زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

عزوجل في كتابه (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) قال يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة كلّ من كان أهله دون ثمانية وأربعين ميلا ذات عرق وعسفان كما يدور حول مكّة ، فهو ممّن يدخل في هذه الآية وكلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة (١) وهي كما تدلّ على بيان الحاضر يدلّ على أنّ ذلك إشارة إلى التمتّع ، وعند بعض الأصحاب اثنا عشر ميلا (٢) واختاره في مجمع البيان ودليله غير واضح ، فانّا ما وجدنا عليه خبرا ضعيفا أيضا ، وذكر في المختلف له وجها بعيد جدّا.

(وَاتَّقُوا اللهَ) في المحافظة على حدود الله تعالى وأوامره ونواهيه سيّما في الحجّ حجّ التّمتع (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن خالف أوامره ونواهيه ولم يتّقه ، وإنّما أمر بالعلم لأنّ العالم بذلك يتّقيه ولا يخالفه لأنّ علمه يمنعه ويصدّه عن ذلك ، فانّ ذلك شأن العلم الحقيقيّ إذ العاقل إذا تحقّق ذلك لم يتعدّ ولم يخالف علمه.

الثانية (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى وَاتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ) (٣).

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٤٥٥ ، الاستبصار ج ٢ ص ١٥٧ ، تفسير العياشي ج ١ ص ٩٣.

(٢) استدلوا بلفظ الآية الشريفة ونصها حيث قال (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) وانما يصدق على أهله أنهم حاضرون المسجد الحرام إذا كان مسكنه وموطنه ما دون أربعة فراسخ وهو اثنا عشر ميلا ، ولهم أن يجيبوا عن الروايات الواردة في أن المراد من كان منزله دون ثمانية وأربعين ميلا ، اى من أربعة جوانب فيكون كل جانب اثنا عشر ميلا ولكن يبعده تمثيل ذلك في الأحاديث بما دون عسفان وذات عرق وهما على مرحلتين : ثماني وأربعين ميلا من مكة.

(٣) البقرة : ١٩٧.

٢٦١

أي وقت الحجّ وزمانه الّذي يصحّ فعله بالإحرام له والإتيان بمناسكه فيه في الجملة ثلاثة أشهر شوّال وذو القعدة وذو الحجّة فإنّه يصحّ الإحرام في الأوّلين وفي أوائل الأخير ، وفيما بعد العشر في الجملة يصحّ بعض أفعاله مثل الرمي والذّبح والطّوافين ، وهما يصحّان مع الاضطرار والاختيار على الظاهر وإن قلنا بتحريم التأخير ، والدّليل على كون الأشهر ثلاثة ظاهر الجمع ، وصحّة الأفعال في الكلّ في الجملة ، وعدم صحّة وقوع جميعها في العشر الأوّل والرواية الصحيحة والحسنة المذكورة في الكافي عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله عزوجل (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ) : الفرض بالتلبية والإشعار والتقليد ، فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ ولا يفرض الحجّ إلّا في هذه الشهور الّتي قال الله عزوجل (أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة (١) ومثلها في إفادة كون زمان الحجّ شوّالا وذا القعدة وذا الحجّة رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (٢) وقيل إنّه وتسع من ذي الحجّة مع ليلة العاشر إلى طلوع الفجر ، وقيل إلى طلوع الشمس ، وقيل وعشر ، قيل وهذا الخلاف لا ثمرة له في باب الحجّ فانّ بعض الأفعال يقع بعد العشر بالاتّفاق وإذا وقع الإحرام في زمان لم يدرك عرفة والمشعر لم يصحّ الحجّ إجماعا ، نعم يظهر ثمرته في نحو النذر وفيه تأمّل إذ الّذي يقول إنّ ذا الحجّة كلّه زمان الحجّ قد يقول بجواز تأخير مثل طواف الزيارة وطواف النساء والذبح طول ذي الحجّة دون غيره إلّا أن يقال إنّه قد علم عدمه منه وذلك غير ظاهر.

وقال في الكشّاف وتفسير القاضي : إنّ ما ذكرناه مذهب مالك ، ومذهب الشافعيّ : وتسع من ذي الحجّة مع ليلة النحر ، ومذهب الحنفيّ : وعشر ذي الحجّة ، فإطلاق الأشهر إمّا باعتبار إطلاق الجمع على ما فوق الواحد ، أو باعتبار تنزيل البعض منزلة الكلّ ، فجعل بعض شهر ذي الحجّة شهره ثمّ قال في الكشّاف وهو كما يقال رأيتك سنة كذا وإنّما رآه في ساعة منها ، ومثله في مجمع البيان

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٨٩.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٢٨٩.

٢٦٢

ومثّل بقولك صلّيت يوم الجمعة ويوم العيد وإنّما صلّيت في جزء منهما ، وفيه تأمّل واضح إذ الفرق بينهما ظاهر لأنّه جعل في المثال السّنة ظرفا للرّؤية ، ويوم الجمعة للصّلوة ، وظرفيّة الزمان لفعل لا يستلزم وقوعه في كلّ ذلك الزمان عرفا كما في المكان مثل قولك جلست في بلد كذا ، وفي محلّة كذا ، وسوق كذا ، ممّا لا يتناهى وفيما نحن فيه جعل شهر ذي الحجّة خبرا عن وقت الحجّ كأنّه قال : زمان الحجّ شهر ذي الحجّة وهو في هذا المقام ظاهر في غير ذلك المعنى ، ففي الأوّل لا مسامحة بخلاف الثاني ، نعم لو مثّل بقوله يقال : وقت رؤيتي سنة كذا لكان مثله في المسامحة ، على أنّه قد يتسامح فيه لظهور المراد دونه ، فانّ المتبادر منه لا أقل صحّة بعض أفعال الحجّ في أيّ زمان كان.

وقال القاضي : وهي شوّال وذو القعدة وتسع ذي الحجّة بليلة النحر عندنا والعشر عند أبي حنيفة وذو الحجّة كلّه عند مالك ، وبناء الخلاف أنّ المراد بوقته وقت إحرامه أو وقت أعماله ومناسكه ، أو ما لا يحسن فيه غيره من المناسك فانّ مالكا كرّه العمرة في بقيّة ذي الحجّة وأبو حنيفة وإن صحّح الإحرام به قبل شوّال ، فقد استكرهه ، وفيه تأمّل إذ الظاهر أنّه لا يصحّ تأخير الإحرام إلى وقت يتيقّن فوت عرفة ، فانّ الوقوف بها ركن إلّا أن لا يكون عندهم كذلك وأيضا يصحّ بعض المناسك بعد يوم النحر ، وأيضا يلزم كراهة العمرة بل جميع المناسك سوى الحجّ في هذه الشهور كلّها بناء على قول مالك وأيضا كراهة الإحرام بالعمرة عند مالك لا يستلزم القول بأنّ طول ذي الحجّة كلّه شهر الحجّ بمعنى أن لا يحسن غيره فيه.

ولا يكون وجها لقول مالك كما قاله في الكشّاف : قالوا وجهه أنّ العمرة غير مستحبّة فيها عند عمر وابن عمر فكأنّها مخلصة للحجّ لا مجال فيها للعمرة ، وعن عمر أنّه كان يخفق الناس بالدرّة وينهاهم عن الاعتمار فيها ، فان الظاهر من شهر الحجّ وقوعه فيه لا كراهة وقوع غيره فيه ، نعم لو كان حراما عنده لكان مناسبا في الجملة مع أنّ قول عمر ليس بحجّة فإنّ قول الصحابي ليس بحجّة وأيضا لا وجه

٢٦٣

لقوله ، وأيضا ضرب الناس لفعل مكروه لا يجوز فلعلّ كان عنده حراما لكنّه لا يصير وجها لقول مالك فكأنّ في قول صاحب الكشّاف «قالوا وجهه» إشارة إلى هذه الأمور حيث ما أسند إليه وأيضا قد وجّه كلام مالك بما أشار إليه فيه بقوله وقالوا لعلّ من مذهب عروة جواز تأخير طواف الزيارة إلى آخر الشهر ، وهذا مؤيّد لما قلناه من جواز ثمرة الخلاف كما هو الظاهر ، وإن لم يظهر كونه وجها له ، إلّا بقوله يقول عروة ، وأيضا تجويز أبي حنيفة الإحرام بالحجّ قبل شوّال مخالف للآية وقوله بالكراهة لا ينفعه ولا يخرجه عن المخالفة إذ ظاهرها عدم جواز إنشاء الحجّ في غيرها ، فالبناء الّذي ذكره البيضاويّ وبعض ما ذكره في الكشّاف ليس له أساس.

(فَمَنْ فَرَضَ) أي أوجب على نفسه الحجّ مطلقا حجّ التمتّع وغيره ، بحيث صار واجبا فعله وشغله وإتمامه بالفعل ، وحرم عليه محرّمات الإحرام بالتلبية مطلقا أو بالإشعار أو بالتقليد أيضا إذا كان سائقا كما دلّت عليه صحيحة وحسنة معاوية المتقدّمة فدلّت على ركنيّة التلبية في الجملة وأنّ الإحرام لا ينعقد إلّا بها فخلاف البعض في انعقاده بدونها وأنّها ليس بركن كما نقلناه عن الدروس وقاله في مجمع البيان لا يعتدّ به ، ودلّت أيضا على إجزاء التلبية مطلقا وإجزاء أحدهما للقارن ، وضعف خلاف بعض الأصحاب من تعيين أحدهما للقارن وتعيين التلبية للغير وهو ظاهر ودلّت أيضا على وجوب إتمام الحجّ بعد انعقاده بالإحرام كما هو مذهب الأصحاب والشافعيّ أيضا على ما ذكره القاضي في تفسيره ولا يبعد دلالتها على وجوب إتمام حجّ التمتّع بالشروع في عمرته لأنه قد ذكر الله تعالى في الآية حجّ التّمتع ثمّ قال (فَمَنْ فَرَضَ) أي من فرضه مطلقا بالإحرام فوجب عليه الإتمام ، ولا يبعد صدق فرضه بفرض عمرته لأنّهما بمنزلة شيء واحد كما يفهم من الخبر المشهور «دخلت العمرة في الحجّ هكذا وشبّك أصابعه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١)» لأنّه لا بدّ من وقوع إحرامه في هذه الشهور ، ومن وقوعهما في عام واحد ، بخلاف غيره

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٢٤٦ ، ومثله في سنن ابى داود ج ١ ص ٤٣٩ و ٤٤٣.

٢٦٤

ووجوب العمرة في غيره لا بدّ له من دليل آخر ، ودلّت أيضا على عدم صحّة إحرام الحجّ إلّا في هذه الشهور بل عمرة التمتّع أيضا.

(فَلا رَفَثَ) أي لا جماع (وَلا فُسُوقَ) أي لا كذب (وَلا جِدالَ) أي قول لا والله وبلى والله مجتمعا ومنفردا على الظاهر كاذبا وصادقا ، هذا هو المشهور بين الأصحاب وعليه الروايات (فِي الْحَجِّ) أي في زمان انعقاد الحجّ وفرضه ، على الوجه المذكور ، ويحتمل أن يكون المراد فلا فحش أيضا من الكلام كما هو معنى الرفث في اللّغة كما قال القاضي فلا جماع أو فلا فحش من الكلام وصاحب الكشّاف أيضا ولكنّه بعيد لدخوله تحت قوله (وَلا فُسُوقَ) بالمعنى الّذي ذكراه ، ولا يبعد حمله على الجماع وما يتبعه ممّا يحرم من النساء في الإحرام ، مثل التقبيل وغيره حتّى العقد والشهادة عليه كما هو المذكور في الكتب بمعاونة الأخبار وقال القاضي أيضا ولا خروج عن حدود الشّرع بالسّباب وارتكاب المحظورات في تفسير (وَلا فُسُوقَ) والأولى ترك السباب لدخوله في ارتكاب المحظورات بل في فلا رفث أيضا بالمعنى الأخير ، بل وارتكاب المحظورات أيضا لئلّا يلزم التخصيص بفعل المحرّمات ويدخل ترك الواجبات أيضا وقال في الكشّاف في تفسير (وَلا فُسُوقَ) ولا خروج عن حدود الشريعة وقيل هو السباب والتنابز بالألقاب ، وكأنّه أشار إلى أنّ التخصيص ليس بسديد ، والتعميم أولى ، وهو كذلك وأنّه موافق للّغة فإنّه في اللغة الخروج عن الطّاعة كما قاله في مجمع البيان ، وكأنّ القاضي جمع بين قوله ونقله وترك التنابز أيضا فليس بجيّد.

وعلى كلّ التقادير تحريم ما كان منها حراما مطلقا في حال الحجّ للتأكيد والمبالغة في تحريمه كما قاله في الكشّاف وتفسير القاضي وما كانت مستقبحة في أنفسها ففي الحجّ أقبح ، كلبس الحرير في الصّلاة ، والتطريب بقراءة القرآن ولتطريب مدّ الصوت وتحسينه ، لعلّ المراد الغناء المحرّم إلّا أن يكون ذلك مطلقا حراما عند القاضي وصاحب الكشّاف ، وقال القاضي في تفسير (وَلا جِدالَ) لأمراء مع الخدم والرفقة ، كأنّ المراد لا خصومة ولا سباب ولا إغضاب على جهة اللّجاج كما

٢٦٥

ذكره في مجمع البيان ونسبه إلى ابن عبّاس وابن مسعود والحسن وقيل أيضا في تفسير (وَلا جِدالَ) : أو أنّه لا خلاف ولا شكّ في الحجّ وذلك أنّ قريشا كانت تخالف سائر العرب فتقف بالمشعر الحرام وسائر العرب يقفون بعرفة ، وكانوا ينسؤن الشهور فيقدّمون الحجّ سنة ويؤخّرونه اخرى ولكن هذا المعنى يناسب قراءة الأوّلين بالنصب بمعنى النهي والثالث بالرفع بمعنى الخبر كما فعله في الكشاف وقال القاضي أيضا نفي الثلاث على قصد النهي للمبالغة والدّلالة على أنّها حقيقة بأن لا يكون ، يعني أراد النهي عن هذه الأشياء في أيّام الحجّ وذكرها بطريق النفي الدّالّ على نفي الجنس والحقيقة المفيد للعموم والمبالغة للتأكيد والاهتمام بعدم وقوعها ، فلا لنفي الجنس ، ومدخولة مبنيّ على الفتح و (فِي الْحَجِّ) متعلّق بمقدّر مثل موجود أو جائز خبرا ، والجملة جزاء الشّرط أي «فمن» إلخ والعائد محذوف مثل «له» أو برفث يعني لا يرفث وهو جزاء أيضا ، والباقي عطف عليه مع تكرير لا للتأكيد.

وقرئ الكلّ بالرّفع والمعنى واحد والتركيب أيضا إلّا أنّ لا حينئذ بمعنى ليس ، وليس لنفي الجنس لعدم جواز الرفع حينئذ لكونه نكرة مفردة والعموم أيضا بحاله لأنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم لأنّه من أداة العموم كما هو المبيّن في محلّه ، فقول صاحب مجمع البيان بأنّ دلالة الرفع على العموم لأنّه يعلم من الفحوى أنّه ليس لنفي رفث واحد ولكنّه لجميع ضروبه غير واضح ، إلّا أن يريد أنّه ليس بمثابة النّصب فإنّه أصرح وآكد (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللهُ) أي وما تفعلوا من أيّ نوع من الخير سواء كان الحجّ وغيره ، وسواء كان فعل حسن أو ترك قبيح ـ ولا يبعد إطلاق الفعل عليه باعتبار الكفّ وغيره ، ويدلّ عليه ذكره بعد النهي عن الرّفث وغيره ، وتنكير «خير» ـ يجازيكم به الله (١) المتّصف بجميع صفات الكمال من العلم والقدرة والعدل ففي وضع علمه بالعمل المستحقّ للجزاء مكان الجزاء مبالغة زائدة في عدم فوته وتوفيره ، وحثّ على فعل الخير بعد النهي

__________________

(١) خبر «ما» في قوله قدس‌سره ، أى وما تفعلوا من أى نوع إلخ.

٢٦٦

كما أنّ في تنكير «خير» وذكر «ما» الموضوعة للعموم والإبهام ثمّ البيان ، وذكر لفظ الله المستجمع لجميع الصفات دلالة على ذلك.

وقال في الكشّاف : حثّ الله على الخير عقيب النهي عن الشرّ وأن يستعملوا مكان القبيح من الكلام الحسن منه ، ومكان الفسوق البرّ والتقوى ، ومكان الجدال الوفاق والأخلاق الجميلة ، أو جعل فعل الخير عبارة عن ضبط أنفسهم حتّى لا يوجد منهم ما نهوا عنه وينصره قوله (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى) أي اجعلوا زادكم إلى الآخرة اتّقاء القبائح فإنّ خير الزاد اتّقاؤها ، والتعميم أولى ، أي تزوّدوا لمعادكم التّقوى ، وهو كما مرّ فعل الطّاعات وترك المعاصي ، فإنّه خير الزاد ، أي خير من كلّ زاد ، ولا يبعد جعل الخطاب لعموم المكلفين وكأنّه ذكر هنا لأنّ الحاجّ لا بدّ أن يأخذ زادا لسفر قصير ، فأخذ الراد للأمر البعيد أحقّ وأولى ، وبيّن وجوب أخذه بأنّه التّقى أو أنّه لمّا يأخذ الراد فيتّكل عليه ، فأمره بأخذ خير الزاد ، فإنّه لو أخذ ذلك الزاد ولم يأخذ التقوى يهلك بالجوع إمّا ظاهرا في الدنيا بأن يفوت منه في الطريق سريعا فيبقى بلا زاد أو حقيقة في الآخرة فإنّه إذا فعل المعاصي يهلك جوعا يوم القيامة بمعنى عدم انتفاعه بزاد الحجّ في الآخرة.

فلا يبعد أن يكون إشارة إلى صرف الزاد إلى المحاويج ، من المأكل والمشرب والمركب ممّا يحتاج إليه المحاويج ، بحيث لا يصير إهلاكا لنفسه وإلقاءها إلى التهلكة ، والاعتماد على زاد الله الّتي هي الزّاد الحقيقيّ دون غيرها من المطعم الفاني الّذي في معرض التلف مع وجوده ، لاحتماله العدم بالمرّة في الحال ، وقيل : نزلت في أهل اليمن كانوا يحجّون ولا يتزوّدون ويقولون : نحن متوكّلون فيكونون كلا وعيالا وثقلا على الناس فأمروا أن يتزوّدوا ويتّقوا السّؤال ، والتثقيل عليهم (١).

__________________

(١) ذكره أصحاب التفاسير ، راجع البيضاوي : ٥٢ ، مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٤ ، الدر المنثور ج ١ ص ٢٢١ وتراه في صحيح البخاري ج ١ ص ٢٦٥.

٢٦٧

(وَاتَّقُونِ) أي اتّقوني وخافوني ـ بحذف الياء والاكتفاء بالكسرة ، وهو كثير ـ من أن اعاقبكم واتّقوا معاصيّ الّتي هي سبب العقاب أو اتّقوني فيما أمرتكم به ونهيتكم عنه ، والمرجع واحد (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا ذوي العقول ، سمّي العقل باللبّ لأنّ لبّ كلّ شيء خالصة ولبّ الإنسان عقله ، وبه يفوز بالسعادات كلّها ، وخصّهم بالخطاب لأنّهم الأهل لذلك فإنّ قضيّة العقل خشية الله وتقواه فكأنّ من لم يتّق الله لا عقل له ، وهو مبرهن بالعقل والنّقل ، وفيه تأكيد آخر وتحريص وحثّ على التقوى ، وأنّه لا بدّ أن يكون المقصود منه هو الله حيث قال (وَاتَّقُونِ) فانّ التّقوى إذا لم تكن لله لم تكن تقوى بل عين الفسق وأفحشه وجعله مقصودا والتبرّي عن كلّ شيء سواه ، هو مقتضى العقل المجرّد السليم عن شوائب الهوى فلذلك خصّ الخطاب بذويه.

الثالثة (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) (١).

أي ليس عليكم ذنب وحرج وإثم في أن تطلبوا ، فحذف حرف الجرّ عن «أن» قياسا فهو مع ما بعده منصوب بنزع الخافض و «فضلا» مفعول «تبتغوا» أي عطاء ورزقا بالتّجارة ، قيل كان المسلمون يتأثّمون التجارة في الحجّ في أوّل الإسلام لزعمهم أنّ التّجارة ، تنافي الحجّ ، وهي فعل الجاهليّة ، فرفع الله سبحانه بهذه الآية الإثم عنهم بالتجارة ، وقيل : كانوا يتأثّمون الأجرة في الحجّ فرفع ذلك ، وعلى التقديرين الآية صريحة في عدم المنافاة بين الحجّ والتجارة وأخذ الأجرة معه ، فلا يتخيّل أنّه مناف للإخلاص ، ولا منافاة ، فإنّه يقصد بفعل الحجّ القربة وبما هو خارج عنه تحصيل المال ، فانّ العمل الّذي يستحقّ به الأجرة مثل

__________________

(١) البقرة : ١٩٨.

٢٦٨

الخدمة ليس بداخل في الحجّ ، وليس بعبادة بل قد يحصّل الثواب والأجرة أيضا كما يقصد تحصيل المعاش الواجب أو الندب أو يؤجر نفسه للحجّ وغيره بمال فيحصل المال والثواب ويدلّ عليه الروايات فكأنّ الثواب باعتقاده وفعله على أنّه مشروع وأنّه لو لم يشرع لم يفعل.

ولكن حصول القربة المعتبرة في النيّة مشكل هنا فتأمّل فإنّه لا محذور بعد ثبوته بالنصّ ، فمعنى القربة يكون غير الّذي اعتبره بعض الأصحاب في غير هذه الصورة ، مع أنّها غير بعيدة الحصول ، فانّ فعلها بعد الإجارة قد يكون للتقرّب فقط إذ لا يحصل شيء حيث وجب فعلها بعد عقد الإجارة فتأمّل ، فعلى هذا الحكم المستفاد من الآية هو جواز التجارة والأجرة والكرى مع الحجّ ، وقيل معناه لا جناح عليكم في طلب المغفرة ، وقال في مجمع البيان : الأوّل مرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام والثاني عن أبي جعفر عليه‌السلام فلا يبعد الحمل على الأعمّ.

(فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ) أي دفعتم عنها بعد الاجتماع فيها من أفضت الماء إذا صببته بكثرة وأصله أفضتم أنفسكم فحذف المفعول كما حذف في دفعت من البصرة أي دفعت نفسي منها «وعرفات» جمع عرفة وسمّي بها الأرض المخصوصة كمفردها وإنّما نوّن مع منعها الصرف للعلميّة والتأنيث ، لأنّ تنوينها تنوين المقابلة ، والعوض عن نون الجمع في مسلمون (١) أي بإزائه فكما لا يحذف ذلك لا يحذف هذا التنوين وهذا التنوين غير ممنوع من غير المنصرف ، بل الممنوع عنه هو تنوين التمكّن ، وإنّما لم يمنع من الكسرة لأنّ منعها تابع لمنع التنوين ، ولمّا لم يمنع المتبوع لم يمنع التابع أيضا بالطريق الأولى ، هكذا في مجمع البيان بتغير ما وفي تفسير القاضي (٢).

وقال في الكشّاف والقاضي أيضا : إنّ تاءها ليست للتّأنيث بل هي مع الألف علامة الجمع وليست هنا تاء مقدّرة لأنّ المذكورة تمنع من ذلك

__________________

(١) يعني إذا سمى به امرأة.

(٢) مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٥ ، أنوار التنزيل : ٥٢.

٢٦٩

كما في البنت وغيرها ، والظاهر أنّ حكم التأنيث جار عليها ولهذا يرجع إليها الضمير المؤنّث ويوصف به ، ولو باعتبار معناها وهي الأرض المخصوصة ، أو أنّها تاء مفردها وزيد عليه الألف فقط فتأمّل.

وأمّا تسمية ذلك الموضع بعرفة أو عرفات فقيل لأنّه وصف لإبراهيم عليه‌السلام ولمّا رآه قال : عرفت ، وقيل : كان جبرئيل يعلّمه المناسك وفي هذا الموضع قال : عرفت ، وقيل : لأنّ آدم وحوّاء تعارفا هنا بعد أن تفرّقا ، وقيل لأنّ النّاس يتعارفون هنا وقيل : لأنّه رأى إبراهيم عليه‌السلام في المنام ذبح ولده وتفكّر أنّه أمر من الله أم لا ورآه ثانية فسمّي اليوم الأوّل بيوم التروية والثاني بعرفة ، وهذا يفيد وجه تسمية اليوم ، ويفهم وجه المكان أيضا فافهم.

وأمّا وجه تسمية الموضع الآخر بالمشعر فظاهر لأنّه علامة للنّسك والعبادة ومعلم للحجّ والدّعاء والصّلاة والمبيت عنده ، وتسميته بجمع لأنّه يجمع فيه بين المغرب والعشاء [بأذان واحد وإقامتين] أو لجمع النّاس فيه ، والمزدلفة ، لأنّ جبرئيل قال له عليه‌السلام ازدلف إلى المشعر أي ذهب إليه وأقرب منه ، قيل : المشعر الحرام جبل في ذلك الموضع سمّي قزح ، وقيل : هو ما بين جبليّ المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسّر ، وليس المأزمان ووادي محسّر منه ، وإنّما وصف بالحرام لحرمته ، وبالجملة المراد هنا الوقوف والذّكر في موضع خاصّ يقف فيه النّاس وهو موضع محدود مثل عرفة ومنى ، وإنّما سمّي ذلك الموضع بمنى لأنّ إبراهيم عليه‌السلام تمنّى هناك أن يعطيه الله فداء يذبحه مكان ابنه.

(فَاذْكُرُوا اللهَ) جزاء (فَإِذا أَفَضْتُمْ) أي اذكروا الله بالتّهليل والتّكبير والثناء عليه والدّعوات ، أو بصلاة المغرب والعشاء (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) أي اذكروا الله بالثناء والشّكر حسب هدايته إيّاكم ، فالشّكر يكون في مقابلة نعمة الهداية أو «اذكروه» ذكرا حسنا «كما هديكم» هداية حسنة أو اذكروه كما علّمكم المناسك وغيره ، فما مصدريّة أو كافّة (وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ) أي قبل الهداية أو قبل بعث محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو بعيد لفظا ومعنىّ (لَمِنَ الضَّالِّينَ) أي الجاهلين بالايمان

٢٧٠

والطّاعة والمناسك ، و «إن» هي مخفّفة من المثقّلة ، واللّام هي التأكيدية الفارقة بين النافية والمخفّفة أو بينها وبين الشّرطيّة.

فدلّت بظاهرها على وقوف عرفة أي الكون بها في الجملة حيث كانت الإفاضة منها والإفاضة منها فرع الكون فيها فتأمّل ، وهو الوقوف وهو مبيّن في الأخبار ومحدود زمانه ومكانه في الكتب ، وعلى وقوف المشعر ليلا أيضا إذا المراد الإفاضة من عرفة إلى مشعر الحرام ، وذكر الله فيه ، ولا يمكن ذلك بدون الكون فيه ، وهو المراد بالوقوف هنا ، وهو أيضا مذكور في الأخبار ومعلوم الزّمان والمكان ، ودلّت أيضا على وجوب الذّكر فيه ، ولكن أكثر الأصحاب على استحباب الذكر ، وعدم وجوب شيء غير الكون مع النيّة ، فيحتمل أن يكون كناية عنه فانّ فعل عبادة مع النيّة ذكر الله ، أو صلاة المغرب والعشاء فلا يدلّ على وجوب أمر زائد ، وأيضا قد يحمل قوله «فاذكروا» على استحباب الذّكر بالأدعية المأثورة في ذلك المحلّ ، والاحتياط يقتضي ذكر الله تعالى فيه بالتهليل والتّكبير والثّناء الجميل بالمأثور ، على ما هو المذكور في محلّ ذكر هذا النسك في كتاب العبادات.

ويلزم من كون المراد بالذّكر المغرب والعشاء وجوب فعلهما فيه ، وليس بجيّد إذ يدلّ على عدمه ما في صحيحة محمّد بن مسلم : فنزل أي الباقر عليه‌السلام فصلّى المغرب في الطّريق قبل المزدلفة ، وصلّى العشاء بالمزدلفة وكذا صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام لا بأس أن يصلّي الرّجل المغرب إذا أمسى بعرفة وكذا خبر سماعة (١) إلّا أن يراد العشاء فقطّ فكأنّ الأخبار الدالّة على وجوب الجمع بأذان واحد وإقامتين فيه ، وجواز تأخير النّافلة عنهما (٢) محمولة على الندب ويمكن القول بوجوب الذّكر والثّناء والشّكر كما هو الظاهر من كثير من الأخبار أيضا ومذهب ابن البرّاج وظاهر كلام أبي الصّلاح في المشعر وعرفة أيضا وظاهر كلام السيّد حيث أجاب عن الاعتراض على الاستدلال بالآية المذكورة

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٠٠.

(٢) الكافي ج ٤ ص ٤٦٨ و ٤٦٩.

٢٧١

على وجوب وقوف المشعر بأنّ الأمر (١) بالذّكر أيضا يدلّ على وجوب الكون فيه ، فإنّ الذّكر بدونه غير ممكن «بأنّ الآية (٢) تدلّ على وجوب الذّكر وأنتم لا تقولون به» «بأنّه (٣) لا يمتنع أن نقول بوجوب الذّكر بظاهر الآية وأجيب بجواب آخر وهو أنّ الأمر بالذّكر يقتضي وجوب الكون في المكان المخصوص والذّكر جميعا ، فإذا دلّ الدّليل على أنّ الذكر مستحبّ غير واجب أخرجناه من الظّاهر وبقي الباقي ، وفيه تأمّل واضح ، إذ وجوب الكون إنّما كان مفهوما من وجوب الذّكر وأمره ، وإذا حمل على الاستحباب لدليل لم يبق لوجوب الكون أمر دالّ على الوجوب ، وهو ظاهر ، نعم يمكن ذلك لو قدّر شيء ، ويكون وجوب الكون مفهوما من ذلك الشيء أو جعل الذّكر : الكون مع النيّة أو العشاء الآخرة.

ثمّ الاستدلال على وجوب الكون في المشعر بوجوب الشكر المفهوم من قوله تعالى (وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ) مثل الذكر على أنّ كونه شكرا غير واضح ، وكذا وجوبه في المشعر الحرام حتّى يلزم منه وجوب الكون بها ، وبالجملة القول بوجوب وقوف المشعر ممّا لا ينبغي إنكاره لما ذكرناه بل للإجماع على الظاهر ، وينبغي أيضا القول بوجوب الذكر لظاهر الآية والأخبار ، مع عدم دليل صالح للمنع مثل الأصل الّذي استدلّ به ـ على عدم وجوب الذكر مطلقا والصلاة على النبيّ وآله عليهم‌السلام في الموقفين كما هو مذهب ابن البرّاج ـ في المختلف فإنّه يضمحلّ بالآية والأخبار ، والخبران (٤) اللّذان استدلّ بهما في المختلف عليه غير صحيحين بل لا دلالة فيهما على عدم الوجوب ، بل ظاهرهما الوجوب في عرفات حيث يفهم من أحدهما أنّه إذا صلّى فيها وقنت يكفي وهو الذكر والدّعاء مع أنّه دهشته الناس ومن الآخر أنّه اشتغل بالحزن لموت أقاربه عن الدعاء قال عليه‌السلام لا أرى عليه شيئا مع أنّه قال وقد أساء فليستغفر الله على أنّ إجزاء الوقوف بغير الدعاء لا يدلّ على

__________________

(١) وجه الاستدلال.

(٢) وجه الاعتراض.

(٣) وجه الجواب من كلام السيد.

(٤) التهذيب ج ١ ص ٤٩٩.

٢٧٢

عدم وجوب الذكر ، وكذا عدم شيء عليه لا يستلزم عدمه ، والخبر الأوّل رواه عامر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام رجل وقف بالموقف فأصابته دهشة الناس فبقي ينظر إلى الناس ولا يدعو حتّى أفاض الناس قال يجزيه وقوفه ، ثمّ قال أليس قد صلّى بعرفات الظهر والعصر وقنت ودعا؟ قلت بلى ، قال فعرفات كلّها موقف وما قرب من الجبل فهو أفضل ، والآخر رواه زكريّا الموصليّ قال سألت العبد الصالح عليه‌السلام عن رجل وقف بالموقف فأتاه نعي أبيه أو نعي بعض ولده أي خبر موته ، قبل أن يذكر الله عزوجل بشيء أو يدعو فاشتغل بالجزع والبكاء عن الدعاء ثمّ أفاض الناس ، فقال لا أرى عليه شيئا ، وقد أساء فليستغفر الله أمّا لو صبر واحتسب لأفاض من الموقف بحسنات أهل الموقف جميعا ، من غير أن ينقص من حسناتهم شيء ، وفيه دلالة على عدم حسن الجزع وحسن الاستغفار والثواب العظيم للصّبر أمّا الأخبار الدالّة على الوجوب فصحيحة وصريحة.

الرابعة: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).

قيل : ارجعوا من عرفات إلى المزدلفة فهو أمر لقريش بوقوف عرفة ثمّ بالمزدلفة كما هو الواجب على سائرهم ، فإنّهم ما كانوا يقفون بعرفات مع الناس ترفّعا عليهم ويقولون نحن أهل حرم الله ولا نخرج منه مثل الناس بل نقف بالمشعر فقطّ فأمروا بترك ذلك وفعل ما يفعله الناس وقال في مجمع البيان وهو المرويّ عن أهل البيت عليهم‌السلام ويكون «ثمّ» حينئذ للتّفاوت بين المرتبتين ، يعني إذا أفضتم من عرفات ثمّ ليكن إفاضتكم يا قريش أيضا من عرفات كسائر الناس لا من المزدلفة فقطّ فإنّ تلك حرام وهذه واجبة ، فبينهما بعد كثير ، كما يقولون : أحسن إلى الناس ثمّ لا تحسن إلى غير كريم ، للإشارة إلى تفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره.

__________________

(١) البقرة : ١٩٩.

٢٧٣

هكذا قيل في الكشّاف وغيره ، ولا يخفى أنّ الأمر بالإفاضة من عرفات بثمّ بعد ذكرها أوّلا ، ممّا لا يناسب ، فانّ المعطوف ليس بحرام بل ما يفعلون فليس التفاوت بين المعطوف والمعطوف عليه بل بين فعلهم وما أمروا به ، وليس ذلك مفاد ثمّ ، وإنّه ليس مثل أحسن إلى الناس ثمّ لا تحسن إلى غير كريم ، وهو ظاهر. وقيل أي ثمّ أفيضوا من المزدلفة إلى منى ويكون الأمر لكلّ الناس ، ويكون المراد بالنّاس آدم وإبراهيم وإسماعيل وغيرهم من الأنبياء السابقة ، والأمم المتقدّمة يعني أنّ وقوف المشعر والإفاضة منه إلى منى شرع قديم لا تغيّروه ، وهذا هو المناسب لمعنى «ثمّ» وسوق الآية ، حيث قال : فإذا أفضتم من عرفات إلى المشعر فكونوا بالمشعر ثمّ أفيضوا منه إلى منى ، ففهم الوقوفان ونزول منى ، ونقله في مجمع البيان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

(وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) واطلبوا المغفرة وستر الذنوب الّتي فعلتم من تغيير الشرع وفعل المحرّمات ، وترك الواجبات ، بالنّدم على ما سلف ، والعزم على العدم من بعد إنّ الله كثير المغفرة والرحمة ، ويغفر ذنب المستغفر ، وينعم عليه ، ويدلّ على الأوّل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا غربت الشمس في عرفة فأفض مع الناس ، وعليك السكينة والوقار وأفض بالاستغفار فانّ الله تعالى يقول (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ) (٢) والظاهر أنّ الاستغفار يكون بالمشعر أو في طريقه على الأوّل ويحتمل في عرفة كما يشعر به الرواية المتقدّمة وعلى الثاني بمنى وطريقها وكونه بالمشعر حينئذ بعيد ، وهو ظاهر إلّا أنّ الظاهر

__________________

(١) هكذا ذكره المقداد في كنز العرفان ، آخذا من كلام صاحب المجمع من دون أن ينسب ذلك إليه ، لكن ما ذكره في المجمع لا يناسب ما نقلاه عنه ، فإنه نسب القول الثاني إلى الجبائي ، ثم قال في المراد بالناس ، وقيل : إن الناس إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ومن بعدهم من الأنبياء عن أبي عبد الله عليه‌السلام راجع مجمع البيان ج ٢ ص ٢٩٦ مع أنا تفحصنا ولم نجد حديثا يذكر فيه أبا عبد الله أو غيره عليهم‌السلام صرح بأن المراد من الآية إفاضة المشعر وإن كان هو الحق الظاهر من الآية الشريفة.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٠٠ ، الكافي ج ٤ ص ٤٦٧.

٢٧٤

أنّه ما ذهب أحد إلى وجوب الاستغفار والذكر بمنى ، فيحمل على الاستحباب أو على الدعاء والذكر الواجب المفهوم من قوله (فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ) أو على وجوب التوبة مطلقا كما أشرنا إليه من قبل ، ويفهم وجوب قبولها على الله.

الخامسة: (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) (١).

وآية أخرى: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢).

واخرى: (أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) (٣) أي إذا فرغتم من عباداتكم الحجّيّة ، ويحتمل الأعمّ ، والمناسك جمع منسك وهو يطلق على العبادة إطلاق المصدر على المفعول أو يكون بمعناه المصدري أي إذا فعلتم أفعالكم الّتي كانت عبادة ، أو يكون اسم مكان أطلق عليها ، أو يكون المضاف محذوفا أي عبادات مناسككم (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ) أي ذكرا مثل ذكركم آباءكم ، فذكركم في محلّ النصب صفة لمفعول مطلق محذوف سواء كانت الكاف بمعنى مثل اسما مضافا أو حرفا متعلّقا بمقدّر ، وآباءكم مفعول الذكر وأشدّ منصوب عطف على (كَذِكْرِكُمْ) أي يكون ذكركم الله إمّا مساويا لذكر آبائكم أو أشدّ وأكثر وأعلى ذكرا من ذكر الآباء ، فذكرا تميز أي أشدّيّته يكون من حيث كونه ذكرا لا من جهة أخرى ، فهو لرفع التوهّم والاحتمال ، وإن كان بعيدا كما في قولهم طاب زيد نفسا فافهم ، ويحتمل جعل الذكر بمعنى الذاكر حينئذ كما سيأتي.

فكونه مجرورا معطوفا على الذكر على تقدير جعل الذكر بمعنى الذاكر مجازا للمبالغة أو على ما أضيف إليه بمعنى أو كذكر قوم أشدّ منكم ذكرا ، أو

__________________

(١) البقرة : ٢٠٠.

(٢) البقرة : ٢٠١.

(٣) البقرة : ٢٠٢.

٢٧٥

منصوبا عطفا على آبائكم أو على أنّه مفعول فعل محذوف مثل واذكروا أو كونوا كما ذكره البيضاويّ والكشّاف ومجمع البيان ضعيف ، فانّ الكلّ تكلّف غير محتاج إليه بل بعضه غير جيّد مثل عطفه على آبائكم.

والمراد بالذّكر هو التكبير في منى وأكّد بما بعده أو يكون الإشارة إلى استحباب الدّعاء مطلقا في تلك الأماكن الشريفة ، وسبب النزول على ما ذكره في مجمع البيان ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام أنّهم أي القريش كانوا إذا فرغوا من الحجّ يجتمعون هناك ويعدّون مفاخر آبائهم [ومآثرهم] ويذكرون أيّامهم القديمة وأياديهم الجسيمة ، فأمرهم الله سبحانه أن يذكروه في مكان ذكرهم في هذا الموضع (أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) ويزيدوا على ذلك بأن يذكروا نعم الله ويعدّوا آلاءه ويشكروا نعماءه وآلاءه ، لا آباءهم وإن كانت لهم عليهم أياد ونعم لأنّ الله سبحانه أعظم وأياديه عندهم أفخم لأنّ الله سبحانه هو المنعم بتلك المآثر والمفاخر عليهم وعلى آبائهم (١) وقيل : معناه فاستعينوا بالله وأفزعوا إليه كما يفزع الصبيّ إلى أبيه في جميع أموره ، ويشتغل بذكره فيقول يا أبه.

(فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) قال في تفسير القاضي (٢) والكشّاف : هذا تفصيل للذّاكرين ، فانّ الناس من بين مقلّ لا يطلب بذكر الله إلّا متاع الدنيا ، ومكثر يطلب به خير الدارين ، والمراد به الحثّ على الإكثار والإرشاد إليه [رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا (٣)] أي اجعل إعطاءنا في الدنيا وما لهؤلاء في الآخرة من نصيب ، لأنّ هممهم مقصور على الدنيا ، أو مالهم من طلب خلاق ، والأوّل أولى. ولما ذكر سبحانه دعاء من سأله من أمور الدّنيا. فقط في تلك المواقف الشريفة ممّا لا يرتضيه ، عقّبه بما يسأله المؤمنون فيها من الدعاء الّذي رغّب فيها فقال (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً) يعني أعطنا الصحّة والكفاف وتوفيق الخير في الدنيا (وَفِي الْآخِرَةِ) الثواب والرحمة ، وقيل : نعيم الدّنيا ونعيم الآخرة ، وعن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّها

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٧.

(٢) أنوار التنزيل : ٦٣.

(٣) زيادة من المصدر تحتاج إليها السياق.

٢٧٦

السعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدّنيا ورضوان الله والجنّة ، وقيل المال في الدّنيا ، وفي الآخرة الجنّة ، وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال من اوتي قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة مؤمنة تعينه على أمر دنياه وآخرته ، فقد أوتي في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، ووقي عذاب النّار (١). (وَقِنا عَذابَ النَّارِ) بالعفو والمغفرة. وعن أمير المؤمنين عليه‌السلام الحسنة في الدّنيا المرأة الصّالحة وفي الآخرة الحوراء ، وعذاب النار امرأة السّوء ، وعن الحسن : في الدّنيا العلم والعبادة وفي الآخرة الجنّة ، وقنا عذاب النّار : معناه : احفظنا من الشّهوات (أُولئِكَ) إشارة إلى الفريق الثّاني وقيل إليهما (لَهُمْ نَصِيبٌ) أي حظّ من جنس ما كسبوا وهو جزاؤه أو من أجله أو ممّا دعوا به نعطيهم منه ما قدّرناه فسمّى الدّعاء كسبا لأنّه من الأعمال (وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) يحاسب العباد على كثرتهم وكثرة أعمالهم ، في مقدار لمحة ، أو معناه يوشك أن يقيم القيامة ويحاسب الناس ، فبادروا إلى الطّاعة واكتساب الحسنات والله سريع المجازات للعباد على أعمالهم وإنّ وقت الحساب والجزاء قريب.

ففيها تحريص وترغيب على ذكر الله وطلب الحوائج من الله للدّنيا والدّين في المواطن المشرّفة ، والمنع عن ذكر التفاخر والتّعاظم بالآباء وقصر السّؤال على الدّنيا بمعنى جعل همّه مقصورا عليها وقطع نظره عن الآخرة ، وترغيب أيضا في العبادات ، وترهيب عن فعل المعاصي بأنّ الله يحاسب العباد على أعمالهم حسنة وقبيحة في لمحة واحدة ، ويجازي الكلّ بما كسب. ففيها دلالة أيضا صريحة على استحقاق الثواب والعقاب بالأعمال وقال في مجمع البيان : فيها دلالة صريحة على أنّ الله ليس بجسم فإنّه يحاسب كلّ الخلق في لمحة ولا يحتاج إلى زمان للحساب ولا يشغله حساب شخص عن حساب آخر ، ولو كان كذلك لما جاز أن يخاطب في وقت واحد مخاطبين مختلفين وهو ظاهر.

__________________

(١) مجمع البيان ج ٢ : ٢٩٨.

٢٧٧

السادسة: (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقى وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (١).

أمر للمكلّفين بذكر الله في أيّام قلائل ، لأنّ القليل يعدّ ، والذّكر المأمور به هو التكبير عقيب خمس عشر صلوات في منى ، وعقيب عشر صلوات في غيره ، وأوّله عقيب الظّهر يوم النحر مطلقا ، فآخر الأوّل فجر يوم الثالث ، وآخر الثّاني [صلاة] فجر يوم الثاني بعد العيد ، كذا في التّفاسير ، ودلّت عليه الرّوايات مثل حسنة محمّد بن مسلم قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) قال التّكبير في أيّام التشريق : صلاة الظّهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث وفي الأمصار عشر صلوات (٢) وكذا في صحيحة زرارة وغيرهما ، ولا يخفى أنّ في هذه الرّوايات إطلاق أيّام التّشريق على يوم النحر وثلاثة بعده ، وكذا في غيرها أيضا وهو خلاف المشهور ولعلّه تغليب.

وذلك التّكبير مبيّن في كثير من الأخبار مثل صحيحتي زرارة ومنصور بن حازم وصحيحة معاوية بن عمّار حيث قال عليه‌السلام : التّكبير أن يقول : الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد ، الله أكبر على ما هدانا ، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الانعام (٣) وزاد في الصّحيحة الأخيرة والحمد لله على ما أبلانا ، وفيها أيضا إن أنت خرجت من منى فليس عليك تكبير ، فكأنّه محمول على عدم خمسة عشر أو الزّيادة على الأمصار ، وفي خبر آخر أنّ التّكبير واجب في دبر كلّ صلاة فريضة ونافلة أيّام التشريق ، وفي صحيحة داود بن فرقد قال : قال

__________________

(١) البقرة : ٢٠٣.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٢٩٢ ، الكافي ج ٤ ص ٥١٦.

(٣) الكافي ج ٤ ص ٥١٦ باب التكبير أيام التشريق تحت الرقم : ٢ و ٣ و ٤.

٢٧٨

أبو عبد الله عليه‌السلام التّكبير في كلّ فريضة ، وليس في النافلة تكبير أيّام التّشريق (١) وحمل الشيخ الأوّل على الجواز وهو بعيد فانّ حمل الواجب على الجواز سيّما إذا حمل على السنّة المؤكّدة بالنسبة إلى الفريضة كما فعله في التهذيب غير مفهوم وكذا حمله على مطلق التّكبير معلّلا بأنّه غير ممنوع منه ، فكيف بعد النافلة ، كما أشار إليه فيه أيضا ، والخبر غير صحيح وما عمل بمضمونه ، فليس ببعيد حذفه وحمله على غير هذا التكبير المشهور ، مع حمله على الاستحباب لصحيح ابن فرقد المتقدّم الدالّ على عدمه في النّافلة أيّام التّشريق بعيد ، وحمل الشّيخ وغيره أيضا هذه الآية والأخبار على النّدب لخبر عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن الرّجل ينسى أن يكبّر في أيّام التّشريق قال : إن نسي حتّى قام عن موضعه فليس عليه شيء (٢) وذلك لا يدلّ على عدم الوجوب ، بل يدلّ عليه حيث قيّد عدم الشيء بالنسيان إذ عدم وجوب الشيء إذا نسي لا يستلزم عدم الوجوب وهو ظاهر وسنده أيضا ضعيف فالقول بالوجوب ، غير بعيد ، وإن كان القائل به قليلا مثل السيّد السّند وابن الجنيد.

ولكن روي في زيادات الحجّ من التّهذيب في الصّحيح عن علىّ بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام قال سألته عن التّكبير أيّام التّشريق أواجب هو أم لا ، قال : يستحبّ وإن نسي فلا شيء عليه (٣) فهي دليل القول بالاستحباب كما هو المشهور ، وحمل الأخبار الأول على الاستحباب فتأمّل.

ثمّ الظّاهر من الرّوايات المتقدّمة تعيين التّكبير المذكور فيها وما ذكر ذلك أكثر الأصحاب بل ذكروا غير ذلك كما في القواعد والدّروس والشّرائع والإرشاد وغيرها ودليله غير واضح نعم في صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام قال وسألته عن التكبير بعدكم صلاة؟ فقال : كم شئت ، إنّه ليس شيء موقّت يعني

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٢٤.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٢٣.

(٣) الوسائل ب ٢٣ من أبواب صلاة العيدين الحديث : ١.

٢٧٩

في الكلام (١) والظاهر أنّ قوله يعني في الكلام من محمّد بن يعقوب الكلينيّ فالعبارة مجملة ، يحتمل عقيب كم صلاة شئت أو كم مرّة شئت كرّر التكبير المعلوم أو لفظ الله أكبر ، وغير ذلك فلا يمكن بها التّأويل فيما هو المحقّق فتأمّل ، وأيضا ورد في بعض الرّوايات في تكبير عيد الفطر مثل رواية سعيد النقّاش (٢) عنه عليه‌السلاممثل ما تقدّم إلّا بحذف «الله أكبر على ما رزقنا» إلخ وحسنة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : يكبّر ليلة الفطر وصبيحة الفطر كما يكبّر في العشر (٣) فلا يبعد أن يكون المراد بهذا الخبر الإشارة إلى قول تكبير عيد الأضحى على ما نقلناه في الفطر ويكون ليلة الفطر وصبيحته إشارة إلى بعد المغرب والعشاء ليلة العيد وعقيب الصّبح وصلاة العيد ، كما هو المشهور ، ويكون المراد بالعشر يوم العاشر وما بعده فتأمّل.

(فَمَنْ تَعَجَّلَ) إلخ معناه الرّخصة في جواز النّفر الأوّل في اليوم الثّاني من أيّام التشريق وهو الثّاني عشر ، والأفضل أن يقيم إلى النفر الأخير في اليوم الثالث عشر ، وهو آخر أيّام التشريق ، وإذا نفر في الأوّل لا بدّ أن ينفر بعد زوال الشّمس وقبل الغروب ، وبعد رمي جمار ذلك اليوم ، فلا يجوز النفر قبل الزّوال وإن جاز الرّمي قبل الزّوال للأخبار الدّالّة على أنّ زمان الرّمي من طلوع الشّمس إلى غروبها ، كما هو في رواية منصور بن حازم ورواية زرارة (٤) وما في صحيحة جميل بن درّاج (٥) عنه كأنّه الصّادق عليه‌السلام لتقدّم ذكره في الفقيه (٦) قال «وكان أبي عليه‌السلام يقول من شاء رمي الجمار ارتفاع النّهار ثمّ ينفر ، قال : فقلت له إلى متى يكون رمي الجمار؟ فقال من ارتفاع النّهار إلى غروب الشّمس» وغيرها وإن قال بعض الأصحاب بوجوب التّأخير عن الزّوال لظاهر بعض الرّوايات

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٥١٧.

(٢) الكافي ج ٤ ص ١٦٦.

(٣) الكافي ج ٤ ص ١٦٧.

(٤) الكافي ج ٤ ص ٤٨١.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٥٢١ ، عن أبى عبد الله عليه‌السلام.

(٦) الفقيه ج ٢ ص ٢٨٩.

٢٨٠