زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

والخطاب هنا أيضا قيل للأولياء ولا يبعد كونه لمن بيده مال اليتيم ، ويمكن إطلاق الوليّ عليه مسامحة فيكون مراد القائل إنّ الخطاب للأولياء ذلك في الموضعين فبلوغ النكاح كناية عن البلوغ وهو يحصل بما تقدّم ، والمراد بإيناس الرشد إبصاره والعلم به ، وسيجيء أنّ الظاهر أنّ المراد به إصلاح المال بل حفظه وعدم صرفه فيما لا يليق بحاله ، وإن لم يكن عالما بصرفه بالفعل فيما ينبغي بمعنى عدم معرفته بالسعر ، وعدم قدرته على المعاملات ، وتحصيل الأموال ، وأنّه لا يعتبر فيه العدالة وقيل باعتبارها في حصول الرشد ، ونقل الإجماع على عدم اعتبارها في بقاء الرشد في التذكرة ، وقد ادّعى عليه الإجماع أيضا في مجمع البيان وقال المراد به العقل وإصلاح المال وهو المرويّ عن الباقر عليه‌السلام فمراده ما قلناه ، وقد حذف العقل من تعريف الرشد في عبارات الفقهاء لأنّ الغرض حصول العقل بل البلوغ أيضا وبيان ما يعتبر بعد ذلك وهو إصلاح المال ، وأنت تعلم أنّه لا يحتاج في الرشد إلى القدرة على الكسب ولا يضرّ عدم الكسب بل تركه وعدم تحصيل المال به على تقدير القدرة أيضا ولا القدرة على تحصيل المال بالمال ، بل ولا القدرة على المعاملات بنفسه ، بل يكفي الحفظ فقط ، بحيث لا يعدّ مضيعا له وإن تصرّف لا يتصرّف تصرّفا غير لائق بحاله ولا يحتاج إلى كون ذلك ملكة أيضا.

كلّ ذلك للأصل ، وثبوت تسلّط المالك على ملكه بالعقل والنقل ، وخرج المضيّع بالدليل ، وبقي الباقي ، ولحصول المقصود ، ولأنّ كلّ أحد ليس ممّن له كسب أو قدرة على تحصيل المال والمعاملة ، فما ذكر في كتب الفقه مثل شرح الشرائع محلّ التأمّل ، وقد حقّقنا الأمر فيه في شرح الإرشاد. فالآية تدلّ على وجوب الامتحان حتّى يعلم البلوغ والرشد على من بيده المال ووجوب الدفع بعد ذلك ولا يحتاج إلى الحاكم والوليّ ، ولا إلى الطلب كسائر الحقوق مثل الدين ، كأنّه بمنزلة الأمانة الشرعيّة ولا يبعد ذلك إلّا أن يرضى بالبقاء عند من كان ولا يبعد الفوريّة أيضا حينئذ بل مطلقا لتعقيب الإيجاب بالفاء بعد البلوغ وإيناس الرشد.

وينبغي الإشهاد عند الدفع لما قال في آخر الآية وظاهرها الوجوب ، ولكن

٤٨١

حملت على الإرشاد ، ويحتمل الاستحباب للمبالغة في حفظ ماله بل الوجوب لو قال به قائل لأنّهم يقولون بوجوب حفظ المال وتحريم التضييع ، وترك الاشهاد قد يؤول إليه ، فالظاهر أنّه لا نزاع فيه مع تحقّق ذلك وتدلّ هذه بالمفهوم الّذي هو حجّة وهو مفهوم الشرط بل مفهوم الغاية أيضا لأنّه قيل : معنى قوله : «حتّى يبلغ النكاح» كمل عقله ورشده ، وهو المناسب إذ مجرّد البلوغ والعقل ليس بغاية المنع وينبغي إرادة كمال العقل وإصلاح المال بالرشد كما قال في مجمع البيان ، وقوله (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ) بالمنطوق صريحا على تحريم إعطاء المال إلى السفهاء حتّى يبلغوا ويرشدوا ، فيحرم بدونهما وإن كبر سنّه وصار شيخا كبيرا.

وقول أبي حنيفة بإعطاء المال بعد خمسة وعشرين سنة أونس منه الرشد أو لا لأنّ البلوغ يحصل بثمانية عشر ، ويحصل بعد سبع سنين تغيير في أحوال الناس لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله مروهم بالصّلاة لسبع على ما نقله عنه في الكشّاف بل القاضي أيضا مخالف للقرآن العزيز ، والعقل السليم من غير دليل ، والدليل المذكور باطل ، فانّ كون البلوغ ذلك ممنوع وبعد التسليم حصول التغيير ممنوع وعلى تقدير التسليم حصول تغيير موجب للدفع وترك القرآن ممنوع ، والخبر بعد تسليمه لا يدلّ على ذلك وهو ظاهر ، كيف يدلّ الخبر المعمول على خلاف القرآن ، وإن دلّ يجب التأويل بحيث يمكن الجمع وعلى تقدير دلالته على تغيير فإن كان هو إيناس الرشد فلا معنى لقوله أونس منه الرشد أولا ، وأيضا خلاف المشاهد لأنّه يوجد من هو في ذلك السنّ مع عدم الرشد ، وأنّه إن سلم وصحّ فلا يحتاج إلى الاستدلال الضعيف المذكور ، إذ يكفيه الآية فان لم يكن ذلك التغيير إيناس الرشد فلا معنى لاعتباره لإعطاء المال مع بقاء السفه الموجب لعدم الإعطاء بالنصّ والإجماع والعقل بل يمكن أن يقال يلزمه البلوغ في أربعة عشر ، بل جواز الإعطاء أيضا فإنّه يحصل التغيير للخبر ، بل للسبع أيضا.

وبالجملة هذا القول مع هذا الدليل من الغرائب والعجائب.

ثمّ نهى عن أكل مال اليتامى مسرفا في ذلك فاسرافا بمعنى مسرفين حال عن الآكلين

٤٨٢

ويحتمل غيرها ، يحتمل أن يكون المراد زيادة على المعروف الّذي يجوز أكله بالآية أو مع الغني ، فإنّ أكل مال اليتيم مطلقا وإن كان وصيّا مع غناه إسراف غير مباح لقوله (فَلْيَسْتَعْفِفْ) ولغيره ، فأراد بالإسراف لازمه وهو غير المباح ، وإن كان المراد معناه العرفيّ فلا خصوصيّة له بمال الأطفال ، والظاهر أنّ المراد بالأكل الأخذ والتصرّف و (بِداراً) أي مبادرين فهو أيضا حال ، أو غيرها مثل إسرافا أو لمبادرتكم كبرهم ، فأن يكبروا في تأويل المصدر مفعول بدارا أي يقولون ننفق كما نشتهي قبل أن يكبروا ويأخذوا المال من أيدينا ، ويحتمل كونه مفعولا له بتقدير خوفا أن يكبروا ويأخذوا المال من أيدينا ، وهذا القيد لكون الأكل حينئذ أقبح ولاحتمال كونه في خاطر الآكلين كذلك ، وإلّا فليس التحريم مقيّدا به ثمّ أوجب الاستعفاف على القيّم والمتصرّف في مال الأيتام وهو الامتناع عن أكل مال الأيتام وأخذه إذا كان غنيّا غير محتاج وفقير ، يحتمل إرادة الغني العرفيّ والشرعيّ وهو من يقدر على قوت سنة له ولعياله الّذي هو ضدّ الفقر الشرعيّ فلا يجوز الأخذ للقيّم بمال الأيتام وإن كان فعله ممّا يحتاج إلى الأجرة فلا يأخذها أيضا.

هذا فيمن صار المال بيده باختياره ، أو صار وصيّا كذلك ظاهر ، وأمّا غيره بأن يجعله الحاكم قيّما فيمكن له جواز أخذ أجرة المثل ، وجواز تعيين الحاكم ذلك له إذا لم يوجد الباذل بغير عوض ، فيقيّد بالوصيّ والمتبرّع دون من استأجره الحاكم وأمّا الفقير فله الأخذ والأكل منها بالمعروف ، يحتمل أن يكون المراد به ما هو معروف في الشرع والعرف اجرة لعمله الّذي هو حفظ الأولاد والأموال فلا يجوز إلّا ذلك المقدار ، وله أخذ ذلك كلّه ، وإن كان زائدا عمّا يحتاج إليه من سدّ الخلّة.

ويحتمل إرادة ما يحتاج إليه ولكن يبعد جواز أخذه مع عدم الأجرة أو زيادته عليها ويحتمل أقلّ الأمرين والأوّل أظهر إلّا أن يكون متبرّعا فلا يسلّم إليه الأيتام والأموال ، بل يسلم إلى المتبرّع ، نعم إن جعله الموصي وصيّا لا يبعد ذلك والظاهر

٤٨٣

أنّ الآكل هو الوصيّ والّذي جعله الحاكم وصيّا وقيّما ، ويحتمل الّذي كان المال بيده بعد موت صاحبه أيضا مع عدم الوصيّ وتعذّر الحاكم للعموم ، وأيضا الظاهر جواز الأكل مع وجود الأولاد بقرينة (أَنْ يَكْبَرُوا) ويحتمل جواز التصرّف والأخذ مطلقا بجعل الأكل كناية عنه ، ويحتمل الاختصاص به كما في آية تضمّنت الأكل من بيوت الآباء وغيرهم ويحتمل جوازه مع عدم الأولاد أيضا لعموم من كان مع قطع النظر عن قرينة أن يكبروا فتأمّل ، ولا شكّ أنّ الاجتناب أحوط ، والظاهر أنّ هذا الأمر للإباحة كما أنّ الأمر بالإشهاد للإرشاد ، ويحتمل الاستحباب.

ثمّ عقّبه بأنّ الله يكفي حسيبا أي محاسبا وعالما أي كافيا في الشهادة عليهم بأخذ أموالهم وبراءة ذمّتكم وهو إشارة إلى عدم وجوب الإشهاد فإنّ الله كاف وشاهد ، فتدلّ على جواز الامتناع عن الإعطاء مرّة أخرى بالانهزام عن الحكّام ، وباليمين وغيرهما وحسيبا حال ويحتمل التمييز والباء زائدة.

الثالثة : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (١).

«الّذين» فاعل «وليخش» و «تركوا» فعل شرط فاعله ضمير «الّذين» و «ذرّيّة» مفعوله و «ضعافا» أي صغارا صفتها و «خافوا عليهم» جزاء الشرط والجملة صلة الّذين على معنى حالهم وصفتهم أنّهم لو شارفوا على أن يتركوا خلفهم أولادا صغارا خافوا عليهم ، ويحتمل كون المخاطبين هم أولياء اليتامى ، والمقصود تخويفهم من التصرّف فيهم وفي أموالهم على غير الحقّ ، ويؤيّده ما روي في مجمع البيان عن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : إنّ الله أوعد في مال اليتيم عقوبتين ، أما أحدهما فعقوبة الدنيا قوله (وَلْيَخْشَ) الآية قال يعني بذلك ليخش إن يخلّف ذرّية يصنع بهم كما صنع بهؤلآء الأيتام ، والظاهر أنّ الثانية (إِنَّ الَّذِينَ) ورواية

__________________

(١) النساء : ٨.

٤٨٤

الحلبيّ عن الصادق عليه‌السلام قال : إنّ في كتاب عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام أنّ آكل مال اليتيم ظلما سيدركه وبال ذلك في عقبه من بعده : يلحقه وبال ذلك أمّا في الدنيا فانّ الله يقول (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ) الآية ، وأمّا في الآخرة فإنّ الله تعالى يقول : (إِنَّ الَّذِينَ) الآية (١) ويحتمل كون الخطاب للحاضرين عند إيصاء الموصي فلا يتركوه أن يوصي بحيث يضرّ بأولاده ، ويشفقون عليهم كما يشفقون على أولادهم ، ويحتمل غير ذلك.

وحاصله أنّه ينبغي أن يكون الإنسان نفسه وأولاده ونفس غيره وأولاده عنده سواء كما يخاف على الأوّل ويدبّرهم ويفعل ما يصلح لهم ويخاف عليهم ممّا يلحقهم من الأذى فكذا ينبغي أن يخاف على الثاني ، ويخاف من أنّه إن قصّر في حقّ الثاني يقصّر في حقّ الأوّل وفي الأخبار ما يدلّ عليه كثير ، والعقل يساعده حتّى ورد أنّه من زنى زني بأهله فيدلّ على تحريم الإشارة إلى فعل ما يضرّ بالغير بل تحريم ترك نهي فعل يؤل إلى ضرر ، من أولاد الموصي وغيرهم ، وذلك غير بعيد من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ثمّ أكّد ذلك بقوله (فَلْيَتَّقُوا اللهَ) رعاية للمبتدإ والمنتهى إذ لا ينفع الأوّل بدون الثاني بل الأصل هو العاقبة. ثمّ أمرهم بأن يقولوا قولا سديدا للأيتام كما يقولون لأولادهم بالشفقة وحسن الأدب ، فتدلّ الآية حينئذ على جواز تأديب اليتامى بالقول والفعل السديد اللّائق بحالهم كما صرّح به في محلّه ويحتمل أن يكون المراد أن يقولوا قولا مصيبا وصوابا وموافقا للشرع والعقل للموصي في إيصائه بمنعه عن الزّائد عن الثلث ، بل يقول ما في الرّوايات إنّ الثلث كثير ، والربع والخمس أولى ، وأنّ الترك لأولادكم حتّى لا يتكفّفوا أولى ، ويأمره بايصاء ما عليه وما له ، وبالتوبة وغيرها فتأمّل.

بل القول السديد المذكور لكلّ أحد وعلى كلّ حال (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ)

__________________

(١) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢٣.

٤٨٥

الآية (١) «فظلما» يحتمل أن يكون حالا أي ظالمين في الأكل ، وتميزا أي من جهة الظلم ، ويحتمل أن يكون المراد بالأكل التصرّف مطلقا كما في قوله تعالى (لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا) «و لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ» وغيرهما فانّ التعبير عن مطلق التصرّف بالأكل كثير ، ولعلّ ذكر البطن للتأكيد مثل (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) ويحتمل أن يكون ظلما للبيان والكشف ، فإنّ أكل مال اليتيم إنّما يكون ظلما كما في (يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أو لأنّه قد يجوز أكل مالهم بالحقّ مثل الأكل بالمعروف اجرة أو عوضا عن مال الموصي الّذي أقرضه إيّاه أو استقرض من مالهم وإن أمكن تأويله بأنّ ذلك ماله لا مالهم ، لأنّه يكفي ذلك المقدار لدفع التوهّم.

والمراد بأنّ أكل مال اليتيم أكل النار ، يحتمل أن يكون أكلا يوجبها أي آكل مال اليتيم إنّما يأكل ما يوجب دخوله النار ، أو أنّ المراد به كناية عن دخول النار ، فإذا دخل النار بالكلّيّة فكأنّ في بطنه نارا ، أو أنّه يأكل يوم القيامة النار ، ويشعر به ما روي عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبعث ناس من قبورهم يوم القيامة تأجج أفواههم نارا ، فقيل : يا رسول الله من هؤلاء؟ فقرأ هذه الآية (٢).

(وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) أي يلزمون النّار المشتعلة ، ويقاسون حرّها يقال : صلى بالأمر : قاسى حرّه ، والسعير بمعنى المسعور والسعير اشتعال النار.

ولنتبع هذا البحث بآيتين :

الاولى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (٣).

__________________

(١) النساء : ٩.

(٢) تفسير العياشي ج ١ ص ٢٢٥.

(٣) النساء : ٥.

٤٨٦

قد اختلف في تفسير السفيه ، والظاهر المتبادر منه غير الرشيد أعني المبذّر أمواله ومن يصرفها فيما لا ينبغي ولا يهتمّ بإصلاحها وبتميّزها والتصرّف فيها ، ولهذا فسّره في الكشّاف وغيره به ، وقد فسّر في الكتب الفقهيّة أيضا به بحيث صار حقيقة في ذلك عندهم ، وهو قريب من معناه اللّغويّ فيتعيّن حمله عليه لرجحانه على سائر ما قيل فيه ، إذ لا دليل لغيره ، ثمّ إنّ الظاهر من أكثر المفسّرين رجحان أنّ المراد بأموالكم أموال السفهاء والخطاب لأوليائهم والعموم أظهر ، والّذي يدلّ على أنّ المراد أموالهم قوله تعالى (وَارْزُقُوهُمْ فِيها) فانّ الضمير راجع إلى السفهاء ، فلو لم يكن المراد أموالهم يلزم [إيجاب] أرزاق السفهاء على غيرهم مطلقا ، أو على الأولياء من غير أموال السفهاء ولا قائل به ، والتقدير «إن كانوا ممّن يجب نفقتهم» تكلّف.

وأيضا يدلّ عليه قوله (وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) فانّ الظاهر أنّ الخطاب للأولياء ، أو لمن بيده مال السفهاء ، لأنّه فسّر بأن يقولوا لهم قولا جميلا معروفا شرعا وعقلا ، بأن يعدهم وعدا حسنا ، مثل إن صلحتم ورشدتم سلّمنا إليكم أموالكم أو إذا ربحتم أعطيتم أو أن يتلطّفوا بهم ويقال لهم كلام مشعر بالرشد وينبّهوهم على ذلك ويرشدوهم إليه بطريق حسن ونحو ذلك ، فيكون إضافة الأموال إليهم للملابسة ، مثل كونهم قوّامين عليها ، ومتصرّفين فيها كالملّاك وللإشارة إلى أنّه لا بدّ من المبالغة في حفظها كحفظهم أموالهم ، ولأنّه من جنس أموالهم الّتي بها قيام الكلّ كما في قوله تعالى «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» «فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ» (١) فانّ المراد عدم قتل البعض بعضا ، وجنس ما ملكت الأيمان ، وجنس الفتيات ، لا نفس المخاطب ، وما ملكت يمينه وفتياته فقطّ ولعلّ ارتكاب هذا المقدار في الإضافة الّتي يكفيها أدنى ملابسة أولى من جعل الأموال للمخاطبين لما عرفت فتأمّل ، ويدلّ عليه أيضا ما بعد الآية فإنّه في بيان أحكام الأيتام والرشد ، ومن بيده المال وهو مؤيّد للعموم الّذي قلناه ، وقال القاضي : نهي للأولياء عن أن يؤتوا

__________________

(١) النساء : ٢٩ و ٢٥.

٤٨٧

الّذين لا رشد لهم أموالهم ـ إلى قوله : وهو الملائم للآيات المتقدّمة والمتأخّرة كأنّه يريد بالمتقدّمة قوله (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) وهو بعيد.

فالآية تدلّ على عدم جواز تسليم أموال السفهاء إليهم لمن بيده مالهم ، فيضمن المعطي مطلقا على الظاهر ، ووجوب إنفاقهم وكسوتهم في أموالهم ويمكن إدخال سائر الضروريات مثل السكنى في الإنفاق ، وهو في الوليّ ظاهر ، وفي غيره إذا كان لهم وليّ مطلقا ، فهو بمنزلتهم فالإعطاء إليه إعطاء إليهم ، وإذا لم يكن وليّ أصلا لا يبعد وجوبه على المتصرّف كالوليّ مع عدم الضمان ، وينبغي الاشهاد ، ويفهم منه أنّه يجوز لمن عنده المال من غير شرط العدالة ولا إذن الوليّ والحاكم ، ويمكن استخراج الاذن مع الإمكان من خارج وتدلّ أيضا على وجوب القول المعروف لهم وعدم جواز قول يؤذيهم بما يحرم ، ويحتمل كون الأمر للندب.

ثمّ اعلم أنّ ظاهر هذه وقوله تعالى (وَابْتَلُوا الْيَتامى) إلى قوله (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) والّتي تقدّمت في آخر البقرة و «من كان سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ» أنّ السّفيه بمجرّد ظهور سفهه محجور عليه في ماله مطلقا فلا يجوز تصرّفاته الماليّة ولا تسليم ماله إليه ، ولا أخذه منه ، فيحرم ويضمن سواء كان بالمعاوضة أولا مثل الهبة والزكاة والخمس وغيرها ، وقد مرّ تفسير السّفيه ، فلو صرف ماله فيما لا ينبغي عقلا أو شرعا ، وإن كان له فائدة بدنيّة ودنيويّة فإنّه مضيّع لذلك المال شرعا ومبذّر وسفيه ، وقد ادّعى الإجماع في التذكرة على أنّ صرف المال في محرّم مثل الخمر سفه وإسراف ، وظاهره إجماع الأمّة.

في الكشاف في تفسير قوله تعالى (وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (١) التبذير تفريق المال في ما لا ينبغي ، وإنفاقه على وجه الإسراف ، وكانت الجاهليّة تنحر إبلها ويتياسر عليها ، وتبذّر أموالها في الفخر والسمعة وتذكر ذلك في إشعارها ، فأمرها الله بالنفقة في وجوهها ممّا يقرّب منه ويزلف ، وعن عبد الله بن عباس هو إنفاق المال في غير حقّه وعن مجاهد لو أنفق مدّا

__________________

(١) أسرى : ٢٧.

٤٨٨

في باطل كان تبذيرا ، وقد أنفق بعضهم نفقة في خير فأكثر فقال له صاحبه لا خير في السرف فقال لا سرف في الخير ، وعن عبد الله بن عمر : مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بسعد وهو يتوضّأ فقال ما هذا السرف يا سعد؟ قال : أفي الوضوء سرف؟ قال : نعم ، وإن كنت على نهر جار ، ومثله مرويّ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أيضا.

قال في مجمع البيان : التبذير تفريق المال في مالا ينبغي وأصله أن يفرّق كما يفرّق البذر ، إلّا أنّه مختصّ بما يكون على سبيل الإفساد ، والمراد بإخوان الشياطين أمثالهم في الشرارة ، وهي غاية المذمّة لأنّه لا أشرّ من الشيطان أو هم أصدقاؤهم لأنّهم يطيعونهم فيما يأمرونهم به من الإسراف ، أو هم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد (وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) كان الشيطان كافرا بربّه فلا يجوز أن يطاع فإنّه لا يدعو إلّا إلى مثل فعله ، وهي صريحة في تحريم التبذير والإسراف ، وفيه مبالغة في ذلك حيث إنّ المبذّر كالشيطان في الشرّ واستحقاق النار فافهم.

ثمّ إنّه قد جعل الشيخ والشافعيّ كلّ فاسق سفيها ومبذّرا ، واشترطا العدالة في الرشد وزوال الحجر ، ورأيت رواية حسنة في الكافي تدلّ على أنّ شارب الخمر سفيه (١) إلّا أنّه نقل عن الشيخ أنّ ذلك في ابتداء الرشد وزوال السفه ، وأمّا إذا رشد فلا يشترط في بقاء رشده ، فبعد ذلك يجوز أن يكون رشيدا وفاسقا ، بل قد ادّعي على ذلك الإجماع في التذكرة ، وأنّه قد صرّح بعض الأصحاب مثل العلّامة في بعض تصانيفه بأنّه يشترط في الحجر وعدم جواز تصرّفات السفيه الماليّة أن يحكم الحاكم على حجره بقوله «جعلتك محجورا عليه» ونحوه ولا يكفي في ذلك مجرّد السفه كما أنّ المفلّس كذلك ، فانّ مجرّد زيادة الدين على المال ليس بحجر وموجب له ، بل إنّما يصير محجورا بعد حكم الحاكم.

ودليله أنّ العقل والنقل دلّا على جواز تصرّف العقلاء في أموالهم إلّا ما خرج بالدليل ، ولا دليل ههنا ، وقد خرج ما انضمّ إليه حكم الحاكم بالإجماع ، وبقي غيره تحت الجواز ، وأنّه يلزم الحرج والضيق فإنّ أكثر الناس ليسوا بخال عنه فتأمّل

__________________

(١) الكافي ج ٦ ص ٣٩٨.

٤٨٩

وكأنّه يقول إنّ الآيات لا صراحة فيها في حصول الحجر مطلقا لكلّ سفيه أمّا آية البقرة فلأنّ إملال الوليّ أي إملاءه في أمر مّا لسفيه مّا كما يدلّ عليه تنكير سفيها لا يدلّ على الحجر مطلقا وبدون الحكم أيضا لاحتمال اختصاص الولاية له في أمر واحد وهو الإملاء لنقص له عنه بخصوصه أو يكون النقص في سفيه خاصّ أو يكون المراد السفيه الّذي هو غير مسبوق برشد متّصل بالبلوغ ، ولا نزاع في عدم اشتراط حصول الحجر في هذا السفيه بحكم الحاكم وحصوله بمجرّد السّفه ، ولا في زواله عنه بدونه ، وقد يفهم الإجماع على ذلك وعدم النزاع فيه من بعض كتب الفقه.

على أنّه قد فسّر كثير من المفسّرين السفيه هناك بغير هذا المعنى ، فإثبات مثل هذا الحكم بمثله بأن يقال الظاهر منه العموم العرفيّ ، وأنّ العلّة هو السفه مطلقا وأن لا قائل بالفرق ولا فرق بين الابتداء والبقاء ، وعدم فرق معقول بين حكم الحاكم وعدمه مشكل إذا لمنع والحجر بمجرّد السفه خلاف ما ثبت بالدليل العقلي والنقلي من الكتاب والسنّة والإجماع ، ومستلزم لحرج مّا فتأمّل.

وكذا يجري بعض البحوث في الآيتين الباقيتين ، فانّ عدم إعطاء الوليّ مال السفيه إليه حتّى يرشد لا يدلّ على عدم جواز تصرّفه في أمواله مطلقا لاحتمال أنّ المراد قبل البلوغ والمتّصل بالبلوغ ، ويؤيّده ما قيل من كون الخطاب في أكثر التفاسير للأولياء ، إذ تنقطع الولاية عنهم بعد البلوغ والرشد ، وإن حدث السفه. وإن جعلنا الخطاب لمن بيده ماله فلا يدلّ على حجره مطلقا ، لاحتمال عدم جواز إعطاء ماله إليه ، وجواز تصرّفاته الماليّة في الجملة إذا وقعت على وجه لا قبح فيه بأن يهدي ويزكّي ويخمّس ، ويعامل معاملة لا غبن فيها أصلا ، غاية الأمر إن سلّم عموم ذلك بحسب الأشخاص والأوضاع والأحوال أنه لا يجوز لمعامليه أيضا إعطاء ماله إيّاه ، بل يسلّموه إلى الوليّ ويمكن جواز الأخذ له خفية أو جهرا ، وتصرّفه فيما هو بيده ، ولو كان بعد التسليم الغير المجوّز ، والآية الثالثة أظهر في اختصاص السفيه بالسفيه المتّصل سفهه إلى البلوغ ، ولهذا قال الشيخ الشهيد رحمه‌الله في شرح الإرشاد أنّه مخصوص به.

٤٩٠

وبالجملة المسئلة من مشكلات الفنّ وقوانين استدلالات الأصحاب تقتضي عدم الاشتراط بحكم الحاكم ، وأمّا دقّة النظر في الأدلّة على ما هو المتعارف في غير الفقه ، وقطع النظر عن قوانينهم ، واكتفاؤهم ببعض المقدّمات مثل أن لا قائل بالفرق ، وأنّه ظاهر في العموم وأنّ الظاهر عدم الفرق ، وأنّ السّفه إذا كان موجبا فحكم الحاكم لا أثر له ، فيقتضي الاشتراط ، والاحتياط لا يترك إن أمكن.

الثانية : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ) (١).

قد استدلّ بها على كون المملوك محجورا عليه في جميع تصرّفاته ، وعدم صحّة شيء منها إلّا بإذن سيّده ، لكن هذا العموم مخصوص بصحّة بعض تصرّفاته ، مثل طلاق زوجته ، ونفوذ إقراره بالمال ، ويتبع به بعد عتقه ، ويقبل قول المأذون في ضروريّات تجارته المأذون فيها. وكذا على أنّه لا يملك شيئا أصلا ، سواء كان ملّكه مولاه أم لا ، لأنّه نفيت عنه القدرة مطلقا ، وليس حقيقة فيكون المراد نفي التملّك لأنّه أقرب المجازات ، وفي الاستدلال نظر فإنّ غاية دلالتها على وجود عبد مملوك لا قدرة له على شيء ووجود عبد مملوك قادر على شيء في الجملة ، فأين الدلالة على عدم التملّك لمملوك أصلا ، ولو بغير الاختيار وبتمليك المولى وغيره ، فإنّه يحتمل ذلك أن يكون عبدا عاجزا ولا يملّكه المولى أو بغير إذن المولى أو الّذي لا يضرب له ضريبة وغير ذلك ، أو يكون المراد الحجر وعدم صحّة التصرّف لا عدم الملك فقد يكون مالكا ومحجورا عليه كالصبيّ فإنّه يقال للطفل أنّه لا يقدر على شيء مع تملّكه ، بل بين كونه محجورا عليه وغير مالك ، تناف في الجملة ، فإنّ المتبادر من الأوّل الملكية إلّا أنّه ممنوع من التصرّف كالصغير والمفلّس والسفيه فتأمّل.

ثمّ إنّه يدلّ على التملّك قوله تعالى (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ

__________________

(١) النحل : ٧٥.

٤٩١

مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) فافهم (١) وبعض الأخبار الصحيحة ، وإن دلّ على عدمه أيضا بعضها ويمكن الجمع بينهما في الجملة بالحمل على التملّك والحجر ، وقد فصّلنا المسئلة في شرح الإرشاد.

(الثالث عشر)

العطايا المنجّزة كالوقف والسكنى والصدقة والهبة وغيرها وليس ما يدلّ عليها بالخصوص بل يدلّ عليها عموم ما يدلّ على فعل الخيرات ، وقد ذكر الراونديّ وغيره آيات :

الاولى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) (٢).

الثانية : (وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً)(٣).

الثالثة : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) ـ الى قوله (وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقابِ) (٤).

وقد مرّ تفسيرها ، والآيات والأخبار على ذلك لا تعدّ ولا تحصى ، ومعلوم أنّه لا يحتاج إلى ذكرها.

__________________

(١) النور : ٣٢.

(٢) آل عمران : ٩٢.

(٣) المزمل : ٢٠.

(٤) البقرة : ١٧٧.

٤٩٢

(الرابع عشر)

(النذر والعهد واليمين)

وفيه أبحاث :

(الأول النذر)

وفيه آيتان :

الاولى : (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) (١).

أي كلّ ما فعلتم من نفقة حسنة أو قبيحة وكلّ ما أوجبتم على أنفسكم بالنذر ، ويحتمل شبهه أيضا الله يعلم (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) فيعلم استحقاق صاحبه [للأجر] ونيّة فاعله فيجازيه على ذلك إن خيرا فخيرا وإن شرّا فشرّا فلا يبعد دلالتها على استحباب فعل النذر إن كان المنذور طاعة ، وتحريمه إن كان معصية ، حيث قرنه بالإنفاق المرغوب والمرهوب ، ووعد فاعله بالأجر إذا فعله على الوجه المرضيّ ، وأوعد بالعقاب على عدمه بأنّه يعلمه ، وكذا وجوب الوفاء به لتسمية من يخالفه ظالما على ما هو الظاهر وسيجيء ما يدلّ على الوفاء به.

وقال في مجمع البيان : النذر هو عقد المرء على نفسه فعل شيء من البرّ بشرط ولا ينعقد ذلك إلّا بقوله «لله عليّ كذا» ولا يثبت بغير هذا اللّفظ ، وأصل النذر الخوف ، لأنّه يعقد على نفسه خوف التقصير في الأمر ، ومنه نذر الدّم وهو العقد على سفك الدم للخوف من مضرّة صاحبه ، ومنه الإنذار ، وفي هذا الكلام تأمّل إذ يفهم تخصيصه بالفعل وبالرجل ، إلّا أن يقول بالتأويل ، ويريد بالمرء الشخص أو يعلم المرأة والترك بالمقايسة أو المراد مثلا ، وأيضا التقييد بالبرّ يدلّ على عدم انعقاده في المباح كما هو مذهب بعض الأصحاب ، وهو محلّ التأمّل أيضا لعموم أدلّة النذر ، مع عدم اشتماله على قبح ، ويحتمل أن يريد به المباح.

__________________

(١) البقرة : ٢٧٠.

٤٩٣

وأيضا من التقييد بالشرط يعلم عدم انعقاد النذر إذا لم يكن مقيّدا به كما هو مذهب السيّد ، وهو أيضا محلّ التأمّل لعموم الأدلّة وعدم العلم باعتباره في معناه ، وكون أصله الخوف ظاهر في العموم وكذا أصل عدم الزيادة ولهذا ذهب أكثر الأصحاب إلى عدمه على الظاهر ، ولكن يشعر باعتباره صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا قال الرجل عليّ المشي إلى بيت الله وهو محرم بحجّة ، أو علىّ هدي كذا وكذا فليس بشيء حتّى يقول : لله علىّ المشي إلى بيته أو يقول لله عليّ هدي كذا وكذا إن لم أفعل كذا وكذا ، وأمّا اشتراطه بهذه الصيغة فيدلّ على عدم انعقاده إذا أتى بلفظ آخر مرادف له ، وهو المشهور ، والمفهوم من بعض الروايات كالصحيحة المتقدّمة.

ويدلّ أيضا على عدم انعقاده من غير لفظ كما هو مذهب الأكثر خلافا للشيخ ، فإنّه يكتفي بعقده قلبا وإن لم يتلفّظ به ودليل مذهب الأكثر عدم العلم بإطلاق النذر عليه ، والأصل والشهرة وبعض الروايات مثل الصحيحة المتقدّمة. وفي الاستدلال على مذهب الشيخ بمثل (وَإِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ) (١) تأمّل لا يخفى ، وكذا بمثل قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) (٢) نعم هما يدلّان على العقاب بأفعال القلب ، ولو بقصد المعصية ، وذلك غير بعيد ، فانّ قصد القبيح قبيح عقلا وشرعا أيضا إلّا أنّه لا يعاقب عليه العقاب الّذي يعاقب عليه بفعله في الخارج وبه يجمع بين الأدلّة بل بين الأقوال.

الثانية : (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) (٣).

قال في الكشاف : (يُوفُونَ) جواب من عسى أن يقول : ما لهم يرزقون ذلك؟ والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفّر على أداء الواجبات ، لأنّ من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى وكذلك ورد الإيفاء في مواضع

__________________

(١) البرة : ٢٨٥.

(٢) البقرة : ٢٣٧.

(٣) الدهر : ٧.

٤٩٤

فيدلّ على وجوب الوفاء بالنذر فتأمّل وفي قوله تعالى (إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا) (١) دلالة على جواز نذر عدم التكلّم ، وكأنّه مخصوص بتلك الشريعة ولهذا قال الأصحاب إنّ صوم الصمت حرام.

(الثاني العهد)

وفيه آيات :

الاولى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلاً) (٢).

الثانية : (وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُوا) (٣).

الجارّ متعلّق بما بعده أي «أوفوا» للتأكيد والمبالغة للحصر المستفاد أي يجب إيفاء ما عهد الله إلى المكلّف لا غير ، أي لا يصار إلى غيره ولا يجعل معارضا له ويترك به ، ففيها دلالة على وجوب الإيفاء بالشروط والعهود والنذور والعقود والإتيان بجميع ما أمر به من العمل بالعدالة في القول والفعل وإيفاء الكيل والوزن وغير ذلك (ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) أي جميع ما تقدّم أو حصر الإيفاء بعهد الله فإنّه مشتمل على ما تقدّم وزيادة ، وصّاكم الله بحفظه والعمل بمقتضاه ، رجاء تذكّركم الله وعقابه وثوابه ، فتتّعظون به ، وفيه تأكيد بالغ.

وكذلك (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ) (٤) قيل عهد الله ما عقده الله على أنفسهم من الشهادة بربوبيّته (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) (٥) (وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) : كلّ ما وثوقه على أنفسهم من المواثيق بينهم وبين الله ، من العهود والنذور والأيمان وغير ذلك ، وبين خلقه من العقود والشروط وسائر ما قرّر معهم ، فهذا تعميم بعد تخصيص ، ويحتمل أن يكون معناهما واحدا فيكون الثاني تأكيدا للأوّل فيمكن جعل هذه دليلا على وجوب الوفاء بالنذور والعقود والشرائط والوعد.

__________________

(١) مريم : ٢٧.

(٢) أسرى : ٣٤.

(٣) الانعام : ١٥٢.

(٤) الرعد : ٢٠.

(٥) الأعراف : ١٧١

٤٩٥

وكذلك قوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (١) في الكشاف سمّى الشيء المؤتمن عليه أمانة وعهدا ومنه «أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ» «وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ» (٢) وإنّما تؤدّوا العيون لا المعاني ، ويخان المؤتمن لا الأمانة ، والراعي الحافظ ، يحتمل العموم في كلّ ما اؤتمنوا عليه من جهته تعالى والخلق والخصوص فيما حملوه من أمانات الناس وعهدهم ، وفي مجمع البيان : راعون أي حافظون وافون ، والأمانات ضربان : أمانات الله ، وأمانات العباد ، فأماناته تعالى هي العبادات كالصيام والصّلاة ونحوها ، وأمانات العباد هي مثل الودائع والشهادات وغيرها. وأمّا العهد فعلى ثلاثة أضرب : أوامر الله ، ونذور الإنسان ، والعقود الجارية بين الناس ، فيجب على الإنسان الوفاء بجميع ضروب الأمانات والعهود ، والقيام بما يتولّاه منها.

(الثالثة اليمين)

وفيه آيات :

الاولى : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣).

ظاهرها نهي عن كثرة الأيمان والحلف على كلّ شيء أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم ولا تكثروا الحلف حتّى في المحقّرات وغير المهمّات الضروريّة ، ويؤيّد النهي عن كثرة الحلف (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) (٤) و (أَنْ تَبَرُّوا) علّة للنهي بحذف مضاف أي إرادة برّكم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس ، فانّ الحلّاف مجترئ على الله فيكذب ، ولا يصلح أن يكون بارّا ولا متّقيا ولا مصلحا بين الناس ، وقد قيل غير هذا المعنى أيضا وهو أنّه لا تجعلوا الله حاجزا ومانعا لما حلفتم عليه من البرّ والتقوى

__________________

(١) المعارج : ٣٣.

(٢) الأنفال : ٢٨.

(٣) البقرة : ٢٢٤.

(٤) القلم : ١١.

٤٩٦

وإصلاح ذات البين ، فيكون الأيمان بمعنى المحلوف عليه ، و (أَنْ تَبَرُّوا) بيانا له ويكون إشارة إلى ما هو المشهور أنّ المحلوف إذا كان مرجوحا لا ينعقد ، وكذا إذا كان راجحا ثمّ صار مرجوحا كما تدلّ عليه الأخبار من العامّة والخاصّة ، مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعبد الرحمن بن سمرة : إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الّذي هو خير (١) فتأمّل.

الثانية : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (٢).

قيل : أصل اللغو الكلام الّذي لا فائدة فيه ، يقال ألغى الكلمة إذا طرحها لأنّه لا فائدة فيها ، واللاغية الكلمة القبيحة الفاحشة ، ومنه اشتقاق اللّغو لأنّه كلام لا فائدة فيه عند غير أهلها ، وأصل الحلم الأناة وهو في صفته تعالى الإمهال بتأخير العقاب على الذنب ، قال في الكشّاف والقاضي : اللّغو من اليمين الساقط الّذي لا يعتدّ به في الأيمان وهو الّذي لا عقد معه بقرينة (عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) وهو الّذي يجري على اللّسان عادة مثل قول العرب لا والله وبلى والله ، من غير عقد على يمين ، بل لمجرّد التأكيد لقولها ، أو جاهلا بمعناها أو سبق لسانه إليها ، أو في حال الغضب المسقط للقصد.

فمعناه : أنّ الله لا يؤاخذكم بما لا قصد معه لكم من الأيمان بعقوبة ، لا في الدنيا بكفّارة ولا في الآخرة بعذابها ، بل يؤاخذكم باليمين الملفوظة إذا عزمتم وقصدتم بقلوبكم ، وخالفتم ، أو إذا كذبتم عمدا بأن يحلف على الماضي كاذبا فإنّه يسمّى الغموس وهو حرام ، ولا كفّارة فيه عند الأصحاب ، بل إنّما هي على فعل متوقّع راجح أو ترك كذلك أو مباح ، وتحقيق ما يوجب الكفّارة سيجيء في تفسير آية الكفّارة إن شاء الله ، وكلّ ذلك إذا قصدتم الأيمان وعقدتم عليها القلوب أي إذا واطات قلوبكم ألسنتكم ، أو أنّه يؤاخذكم بما تعمّدتم وقصدتم من الأيمان على

__________________

(١) مشكاة المصابيح ٢٩٦.

(٢) البقرة : ٢٢٥.

٤٩٧

خلاف الحقّ أي الأيمان الكاذبة فلا كفّارة حينئذ فلا حذف في الكلام (وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر الذنوب لعلّه مع التوبة وجوبا أو تفضّلا من غير توبة أيضا (حَلِيمٌ) يؤخّر العقوبة ولا يعجل بها لأنّه إنّما يعجل من يخاف الفوت.

الثالثة : (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) (١) يحتمل أن يكون المراد من اللّغو ما يصدر من الإنسان بغير قصد ، كقول الرجل لا والله وبلى والله ، حين الغفلة والغضب وغير ذلك ، ولهذا شرط في انعقاده القصد ، ويشعر به ما بعده كما مرّ ويحتمل الحلف على ما ظنّ أنّه كذلك ولم يكن ، ويمكن شموله للكلّ ، والظاهر أنّ (فِي أَيْمانِكُمْ) صلة اللّغو لأنّه مصدر أو حال عنه أو صفته ، بأن يقدّر معرّفا باللّام مثل الحاصل ، والمراد نفي المؤاخذة مطلقا في الدنيا بعدم الكفّارة وعدم التّعزير وفي الآخرة بعدم العقاب (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) بالقصد وجئتم بها على الوجه الشرعيّ إن كان مستقبلا قابلا للحنث بالكفّارة والتعزير بل العقاب أيضا ويحتمل السقوط بالكفّارة ، وإن كان ماضيا بالعقاب والتعزير ، إن كان كذبا عن عمد من غير داع شرعا مع عدم التوبة (فَكَفَّارَتُهُ) بيان للمؤاخذة أي كفّارة نكث الحلف والمؤاخذة به ، قال القاضي المراد بالكفّارة الفعلة الّتي تذهب الإثم ، وتستر الذنب ، واستدلّ بظاهره على جواز التكفير بالمال قبل الحنث ، وهو عندنا خلافا للحنفيّة لقوله عليه‌السلام من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليكفّر عن يمينه وليأت الّذي هو خير (٢) ولعلّ «لقوله عليه‌السلام» دليل لمذهبه لا لمذهب الحنفيّة. وظهور الآية ممنوع لأنّ الكفّارة إنّما يكون بعد الذنب كما فهم من كلامه عليه‌السلام أيضا ، مثل كفّارة إفطار شهر رمضان وغيره فلا معنى لتقديمها ، وعلى تقدير ظهور الآية في ذلك فالتخصيص بالمال لا وجه له ، وكذا الخبر مع أنّ جعله دليل ظاهر الآية غير سديد ، على أنّه مقيّد برؤية غيرها خيرا ، والمراد أعمّ وأنّه غير معلوم الصحّة ، والّذي ثبت عند الأصحاب أنّه إذا حلف على شيء ثمّ رأى غيره أولى تنحلّ

__________________

(١) المائدة : ٨٩.

(٢) أنوار التنزيل ص ١٢٤ ، والحديث تراه في سنن أبى داود ج ٢ ص ٢٤٠.

٤٩٨

اليمين بغير كفّارة ، مثل أن حلف ليضرب عبده ، أو لم يأكل الطعام الفلانيّ ولم يفعل الفعل الفلانيّ ، وصار المصلحة في عدمه ويكون هو أولى بالنسبة إليه تنحلّ اليمين من غير كفّارة ، فكأنّه يدخل حينئذ في اليمين اللّغو الّذي لا يؤاخذ عليه ، ولهم عليه الرّوايات ، وكأنّه مجمع عليه أيضا عندهم والحنفيّة موافقة لهم في عدم الكفّارة قبل الفعل مطلقا ، والشافعيّة بغير المال.

و (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) خبر كفّارته ، والمراد بالمسكين هو الفقير الّذي يستحقّ الزكاة أي لا قدرة له على قوت سنته ، ولو بالكسب على ما قالوا (مِنْ أَوْسَطِ) أي من أقصده ووسطه باعتبار النوع ، ويمكن القدر أيضا ولكن القدر مقدّر في الأخبار بالمدّ لكلّ مسكين عند الأكثر ، وقيل مدّان ، والجنس هو الحنطة مثلا ، إن كان هو الأوسط أو الأعلى ، والظاهر أنّ الأوسط للرخصة ، وأنّ دونه لا يجوز ، لا أنّ الأعلى لا يجزئ ، وقال القاضي : محلّ (مِنْ أَوْسَطِ) نصب لأنّه صفة مفعول محذوف تقديره أن تطعموا عشرة مساكين طعاما من أوسط ، أو الرفع على البدل من إطعام وأظنّ جواز تعلّقه بإطعام ، ومعنى البدليّة غير ظاهر ، والتقدير موجب للتكرار ، وأيضا إن سلّم مانع عن تعلّقه بالإطعام المذكور ، فلا مانع من كونه صفة له فلا يحتاج إلى تقديره ، بل لا مانع من الحاليّة أيضا و (أَهْلِيكُمْ) منصوب بأنّه مفعول ثان حذف نونه بالإضافة والمفعول الأوّل محذوف ، أي ما تطعمونه أهليكم ، وصريح الآية اعتبار العدد في المساكين فلا يجزئ مقدار العشرة لواحد لا أنّ المقصود من العدد مقدار الطعام كما قاله أبو حنيفة ، لأنّ كون ذلك مقصودا بل مساويا له ممنوع إذ في تعدّد الأشخاص مصالح لا توجد في واحد من استجابة الدعاء والقبول عند الله.

وبالجملة رعاية خواطر أعظم من رعاية خاطر واحد ، وهو واضح وصريح الآية لا يخرج عنه (أَوْ كِسْوَتُهُمْ) عطف على إطعام إمّا لكونه مصدرا أو لتقدير إلباس كسوتهم ، وقال القاضي : أو من أوسط إذا كان بدلا ، وما عرفت معنى البدل هنا ، ويمكن تقدير : أو كسوتهم من أوسط ما تكسون أهليكم ، والظاهر ما يصدق

٤٩٩

عليه الكسوة لغة أو عرفا مثل ثوب يكون مغطّيا للعورة كالقميص ويحتمل الوزرة والسراويل ، والإزار أولى والجبّة أولى أمّا مجرّد الرّداء فمشكل لأنّه لا يقال له كسوة إن كان صغيرا يحصل به مجرّد الارتداء ، ويحتمل أن يكون المراد من الكسوة الثياب الّتي يحتاج إليها الإنسان عرفا كالإطعام ، فإنّه لا بدّ من كونه مقدار ما يكفيه يوما ، ولهذا يقال يجب للزوجة والمملوك ومن يجب نفقته من الأقارب كسوتهم على الزوج والسيّد والقريب ، ويراد جميع ما يحتاج إليه عرفا ، ويؤيّده مقابلته للاطعام وتحرير الرقبة ، فيجب حينئذ ما يستر جميع بدنه مثل قميص أو جبّة مع عمامة أو قلنسوة على الوجه المتعارف في زماننا ، ولكنّ القائل به غير ظاهر قال القاضي : قيل ثوب جامع قميص أو رداء أو إزار ، وفيه تأمّل خصوصا في الرداء.

(أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) أي أو إعتاق إنسان فظاهر الآية أنّه يجزئ كلّ إنسان كما يدّعيه الأصحاب ، وشرط الشافعيّ كونه مؤمنا قياسا على كفّارة القتل وهو باطل نعم لو كان نصّ مقيّد بذلك يجب وإلّا فلا ، فلا يجزئ الطفل أيضا إلّا أن يلحق بآبائه في الايمان ، والظاهر أنّه يكتفى بالإسلام وعند الأصحاب يمكن كونه مؤمنا بالمعنى الأخصّ عندهم ، فالمكفّر مخيّر بين اختيار أي الثلاث شاء إن وجدت الثلاثة وإلّا يختار ما وجد ، وإن لم يجد شيئا أصلا كما هو ظاهر قوله (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أي شيئا منها (فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) أي فكفّارة حلفه صيام ثلاثة أيّام وظاهرها أجزاء أيّ ثلاثة على أيّ وجه جائز ، إلّا أنّه قيّده الأصحاب كالشافعيّ بالتتابع للإجماع والسنّة ويؤيّده قراءة «متتابعات» في الشواذّ ، وإن لم تكن الشاذّة حجّة إذ لم يثبت كتابا ولم يرو سنّة ، وهذا لم يرد علينا لما مرّ ، نعم يرد على أبي حنيفة حيث قيّد بالتتابع واستدلّ عليه بالقراءة الشاذّة ، قال القاضي ليست بحجّة.

(ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ) كأنّه يريد وحنثتم أيضا لما مرّ ، ويريد به التأكيد والإيضاح ، وإلّا فما كان يحتاج إلى ذكره خصوصا (إِذا حَلَفْتُمْ

٥٠٠