تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٢

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري

تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان - ج ٢

المؤلف:

نظام الدين الحسن بن محمّد بن حسين القمي النيسابوري


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٢٩

التفصيل والترتيب موكول إلى قضية العقل فافهم والله تعالى أعلم. ومعنى بث فرق ونشر. وإنما خص وصف الكثرة بالرجال اعتمادا على الفهم ، ولأن شهرة الرجال أتم فكانت كثرتهم أظهر. وفيه تنبيه على أن اللائق بحال الرجال الاشتهار والخروج ، واللائق بحال النسوان الاختفاء والخمول. وإنما يقل الرجال والنساء معرفتين لئلا يلزم كونهما مبثوثين من نفسهما ، ثم إن هذا البث معناه محمول على ظاهره عند من يرى أن جميع الأشخاص البشرية كانوا كالذر مجتمعين في صلب آدم ، وأما عند من ينكر ذلك فالمراد أنه بث منهما أولادهما ، ومن أولادهما جمعا آخرين وهلم جرا ، فأضيف الكل إليهما على سبيل المجاز. (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ) من قرأ بالنصب فللعطف على اسم الله أي واتقوا حق الأرحام فلا تقطعوها وهو اختيار أكثر الأئمة كمجاهد وقتادة والسدي والضحاك وابن زيد والفراء والزجاج. وأما للعطف على محل الجار والمجرور كقوله :

فلسنا بالجبال ولا الحديدا

وهو اختيار أبى علي الفارسي وعلي بن عيسى. وقيل : منصوب بالإغراء أي والأرحام فاحفظوها وصلوها. ومن قرأ بالجر فلأجل العطف على الضمير المجرور في (بِهِ) وهذا وإن كان مستنكرا عند النحاة بدون إعادة الخافض لأن الضمير المتصل من تتمة ما قبله ولا سيما المجرور فأشبه العطف على بعض الكلمة ، إلا أن قراءة حمزة مما ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلا يجوز الطعن فيها لقياسات نحوية واهية كبيت العنكبوت. وقد طعن الزجاج فيها من جهة أخرى وهي أنها تقتضي جواز الحلف بالأرحام وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تحلفوا بآبائكم» (١). والجواب أن المنهي عنه هو الحلف بالآباء وهاهنا حلف أولا بالله ثم قرن به الرحم فأين أحدهما من الآخر؟ ولئن سلمنا أن الحلف بالرحم أيضا منهي عنه لكن لا نسلم أنه منهي عنه مطلقا ، وإنما المنهي عنه ما حلف به على سبيل التعظيم ، وأما الحلف بطريق التأكيد فلا بأس بها ، ولهذا جاء في الحديث «أفلح وأبيه إن صدق» (٢). سلمنا أنها منهي عنها مطلقا لكن المراد هاهنا حكاية ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من قولهم في الاستعطاف والتساؤل وهو سؤال البعض البعض : أسألك بالله وبالرحم ، وأنشدك الله

__________________

(١) رواه البخاري في كتاب مناقب الأنصار باب ٢٦. مسلم في كتاب الأيمان حديث ٣. الترمذي في كتاب النذور باب ٨ ، ٩. النسائي في كتاب الأيمان باب ٤ ، ٥ ، ٦. ابن ماجه في كتاب الكفارات باب ٢. الموطأ في كتاب النذور حديث ١٤. أحمد في مسنده (٢ / ٧ ، ٨ ، ٢٠ ، ٧٦).

(٢) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٩. بلفظ «دخل الجنة وأبيه إن صدق».

٣٤١

والرحم. وقرئ (وَالْأَرْحامَ) بالرفع على أنه مبتدأ خبره محذوف أي والأرحام كذلك أي أنها مما يتقى ويتساءل به. فإن قيل : لم قال أولا (اتَّقُوا رَبَّكُمُ) ثم قال بعده (وَاتَّقُوا اللهَ)؟ قلنا : أما تكرار الأمر فللتأكيد كقولك للرجل : عجل عجل. وأما تخصيص الرب بالأول والله بالثاني فلأن الغرض في الأول الترغيب بتذكير النعمة والإحسان والتربية ، وفي الثاني الترهيب. ولفظ الله يدل على كمال القدرة والقهر فكأنه قيل : إنه رباك وأحسن إليك فاتق مخالفته وإلا فإنه شديد العقاب فاتق سخطه. قال العلماء : في الآية دليل على جواز المسألة بالله. روى مجاهد عن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سألكم بالله فأعطوه» (١). وعن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسبع منها إبرار القسم. ولا يخفى ما في الآية من تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعها حيث قرن الأرحام باسمه ، وقال في سورة القرة : (لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَذِي الْقُرْبى) [البقرة : ٨٣]. وعن عبد الرحمن بن عوف سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : قال الله عزوجل : «أنا الله وأنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته» (٢) وفي الصحيحين عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الرحم معلقة بالعرش تقول من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» (٣). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ليس الواصل بالمكافىء الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها» (٤) عن سلمان بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الصدقة على المسكين صدقة وعلى ذي الرحم ثنتان صدقة وصلة» (٥). فثبت بدلالة الكتاب والسنة وجوب صلة الرحم واستحقاق الثواب بها ، فلهذا بنى أصحاب أبي حنيفة على هذا الأصل مسألتين : إحداهما أن الرجل إذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه مثل الأخ والأخت والعم والخال لأنه لو بقي الملك حل الاستخدام بالإجماع ، لكن الاستخدام إيحاش وقطيعة رحم. والثانية أن الهبة لذي الرحم المحرم لا يجوز الرجوع فيها حذرا من

__________________

(١) رواه أبو داود في كتاب الأدب باب ١٠٨. النسائي في كتاب الزكاة باب ٧٢. أحمد في مسنده (٢ / ٦٨ ، ٩٦).

(٢) رواه أبو داود في كتاب الزكاة باب ٤٥. الترمذي في كتاب البر باب ٩. أحمد في مسنده (١ / ١٩١ ، ١٩٤).

(٣) رواه مسلم في كتاب البر حديث ١٧. أحمد في مسنده (٢ / ١٦٣).

(٤) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١٥. أبو داود في كتاب الزكاة باب ٤٥. الترمذي في كتاب البر باب ١٠. أحمد في مسنده (٢ / ١٦٣ ، ١٩٠).

(٥) رواه الترمذي في كتاب الزكاة باب ٢٦. النسائي في كتاب الزكاة باب ٢٢. ابن ماجه في كتاب الزكاة باب ٢٨. الدارمي في كتاب الزكاة باب ٣٨. أحمد في مسنده (٤ / ١٧ ، ١٨).

٣٤٢

الإيحاش والقطيعة. ثم إنه ختم الآية بما يتضمن الوعد والوعيد فقال : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) مراقبا يحفظ عليكم جميع أعمالكم فيجازيكم بحسبها.

ثم إنه سبحانه بعد تقديم موجبات الشفقة على الضعفة ومن له رحم ماسة قال (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وأصل اليتم الانفراد ومنه الرملة اليتيمة والدرة اليتيمة. فاليتامى هم الذين مات آباؤهم فانفردوا عنهم. فاليتيم لغة يتناول الصغير والكبير إلا أنه في عرف الشرع اختص بالذي لم يبلغ الحلم. قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يتم بعد الحلم» (١). والمراد أنه إذا احتلم لا تجري عليه أحكام الصغار لأنه في تحصيل مصالحه يستغني بنفسه عن كافل يكفله وقيم يقوم بأمره. فإن قيل : إذا كان اسم اليتيم في الشرع مختصا بالصغير فما دام يتيما لا يجوز دفع أمواله إليه ، وإذا صار كبيرا بحيث يجوز دفع ماله إليه لم يبق يتيما فكيف قال : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ)؟ ففي الجواب طريقان : أحدهما أن المراد باليتامى الكبار البالغون ، سماهم بذلك على مقتضى اللغة أو لقرب عهدهم باليتم كقوله : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ ساجِدِينَ) [الشعراء : ٤٦] أي الذين كانوا سحرة قبل السجود. ويؤكد هذا الطريق قوله فيما بعد (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) والإشهاد لا يصح قبل البلوغ بل إنما يصح بعد البلوغ. وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «تستأمر اليتيمة في نفسها» (٢) ولا تستأمر إلا وهي بالغة. وعلى هذا يكون في الآية إشارة إلى أن لا يؤخر دفع أموالهم إليهم عند حد البلوغ ولا يمطلوا إن أونس منهم الرشد ، وأن لا يؤتوها قبل أن يزول عنهم اسم اليتامى والصغار ، ويوافقه ما رواه مقاتل والكلبي أنها نزلت في رجل من غطفان كان معه مال كثير لأبن أخ يتيم. فلما بلغ اليتيم طلب المال فمنعه عمه فترافعا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنزلت الآية. فلما سمعها العم قال : أطعنا الله وأطعنا الرسول ، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحل داره يعني جنته. فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ثبت الأجر وبقي الوزر. فقالوا : يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال : ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده. قيل : لأنه كان مشركا. الطريق الثاني أن المراد بهم الصغار أي الذين هم يتامى في الحال آتوهم بعد زوال صفة اليتيم أموالهم ، وآتوهم من أموالهم ما يحتاجون إليه لنفقتهم وكسوتهم ، والخطاب للأولياء والأوصياء. (وَلا

__________________

(١) رواه أبو داود في كتاب الوصايا باب ٩.

(٢) رواه أبو داود في كتاب النكاح باب ٢٣. الترمذي في كتاب النكاح باب ١٩. الدارمي في كتاب النكاح باب ١٢. أحمد في مسنده (٤ / ٣٩٤ ، ٤٠٨).

٣٤٣

تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) قال الفراء والزجاج : أي لا تستبدلوا الحرام ـ وهو مال اليتامى ـ بالحلال وهو مالكم وما أبيح لكم من المكاسب ورزق الله المبثوث في الأرض فتأكلوه مكانه. والتفعل بمعنى الاستفعال غير عزيز كالتعجل بمعنى الاستعجال والتأخر بمعنى الاستئخار ، أو لا تستبدلوا الأمر الخبيث ـ وهو اختزال أموال اليتامى والاعتزال عنها حتى تتلف ـ بالأمر الطيب وهو حفظها والتورع عنها. وقال كثير من المفسرين : هذا التبدل هو أن يأخذ الجيد من مال اليتيم ويجعل مكانه الرديء. قال صاحب الكشاف : هذا ليس بتبدل وإنما هو تبديل. يريد أن الباء في بدل تدخل على المأخوذ ، وفي تبدل على المعطى. ولما كان المأخوذ الطيب كان تبديلا. ثم وجهه بأنه لعله يكارم صديقا له فيأخذ منه عجفاء مكان سمينة من مال الصبي فيكون الباء في موضعه. وقيل : معنى الآية أن يأكل مال اليتيم سلفا مع التزام بدله بعد ذلك فيكون متبدلا الخبيث بالطيب. (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ) منضمة (إِلى أَمْوالِكُمْ) وفي الانفاق تسوية بين المالين في الحل (إِنَّهُ) أي الأكل (كانَ حُوباً كَبِيراً) ذنبا عظيما. والحاب مثله ، والتركيب يدور على الضعف ، والمراد بالأكل مطلق التصرف إلا أنه خص بالذكر لأنه معظم ما يقع لأجله التصرف. وقيل : «إلى» هاهنا بمعنى «مع» والفائدة في زيادة قوله : (إِلى أَمْوالِكُمْ) أكل أموال اليتامى محرم على الإطلاق زيادة التقبيح والتوبيخ لأنهم إذا كانوا مستغنين عنها بما لهم من المال الحلال ومع ذلك طمعوا في مال اليتيم كانوا بالذم أحرى ، ولأنهم كانوا يفعلون كذلك فنعى عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم. (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) أقسط الرجل عدل وقسط جار. وقال الزجاج : أصلهما جميعا من القسط وهو النصيب. فإذا قالوا قسط فمعناه ظلم صاحبه في قسطه من قولهم : قاسطته فقسطته أي غلبته على قسطه. وإذا قالوا أقسط بالهمز فمعناه صار ذا قسط مثل أنصف إذا أتى بالنصف فيلزمه العدالة والتسوية. واعلم أن قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ) شرط وقوله : (فَانْكِحُوا) جواب له. ولا بد من بيان أن هذا الجزاء كيف يتعلق بهذا الشرط وللمفسرين فيه وجوه : الأول ما روي عن عروة أنه قال : قلت لعائشة : ما معنى قول الله تعالى : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) فقالت : يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فيرغب الرجل في مالها وجمالها إلا أنه يريد أن ينكحها بأدنى من صداقها. ثم إذا تزوج بها عاملها معاملة ردية لعلمه بأنه ليس لها من يذب عنها ويدفع شر ذلك الزوج عنها. فقال تعالى وإن خفتم أن تظلموا اليتامى عند نكاحهن فانكحوا غيرهن ما طاب لكم من العدد. قالت عائشة : ثم إن الناس استفتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد هذه الآية فيهن فأنزل الله تعالى (يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ) [النساء : ١٢٧] الآية. فقوله فيها : (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ

٣٤٤

فِي يَتامَى النِّساءِ) [النساء : ١٢٧] المراد منه هذه الآية وهي قوله : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا). وعبر في الكشاف عن هذه الرواية بعبارة أخرى وهي : كان الرجل يجد اليتيمة لها مال وجمال أو يكون وليها فيتزوجها ضنا بها عن غيره ، فربما اجتمعت عنده عشر منهن فيخاف لضعفهن وفقد من يغضب لهن أن يظلمهن حقوقهن ويفرط فيما يجب لهن فقيل لهم : إن خفتم أن لا تقسطوا في يتامى النساء فانكحوا من غيرهن (ما طابَ لَكُمْ). الثاني وهو قول سعيد بن جبير وقتادة والربيع والضحاك والسدي منقولا عن ابن عباس : لما نزلت الآية المتقدمة وما في أكل أموال اليتامى من الحوب الكبير ، خاف الأولياء لحوق الحوب فتحرجوا من ولاية اليتامى. وكان الرجل منهم ربما كانت تحته العشر من الأزواج وأكثر فلا يقوم بحقوقهن ولا يعدل بينهن فقيل لهم : إن خفتم ترك العدل في حقوق اليتامى فكونوا خائفين من ترك العدل بين النساء لأنهن كاليتامى في العجز والضعف ، فقللوا عدد المنكوحات لأن من تحرج من ذنب أو تاب عنه وهو مرتكب مثله فكأنه غير متحرج. الثالث : كانوا لا يتحرجون من الزنا ويتحرجون من ولاية اليتامى فقيل : إن خفتم ذلك فكونوا خائفين من الزنا أيضا وانكحوا ما حل لكم من النساء. الرابع روي عن عكرمة كان الرجل عنده النسوة ويكون عنده الأيتام فإذا أنفق مال نفسه على النسوة أخذ في إنفاق أموال اليتامى عليهن. فقيل : إن خفتم أن تظلموا اليتامى بأكل أموالهم عند كثرة الزوجات فقد حظرت لكم أن تنكحوا أكثر من أربع ليزول هذا الخوف ، فإن خفتم في الأربع أيضا فواحدة ، فذكر الطرف الزائد وهو الأربع والناقص وهو الواحدة ، ونبه بذلك على ما بينهما فكأنه قيل : إن خفتم الأربع فثلاثا وإن خفتم فاثنتين وإن خفتم فواحدة. قال الظاهريون : النكاح واجب لقوله : (فَانْكِحُوا) وظاهر الأمر للوجوب. وعورض بقوله تعالى : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ) [النساء : ٢٥] ولو سلم فالوجوب بحالة الخوف فلا يلزم منه الوجوب على الإطلاق وأيضا الآية سيقت لبيان وجوب تقليل الأزواج لا لأصل الوجوب وإنما قال : (ما طابَ) ولم يقل من طاب لأنه أراد به الجنس. تقول : ما عندك؟ فيقال : رجل أو امرأة. تريد ما ذلك الشيء الذي عندك أو ما تلك الحقيقة. ولأن الإناث من العقلاء تنزل منزلة غير العقلاء ومنه قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ولأن «ما» و «من» يتعاقبان. قال تعالى (وَالسَّماءِ وَما بَناها) [الشمس : ٥] (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥]. قال المفسرون : معنى (ما طابَ لَكُمْ) أي ما حل لكم من النساء لأن فيهن من يحرم نكاحها كما سيجيء. واعترض عليه الإمام بأن قوله : (فَانْكِحُوا) أمر إباحة فيؤل المعنى إلى قوله : أبحت لكم نكاح من هي مباحة لكم وهذا كلام مستدرك سلمناه ، لكن الآية تصير مجملة لأن أسباب الحل والإباحة غير مذكورة في هذه الآية. وإذا حملنا الطيب

٣٤٥

عن استطابة النفس وميل القلب كانت الآية عامة دخلها التخصيص وأنه أولى من الإجمال عند التعارض لأن العام المخصوص حجة في غير محل التخصيص ، والمجمل لا يكون حجة أصلا ، والجواب عن الأول أن ذكر الشيء ضمنا ثم صريحا لا يعد تكرارا بدليل قوله : (كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة : ٥٧] وعن الثاني أن قوله : (ما طابَ لَكُمْ) بمعنى ما حل لكم إذا كان إشارة إلى ما بقي بعد ما أخرجته آية التحريم فلا إجمال. وأما قوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ولم يوجد في كلام الفصحاء إلا هذه ، وأحاد وموحد وجوّزوا إلى عشار ومعشر قياسا على قول الكميت :

ولم يستر يثوك حتى رميت

فوق الرجال خصالا عشارا

فاتفق النحويون على أن فيها عدلا محققا. وذلك أن فائدتها تقسيم أمر ذي أجزاء على عدد معين ، ولفظ المقسوم عليه في غير العدد مكرر على الإطراد في كلام العرب نحو : قرأت الكتاب جزءا جزءا ، وجاءني القوم رجلا رجلا وجماعة جماعة. وكان القياس في باب العدد أيضا التكرير عملا بالاستقراء وإلحاقا للفرد المتنازع فيه بالأعم الأغلب ، فلما وجد ثلاث مثلا غير مكرر لفظا حكم بأن أصله لفظ مكرر وليس إلا ثلاثة ثلاثة. فعند سيبويه منع صرف مثل هذا للعدل والوصف الأصلي ، فإن هذا التركيب لم يستعمل إلا وصفا بخلاف المعدول عنه. وقيل : إن فيه عدلا مكررا من حيث اللفظ لأن أصله كان ثلاثة ثلاثة مرتين فعدل إلى واحد ثم إلى لفظ ثلاث أو مثلث. وقيل : إن فيه العدل والتعريف إذ لا يدخله اللام خلافا لما في الكشاف. وإذا جرى على النكرة فمحمول على البدل ، وضعف بعدم جريانه على المعارف ولوقوعه حالا. فمعنى الآية فانكحوا الطيبات لكم معدودات هذا العدد ثنتين ثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، فإن خفتم أن لا تعدلوا بين هذه الأعداد فواحدة. فمن قرأ بالنصب أراد : فاختاروا أو انكحوا أو الزموا واحدة ، ومن قرأ بالرفع أراد : فكفت واحدة أو فحسبكم واحدة وذروا الجمع رأسا فإن الأمر كله يدور مع العدل فأينما وجدتموه فعليكم به. ثم قال : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فسوّى في السهولة بين الحرة الواحدة وبين ما شاء من الإماء لأنهن أقل تبعة وأخف مؤنة من المهائر لا على المرء أكثر منهن أو أقل ، عدل بينهن في القسم أم لم يعدل ، عزل عنهن أم لم يعزل. ولما كانت التسوية بينها وبينهن احتج بها الشافعي في بيان أن نوافل العبادات أفضل من النكاح وذلك للإجماع على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري ، فوجب أن يكون أفضل من النكاح لأن الزائد على أحد المتساويين يكون زائدا على المساوي الآخر. ولمانع أن يمنع التسوية فإن قول الطبيب مثلا

٣٤٦

للمريض : كل التفاح أو الرمان يحتمل أن يكون للتسوية بينهما وقد يكون للمقاربة أي إن لم تجد التفاح فكل الرمان فإنه قريب منه في دفع الحاجة للضرورة ، ومع وجود هذا الاحتمال لا يتم الاستدلال على أن فضل الحرة على الأمة معلوم شرعا وعقلا. وهاهنا مسألتان : الأولى أكثر الفقهاء على أن نكاح الأربع مشروع للأحرار دون العبيد ، لأن هذا الخطاب إنما يتناول إنسانا متى طابت له امرأة قدر على نكاحها والعبد ليس كذلك لأنه لا يمكن من النكاح إلا بإذن مولاه. وأيضا إنه قال بعد ذلك (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) وهذا لا يكون إلا للأحرار ، فكذا الخطاب الأوّل لأن هذه الخطابات وردت متتالية على نسق واحد فيبعد أن يدخل التقييد في اللاحق دون السابق. وكذا قوله : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) والعبد لا يأكل فيكون لسيده. وقال مالك : يحل للعبد أن يتزوج بالأربع تمسكا بظاهر الآية. ومن الفقهاء من سلم أن ظاهر الآية يتناول العبيد إلا أنهم خصصوا هذا العموم بالقياس. قالوا : أجمعنا على أن الرق له تأثير في نقصان حقوق النكاح كالطلاق والعدة ، ولما كان العدد من حقوق النكاح وجب أن يحصل للعبد نصف ما للحر. الثانية ذهب جماعة إلى أنه يجوز التزوج بأي عدد أريد لأن قوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) إطلاق في جميع الأعداد لصحة استثناء كل عدد منه ، وقوله : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) لا يصلح مخصصا لذلك العموم لأن تخصيص بعض الأعداد بالذكر لا ينافي ثبوت الحكم في الباقي ، بل نقول : ذكرها يدل على نفي الحرج والحجر مطلقا. فإن من قال لولده افعل ما شئت اذهب إلى السوق وإلى المدرسة وإلى البستان كان تصريحا في أن زمام الاختيار بيده ولا يكون تخصيصا. وأيضا ذكر جميع الأعداد متعذر ، فذكر بعضها تنبيه على حصول الإذن في جميعها. ولئن سلمنا لكن الواو للجمع المطلق فيفيد الإذن في جمع تسعة بل ثمانية عشر لتضعيف كل منها. وأما السنة فلما ثبت بالتواتر أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم مات عن تسع وقد أمرنا باتباعه في قوله : (فَاتَّبِعُوهُ) [الأنعام : ١٥٣] وأقل مراتب الأمر الإباحة. وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «فمن رغب عن سنتي فليس مني» (١) والمعتمد عند الجمهور في جوابهم أمران : أحدهما الخبر كنحو ما روي أن نوفل بن معاوية أسلم وتحته خمس نسوة فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمسك أربعا وفارق واحدة». وزيف بأن القرآن دل على عدم الحصر ، ونسخ القرآن بخبر الواحد غير جائز ، وبأن الأمر بمفارقة الزائدة قد يكون لمانع النسب أو الرضاع. وأقول : إن القرآن لم

__________________

(١) رواه البخاري في كتاب النكاح باب ١. مسلم في كتاب النكاح حديث ٥. النسائي في كتاب النكاح باب ٤. الدارمي في كتاب النكاح باب ٣. أحمد في مسنده (٢ / ١٥٨) ، (٣ / ٢٤١).

٣٤٧

يدل على عدم الحصر ، غايته أنه لم يدل على الحصر فيكون مجملا. وبيان المجمل بخبر الواحد جائز. وأيضا قوله «أمسك أربعا» على الإطلاق وكذا «فارق واحدة» دليل على أن المانع هو الزيادة على الأربع لا غيرها ، وكذا في نظائر هذا الحديث. وثانيهما إجماع فقهاء الأمصار. وضعف بأن الإجماع مع وجود المخالف لا ينعقد ، وبتقدير التسليم فإن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به. والجواب أن المخالف إذا كان شاذا فلا يعبأ به ، والقرآن لم يدل على عدم الحصر حتى يلزم نسخ الإجماع إياه ولكن الإجماع دل على وجود مبين في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ولئن سلم أن القرآن دل على عدم الحصر فالإجماع يكشف عن وجود ناسخ في عهده وذلك جائز بالاتفاق. لا يقال : فعلى تقدير الحصر كان ينبغي أن يقال مثنى أو ثلاث أو رباع بأو الفاصلة ، لأنا نقول : يلزم حينئذ أن لا يجوز النكاح إلا على أحد هذه الأقسام ، فلا يجوز لبعضهم أن يأتي بالتثنية ، ولفريق ثان بالتثليث ، والآخرين بالتربيع ، فيذهب معنى تجويز الجمع بين أنواع القسمة الذي دلت عليه الواو. (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي اختيار الواحدة أو التسري أقرب من أن لا تميلوا أو لا تجوروا. وكلا اللفظين مروي عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من قولهم : عال الميزان عولا إذا مال. وعال الحاكم في حكمه إذا جار. ومنه عالت الفريضة إذا زادت سهامها. وفيه الميل عن الاعتدال. وقيل : معناه أن لا تفتقروا. ورجل عائل أي فقير وذلك أنه إذا قل عياله قلت نفقاته فلم يفتقر. ونقل عن الشافعي أنه قال : معناه أن لا تكثر عيالكم. وطعن فيه بعض القاصرين بأن هذا في اللغة معنى «تعيلوا» لا معنى «تعولوا». يقال : أعال الرجل إذا كثر عياله. ومنه قراءة طاوس أن لا تعيلوا وأيضا إنه لا يناسب أول الآية. (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا) وأيضا هب أنه يقل العيال في اختيار الحرة الواحدة ، فكيف يقل عند اختيار التسري ولا حصر لهن؟ والجواب عن الأوّل أن الشافعي لم يذهب إلى تفسير اللغة وإنما زعم أنه تعالى أشار إلى الشيء بذكر لازمه أي جعل الميل والجور كناية عن كثرة العيال ، لأن كثرة العيال لا تنفك عن الميل والجور. وقرر الكناية في الكشاف على وجه آخر ، وهو أنه جعل قوله تعالى : (أَلَّا تَعُولُوا) من عال الرجل عياله يعولهم كقولك : مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم. ولا شك أن من كثر عياله لزمه أن يعولهم ، وفي ذلك ما تصعب عليه المحافظة على حدود الورع وكسب الحلال. فالحاصل أنه ذكر اللازم وهو الإنفاق وأراد الملزوم وهو كثرة العيال. والحاصل على ما قلنا أنه ذكر اللازم وهو الميل والجور وأراد الملزوم وهو كثرة العيال. والجواب عن الثاني أن حمل الكلام على ما لا يلزم منه تكرار أولي وبتقدير التسليم فتفسير الشافعي أيضا يؤل إلى تفسير الجمهور لكن بطريق الكناية كما قررنا. وعن الثالث أن

٣٤٨

الجواري إذا كثرن فله أن يكلفهن الكسب فينفقن على أنفسهن وعلى مولاهن أيضا فكأنه لا عيال. وأيضا إذا عجز المولى باعهن وتخلّص منهن بخلاف المهائر فإن الخلاص عنهن يفتقر إلى تسليم المهر إليهن. وقال في الكشاف : العزل عن السراري جائز بغير إذنهن فكن مظان قلة الولد بالإضافة إلى التزوج. (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) أي مهورهن. والخطاب للأزواج وهو قول علقمة وقتادة والنخعي واختيار الزجاج لأن ما قبله خطاب للناكحين. وقيل : خطاب للأولياء لأن العرب كانت في الجاهلية لا تعطي البنات من مهورهن شيئا ، ولذلك كانوا يقولون لمن ولدت له ابنة : هينئا لك النافجة ـ يعنون أنك تأخذ مهرها إبلا فتضمها إلى إبلك فتنفج مالك أي تعظمه. وقال ابن الأعرابي : النافجة ما يأخذه الرجل من الحلوان إذا زوج ابنته. فنهى الله عن ذلك وأمر بدفع الحق إلى أهله ، وهذا قول الكلبي وأبي صالح واختيار الفراء وابن قتيبة. قال القفال : يحتمل أن يكون المراد من الإيتاء المناولة فيكونوا قد أمروا بدفع المهور التي سموها لهن ، ويحتمل أن يراد الالتزام كقوله : (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) [التوبة : ٢٩] أي حتى يضمنوها ويلتزموها. فيكون المعنى أن الفروج لا تستباح إلا بعوض يلتزم سواء سمي ذلك أو لم يسم إلا ما خص به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الموهوبة. قال : ويجوز أن يراد الوجهان جميعا. أما قوله نحلة فقد قال ابن عباس وقتادة وابن جريج وابن زيد : أي شريعة وديانة. فيكون مفعولا له ، أو حالا من الصدقات أي دينا من الله شرعه وفرضه. وقال الكلبي : أي عطية وهبة فيكون نصبا على المصدر لأن النحلة والإيتاء بمعنى الإعطاء ، أو على الحال من المخاطبين أي آتوهن صدقاتهن ناحلين طيبي النفوس بالإعطاء من غير مطالبة منهن ، لأن ما يؤخذ بالمطالبة لا يسمى نحلة ، أو من الصدقات أي منحولة معطاة عن طيب نفس. وإنما سميت عطية من الزوج لأن الزوج لا يملك بدله شيئا ، لأن البضع في ملك المرأة بعد النكاح كهو قبله. وإنما الذي استحقه الزوج هو الاستباحة لا الملك. والنحلة العطية من غير بدل. وقال قوم : إن الله تعالى جعل منافع النكاح من قضاء الشهوة والتوالد مشتركا بين الزوجين ، ثم أمر الزوج بأن يؤتي الزوجة المهر وكان ذلك عطية من الله تعالى ابتداء. ثم لما أمرهم بإيتاء الصدقات أباح لهم جواز قبول إبرائها وهبتها. وانتصب (نَفْساً) على التمييز وإنما وحد لأنه لا يلبس أن النفس لهن لأنهن أنفس ولو جمعت لجاز. والضمير في (مِنْهُ) للصداق أو للمذكور في قوله : (طِبْنَ) وبناء الكلام على الإبهام ثم التمييز دون أن يقول سمحن أو وهبن. وفي قوله : (عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) دون أن يقول عنه تنبيه على أن قبول ذلك إنما يحل إذا طابت نفوسهن بالهبة من غير اضطرار وسوء معاشرة من الزوج يحملهن على ذلك وبعث لهن على تقليل الموهوب ،

٣٤٩

ولهذا ذكر الضمير في (مِنْهُ) لينصرف إلى الصداق الواحد فيكون متناولا بعضه ، ولو أنث لتناول ظاهره هبة الصداق كله لأن بعض الصدقات واحدة منها أو أكثر. ومن هذا التقرير يظهر أن «من» في قوله : (مِنْهُ) للتبعيض إخراجا للكلام مخرج الغالب مع فائدة البعث المذكور لأنه لا يجوز هبة كل الصداق إذا طابت نفسها عن المهر بالكلية ، ومن غفل عن هذه الدقيقة زعم أن «من» للتبيين والمعنى عن شيء هو هذا الجنس يعني الصداق. (فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) صفتان من هنؤ الطعام ومرؤ إذا كان سائغا لا تنغيص فيه. وقيل : الهنيء ما يستلذه الآكل ، والمريء ما تحمد عاقبته. وقيل : هو ما ينساغ في مجراه ومنه يقال : المريء لمجرى الطعام من الحلقوم إلى فم المعدة. وقيل : أصله من الهناء وهو معالجة الجرب بالقطران. فالهنيء شفاء من الجرب. وبالجملة فهو عبارة عن التحلل أو المبالغة في إزالة التبعة في الدنيا والآخرة. وهما صفتان للمصدر أي أكلا هنيئا مريئا ، أو حال من الضمير أي كلوه وهو هنيء مريء. وقد يوقف على قوله : (فَكُلُوهُ) ويبتدأ (هَنِيئاً مَرِيئاً) على الدعاء أو على أنهما قاما مقام مصدريهما أي هنأ مرأ. والمراد بالأكل التصرف الشامل للعين والدين. قال بعض العلماء : إن وهبت ثم طلبت علم أنها لم تطب عنه نفسا. وعن عمر أنه كتب إلى قضاته أن النساء يعطين رغبة ورهبة فأيما امرأة أعطت ثم أرادت أن ترجع فذلك لها. وعن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سئل عن هذه الآية فقال : إذا جادت لزوجها بالعطية طائعة غير مكرهة لا يقضي به عليكم سلطان ولا يؤاخكم الله به في الآخرة.

ثم إنه تعالى لما أمر بإيتاء اليتامى أموالهم ويدفع صدقات النساء إليهن ، استثنى منهم خفاف الأحلام وإن بلغوا أوان التكليف فقال : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) أكثر العلماء على أن هذا الخطاب للأولياء. فورد أن الأنسب أن لو قيل أموالهم. وأجيب بأنه إنما حسنت إضافة الأموال إلى المخاطبين إجراء للوحدة النوعية مجرى الوحدة الشخصية كقوله : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٨٥] ومعلوم أن الرجل منهم ما كان يقتل نفسه ولكن كان بعضهم يقتل بعضا فقيل : «أنفسكم» لأن الكل من نوع واحد فكذا هنا المال شيء ينتفع به الإنسان ويحتاج إليه ، فلهذه الوحدة النوعية حسنت إضافة أموال السفهاء إلى أوليائهم. ويحتمل أن يضاف المال إليهم لا لأنهم ملكوه بل لأنهم ملكوا التصرف فيه ، ويكفي في حسن الإضافة أدنى سبب. وقيل : خطاب للآباء نهاهم الله تعالى إذا كان أولادهم سفهاء أن يدفعوا أموالهم أو بعضها إليهم. فعلى هذا تكون إضافة الأموال إليهم حقيقة. والغرض الحث على حفظ المال وأنه إذا قرب أجله يجب عليه أن يوصي بماله إلى أمين يحفظه على ورثته. وقد يرجح القول الأول بأن ظاهر النهي للتحريم ، وأجمعت الأمة على

٣٥٠

أنه لا يحرم عليه أن يهب من أولاده الصغار ومن النسوان ما شاء من ماله. وأجمعوا على أنه يحرم على الولي أن يدفع إلى السفهاء أموالهم ، وأيضا قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) هذه الأوامر تناسب حال الأولياء لا الآباء. وأقول : لا يبعد حمل الآية على كلا القولين ، لأن الإضافة في أموالكم لا تفيد إلا الاختصاص سواء كان اختصاص الملكية أو اختصاص التصرف. واختلفوا في السفهاء فعن مجاهد والضحاك أنها النساء أزواجا كن أو أمهات أو بنات ، وهو مذهب ابن عمرو يدل عليه ما روى أبو أمامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ألا إنما خلقت النار للسفهاء» يقولها ثلاثا. وإن السفهاء النساء إلا امرأة أطاعت قيمها. وقد جمع فعلية على فعلاء كفقيرة وفقراء. وقال الزهري وابن زيد : هم الأولاد الخفاف العقول. وعن ابن عباس والحسن وقتادة وسعيد بن جبير : إذا علم الرجل أن امرأته سفيهة مفسدة وأن ولده سفيه مفسد فلا ينبغي له أن يسلط واحدا منهما على ماله. والصحيح أن المراد بالسفهاء كل من ليس له عقل يفي بحفظ المال ولا يد له بإصلاحه وتثميره والتصرف فيه ، ويدخل فيه النساء والصبيان والأيتام والفساق وغيرهم مما لا وزن لهم عند أهل الدين والعلم بمصالح الدارين ، فيضع المال فيما لا ينبغي ويفسده. ومعنى (جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً) أنه لا يحصل قيامكم وانتعاشكم إلا به. سماه بالقيام إطلاقا لاسم المسبب على السبب. ومن قرأ قيما فعلى حذف الألف من (قِياماً) وهو مصدر قام وأصله قوام قلبت الواو ياء لإعلال فعله. فإن لم يكن مصدرا لم يعل كقوام لما يقام به. وكان السلف يقولون : المال سلاح المؤمن ، ولأن أترك ما لا يحاسبني الله عليه خير من أحتاج إلى الناس. وقال عبد الله بن عباس : الدراهم والدنانير خواتيم الله في الأرض لا تؤكل ولا تشرب حيث قصدت بها قضيت حاجتك. وقال قيس بن سعد : اللهم ارزقني حمدا ومجدا فإنه لا حمد إلا بفعال ، ولا مجد إلا بمال. وقيل لأبي الزناد : لم تحب الدراهم وهي تدنيك من الدنيا؟ قال : هي وإن أدنتني فقد صانتني عنها. وكانوا يقولون : اتجروا واكتسبوا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلا في تشييع جنازة فقالوا له : اذهب إلى مكانك. وقال بعض الحكماء : من أضاع ماله فقد ضارّ الأكرمين : الدين والعرض. وفي منثور الحكم : من استغنى كرم على أهله. وفيه : الفقر مخذلة ، والغنى مجدلة ، والبؤس مرذلة ، والسؤال مبذلة. وكان يقال : الدراهم مراهم لأنها تداوي كل جرح ويطيب بها كل صلح. وقال أبو العتاهية :

أجلك قوم حين صرت إلى الغنى

وكل غني في العيون جليل

إذا مالت الدنيا على المرء رغبت

إليه ومال الناس حيث تميل

٣٥١

وليس الغنى إلا غنى زين الفتى

عشية يقرى أو غداة ينيل

وقد اختلف أقوال الناس في تفضيل الغنى والفقر مع اتفاقهم أن ما أحوج من الفقر مكروه ، وما أبطر من الغنى مذموم. فذهب قوم إلى تفضيل الغنى على الفقر ، لأن الغني مقتدر والفقير عاجز والقدرة أفضل من العجز. وهذا مذهب من غلب عليه حب النباهة. وذهب آخرون إلى تفضيل الفقر على الغنى ، لأن الفقير تارك والغنى ملابس ، وترك الدنيا أفضل من ملابستها وهذا قول من غلب عليه حب السلامة. وقال الباقون : خير الأمر أوساطها ، والفضل للاعتدال بين الفقر والغنى ليصل إلى فضيلة الأمرين ، ويسلم من مذمة الحالين.

ومن كلفته النفس فوق كفافها

فما ينقضي حتى الممات عناؤه

والحاصل أن الإنسان ما لم يكن فارغ البال لا يمكنه القيام بمصالح الدارين ، ولا يكون فارغ البال إلا بواسطة المال ، فبذلك يتمكن من جلب المنافع ودفع المضار ولهذا رغب الله تعالى في حفظه هاهنا. وفي آية المداينة حيث أمر بالكتاب والشهادة والرهان المقبوضة ، فمن أراد الدنيا لهذا الغرض فنعمت المعونة هي ، ومن أرادها لعينها فيا لها من حسرة وندامة. ثم إنه سبحانه أمر بعد ذلك بثلاثة أشياء وذلك قوله : (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) وإنما لم يقل «منها» كيلا يكون أمرا بجعل بعض أموالهم رزقا لهم فيأكلها الإنفاق ، بل أمر بأن يجعلوها مكانا لرزقهم بأن يتجروا فيها ويربحوها حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من أصول الأموال وصلبها (وَاكْسُوهُمْ) كل من الرزق والكسوة بحسب المصلحة وكما يليق بحال أمثالهم (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) قال ابن جريج ومجاهد : هو عدة جميلة من البر والصلة. وقال ابن عباس : هو مثل أن يقول : إذا ربحت في سفري هذا فعلت بك ما أنت أهله ، وإن غنمت في غزاتي جعلت لك حظا. وقال ابن زيد : إن لم يكن ممن وجبت نفقته عليك فقل : عافانا الله وإياك وبارك الله فيك. وقال الزجاج : علموهم مع إطعامكم وكسوتكم إياهم أمر دينهم بما يتعلق بالعلم والعمل. وقال القفال : إن كان صبيا فالولي يعرّفه أن المال ماله وأنه إذا زال صباه فإن يرّد المال إليه كقوله : (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) [الضحى : ٩] أي لا تعاشره بالتسلط عليه كما تعاشر العبيد وإن كان سفيها ، وعظه ونصحه وحثه على الصلاة وعرفه أن عاقبة الإسراف فقر واحتياج. وبالجملة فكل ما سكنت إليه النفس وأحبته لحسنه عقلا أو شرعا من قول أو عمل فهو معروف ، وما نفرت منه لقبحه فمنكر. ثم بيّن أن السفهاء متى يؤتون أموالهم فشرط في ذلك شرطين : أحدهما بلوغ النكاح والثاني إيناس

٣٥٢

الرشد منهم. فبلوغ النكاح أن يحتلم لأنه يصلح للنكاح عنده ، ولطلب ما هو مقصود به وهو التوالد ومناط الاحتلام خروج المني ، ويدخل وقت إمكانه باستكمال تسع سنين قمرية أو يبلغ خمس عشرة سنة تامة قمرية عند الشافعي ، وثماني عشرة عند أبي حنيفة. وهذان مشتركان بين الغلام والجارية ولها أمارتان أخريان : الحيض أو الحبل ، ولطفل الكفار أمارة زائدة هي إنبات الشعر الخشن على العانة. وأما الإيناس ففي اللغة الإبصار. والمراد في الآية التبين والعرفان. والرشد خلاف الغيّ. ومعنى قوله : (وَابْتَلُوا الْيَتامى) اختبروا عقولهم وذوقوا أحوالهم ومعرفتهم بالتصرف قبل البلوغ ، ومن هنا قال أبو حنيفة : تصرفات الصبي العاقل المميز بإذن الولي صحيحة لأن الابتلاء المأمور به قبل بلوغهم إنما يحصل إذا أذن له في البيع والشراء. وقال الشافعي : الابتلاء قبل البلوغ لا يقتضي الإذن في التصرف لأن الإذن يتوقف على دفع المال إليهم ، ولكن لا يصح دفع المال إليهم لأنه موقوف على الشرطين. بل المراد بالابتلاء اختبار عقله واستبراء حاله حسبما يليق بكل طائفة. فولد التاجر يختبر في البيع والشراء بحضوره ، ثم باستكشاف ذلك البيع والشراء منه وما فيهما من المصالح والمفاسد. وقد يدفع إليه شيئا ليبيع أو يشتري فيعرف بذلك مقدار فهمه وعقله ، ثم الولي بعد ذلك يتم العقد لو أراد. وولد الزارع يختبر في أمر المزارعة والإنفاق على القوّام بها ، وولد المحترف فيما يتعلق بحرفته ، والمرأة في أمر القطن والغزل وحفظ الأقمشة وصون الأطعمة عن الهرة والفأرة وما أشبهها. ولا يكفي المرة الواحدة في الاختبار بل لا بد من مرتين وأكثر على ما يليق بالحال ويفيد غلبة الظن أنه رشد نوعا من الرشد يختص بحاله ، لا الرشد من جميع الوجوه وعلى أكمل ما يمكن ولهذا ورد منكرا. وقد ظهر مما ذكرنا أنه لا بد بعد البلوغ من الرشد فيما يتعلق بصلاح ماله بحيث لا يقدر الغير على خديعته. ثم إن أبا حنيفة قال : إذا بلغ مهتديا إلى وجوه مصالح الدنيا فهو رشيد يدفع إليه ماله. وقال الشافعي : لا بد مع ذلك من الاهتداء لمصالح الدين ، فإن الفاسق لا يخلو من إتلاف المال في الوجوه الفاسدة المحرمة ، وقد نفى الله تعالى الرشد عن فرعون في قوله (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود : ٩٧] مع أنه كان يراعي مصالح الدنيا. ويتفرع على القولين أن الشافعي يرى الحجر على الفاسق وأبا حنيفة لا يراه. ثم إنه إذا بلغ غير رشيد واستمر على ذلك لم يدفع إليه ماله بالاتفاق إلى خمس وعشرين سنة ، وفيما وراء ذلك خلاف. فعند أصحاب أبي حنيفة وعند الشافعي لا يدفع إليه أبدا إلا بإيناس الرشد كما هو مقتضى الآية. وعند أبي حنيفة يدفع لأن مدة بلوغ الذكر عنده بالسن ثماني عشرة سنة ، فإذا زادت عليها سبع سنين وهي مدة معتبرة

٣٥٣

في تغير أحوال الإنسان لقوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «مروهم بالصلاة لسبع» (١) دفع إليه ماله ، أونس منه رشد أو لم يؤنس. ثم قال : (وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا) مصدران في موضع الحال أي مسرفين ومبادرين كبرهم ، أو مفعول لهما أي لإسرافكم ومبادرتكم كبرهم. والإسراف التبذير ضد القصد والإمساك. والكبر في السن وقد كبر الرجل بالكسر يكبر بالفتح كبرا أي أسن ، وكبر بالضم يكبر كبرا وكبارة أي عظم. نهاهم عن الإفراط في الإنفاق كما يشتهون قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيديهم (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ) فليمتنع منه وليتركه. وفي السين زيادة مبالغة كأنه طلب مزيد العفة (وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) وللعلماء خلاف في أن الوصي هل له أن ينتفع بمال اليتيم؟ قال الشافعي : له أن يأخذ قدر ما يحتاج إليه وبقدر أجرة عمله ، لأن النهي في الآية عن الإسراف مشعر بأن له أن يأكل بقدر الحاجة ، ولا سيما إذا كان فقيرا ، ولما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رجلا قال له : إن في حجري يتيما أفآكل من ماله؟ قال : بالمعروف غير متأثل مالا ولا واق مالك بماله. قال : أفأضربه؟ قال : مما كنت ضاربا منه ولدك. وروي أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمار وابن مسعود وعثمان بن حنيف : سلام عليكم. أما بعد فإني قد رزقتكم كل يوم شاة شطرها لعمار ، وربعها لعبد الله بن مسعود ، وربعها لعثمان ألا وإني قد أنزلت نفسي وإياكم من مال الله منزلة والي مال اليتيم ، (مَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ). وأيضا قياسا على الساعي في أخذ الصدقات وجمعها فإنه يضرب له في تلك الصدقات بسهم ، فكذا هنا. وعن سعيد بن جبير ومجاهد وأبي العالية أن له أن يأخذ بقدر ما يحتاج إليه قرضا ، ثم إذا أيسر قضاه ، وإن مات ولم يقدر على القضاء فلا شيء عليه. وأكثر العلماء على أن هذا الاقتراض إنما جاء في أصول الأموال من الذهب والفضة وغيرهما. وأما التناول من ألبان المواشي واستخدام العبيد وركوب الدواب فمباح له إذا كان غير مضر بالمال. وقال أبوبكر الرازي : الذي نعرفه من مذهب أصحابنا أنه لا يأخذه لا على سبيل القرض ولا على سبيل الابتداء ، سواء كان غنيا أو فقيرا ، واحتج بقوله تعالى (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وأجيب بأنها عامة. وقوله : (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) خاص والخاص مقدم على العام. قال : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) وأجيب بأن محل النزاع هو أن أكل الوصي مال اليتيم ظلم أو لا؟ قال : (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) وهو أيضا عين النزاع. ثم اعلم أن الأئمة اتفقوا على أن الوصي إذا دفع المال إلى اليتيم بعد بلوغه رشيدا فالأولى والأحوط أن يشهد عليه إظهارا

__________________

(١) رواه الترمذي في كتاب المواقيت باب ١٨٢. بلفظ «علموا الصبي الصلاة ابن سبع».

٣٥٤

للأمانة وبراءة من التهمة. ولكن اختلفوا في أن الوصي إذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال إليه فهل هو مصدق؟ فقال أبو حنيفة وأصحابه : يصدق بيمينه كسائر الأمناء. وقال مالك والشافعي : لا يصدق إلا بالبينة لأنه تعالى نص على الإشهاد فقال : (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) وظاهر الأمر للوجوب ، ولأنه أمين من جهة الشرع لا من جهة اليتيم ، وليس له نيابة عامة كالقاضي ، ولا كمال الشفقة كالأب. نعم يصدق في قدر النفقة وفي عدم التقتير والإسراف لعسر إقامة البينة على ذلك وتنفيره الناس عن قبول الوصاية (وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) أي كافيا في الشهادة عليكم بالدفع والقبض ، أو محاسبا كالشريب بمعنى المشارب ، وفيه تهديد للولي ولليتيم أن يتصادقوا ولا يتكاذبوا. والباء في (بِاللهِ) زائدة نظرا إلى أصل المعنى وهي كفى الله. و (حَسِيباً) نصب على التمييز ، ويحتمل الحال. ثم من هاهنا شرع في بيان المواريث والفرائض. قال ابن عباس : إن أوس بن ثابت الأنصاري توفي وترك امرأة يقال لها أم كحة وثلاث بنات له منها. فقام رجلان ـ هما ابنا عم الميت ووصياه سويد وعرفجة ـ فأخذا ماله ولم يعطيا امرأته ولا بناته شيئا ، وكانوا في الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصغير وإن كان ذكرا ، إنما يورثون الرجال الكبار وكانوا يقولون لا يعطى إلا من قاتل على ظهور الخيل وذاد عن الحوزة وحاز الغنيمة. قال : فجاءت أم كحة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أوس بن ثابت مات وترك لي بنات وأنا امرأته وليس عندي ما أنفق عليهن ، وقد ترك أبوهن مالا حسنا وهو عند سويد وعرفجة ولم يعطياني ولا بناته من المال شيئا. فدعاهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالا : يا رسول الله ولدها لا يركب فرسا ، ولا يحمل كلا ، ولا ينكي عدوّا. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انصرفوا حتى أنظر ما يحدث الله لي فيهن. فانصرفوا فأنزل الله (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) الآية. فبعث إليهما لا تقربا من مال أوس شيئا فإن الله قد جعل لهن نصيبا ، ولم يبين حتى يتبين فنزلت (يُوصِيكُمُ اللهُ) فأعطى أم كحة الثمن ، والبنات الثلثين ، والباقي ابني العم. وسبب الإجمال في الآية ثم التفصيل فيما بعد ، هو أن الفطام من المألوف شديد ، والتدرج في الأمور دأب الحكيم ، وهكذا قد نزل الأحكام والتكاليف شيئا بعد شيء إلى أن كملت الشريعة الحقة وتم الدين الحنيفي (مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ) بدل (مِمَّا تَرَكَ) بتكرير العامل و (نَصِيباً مَفْرُوضاً) نصب على الاختصاص تقديره أعني نصيبا ومقطوعا مقدرا لا بد لهم أن يحوزوه ، أو على المصدر المؤكد كأنه قيل : قسمة مفروضة. احتج بعض أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية على توريث ذوي الأرحام كالعمات والخالات والأخوال وأولاد البنات ، لأن الكل من الأقربين. غاية ما في الباب أن مقدار أنصبائهم غير مذكور هاهنا إلا أنا

٣٥٥

نثبت بالآية استحقاقهم لأصل النصيب ، ونستفيد المقادير من سائر الدلائل. وأجيب بأنه تعالى قال : (نَصِيباً مَفْرُوضاً) وبالإجمال ليس لذوي الأرحام نصيب مقدر. وأيضا الواجب عندهم ما علم ثبوته بدليل مظنون ، والمفروض ما علم بدليل قاطع ، وتوريث ذوي الأرحام ليس من هذا القبيل بالاتفاق ، فعرفنا أنه غير مراد من الآية. وأيضا ليس المراد بالأقربين من له قرابة ما وإن كانت بعيدة وإلا دخل جميع أولاد آدم فيه. فالمراد إذن أقرب الناس إلى الوارث ، وما ذاك إلا الوالدين والأولاد. ودخول الوالدين في الأقربين يكون كدخول النوع في الجنس ، فلا يلزم تكرار والله تعالى أعلم. قال المفسرون : إنه تعالى لما ذكر في الآية للنساء أسوة بالرجال في أن لهن حظا من الميراث ، وعلم أن في الأقارب من يرث وفيهم من لا يرث وربما حضروا القسمة فلا يحسن حرمانهم قال : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) الآية. ثم منهم من قال بوجوبه ومنهم من قال باستحبابه. وعلى الوجوب فعن سعيد بن المسيب والضحاك أنها منسوخة بآية المواريث ، وعن أبي موسى الأشعري وإبراهيم النخعي والشعبي والزهري ومجاهد والحسن وسعيد بن جبير أنها محكمة لكنها مما تهاون به الناس ، قال الحسن : أدركنا الناس وهم يقسمون على القرابات واليتامى والمساكين من الورق والذهب ، فإذا آل الأمر إلى قسمة الأرضين والرقيق وما أشبه ذلك قالوا لهم قولا معروفا. كانوا يقولون لهم : ارجعوا بورك فيكم. وعلى الاستحباب وهو مذهب فقهاء الأمصار اليوم قالوا : إن هذا الرضخ يستحب إذا كانت الورثة كبارا ، أما إذا كانوا صغارا فليس إلا القول المعروف كأن يقول الولي : إني لا أملك هذا المال إنما هو لهؤلاء الضعفاء الذين لا يعرفون ما عليهم من الحق ، وإن يكبروا فسيعرفون حقكم. والضمير في (مِنْهُ) إما أن يعود إلى ما ترك ، وإما إلى الميراث بدليل ذكر القسمة. وقيل : المراد قسمة الوصية. وإذا حضرها من لا يرث من الأقرباء واليتامى والمساكين ، أمر الله الموصي أن يجعل لهم نصيبا من تلك الوصية ويقول لهم مع ذلك قولا معروفا. وقيل : أولو القربى الوارثون واليتامى والمساكين الذين لا يرثون. وقوله : (وَقُولُوا لَهُمْ) راجع إلى هؤلاء الذين لا يرثون. ويحكى هذا القول عن سعيد بن جبير. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا) الجملة الشرطية وهي «لو» مع ما في حيزه صلة الذين. والمعنى ليخشى الذين من صفتهم وحالهم أنهم لو تركوا ذرية ضعافا خافوا عليهم. وأما المخشى فغير منصوص عليه. قال بعض المفسرين : هم الأوصياء أمروا بأن يخشوا الله فيخافوا على من في حجورهم من اليتامى خوفهم على ذريتهم لو تركوهم ضعافا ، أو أمروا بأن يخشوا على اليتامى من الضياع كما يخشون على أولادهم لو تركوهم ، وعلى هذا فيكون القول السديد أي الصواب. القصد هو أن لا يؤذوا اليتامى ويكلموهم كما يكلمون أولادهم بالقول الجميل ويدعوهم بيا بني ويا ولدي ، وهذا

٣٥٦

القول أليق بما تقدم وتأخر من الآيات الواردة في باب الأيتام. نبههم الله على حال أنفسهم وذريتهم إذا تصوروها ليكون ذلك أجدر ما يدعوهم إلى حفظ مال اليتيم كما قال القائل :

لقد زاد الحياة إليّ حبا

بناتي إنهن من الضعاف

أحاذر أن يرين البؤس بعدي

وأن يشربن رنقا بعد صافي

وقيل : هم الذين يجلسون إلى المريض فيقولون : إن ذريتك لا يغنون عنك من الله شيئا. فقدّم مالك ، ولا يزالون يأمرونه بالوصية إلى الأجانب إلى أن يستغرق المال بالوصايا. فأمروا بأن يخشوا ربهم ويخشوا على أولاد المريض خوفهم على أولاد أنفسهم لو كانوا. وعلى هذا تكون الآية نهيا للحاضرين عن الترغيب في الوصية. والقول السديد أن يقولوا للمريض لا تسرف في الوصية فتجحف بأولادك مثل قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسعد : الثلث كثير. وكان الصحابة رضي‌الله‌عنهم يستحبون أن لا تبلغ الوصية الثلث وإن الخمس أفضل من الربع والربع من الثلث. وقيل : يجوز أن تتصل الآية بما قبلها فيكون أمرا للورثة بالشفقة على الذين يحضرون القسمة من الضعفاء ، وأن يتصوروا أنهم لو كانوا أولادهم خافوا عليهم الحرمان. وعن حبيب بن ثابت سألت مقسما عن الآية. فقال : هو الرجل الذي يحضره الموت ويريد الوصية للأجانب فيقول له من كان عنده : اتق الله وأمسك على ولدك مالك. مع أن ذلك الإنسان يحب أن يوصي له. وعلى هذا يكون نهيا عن الوصية ولا يساعده قوله : (لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) ثم أكد الوعيد في باب إهمال مال اليتيم فقال (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) أي ظالمين أو على وجه الظلم من ولاة السوء وقضاته لا بالمعروف (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) أي ملء بطونهم نارا أي ما يجر إلى النار وكأنه نار في الحقيقة. وقال السدي : يبعث آكل مال اليتيم يوم القيامة والدخان يخرج من قبره ومن فيه وأنفه وأذنيه وعينيه ، فيعرف الناس أنه كان يأكل مال اليتيم في الدنيا. وعن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت ليلة أسري بي قوما لهم مشافر كمشافر الإبل وقد وكل بهم من يأخذ بمشافرهم ثم يجعل في أفواههم صخرا من النار يخرج من أسافلهم فقال جبريل : هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما». (وَسَيَصْلَوْنَ) من قرأ بفتح الياء فهو من صلى فلان النار بالكسر يصلى صليا احترق. ومن قرأ بالضم فمعناه الإلقاء في النار لأجل الإحراق من الإصلاء. وقد يشدد من التصلية والمعنى واحد. والسعير النار ، وسعرت النار والحرب هيجتها وألهبتها فهي سعير أي مسعورة. والتنكير للتعظيم أي نارا مبهمة الوصف لا يعلم شدتها إلا خالقها. قالت المعتزلة : لا يجوز أن يدخل تحت هذا الوعيد آكل اليسير من

٣٥٧

ماله ، بل لا بد أن يكون مقدار خمسة دراهم لأنه القدر الذي وقع عليه الوعيد في آية الكنز في منع الزكاة ولا بد مع ذلك من عدم التوبة. فقيل لهم : إنكم خالفتم هذا العموم من وجهين : من جهة شرط عدم التوبة ، ومن جهة شرط عدم كونه صغيرة ، فلم لا يجوز لنا أن نزيد فيه شرط عدم العفو؟ وهاهنا نكتة وهي أنه أوعد مانع الزكاة بالكي ، وآكل مال اليتيم بامتلاء البطن من النار. ولا شك أن هذا الوعيد أشد ، والسبب فيه أن الفقير غير مالك لجزء من النصاب حتى يملكه المالك ، واليتيم مالك لماله فكان مع اليتيم أشنع. وأيضا الفقير يقدر على الاكتساب من وجه آخر أو على السؤال ، واليتيم عاجز عنهما فكان ضعفه أظهر وهذا من كمال عنايته تعالى بالضعفاء فنرجو أن يرحم ذلنا وضعفنا بعزته وقوته.

التأويل : ذكر الناسين بدء خلقهم بالأشباح والأرواح فخلقوا بالأشباح من آدم ، وبالأرواح من روح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال : أول ما خلق الله روحي فهو أبو الأرواح. وخلق من الروح زوجه وهي النفس ، خلقها من أدنى شعاع من أشعة أنوار روح محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً) أرواحا كاملين (وَنِساءً) أرواحا ناقصات (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ) أي اتقوه أن تساءلوا به غيره (وَالْأَرْحامَ) ولا تقطعوا رحم رحمتي بصلة غيري (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) تزكية عن آفة الحرص والحسد والدناءة والخسة والطمع وتحلية بالقناعة والمروءة وعلو الهمة والعافية (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) تزكية عن آفة الخيانة والخديعة وتحلية بالأمانة وسلامة الصدر (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) تزكية عن الجور وتحلية بالعدل ، فإن اجتماع هذه الرذائل كان حوبا كبيرا حجابا عظيما (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ) تزكية عن الفاحشة وتحلية بالعفة (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) تزكية عن الحدة والغضب ، وتحلية بالسكون والحلم (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَ) تزكية عن البخل والغدر وتحلية بالوفاء والكرم (فَكُلُوهُ هَنِيئاً) تزكية عن الكبر والأنفة وتحلية بالتواضع والشفقة. فهذه كلها إشارات إلى تربية يتامى القلوب والنفوس بإيتاء حقوق تزكيتهم عن هذه الأوصاف وتحليتهم بهذه الأخلاق. ثم نهى عن إيتاء النفوس الأمارة حظوظها فقال : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) وإنما قال : (أَمْوالَكُمُ) لأن الخطاب مع العقلاء والصلحاء وقد خلق الله الدنيا لأجلهم أن الأرض يرثها عبادي الصالحون. (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) قدر ما يسد الجوعة (وَاكْسُوهُمْ) ما يستر العورة وما زاد فإسراف في حق النفس. (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) كنحو : أكلت رزق الله فأدّي شكر نعمته بامتثال أوامره ونواهيه وإلا أذيبي طعامك بذكر الله كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أذيبوا طعامكم بذكر الله». (وَابْتَلُوا الْيَتامى) أي قلوب السائرين بأدنى توسع في المعيشة بعد أن كانوا محجورين عن التصرف (حَتَّى إِذا بَلَغُوا) مبلغ الرجال البالغين (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ

٣٥٨

رُشْداً) بأن استمروا بذلك التوسع على السير وزادوا في اجتهادهم وجدهم كما قال الجنيد : أشبع الزنجي وكدّه (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) فالعبد في هذا المقام يكون جائز التصرف في مماليك سيده كالعبد المأذون ، ولهذا قال هاهنا (أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً) أي فإن آنستم يا أولياء الطريقة من المريدين البالغين رشد التصرف في أصحاب الإرادة فادفعوا إليهم عنان التصرف بإجازة الشيخوخية ، ولا تجعلوا الشيخوخية مأكلة لكم غيرة وغبطة عليهم أن يكبروا بالشيخوخية. (وَمَنْ كانَ غَنِيًّا) بالله من قوة الولاية مستظهرا بالعناية (فَلْيَسْتَعْفِفْ) عن الانتفاع بصحبتهم ، (وَمَنْ كانَ فَقِيراً) مفتقرا إلى ولاية المريد (فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) فلينتفع بإعانته وليجزله بالشيخوخية مع الإمداد في الظاهر والباطن. (فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ) سلمتم إليهم مقام الشيخوخية (فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ) الله ورسوله وأرواح المشايخ وأوصوهم برعاية حقوقها مع الله والخلق. ثم أخبر عن نصيب كل نسيب فقال : (لِلرِّجالِ) وهم الأقوياء من الطلبة (وَلِلنِّساءِ) وهم الضعفاء (نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) وهم المشايخ والإخوان في الله وتركتهم بركتهم وأنوارهم (نَصِيباً مَفْرُوضاً) على قدر استعدادهم (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ) أي في محافل صحبتهم ومجالس ذكرهم (أُولُوا الْقُرْبى) المنتمون إليهم المقتبسون من أنوارهم والمقتفون لآثارهم (فَارْزُقُوهُمْ) من مواهب بركاتهم (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) في التشويق وإرشاد الطريق وتقرير هوان الدنيا عند الله ، وعزة أهل الله في الدارين. (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً) من متوسطي المريدين أو المبتدئين (خافُوا عَلَيْهِمْ) آفات المفارقة بسفر أو موت (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) أي يوصونهم بالتقوى وأن يقولوا قولا سديدا هو لا إله إلا الله. فإن التقوى ومداومة الذكر خطوتان يوصلان العبد إلى الله (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ) يضيعون أطفال الطريقة بعدم التربية ورعاية وظائف النصيحة (إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ) نار الحسرة والغرامة يوم لا تنفع الندامة.

(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١) وَلَكُمْ نِصْفُ ما تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ

٣٥٩

مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢) تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥) وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦) إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩) وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢))

القراآت : (واحِدَةً) بالرفع : أبو جعفر ونافع. الباقون : بالنصب. (فَلِأُمِّهِ) وما بعده

٣٦٠