المهذّب البارع - ج ١

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي

المهذّب البارع - ج ١

المؤلف:

الشيخ جمال الدين أحمد بن محمد بن فهد الحلّي


المحقق: الحاج آقا مجتبى الطهراني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٥٨٥

ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب على أشهر الروايتين ، ويجوز دفعها إلى المستحق قرضا واحتساب ذلك عليه من الزكاة ان تحقق الوجوب وبقي القابض على صفة الاستحقاق. ولو تغيّر حال المستحق استأنف المالك الإخراج. ولو عدم المستحق في بلده ، نقلها ، ولم يضمن لو تلفت ، ويضمن لو نقلها مع وجوده. والنيّة معتبرة في إخراجها وعزلها.

______________________________________________________

وحملت في التقديم على القرض ، وفي التأخير على العذر ، كانتظار المستحق.

احتجّ المانعون : بأنّها عبادة موقّتة فلا يجوز تأخيرها ، وبأنّ التقديم غير جائز وكذا التأخير لعدم القائل بالفرق. ودلّ على الأوّل ما رواه زرارة في الصحيح قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : أيزكّى الرجل ماله إذا مضى ثلث السنة؟ قال : لا ، أتصلّي للأولى قبل الزوال؟ (١).

والأقرب : جواز التأخير للبسط ، لكنّه ليس بعذر في إسقاط الضمان.

قال طاب ثراه : ولا يجوز تقديمها قبل وقت الوجوب على أشهر الروايتين.

أقول : المشهور عند أصحابنا عدم الجواز ، وهو مختار الثلاثة (٢) ، والتقي (٣) وأبي علي (٤).

__________________

(١) التهذيب : ج ٤ ، ص ٤٣ ، باب ١١ ، تعجيل الزكاة وتأخيرها عمّا تجب فيه من الأوقات الحديث ٢. وفيه : الأولى.

(٢) أي الشيخ المفيد في المقنعة : ص ٣٩ ، باب تعجيل الزكاة وتأخيرها ، س ٢٢ ، قال : «والأصل في إخراج الزكاة عند حلول وقتها دون تقديمها عليه أو تأخيرها عنه.

والشيخ الطوسي في النهاية : ص ١٨٣ ، باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة س ٦ ، قال : «ولا يجوز تقديم الزكاة قبل حلول وقتها والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل : ص ١٢٤ ، فصل في تعجيل الزكاة قال : «الواجب إخراج الزكاة في وقت وجوبها».

(٣) الكافي في الفقه : ص ١٧٣ ، فصل في جهة هذه الحقوق ، س ١٣ ، قال : «ويجوز إخراج الزكاة والفطرة قبل دخول وقتها على جهة القرض».

(٤) المختلف : ص ١٨٨ ، في تقديم الزكاة ، س ١١ ، قال : «وقال ابن الجنيد : ولا يؤدّي الرجل زكاة ماله إلّا بعد وجوبها عليه».

٥٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال سلّار : بجواز التعجيل (١) ، وبه قال الحسن (٢)

وقال الشيخ في الخلاف (٣) ، والمبسوط (٤) : إذا كان عنده أربعون شاة وعجّل شاة ، وحال الحول ، جاز أن يحتسب بها ، واستند الفريقان إلى الروايات ، وقد تقدّم الجميع في المقالة السابقة ، وروى عمر بن يزيد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قلت : الرّجل عنده المال أيزكّيه إذا مضى نصف السنة؟ قال : لا ، ولكن حتّى يحول عليه الحول انّه ليس لأحد أن يصلّى صلاة إلّا لوقتها ، وكذلك الزكاة ، ولا يصوم شهر رمضان إلّا في شهره إلّا قضاء ، فكلّ فريضة إنما تؤدّى إذا حلّت (٥).

وأكثر الأصحاب على المنع ، إلّا على جهة القرض ، وكذا الشيخ رحمه الله حمل الروايات بجواز التقديم ، على سبيل القرض ، لا انّه زكاة معجّلة.

والتحقيق : إنّ الدفع قبل الحول لا يجوز إلّا على جهة القرض ، فاذا دفع المالك الفريضة إلى الفقير قبل الوقت بنيّة الزكاة لم يملكها وكانت باقية على ملك الدافع ما دامت عينها باقية ، فلم ينثلم النصاب بذلك لبقائه تاما ، فاذا حال الحول وجبت الزكاة ، فإن اختار المالك بقائها في يده واحتسابها عليه من الزكاة ، جاز إن بقي على الاستحقاق ، ويجوز أخذها ودفع غيرها إليه أو إلى غيره ، لانّه لم يملك بالدفع

__________________

(١) المراسم : كتاب الزكاة ، ص ١٢٨ ، س ٩ ، قال : «وقد ورد الرسم بجواز تقديم الزكاة عند حضور المستحق».

(٢) المختلف : ص ١٧ ، في تقديم الزكاة ، س ١٠ ، قال : «وقال ابن ابي عقيل : الى ان قال : س ١١ ، وان أحب تعجيله قبل ذلك فلا بأس».

(٣) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٨٨ ، كتاب الزكاة مسألة ٥٤. وفيه : جاز له.

(٤) المبسوط : ج ١ ، ص ٢٣١ ، كتاب الزكاة ، فصل في وقت وجوب الزكاة وتقديمها قبل وجوبها أو تأخيرها ، س ١٨.

(٥) التهذيب : ج ٤ ، ص ٤٣ ، باب ١١ ، تعجيل الزكاة وتأخيرها عمّا تجب فيه من الأوقات ، الحديث ١. وفيه : «عليه الحول وتحل عليه. ولا يصوم أحد».

٥٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لفساده. وإن دفعها قرضا ، انثلم النصاب على الأصح ولا زكاة.

وقال في الخلاف : لو عجّل شاة من أربعين وحال الحول ، جاز أن يحتسب بها. ثمَّ قال : دليلنا انّه قد ثبت انّ ما يعجّله على وجه الدين ، وما يكون كذلك فكأنّه حاصل عنده ، فجاز أن يحتسب به ، لأنّ المال ما نقص عن النصاب (١).

وهو مشكل ، لأنّ بالقرض ملكها المقترض ، فخرجت عن ملك المقرض ، لأنّ الشي‌ء الواحد لا يكون ملكا لاثنين في وقت واحد. نعم يتمشّى ذلك على القول بأنّ القرض لا يملك بالقبض ، بل بالتصرّف ، فيحتاج حينئذ إلى قيد ، وهو كون عينها باقية عند الفقير إلى تمام الحول. وهذا لا يستقيم على تعليل الشيخ في باقي دليله ، حيث قال : لان ما يقدمه على جهة الدين ، والدين انّما يطلق على ما يكون في الذمّة ، ومع بقاء عينها لا يكون دينا.

ويجوز أن يريد : أنّه دفعه على جهة الدين ، أى دفعه مقترضا له أن يكون دينا ، لا انّه دفعه على جهة القرض ، وحكمه جواز تصرّف المقترض فيه فيصير دينا ، فالدفع على جهة الدين ، لا انّه دين فلا يدلّ عبارته على أنّه في وقت الاجتزاء به ، في جريان الحول عليه أن يكون دينا ، ولهذا قال : فكأنّه حاصل عنده لأنّ له انتزاعه حينئذ وان كره المقترض على القول بعدم الملك بالقبض.

ولو تلفت عينها في يد الفقير وقد دفعت اليه على سبيل التعجيل ، واختلت الشرائط ، رجع المالك عليه بقيمتها إن أعلمه أنّها زكاة معجّلة ، وإلّا فلا.

وأمّا على قول سلّار بجواز التعجيل ، فنقول : هنا مسائل.

(ألف) : لا ينثلم النصاب بها ، باقية كانت عينها أو تالفة ، لأنّها كالموجودة.

(ب) : لا يفتقر إلى إعادة النية بعد الحول.

(ج) : لا يجوز ارتجاعها من الفقير عند تمام الحول.

__________________

(١) الخلاف : ج ١ ، ص ٢٨٨ ، كتاب الزكاة ، مسألة ٥٤ ، مع اختلاف يسير في العبارة.

٥٢٣

الركن الرابع

في المستحق

والنظر في الأصناف والأوصاف واللواحق

أما الأصناف فثمانية.

الفقراء والمساكين ، وقد اختلف في أيّهما أسوء حالا ، ولا ثمرة مهمّة في تحقيقه ، والضابط : من لا يملك مئونة سنة له ولعياله (١) ولا يمنع لو ملك الدّار والخادم ، وكذا من في يده ما يتعيّش به ويعجز عن استنماء الكفاية ، ولو كان سبعمائة درهم ، ويمنع من يستنمى الكفاية ولو ملك خمسين.

وكذا يمنع ذو الصنعة إذا نهضت بحاجته ، ولو دفعها المالك بعد الاجتهاد فبان الآخذ غير مستحقّ ارتجعت ، فان تعذّر فلا ضمان على الدافع.

______________________________________________________

الركن الرابع (١)

في المستحق

قال طاب ثراه : الفقراء والمساكين ، وقد اختلف في أيّهما أسوء حالا ولا ثمرة مهمّة في تحقيقه ، والضابط : من لا يملك مئونة سنة له ولعياله.

أقول : الفقير والمسكين يندرجان تحت كلّي ، وهو من لا يملك مئونة السنة له ولعياله الواجبي النفقة وما يحتاج إليه ولو في احتشامه ، كعبد الخدمة ، وفرس الركوب إذا كان من أهله وينفصل أحدهما عن الآخر ، بأنّه لا يملك ما يقع موقعا من حاجته ، ويسمّى أسوأهما حالا ، والآخر أجود حالا.

__________________

(١) في بعض النسخ المخطوطة (الركن الثاني) وفي البعض الأخر (الركن الثالث) والصحيح ما أثبتناه كما في النسخة المطبوعة المصححة ، فراجع.

٥٢٤

والعاملون : وهم جباة الصّدقة.

والمؤلفة : وهم الذين يستمالون إلى الجهاد بالإسهام في الصدقة وإن كانوا كفّارا.

(وَفِي الرِّقابِ) : وهم المكاتبون والعبيد الذين تحت الشدّة ، ومن وجب عليه كفارة ولم يجد ما يعتق. ولو لم يوجد مستحقّ جاز ابتياع العبد ويعتق. والغارمون : وهم المدينون في غير معصية ، دون من صرفه في المعصية.

______________________________________________________

فقيل : الأوّل هو الفقير لوجوه.

(ألف) : انّ الفقير على وزن فعيل بمعنى مفعول ، كقتيل بمعنى مقتول ، وكسير بمعنى مكسور. وهو مأخوذ من الفقار ، فكأنه انكسر فقارة ، وهو خرزة ظهره لشدّة حاجته ، قال الجوهري : رجل فقير من المال (١) والمسكين بنى من السكون ، كأنّ العجز أسكنه.

(ب) : الابتداء بذكره في الآية (٢) ويدلّ على الاهتمام به ، وذلك لشدّة فاقته.

__________________

(١) ينبغي نقل كلامه برمته ففيه فوائد :

قال الجوهري في الصحاح : ج ٢ ، ص ٧٨٢ ، في لغة (فقر) والفاقرة : الداهية. يقال : «فقرته الفاقرة ، أى كسرت فقار ظهره» ، إلى أن قال : «ورجل فقير من المال»

قال ابن السكيت : «الفقير الذي له بلغة من العيش ، قال الراعي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكو اليه سعاته».

أمّا الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد (*)

قال : والمسكين الذي لا شي‌ء له.

وقال الأصمعي : «المسكين أحسن حالا من الفقير».

وقال يونس : «الفقير أحسن حالا من المسكين. قال : وقلت لأعرابي : أفقير أنت؟ فقال : لا والله بل مسكين».

(*) ماله سبد ولا لبد ، اى قليل ولا كثير. الصحاح ، ج ٢ ، ص ٤٨٣ في لغة (سبد).

(٢) قال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ). «سورة التوبة الآية ٦٠»

٥٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

(ج) : استعاذة النبي (صلّى الله عليه وآله) من الفقر (١) وسؤاله المسكنة (٢).

(د) : قوله تعالى (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ) (٣) فسمّاهم مساكين وأثبت لهم سفينة ، وهي تساوى جملة من المال.

وهو اختيار الشيخ في الجمل (٤) ، والمبسوط (٥) ، والخلاف (٦) ، والقاضي (٧) ، وابن حمزة (٨) ، وابن إدريس (٩).

وقيل : المسكين أسوء حالا ، لوجوه.

(ألف) : النقل عن أهل اللغة ، قال ابن السكيت رحمة الله عليه : الفقير الذي له

__________________

(١) مسند احمد بن حنبل : ج ٥ ، ص ٣٦ ، ولفظه (ان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم) كان يقول : «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر».

(٢) الجامع الصغير للسيوطي : حرف الالف ، ص ٥٦ ، ولفظه «اللهم أحيني مسكينا وتوفّني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين».

(٣) سورة الكهف : الآية ٧٩.

(٤) الجمل والعقود : ص ٥١ ، فصل في مستحق الزكاة ، قال : «مستحق الزكاة ثمانية أصناف ، الفقراء وهم الذين لا شي‌ء لهم ، والمساكين وهم الذين لهم بلغة من العيش لا تكفيهم».

(٥) المبسوط : ج ١ ، ص ٢٤٦ كتاب قسمة الزكاة والأخماس والأنفال ، س ٢٣ ، قال : «فقال قوم : وهو الصحيح : ان الفقير هو الذي لا شي‌ء له ولا معه».

(٦) الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٤٩ ، كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ١٠ ، قال : «الفقير أسوء حالا من المسكين». انتهى

(٧) المهذب : ج ١ ، ص ١٦٩ ، باب من المستحق للزكاة ، س ٥ ، قال : «فاما الفقراء فهم الذين لا شي‌ء لهم». الى آخره

(٨) الوسيلة : فصل في بيان من يستحق الزكاة ، قال : «فالفقير من لا شي‌ء له والمسكين من له قدر من المال».

(٩) السرائر : ص ١٠٥ ، باب مستحق الزكاة ، س ٣١ ، قال : «فاما الفقير فهو الذي لا شي‌ء معه واما المسكين فهو الذي له بلغة من العيش لا يكفيه طول سنته».

٥٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

بلغة من العيش ، والمسكين الذي لا شي‌ء له ، وأنشد قول الراعي :

أما الفقير الذي كانت حلوبته

وفق العيال فلم يترك له سبد (١)

فسمّاه فقيرا وأثبت له حلوبة هي وفق عياله ، وبه قال الفرّاء ، وثعلب ، وابن قتيبة ، والأصمعي ، وأبو زيد ، وأبو عبيدة ، وابن دريد ، وحكوه عن يونس.

(ب) : انه يؤكّد به ، فيقال : فقير مسكين ، وعادة أهل اللسان تأكيد الأضعف معنى بالأقوى منه ، ليفيد زيادة على ما يفيده المؤكّد ، وعن يونس قلت لأعرابي : أفقير أنت؟ قال : لا والله بل مسكين (٢) ولو لا انّ وجود الحاجة في المسكين أقوى لما حسن هذا التأكيد.

(ج) : قوله تعالى (أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (٣) اي ذا مجاعة ألصق بطنه بالتراب لشدّة حاجته وجوعه.

(د) : ما رواه في الصحيح أبو بصير ، قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) : قول الله عزّ وجلّ (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ) (٤) ، قال : الفقير الذي لا يسأل الناس ، والمسكين أجهد منه ، والبائس أجهدهم (٥) ، وهو اختيار الشيخ في النهاية (٦) ، وأبي علي (٧).

__________________

(١) تقدّما في الهامش آنفا.

(٢) تقدّما في الهامش آنفا.

(٣) سورة البلد : الآية ١٦.

(٤) سورة التوبة : الآية ٦٠.

(٥) التهذيب : ج ٤ ، ص ١٠٤ ، باب ٢٩ ، باب الزيادات في الزكاة ، قطعة من حديث ٣١.

(٦) النهاية : ص ١٨٤ ، باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر ، س ٦ ، قال : «فاما الفقير فهو الذي له بلغة من العيش».

(٧) المختلف : ص ١٨٠ ، في مصرف الزكاة ، س ٣٧ ، قال بعد نقل قول الشيخ في النهاية : «وهو اختيار ابن الجنيد».

٥٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والمفيد (١) ، وتلميذه (٢) ، واستقربه العلّامة في المختلف (٣).

قال المصنّف : ولا ثمرة مهمّة في تحقيقه ، أي في باب الزكاة لاندراجهما تحت الأمر الكلي الذي هو مناط الاستحقاق ، وانّما تظهر الفائدة في مواضع.

(ألف) : النذر.

(ب) : الوصيّة.

(ج) : الكفارة ، فإن مصرفها المساكين ، فان كان الفقير أسوء حالا منه ، استحقّ ، وإلّا فلا وأمّا في النذر والوصيّة ، فإن عين الفقير وجعلناه أحسنهما حالا استحقّا ، وإلّا خصّ به للأسوء حالا. ومن الناس من جعل اللفظين بمنزلة واحدة ، فعلى هذا لا فرق بينها في الجميع.

قال العلّامة : إذا أفرد لفظ الفقير دخل فيه المسكين ، وبالعكس (٤) ، وكذا قال ابن إدريس (٥) وإن جمعا ، فيه الخلاف ، فعلى هذا لو أوصى للفقير خاصة ، أو للمسكين استحقّ كلّ واحد منهما ، وكذا الكفارة. أمّا لو قال في نذره أو وصيّته : هذا للفقير وهذا للمسكين ، وجب التمييز.

__________________

(١) المقنعة : ص ٣٩ ، باب أصناف أهل الزكاة ، س ٣٠ ، قال : «وهم (اى الفقراء) الذين لا كفاية لهم مع الاقتصاد والمساكين وهم المحتاجون السائلون لشدة ضرورتهم».

(٢) المراسم : ذكر من يجوز إخراج الزكاة إليه ، ص ١٣٢ ، قال : «الفقراء وهم المحتاجون الذين لا يسألون ، والمساكين وهم المحتاجون السائلون».

(٣) المختلف : ص ١٨١ ، في مصرف الزكاة ، س ٦ ، قال : «والأخير (أي كون المسكين اسوء حالا) أقرب للرواية».

(٤) المختلف : ص ١٨٠ ، في مصرف الزكاة ، س ٣٥ ، قال : «الفقير إذا أطلق دخل فيه المسكين وبالعكس».

(٥) السرائر : ص ١٠٦ ، باب مستحق الزكاة ، س ١ ، قال : «لان كل واحد من الفقير والمسكين إذا ذكر على الانفراد دخل الآخر فيه».

٥٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

تنبيه

الغنى المانع من أخذ الزكاة ، ما يحصل به الكفاية له ولعياله الواجبي النفقة ، قاله المحقّقون :

وقال الشيخ في المبسوط : وفي أصحابنا من قال : من ملك نصابا تجب فيه الزكاة كان غنيّا يحرم عليه الصدقة (١) وهو اختياره في الخلاف (٢) ، والمعتمد هو الأوّل ، وهو أعمّ من حصوله بالفعل أو بالقوة ، فالمتمكّن من تكسّب المئونة بالحرفة أو الصنعة لا تحلّ له.

ونقل الشيخ في الخلاف عن بعض الأصحاب : انّه يجوز دفع الزكاة إلى المكتسب (٣). وهو ضعيف لقوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصدقة لغنيّ ولا لقوي مكتسب» (٤).

وفي رواية سماعة ، وقد تحل الزكاة لصاحب السبعمائة وتحرم على صاحب الخمسين درهما ، فقلت له : كيف هذا؟ فقال : إذا كان صاحب السبعمائة له عيال كثير فلو قسمها بينهم لم يكف ، فليعفّ عنها نفسه وليأخذها لعياله ، وأمّا صاحب

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، ص ٢٥٧ ، في بيان من يأخذ الصدقة مع الغنى والفقر.

(٢) الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ٢٤.

(٣) الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٤٩ ، كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ١١ ، قال : «وقال محمد : اكره دفع الصدقة إلى المكتسب الا انه يجزي وبه قال قوم من أصحابنا».

(٤) لم نعثر عليه : ولكن وجدنا قريبا منه في الكافي : ج ٣ ، ص ٥٦٠ ، حديث ٢ ، وإليك نص الحديث المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) : «إن الصدقة لا تحلّ لمحترف ولا لذي مرّة سويّ قويّ فتنزّهوا عنها».

وكذلك حديث ١٢ ، ص ٥٦٣ الحديث المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله) آ «إنّ الصدقة لا تحل لغنيّ ولا لذي مرّة سويّ.»

وفي المختلف : ص ١٨٥ ، س ١٢ ، الحديث هكذا : «ولا ذي قوة مكتسب.»

٥٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

الخمسين فإنه يحرم عليه إذا كان وحده وهو محترف يعمل بها ، وهو يصيب فيها ما يكفيه إن شاء الله (١).

فالضابط. إنّ من يمكنه الغناء عنها لا يحلّ له ، سواء كان بمال أو صناعة أو حرفة ، بشرط أن يكون التكسّب لائقا بحاله ومروئته ، فلا يكلّف ذو الحشمة ولا البزّاز بيع الحطب ، ولا الشريف بيع الخبز والطبيخ ، لان تكلّف ذلك أصعب من بيع الخادم وتكليفه خدمة نفسه وبيع فرس الركوب ، وقد أسقط الشارع ذلك عنه ، وكذا لو كان ممنوعا عن التكسّب باشتغاله بفعل واجب أو علم ديني ، لا بفعل العبادات والعلوم الرياضيّات ، أمّا ما زاد على الواجب في علم الفقه ، فان كان طالبا لدرجة الاجتهاد ، أو قد بلغها ويحتاج الناس إليه للتعلّم منه ، جاز ترك التكسّب لذلك. وان كان يعلم انّه لا يبلغ درجة الاجتهاد ، فان كان في ازدياد ويعلم احتياج الناس إلى القدر الذي عنده ، جاز الاشتغال بالتعلّم والتعليم عن التكسّب ، وإلّا فلا.

فروع

(ألف) : لو لم يكن محتاجا حرمت الصدقة ، وإن لم يملك شيئا.

(ب) : لو كان له بضاعة يتّجر بها ولا يكفي استنمائها جاز أن يأخذ التتمّة من الزكاة ولا يكلف الإنفاق من أصلها ، وإن بلغت مئونة السنة ، وكذا الضيعة ودار الغلّة ، ويلزم ابن إدريس المنع ، حيث أوجب في الفقير المدفوع إليه قرضا ما صار به غنيّا ، أن تؤخذ منه ليصير فقيرا ، ثمَّ تدفع إليه.

(ج) : لو ملك نصابا زكويّا من أيّ الأنواع كان ، ولا يكفيه مئونة السنة ، جاز أن يأخذ الزكاة ، ويجب عليه إخراجها.

__________________

(١) الكافي : ج ٣ ، ص ٥٦١ ، باب من يحلّ له أن يأخذ الزكاة ومن لا يحلّ له ، حديث ٩.

٥٣٠

ولو جهل الأمران قيل : يمنع ، وقيل : لا ، وهو أشبه (١). ويجوز مقاصّة المستحقّ بدين في ذمّته ، وكذا لو كان الدين على من يجب الإنفاق عليه جاز القضاء عنه حيّا وميّتا.

______________________________________________________

(د) : هل يجوز أن يعطيها بعض عياله كزوجته؟ يحتمل الجواز ، لأنه فقير ، ويحتمل المنع لان الدفع إليه يعود نفعه إلى الدافع ، فكأنّه لم يخرجها ، وقوّى العلّامة الجواز (١) ، أمّا لو دفعت الزوجة إلى زوجها ، فالأقوى الجواز ، وفيه قول بالمنع ، لانّه يعود نفعه عليها ، إذ يجب على زوجها النفقة من ذلك ، وهو معارض لجواز الدفع إلى المديون ، وقال أبو علي : إذا أعطت الزوجة زكاتها زوجها لا ينفق عليها منها ولا على ولده منها ، وينفق على نفسه وعلى ولده من غيرها (٢).

قال طاب ثراه : ولو جهل الأمران ، قيل : يمنع وقيل : لا ، وهو أشبه.

أقول : المنع مذهب الشيخ رحمه الله (٣) ، ومستنده ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره ، عن العالم (عليه السلام) ، قال : الغارمون قوم قد وقعت عليهم ديون ، أنفقوها في طاعة الله من غير إسراف (٤) ومع الجهل لا يحصل العلم بوجود الشرط. والأكثرون على جوازه ، لأنّ الطاعة والمعصية من الأمور الخفيّة ، وإنّما يعتبر فيها الظاهر وغلبة الظن ، وهو حاصل في المجهول حاله ، لأن الأصل تنزيل تصرّف المسلم على المشروع.

والتحقيق : أنّ إنفاقه في الطاعة هل هو شرط؟ أو إنفاقه في المعصية مانع؟ فيمنع على الأول ، ويعطى على الثاني.

__________________

(١) المختلف : ص ١٨٣ ، في مصرف الزكاة ، س ١٥.

(٢) المختلف : ص ١٨٣ ، في مصرف الزكاة ، س ١٥.

(٣) المختلف : ص ١٨١ ، في مصرف الزكاة ، س ٢٣ ، قال : «لو لم يعلم فيما ذا أنفق الغارم ، قال الشيخ : يمنع».

(٤) التهذيب : ج ٤ ، ص ٤٩ ، باب ١٢ ، أصناف أهل الزكاة ، الحديث ٣ ، والحديث طويل والمنقول قطعة منه.

٥٣١

وفي سبيل الله : وهو كلّ ما كان قربة أو مصلحة ، كالحج ، والجهاد ، وبناء القناطر ، وقيل : يختصّ بالجهاد.

وابن السبيل : وهو المنقطع به ، ولو كان غنيّا في بلده ، والضيف. ولو كان سفرهما معصية منعا.

وأمّا الأوصاف المعتبرة في الفقراء والمساكين ، فأربعة.

الإيمان : فلا يعطى منهم كافر ، ولا مسلم غير محق.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : وفي سبيل الله ، وهو كلّ ما كان قربة ، أو مصلحة ، كالحج والجهاد وبناء القناطر ، وقيل : يختص بالجهاد.

أقول : أحد مصارف الزكاة سبيل الله ، والسبيل الطريق ، فإذا أضيف إلى الله تعالى ، أفاد كلّما يتقرّب به إلى الله ، وهو الذي قوّاه في المبسوط (١) ، وجزم به في الخلاف (٢) ، واختاره ابن حمزة (٣) ، وابن إدريس (٤) ، والمصنّف (٥) ، والعلّامة في كتبه (٦). لأنّه حقيقة فيه فيحمل عليه ، لعدم ما يدلّ على صرفه عن حقيقته ، ولما ذكره علي بن إبراهيم قال : فسّر العالم (عليه السلام) ، إلى أن قال : وفي سبيل الله قوم يخرجون في الجهاد ، وليس عندهم ما ينتفعون به ، أو قوم من المؤمنين ليس عندهم ما

__________________

(١) المبسوط : ج ١ ، ص ٢٥٢ ، كتاب قسمة الزكاة ، س ٤ ، قال : «ويدخل في سبيل الله معونة الحاجّ وقضاء الديون عن الحي والميت وجميع سبل الخير».

(٢) الخلاف : ج ٢ ، ص ٣٥٢ ، كتاب قسمة الصدقات ، مسألة ٢١ ، قال : «وجميع المصالح».

(٣) الوسيلة : فصل في بيان من يستحق الزكاة ، قال : «وسبيل الله الجهاد والرباط والمصالح وسبل الخير».

(٤) السرائر : ص ١٠٦ ، باب مستحق الزكاة ، س ١٢ ، قال : «في سبيل الله وهو كل ما يصرف في الطريق التي يتوصّل بها الى رضا الله وثوابه».

(٥) المعتبر : في مستحق الزكاة ، ص ٢٨٠ ، قال بعد نقل قول الشيخ في المبسوط : «وهو الوجه».

(٦) المختلف : ص ١٨١ ، فيما تصرف إليه الزكاة ، س ٣٤ ، قال : «والأقرب ما ذكره في المبسوط».

٥٣٢

وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم العارف تردّد ، أشبهه المنع ، وكذا في الفطرة.

ويعطى أطفال المؤمنين. ولو أعطى مخالف فريضة ، ثمَّ استبصر ، أعاد.

______________________________________________________

يحجّون به ، أو جميع سبل الخير ، فعلى الامام أن يعطيهم من مال الصدقات حتّى يقووا على الحجّ والجهاد (١) ، وقال المفيد (٢) ، وسلّار (٣) ، والشيخ في النهاية (٤). يختصّ الجهاد.

قال طاب ثراه : وفي صرفها إلى المستضعف مع عدم العارف تردّد ، أشبهه المنع ، وكذا في الفطرة.

أقول : الزكاة مواساة مستحقّة لأهل الولاية ، فلا يستحقّها غيرهم اختيارا واضطرارا ، ولهذا يعيد المخالف زكاته مع استبصاره إذا كان قد صرفها إلى غيرهم ، وفي رواية يعقوب بن شعيب عن العبد الصالح (عليه السلام) قال : إذا لم يجد دفعها إلى من لا ينصب (٥).

وفي طريقها مع ندورها ، أبان بن عثمان (٦) وهو ضعيف ، ولم نظفر بقائل عمل بهذه الرواية في زكاة المال.

ومنشأ التردّد ، النظر إلى ما دلّت عليه الرواية ، وعموم قوله (عليه السلام) : على

__________________

(١) التهذيب : ج ٤ ، ص ٤٩ ، باب ١٢ ، أصناف أهل الزكاة ، قطعة من حديث ٣. وفيه : «يتقوّون به».

(٢) المقنعة : ص ٣٩ ، باب أصناف أهل الزكاة ، س ٣٢ ، قال : «وفي سبيل الله : وهو الجهاد.»

(٣) المراسم : ذكر من يجوز إخراج الزكاة إليه ، ص ١٣٢ ، س ١٥ ، قال : «وفي سبيل الله : وهو الجهاد».

(٤) النهاية : ص ١٨٤ ، باب مستحق الزكاة ، س ١٦ ، قال : «وفي سبيل الله : وهو الجهاد».

(٥) التهذيب : ج ٤ ، ص ٤٦ ، باب ١١ ، تعجيل الزكاة وتأخيرها ، قطعة من حديث ١٢.

(٦) سند الحديث كما في التهذيب : (وعنه اى الحسين بن سعيد) عن إبراهيم بن أبي إسحاق ، عن عبد الله بن حماد الأنصاري ، عن أبان بن عثمان ، عن يعقوب بن شعيب الحداد ، عن العبد الصالح عليه السلام).

٥٣٣

الثاني : العدالة وقد اعتبرها قوم وهو أحوط ، واقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.

الثالث : ألّا يكون ممّن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا ، والأولاد وإن نزلوا ، والزوجة والمملوك ، ويعطى باقي الأقارب.

الرابع : أن لا يكون هاشميّا ، فانّ زكاة غير قبيلته محرّمة عليه دون زكاة الهاشمي.

______________________________________________________

كلّ كبد حرىّ أجر (١). وقوله (عليه السلام) : أعط من وقعت له في قلبك الرحمة (٢).

والنظر إلى رواية إسماعيل بن سعد (٣).

أما الفطرة : ففي رواية الفضيل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : كان جدّي يعطي فطرته الضعفة ومن لا يتوالى ، وقال : هي لأهلها إلّا أن لا تجدهم ، فان لم تجدهم فلمن لا ينصب (٤).

والمشهور المنع ، ويؤيّده رواية إسماعيل بن سعد الأشعري عن الرضا (عليه السلام) قال : سألته عن الزكاة هل توضع فيمن لا يعرف؟ قال : لا ، ولا زكاة الفطرة.

قال طاب ثراه : والعدالة وقد اعتبرها قوم ، وهو أحوط ، واقتصر آخرون على مجانبة الكبائر.

أقول : المستحقّ بالنسبة إلى اعتبار العدالة ينقسم ثلاثة أقسام.

__________________

(١) رواه أصحاب الصحاح والسنن بعبائر شتى. صحيح البخاري : ج ٣ ، ص ١٤٧ ، كتاب المساقاة ، باب فضل سقي الماء ، ولفظه : «في كل كبد رطبة أجر».

وفي مسند احمد بن حنبل : ج ٢ ، ص ٢٢٢ ، ولفظه : «في كل ذات كبد حرى أجر».

وفي عوالي اللئالي : ج ١ ، ص ٩٥ ، حديث ٣ ، ولفظه : «على كل كبد حرى أجر» إلى غير ذلك مما يجده المتتبع.

(٢) التهذيب : ج ٤ ، ص ١٠٧ ، باب ٢٩ ، من الزيادات في الزكاة ، الحديث ٤١ ، وفيه : (في قلبك له الرحمة).

(٣) المقنعة : ص ٣٩ ، السطر الأخير منها.

(٤) التهذيب : ج ٤ ، ص ٨٨ ، باب ٢٧ ، مستحق الفطرة وأقل ما يعطى الفقير منها ، الحديث ٨.

٥٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

(ألف) : من يعتبر فيه العدالة إجماعا ، وهو الساعي.

(ب) : من لا يعتبر فيه مطلقا ، وهو المؤلّفة.

(ج) : من عدا هؤلاء هل يعتبر فيه العدالة؟ أم لا؟

قيل فيه ثلاثة أقوال :

(ألف) : اعتبارها فلا يعطى الفاسق ، وهو مذهب الثلاثة (١) ، والقاضي (٢) ، والتقي (٣) ، وبه قال ابن إدريس (٤) ، وابن حمزة (٥) ، إلّا في الغزاة.

(ب) : لم يذكرها الصدوقان وسلّار في الشرائط ، وهو اختيار المصنّف والعلّامة ، واحتج عليه بعموم قوله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ) (٦) وبقولهما (عليهما السلام) : «الزكاة لأهل الولاية قد بيّن الله لكم موضعها في كتابه» (٧).

__________________

(١) أي المفيد في المقنعة : ص ٣٩ ، باب صفة مستحق الزكاة ، س ٣٦ ، قال : «ولا يجوز لأحد من هذين الصنفين ولا من الستة المقدم ذكرهم الا بعد ان يكون عارفا تقيا» ، والسيد المرتضى في جمل العلم والعمل : ص ١٢٥ ، فصل في وجوه إخراج الزكاة ، قال : «ولا تحل أيضا إلّا لأهل الإيمان» ، إلى أن قال : «دون الفساق وأصحاب الكبائر». والشيخ في النهاية : ص ١٨٥ ، باب مستحق الزكاة قال : «ولا يجوز أن يعطى الزكاة من أهل المعرفة إلّا أهل الستر والصلاح». انتهى

(٢) المهذب : ج ١ ، ص ١٦٩ ، باب المستحق للزكاة ، س ١٧ ، قال في بيان الشروط : «أولها ان يكونوا من أهل العدالة».

(٣) الكافي في الفقه : ص ١٧٢ ، فصل في جهة هذه الحقوق ، س ٦ ، قال : «فمستحق الزكاة والفطرة الفقير المؤمن العدل».

(٤) السرائر : ص ١٠٦ ، باب مستحق الزكاة ، س ١١ و ١٩ ، قال : «ويعتبر فيهم الايمان والعدالة».

(٥) الوسيلة : فصل في بيان من يستحق الزكاة قال : «ويعتبر الايمان والعدالة في جميع الأصناف إلا في المؤلفة والغزاة».

(٦) سورة التوبة : الآية ٥٩.

(٧) التهذيب : ج ٤ ، ص ٥٢ ، باب ١٣ ، مستحق الزكاة للفقر والمسكنة ، الحديث ٦.

٥٣٥

ولو قصر الخمس عن كفايته ، جاز أن يقبل الزكاة ولو من غير الهاشمي ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة ، وتحلّ لمواليهم ، والمندوبة لا تحرم على هاشميّ ولا غيره. والذين يحرم عليهم الواجبة ولد عبد المطلب.

______________________________________________________

وبهذا العموم روايات كثيرة.

(ج) : الاقتصار على مجانبة الكبائر ، قال المصنّف في المعتبر : واقتصر آخرون منّا على مجانبة الكبائر (١) ولم يشر إلى عين القائل ، ولا ذكر لسند ذلك رواية سوى رواية داود الصيرفي قال : سألته عن شارب الخمر يعطى من الزكاة شيئا؟ قال : لا (٢).

وأنت تراها ، مع كونها مقطوعة ، تدلّ بمنطوقها على منع شارب الخمر ، ولا يدلّ على جواز إعطاء مرتكب الصغيرة. نعم هو مفهوم عبارة أبي علي ، حيث قال : لا يجوز إعطاء شارب خمر ، أو مقيم على كبيرة منها شيئا.

قال طاب ثراه : ولو قصر الخمس عن كفايته ، جاز أن يقبل الزكاة ولو من غير الهاشميّ ، وقيل : لا يتجاوز قدر الضرورة.

أقول : تحرم الواجبة على الهاشميّ ، إذا تمكّن من الخمس. ولو منع منه جاز أن يأخذ الزكاة عند علمائنا.

وهل يتقدّر بقدر الضرورة؟ قيل : نعم ، لأنّها العلّة في تسويغه ، فلا يباح الأخذ مع حصول ما يرفعها. والمراد به قوت يومه وليلته ، لا مئونة السنة ، لأنّ الخمس لا يملك منه الهاشميّ ما زاد عن مئونة السنة وهو له طلق ، فكيف ما لا يحلّ له إلّا مع الضرورة.

وقيل : بالجواز لانّه يدخل في قسم المستحقّين ، ولا يتقدّر الإعطاء في طرف المستحقّ بقدره والأوّل أحوط.

__________________

(١) المعتبر : ص ٢٨١ ، في مستحق الزكاة ، س ٢٧.

(٢) التهذيب : ج ٤ ، ص ٥٢ ، باب ١٣ ، مستحق الزكاة للفقر والمسكنة ، الحديث ٩ ، وفيه (داود الصرمي)

٥٣٦

وامّا اللواحق فمسائل :

الأولى : يجب دفع الزكاة إلى الامام إذا طلبها ، ويقبل قول المالك لو ادّعى الإخراج ولو بادر المالك بإخراجها أجزأته. ويستحبّ دفعها إلى الامام ابتداء ، ومع فقده إلى الفقيه المأمون من الإماميّة لأنّه أبصر بمواقعها.

الثانية : يجوز أن يخصّ بالزكاة أحد الأصناف ولو واحدا ، وقسمتها على الأصناف أفضل ، وإذا قبضها الإمام أو الفقيه برئت ذمّة المالك ولو تلفت.

الثالثة : لو لم يجد مستحقّا استحبّ عزلها والإيصاء بها.

الرابعة : لو مات العبد المبتاع من مال الزكاة ولا وارث له ، ورثته أرباب الزكاة ، وفيه وجه آخر ، وهذا أجود.

______________________________________________________

قال طاب ثراه : لو مات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له ، ورثه أرباب الزكاة ، وفيه وجه آخر ، وهذا أجود.

أقول : الأوّل اختيار الصدوقين (١) ، والشيخ (٢) ، وابن إدريس (٣) ، وهو الظاهر

__________________

(١) المقنع : أبواب الزكاة ، ص ٥٢ ، باب العتق من الزكاة ، قال : «فان استفاد المعتق مالا ومات فماله لأهل الزكاة». وفي الفقيه : ج ٢ ، ص ١٠ ، باب ٥ ، الأصناف التي تجب عليها الزكاة ، قال بعد حديث ٦ : «فان استفاد المعتوق مالا ومات ، فماله لأهل الزكاة».

(٢) النهاية : ص ١٨٨ ، باب مستحق الزكاة ، س ١٣ ، قال : «فإن أصاب بعد ذلك مالا ولا وارث له ، كان ميراثه لأرباب الزكاة».

(٣) السرائر : ص ١٠٧ ، باب مستحق الزكاة ، س ٢٤ ، قال : «فإن أصاب بعد ذلك مالا ثمَّ مات ولا وارث له ، كان ميراثه لأرباب الزكاة».

٥٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

من كلام المفيد (١) ، لأنّه انّما اشترى بما لهم. والوجه الآخر يرثه الامام ، ولا نعرف قائله من الأصحاب.

قال العلّامة : الأوّل قول أكثر علمائنا (٢).

وقال المصنّف في المعتبر : إذا مات العبد المبتاع بمال الزكاة ولا وارث له ، ورثه أرباب الزكاة وعليه علمائنا وحجّتهم ما رواه عبيد بن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل أخرج زكاة ماله ، فلم يجد لها موضعا فاشترى بها مملوكا فأعتقه ، هل يجوز ذلك؟ قال : نعم لا بأس بذلك ، قلت : إنّه اتّجر واحترف فأصاب مالا ثمَّ مات من يرثه؟ قال : يرثه الفقراء الذين يستحقّون الزكاة ، إنّما اشترى بمالهم (٣).

ويمكن أن يقال : تركته للإمام ، لأنّ الفقراء لا يملكون العبد المبتاع بمال الزكاة ، لأنّه أحد مصارفها ، فيكون كالسابية. وتضعف الرواية بأنّ في طريقها ابن فضّال ، وهو فطحيّ ، وعبد الله بن بكير ، وفيه ضعف (٤). غير انّ العمل بها عندي أقوى ، لمكان سلامتها عن المعارض ، واطباق المحقّقين منّا على العمل بها (٥).

__________________

(١) المقنعة : ص ٤٢ ، باب من الزيادات في الزكاة ، س ٢٨ ، قال : «فان استفاد المعتق بعد ذلك مالا وتوفّى ولا وارث له ، كان ما ترك من المال للفقراء والمساكين من المؤمنين».

(٢) التذكرة : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، كتاب الزكاة ، في اللواحق ، س ١ ، قال : «قال أكثر علمائنا يرثه أرباب الزكاة».

(٣) التهذيب : ج ٤ ، ص ١٠٠ ، باب ٢٩ ، من الزيادات في الزكاة ، الحديث ١٥.

(٤) سند الحديث كما في التهذيب «محمد بن يعقوب ، عن على بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن فضال ، عن مروان بن مسلم عن ابن بكير ، عن عبيد بن زرارة».

(٥) من قوله : قال المصنّف في المعتبر : ص ٢٨٤ ، الى هنا كلام المحقق. لاحظ المعتبر ، في مستحق الزكاة ، س ٤.

٥٣٨

الخامسة : أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل ، وقيل : ما يجب في الثاني ، والأوّل أظهر. ولا حدّ للأكثر ، فخير الصدقة ما أبقت غنى.

السادسة : يكره ان يملك ما أخرجه في الصدقة اختيارا ، ولا بأس أن يعود إليه بميراث وشبهه.

______________________________________________________

وقال العلّامة في التذكرة : ولو قيل يرثه الإمام كان وجها ، لأنّ الفقراء لا يملكون ، ثمَّ ساق كلام المصنّف إلى أن قال : والرواية ضعيفة السند ، لأنّ في طريقها ابن فضّال ، وابن بكير ، وهمما فطحيّان (١) وتوقّف في المختلف (٢).

قال طاب ثراه : أقلّ ما يعطى الفقير ما يجب في النصاب الأوّل ، وقيل : ما يجب في الثاني ، والأوّل أظهر.

أقول : هنا ثلاثة أقوال :

(ألف) : إنّ أقلّه ما يجب في النصاب الأوّل خمسة دراهم ، أو نصف دينار. وهو مذهب الشيخين (٣) ، وابني بابويه (٤) ، والمرتضى في الانتصار (٥) ، واختاره

__________________

(١) التذكرة : ج ١ ، ص ٢٤٦ ، كتاب الزكاة ، في اللواحق ، س ٣.

(٢) المختلف : ص ١٩١ ، المقصد الرابع من كتاب الزكاة ، س ٣٠ ، قال بعد نقل الأقوال : «وبالجملة فهذه المسألة نحن فيها من المتوقّفين».

(٣) المقنعة : ص ٤٠ ، باب مقدار ما يخرج من الصدقة ، س ٨ ، قال : «وأقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة المفروضة خمسة دراهم فصاعدا». والنهاية : ص ١٨٩ باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر ، س ٢ ، قال : «وأقلّ ما يعطى الفقير من الزكاة خمسة دراهم».

(٤) الفقيه : ج ٢ ، ص ١٠ ، باب ٥ ، الأصناف التي تجب عليها الزكاة ، س ٢ ، قال : «وقال ابي «رضى الله عنه» في رسالته إلىّ : لا يجزي في الزكاة أن يعطى أقلّ من نصف دينار».

(٥) الانتصار : كتاب الزكاة ، قال : مسألة «وممّا انفردت به الإماميّة القول بأنه لا يعطى الفقير الواحد من الزكاة المفروضة أقل من خمسة دراهم».

٥٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

المصنّف (١) ، وقال سلّار : وهو الأثبت (٢).

(ب) : أقلّه ما يجب في النصاب الثاني ، وهو مذهب أبي علي (٣) ، والسيد في المسائل المصريّة (٤).

(ج) : لا حدّ له وهو مذهب السيد في الجمل (٥) ، واختاره ابن إدريس (٦) ، والعلّامة في المختلف (٧).

احتجّ الأوّلون : بصحيحة أبي الولّاد الحنّاط عن الصادق (عليه السلام) قال : سمعته يقول : لا تعط أحدا من الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا (٨).

ومثلها رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لا يجوز دفع الزكاة أقلّ من خمسة دراهم فإنّها أقلّ الزكاة (٩) وحملهما العلّامة

__________________

(١) المعتبر : ص ٢٨٤ ، في مستحق الزكاة ، س ١١ ، قال : والقول الأول (أي إعطاء النصاب الأوّل) أظهر بين الأصحاب.

(٢) المراسم : ص ١٣٤ ، ذكر أقل ما يجزي إخراجه من الزكاة ، س ١.

(٣) المختلف : ص ١٨٦ ، في كيفية الإخراج ، س ٦ ، قال : «وقال ابن الجنيد : لا يعطى من الزكاة دون الدرهم».

(٤) رسائل الشريف المرتضى : ج ١ ، ص ٢٢٥ ، س ٢ ، قال : «أقلّ ما يجزي من الزكاة درهم».

(٥) جمل العلم والعمل : ص ١٢٨ ، فصل في وجوه إخراج الزكاة ، س ١٨ ، قال : «ويجوز أن يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير».

(٦) السرائر : ص ١٠٧ ، في مستحق الزكاة ، س ٣٢ ، قال : «وذهب بعض آخر إلى انه يجوز ان يعطى من الزكاة الواحد من الفقراء القليل والكثير الى ان قال : س ٣٣ ، وهذا هو الأقوى».

(٧) المختلف : ص ١٨٦ ، في كيفية الإخراج ، ص ١٥ ، س ١٥ ، قال : «ويجوز أن يعطى أقلّ من درهم».

(٨) التهذيب : ج ٤ ، ص ٦٢ ، باب ١٦ ، ما يجب ان يخرج من الصدقة وأقلّ ما يعطى ، قطعة من حديث ١. وإليك نص الحديث : «لا يعطى أحد من الزكاة ، أقلّ من خمسة دراهم وهو أقلّ ما فرض الله عزّ وجل من الزكاة في أموال المسلمين فلا تعطوا أحدا أقلّ من خمسة دراهم فصاعدا».

(٩) التهذيب : ج ٤ ، ص ٦٢ ، باب ١٦ ، ما يجب ان يخرج من الصدقة وأقلّ ما يعطى الحديث ٢. وفيه : «لا يجوز أن يدفع».

٥٤٠