زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

(فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) (١) وفي إتمام الاستدلال به أيضا تأمّل يعلم بالتأمّل في تقريره مع التأمّل في الآية وتفسيرها وقد فسّرت القراءة بصلاة اللّيل ، وهو ظاهر سوق الكلام ، أو تلاوة القرآن في اللّيل أو مطلقا استحبابا أو وجوبا ، لحفظ المعجزة وغيرها ، والمخاطب هو صلوات الله عليه مع طائفة معه ، وأمّا القراءة في الصلاة فلا يفهم فتأمل.

الخامسة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (٢).

ليس فيها دلالة على استحباب السجود عند قراءتها ، بل وجوب الركوع والسجود ، كأنّه في الصلاة ، وعبادة الربّ من الصوم والصلاة والحجّ والغزو وغير ذلك ثمّ أمر بفعل الخيرات مطلقا مثل صلة الرحم ، وفي الكشّاف صلة الرحم ومكارم الأخلاق وافعلوا ذلك كلّه لعلّكم تفلحون وأنتم راجون الفلاح ، طامعون فيه ، غير مستيقنين ، ولا تتّكلوا على أعمالكم ، وعن عقبة بن عامر قال : قلت : يا رسول الله في سورة الحجّ سجدتان؟ قال : نعم ، إن لم تسجدهما فلا تقرأهما (٣).

السادسة: (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (٤).

قيل المراد بالمساجد الأعضاء السبعة الّتي يسجد عليها ، وأيّد بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أمرت أن أسجد على سبعة آراب أي أعضاء ، وقد روي ذلك عن أبي جعفر عليه الصلاة والسلام (٥) فالمعنى أنّها لله أي خلقت لان يعبد بها الله ، فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها والظاهر أنّها المساجد المعروفة كما قيل ، فالمعنى أنّها مختصّة بالله تعالى ، فلا يتعبّد فيها مع الله غيره ، وقيل : المراد بقاع الأرض كلّها

__________________

(١) المزمل : ٢٠.

(٢) الحج : ٧٧

(٣) سنن أبي داود ج ١ ص ٣٢٤.

(٤) الجن : ١٨.

(٥) نقله عن المجمع ج ١٠ ص ٣٧٢ وروى الحديث في سنن أبى داود ج ١ : ٢٠٥.

٨١

لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «جعلت لي الأرض مسجدا» فلا يعبد فيها غيره ، وقيل المسجد الحرام عبّر [عنه] بالمساجد لأنّه قبلتها وهو بعيد ، الله يعلم.

قيل السجدات (١) جمع مسجد بالفتح مصدرا ، فالمراد يجب السجود لله ، فلا يفعل لغيره.

السابعة: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) ومثلها (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) (٢).

روي من طرق العامّة أنه لمّا نزلت الأولى قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اجعلوها في ركوعكم ، ولمّا نزلت الثانية قال : اجعلوها في سجودكم (٣) ومن طرقنا (٤) عن الصادق عليه الصلاة والسلام أنّه يقول في الركوع سبحان ربّي العظيم وفي السجود سبحان ربّي الأعلى الفريضة واحدة والسنّة ثلاثة ، فالرّوايتان تدلّان على كون الذكر الخاصّ فيهما ، ولكن بحذف «وبحمده» وتدلّ غيرهما على زيادته وهي مقبولة كما ثبت في الأصول ، وكذا على إجزاء مطلق التسبيح ، بل مطلق الذكر وذلك غير بعيد ، والاحتياط قولهما ثلاثا مع زيادة وبحمده.

الثامنة: (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) (٥).

قال في مجمع البيان : في معناه أقوال أحدها أنّ معناه لا تجهر بإشاعة صلاتك عند من يؤذيك ، ولا تخافت بها عند من يلتمسها منك عن الحسن ، وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا صلّى فجهر في صلوته تسمّع له المشركون فشتموه ، وآذوه فأمره سبحانه بترك الجهر ، وكان ذلك بمكّة في أوّل الأمر وبه قال سعيد بن جبير وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام ولا يخفى بعده ، فإنّه حينئذ لا معنى لقوله

__________________

(١) يعنى قيل : المراد بالمساجد السجدات إلخ.

(٢) الواقعة : ٧٤ و ٩٦ ، والحاقة : ٥٢.

(٣) سنن أبي داود ج ١ ص ٢٠١.

(٤) الوسائل ب ٤ من أبواب الركوع الحديث الأول.

(٥) أسرى : ١١٠.

٨٢

(وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ) ولعلّ الرواية عنهما غلط ، ويؤيّده نقل خلاف ذلك عنه عليه الصلاة والسلام أو الإخفات محمول على عدم حديث النفس ، بحيث لا يظهر الحروف والابتغاء على وجه لا يسمع من يؤذي ويستمع فتأمل.

وثانيها : أنّ معناه لا تجهر بدعاتك ولا تخافت به ، ولكن اطلب بين ذلك سبيلا ، فالمراد بالصّلاة الدعاء ، ولا يخفى بعده أيضا فإنّ المتبادر منها الصلاة الشرعيّة ، وأنّ الإخفات في الدعاء مطلوب قال الله تعالى (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (١) وفي موضع آخر (وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ) (٢) وفي الأخبار ما يدلّ عليه كثير.

وثالثها أنّ معناه ولا تجهر بصلوتك كلّها ولا تخافك بها كلّها وابتغ بين ذلك سبيلا : بأن تجهر بصلاة اللّيل ، وتخافت بصلاة النهار ، ليمكن المتابعة والجماعة في الفريضة والقيام للنافلة أيضا ، هذا أيضا بعيد ، وغير مفهوم ، مع أنّه لا بدّ من جعل صلاة الفجر من اللّيليّة ، وجعل ركعتي العشاء والأخيرة من المغرب من النهاريّة ، وهو ممّا لا يفهم بوجه.

ورابعها لا تجهر جهرا يشغل به من يصلّي قربك ، ولا تخافت حتّى لا تسمع نفسك عن الجبائي وقريب منه ما رواه أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال الجهر بها رفع الصوت شديدا والمخافتة ما لم تسمع إذنك وابتغ بين ذلك سبيلا أي قراءة وسط بين الجهر والمخافتة ، وهذا هو المتبادر فالمنهيّ هو الجهر العالي جدّا بحيث يخرج عن كونه قارئا في الصلاة ، والإخفات الخفيّ بحيث يلحق بحديث النفس ، ويخرج عن القراءة ، فلا يجوز الإفراط ولا التفريط ، بل يجب الوسط والاقتصاد والعدل ، وما بين الإفراط والتفريط ، ولكن علم من السنّة الشريفة اختيار بعض أفراد هذا الوسط في بعض الصلوات : الجهر في الجملة للرّجل في الصّبح وأوّلتي المغرب والعشاء ، وجميع النوافل اللّيليّة ، والإخفات في غيرها.

__________________

(١) الأعراف : ٥٥.

(٢) الأعراف : ٢٠٥.

٨٣

ولكن كون ذلك على سبيل الوجوب غير معلوم الدليل ، إذ لا دليل على وجوب التفصيل المشهور ، ويؤيّد عدمه الأصل ، والرواية الصحيحة (١) وظاهر الآية وخفاء معنى الجهر والإخفات ، وبيانهم في الرجل بحيث يعدّ عرفا جهرا والإخفات بما لا يسمعه القريب [أو] بحيث لا يعدّ عرفا جهرا ، بل يعدّ إخفاتا ، وإن كان ممّا يسمعه القريب بل البعيد أيضا وفي المرءة لا يسمعه الأجنبيّ ، غير معلوم المأخذ ، مع عدم الوضوح ، والبيان ، فانّ فيه خفاء ، فيمكن حمل الرواية المجملة في الجهر والإخفات على الاستحباب ، للجمع كما هو مذهب علم الهدى في الانتصار والله يعلم بحقيقة الحال والصواب.

وقال في الكشّاف (بِصَلاتِكَ) بقراءة صلاتك على حذف المضاف ، لأنّه لا يلتبس من قبل أنّ الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير ، والصلاة أفعال وأذكار ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يرفع صوته بقراءته ، فإذا سمعه المشركون لغوا وسبّوا ، فأمر بأن يخفض من صوته ، والمعنى ولا تجهر حتّى تسمع المشركين ولا تخافت حتّى لا تسمع من خلفك ، وابتغ بين الجهر والمخافتة سبيلا وسطا انتهى ، هذا مع عدم ظهوره لا يوافق المسئلة ، إذ ليس دائما مأمورا بإسماع من خلفه ، بل مأمور في بعضها بذلك في الجملة وفي بعضها بعدمه ، وذهب قوم إلى أنّ الآية منسوخة بقوله (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً) (٢) وابتغاء السبيل مثل لانتحاء الوجه الوسط في القراءة وفيها ما تقدّم ، مع زيادة لزوم النسخ ، على أنّه غير لازم لإمكان الجمع فتأمّل.

التاسعة: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٣).

أي قولوا الصلاة والسلام على رسول الله أو اللهمّ صلّ وسلّم عليه ، في الكشاف :

__________________

(١) الوسائل أبواب القراءة الباب ٢٥ الحديث ٦ ، عن على بن جعفر.

(٢) الأعراف : ٥٤.

(٣) الأحزاب : ٥٦.

٨٤

معناه الدعاء بأن يترحّم عليه ويسلّم ، وفي رواية كعب الأحبار (١) إنّا قد عرفنا السلام عليك يا رسول الله فكيف الصلاة؟ فقال : قولوا : اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم وظاهرها وجوب الصلاة والسلام عليه في الجملة ، فيحتمل أن يكون الصلاة هي الّتي جزء التشهّد ، والسلام حال حياته ، وقد يكون واجبا حينئذ ، أو يكون مندوبا كما يسلّم عليه في آخر الصلاة يقول السلام عليك أيّها النبيّ ورحمة الله وبركاته أو يقصد بالسّلام المخرج عن الصلاة أو يكون بمعنى التسليم والانقياد كما قيل ، ويحتمل وجوب الصلاة عليه كلّما ذكر ، كما دلّ عليه بعض الأخبار ، وبالجملة لا يفهم وجوب غير ذلك.

قال في الكشّاف : الصلاة عليه واجبة ، وقد احتلفوا في حال وجوبها ، فمنهم من أوجبها كلّما جرى ذكره ، وفي الحديث من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ فدخل النار فأبعده الله ، هذه مرويّة من طرقنا (٢) أيضا مع غيرها ، ويروى أنّه قيل : يا رسول الله أرأيت قول الله تعالى (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) فقال عليه الصلاة والسلام : هذا من العلم المكنون ، ولولا أنّكم سألتموني عنه ، ما

__________________

(١) كذا في جميع النسخ ، وهو سهو من طغيان قلمه الشريف ، والصحيح كعب بن عجرة ، راجع الوسائل الباب ٣٥ من أبواب الذكر الحديث الثاني ، مجمع البيان ج ٨ ص ٣٦٩ ، ورواه في مشكاة المصابيح ص ٨٦ ، بلفظ آخر وقال : متفق عليه ، وهكذا في المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٨ ، وقال رواه الجماعة ، وقد روى مثل الحديث عن ابى حميد الساعدي كما في مشكاة المصابيح ص ٨٦ ، وقال : متفق عليه ، ونظيره عن أبى مسعود الأنصاري رواه المنتقى على ما في نيل الأوطار ج ٢ ص ٢٩٤ ، قال رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه وأبو داود (انظر ج ١ ص ٢٢٥) وابن خزيمة وابن حبان والدار قطني وحسنه والحاكم وصححه. والبيهقي وصححه ، وفي بعض هذه الروايات : «أمرنا الله أن نصلي عليك فإذا نحن صلينا عليك في صلاتنا فكيف نصلي عليك؟» انظر السراج المنير في شرح الجامع الصغير ج ٣ ص ٦٨.

(٢) الوسائل الباب ١٠ من أبواب التشهد ح ٣. ومثله عن السيوطي في الجامع الصغير على ما في السراج المنير ج ٣ ص ٣٥٧.

٨٥

أخبرتكم به ، إنّ الله وكلّ بي ملكين ، فلا اذكر عند عبد مسلم فيصلّي علىّ إلّا قال ذانك الملكان غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين آمين ، ولا اذكر عند عبد مسلم فلا يصلّي علىّ إلّا قال ذانك الملكان : لا غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين (١) ومنهم من قال : يجب في كلّ مجلس مرّة ، وإن تكرّر ذكره ، كما قيل في آية السجدة ، وتسميت العاطس وكذلك في كلّ دعاء في أوّله وآخره ، ومنهم من أوجبها في العمر مرّة وكذا قال في إظهار الشهادتين مرّة ، والّذي يقتضيه الاحتياط الصلاة عليه عند كلّ ذكر ، لما ورد من الأخبار انتهى.

والأخبار من طرقنا أيضا مثل الأوّل موجودة مع صحّة بعضها ، ولا شكّ أنّ احتياط الكشّاف أحوط ، واختار في كنز العرفان (٢) الوجوب كلّما ذكر وقال إنّه اختيار الكشّاف ، ونقل عن ابن بابويه ، وأنت تعلم أنّه لم يفهم اختياره ويمكن اختيار الوجوب في كلّ مجلس مرّة إن صلّى آخرا ، وإن صلّى ثمّ ذكر يجب أيضا كما في تعدّد الكفّارة بتعدّد الموجب ، إذا تخللت ، وإلّا فلا ، ولعلّ دليل عدم الوجوب الأصل والشهرة المستندان إلى عدم تعليمه صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ للمؤذّنين ، وتركهم ذلك مع عدم وقوع نكير لهم ، كما يفعلون الآن ، ولو كان لنقل فتأمل.

ثمّ قال في الكشاف : فان قلت : فما تقول في الصلاة على غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله قلت القياس يقتضي جواز الصلاة على كلّ مؤمن ، لقوله تعالى (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) (٣) وقوله (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ) (٤) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى (٥) ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك ، وهو أنّها إن كان على سبيل التبع كقولك صلى الله على النبيّ وآله ، فلا كلام فيها ، وأمّا إذا أفرد

__________________

(١) كما في الدر المنثور ج ٥ ص ٢١٨. من حديث الحسن بن على عليهما‌السلام.

(٢) كنز العرفان ج ١ ص ١٣٣.

(٣) الأحزاب : ٤٣.

(٤) براءة : ١٠٣.

(٥) راجع سنن ابى داود ج ١ ص ٣٦٨.

٨٦

غيره من أهل البيت بالصّلاة كما يفرد هو ، فمكروه لأنّ ذلك صار شعارا لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولأنّه يؤدّى إلى الاتّهام بالرّفض (١).

ولا يخفى ما فيه فانّ ما ذكره برهان لا قياس ، وإنّ البرهان من العقل والنقل كتابا وسنّة كما نقله ، ومثله قوله تعالى (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (٢) فإنّها تدلّ على أنّ صلوات الله على من يقول هذا بعد المصيبة ، ولا شكّ في صدوره كذلك عن أهل البيت بل غيرهم أيضا ، فإذا ثبت لهم الصلاة من الله فيجوز القول بذلك لهم ، وهو ظاهر اقتضى جوازه مطلقا ، بل الانفراد بخصوصه فلا مجال للتفصيل ، ولا ينبغي جعله شعارا له أيضا صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا ذلك مانعا ، مع أنّه لا معنى للحكم بكراهة ما ثبت بالبرهان العقليّ والنقليّ كتابا وسنّة من الترغيب والتحريض بالأمر به ، وإنّما صار ذلك شعارا له صلى‌الله‌عليه‌وآله بسبب جعلهم ذلك له صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنعهم لغيره صلى‌الله‌عليه‌وآله.

ومع أنّ كون أهل بيته مثله في هذه الحال ممّا لا قصور فيه ، كما هو عند الاجتماع ، وإنما صار ذلك شعار الرفضة ، لأنّهم فعلوا ذلك ، وتركه غيرهم بغير وجه وإلّا فهو مقتضى البرهان ، ومع ذلك لا يستلزم كونه شعارا لهم ، ومتداولا بينهم تركه وإلّا يلزمهم ترك العبادات كذلك فإنّها شعار لهم ، وبالجملة لا ينبغي منع ما يقتضي العقل والنقل جوازه بل استحبابه وكونه عبادة ، بسبب أنّ جماعة من المسلمين يفعلون هذه السنّة والعبادة ، فإنّ ذلك تعصّب وعناد محض ، و [ليس] فيه تقرّب إلى الله تعالى وطلب لمرضاته وعمل لله تعالى ، وهو ظاهر ، ولا يناسب من العلماء العمل إلّا لله.

ولهم أمثال ذلك كثيرة ، مثل ما ورد في تسنيم القبور أنّ المستحبّ هو التسطيح ، ولكن هو شعار للرفضة فالتسنيم خير منه ، وكذلك في التختّم باليمين

__________________

(١) تفسير الكشاف ج ٢ ص ٥٤٩.

(٢) البقرة : ١٥٧.

٨٧

وغير ذلك ، ومنه ذكر «على» بعد قوله صلّى الله عليه وعلى آله وترك الآل معه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّه مرغوب بغير نزاع ، وإنما النزاع كان في الافراد ، فإنّهم يتركون الآل معه ، ويقولون صلّى الله عليه والعجب أنّهم يتركون الآل وفي حديث كعب الأحبار (١) حيث يقولون سأله عن كيفيّة الصلاة عليه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إلخ فتأمل.

ويدلّ على أنّ إيذاء الله ورسوله حرام موجب للّعن أبدا قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٢) ويدلّ على تحريم إيذاء المؤمنين والمؤمنات ، أي المسلمين والمسلمات بغير استحقاق وجناية يقتضي ذلك ويبيحه قوله تعالى (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا) أي بغير جناية واستحقاق تبيح ذلك (فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً).

ويدلّ على أنّ التقوى وهو الإتيان بالمأمور به ، والانتهاء عن المعاصي والقول السّديد أي قولا حقّا عدلا موجب لإصلاح الأعمال ، وغفران الذّنوب قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (٣) والمراد حفظ اللّسان في كلّ باب لأنّ حفظه وسداد القول رأس الخير كلّه والمعنى راقبوا الله من حفظ ألسنتكم وتسديد قولكم ، فإنّكم إن فعلتم ذلك أعطاكم الله ما هو غاية الطلبة ، من تقبّل حسناتكم ، والإثابة عليها ، ومن مغفرة سيّئاتكم وتكفيرها ، وقيل : إصلاح الأعمال التوفيق في المجيء بها صالحة مرضيّة.

__________________

(١) مر أن الصحيح كعب بن عجرة.

(٢) الأحزاب : ٥٧ ، وما بعدها ذيلها

(٣) الأحزاب : ٧٠.

٨٨

(النوع السادس)

في المندوبات وفيه آيات :

الاولى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (١).

قيل : المراد صلاة العيد ، فيكون دليلا على وجوبها ، ويكون الشرائط مستفادة من السنّة الشّريفة ويؤيّده (وَانْحَرْ) على تقدير أنّ المراد به نحر الإبل كما قيل ، ويمكن إرادة ذبح ما ذبح ليدخل الشاة وغيرها أيضا ، أي صلّ صلاة العيد ، واذبح أضحيّتك ، ويكون المراد الهدي الواجب ، أو يكون وجوب الأضحيّة مخصوصا به صلى‌الله‌عليه‌وآله للإجماع المنقول على الظاهر على عدم وجوبها على أمّته ، بل هي سنّة مؤكّدة للأخبار المذكورة في محلّها ، وإن نقل الوجوب عن ابن الجنيد في في الدّروس قال : وروى الصّدوق خبرين (٢) بوجوبها على الواجد ، وأخذ ابن الجنيد بهما ، وقيل المراد صلاة الفجر بالمشعر ، وذبح الهدي بمنى ، وقيل المراد الصّلاة مطلقا وجعل نحر المصلّي إلى القبلة فيها ، وهو كناية عن استقبال القبلة فيها فكأنّه قيل : صلّ إلى القبلة ويحتمل كون المراد رجحان فعل الصّلاة لله مطلقا والذبح له ، ويكون التفصيل بالوجوب والندب من السنّة والإجماع وقد نقل في مجمع البيان (٣) أخبارا دالّة على أنّ المراد رفع اليد بالتكبيرات في الصلاة إلى محاذاة نحر الصّدر وهو أعلاه كالمنحر ، أو موضع القلادة قاله في القاموس وهي رواية عمر بن يزيد قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول في قوله (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) هو رفع يديك حذاء وجهك ، ورواية عبد الله بن سنان عنه عليه الصّلاة والسّلام مثلها ورواية جميل قال : قلت لأبي عبد الله عليه الصّلاة والسّلام (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فقال بيده

__________________

(١) الكوثر : ٢

(٢) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٢.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٥٥٠ ، وأخرج بعضها الحر العاملي في الوسائل الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام ، ومثلها في الدر المنثور للسيوطي ج ٦ ص ٤٠٣.

٨٩

هكذا يعني استقبل بيديه حذاء وجه القبلة في افتتاح الصّلاة (١) وفي رواية مقاتل ابن حيّان عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام قال : لمّا نزلت هذه السّورة قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لجبرئيل ما هذه النحيرة الّتي أمرني ربّي بها؟ قال : ليست بنحيرة ولكنّه يأمرك إذا عزمت للصلاة أن ترفع يديك ، إذا كبّرت وإذا ركعت ، وإذا رفعت رأسك من الركوع ، وإذا سجدت فإنّه صلاتنا وصلاة الملائكة في السّموات السبع فانّ لكلّ شيء زينة ، وإنّ زينة الصّلاة رفع الأيدي على كلّ تكبيرة.

وقال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : رفع الأيدي من الاستكانة قلت وما الاستكانة؟ قال : ألا تقرء هذه الآية (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ) (٢).

وقال في مجمع البيان بعده : أورده الثعلبيّ والواحديّ في تفسيريهما فيكون المراد مطلق الصّلاة ورفع اليدين معا إلى حذاء الوجه والخدّ حال تكبيراتها ، ويكون مستحبّا كما هو رأي أكثر الأصحاب ، ويؤيّده الأصل والشهرة والاحتمالات في الآية. وبعض الأخبار الدّالّة على الترك ، مثل صحيحة (٣) حمّاد المشهورة الطويلة فإنّه ترك فيها رفع اليد في تكبير السجود كجلوس الاستراحة يدلّ على عدم وجوبها لأنّه في مقام التعليم ، وكما في صحيحة (٤) عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما‌السلام قال : على الامام أن يرفع يده في الصّلاة ، ليس على غيره أن يرفع يده في الصّلاة.

والظاهر أنّه لا قائل بالفرق ، قال في التهذيب وقال محمّد بن الحسن : المعنى في

__________________

(١) وزاد في هامش المطبوعة كما في المجمع وهكذا كنز العرفان ج ١ ص ١٤٧ : ورواية حماد بن عثمان قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما النحر فرفع يديه إلى صدره فقال هكذا ثم رفعهما فوق ذلك فقال هكذا يعنى استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة.

(٢) المؤمنون : ١٧٧.

(٣) الفقيه ج ١ ص ١٩٦.

(٤) الوسائل الباب ٩ من أبواب تكبيرة الإحرام الحديث : ٧.

٩٠

هذا أنّ فعل الإمام أكثر فضلا وأشدّ تأكيدا من فعل المأموم ، وإن كان فعل المأموم أيضا فيه فضل على ما بيّنّاه ، والأولى «الغير» بدل «المأموم» في الموضعين (١) والرّواية الأخيرة فإنّها تدلّ على أنّها من زينة الصّلاة ، وأنّه من التضرّع والخضوع فيها ومعلوم عدم وجوبهما ، فإنّهما زائدتان على الأصل والاحتياط أن لا يترك ، فإنّه نقل عن السيّد قدس‌سره وجوبه ، كأنّه لما تقدّم ، مع صحّة رواية عبد الله بن سنان فإنّها صحيحة في التهذيب ولرواية أخرى صحيحة في التهذيب (٢).

ويحتمل إرادة السيّد قدس‌سره أيضا بالوجوب الاستحباب فإنّه قد يطلق ذلك عليه ، ويؤيّده أنّه ما نقل عنه وجوب التكبير صريحا ويبعد وجوب الرفع به مع عدم وجوبه ، وجعل ذلك شرطا ، ولهذا قال الشهيد رحمه‌الله : كأنّه قائل بوجوب التكبير أيضا إذ لا معنى لوجوب الكيفيّة مع استحباب الأصل ، وفيه تأمّل معلوم ، ويدلّ على عدمه أيضا بعض الأخبار.

ويمكن فهم استحباب التعوّذ بالله ، وأخذ العوذة بالله من الشيطان ، والجنّ والإنس ، وسحرهم ، ومن عينهم ، من المعوّذتين ، وأيضا يمكن فهم استحباب الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى مع عدم العلم بحصول الذّنب ، فلا يبعد الغسل المستحبّ له حينئذ أيضا من سورة النصر ، وغيرها استفهم الله يفهّمك.

الثانية: (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) (٣).

لمّا ذكر العمل الصّالح قبله بقوله (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الآية ذكر الاستعاذة من الشيطان اللّعين عند تلاوة القرآن ، إشارة إلى أنّ الاستعاذة من جملة العمل الصالح ، أي إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم من أن يوسوسك ويغلّطك وينسيك ، بأن تقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعبّر عن إرادة القراءة بالقراءة للظهور والتبادر كما يقال إذا أفطرت فقل هذا

__________________

(١) يعنى والاولى أن يقول : وأشد تأكيدا من فعل الغير وإن كان فعل الغير أيضا فيه فضل

(٢) المصدر السابق.

(٣) النحل : ٩٨.

٩١

الدعاء وإذا أكلت فسمّ واغسل يديك ، والمراد قبله كقوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا) الآية روي عن عبد الله بن مسعود قال قرأت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقلت أعوذ بالله السّميع العليم من الشّيطان الرّجيم فقال لي : قل أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم ، هكذا أقرأنيه جبرئيل عليه‌السلام عن القلم عن اللّوح المحفوظ (١) فظاهر هذه الآية الشريفة بانضمام أنّ الأمر للوجوب ، يفيد وجوب الاستعاذة عند ابتداء قراءة القرآن مطلقا حتّى أنّه لو قطعها في الأثناء ثمّ أراد أن يقرأ فيستعيذ ثمّ يقرء ولو كانت كلمة ، والحاصل أنّه يستعيذ دائما فيقرأ إلّا في الاستدامة ، فيلزم وجوبه في كلّ ركعة يقرأ فيها ، ولكنّ الظاهر أنّه ما ذهب إليه أحد من العلماء ، ويحتمل كون الوجوب من خصائصه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نعم نقل وجوبها عن أبي عليّ الحسن بن الشيخ الطوسيّ رحمهما‌الله في أوّل الركعة قبل الحمد ، فقط ، محتجّا بها ، ولا دلالة فيها عليه بخصوصه ، وكأنّه نظر إلى أنّه يعلم الوجوب دائما ، وما ذهب إليه أحد من العلماء فيختصّ بأوّل الركعة ، فلا يكون المراد إلّا ذلك ، وهو بعيد إذ القول لغيره في ذلك أيضا غير ظاهر ، وإرادة قراءة الركعة الاولى من الصّلاة الواجبة من ذلك أيضا بعيد ، لا يفهم من غير قرينة دالّة عليه ، فلا يمكن إرادة الله تعالى ذلك فيحمل على الاستحباب دائما كما هو الظاهر ، ويؤيّده بعد التخصيص المذكور ، وقرب كون الأمر للندب ، ولو كان مجازا مع كثرته ، وكونه خيرا منه ، فتبقى الآية على عمومها ، وبعد وجوب الاستعاذة مع عدم القائل بمجرّد إرادة الأمر المندوب أي قراءة القرآن ، إذ له أن يرجع بعد ، فما تجب القراءة أصلا ، فكيف الاستعاذة؟ ولهذا قالوا لا يجب الغسل مثلا إلّا إذا كانت غايته من الصّلاة ودخول المساجد وقراءة العزائم واجبة ، فلا يوجبونه بقصد الصّلاة وغيرها ، وهو ظاهر ومصرّح به فتأمّل.

__________________

(١) راجع تفسير البيضاوي : ٢٣٢ ، المستدرك للنوري ج ١ ص ٢٩٤ ، أخرجه عن غوالي اللئالي.

٩٢

والأصل (١) وقول أكثر العلماء وعدمها في تعليم الصّلاة كما مرّ ، وخلوّ الأخبار عنها فتأمّل.

قال في مجمع البيان (٢) والاستعاذة استدفاع الأدنى بالأعلى ، على وجه الخضوع والتذلّل ، وتأويله : استعذ بالله من وسوسة الشيطان عند قراءتك لتسلم في التلاوة من الزلل وفي التأويل من الخطل ، والاستعاذة عند التلاوة مستحبّة غير واجبة بلا خلاف في الصلاة وخارج الصلاة. فحملها على الاستحباب غير بعيد إلّا أنّ الظّاهر حينئذ كان استحبابها في أوّل كلّ ركعة ، وما رأيت قائلا به منّا فكأنّه خصّ بالدليل مثل الإجماع ، وأنّه فعل واحد وقراءة واحدة ، مع أنّها ليست بصريحة في العموم بحيث يشمل كلّ ركعة فتأمّل فيه ، والأخبار أيضا ظاهرة في الاستحباب في أوّل ركعة فقطّ ، حيث ما ذكر غيرها فتأمّل.

وبالجملة المسئلة لا يخلو عن إشكال إن نظر إلى ظاهر الآية ، فإنّ ظاهرها الوجوب أو الاستحباب دائما ، وما نجد قائلا فكأنّهم حملوها على الاستحباب دائما وأخرجوا غير الركعة الاولى من سائر الركعات ، للإجماع ونحوه. وقال القاضي : والجمهور على أنّه للاستحباب ، وفيه دليل على أنّ المصلّي يستعيذ في كلّ ركعة لأنّ الحكم المرتّب على شرط يتكرّر بتكرّره قياسا (٣). وهذا جيّد إلّا قوله «قياسا» لبطلانه ، وعدم ظهور الأصل والعلّة ، فالتكرّر والعموم ليس للقياس بل للعموم العرفيّ المفهوم من مثل هذه العبارة عرفا ، كما في قوله تعالى (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ).

الثالثة آيات متعددة ، الاولى: (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) (٤)

__________________

(١) عطف على قوله ويؤيده بعد التخصيص المذكور.

(٢) مجمع البيان ج ٦ : ٣٨٥.

(٣) تفسير البيضاوي : ٢٣٢.

(٤) المرمل : ١ ـ ٦.

٩٣

أصل المزّمّل المتزمّل ، من تزمّل ، أدغم التاء في الزاي كما هو المشهور ، لقرب المخرج ، أي قم اللّيل أيّها المزّمّل بالثياب أو بأعباء النبوّة للصّلاة في جميع اللّيل أو أنّ القيام باللّيل كناية عن الصّلاة بالليل وقال في مجمع البيان : إنّه عبارة عن الصلاة باللّيل (إِلَّا قَلِيلاً) منه وهو (نِصْفَهُ) فنصفه بدل عن قليلا ، كما هو الظاهر وقلّة بالنسبة إلى جميع اللّيل ، «أَوِ انْقُصْ. أَوْ زِدْ» عطف على (قُمِ) بتقدير فتأمّل.

وضمير «منه وعليه» للنصف أو قليلا ، فمعناه قم واشتغل بالصلاة نصف اللّيل ، أو أقلّ منه أو أزيد منه ، وإلى هذا أشار الصّادق عليه‌السلام على ما نقل في مجمع البيان قال عليه‌السلام القليل النصف أو انقص من القليل ، أو زد على القليل ، ويبعد كون نصفه بدلا من اللّيل ، لتوسّط الاستثناء بين البدل والمبدل منه ، مع الالتباس بل الظاهر خلافه ، ولزوم لغويّة أو انقص منه ، لأنّه بعينه معنى قوله قم نصف اللّيل ، إلّا قليلا ، فيحتاج إلى العذر بأنّه قيل أو انقص لمناسبة أو زد كما قال في مجمع البيان ، أو أنّه قد يحسن الترديد بين الشيء على البتّ وبينه وبين غيره على التخيير كما فعله صاحب الكشّاف والقاضي وصاحب كنزل العرفان (١) وكلاهما تكلّف بعيد عن فصاحة كلام الله تعالى ، خصوصا الثاني لأنّ مرجعه إلى التخيير بينهما.

قال البيضاويّ : أو «نصفه» بدل من اللّيل ، والاستثناء منه ، والضمير في منه وعليه للأقلّ من النصف كالثلث ، فيكون التخيير بينه وبين الأقلّ منه كالرّبع والأكثر منه ، كالنّصف ، ولا يخفى ما فيه من لزوم لغويّة الاستثناء فإنّه ينبغي أن يقول حينئذ : قم نصف اللّيل أو انقص منه ، ومن أنّ الأقلّ ليس مرتبة معيّنة حتّى يقال أو انقص منه أو زد عليه ليصل إلى الربع والنصف وهو ظاهر.

وكذا كون المراد بإلّا قليلا : قليلا من اللّيالي ، وهو ليالي العذر والمرض لعدم ظهور كون اللّيل للاستغراق ، وعدم الاحتياج إلى الاستثناء ، وللاحتياج إلى التكلّف في الاستثناء والبدل ، وفي أو انقص أو زد ولما سيجيء في هذه السّورة من

__________________

(١) كنز العرفان ج ١ ص ١٥٠ ، تفسير البيضاوي ص ٣٤٥.

٩٤

قوله (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ) إلخ.

فيمكن أن تكون هذه الآية إشارة إلى وجوب صلاة اللّيل عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله كقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) ، (١) أي يجب عليك التهجّد وهو الصلاة باللّيل ، زيادة على باقي الصّلوات مخصوصة بك دون أمّتك ، على ما قيل ، ويكون المراد بالترخيص المفهوم من قوله تعالى في آخر هذه السّورة (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وقوله (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) التخفيف في الوقت ، لا إسقاط الصّلاة بالكلّية ، على تقدير [كون] المراد من القراءة الصّلاة وأمّا على تقدير حملها على القراءة فقطّ فيلزم السّقوط بالكلّية ، فيمكن حملها على عدم القدرة فتأمّل.

وعن ابن عبّاس تكون مندوبة على الأمّة لدليل الاختصاص من الإجماع ، وظاهر الآية والأخبار مع الأصل.

الثانية: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) ـ أي أقرب وأقل ـ (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) (٢).

وهما عطف على (أَدْنى) أي أنّك تقوم نصف اللّيل وثلثه ، وعلى قراءة الجرّ عطف على ثلثي اللّيل أي أقلّ من نصفه وأقلّ من ثلثه (وَ) كذا تقوم (طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) نقل في مجمع البيان رواية : أنّه كان عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام وأبا ذر. (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) يعلم مقدارهما ، فيعلم القدر الّذي تقومون فيه ، وهو القادر على التقدير والعلم بحيث يوافق ما أراد به النصف أو الناقص أو الزائد (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) علم أنكم لا تطيقون إحصاء الوقت المقدّر على الحقيقة ، والمداومة على ذلك بسهولة (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي خفّف عليكم ، أو لا يلزمكم عقابا وإثما على التقصير في ذلك ، كما لا يلزم التائب ، بل رفع الذنب والتبعة في ترك ذلك عنكم ، كما رفعها عن التائب ، فأراد بالتوبة لازمها ، فدلّت على سقوط العقاب بها (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) أي أقروا في صلاة الليل مقدار

__________________

(١) أسرى : ٧٩.

(٢) المزمل : ٢٠.

٩٥

ما أردتم وأحببتم بالمعنى المتقدّم ، وعبّر عن الصّلاة بالقراءة لأنّها جزء الصّلاة وتبطل الصلاة بتركها عمدا كالتعبير بالركوع والسّجود عنها.

قال في مجمع البيان هو قول أكثر المفسّرين كما أنّ المراد بقم اللّيل صلاة الليل بإجماع المفسّرين إلّا أبا مسلم فإنّه قال : المراد قراءة القرآن في اللّيل فكأنّه يريد الإشارة إلى أنّ من يقول بأنّ قيام اللّيل هو الصلاة فيه ، فينبغي أن يقول المراد بفاقرؤا هو صلاة اللّيل ، وقال فيه أيضا : والظاهر أنّ معنى ما تيسّر مقدار ما أردتم وأحببتم وهو ظاهر بقرينة إرادة التخفيف ولأنّه المتبادر من هذه العبارة ولهذا لو قيل : أعط السائل ما تيسّر ونحوه لا يفهم المخاطب إلّا ذلك ، فقد ظهر أن لا يمكن الاستدلال بنحوه على وجوب السورة على ما هو المشهور كما أشرت إليه في محلّه فتذكّر.

وأشار إلى أعذار أخر للتخفيف بقوله (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ) كأنّ المراد بالضرب في الأرض السفر للتجارة ونحوها ممّا يحصّل به المال ، أو لتحصيل العلم أو الحجّ أو الزيارات أو صلة الرحم ، وكلّما كان لله تعالى من المشي والسفر في الأرض.

وقد وردت روايات كثيرة في الترغيب على التجارة من طريق العامّة والخاصّة مذكورة في محلّها قال في مجمع البيان : قال عبد الله بن مسعود «أيّما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه ، كان عند الله بمنزلة الشهداء ثمّ قرأ (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ») الآية (١).

(وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) هذا عذر آخر فإنّ المقاتلة تمنع من الصلاة باللّيل ، فالكلّ عذر للتخفيف ، ولهذا رتّب عليه التخفيف وقال تعالى (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ) أي من القرآن تأكيدا للحكم المتقدّم ، وعلى كلّ تقدير لا ينبغي الترك بالكلّية فيمكن الاستدلال بهذه الآيات على وجوب صلاة اللّيل على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والاستحباب على أمّته في الجملة ، سواء كان في كلّ اللّيل أو بعضه ، ولا ينبغي الأقلّ

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٢.

٩٦

من ثلاثة عشر ركعة مشهورة ، ولا يشترط صحّة البعض بالبعض ، ولا يلزم فعل كلّها بل يكون تخييرا بين الكلّ والبعض الّذي يطلق عليه الصلاة ، والكلّ أفضل ، ويفهم عدم سقوطها سفرا ومرضا أيضا وذلك مفهوم من الأخبار بل الإجماع أيضا.

ويحتمل أن يكون صلاة اللّيل في المقدار المتقدّم واجبة ثمّ نسخ الوجوب عن الأمّة بقوله (إِنَّ رَبَّكَ) الآية بتخصيصه بهم دونه ، لبقائه عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإجماع وبقوله تعالى (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ) الاية ، وأن يكون مستحبّة ثمّ خفّف ورخّص بمعنى سقوط تأكيد ذلك المقدار مطلقا خصوصا عند الأعذار ، ويحتمل أن يكون المراد بفاقرؤا قراءة القرآن باللّيل استحبابا لا وجوبا فإنّ قراءة القرآن مستحبّة مطلقا خصوصا في اللّيل ، ويدلّ عليه الأخبار من العامّة والخاصّة.

فإن قيل قراءة القرآن واجبة كفاية للحفظ في الصدر ، لبقاء الأحكام والمعجزة وأدلّة أصول الدين ، فليحمل عليه ، قيل : لأنّ القيد حينئذ يصير لغوا فتأمل.

قال في مجمع البيان : ثمّ اختلفوا في القدر المستحبّ في اللّيل ، المراد بهذه الآية ، فقال سعيد بن جبير خمسون آية ، وقال ابن عبّاس مائة آية ، وعن الحسن من قرأ مائة آية في ليلة لم يحاجّه القرآن وقال من قرأ مائة آية في ليلة كتب من القانتين ، وينبغي أن يكون المراد ما يصدق عليه وما تيسّر لما مرّ ، وكلّما زاد فهو أحسن ، فإنّ زيادة الخير خير ، ويحمل ما ورد من المقدار في الأخبار على التأكيد روي عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من قرأ عشر آيات في ليله لم يكتب من الغافلين ومن قرأ خمسين آية كتب من الذاكرين ، ومن قرأ مائة آية كتب من القانتين ، ومن قرأ مائني آية كتب من الخاشعين ومن قرأ ثلاث مائة آية كتب من الفائزين ، ومن قرأ خمس مائة آية كتب من المجتهدين ، ومن قرأ ألف آية كتب له قنطار من برّ ، والقنطار خمسة عشر مثقالا من الذهب والمثقال أربعة وعشرون قيراطا أصغرها مثل جبل أحد وأكبرها ما بين السماء والأرض. وقال الصادق عليه‌السلام من قرأ في المصحف متّع ببصره ، وخفّف عن والديه ولو كانا كافرين.

٩٧

ثمّ إنّه ينبغي القراءة من المصحف كما دلّ عليه الخبر ، وإن كان حافظا. وعنه عليه الصلاة والسلام يرفعه إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : ليس شيء أشدّ على الشيطان من القراءة في المصحف نظرا ، والمصحف في البيت يطرد الشيطان ، وقال إسحاق بن عمّار قال : قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام : جعلت فداك إنّي أحفظ القرآن على ظهر قلبي فاقرأ على ظهر قلبي أفضل أو أنظر في المصحف؟ قال اقرأه وانظر في المصحف ، فهو أفضل ، أما علمت أنّ النظر في المصحف عبادة ، وكلّ ذلك عن عدّة الداعي.

وقال في آداب المتعلّمين للمحقّق خواجه نصير الدين الطوسيّ قدس‌سره إنّ قراءة القرآن نظرا أفضل لقول النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل أعمال أمّتي قراءة القرآن نظرا ، وأيضا إنّه قد يحصل الغلط بالاشتباه بين الحروف مثل الضاد والظاء ، وغير ذلك ، وينبغي أن يقرأها مستقبلا لعموم استحباب الاستقبال ومتطهّرا وقاعدا إذا لم يكن في الصلاة وقائما فيها للتأدّب ، ولما قال في عدّة الدّاعي وقال عليه الصلاة والسّلام كأنّه الصادق عليه الصلاة والسلام لأنّه تقدّم لقارئ القرآن بكلّ حرف يقرء في الصلاة قائما مائة حسنة ، وقاعدا خمسون حسنة ومتطهّرا في غير الصلاة خمس وعشرون حسنة ، وغير متطهّر عشر حسنات ، أما إنّي لا أقول (المر) حرف بل له بالألف عشر ، وباللّام عشر ، وبالميم عشر ، وبالراء عشر ، وأيضا عن الحسين ابن علي عليهما الصلاة والسلام قال : من قرأ آية من كتاب الله عزوجل في صلوته كتب الله له بكلّ حرف مائة حسنة ، فإن قرأها في غير صلاة كتب الله له بكلّ حرف عشرا.

وتدلّ على أنّ القراءة قائما في الصلاة ضعفها فيها جالسا الرواية المتقدّمة المذكورة في عدّة الداعي فتدلّ على أنّ كون الصلاة قائما أفضل حتّى الوتيرة ، وقد بيّنته في محلّه وأدلّة قراءة القرآن كثيرة (١) وشرائطها مذكورة في محلّها ، والغرض هنا الإشارة إليها مجملا. وينبغي أن يكون بالترتيل كما قال الله تعالى بعد قوله

__________________

(١) راجع الوسائل أبواب القراءة في غير الصلاة.

٩٨

«أَوْ زِدْ عَلَيْهِ» : «وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً» روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (١) في معناه : بيّنه بيانا ولا تهذّه هذّ الشعر ولا تنثره نثر الرمل ، ولكن أقرع به القلوب القاسية ولا يكوننّ همّ أحدكم آخر السورة. أي اقرأ متفكّرا على هنيئك كما قيل إنّه يكون بحيث لو أراد السامع عدّ حروف الكلمات لعدّه كما روي في قراءة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن عائشة في الكشّاف ، وقيل : البيان لا يتمّ بالتعجيل وإنّما يتمّ أن يبيّن جميع الحروف ويوفّي حقّها من إشباع الحركات ، وكأنّه إشارة إلى ما قيل في معناه إنّه بيان الكلمات وأداء الحروف ، وعن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام قال : إذا مررت بآية فيها ذكر الجنّة فاسئل الله الجنّة ، وإذا مررت بآية فيها ذكر النار ، فتعوّذ بالله من النار (٢) وقيل هو أن يقرأه على نظمه وتواليه ، ولا يغيّر لفظا ولا يقدّم مؤخّرا وكأنّ المراد حينئذ الوجوب لا الاستحباب ، وروى أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) في معناه قال هو أن تتمكّث فيه ، وتحسّن به صوتك ، وروي عن أمّ سلمة أنّها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقطع قراءته آية آية ، وعن أنس قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يمدّ صوته مدّا (٤) وأكثر ما روي في معناه يدلّ على أنّه مستحبّ فهو مؤيّد لحمل قيام اللّيل على الاستحباب فتأمل.

ويؤيّد استحباب القراءة ليلا قوله (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) يعني سنوحي عليك القرآن ، وجه الثقل كون الأحكام الشاقّة فيه سيّما على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنّه يعمل به ويأمر به ، ويبلّغ ويتحمّل الأذى فيه ، ولما فيه من قيام اللّيل ، ومجاهدة النفس ، وترك الراحة ، أو أنّه يثقل في الآخرة في ميزان الأعمال العمل به وقراءته ، وأنّه قول ربّنا فثقيل عظيم (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) أي النفس الّتي تقوم وتنشئ في اللّيل للصّلاة أو القراءة (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً) أي كلفة ومشقّة (وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أشدّ مقالا وقراءة لحضور القلب.

__________________

(١) راجع الدر المنثور ج ٦ ص ٢٧٧ ، أصول الكافي ج ٢ : ٦١٤.

(٢) الوسائل الباب ١٨ من أبواب القراءة في الصلاة.

(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٧٨.

(٤) تيسير الوصول ج ١ ص ١٩٩ ، نيل الأوطار ج ٢ ص ٢١٣.

٩٩

ثمّ أشار في آخر السورة إلى وجوب إقامة الصلاة المفروضة المقرّرة ، والزكاة كذلك بقوله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) وإلى القرض المعروف أو مطلق الإنفاق في سبيل الله بل مطلق الإحسان فافهم بقوله (وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) على وجه حسن معروف خال عن الأذى والمنّة والرئاء (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ) من مال بل مطلق الإحسان (تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) ما موصول متضمّن لمعنى الشرط ، مبتدأ مع صلته ، وتجدوه خبر بمنزلة الجزاء وماء المفعول الأوّل لتجدوا و «عند» ظرفه وهو فصل بين مفعوله الأوّل ومفعوله الثاني وهو خيرا ، وكأنّه وجد شرط الفصل وهو كون ما بعده معرفة ، لأنّ خيرا يستعمل بمن لأنّ معناه خيرا ممّا تؤخّرونه إلى وقت الوصيّة ، وإليه أشار فيما روي عن عنبسة العابد قال : قلت لأبي عبد الله عليه الصلاة والسلام أوصني فقال أعدّ جهازك وقدّم زادك ، وكن وصيّ نفسك ، ولا تقل لغيرك ، يبعث إليك بما يصلحك (١) أو من مطلق ما تترك إنفاقه وفعله من التقرّبات ، والطاعات والمستعمل بمن بمنزلة المعرفة ، ولهذا لا يعرّف باللّام ، مع أنّه قد توجد مع كون ما بعده نكرة أيضا اطّرادا للباب ، و «أعظم» عطف على «خيرا» و «أجرا» تميز عن نسبة وجدان ما عنده خيرا وأعظم. قال القاضي هو تأكيد وفصل ، وقال في التركيب فصل أو بدل أو تأكيد ، فيه أنّه يلزم تأكيد المنصوب بالمرفوع وبدليّته عنه ، وقال في مجمع البيان أو صفة لها ، فيه أنّ المشهور أنّ الضمير لا يوصف ولا يوصف به ، ثمّ أشار إلى وجوب الاستغفار والتوبة بقوله (وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) في جميع الأحوال ، فإنّ الإنسان لا يخلو عن تفريط وتقصير وذنب دائما (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) دليل على وجوب الاستغفار ، يعني يجب عليكم ذلك ، فإنّه يغفر لكم فإنه ستّار لذنوبكم وصفوح عنكم رحيم بكم [عليكم] فلا تتركوه ، فدلّت على وجوب الاستغفار ومشروعيّته دائما وإن لم يشعر بالذنب فيمكن استحباب التوبة حينئذ دائما من غير شعور بصدور الذنب ، ويدلّ على قبول التوبة أيضا فافهم.

__________________

(١) الكافي ج ٧ ص ٦٥.

١٠٠