير بين القراءة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، حديث ٢.

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

(ب) : رواية حنظلة عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : سألته عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ قال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب ، وإن شئت فاذكر الله (١).

الموضع الثاني : أيّ الأمرين أفضل ، القراءة أو التسبيح؟ فيه خمسة مذاهب.

(ألف) : أفضليّة التسبيح مطلقا ، أي سواء كان إماما أو منفردا. وهو مذهب الحسن (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وظاهر ابني بابويه (٤).

(ب) : التخيير. وهو ظاهر الشيخ في النهاية (٥) ، والجمل (٦) ، والمبسوط (٧) من غير تفصيل.

(ج) : استحباب التسبيح للإمام المتيقّن عدم سبقه للمأموم بركعتين. أمّا من تيقّن أو لم يأمن دخول مأموم معه في الأخيرتين ، قرأ ، ليكون ابتداء صلاة المؤتم بقراءة ، وهو مذهب أبي على (٨).

__________________

(١) الاستبصار : ج ١ ، ص ٣٢١ ، باب التخيير بين القراءة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، حديث ٣.

(٢) المختلف : في القراءة ، ص ٩٢ ، س ٢٣ ، قال : «المقام الثاني. الظاهر من كلام ابني بابويه رحمهما الله تعالى ان التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة للإمام والمأموم ، وهو قول ابن أبي عقيل وابن إدريس».

(٣) المختلف : في القراءة ، ص ٩٢ ، س ٢٣ ، قال : «المقام الثاني. الظاهر من كلام ابني بابويه رحمهما الله تعالى ان التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة للإمام والمأموم ، وهو قول ابن أبي عقيل وابن إدريس».

(٤) المختلف : في القراءة ، ص ٩٢ ، س ٢٣ ، قال : «المقام الثاني. الظاهر من كلام ابني بابويه رحمهما الله تعالى ان التسبيح في الأخيرتين أفضل من القراءة للإمام والمأموم ، وهو قول ابن أبي عقيل وابن إدريس».

(٥) النهاية : باب القراءة في الصلاة وأحكامها ص ٧٦ ، س ٥ ، قال : «والركعتان الاخراوان من الفرائض يقتصر فيهما على الحمد وحدها أو ثلاث تسبيحات».

(٦) الجمل والعقود : فصل في ما ذكر ما يقارن حال الصلاة ، ص ٢٧ ، س ١١ ، قال : «ويكون في قراءة الحمد مخيّرا بينها وبين عشر تسبيحات».

(٧) المبسوط : ج ١ ، فصل في ذكر القراءة وأحكامها ، ص ١٠٦ ، س ١٨ ، قال : وهو مخيّر بين القراءة وبين التسبيح.

(٨) المختلف : كتاب الصلاة ، في القراءة ص ٩٢ ، س ٢٥ ، قال : «وقال ابن الجنيد : يستحب للإمام المتيقن» الى آخره.

٣٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(د) : استحباب القراءة للإمام ، والتخيير للمنفرد ، وهو اختيار الشيخ في الاستبصار (١).

(ه) : القراءة مطلقا ، وهو في رواية محمّد بن الحكيم قال : سألت أبا الحسن (عليه السّلام) أيّما أفضل القراءة في الركعتين الأخيرتين أو التسبيح؟ فقال : القراءة أفضل (٢).

احتجّ الأوّلون : برواية محمّد بن عمران ، عن الصادق (عليه السّلام) قال : وصار التسبيح أفضل من القراءة في الأخيرتين لأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لمّا كان في الأخيرتين ذكر ما رأى من عظمة الله فدهش وقال : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله (٣) ويستدل بهذا الحديث أيضا على كون التسبيح ثلاثا.

واحتجّ المخيّرون : بما رواه علي بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) عن الركعتين الأخيرتين ما أصنع فيهما؟ فقال : إن شئت فاقرأ فاتحة الكتاب وإن شئت فاذكر الله ، فهو سواء ، قلت : وأيّ ذلك أفضل؟ فقال : هما والله سواء إن شئت سبّحت وإن شئت قرأت (٤).

__________________

(١) الاستبصار : ج ١ ، باب ١٨٠ ، باب التخيير بين القراءة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، ص ٣٢٢ ، قال بعد نقل حديث محمد بن حكيم : «فالوجه في هذه الرواية انه إذا كان إماما كانت القراءة أفضل».

(٢) الاستبصار : ج ١ ، ص ٣٢٢ ، باب ١٨٠ ، باب التخيير بين القراءة والتسبيح في الركعتين الأخيرتين ، حديث ٤.

(٣) الفقيه : ج ١ ، ص ٢٠٢ ، باب ٤٥ ، باب وصف الصلاة من فاتحتها الى خاتمتها ، قطعة من حديث ١٠.

(٤) التهذيب : ج ٢ ، ص ٩٨ ، باب كيفية الصلاة وصفتها وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، حديث ١٣٧ ، وفيه : «قال قلت».

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

احتجّ المفصّلون : بما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : إذا كنت إماما فاقرأ في الركعتين الأخيرتين فاتحة الكتاب ، وإن كنت وحدك فيسعك فعلت أو لم تفعل (١).

ولم أعلم بالمذهب الخامس قائلا ، لكنّه الذي يعتمد عليه في العمل.

الموضع الثالث : هل يبقى التخيير بنسيان الحمد في الأوّليين؟ فيه ثلاثة مذاهب.

(ألف) : بقاء ما كان من التخيير مع أفضليّة التسبيح ، وهو مذهب الحسن (٢).

(ب) : بقاء التخيير مع أفضليّة القراءة ، كيلا تخلو الصلاة عن القراءة ، وهو مذهب الشيخ في المبسوط (٣).

(ج) : زوال التخيير وتعيين القراءة ، كيلا تخلو الصلاة عن الفاتحة ، وهو في صحيحة محمد بن مسلم ، عن الباقر (عليه السّلام) قال : سألته عن الذي لا يقرأ بفاتحة الكتاب في صلاته؟ قال : لا صلاة له إلّا ان يقرأ (يبدأ) بها في جهر أو إخفات (٤).

ومثلها رواية حسين بن حمّاد عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له : أسهو عن القراءة في الركعة الأولى؟ قال : اقرأ في الثانية ، قلت : أسهو في الثانية؟ قال : اقرأ في الثالثة ، قلت : أسهو في صلاتي كلّها؟ قال : إذا حفظت الركوع والسجود تمّت

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٩٩ ، باب كيفيّة الصلاة وصفتها ، وشرح الإحدى وخمسين ركعة وترتيبها والقراءة فيها ، ص ٩٩ ، حديث ١٣٩.

(٢) ما نقله العلّامة قدّس سرّه عن ابن ابي عقيل في المختلف ص ٩٢ ، س ٣٤ ، هكذا «وقال ابن أبي عقيل من نسي القراءة في الركعتين الأولتين وذكر في الأخيرتين سبّح فيهما ولم يقرأ فيهما شيئا لأن القراءة في الركعتين الأولتين والتسبيح في الأخيرتين».

(٣) المبسوط : ج ١ ، كتاب الصلاة ، فصل في ذكر القراءة وأحكامها ، ص ١٠٦ ، س ١٨.

(٤) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٤٧ ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون ، ص ١٤٧ ، قطعة من حديث ٣٤.

٣٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

صلاتك (١) ولا أعلم بها قائلا.

وأجيب عن الاولى : بحملها على ترك القراءة عمدا ، إذ ليست القراءة ركنا.

وعن الثانية : بالمنع من صحّة السند ، وعلى تقديره نقول بموجبة ، إذ الأمر بالقراءة لا ينافي التخيير ، فيكون معنى قوله : (اقرأ في الثالثة) أي ائت بالقراءة أو ما يقوم مقامها ، وليس في الرواية ما يدلّ على الإتيان بالقراءة عينا.

تذنيبان

(ألف) : هل يعتبر الترتيب في ألفاظه؟ قال ابن الجنيد : لا (٢) ، واختاره المصنّف (٣) لاختلاف الرواية في ذلك ، فتحمل على التخيير. وأوجبه العلّامة (٤) لحصول يقين البراءة به ، وهو مذهب الشهيد (٥).

(ب) : هل يجب الإخفات فيه؟ قال الشهيد : نعم (٦) ، وبعدمه قال ابن

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ١٤٨ ، باب تفصيل ما تقدم ذكره في الصلاة من المفروض والمسنون حديث ٣٧.

(٢) المختلف : في القراءة ، ص ٩٢ ، س ١٤ قال : «وقال ابن الجنيد : والذي يقال في مكان القراءة تحميد وتسبيح وتكبير ، يقدم ما يشاء».

(٣) المعتبر : في القراءة وأحكامها ، ص ١٧٨ ، س ٣٥ ، قال : «فروع ، وهل ترتيب هذا الذكر لازم؟ أشبهه ، لا ، لاختلاف الرواية فيه».

(٤) التذكرة : ج ١ ، كتاب الصلاة ، البحث الرابع القراءة ، ص ١١٦ ، س ٢٣ ، قال : «تذنيب. الأقرب وجوب هذا الترتيب ، عملا بالمنقول ، الى ان قال : س ٢٤ ، لحصول يقين البراءة به».

(٥) الذكرى : ص ١٨٩ ، س ٦ ، كتاب الصلاة ، البحث في القراءة قال : «تنبيهات : أحدها : هل يجب الترتيب فيه» الى ان قال : «نعم أخذا بالمتيقن».

(٦) الذكرى : ص ١٨٩ ، س ٧ ، كتاب الصلاة ، البحث في القراءة ، قال : «ثانيها : هل يجب الإخفات فيها؟ الأقرب : نعم ، تسوية بينه وبين البدل.

٣٧٧

وقيل : يجزئ الذكر فيه وفي السجود. ورفع الرأس والطمأنينة في الانتصاب.

والسنّة فيه : أن يكبّر له رافعا يديه ، محاذيا بهما وجهه ، ثمَّ يركع بعد إرسالهما ويضعهما على ركبتيه مفرّجات الأصابع رادا ركبتيه إلى خلفه ، مسوّيا ظهره ، مادّا عنقه ، داعيا أمام التسبيح ، مسبّحا ثلاثا كبرى فما زاد ، قائلا بعد انتصابه : سمع الله لمن حمده ، داعيا بعده. ويكره أن يركع ويداه تحت ثيابه.

السادس : السجود : ويجب في كلّ ركعة سجدتان ، وهما ركن في الصلاة

وواجباته سبع : السجود على الأعضاء السبعة : الجبهة ، والكفّين ، والركبتين ، وإبهامي الرجلين. ووضع الجبهة على ما يصحّ السجود عليه ، وأن لا يكون موضع السجود عاليا بما يزيد عن لبنة ، ولو تعذّر الانحناء رفع ما يسجد عليه. ولو كان بجبهته دمّل احتفر حفيرة ليقع السليم على الأرض. ولو تعذّر السجود سجد على أحد الجبينين ، وإلّا فعلى ذقنه. ولو عجز أومأ ، والذكر فيه أو التسبيح كالركوع ، والطمأنينة بقدر الذكر الواجب ، ورفع الرأس مطمئنّا عقيب الأولى.

______________________________________________________

إدريس (١).

قال طاب ثراه : وقيل : يجزي الذكر فيه وفي السجود.

أقول : هنا بحثان :

الأول : هل يتعيّن التسبيح في الركوع والسجود ، أو يجزي الذكر مطلقا؟ فيه مذهبان.

__________________

(١) السرائر : كتاب الصلاة ، باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال ، ص ٤٦ ، س ١٧ ، قال : «فإن أراد التسبيح فالأولى له الإخفات به فان جهر به لا يبطل صلاته» الى آخره.

٣٧٨

وسننه : التكبير الأوّل قائما ، والهويّ بعد إكماله سابقا بيديه. وأن يكون موضع سجوده مساويا لموقفه ، وأن يرغم بأنفه ، ويدعو قبل التسبيح ، والزيادة على التسبيحة الواحدة ، والتكبيرات ثلاثا ، ويدعو بين السجدتين ، والقعود متورّكا ، والطمأنينة عقيب رفعه من الثانية ، والدعاء ، ثمَّ يقوم معتمدا على يديه ، سابقا برفع ركبتيه ، ويكره الإقعاء بين السجدتين.

السابع : التشهّد : وهو واجب في كلّ ثنائية مرّة ، وفي الثلاثيّة والرباعيّة مرّتين. وكلّ تشهد يشتمل على خمسة : الجلوس بقدره ، والطمأنينة ، والشهادتان ، والصلاة على النبي وآله ، وأقلّه أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله ، ثمَّ يأتي بالصلاة على النبي وآله.

______________________________________________________

(ألف) : إجزاء مطلق الذكر ، اختاره الشيخ في المبسوط (١) ، وابن إدريس (٢) ، واختاره العلّامة (٣) ، وهو ظاهر المصنّف في المعتبر (٤) ، للأصل ، ولما رواه في الصحيح

__________________

(١) المبسوط : كتاب الصلاة ، فصل في ذكر الركوع والسجود وأحكامهما ، ص ١١١ ، س ١٩ ، قال : «والتسبيح في الركوع أو ما يقوم مقامه من الذكر واجب».

(٢) السرائر : كتاب الصلاة ، باب كيفية فعل الصلاة على سبيل الكمال ، ص ٤٦ ، س ٣٥ ، قال : «وتسبيحة واحدة يجزي وهو ان يقول سبحان الله أو يذكر الله تعالى بان يقول : لا إله إلا الله والله أكبر وما أشبه من ذلك» الى آخره.

(٣) المختلف : كتاب الصلاة ، الفصل الثالث» ص ٩٥ ، س ٢٢ ، قال بعد نقل قول ابن إدريس : «وهو الأقوى».

(٤) المعتبر : كتاب الصلاة ، في الركوع واحكامه ، ص ١٨٠ ، س ٢١ ، قال : «وأما إن الذكر مجز فيمكن أن يستند فيه إلى ما رواه هشام بن الحكم وهشام بن سالم».

٣٧٩

وسننه : أن يجلس متورّكا ويخرج رجليه ، ثمَّ يجعل ظاهر اليسرى إلى الأرض وظاهر اليمنى إلى باطن اليسرى ، والدعاء بعد الواجب ، ويسمع الامام من خلفه.

______________________________________________________

عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له : يجزي أن أقول مكان التسبيح في الركوع والسجود : لا إله إلّا الله والحمد لله والله أكبر؟ فقال : نعم ، كل هذا ذكر (١).

فنبّه فيه على العلّة ، فلو لم يكن كافيا لم يكن تشبيهه بالذكر دلالة على الجواز.

ومثله في صحيحة هشام بن سالم عنه (عليه السّلام) (٢).

ولانّ وجوب التسبيح عينا حرج وضيق فيكون منفيّا.

(ب) : تعيين التسبيح ، وهو مذهبه في النهاية (٣) ، والخلاف (٤). وبه قال التقى (٥) ، وأبو علي (٦) ، وسلّار (٧) ، وابن حمزة (٨) ، وهو ظاهر المصنّف في

__________________

(١) التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٠٢ ، باب كيفية الصلاة وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون ، حديث ٧٣ ، وفيه : «كل هذا ذكر الله».

(٢) التهذيب : ج ٢ ، ص ٣٠٢ ، باب ١٥ ، باب كيفية الصلاة ، وصفتها والمفروض من ذلك والمسنون ، ح ٧٤.

(٣) النهاية : ص ٨١ ، س ٤ ، حيث قال : «والتسبيح في الركوع فريضة من تركه متعمّدا ، فلا صلاة له» أقول : لو كنّا نحن وهذه العبارة لصحّ الاستدلال بها على المطلوب ، وهو تعيين التسبيح كما أفاده المؤلف (قدّس سرّه) ، ولكن حينما ذكر الشيخ (قدّس سرّه) بعد أسطر من كتابه المذكور : «وإن قال بدلا من التسبيح : لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، كان جائزا» يستفاد منه التخيير بين التسبيح ومطلق الذكر دون التعيين ، كما هو واضح.

(٤) الخلاف : ج ١ ، ص ١١٠ ، مسألة ٩٩ ، من كتاب الصلاة ، مسائل الركوع.

(٥) الكافي في الفقه : ص ١١٨ ، س ٢١ ، قال : «والفرض الخامس : ثلاث تسبيحات.»

(٦) المراسم. ص ٧١ ، س ٧ ، ذكر كيفية الصلاة ، شرح الكيفية.

(٧) المختلف : ص ٩٥ ، س ٢١ ، كتاب الصلاة ، الفصل الثالث ، قال : «وهو أي إيجاب التسبيح الظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد وسلّار وابن حمزة وابن الجنيد».

(٨) المختلف : ص ٩٥ ، س ٢١ ، كتاب الصلاة ، الفصل الثالث ، قال : «وهو أي إيجاب التسبيح الظاهر من كلام ابن بابويه والمفيد وسلّار وابن حمزة وابن الجنيد».

٣٨٠