زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

قيل : قذر يعاف عند العقول وأفراده لأنّه جنس أو لأنّه خبر للخمر ، وخبر المعطوفات محذوف من جنسه ، ويدلّ هو عليه ، أو المضاف محذوف ، وكأنّه قيل إنّما تعاطي الخمر الآية ويحتمل أن يكون خبرا عن كلّ واحد واحد (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) صفة رجس أو خبر آخر ، نسب إليه لأنّه من تزيينه.

(فَاجْتَنِبُوهُ) يحتمل كون الضمير راجعا إلى كلّ واحد من المذكورات أو المنهيّ عنه المفهوم ، أو الرّجس ، أو عمل الشيطان ، أو التعاطي ، (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) لكي تفلحوا بالاجتناب عمّا نهى عنه ، وفي الآية مبالغة زائدة من وجوه شتّى في تحريم الخمر والميسر من جهة المقارنة بالأصنام الّتي عبادتها كفر ، والحصر بأنّه ليس إلّا الرجس ، ثمّ كونه من عمل الشيطان. ثمّ الأمر بالاجتناب بعد ذلك كلّه والتصدير بإنّما والاشعار بأنّ شاربها لا يفلح ثمّ التأكيد ببيان ضررها بقوله (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ) و (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (١) وبعده بالأمر بطاعة الله ورسوله فيما أمرا به ونهيا عنه ، والحذر. وغير ذلك فتأمل.

وفي الآية دلالة على تحريم تعاطي هذه الأشياء المذكورة في الخمر بالشرب قال في مجمع البيان الخمر عصير العنب المشتدّ وهو العصير الّذي يسكر كثيره ، ونقل عن ابن عبّاس أنّ المراد بالخمر جميع الأشربة التي تسكر (وَالْمَيْسِرُ) أي القمار كلّه بلعبه (وَالْأَنْصابُ) بالتعظيم والعبادة لها جمع نصب ، وهو الصنم (وَالْأَزْلامُ) بالاستقسام وهي الأقداح والسهام كانوا يستقسمون بها لحوم الجزور في الجاهليّة ونهوا عنه وهو مشهور قال في مجمع البيان في الكلام حذف والمعنى شرب الخمر وتناوله أو التصرّف فيه وعبادة الأنصاب والاستقسام بالأزلام (رِجْسٌ) أي خبيث إلى قوله : والرجس واقع على الخمر وما ذكر بعدها.

وفي هذه الآية دلالة على تحريم سائر التصرّفات في الخمر من الشرب والبيع

__________________

(١) والآية ذيل الآية السابقة هكذا : إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون ، وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا الآية.

٤١

والشراء والاستعمال على جميع الوجوه ولا دلالة فيها على نجاسة الخمر ، ولهذا قال الصدوق : إنّ الله عزوجل حرّم شربها لا الصلاة في ثوب أصابته فتأمّل والأخبار مختلفة في ذلك ، والأصل يؤيّده ، نعم إن ثبت كون الرجس بمعنى النجس الشرعيّ فقطّ لدلّت عليها لكن قال في القاموس (١) إنّ الرّجس بالكسر القذر وبحرّك وتفتح الراء وتكسر الجيم والمأثم وكلّ ما استقذر من العمل ، والعمل المؤدّي إلى العذاب والشكّ والعقاب والغضب ، ورجس كفرح وكرم رجاسة عمل عملا قبيحا.

قال في مجمع البيان قال الزّجاج : الرجس في اللغة اسم لكلّ ما استقذر من عمل يقال رجس يرجس إذا عمل عملا قبيحا فالإجماع الّذي على كون الرجس بمعنى النجس في التهذيب غير معلوم ، بل كونه بمعنى النجس الشرعيّ ، إذ ما يفهم ذلك إلّا من القذر ، وكونه بذلك المعنى غير ظاهر ، والظاهر أنّه بمعنى المأثم أو الفعل المؤدّي إلى العقاب أو القبيح كما في آية التطهير ليصحّ كونه خبرا عن الميسر وغيره أيضا وإن سلّم مجيئه بمعنى النجس وبالجملة لا دلالة فيها على نجاسة الخمر وهو ظاهر بل لا دلالة في الأخبار (٢) أيضا لاختلافها والجمع بحمل ما يدلّ على وجوب الغسل على الاستحباب أولى من حمل ما يدلّ على عدمه على التقية (٣).

العاشرة: (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) (٤).

قيل في معناه أمور كثيرة ، والمتبادر هو الأمر بتطهير الثياب عن النجاسات مؤيّدا بأنّ الكفّار ما كانوا يتطهّرون من النجاسة بأن لا تنجّسها وإن نجست

__________________

(١) يفهم منه كون القذر ليس بمعنى النجاسة الشرعية فافهم ، منه رحمه‌الله.

(٢) الوسائل الباب ٣٨ من أبواب النجاسات.

(٣) وممن قال بطهارة الخمر : الصدوق وأبوه والجعفي والعماني من المتقدمين وجماعة من المتأخرين كالمحقق الخوانساري وصاحب المدارك وقال به من أهل السنة ربيعة شيخ الامام مالك ، وحكى عن حبل المتين أنه قال : أطبق علماؤنا الخاصة والعامة على نجاسة الخمر ، إلا شرذمة منا ومنهم لم يعتد الفريقان بمخالفتهم.

(٤) المدثر : ٤.

٤٢

تطهّرها بالماء المطلق لأنّه المفهوم من التطهير إذ لا عرف في التطهير بغيره ، فدلّت على وجوب طهارة الثياب ، وكونها بالماء المعروف لا غير ، وأنّ صدقه يكفي للطهارة من غير عصر ، ولا ورود ولا عدد ، إلّا ما أخرجه الدليل من إجماع أو خبر والتفصيل معلوم من كتب الفروع ، وإن أريد تقصير الثياب كما قيل ونقل عن الصادق عليه‌السلام أيضا فيمكن فهم الطهارة حينئذ أيضا لأنّها المقصود من التقصير كما علّل القائل به ، وفي الرواية تشمير الثياب طهور لها ، قال الله تعالى (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أي فشمر (١) ويحتمل أن يكون المراد التنظيف الّذي هو الطهارة لغة ، فانّ النظافة مطلوبة للشّارع بإزالة الوسخ ونحوه ، ففهم وجوب الطهارة الشرعيّة محلّ تأمّل ولكن ظاهر الأمر الوجوب ، ومعلوم عدم الوجوب غير الشرعيّة ، ولهذا على تقدير حملها على الشرعيّة ما حملت على الأعمّ من أن يكون فيما يجب إزالة النجاسة فيه مثل الصلاة ، أم لا. بل خصّت بالأوّل فتأمل (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) أي خصّ الرجز بوجوب الاجتناب ، والحصر إضافيّ أو يكون التقديم لغيره ، قيل الرجز بالضمّ والكسر هو الصنم ، والمراد عدم عبادته وعدم تعظيمه والثبات على هجره ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بريئا منه ، لم يزل ولا يزال ، ويحتمل أن يكون المراد أعمّ ، فيدخل غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله وترك من أهله (٢) ورعيّته أو كسره وإهانته بمهما أمكن له صلى‌الله‌عليه‌وآله أو أعمّ ، وقيل الرجز هو العذاب والمراد وجوب اجتناب موجبه وهو الشرك وعبادة الأصنام وغيره من المعاصي مطلقا ، وقيل بالضمّ الصنم وبالكسر العذاب قال في القاموس الرجز بالكسر والضمّ : القذر وعبادة الأوثان ، والعذاب والشرك ، فعلى الأوّل يكون تأكيدا لقوله (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) وتفسيرا له وهو هنا المناسب لتكبير الصلاة وطهارة الثياب وعلى هذا حمل في بعض استدلالات الأصحاب وقيل معناه أخرج حبّ الدنيا عن قلبك لأنّه رأس كلّ خطيئة.

__________________

(١) الكافي ج ٦ : ٤٥٥.

(٢) عطف على قوله المراد عبادته إلخ.

٤٣

الحادية عشرة: (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

الابتلاء هو الاختبار والامتحان والكلمات هي التكاليف الشاقّة على بعض الاحتمالات مثل ذبح الولد وغيره من تكاليفه المذكورة في التفاسير ، وقيل هي السنن الحنيفيّة العشر خمس في الرأس وخمس في البدن أمّا الرأس فالمضمضة ، والاستنشاق والفرق ، وقصّ الشارب ، والسواك ، وأمّا البدن فالختان ، وحلق العانة ، وتقليم الأظفار ، ونتف الإبطين والاستنجاء بالماء (٢) ونسخ شريعة نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله شريعة من قبلنا لا ينافي إثبات بعض أحكامها لأنّ المراد نسخ المجموع من حيث هو مجموع والإتمام هنا هو فعل التكاليف تامّا ، وعلى ما أمر به ، والامام : المقتدى به في أفعاله وأقواله ، وهو أحد معنيي الإمام في مجمع البيان وفي الكشّاف هو اسم لمن يؤتمّ به كالإزار لما يؤتزر به ، يعني يأتمّون بك في دينهم ، والذرّية هو النسل ومن يحصل من الشخص من الأولاد ، والنيل هو الوصول والإدراك ، والعهد هو الإمامة كما هو الظاهر وفي مجمع البيان وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام.

والظلم كأنّه الفسق الّذي يصير به الإنسان غير عدل كما يفهم من الكشّاف حيث قال فيه : وإنّما ينال عهدي من كان عادلا بريئا من الظلم ، وإذ ظرف اذكر المحذوف في أمثاله ، والمخاطب هو نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله. وإبراهيم مفعول ابتلى «وربّه» فاعله ، والضمير المضاف إليه راجع إلى إبراهيم و «بكلمات» متعلّقة بابتلى وفاء فأتمهنّ للتعقيب وهو فعل ومفعول وفاعله ضمير إبراهيم ، وفاعل قال ضمير الربّ والياء اسم إنّ ، وجاعل خبره : مضاف إلى الكاف الّذي هو مفعوله الأوّل والثاني إماما ، وللناس إمّا متعلّق به أو بمقدّر حال عن إماما ، وضمير قال لإبراهيم والواو للاستيناف ومن ابتدائيّة أو زائدة ، لوجود زيادتها في المثبت ، أو للتبعيض مفعول

__________________

(١) البقرة : ١٢٤.

(٢) راجع تفسير البرهان ذيل الآية الشريفة ، الوسائل ب ١ من أبواب السواك الحديث ٢٣.

٤٤

فعل مقدّر ، والتقدير واجعل أو تجعل ذرّيتي أو بعض ذرّيتي إماما أيضا على طريق السؤال ، ويحتمل [كون] العطف على محذوف والتقدير واجعلني إماما واجعل بعض ذرّيتي أيضا كذلك.

وأمّا عطفه على الكاف في «جاعلك» كما قاله صاحب الكشّاف والقاضي البيضاويّ فممّا لا أعرف له وجه صحّة لأنه حينئذ يصير بعض الذرية مفعولا أوّلا للجعل الّذي أخبر الله تعالى بفعله ، فيكون من تتمّة قوله ، فيلزم أن يكون ذلك البعض أيضا إماما مخبرا بجعله كذلك مع أنّه من كلام إبراهيم وسؤاله الإمامة فكأنّ مقصودهما أنّه يسأل الله تعالى أن يجعل البعض أيضا مفعول الجعل مثله ، كما قلناه ، والعبارة وقعت قاصرة عنه ، ومفيدة لغيره كما ترى.

وقد قال صاحب الكشّاف مثله في قوله تعالى بعد هذه الآية (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) فإنّه قال (وَمَنْ كَفَرَ) عطف على (مَنْ آمَنَ) كما عطف ومن ذرّيتي على الكاف في «جاعلك» فزادنا الحيرة و (لا يَنالُ) فعل فاعله عهدي والظالمين مفعوله ، ولا شكّ أنّه أولى من العكس كما قرئ على ما نقل (١) إذ إسناد النيل إلى العهد أولى فإنّه النائل ، لا أنّهم يصلون إليه وينالونه ، وإن صحّ ذلك أيضا لأنّه من الجانبين.

ثمّ اعلم أنّ صاحب الكشاف استدلّ بهذه الآية على اعتبار العدالة في الإمام حيث قال : وقالوا في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة ، وكيف يصلح لها من لا يجوز حكمه وشهادته ، ولا تجب طاعته ، ولا يقبل خبره ، ولا يقدّم للصلاة انتهى فيفهم منه المبالغة في ذلك الاشتراط ، ونقل عن أبي حنيفة أيضا ما يدلّ عليه ، حيث قال : كان يعني أبا حنيفة يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني على عدّ أجره لما فعلت ، وعن ابن عيينة لا يكون الظالم إماما قطّ وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة والامام إنّما هو لكفّ الظلمة ، فإذا نصب من كان ظالما في نفسه فقد جاء المثل السائر «من استرعي الذّئب ظلم» انتهى. وأيضا

__________________

(١) نقل عن ابن مسعود أنه قرأ : لا ينال عهدي الظالمون.

٤٥

يفهم من كلامه اشتراط العدالة في القاضي والشاهد والراوي وإمام الجماعة مع أنّه حنفيّ المذهب كما هو المشهور والظاهر من كلامه ، وخلاف ذلك كلّه مشهور عنه ، والمعمول عندهم.

وفي الاستدلال تأمّل إذا الواسطة بين الظلم والعدل ثابتة ، فلا يلزم من مانعية الأوّل (١) للإمامة اشتراط الثاني لها ، وهو ظاهر ولعلّه يريد به غيره أو يضمّ معه عدم القول بالواسطة أي كلّ من لم يجوّزها للفاسق لم يجوّزها لغير العدل ويمكن الاستدلال بها على اشتراطها في إمام الجماعة ، بمعنى عدم تجويز إمامة الفاسق لصدق الامام عليه بالتفسير الماضي ، وإن كان المقصود بالسؤال هو الخلافة والإمامة المطلقة إذ لا يبعد كون المراد بالعهد ما هو الأعمّ منها أي ما اجوّز تفويض أمري إلى الظالم ، فإنّه غير معقول ، بل ظلم كما يفهم من الكشّاف ، ولا شكّ في كون تجويز إمامة الفاسق للجماعة تفويض أمر عظيم إليه ، وقد فسّر عهد الله بأمره ووصيّته في مجمع البيان ، حيث قال في تفسير (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) وعهد الله وصيّته وأمره يقال عهد الخليفة إلى فلان كذا أي أمره وأوصى به ولاشتراك (٢) علّيّة منع الفاسق من مطلق الإمامة فيه ، كما يظهر من كلام صاحب الكشّاف وكذا في القاضي والشاهد والراوي فتأمّل فإنّ الغرض إظهار الإشعار في الآية بما ذكرناه ، وإنّما الاعتماد على غيرها من الآيات والروايات وإجماع الأصحاب والاحتياط.

وقال القاضي : وفيه دليل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة ، وأنّ الفاسق لا يصلح للإمامة (٣) والأولى أن يقول : ولو قبل البعثة ، ولعلّ وجه الدلالة أنّ فاعل الكبيرة وقتا ما يصدق عليه أنّه ظالم في الجملة ، وقد نفى الله العهد الّذي هو الإمامة مطلقا عمّن صدق عليه أنّه ظالم في الجملة ، وهو ظاهر على تقدير كون

__________________

(١) فلا يلزم من نفى ما نفيه الأول خ. من نفى مانعية الأول خ. من نفيه الأول : ظ.

(٢) عود إلى كلامه قبل ذلك «لصدق الامام عليه» إلخ.

(٣) تفسير البيضاوي : ٤١.

٤٦

المشتقّ حقيقة لمن اتّصف به وقتا ما ، وكذا على تقدير كونه حقيقة حين اتّصاف المشتقّ بالمبدء فقطّ : فانّ ذلك ليس بمراد هاهنا ، فيتعيّن الأوّل.

[فقد نفى الله العهد الّذي هو الإمامة عمّن صدق عليه أنّه ظالم في الجملة] (١).

فحاصله أنّ الّذي اتّصف أو يتّصف بالظلم بالفعل أي وقتا مّا أو بالإمكان على الخلاف بين المنطقيّين لا تناله الإمامة ، وتخصيصه بوقت دون وقت آخر يخرجه عن ظاهره ولا يجوز ذلك إلّا بدليل يجوّز تخصيص مثله بمثله وليس ، وكذا الكلام في الامام والخليفة فلزم من كلامه عدم جواز كون من اتّصف بفسق مّا وقتا مّا نبيّا وإماما فلا بدّ من كونهم معصومين من أوّل عمرهم إلى آخره من الكبائر على زعمه أيضا وهو خلاف مذهب الأشاعرة بل خلاف معتقده ، فإنّه يعتقد وقوع الكبائر منهم مثل ما وقع من آدم على نبيّنا وآله وعليه‌السلام فإنّه سمّي بالعصيان والظلم أيضا في قوله تعالى : «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ. فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (٢)» بل بوقوع الكفر ممّن يعتقد إمامته إلّا أن يؤوّل ذلك بالصغائر وتختصّ الآية بالنبوّة ، وهو بعيد ، إذ الظاهر أنّ العهد هو الإمامة وهي أعمّ كما ذهب إليه صاحب الكشّاف كما مرّ وفهم من كلام القاضي أيضا حيث قال : وإنّ الفاسق لا يصلح للإمامة بعد إثبات العصمة للأنبياء قبل البعثة ، وأيضا للعلّة الظاهرة من الآية وهي الظلم.

وكذا استدلال الأصحاب بها على وجوب العصمة عن الذنوب مطلقا للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام ، فكأنّهم نظروا إلى أنّ الظلم في الأصل هو انتقاص الحقّ ، وقيل وضع الشيء في غير موضعه من قولهم «ومن أشبه أباه فما ظلم (٣)» أي فما وضع الشبه في غير موضعه كذا في مجمع البيان أو التعدّي عن حدود الله كما يفهم من قوله تعالى (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (٤) وغيره إذ لا شكّ أنّ فعل الصغيرة خروج عن الاستقامة والطاعة ، وأنّه نقص ووضع في غير المحلّ ، وتعدّ عن

__________________

(١) تكرر هذه العبارة هنا في كل النسخ ، والظاهر أنها سهو.

(٢) طه : ١٢١ والآية الثانية في البقرة ، ٣٥ ، الأعراف : ١٩.

(٣) كقول الشاعر

وبأبه اقتدى عدي في الكرم

ومن يشابه أبه فما ظلم

(٤) الطلاق : ١.

٤٧

الحدود ، إذ حدود الله هي الأوامر والنواهي وأيضا ترك حكم الله ورفضه لا يتفاوت فيه الحال بالكبر والصّغر ، فإنّه يكون عاصيا سيّما بالنسبة إلى الأنبياء والأئمّة [المعصومين] عليهم أفضل الصّلوات والتسليمات على أنّ البعض لم يقل بالصغيرة ، بل يقول : الذنوب كلّها كبائر.

وبالجملة الّذي نقلته عن القاضي ههنا مع عدم انطباقه على مذهبه ، وبعض قوانين الأصول عندهم مثل مجازيّة صدق المشتقّ على من انقضى عنه المبدء ، وإلّا يلزم صدق الكافر حقيقة على أكابر الصّحابة ، وتعليق الحكم على المشتقّ يفيد علّيّة المبدء له حين الاتّصاف ، وأنّ الحكم حين وجود العلّة مثل أكرم العلماء ، يدلّ على صدوره عنه بغير رويّة وإجرائه على لسانه ليكون حجّة عليه ، وفضيحة له عند الله وعند الناس ، كما هو الموجود مثله في غير هذا المحلّ أيضا منه ومن غيره أيضا كثيرا كما سيظهر لك إذا تأملت كلامهم وسيجيء بعضه إنشاء الله وقد أشرت إليها في مواضع [شتّى] سأجمعها إنشاء الله.

٤٨

كتاب الصلاة

وهو يتنوّع أنواعا الأوّل في البحث عنها بقول مطلق وفيه آيات :

الاولى: (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) (١).

مفروضة أو موقّتة فلا تضيّعوها ولا تخلّوا بشرائطها وأوقاتها ، وسيأتي تتمّة البحث فيها إنشاء الله تعالى.

الثانية: (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) (٢).

كأنّ الأمر بمحافظة الصّلوات بالأداء لوقتها ، والمداومة عليها ، بعد بيان أحكام الأزواج والأولاد لئلّا يلهيهم الاشتغال بهم عنها و «الوسطى» تأنيث الأوسط من الوسط أي البين أو الفضل ، وخصّها بعد العموم للاهتمام بحفظها ، لأفضليّتها قيل : هي الظهر ، وهو المرويّ عن الباقر والصادق (٣) عليهما‌السلام كذا في مجمع البيان وقيل : العصر يدلّ عليه الرواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : شغلونا عن الصّلاة الوسطى صلاة العصر (٤) وقيل : كلّ واحدة من الصلوات الخمس ، ولكنّ وجه ظاهر ، وقيل هي مخفيّة مثل ليلة القدر ، وساعة الإجابة ، واسم الله الأعظم ، لأن يهتمّوا بالكلّ غاية الاهتمام ، ويدركوا الفضيلة في الكلّ ، فهي تدلّ على جواز العمل المعيّن لوقت من غير جزم بوجوده ، مثل عمل ليلة القدر ، والعيد ، وأوّل رجب وغيرها مع عدم ثبوت الهلال ، وقد صرّح بذلك في الأخبار فلا يشترط الجزم في النيّة ، ولهذا جاز الترديد فيها ليلة الشكّ فافهم.

(وَقُومُوا لِلَّهِ) في الصّلاة (قانِتِينَ) ذاكرين لله في قيامكم ، والقنوت أن يذكر

__________________

(١) النساء : ١٠٢.

(٢) البقرة : ٢٣٨.

(٣) وراجع الوسائل الباب ٥ من أبواب أعداد الفرائض ، تفسير العياشي ج ١ ص ١٢٧.

(٤) سنن أبى داود ج ١ ص ٩٧.

٤٩

الله قائما وقيل كانوا يتكلّمون في الصّلاة فنهوا عنه وقيل هو الركود وكفّ الأيدي والبصر كذا في الكشّاف.

قال في مجمع البيان (وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ) قال ابن عبّاس معناه داعين والقنوت هو الدعاء في الصلاة حال القيام ، وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (١) وقيل طائعين وقيل خاشعين وقيل ساكتين والذكر أنسب من الدعاء فإنّه أعمّ والأصحاب لا يشترطون الدعاء في القنوت فإنّهم يجعلون كلمات الفرج أفضله ، وليس فيها دعاء فدلّت الآية على وجوب محافظة الصّلوات خرج ما ليس بواجبة منها إجماعا بقي الباقي منها تحت العموم فلا يبعد الاستدلال بها على وجوب الجمعة والعيدين والآيات أيضا.

واستدلّ بها على وجوب القنوت فيها ، وفيه تأمّل ، لاحتمال معان أخر كما مرّ ، وعدم ثبوت كونه بالمعنى المتعارف عند الفقهاء واحتمال كونه مخصوصا بالوسطى كما قيل ، ولأنّه أمر بالقيام فهو إمّا قيام حقيقيّ أو كناية عن الاشتغال بالعبادة لله تعالى في حال القنوت فالواجب حينئذ هو القيام حال القنوت لا القنوت ، وإن احتمل حينئذ وجوب القنوت أيضا إذ على تقدير تركه ما وجد المأمور به ، وهو القيام حال القنوت فوجوبه يستلزم وجوبه ، لكن وجوبه غير معلوم القائل ، وعلى تقديره يكون مشروطا أي إن قنتّم فقوموا ، والأصل عدم الوجوب وهو مذهب الأكثر ، وأنّه ليس في روايتي تعليم النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة الأعرابيّ والصادق عليه‌السلام حمّاد بن عيسى وغيرهما (٢) من الروايات ، فالاستحباب غير بعيد ، ويمكن حمل الآية عليه فتأمّل.

الثالثة: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْها لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) (٣).

أي أقبل أنت مع أهلك على عبادة الله والصلاة ، واستعينوا بها على حاجتكم

__________________

(١) الكافي ج ٣ ص ٣٤٠.

(٢) الفقيه ج ١ ص ١٠٦ ، التهذيب ج ١ ص ١٥٧.

(٣) طه : ١٣٢.

٥٠

ولا تهتمّ بأمر الرزق والمعيشة ، فانّ رزقك يأتيك من عندنا ، ونحن رازقوك ، ولا نسألك إن ترزق نفسك ولا أهلك ، ففرّغ بالك لأمر الآخرة ، وعن عروة بن الزبير أنّه كان إذا رأى ما عند السلاطين قرأ «وَلا تَمُدَّنَ الآية» (١) ثم ينادي الصلاة الصلاة رحمكم الله ، وعن بكر بن عبد الله المزنيّ كان إذا أصاب أهله خصاصة قال : قوموا وصلّوا ، بهذا أمر الله رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثمّ يتلو هذه الآية.

ثمّ ظاهر الآية وجوب أمر أهله بالصلاة فقطّ ولعلّ المراد وجوبها على الآمر بها أيضا وترك للظهور إذ هو مأمور بالصّبر عليها ، وعدم جعل طلب الرزق وكسبه مانعا عن ذلك ، معلّلا بأنّه يأتيه من عند الله ما يحتاج إليه هو وأهله من غير سبب وكسب ، وتخصيص الأهل يحتمل لكثرة الاهتمام ، وكونه معهم دائما وكون رزقهم مانعا.

فيحتمل المضمون ترك الكسب للرزق بالكلّية ، والتوجّه إلى الأمر بالمعروف والتصبّر على مشاقّة الصلاة والأمر بها ، وعدم تكليفه برزق نفسه وعياله ، ويكون ذلك من خصائصه ، ويحتمل العموم إن توجّه إليها غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله مثل توجّهه إليها كما في آيات أخر (٢) ولهذا قيل من كان في عمل الله كان الله في عمله ، وقال بعض الفقهاء : طالب العلم المتّقي لا يحتاج إلى الكسب للرزق فإنّه يأتيه من عند الله بغير كسب من حيث لا يحتسب.

وفي مجمع البيان : واءمر يا محمّد أهل بيتك وأهل دينك بالصّلاة وروى أبو سعيد الخدري قال : لمّا نزلت هذه الآية كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يأتي باب فاطمة وعليّ عليهما‌السلام تسعة أشهر عند كلّ صلاة فيقول : الصلاة الصلاة رحمكم الله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيرا ، ورواه ابن عقدة بإسناده بطرق كثيرة عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام وغيرهم ، مثل أبي برذة وأبي رافع (٣) وقال أبو جعفر عليه الصلاة والسلام أمره الله تعالى أن يخصّ أهله دون الناس ليعلم الناس أنّ لأهله

__________________

(١) طه : ١٣١.

(٢) قوله تعالى. (وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

(٣) وقد أخرج جميعها في البحار في تاريخ أمير المؤمنين عليه‌السلام الباب الخامس.

٥١

عند الله منزلة ليست للناس ، فأمرهم مع الناس ، ثمّ أمرهم خاصّة (١) هذا يدلّ على أنّ المراد بأهلك من يختصّ به من أهله لا أهل دينه أيضا.

(وَاصْطَبِرْ عَلَيْها) أي على فعلها وعلى أمرهم بها ، وعلى مشاقّ ذلك (لا نَسْئَلُكَ رِزْقاً) لا لخلقنا ولا لنفسك ، بل كلّفناك العبادة وأداء الرسالة وضمنّا رزق الجميع (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) الخطاب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمراد به الجميع أي نرزق الخلق جميعهم ، ولا نسترزقهم وننفعهم ولا ننتفع بهم ، فيكون أبلغ في الامتنان عليهم (وَالْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى) أي العاقبة المحمودة لأهل التقوى.

واعلم أنّ هذا التفسير لا يناسب رواية أبي جعفر عليه الصلاة والسلام وهو الظاهر ، وأنّه خلاف الظاهر ، وأنّ ظاهرها اختصاصه بعدم طلب الرزق وأنّه يرزقه ، وكذا أهل بيته لا كلّ خلقه ، فإنه لا يفهم كعدم فهم أهل دينك من أهلك وهي تدلّ على وجوب الأمر بها والصبر عليها ، ولا يبعد فهم الأمر بكلّ المأمور [به] والصبر على التكاليف الشاقّة ، وعدم جعل الرزق مانعا عنها ، وعدم الاعتداد بالدّنيا وجعلها محمودة ، وكون التقوى هي العاقبة المحمودة.

الرابعة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) (٢).

في مجمع البيان أي خاضعون متواضعون متذلّلون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ، ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا ، وروي أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته فقال أما إنّه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه ، وفي هذا دلالة على أنّ الخشوع في الصلاة يكون بالقلب والجوارح. أمّا بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجميع همّه لها ، والاعراض عمّا سواها ، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود وأمّا بالجوارح فبغضّ البصر والإقبال إليها ، وترك الالتفات والعبث ، وفيما ذكر من

__________________

(١) رواه في المجمع ج ٧ ص ٣٧ ـ

(٢) المؤمنون ١ و ٢ وما بعدها ذيلها.

٥٢

غضّ البصر ، مطلقا تأمل (١) إذ المستحبّ النظر إلى موضع السجدة حال القيام إلى آخر ما هو المشهور. نعم ، ورد غضّ البصر حال الركوع ، في رواية حمّاد (٢) وفي رواية زرارة النظر إلى ما بين الرجلين (٣) وحمل الشيخ الأولى على الثانية بأنّه إذا لم ينظر إلّا إلى ما بين رجليه كأنّه غضّ بصره ويحتمل العمل بهما ، فيكون كلّ واحد من الغضّ والنظر مستحبّا تخييريّا وأيضا كون الإقبال إليها من الجوارح غير ظاهر فتأمّل.

وفي الكشاف : الخشوع في الصلاة خشية القلب ، وإلزام البصر موضع السجود ولعلّ مراده حال القيام ، وبالجملة الظاهر أنّه حضور القلب وتأثّره وخوفه وطمعه ، ويظهر ذلك بالتوجّه بالكلّية إلى الصلاة وإلى الله ، بحيث يظهر أثر البكاء في العين ، والاضطراب في القلب ، واستعمال الأعضاء الظاهرة على الوجه المندوب وترك المكروهات مثل العبث بجسده وثيابه ، والالتفات يمينا وشمالا ، بل النظر إلى غير المسجد حال القيام ، والتمطّي والتثاؤب والفرقعة وغير ذلك ممّا بيّن في الفروع وورد في الأصول (٤) يعني لا يفعل المكروهات ، ويفعل المندوبات في الصلاة.

(وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) واللّغو ما لا يعنيك من قول أو فعل ، كاللّعب والهزل ، وما يوجب المروّة إلقاءه وإطراحه ، يعني أنّ لهم من الجدّ في العبادة ما يشغلهم عن الهزل وقال في الكشاف : ولمّا وصفهم بالخشوع في الصلاة ، أنبأه الوصف بالإعراض عن اللّغو ليجمع لهم الفعل والترك الشاقّين على الأنفس اللّذين هما قاعدتا بناء التكليف ، وأنت تعلم أنّ الخشوع في الصلاة كان مشتملا على الفعل والترك ، وترك اللّغو أي مالا يعني مطلقا فعلا كان أو تركا ، فترك الترك الّذي

__________________

(١) أقول : لا منافاة فإن الغض دون الغمض ، فإذا غض الإنسان بصره ، وقع نظره في القيام على موضع السجدة ، وفي الركوع بين رجليه ، وفي الجلوس على ذيله.

(٢) الكافي ج ٣ ص ٣١١.

(٣) الكافي ج ٣ ص ٣٢٠.

(٤) الكافي ج ٣ : ٢٩٩.

٥٣

هو ما لا ينفع (١) أيضا داخل في الاعراض عن اللغو فكأنّه للتأكيد وبالجملة هو شامل لكلّ من الفعل والترك اللّذين لا ينفعان ، ولا يحصل الاعراض عن ذلك إلّا بترك المباحات أيضا فعلا وتركا ، فيوجب ذلك الاشتغال بالعبادة دائما فتأمّل.

فدلّت على الترغيب بالخشوع بالمعنى المتقدّم [فيها] حتّى كاد أن يكون له دخل عظيم في الايمان ، أي في كماله فدلّت على استحباب بعض الأفعال في الصلاة وكراهية البعض على الإجمال ، وتفصيله يعلم من الأخبار ، ومذكور في الفروع وكذا دلّت على الترغيب بالإعراض عن اللّغو ، بل يفهم وجوب ذلك حيث إنّ له دخلا في الايمان أي في كماله ، وقارنه بفعل الزكاة ، وترك الزنا ودلّت أيضا على أنّ فعل الزكاة وترك الزنا كذلك حيث قال عاطفا على الّذين (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) الآية ، المراد بالزكاة هنا المصدر فيكون مثل ما يقال «فاعل الضرب» بإضافة الفاعل إلى الأحداث كما هو المتعارف مثل أن يقال «من فاعل هذا» يقال : «زيد أو الله أو خلق الله.

قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) في مجمع البيان أي يقيمونها في أوقاتها ولا يضيّعونها ، وإنّما أعاد ذكر الصّلاة تنبيها على عظم قدرها وعلوّ رتبتها عنده تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) معناه أنّ من كان بهذه الصفات واجتمعت فيه هذه الخلال ، هم الوارثون يوم القيامة منازل أهل النّار من الجنّة ، فقد روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال ما منكم من أحد إلّا وله منزلان منزل في الجنّة ومنزل في النار فان مات ودخل النار ورث أهل الجنّة منزلة ، وقيل إنّ معنى الميراث هنا أنّهم يصيرون إلى الجنّة بعد الأحوال المتقدّمة ، وينتهي أمرهم إليها كالميراث الّذي يصير الوارث إليه ، ثمّ وصف الوارثين فقال (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) الفردوس اسم من أسماء الجنّة ، وقيل هو اسم لرياض الجنّة ، وقيل هي جنّة مخصوصة ، قال في الكشّاف : ليس ذكر الصلاة هنا مكرّرا بل لأنّهما مختلفان إذ وصفوا أوّلا بالخشوع في صلاتهم وآخرا بالمحافظة عليها ، وذلك بأن لا يسهو

__________________

(١) فترك الذي هو قوله ما لا ينفع خ.

٥٤

عنها ، ويؤدّوها في أوقاتها ، ويقيموا أركانها ، ويوكّلوا نفوسهم بالاهتمام بها ، وبما ينبغي أن يتمّ به أوصافها. وأيضا قد وحّدت أوّلا لتفاد الخشوع في جنس الصلاة أيّ صلاة كانت وجمعت آخرا لتفاد المحافظة على أعدادها ، وهي الصلوات الخمس ، والوتر والسّنن المرتّبة مع كلّ صلاة ، وصلاة الجمعة ، والعيدين والجنازة ، والاستسقاء ، والكسوف ، والخسوف ، وصلاة الضحى ، والتهجّد ، وصلاة التسبيح ، وصلاة الحاجة وغيرها من النوافل أي أولئك الجامعون لهذه الأوصاف ، هم الوارثون الأحقّاء بأن يسمّوا ورّاثا دون من عداهم ثمّ ترجم الوارثين بقوله (الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) فجاء بفخامة وجزالة لارثهم لا يخفى على الناظر ومعنى الإرث ما مرّ في سورة مريم (١). أنّث الفردوس على تأويل الجنّة وهي البستان الواسع الجامع لأنواع الثمر ، وروي أنّ الله تعالى بنى جنّة الفردوس لبنة من ذهب ، ولبنة من فضّة ، وجعل خلالها المسك الأذفر وفي رواية لبنة من مسك مذرى ، وغرس فيها من جيّد الفاكهة ، وجيّد الريحان.

ففيها دلالة على الترغيب بمحافظة الصلوات بالمعنى المتقدّم ، وأنّه لا بدّ من محافظة جميعها حتّى يكون موجبة لحصر إرث الفردوس ، والخلود في المتّصف بها بخلاف الخشوع ، فإنّه يكفي في الواحدة أيّها كانت كما ذكره صاحب الكشاف وإنّ جميع ما ذكره من الصلوات مرغوبة إلّا صلاة الضحى فإنّها بدعة عندنا.

(النوع الثاني)

في دلائل الصلوات الخمس وأوقاتها وفيه آيات :

الاولى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ

__________________

(١) قال في سورة مريم في تفسير قوله تعالى (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا) استعارة أى نبقي عليه الجنة كما يبقى على الوارث مال الموروث ، ولأن الأتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقضت أعمالهم وثمرتها باقية وهي الجنة ، فإذا أدخلهم الله الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث الوارث المال من المتوفى. منه رحمه‌الله.

٥٥

قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) (١).

في الكشاف : دلكت الشمس غربت وقيل زالت وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. «أتاني جبرئيل لدلوك الشمس فصلّى بي الظهر (٢)» واشتقاقه من الدّلك لأنّ الإنسان يدلك عينيه عند النظر إليها ، فإن كان الدلوك الزوال ، فالآية جامعة لأوقات الصلوات الخمس والظاهر ذلك كما يدلّ عليه اللّغة والرواية المتقدّمة ، وكذا روايات الخاصّة ، ولكن يتوقّف مع ذلك على كون الغسق غير دخول أوّل اللّيل ، بل الظلمة الشديدة ، وهو نصف اللّيل كما يدلّ عليه بعض روايات الخاصة ففيها دلالة على سعة وقت جميع الصلوات الخمس على الإجمال ، فيخصّص ويتعيّن بضمّ الأخبار أو الإجماع على الوجه المقرّر فيتمّ المطلوب فتأمل.

قال في الكشّاف : والغسق الظلمة ، وهو وقت صلاة العشاء ، وفيه إجمال من حيث عدم معلوميّة آخر الوقت بل أوّله أيضا وقال فيه أيضا (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) صلاة الفجر ، سمّيت قرآنا ، وهو القراءة لأنّها ركن كما سمّيت ركوعا وسجودا وقنوتا ، لعلّ مراده بالركن هو الواجب الّذي بتركه عمدا تبطل الصلاة لا سهوا أيضا كما هو اصطلاح الأصحاب (مَشْهُوداً) تشهده ملائكة الليل والنهار ، هذا إن فعلت في أوّل وقتها ، ففيه إشارة إلى المبالغة في فعلها أوّل الوقت ، وعند بعض الفقهاء ليس الوقت إلّا الآخر في جميع الصلوات الموسّعة ، ومن يفعلها في أوّل الوقت فهو مقدّمها ، ويجزئ ، فهو خروج عن النصّ بالهوى فتأمل.

قال في مجمع البيان في الدلوك : فقال قوم زوالها وهو المرويّ عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما الصلاة والسلام (٣) ومعنى (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) عند دلوكها. وقيل غسق اللّيل هو أوّل بدوّ اللّيل عن ابن عبّاس ، وقيل هو انتصاف اللّيل

__________________

(١) أسرى : ٧٨ و ٧٩.

(٢) سنن ابى داود ج ١ ص ٩٣ ، ومثله في سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٤٥.

(٣) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣٠٨

٥٦

عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام (١) ثمّ قال واستدلّ قوم من أصحابنا بالآية على أنّ وقت الظهرين موسّع إلى آخر النهار ، لأنّه سبحانه أوجب إقامة الصلاة من وقت دلوكها إلى غسق اللّيل وذلك يقتضي أنّ بينهما وقتا ، ولم يرتضه الشيخ أبو جعفر قدّس الله روحه (٢) قال إنّ الدلوك هو غروب الشفق (٣) ومن قال إنّ الدلوك هو الزوال أمكنه أن يقول إنّ المراد بيان وجوب الصلوات الخمس ، على ما ذكره الحسن لا لبيان وقت صلاة واحدة.

وأفول : إنّه يمكن الاستدلال بالآية على ذلك أي على سعة الوقت على الوجه المشهور بأن يقال : إنّ الله سبحانه جعل دلوك الشمس الّذي هو الزوال إلى غسق الليل وقتا للصّلوات الأربع إلّا أنّ الظهر والعصر اشتركا في الوقت من الزوال إلى الغروب ، والمغرب والعشاء الآخرة اشتركا في الوقت من المغرب إلى الغسق وأفرد صلاة الفجر بالذكر في قوله تعالى (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ) ففي الآية بيان وجوب الصلوات الخمس ، وبيان أوقاتها ، ويؤيّد ذلك ما رواه العيّاشيّ بالإسناد عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام في قوله تعالى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ) قال : إنّ الله افترض أربع صلوات أوّل وقتها من

__________________

(١) الوسائل الباب ٢١ من أبواب المواقيت الحديث ٢.

(٢) المصرح من كلامه في الخلاف أن الدلوك عندنا هو الزوال وبه قال ابن عباس وابن عمر وأبو هريرة والشافعي وأصحابه ، ورووا عن على عليه‌السلام وابن مسعود أنهما قالا : الدلوك هو الغروب ، فالاية عندنا محمولة على صلاة الظهر وعند من خالف على صلاة المغرب ، دليلنا إجماع الفرقة وأخبارهم.

وما نقله الطبرسي عن الشيخ ليس هكذا ولفظه : ولم يرتضه الشيخ أبو جعفر رحمه‌الله وقال : إن من قال : إن الدلوك هو الغروب فلا دلالة فيها عنده ، بل يقول أوجب الله سبحانه إقامة المغرب من عند المغرب الى وقت اختلاط الظلام الذي هو غروب الشفق ومن قال إن الدلوك إلخ.

وهكذا لفظه في تفسير التبيان ج ٦ ص ٥١٠ فالظاهر أن المصنف نقل كلام المجمع عن نسخة سقيمة.

(٣) الشمس خ ل ظ.

٥٧

زوال الشمس إلى انتصاف الليل ، منها صلاتان أوّل وقتهما من عند زوال الشمس إلى غروب الشمس إلّا أنّ هذه قبل هذه ، ومنها صلاتان أوّل وقتهما من عند غروب الشمس إلى انتصاف اللّيل إلّا أنّ هذه قبل هذه ، وإلى ذلك ذهب المرتضى علم الهدى قدّس الله روحه في أوقات الصلوات وهذه الرواية (١) موجودة في الأصول ويوجد غيرها أيضا ونقلها الشيخ أيضا في كتبه (٢) وقال بها.

وقال الزجّاج إنّ في قوله تعالى «أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر» فائدة عظيمة هي أنّها تدلّ على أنّ الصّلاة لا تكون إلّا بقراءة لأنّ قوله أقم الصلاة وأقم قرآن الفجر قد أمر فيه أن يقيم الصلاة بالقراءة حتّى سمّيت الصلاة قرآنا فلا تكون صلاة إلّا بقرآن فيه تأمّل كما في قول الكشّاف خصوصا في قوله : «وقنوتا» فإنّه ليس بمشروع إلّا في بعض الصلوات عندهم الوتر والصبح ، وجزء مستحبّ فتأمّل.

قوله (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ) الآية تدلّ على وجوب صلاة اللّيل واختصاصه به صلى‌الله‌عليه‌وآله يمنع من التأسّي فيه.

الثانية: (أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ) (٣).

قيل إنّ طرفي النهار وقت صلاة الفجر والمغرب ، وقيل غدوة وعشيّة ، وهي صلاتا الصبح والعصر وقيل والظهر أيضا لأنّ بعد الزوال كلّه عشيّة ومساء عند العرب ، فتدلّ على سعة وقتهما في الجملة ، وينبغي إدخال العشاءين أيضا.

(وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ).

قيل العشاءين وقيل أي ساعات من اللّيل وهي ساعاته القريبة من آخر النّهار ، وقيل : زلفا من الليل أي قربا من الليل ، وحقّها على هذا التفسير أن يعطف على الصّلاة أي أقم الصّلوة وأقم زلفا من الليل على معنى وأقم صلوات يتقرّب بها إلى الله عزوجل في بعض اللّيل فيمكن أن يكون إشارة إلى صلاة

__________________

(١) تفسير العياشي ج ٢ ص ٣١٠.

(٢) التهذيب ج ٢ ص ٢٤ و ٢٥ ، تحت الرقم ٦٨ ، و ٧٢.

(٣) هود : ١١٥.

٥٨

اللّيل المشهورة. (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) يحتمل وجهين تكفير الذنوب بالطاعات ، فهي صريحة في وقوع التكفير وكذا غيرها من الآيات والأخبار واللّطف يعني أنّ الطاعات موجب لترك المعصيات بالخاصيّة أو بسبب لطفه تعالى كقوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١) (ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ) أي ما ذكر من قوله (فَاسْتَقِمْ) (٢) إلى ههنا عظة للمتّعظين ، ثمّ رجع إلى ذلك للتذكير بالصبر بقوله (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) وهو دليل على الحثّ والتحريض والترغيب على الوعظ والاتّعاظ ، وعلى الصبر والإحسان وهو ظاهر.

الثالثة : (فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ) (٣).

سئل ابن عبّاس هل تجد الصّلوات الخمس في القرآن؟ قال : نعم ، وقرأ هذه الآية فالتسبيح حين تمسون صلاة المغرب والعشاء وحين تصبحون صلاة الفجر وعشيّا صلاة العصر ، وحين تظهرون صلاة الظهر ، ويحتمل أن يراد بالأوّل المغرب وبعشيّا العشاء وبتظهرون الظهرين وغير ذلك مثل أن يراد بعشيّا المغرب والعشاء وبتمسون العصر وبتظهرون الظهر فقطّ. وعشيّا عطف على حين فيكون وله الحمد معترضة ويحتمل عطفه على السّموات ولكن يبعد حينئذ فهم الصّلاة ويحتمل أن يراد من الحمد الصّلات إلّا أنّه حينئذ الصّلوات في السّموات غير ظاهرة وعطف «عَشِيًّا» «وَحِينَ تُظْهِرُونَ» أيضا على السّموات غير مناسب ، وحين تظهرون مشعر بعطفه على الأوّل وترك حين في عشيّا كأنّه لعدم مجيء الفعل منه فتأمل.

الرابعة: (فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها) (٤).

__________________

(١) العنكبوت : ٣٥.

(٢) أى فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون وأقم الصلاة طرفي النهار الآية.

(٣) الروم : ٢٧.

(٤) طه : ١٣٠

٥٩

معناه في الكشّاف : فكأنّه قال : صلّ لله قبل طلوع الشمس ، يعني صلاة الفجر : وقبل غروبها يعني الظهر والعصر لأنّهما واقعتان في النصف الأخير من النّهار فحينئذ فيها دلالة على وجوب الصّلوات الثلاث وسعة وقتها ، وعدم اختصاصها بأوّل الوقت ، فالقول بأنّ وقت صلاة الفجر إلى الإسفار والتنوير كما هو قول بعض أصحابنا غير واضح وكذا اختصاص الظهر بأوّل الوقت وكذا العصر بأوّل وقتها. وهو ظاهر بناء على تقسير التسبيح بالصّلاة ، وأمّا على الاحتمال بكون المراد هو التسبيح حقيقة فلا دلالة ، بل المراد هو الترغيب والتحريض ، على تسبيحه تعالى وتنزيهه في هذه الأوقات الشريفة.

(وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى) قدّم الظرف ههنا على الفعل عكس الأوّل ، للاهتمام بفعلها ليلا لعدم شغل النفس حينئذ ولأنّها أشقّ ويحتمل كون «من» بمعنى «في» وابتدائيّة ، وقال في الكشّاف : وقد تناول التسبيح في آناء اللّيل صلاة العتمة ، وفي أطراف النهار صلاة المغرب ، وصلاة الفجر على الكرار إرادة الاختصاص كما اختصّت في قوله (حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى) عند بعض المفسّرين.

ويحتمل (مِنْ آناءِ اللَّيْلِ) إرادة صلاة الليل المشهورة أيضا أو مطلق الصلاة ليلا فإنّها عبادة مطلوبة جدّا وإرادة نافلة الفجر أيضا ، وكذا من أطراف النهار أيضا بحمل الأمر على الرجحان المطلق فتأمل.

الخامسة : (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ) (١).

أي سبّح حامدا ربّك قبل الطّلوع وقبل الغروب وسبّحه أيضا في بعض اللّيل وفي أدبار السّجود ، والتسبيح ، إمّا محمول على ظاهره ، أو على الصّلاة

__________________

(١) ق : ٣٩ و ٤٠.

٦٠