تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٢

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٢

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٩

(فَاطَّهَّرُوا) ط كذلك. (وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ط (تَشْكُرُونَ) ه (واثَقَكُمْ بِهِ) لا لأن «إذ» ظرف المواثقة. (وَأَطَعْنا) ز لعطف المتفقتين مع وقوع العارض. (وَاتَّقُوا اللهَ) ط (الصُّدُورِ) ه (بِالْقِسْطِ) ز لعطف المتفقتين مع زيادة نون التأكيد المؤذن بالاستئناف. (أَلَّا تَعْدِلُوا) ط للاستئناف. (اعْدِلُوا) ج وقفة لطيفة لأن الضمير مبتدأ مع شدة اتصال المعنى. (لِلتَّقْوى) ز (وَاتَّقُوا اللهَ) ط (بِما تَعْمَلُونَ) ه (الصَّالِحاتِ) لا لأن ما بعده مفعول الوعد أي أن لهم. (عَظِيمٌ) ه (الْجَحِيمِ) ه (أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ) ج لاعتراض الظرف بين المتفقين. (وَاتَّقُوا اللهَ) ط (الْمُؤْمِنُونَ) ه.

التفسير : وفي بالعهد وأوفى به بمعنى. والعقد وصل الشيء بالشيء على سبيل الاستيثاق والإحكام والعهد وإلزام مع إحكام. والمقصود من الإيفاء بالعقود أداء تكاليفه فعلا وتركا. والتحقيق أن الإيمان معرفة الله بذاته وصفاته وأحكامه وأفعاله فكأنه قيل : يا أيها الذين التزمتم بأيمانكم أنواع العقود أوفوا بها. ومعنى تسمية التكاليف عقودا أنها مربوطة بالعباد كما يربط الشيء بالشيء بالحبل الموثق. قال الشافعي : إذا نذر صوم يوم العيد أو نذر ذبح الولد لغا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا نذر في معصية الله» (١). وقال أبو حنيفة : يجب عليه الصوم والذبح لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) غايته أنه لغا هذا النذر في خصوص كون الصوم واقعا في يوم العيد وفي خصوص كون الذبح في الولد. وقال أيضا خيار المجلس غير ثابت لقوله : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وخصص الشافعي عموم الآية بقوله : صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا». وقال أبو حنيفة : الجمع بين الطلقات حرام لأن النكاح من العقود بدليل : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ) [البقرة : ٢٣٥] وقال : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ترك العمل به في الطلقة الواحدة بالإجماع فيبقى سائرها على الأصل. والشافعي خصص هذا العموم بالقياس وهو أنه لو حرم الجمع لما نفذ وقد نفذ فلا يحرم. ثم إنه سبحانه لما مهد القاعدة الكلية ذكر ما يندرج تحتها فقال : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) والبهيمة كل حي لا عقل له من قولهم : استبهم الأمر إذا أشكل. وهذا باب مبهم أي مسدود. ثم خص هذا الاسم بكل ذات أربع في البر والبحر. والأنعام هي : المال الراعية من الإبل والبقر والغنم. قال الواحدي : ولا يدخل في اسم الأنعام الحافر لأنه مأخوذ من نعومة الوطء ، وإضافة البهيمة إلى الأنعام للبيان مثل : خاتم فضة بتقدير من. وفائدة زيادة لفظ البهيمة مع صحة ما لو قيل أحلت لكم الأنعام كما قال في سورة الحج هي فائدة

__________________

(١) رواه النسائي في كتاب الأيمان باب ٤١. أحمد في مسنده (٤ / ٤٣٣).

٥٤١

الإجمال ثم التبيين. وإنما وحد البهيمة لأنها اسم جمع يشمل أفرادها. وجمع الأنعام لأن النعم مفردا يقع في الأكثر على الإبل وحدها. وقيل : المراد بالبهيمة شيء وبالأنعام شيء آخر وعلى هذا ففيه وجهان : أحدهما أن البهيمة الظباء وبقرة الوحش ونحوها كأنهم أرادوا ما يماثل الأنعام ويدانيها من جنس الأنعام في الاجترار وعدم الأنياب فأضيفت إلى الأنعام لملابسة الشبه. الثاني أنها الأجنة. عن ابن عباس أن بقرة ذبحت فوجد في بطنها جنين فأخذ ابن عباس بذنبها وقال : هذه بهيمة الأنعام. وعن ابن عمر أنها أجنة الأنعام وذكاته ذكاة أمه ، قالت الثنوية : ذبح الحيوانات إيلام والإيلام قبيح وخصوصا إيلام من بلغ في العجز والحيرة إلى حيث لا يقدر أن يدفع عن نفسه ولم يكن له لسان يحتج على من يقصد إيلامه ، والقبيح لا يرضى به الإله الرحيم الحكيم فلا يكون الذبح مباحا حلالا ، فلقوة هذه الشبهة زعم البكرية من المسلمين أنه تعالى يدفع ألم الذبح عن الحيوانات. وقالت المعتزلة : إن الإيلام إنما يقبح إذا لم يكن مسبوقا بجناية ولا ملحوقا بعوض ، وهاهنا يعوض الله سبحانه وتعالى هذه الحيوانات بأعواض شريفة فلا يكون ظلما وقبيحا كالفصد والحجامة لطلب الصحة وقالت الأشاعرة : الإذن في ذبح الحيوانات تصرف من الله تعالى في ملكه فلا اعتراض عليه ولذا قال : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) قال بعضهم : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ) مجمل لاحتمال أن يكون المراد إحلال الانتفاع بجلدها أو عظمها أو صوفها أو بالكل. والجواب أن الإحلال لا يضاف إلى الذات فتعين إضمار الانتفاع بالبهيمة فيشمل أقسام الانتفاع. على أن قوله : (وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [النحل : ٥] يدل على الانتفاع بها من كل الوجوه ، إلّا أنه ألحق بالآية نوعين من الاستثناء الأول قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) أي إلّا محرم ما يتلى عليكم أو إلّا ما يتلى عليكم آية تحريمه. وأجمع المفسرون على أن الآية قوله بعد ذلك : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ). والثاني قوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) أي داخلون في الحرم أو في الإحرام. قال الجوهري : رجل حرام أي محرم والجمع حرم مثل قذال وقذل. وقيل : مفرد يستوي فيه الواحد والجمع كما يقال قوم جنب ، وانتصاب : (غَيْرَ مُحِلِّي) على الحال من الضمير في : (لَكُمْ) أي أحلت لكم هذه الأشياء لا محلين الصيد في حالة الإحرام وفي الحرم. ثم كان لقائل أن يقول : ما السبب في إباحة الأنعام في جميع الأحوال وإباحة الصيد في بعض الأحوال؟ فقيل : إن الله يحكم ما يريد فليس لأحد اعتراض على حكمه ولا سؤال بلم وكيف. ثم أكد النهي عن مخالفة تكاليفه بقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) الأكثرون على أنها جمع شعيرة : «فعيلة» بمعنى : «مفعلة». وقال ابن فارس : واحدها شعارة. ثم المفسرون اختلفوا على

٥٤٢

قولين : أحدهما أنها عامة في جميع تكاليفه ومنه قول الحسن : شعائر الله دين الله. والثاني أنها شيء خاص من التكاليف. ثم قيل : المراد لا تحلوا ما حرم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد. وقيل : الأفعال التي هي علامات الحج التي يعرف بها من الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر. وقال الفراء : كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج فنهوا عن ترك السعي بينهما. وقال أبو عبيدة : الشعائر الهدايا التي تطعن في سنامها وتقلد ليعلم أنها هدي. وقال ابن عباس : إن الحطم واسمه شريح بن ضبيعة الكندي أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من اليمامة إلى المدينة فخلف خيله خارج المدينة ودخل وحده على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : إلام تدعو الناس؟ فقال : إلى شهادة أن لا إله إلّا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. فقال : حسن إلّا أن لي أمراء لا أقطع أمرا دونهم ، ولعلي أسلم وآتي بهم. وقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لأصحابه : يدخل عليكم رجل يتكلم بلسان شيطان ثم خرج من عنده. فلما خرج قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لقد دخل بوجه كافر وخرج بعقبى غادر وما الرجل بمسلم. فمرّ بسرح المدينة فاستاقه فطلبوه فعجزوا عنه ، فلما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى عمرة القضاء سمع تلبية حجاج اليمامة فقال لأصحابه : هذا الحطم وأصحابه وكان قد قلد ما نهب من سرح المدينة وأهداه إلى الكعبة ، فلما توجهوا في طلبه أنزل الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ) يريد ما أشعر لله وإن كانوا على غير دين الإسلام. وقال زيد بن أسلم : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بالحديبية حين صدهم المشركون وقد اشتد ذلك عليهم ، فمر بهم ناس من المشركين يريدون العمرة ، فقال أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : نصد هؤلاء عن البيت كما صدنا أصحابهم؟ فأنزل الله : (لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ) أي قوما قاصدين إياه. والمعنى لا تعتدوا على هؤلاء العمار لأن صدكم أصحابهم فالشهر الحرام شهر الحج أعني ذا الحجة ، أو المراد رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم وعبر عنها بلفظ الواحد اكتفاء باسم الجنس ، أي لا تحلوا القتال في هذه الأشهر. والهدي ما أهدى إلى البيت وتقرب به إلى الله من النسائك جمع هدية. والقلائد جمع قلادة وهي ما قلد به الهدي من نعل أو عروة مزادة أو لحاء شجر الحرم. والمراد لا تحلوا ذوات القلائد من الهدي أفرد للاختصاص بالفضل مثل وجبريل وميكال. ويحتمل أنه نهي عن التعرض للقلائد ليلزم النهي عن ذوات القلائد بالطريق الأولى كقوله : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَ) [النور : ٣١] فإنه نهي عن إبداء الزينة مبالغة في النهي عن إبداء مواقعها. وللمفسرين خلاف في الآية فذهب كثير منهم كابن عباس ومجاهد والحسن والشعبي وقتادة أنها منسوخة ، وذلك أن المسلمين والمشركين كانوا يحجون جميعا فنهى المسلمون أن يمنعوا أحدا عن

٥٤٣

حج البيت بقوله : (لا تُحِلُّوا) ثم نزل بعد ذلك : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) [التوبة : ٢٨] (ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللهِ) [التوبة : ١٧] وهؤلاء فسروا ابتغاء الفضل بالتجارة ، وابتغاء الرضوان بأن المشركين كانوا يظنون في أنفسهم أنهم على شيء من الدين وأن الحج يقرّبهم إلى الله فوصفهم الله بظنهم. وقال الآخرون : إنها محكمة وإنه تعالى أمرنا أن لا نخيف من يقصد بيته من المسلمين بدليل قوله : (يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ) أي ثوابا (وَرِضْواناً) وأن يرضى عنهم وهذا إنما يليق بالمسلم لا بالكافر. وقال أبو مسلم : المراد بالآية الكفار الذين كانوا في عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما زال العهد بسورة براءة زال ذلك الخطر. (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) ظاهر الأمر للوجوب إلّا أنه يفيد هاهنا الإباحة لأنه لما كان المانع من حل الاصطياد هو الإحرام لقوله : (غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) فإذا زال الإحرام رجع إلى أصل الإباحة (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ) معطوف على (لا تُحِلُّوا) وجرم بمعنى كسب من حيث المعنى ومن حيث تعديه إلى مفعول واحد تارة وإلى مفعولين أخرى. تقول : جرم ذنبا نحو كسبه وجرمته ذنبا نحو كسبته إياه وهذا هو المذكور في الآية. الشنآن بالتحريك والتسكين مصدر شنأته أشنؤه وكلاهما شاذ فالتحريك شاذ في المعنى لأن فعلان من بناء الحركة والاضطراب كالضربان والخفقان. والتسكين شاذ في اللفظ لأنه لم يجىء شيء من المصادر عليه قاله الجوهري. ومعنى الآية لا يكسبنكم بغض قوم الاعتداء أو لا يحملنكم بغضهم على الاعتداء. وقوله : (أَنْ صَدُّوكُمْ) من قرأ بكسر الهمزة فهو شرط وجوابه ما يدل عليه (لا يَجْرِمَنَّكُمْ) ، ومن قرأ بفتح «أن» فمعناه التعليل أي لأن صدوكم. قيل : هذه القراءة أولى لأن المراد منع أهل مكة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنين يوم الحديبية عن العمرة والسورة نزلت بعد الحديبية. (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) على العفو والإغضاء أو على كل ما يعدّ برا وتقوى. (وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) على الانتقام والتشفي أو على كل ما يورث الإثم والتجاوز عن الحد. والحاصل أن الباطل والإثم لا يصلح لأن يقتدى به ويعان عليه وإنما اللائق بالاقتداء به والتعاون عليه هو الخير والبر وما فيه تقوى الله سبحانه وتعالى. ثم بالغ في هذا المعنى بقوله : (وَاتَّقُوا اللهَ) أي في استحلال محارمه. (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ). ثم شرع في تفصيل الاستثناء الموعود تلاوته في قوله : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) فقال : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) الآية. والمجموع المستثنى أحد عشر نوعا : الأول الميتة كانوا يقولون إنكم تأكلون ما قتلتم ولا تأكلون ما قتل الله. قالت العقلاء : الحكمة في تحريم الميتة أن الدم جوهر لطيف فإذا مات الحيوان حتف أنفه احتبس الدم في عروقه وتعفن فيحصل من أكله مضار كثيرة. الثاني الدم كانوا يأكلون الفصيد وهو دم كان

٥٤٤

يجعل في معىّ من فصد عرق ثم يشوى فيطعمه الضيف في الأزمة ومنه المثل : «لم يحرم من فصد له» أي فصد له البعير وربما يقال : «من فزد له». الثالث لحم الخنزير. قالت العلماء : الغذاء يصير جزءا من جوهر المغتذي ولا بد أن يحصل للمغتذي أخلاق وصفات من جنس ما كان حاصلا في الغذاء ، والخنزير مطبوع على الحرص والشره فحرم أكله لئلا يتكيف الإنسان بكيفيته. وأما الغنم فإنها في غاية السلامة وكأنها عارية عن جميع الأخلاق فلا تتغير من أكلها أحوال الإنسان. والرابع : (ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) والإهلال رفع الصوت وكانوا يقولون عند الذبح باسم اللات والعزى وقد مر في سورة البقرة سائر ما يتعلق بهذه الأنواع الأربعة فليرجع إليها. الخامس المنخنقة كانوا في الجاهلية يخنقون الشاة فإذا ماتت أكلوها. وقد تنخنق بحبل الصائد وقد يدخل رأسها بين عودين في شجرة فتنخنق فتموت ، وبالجملة فبأي وجه انخنقت فهي حرام. السادس الموقوذة وهي المقتولة بالخشب. وقذها إذا ضربها حتى ماتت ومنها ما رمي بالبندق فمات. السابع المتردية التي تقع في الردى وهو الهلاك ، وتردى إذا وقع في بئر أو سقط من موضع مرتفع ويدخل فيه ما إذا أصابه سهم وهو في الجبل فسقط على الأرض فإنه يحرم أكله لأنه لا يعلم أن زهوق روحه بالتردي أو بالسهم. الثامن النطيحة التي نطحتها أخرى فماتت بسببه ، ولا يخفى أن هذه الأقسام الأربعة داخلة في الميتة دخول الخاص في العام فأفردت بالذكر لمزيد البيان. والهاء في المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة لأنها صفات الشاة بناء على أغلب ما يأكله الناس وإلّا فالحكم عام. وإنما أنث النطيحة مع أن «فعيلا» بمعنى «مفعول» لا يدخله الهاء كقولهم : كف خضيب ، ولحية دهين ، وعين كحيل. لأن الموصوف غير مذكور. تقول : مررت بامرأة قتيل فلان فإذا حذفت الموصوف قلت : بقتيلة فلان لئلّا يقع الاشتباه. التاسع ما أكل السبع وهو اسم يقع على ما له ناب ويعدو على الإنسان ويفترس الحيوان كالأسد وما دونه. قال قتادة : كان أهل الجاهلية إذا جرح السبع شيئا فقتله وأكل بعضه أكلوا ما بقي فحرمه الله وفي الآية حذف التقدير : وما أكل منه السبع لأن ما أكله السبع فقد نفد ولا حكم له وإنما الحكم للباقي. قوله : (إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ) الذكاء في اللغة تمام الشيء ومنه الذكاء في الفهم وفي السن التمام فيها ، والمذاكي الخيل التي قد أتى عليها بعد قروحها سنة أو سنتان ، وتذكية النار رفعها وقوّة اشتعالها ، والتذكية كمال الذبح. أما المستثنى منه فعن علي وابن عباس والحسن وقتادة أنه جميع ما تقدم من قوله : (وَالْمُنْخَنِقَةُ) إلى قوله : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ) والمعنى أنك إن أدركت ذكاته بأن وجدت له عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو رجلا تركض فاذبح فهو حلال لأن ذلك دليل الحياة المستقرة. وقيل : إنه مختص بقوله : (وَما أَكَلَ السَّبُعُ). وقيل : إنه استثناء منقطع من المحرمات كأنه قيل : لكن ما ذكيتم من غير هذا

٥٤٥

فهو حلال ، أو من التحريم أي حرم عليكم ما مضى إلّا ما ذكيتم فإنه لكم حلال. العاشر ما ذبح على النصب وهو مفرد وجمعه أنصاب كطنب وأطناب وهو كل ما نصب فعبد من دون الله قاله الجوهري. وضعف بأنه حينئذ يكون كالتكرار لقوله : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) وقال ابن جريج : النصب ليست بأصنام فإن الأصنام أحجار مصوّرة منقوشة ، وهذه النصب أحجار كانوا ينصبونها حول الكعبة وكانوا يذبحون عندها للأصنام وكانوا يلطخونها بتلك الدماء ويشرحون اللحوم عليها ، فالمراد ما ذبح على اعتقاد تعظيم النصب ، ويحتمل أن يكون الذبح للأصنام واقعا عليها. وقيل : النصب جمع إما لنصاب كحمر وحمار أو لنصب كسقف وسقف. الحادي عشر ما أبدعه أهل الجاهلية وإن لم يكن من جملة المطاعم أي حرم عليكم بأن تستقسموا بالأزلام ، وإنما ذكر مع الذبح على النصب لأنهم كانوا يفعلون كلا منهما عند البيت ؛ كان أحدهم إذا أراد سفرا أو غزوا أو تجارة أو نكاحا أو أمرا آخر من معاظم الأمور ضرب القداح وكانوا قد كتبوا على بعضها : «أمرني ربي» وعلى بعضها : «نهاني ربي» وتركوا بعضها غفلا أي خاليا عن الكتابة. فإن خرج الأمر أقدم على الفعل ، وإن خرج النهي أمسك ، وإن خرج الغفل أعاد العمل. فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة الخير والشر بواسطة ضرب القداح. وقال كثير من أهل اللغة : الاستقسام هاهنا هو الميسر المنهي عنه. والأزلام قداح الميسر والتركيب يدور على التسوية والإجادة. يقال : ما أحسن مازلم سهمه أي سوّاه ورجل مزلم إذا كان مخفف الهيئة وامرأة مزلمة إذا لم تكن طويلة. (ذلِكُمْ فِسْقٌ) إشارة إلى جميع ما تقدم من المحرمات أي تناولها فسق ، ويحتمل أن يرجع إلى الاستقسام بالأزلام فقط. وكونه فسقا بمعنى الميسر ظاهر ، وأما بمعنى طلب الخير والشر فوجهه أنهم كانوا يجيلونها عند أصنامهم ويعتقدون أن ما خرج من الأمر أو النهي هو إرشاد الأصنام وإعانتها فلذلك كان فسقا وكفرا. وقال الواحدي : إنما حرم لأنه طلب معرفة الغيب وأنه تعالى مختص بمعرفته ، وضعف بأن طلب الظن بالأمارات المتعارفة غير منهي كالتعبير والفأل وكما يدعيه أصحاب الكرامات والفراسات.

ثم إنه سبحانه حرض على التمسك بما شرع فقال : (الْيَوْمَ يَئِسَ) قيل : ليس المراد يوما بعينه وإنما أراد الزمان الحاضر وما يتصل به من الأزمنة الماضية والآتية كقولك : كنت بالأمس شابا وأنت اليوم شيخ. وقيل : المراد يوم معين وذلك أنها نزلت يوم الجمعة وكان يوم عرفة بعد العصر في حجة الوداع سنة عشر والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم واقف على ناقته العضباء. وعن ابن عباس أنه قرأ الآية ومعه يهودي فقال اليهودي : لو نزلت علينا في يوم لاتخذناه عيدا. فقال ابن عباس : إنها نزلت في عيدين اتفقا في يوم واحد في يوم جمعة وافق يوم عرفة أي

٥٤٦

يئسوا من أن يحللوا هذه الخبائث بعد أن جعلها الله تعالى محرمة أو يئسوا من أن يغلبوكم على دينكم لأنه حقق وعده بإظهار هذا الدين على سائر الأديان (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) أخلصوا إلى الخشية. قيل : في الآية دليل على أن التقية جائزة عند الخوف لأنه علل إظهار هذه الشرائع بزوال الخوف من الكفار. (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) سئل هاهنا إنه يلزم منه أن الدين كان ناقصا قبل ذلك ، وكيف يجوز أن يكون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مواظبا على الدين الناقص أكثر عمره؟ وأجيب بأنه كقول الملك إذا استولى على عدوه : اليوم كمل ملكنا. وزيف بأنّ السؤال بعد باق لأنّ ملك ذلك الملك لا بد أن يكون قبل قهر العدوّ ناقصا. وقيل : المراد إني أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكاليفكم من تعليم الحلال والحرام وقوانين القياس وأصول الاجتهاد ، وضعف بأنه يلزم أن لا يكمل لهم قبل ذلك اليوم ما كانوا محتاجين إليه من الشرائع ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز. والمختار في الجواب أن الدين كان أبدا كاملا بمعنى أنّ الشرائع النازلة من عند الله في كل وقت ـ ناسخة أو منسوخة أو مجملة أو مبينة أو غير ذلك ـ كافية بحسب ذلك الوقت وفي آخر زمان البعثة حكم ببقاء الأحكام على حالها من غير نسخ وزيادة ونقص إلى يوم القيامة. قال نفاة القياس : إكمال الدين أن يكون حكم كل واقعة منصوصا عليه فلا فائدة في القياس. وأجيب بأن إكماله هو جعل النصوص بحيث يمكن استنباط أحكام نظائرها منها. قالوا : تمكين كل أحد أن يحكم بما غلب على ظنه لا يكون إكمالا للدين وإنما يكون إلقاء للناس في ورطة الظنون والأوهام. وأجيب بأنه إذا كان تكليف كل مجتهد أن يعمل بمقتضى ظنه كان كل مجتهد قاطعا بأنه عامل بحكم الله. روي أنه لما نزلت الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرح الصحابة وأظهروا السرور إلّا أكابرهم كأبي بكر الصدّيق وغيره فإنهم حزنوا وقالوا : ليس بعد الكمال إلّا الزوال. وكان كما ظنوا فإنه لم يعمر بعدها إلّا أحدا وثمانين يوما أو اثنين وثمانين يوما ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ولا نقص. قال العلماء : كان ذلك جاريا مجرى إخبار النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قرب وفاته وذلك إخبار بالغيب فيكون معجزا. واحتجت الأشاعرة بالآية على أن الدين ـ سواء قيل إنه العمل أو المعرفة أو مجموع الاعتقاد والإقرار والعمل ـ لا يحصل إلّا بخلق الله وإيجاده فإنه لن يكون إكمال الدين منه إلّا وأصله منه. والمعتزلة حملوا ذلك على إكمال بيان الدين وإظهار الشرائع. ثم قال : (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) أي بذلك الإكمال لأنه لا نعمة أتم من نعمة الإسلام ، أو نعمتي بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين (وَرَضِيتُ) أي اخترت (لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) نصب على الحال أو مفعول ثان إن ضمن رضيت معنى صيرت. واعلم أن قوله : (ذلِكُمْ فِسْقٌ) إلى هاهنا اعتراض أكد به معنى التحريم لأنّ تحريم هذه الخبائث من جملة الدين الكامل والنعمة التامة واختيار دين الإسلام للناس

٥٤٧

من بين سائر الأديان. ثم بين الرخصة بقوله : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ) أي في مجاعة وأصل الخمص ضمور البطن (غَيْرَ مُتَجانِفٍ) منصوب باضطرّ أو بمضمر أي فتناول غير منحرف إلى إثم بأن يأكل فوق الشبع أو عاصيا بسفره ، وقد مرّ القول في هذه الرخصة مستوفي في سورة البقرة.

(يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ) كأنهم حين تلي عليهم ما حرّم عليهم من خبيثات المآكل سألوا عما أحل لهم والسؤال في معنى القول. وإنما لم يقل ماذا أحل لنا على حكاية قولهم نظرا إلى ضمير الغائب في : (يَسْئَلُونَكَ) ومثل هذا يجوز فيه الوجهان. تقول : أقسم زيد ليفعلن أو لأفعلن. أما سبب النزول فعن أبي رافع أن جبريل عليه‌السلام جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاستأذن عليه فأذن له فلم يدخل ، فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال جبريل : إنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة. فنظروا فإذا في بعض بيوتهم جرو. قال أبو رافع : فأمرني أن لا أدع بالمدينة كلبا إلّا قتلته حتى بلغت العوالي فإذا امرأة عندها كلب يحرسها فرحمتها فتركته فأتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخبرته فأمرني بقتله ، فرجعت إلى الكلب فقتلته ، فجاء ناس فقالوا : يا رسول الله ماذا يحل لنا من هذه الأمة التي تقتلها فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أن نزلت هذه الآية. فأمر بقتل الكلب الكلب والعقور وما يضر ويؤذي وأذن في اقتناء الكلاب التي ينتفع بها. وقال سعيد بن جبير : نزلت في عدي بن حاتم وزيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زيد الخير حين قالا : يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة وإنها تأخذ البقر والحمر والظباء والضب فمنه ما ندرك ذكاته ومنه ما نقتل فلا ندرك وقد حرّم الله الميتة فماذا يحل لنا منها فنزل : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) أي ما ليس بخبيث منها وهو ما لم يأت تحريمه في كتاب أو سنة أو قياس مجتهد ، أو أحل لكم كل ما يستلذ ويشتهى عند أهل المروءة والأخلاق الجميلة ، واعلم أن الأصل في الأعيان الحل لأنها خلقت لمنافع العباد (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] واستثنى من ذلك أصول : الأوّل : تنصيص الكتاب على تحريمه كالميتة والدم وغيرهما. الثاني : تنصيص السنة كما روي عن جمع من الصحابة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية والبغال كالحمير. ولا تحرم الخيل عند الشافعي لما روي عن جابر أنه قال : نهانا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل. الثالث : ما هو في معنى المنصوص كالنبيذ فإنه مسكر كالخمر فيشاركها في التحريم. الرابع : كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطيور وقد مر معنى السبع عن قريب فلا يحل بموجب هذا الأصل الكلب والأسد والذئب والنمر والفهد والدب والببر والقرد والفيل لأنها تعدو بأنيابها ، ولا يحل من الطيور البازي

٥٤٨

والشاهين والصقر والعقاب وجميع جوارح الطير. الخامس : ما أمر بقتله من الحيوانات فهو حرام لأنّ الأمر بقتله إسقاط لحرمته ومنع من اقتنائه. ولو كان مأكولا لجاز اقتناؤه للتسمين وإعداده للأكل وقت الحاجة. ومنه الفواسق الخمس. روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحية والفأرة والغراب الأبقع والكلب والحدأة». (١) السادس ما ورد النهي عن قتله فهو حرام لأنه لو كان مأكولا لجاز ذبحه ليؤكل كما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن قتل الخطاطيف ، وكذا الصرد والنملة والنحلة والهدهد والخفاش. السابع : الاستطابة والاستخباث لقوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) قال العلماء : فيبعد الرجوع إلى طبقات الناس وتنزيل كل قوم على ما يستطيبون ويستخبثون لأن ذلك يوجب اختلاف الأحكام في الحل والحرمة وذلك يخالف موضوع الشرع. فالعرب أولى أمة بالاعتبار لأنّ الدين عربي وهم المخاطبون أوّلا وليس لهم ترفه وتنعم يورث تضييق المطاعم على الناس ، ولكن المعتبر استطابة سكان القرى والبلاد دون أجلاف البوادي الذين لا تمييز لهم. وأيضا يعتبر أصحاب اليسار والترفه دون أصحاب الضرورات والحاجات. وأيضا المعتبر حال الخصب والرفاهية دون حال الجدب والشدة. والحشرات بأسرها مستخبثة كالذباب والخنفساء والجعلان وحمار قبان إلّا الضب فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا آكله ولا أحرمه». ومن الأصول أنه لا يجوز أكل الأعيان النجسة في حال الاختيار وكذا أكل الطاهر إذا نجس بملاقاة النجاسة كالدهن والسمن الذائب والدبس والخل. ومن الأصول الكسب بمخامرة النجاسة ولكن كسب الحجام حلال عند الشافعي ، ومن الأصول ما يضر كالزجاج والسم والنبات المسكر أو المجنن. قوله سبحانه : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ) معناه أحل لكم صيد ما علمتم على حذف المضاف لدلالة (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) ويجوز أن تكون «ما» شرطية والجزاء (فَكُلُوا) وعلى هذا يجوز الوقف على (الطَّيِّباتُ). والجوارح الكواسب من سباع البهائم والطير كالكلب والفهد والبازي والصقر. قال تعالى : (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ) [الأنعام : ٦] أي كسبتم. وجوّز بعضهم أن يكون من الجراحة. وقال : ما أخذ من الصيد فلم يسل منه دم لم يحل. وانتصاب (مُكَلِّبِينَ) على الحال من (عَلَّمْتُمْ). وفائدة هذه الحال مع الاستغناء عنها ب (عَلَّمْتُمْ) أن معلم الجوارح ينبغي أن يكون ماهرا في علمه مدربا فيه موصوفا بالتكليب. نقل عن ابن عمر والضحاك والسدي أن ما صادها غير الكلاب فلم يدرك

__________________

(١) رواه مسلم في كتاب الحج حديث ٦٧ ، ٦٨ ، ٦٩. النسائي في كتاب المناسك باب ١١٣ ، ١١٤. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٩١. الموطأ في كتاب الحج حديث ٩٠. أحمد في مسنده (٦ / ٢٣ ، ٨٧ ، ٢٦١).

٥٤٩

ذكاته لم يجز أكله لأنّ قوله : (مُكَلِّبِينَ) يدل على كون هذا الحكم مخصوصا بالكلب. والجمهور على أنّ الجوارح يدخل فيه ما يمكن الاصطياد به من السباع. قالوا : المكلب مؤدب الجوارح ورائضها لأنّ تصطاد لصاحبها وإنما اشتق من الكلب لكثرة هذا المعنى في جنسه ، أو لأنّ كل سبع يسمى كلبا كقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اللهم سلّط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد». أو من الكلب الذي هو بمعنى الضراوة. يقال : فلان كلب بكذا إذا كان حريصا عليه. وهب أن المذكور في الآية إباحة الصيد بالكلب لكن تخصيصه بالذكر لا ينفي حل غيره لجواز الاصطياد بالرمي وبالشبكة ونحوها مع سكوت الآية عنها. (تُعَلِّمُونَهُنَ) حال ثانية أو استئناف مما علمكم الله من علم التكليب لأنّ بعضه إلهام من الله أو مما عرفكم أن تعلموه من اتباع الصيد بإرسال صاحبه وانزجاره بزجره. واعلم أنه يعتبر في صيرورة الكلب معلما أمور منها : أن ينزجر بزجر صاحبه في ابتداء الأمر وكذا إذا انطلق واشتد عدوه وحدّته ، يشترط أن ينزجر بزجره أيضا على الأشبه فيه يظهر التأدب. ومنها أن يسترسل بإرسال صاحبه أي إذا أغري بالصيد هاج. ومنها أن يمسك الصيد لقوله : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) وفي هذا اعتبار وصفين : أحدهما أن يحفظه ولا يخليه ، والثاني أن لا يأكل منه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعدي بن حاتم : فإن أكل فلا تأكل منه فإنما أمسكه على نفسه. وجوارح الطير يشترط فيها أن تهيج عند الإغراء وأن تترك الأكل ولكن لا مطمع في انزجارها بعد الطيران. ويشترط عند الشافعي تكرر هذه الأمور بحيث يغلب على الظن تأدب الجارحة بها وأقله ثلاث مرات. ولم يقدر الأكثرون عدد المرات كأنهم رأوا العرف مضطربا ، وطباع الجوارح مختلفة فيرجع إلى أهل الخبرة بطباعها. وعن سلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبي هريرة أنه يحل وإن أكل فعندهم الإمساك هو أن يحفظه ولا يتركه. ومعنى الآية كلوا مما تبقي لكم الجوارح وإن كان بعد أكلها منه. و «من» في (مِمَّا أَمْسَكْنَ) قيل زائدة نحو (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) [الأنعام : ١٤١] وقيل مفيدة وذلك أن بعض الصيد لا يؤكل كالعظم والدم والريش. وقال سعيد بن جبير وأبو حنيفة والمزني : يؤكل ما بقي من جوارح الطير ولا يؤكل ما بقي من الكلب. والفرق أن تأديب الكلب بالضرب على الأكل ممكن وتأديب الطير غير ممكن. ولا خلاف أنه إذا كانت الجارحة معلمة ثم تصيد صيدا وجرحته وقتلته وأدركه الصائد ميتا فهو حلال ، وجرح الجارحة كالذبح وإن قتلته بالفم من غير جرح ففي حله خلاف. أما قوله سبحانه : (وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ) فالضمير إما أن يعود إلى (مِمَّا أَمْسَكْنَ) أي سموا عليه إذا أدركتم ذكاته ، أو إلى (ما عَلَّمْتُمْ) أي سموا عليه عند إرساله أو إلى الأكل ، وعلى هذا فلا كلام. وعلى الأول فالتسمية محمولة على الندب عند الشافعي ، وعلى الوجوب عند أبي حنيفة وسيجيء تمام المسألة في سورة الأنعام إن شاء الله تعالى.

٥٥٠

(الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) فائدة الإعادة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) الأكثرون على أنّ المراد بالطعام الذبائح لأنّ ما قبل الآية في بيان الصيد والذبائح ولأنّ ما سوى الصيد والذبائح محللة قبل إن كانت لأهل الكتاب وبعد أن صارت لهم فلا يبقى لتخصيصها بأهل الكتاب فائدة. وعن بعض أئمة الزيدية أن المراد هو الخبز والفاكهة وما لا يحتاج فيه إلى الذكاة. وقيل : إنه جميع المطعومات. (وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي يحل لكم أن تطعموهم من طعامكم لأنه لا يمتنع أن يحرم الله تعالى إطعامهم من ذبائحنا. وأيضا فالفائدة في ذكره أن يعلم أن إباحة الذبائح حاصلة في الجانبين وليست كإباحة المناكحة فإنها غير حاصلة في الجانبين (وَالْمُحْصَناتُ) الحرائر أو العفائف من المؤمنات ، وعلى الثاني يدخل فيه نكاح الإماء. وقد يرجح الأول بأنه تعالى قال : (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) ومهر الإماء لا يدفع إليهن بل إلى ساداتهن ، وبأن نكاح المحصنات هاهنا مطلق ونكاح الأمة مشروط بعدم طول الحرة وخشية العنت ، وبأن تخصيص العفائف بالحل يدل ظاهرا على تحريم نكاح الزانية ، وقد ثبت أنه غير محرم. ولو حملنا المحصنات على الحرائر لزم تحريم نكاح الأمة ونحن نقول به على بعض التقديرات ، وبأن وصف التحصين في حق الحرة أكثر ثبوتا منه في حق الأمة لأنّ الأمة لا تخلو من البروز للرجال (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) احتج بها كثير من الفقهاء في أنه لا يحل نكاح الكتابية إلّا إذا دانت بالتوراة والإنجيل قبل نزول الفرقان ، لأنّ قوله : (مِنْ قَبْلِكُمْ) ينافي من دان بهما بعد نزوله. وكان ابن عمر لا يرى نكاح الكتابيات أصلا متمسكا بقوله تعالى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ) [البقرة : ٢٢١] ويقول : لا أعلم شركا أعظم من قولها إن ربها عيسى. وأوّل الآية بأنّ المراد التي آمنت منهن. فمن المحتمل أن يخطر ببال أحد أن الكتابية ، إذا آمنت هل يحل للمسلم التزوج بها أم لا؟ وعن عطاء أن الرخصة كانت مختصة بذلك الوقت لأنه كان في المسلمات قلة ولأن الاحتراز عن مخالطة الكفار واجب. (لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ) [آل عمران : ١١٨] وأي خلطة أشد من الزوجية وقد يحدث ولد ويميل إلى دين الأم. وقال سعيد بن المسيب والحسن : الكتابيات تشمل الذميات والحربيات فيجوز التزوج بكلهن. وأكثر الفقهاء على أنّ ذلك مخصوص بالذمية فقط وهو مذهب ابن عباس فإنه قال : من أعطى الجزية حل ومن لم يعط لم يحل لقوله تعالى : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ) [التوبة : ٢٩] واتفقوا على أن المجوس قد سنّ بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم. (إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) فيه أن من تزوج امرأة وعزم على أن لا يعطيها صداقا كان كالزاني. والزنا

٥٥١

ضربان : سفاح وهو الزنا على سبيل الإعلان ، واتخاذ خدن وهو على سبيل الإسرار فحرمهما الله تعالى في الآية وأحلّ التمتع بهن على سبيل الإحصان وهو التزوج بالشروط والأركان. ثم حث على التزام التكاليف المذكورة بقوله : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ) أي بشرائع الله وتكاليفه التي هي من نتائج الإيمان بالله ورسوله. وقال ابن عباس ومجاهد : معناه ومن يكفر برب الإيمان أي بالله. وقال قتادة : ومن يكفر بالقرآن الذي أنزل فيه هذه التكاليف التي لا بد منها في الإيمان فقد خاب وخسر. وفيه أن أهل الكتاب وإن حصلت لهم فضيلة المناكحة وإباحة الذبائح في الدنيا إلّا أن ذلك لا يفيدهم في الآخرة لأنّ كل من كفر بالله فقد حبط عمله في الدنيا ولم يصل إلى شيء من السعادات في الآخرة البتة. واعلم أنّ القائلين بالإحباط فسروا قوله : (فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) بأنّ عقاب كفره يزيل ما كان حاصلا له من ثواب أعماله. ومنكروا الإحباط قالوا : إنّ عمله الذي أتى به بعد ذلك الإيمان قد بان أنه لم يكن معتدا به وكان ضائعا في نفسه. ثم إنه سبحانه لما افتتح السورة بطلب الوفاء بالعقود فكأن قائلا قال : عهد الربوبية منك وعهد العبودية منا وأنت أولى بتقديم الوفاء بعهد الربوبية فأجاب الله تعالى نعم أنا أوفى بعهد الربوبية والكرم ، ومعلوم أن منافع الدنيا محصورة في نوعين : لذات المطعم ولذات المنكح فبيّن الحلال والحرام من المطاعم والمناكح ، وقدم المطعوم على المنكوح لأنه أهم. وعند تمام هذا البيان كأنه قال : قد وفيت بعهد الربوبية فاشتغل أيها العبد بوظائف العبودية ولا سيما بالصلاة التي هي أعظم الطاعات وبمقدماتها. ونبني تفسير الآية على مسائل : الأولى ليس المراد بقوله : (إِذا قُمْتُمْ) نفس القيام وإلّا لزم تأخير الوضوء عن الصلاة وهو بالإجماع باطل ، وأيضا لو غسل الأعضاء قبل الصلاة قاعدا أو مضطجعا لخرج عن العهدة بالإجماع ، فالمراد إذا شمرتم للقيام إلى الصلاة وأردتم ذلك. ووجه هذا المجاز أنّ الإرادة الجازمة سبب لحصول الفعل وإطلاق اسم المسبب على السبب مجاز مستفيض. الثانية : ذهب قوم إلى أنّ الأمر بالوضوء تبع للأمر بالصلاة وليس تكليفا مستقلا لأنه شرط القيام إلى الصلاة. والأصح أنه عبادة برأسها لأن قوله : (فَاغْسِلُوا) أمر ظاهره الوجوب غاية ذلك أنه مقيد بوقت التهيّؤ للصلاة. وأيضا إنه طهارة وقد قال تعالى في آخر الآية : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بني الدين على النظافة» وقال : «أمّتي غر محجلون من آثار الوضوء يوم القيامة» (١) والأخبار الواردة في كون الوضوء سببا لغفران

__________________

(١) رواه البخاري في كتاب الوضوء باب ٣. مسلم في كتاب الطهارة حديث ٣٤ ـ ٣٩. الترمذي في كتاب الجمعة باب ٧٤. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٠٩. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٦. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ٢٨. أحمد في مسنده (١ / ٢٨٢).

٥٥٢

الذنوب كثيرة. الثالثة : قال داود : يجب الوضوء لكل صلاة فإنه ليس المراد قياما واحدا في صلاة واحدة وإلّا لزم الإجمال إذ لا دليل على تعيين تلك المرة ، والإجمال خلاف الأصل فوجب حمل الآية على العموم. وأيضا ذكر الحكم عقيب الوصف المناسب مشعر بالعلية فيتكرر بتكرره فيجب الوضوء عند كل قيام إلى الصلاة. وأيضا إنه نظافة فلا يكون منها بدّ عند الاشتغال بخدمة المعبود. وقال سائر الفقهاء : إنّ كلمة «إذا» لا تفيد العموم ولهذا لو قال لامرأته إذا دخلت الدار فأنت طالق لم تطلق مرة أخرى بالدخول ثانيا. ويروى أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتوضأ لكل صلاة إلّا يوم الفتح فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلّى الصلوات كلها بوضوء واحد. قال عمر : فقلت له في ذلك فقال : عمدا فعلت ذلك يا عمر. أجاب داود بأنّ خبر الواحد لا ينسخ القرآن. وأيضا في الخبر معنيان : أحدهما : وجوب التجديد لكل صلاة لا أقل من استحباب ذلك. الثاني أنه ترك ذلك يوم الفتح والأوّل يوجب المتابعة والثاني مرجوع لأنّ الفتح يقتضي زيادة الطاعة لا نقصانها. وأيضا التجديد أحوط ، وأيضا دلالة ظاهر القرآن قولية ودلالة الخبر فعلية والقولية أقوى. ولناصر المذهب المشهور أن يقول : التيمم على المتغوّط والمجامع واجب إذا لم يجد الماء لقوله : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ) الآية. وذلك يدل على أنّ وجوب الوضوء قد يكون بسبب آخر سوى القيام إلى الصلاة فلم يكن هو مؤثرا وحده ، وإذا لم يكن مؤثرا مستقلا جاز تخلف الأثر عنه. نعم التجديد مستحب لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء بعده كانوا يتوضؤن لكل صلاة وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من توضأ على طهر كتب الله له عشر حسنات» وقيل : كان الوضوء لكل صلاة واجبا أوّل ما فرض ثم نسخ. الرابعة : الأصح أن في الآية دلالة على أنّ الوضوء شرط لصحة الصلاة لأنه علق فعل الصلاة بالطهور ، ثم بيّن أنه متى عدم الماء لم تصح الصلاة إلّا بالتيمم ، فلو لم يكن شرطا لم يكن كذلك. وأيضا إنه أمر بالصلاة مع الوضوء فالآتي بها بدون الوضوء تارك للمأمور به فيستحق العقاب وهذا معنى البقاء في عهدة التكليف. الخامسة : قال أبو حنيفة : النية ليست شرطا في الوضوء لأنها غير مذكورة في الآية والزيادة على النص نسخ ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس غير جائز. وعند الشافعي هي شرط فيه لأنّ الوضوء مأمور به لقوله : (فَاغْسِلُوا وَامْسَحُوا) وكل مأمور به يجب أن يكون منويا لقوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ) [البينة : ٥] والإخلاص النية الخالصة ، فأصل النية يجب أن يكون معتبرا. وغاية ما في الباب أنها مخصوصة في بعض الصور فتبقى حجة في غير محل التخصيص.

السادسة : قال مالك وأبو حنيفة : الترتيب غير مشروط في الوضوء لأن الواو لا تفيد الترتيب ، فلو قلنا بوجوبه كان من الزيادة على النص وهو نسخ غير جائز. وقال الشافعي :

٥٥٣

إنه واجب لأن فاء التعقيب في قوله : (فَاغْسِلُوا) توجب تقديم غسل الوجه ثم سائر الأعضاء على الترتيب. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث الصفا : «ابدءوا بما بدأ الله به» (١). وأيضا الترتيب المعتبر في الحس هو الابتداء من الرأس إلى القدم أو بالعكس ، والترتيب العقلي إفراد العضو المغسول عن الممسوح. ثم إنه تعالى أدرج الممسوح في المغسول فذل هذا على أن الترتيب المذكور في الآية واجب لأن إهمال الترتيب في الكلام مستقبح فوجب تنزيه كلام الله تعالى عنه. وأيضا إيجاب الوضوء غير معقول المعنى لأن الحدث يخرج من موضع والغسل يجب في موضع آخر ولأن أعضاء المحدث طاهرة لقوله : المؤمن لا ينجس حيا ولا ميتا (٢) وتطهير الطاهر محال ولأن الشرع أقام التيمم مقام الوضوء وليس في التيمم نظافة ، وأقام المسح على الخفين مقام الغسل ولا يفيد في نفس العضو نظافة والماء الكدر العفن يفيد الطهارة وماء الورد لا يفيدها فإذن الاعتماد على مورد النص. ولعل في الترتيب حكما خفية لا نعرفها أو هو محض التعبد. وقد أوجبنا رعاية الترتيب في الصلاة مع أن أركان الصلاة غير مذكورة في القرآن مرتبة فرعاية الترتيب في الوضوء مع أن القرآن ناطق به أولى. السابعة : قال الشافعي وأبو حنيفة : الموالاة في أفعال الوضوء غير واجبة لأن إيجاب هذه الأفعال قدر مشترك بين إيجابها على سبيل الموالاة وإيجابها على سبيل التراخي ، وهذا القدر معلوم من الآية ومفيد للطهارة والزائد لا دليل عليه. وأيضا روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى رجلا توضأ وترك لمعة من عقبه فأمره بغسلها ولم يأمره بالاستئناف ولم يبحث عن المدة الفاصلة ، وعند غيرهما شرط كيلا يتخلل بين أجزاء العبادة ما ليس منها. وحدّ التفريق المخل بالموالاة أن يمضي من الزمان ما يجف فيه المغسول مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص. الثامنة : قال أبو حنيفة : الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء لأن ظاهر الآية يقتضي الإتيان بالوضوء لكل صلاة لما مر ترك العمل به عند ما لم يخرج الخارج النجس من البدن فيبقى معمولا به عند خروج الخارج النجس. وخالفه الشافعي تعويلا على ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم احتجم وصلى ولم يزد على غسل أثر محاجمه. التاسعة : قال مالك : لا وضوء في الخارج من السبيلين إذا كان غير معتاد وسلم في دم الاستحاضة لنا التمسك بعموم الآية.

__________________

(١) رواه أبو داود في كتاب المناسك باب ٥٦. الترمذي في كتاب الحج باب ٣٨. النسائي في كتاب الحج باب ١٦١. ابن ماجه في كتاب المناسك باب ٣٤ ، ٨٤. الدارمي في كتاب المناسك باب ٣٤. الموطأ في كتاب الحج حديث ١٢٦.

(٢) رواه البخاري في كتاب الغسل باب ٢٣ ، ٢٤. مسلم في كتاب الحيض حديث ١١٥ ، ١١٦. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٩١. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٨٩. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٧١. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٨٠. أحمد في مسنده (٢ / ٢٣٥ ، ٣٨٢).

٥٥٤

العاشرة : قال أبو حنيفة : القهقهة في الصلاة المشتملة على الركوع والسجود تنقض الوضوء. وقال الباقون : لا تنقض لأبي حنيفة أن يتمسك بعموم الآية. الحادي عشر : قال أبو حنيفة : لمس المرأة وكذا لمس الفرج لا ينقض الوضوء. وقال الشافعي : ينقض متمسكا بالعموم. الثانية عشرة : لو كان على وجهه وبدنه نجاسة فغسلها ونوى الطهارة من الحدث بذلك الغسل هل يصح وضوءا؟ قال في التفسير الكبير : ما رأيت هذه المسألة في كتب الأصحاب. قال : والذي أقوله أنه يكفي لأنه أمر بالغسل في قوله : (فَاغْسِلُوا) وقد أتى به ، وأقول : الظاهر أنه لا يكفي لأنه لا يرتفع بغسلة واحدة نجاستان حكمية وعينية وهذا بخلاف ما لو نوى التبرد أو التنظف فإن النجاسة هناك حكمية فقط. الثالثة عشرة : لو وقف تحت ميزاب حتى سال عليه الماء ونوى رفع الحدث هل يصح وضوءه؟ يمكن أن يقال : لا لأنه لم يأت بعمل. وأن يقال : نعم لأنه أتى بما أفضى إلى المقصود وهو الانغسال. الرابعة عشرة : إذا غسل أعضاء الوضوء ثم كشط جلده فالأظهر وجوب غسله لتحصيل الامتثال فإن ذلك الوضع غير مغسول. الخامسة عشرة : لو رطب الأعضاء من غير سيلان الماء عليها لم يكف لأنه مأمور بالغسل وهذا ليس بغسل ، وفي الجنابة يكفي لأنه هناك مأمور بالتطهير لقوله : (وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) والتطهير يحصل بالترطيب. السادسة عشرة : لو أمر الثلج على العضو فإن ذاب وسال جاز وإلّا فلا خلافا لمالك والأوزاعي لنا فاغسلوا وهذا ليس بغسل. السابعة عشرة : التثليث سنة لأن ماهية الغسل تحصل بالمرة. الثامنة عشرة : السواك سنة لا واجب لأن الآية ساكتة عنه وكذا القول في التسمية خلافا لأحمد وإسحاق ، وكذا في تقديم غسل اليدين على الوضوء خلافا لبعضهم. التاسعة عشرة : قال الشافعي : لا تجب المضمضة والاستنشاق في الوضوء والغسل ، وأحمد وإسحاق يجب فيهما. أبو حنيفة : يجب في الغسل لا في الوضوء. حجة الشافعي أنه أوجب غسل الوجه والوجه هو الذي يكون مواجها وحده من مبتدأ تسطيح الجهة إلى منتهى الذقن طولا ، ومن الأذن إلى الأذن عرضا ، وداخل الفم والأنف غير مواجه. العشرون : ابن عباس : يجب إيصال الماء إلى داخل العين لأن العين جزء من الوجه. الباقون : لا يجب لقوله في آخر الآية : (ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ) وإدخال الماء في العين حرج. الحادية والعشرون : غسل البياض الذي بين العذار والأذن واجب عند الشافعي وأبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف. لنا أنه واجب قبل نبات الشعر بالإجماع فكذا بعده ولأنه من الوجه والوجه يجب غسله كله. الثانية والعشرون : أبو حنيفة : لا يجب إيصال الماء إلى ما تحت اللحية الخفيفة. الشافعي : يجب لقوله : (فَاغْسِلُوا) ترك العمل عند كثافة اللحية دفعا للحرج فيبقى عند كثافتها على الأصل.

٥٥٥

الثالثة والعشرون : الأصح عند الشافعي وجوب إمرار الماء على ظاهر اللحية النازلة طولا والخارجة إلى الأذنين عرضا لأنه مواجه. مالك وأبو حنيفة والمزني : لا يجب لأنه لا جلد تحتها حتى يغسل ظاهرها بتبعيتها. الرابعة والعشرون : لو نبت للمرأة لحية وجب إيصال الماء إلى جلدة الوجه وإن كانت لحيتها كثيفة لأنا تركنا العمل بظاهر الآية في اللحية الكثيفة للرجل دفعا للحرج ولحية المرأة نادرة وخصوصا الكثيفة فيبقى حكمها على الأصل. الخامسة والعشرون : يجب إيصال الماء إلى ما تحت الشعر الكثيف في خمسة مواضع : العنفقة والحاجب والشارب والعذار والهدب لأن قوله : (فَاغْسِلُوا) يدل على وجوب غسل كل جلدة الوجه ، ترك العمل به في اللحية الكثيفة دفعا للحرج وهذه الشعور خفيفة غالبا فتبقى على الأصل. السادسة والعشرون : الشعبي : ما أقبل من الأذن فهو من الوجه فيغسل ، وما أدبر فمن الرأس فيمسح وردّ بأن الأذن غير مواجه أصلا. السابعة والعشرون : الجمهور على أن المرفقين يجب غسلهما مع اليدين وخالف مالك وزفر وكذا ، الخلاف في قوله : (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) والتحقيق أن «إلى» تفيد معنى الغاية مطلقا ، والمراد بالغاية جميع المسافة أو حقيقة النهاية. ثم إنّ حد الشيء قد يكون منفصلا عن المحدود حسا انفصال الظلمة عن النور في قوله : (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة : ١٨٧] فيكون الحد خارجا عن المحدود. وقد لا يكون كذلك نحو حفظت القرآن من أوّله إلى آخره وبعتك هذا الثوب من هذا الطرف إلى ذلك الطرف فيدخل الحد في المحدود. ولا شك أن المرفق وهو موصل الذراع في العضد سمي بذلك لارتفاق صاحبها بها غير متميزة في الحس عن محدودها فلا يكون إيجاب الغسل إلى جزء أولى من إيجابه إلى جزء آخر فوجب غسلها جميعا. وإن سلم أن المرفق لا يجب غسلها لكنها اسم لما جاوز طرف العظم ، ولا نزاع في أن ما وراء طرف العظم لا يجب غسله. وهذا الجواب اختيار الزجاج. وعلى هذا فمقطوع اليد من المرفق يجب عليه إمساس الماء بطرف العظم وإن كان أقطع مما فوق المرفقين لم يجب عليه شيء لأن محل هذا التكليف لم يبق أصلا. الثامنة والعشرون : تقديم اليمنى على اليسرى مندوب وليس بواجب خلافا لأحمد. لنا أنه ذكر الأيدي والأرجل في الآية من غير تقديم لإحدى اليدين أو الرجلين. التاسعة والعشرون : ذهب بعضهم إلى أن مبتدأ الغسل يجب أن يكون الكف بحيث يسيل الماء من الكف إلى المرافق لأن المرافق جعلت في الآية نهاية الغسل. وجمهور الفقهاء على أن عكس هذا الترتيب لا يخل بصحة الوضوء لأن المراد في الآية بيان جملة الغسل لا بيان ترتيب أجزاء الغسل. الثلاثون : لو نبت من المرفق ساعدان وكفان وجب غسل الكل لعموم قوله : (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) كما لو نبت على الكف أصبع

٥٥٦

زائدة. الحادية والثلاثون : المراد من تحديد الغسل بالمرفق بيان الواجب فقط لما ورد في الأخبار أن تطويل الغرة سنة مؤكدة. الثانية والثلاثون : مالك : يجب مسح كل الرأس. أبو حنيفة : يتقدر بالربع لأنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح على ناصيته وأنها ربع الرأس. الشافعي : الواجب أقل ما ينطلق عليه اسم المسح لأنه إذا قيل مسحت المنديل فهذا لا يصدق إلّا عند مسحه بالكلية ، أما لو قال مسحت يدي بالمنديل كفى في صدقه مسح اليد بجزء من أجزاء المنديل فهكذا في الآية وإلّا احتيج في تعيين المقدّر إلى دليل منفصل وتصير الآية مجملة وهو خلاف الأصل. الثالثة والثلاثون : لا يجوز الاكتفاء بالمسح على العمامة لأن ذلك ليس مسحا للرأس. وقال الأوزاعي والثوري وأحمد : يجوز لما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مسح على العمامة. وأجيب بأنه لعله مسح قدر الفرض على الرأس والبقية على العمامة. الرابعة والثلاثون : اختلف الناس في مسح الرجلين وفي غسلهما فنقل القفال في تفسيره عن ابن عباس وأنس بن مالك وعكرمة والشعبي وأبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي‌الله‌عنه أن الواجب فيهما المسح وهو مذهب الإمامية. وجمهور الفقهاء والمفسرين على أن فرضهما الغسل. وقال داود : يجب الجمع بينهما وهو قول الناصر للحق من أئمة الزيدية. وقال الحسن البصري ومحمد بن جرير الطبري : المكلف مخير بين المسح والغسل. حجة من أوجب المسح قراءة الجر في : (وَأَرْجُلَكُمْ) عطفا على : (بِرُؤُسِكُمْ) ولا يمكن أن يقال إنه كسر على الجوار كما في قوله : «حجر ضب خرب» لأن ذلك لم يجىء في كلام الفصحاء وفي السعة ، وأيضا إنه جاء حيث لا لبس ولا عطف بخلاف الآية. وأما القراءة بالنصب فيكون للعطف على محل (بِرُؤُسِكُمْ). حجة الجمهور أخبار وردت بالغسل وأن فرض الرجلين محدود إلى الكعبين والتحديد إنما جاء في الغسل لا في المسح. والقوم أجابوا بأن أخبار الآحاد لا تعارض القرآن ولا تنسخه وبالمنع في محل النزاع فزعم الجمهور أن قراءة النصب ظاهرة في العطف على مفعول : (فَاغْسِلُوا) وإن كان أبعد من : (امْسَحُوا) وقراءة الجر تنبيه على وجوب الاقتصاد في صب الماء لأن الأرجل تغسل بالصب فكانت مظنة للإسراف. الخامسة والثلاثون : جمهور الفقهاء على أن الكعبين هما العظمان الناتئان من جانبي الساق. وقالت الإمامية وكل من قال بالمسح : إن الكعب عظم مستدير موضوع تحت عظم الساق حيث يكون مفصل الساق والقدم كما في أرجل جميع الحيوانات. والمفصل يسمى كعبا ومنه كعوب الرمح لمفاصله. حجة الجمهور أنه لو كان الكعب ما ذكره الإمامية لكان الحاصل في كل رجل كعبا واحدا وكان ينبغي أن يقال : وأرجلكم إلى الكعاب كما أنه لما كان الحاصل في كل يد مرفقا واحدا لا جرم قال : (إِلَى الْمَرافِقِ). وأيضا العظم

٥٥٧

المستدير الموضوع في المفصل شيء خفي لا يعرفه إلّا أهل العلم بتشريح الأبدان ، والعظمان الناتئان في طرفي الساق محسوسان لكل أحد ومناط التكليف ليس إلّا أمرا ظاهرا ويؤيده ما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ألصقوا الكعاب بالكعاب». السادسة والثلاثون : الجمهور على جواز مسح الخفين خلافا للشيعة والخوارج. حجة الجمهور الأحاديث ، وحجة الشيعة الآية ، وأن جواز المسح على الخفين حاجة عامة فلو كانت ثابتة لبلغت مبلغ التواتر. السابعة والثلاثون : رجل مقطوع اليدين والرجلين سقط عنه هذان الفرضان وبقي عليه غسل الوجه ومسح الرأس ، فإن لم يكن معه من يوضئه أو ييممه سقط عنه ذلك أيضا لأن قوله : (فَاغْسِلُوا وَامْسَحُوا) مشروط بالقدرة عليه فإذا فاتت القدرة سقط التكليف. الثامنة والثلاثون : قوله سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) الأصل «تطهروا» أدغم التاء في الطاء فاجتلبت همزة الوصل. وللجنابة سببان : نزول المني لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الماء من الماء» (١) والثاني التقاء الختانين خلافا لزيد بن ثابت ومعاذ وأبي سعيد الخدري لما روي أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا التقى الختانان وجب الغسل» (٢) وختان الرجل هو الموضع الذي يقطع منه جلدة القلفة ، وأما ختان المرأة فإن شفريها يحيطان بثلاثة أشياء : ثقبة في أسفل الفرج وهي مدخل الذكر ومخرج الحيض والولد ، وثقبة أخرى فوق هذه مثل إحليل الذكر وهي مخرج البول لا غير ، والثالث جلدة رقيقة قائمة مثل عرف الديك فوق ثقبة البول ، وقطع هذه الجلدة هو ختانها فإذا غابت الحشفة حاذى ختانه ختانها. التاسعة والثلاثون : لا يجوز للجنب مس المصحف خلافا لداود. لنا قوله : (فَاطَّهَّرُوا) يدل على أن الطهارة غير حاصلة وإلّا لكان أمرا بتطهير الطاهر وحينئذ لا يجوز له مس المصحف لقوله : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] ولإطلاق قوله : (فَاطَّهَّرُوا) علم أنه أمر بتحصيل الطهارة في كل البدن وإلّا خصت تلك الأعضاء بالذكر كما في الطهارة الصغرى ، وعلم أنه لا يجب تقديم الوضوء على الغسل خلافا لأبي ثور وداود ، وعلم أن الترتيب غير واجب خلافا إسحق فإنه أوجب البداءة بأعلى البدن ، وعلم أن الدلك غير واجب خلافا لمالك.

__________________

(١) رواه مسلم في كتاب الحيض حديث ٨١. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٨٣. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٨١. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٣١. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ١١٠. الدارمي في كتاب الوضوء باب ٧٤. أحمد في مسنده (٣ / ٢٩) ، (٥ / ١١٥).

(٢) رواه مسلم في كتاب الحيض حديث ٨٨. البخاري في كتاب الغسل باب ٢٨. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٨٣. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٨٠. النسائي في كتاب الطهارة باب ١٢٨. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ١١١ ، الدارمي في كتاب الوضوء باب ٧٥. الموطأ في كتاب الطهارة حديث ٧١ ـ ٧٣. أحمد في مسنده. (٢ / ١٧٨) ، (٥ / ١١٥).

٥٥٨

الأربعون : الشافعي : المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الغسل لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما أنا فأحثى على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت» (١) أبو حنيفة : هما واجبان لقوله تعالى : (فَاطَّهَّرُوا) والتطهير لا يحصل إلّا بطهارة جميع الأعضاء. ترك العمل به في الأعضاء الباطنة للتعذر وداخل الفم والأنف يمكن تطهيرهما فيبقى داخلا في النص ولأن قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بلوا الشعر» (٢) يدخل فيه الأنف لأن في داخله شعرا : «وأنقوا البشرة» (٣) يدخل فيه جلدة داخل الفم. الحادية والأربعون : لا يجب نقض الشعر إن لم يمنع عن وصول الماء إلى منابته لأن المقصود التطهير وإن منع وجب خلافا للنخعي. الثانية والأربعون : إن كان المرض المانع من استعمال الماء حاصلا في بعض جسده دون بعض فقال الشافعي : يغسل ما لا ضرر عليه ثم يتيمم للاحتياط. وقال أبو حنيفة : إن كان أكثر البدن صحيحا غسل الصحيح دون التيمم وإن كان أكثره جريحا يكفيه التيمم لأن المرض إذا كان حالا في بعض أعضائه فهو مريض. الثالثة والأربعون : لو ألصق على موضع التيمم لصوقا منع وصول الماء إلى البشرة ولا يخاف من نزع ذلك اللصوق التلف. قال الشافعي : يلزم نزع اللصوق حتى يصل التراب إليه أخذا بالأحوط. وقال الأكثرون : لا يجب دفعا للحرج. الرابعة والأربعون : قال الشافعي : الاستنجاء واجب إما بالماء أو بالأحجار لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فليستنج بثلاثة أحجار» (٤) وقال أبو حنيفة : واجب عند المجيء من الغائط إما الوضوء أو التيمم ولم يوجب غسل موضع الحدث فدل على أنه غير واجب. الخامسة والأربعون : لمس المرأة ينقض الوضوء عند الشافعي ولا ينقضه عند أبي حنيفة وقد مرت المسألة في سورة النساء. السادسة والأربعون : لا يكره الوضوء بالماء المسخن لقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) وهاهنا قد وجد ماء وخالف مجاهد. السابعة والأربعون : أبو حنيفة وأحمد : لا يكره المشمس لقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا ماءً) وهذا قد وجد ماء. الشافعي يكره للحديث. الثامنة والأربعون : لا يكره الوضوء بفضل ماء المشرك وبالماء في آنية المشرك لأنه واجد للماء فلا يتيمم ، وقد توضأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مزادة مشرك وتوضأ عمر من ماء في جرة نصرانية. وقال أحمد وإسحق : لا يجوز. التاسعة والأربعون : يجوز الوضوء بماء البحر لأنه واجد الماء خلافا لعبد الله بن

__________________

(١) رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٩٥.

(٢ ، ٣) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٩٧. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٧٨. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ١٠٦ بلفظ «فاغسلوا» بدل «بلّوا».

(٤) رواه الترمذي في كتاب الطهارة باب ١٢. أبو داود في كتاب الطهارة باب ٤. أحمد في مسنده (٥ / ٤٣٩).

٥٥٩

عمرو بن العاص. الخمسون : جوّز أبو حنيفة الوضوء بنبيذ التمر في السفر للحديث ولم يجوّزه الشافعي وقال : يتيمم لأنه غير واجد للماء. الحادية والخمسون : ذهب الأوزاعي والأصم إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة ، والأكثرون لا يجوز. حجتهما : (فَاغْسِلُوا) أمر بمطلق الغسل وإمرار المائع على العضو غسل قال الشاعر : فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها. لنا : أنه عند عدم الماء أوجب التيمم. الثانية والخمسون : الشافعي : الماء المتغير بالزعفران تغيرا فاحشا لا يجوز الوضوء به لأن واجده يصدق عليه أنه غير واجد للماء. وخالف أبو حنيفة لأن أصل الماء موجود بصفة زائدة كما لو تغير وتعفن بطول المكث أو بتساقط الأوراق بالاتفاق. الثالثة والخمسون : مالك وداود : الماء المستعمل في الوضوء بقي طاهرا طهورا لأن واجده واجد للماء وهو قول قديم للشافعي. والقول الجديد إنه طاهر غير طهور ، ووافقه محمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة في أكثر الروايات : إنه نجس لأن النجاسة الحكمية كالعينية. الرابعة والخمسون : مالك : إذا وقع في الماء نجاسة ولم يتغير بقي طاهرا طهورا قليلا كان أو كثيرا وهو قول أكثر الصحابة والتابعين. وقال الشافعي : إن كان أقل من القلتين ينجس. وقال أبو حنيفة : إن كان أقل من عشرة في عشرة ينجس. حجة مالك أنه واجد للماء ترك العمل بهذا العموم في الماء القليل المتغير فيبقى حجة في الباقي ويؤيده قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلّا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه» (١) حجة الشافعي مفهوم قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» (٢). الخامسة والخمسون : يجوز الوضوء بفضل ماء الجنب لأن واجده واجد للماء ، وقال أحمد وإسحاق : لا يجوز الوضوء بفضل ماء المرأة إذا خلت به وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب. السادسة والخمسون : أسار السباع ، طاهرة مطهرة وكذا سؤر الحمار لأنه واجد للماء. وقال أبو حنيفة : نجسة. السابعة والخمسون : قال الشافعي وأبو حنيفة والأكثرون : لا بد في التيمم من النية لأنه قال : (فَتَيَمَّمُوا) والتيمم عبارة عن القصد وهو النية. وقال زفر : لا يجب. الثامنة والخمسون : الشافعي : لا يجوز التيمم إلّا بعد دخول الصلاة لأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبل الوقت. أبو حنيفة : يجوز قياسا على الوضوء ولظاهر قوله : (إِذا قُمْتُمْ) والقيام إلى الصلاة يكون بعد دخول وقتها. التاسعة والخمسون :

__________________

(١) رواه ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٧٦.

(٢) رواه أبو داود في كتاب الطهارة باب ٣٣. الترمذي في كتاب الطهارة باب ٥٠. النسائي في كتاب الطهارة باب ٤٣. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب ٧٥. الدارمي في كتاب الوضوء باب ٥٥. أحمد في مسنده (٢ / ٢٣ ، ٢٧).

٥٦٠