زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

انتفى التحلّل. الظاهر من كلام الأصحاب ذلك ، ولعلّ دليلهم الإجماع أو الاحتياط أو كونه عبادة فلا بدّ لها من نيّة ، وبالجملة استفادة التحليل على الوجه الّذي يفهم من فتوى الأصحاب لا يخلو من مناقشة وإن كان الاحتياط يقتضيه.

الخامس : هل يحلّ له كلّ ما حرّمه الإحرام أم لا؟ ظاهر الآية هو العموم حيث قيّد بقاء التحريم إلى بلوغ الهدي ، فيرتفع المنع المتقدّم وهو الظاهر وإن لم يكن نصّا إلّا أنّه في بعض الروايات الصحيحة مثل صحيحة معاوية ما يدلّ على بقاء تحريم النساء حتّى يطوف بالبيت ويسعى بنفسه ، وإن تعذّر فبنائبه ، وإن أمكن مع إمكانه أيضا إذا لم يتّفق وصوله إلى مكّة وهو ظاهر من كلام الدروس والأصل خلافه ، حتّى يثبت بالدّليل ، فانّ ظاهر الرواية الدالّة على وجوب الطواف للتحليل هو طوافه بنفسه ، وغيره لا يجزئ إلّا بالدليل ، وأيضا الظاهر أنّه طواف الزيارة ، ولهذا قال حتّى يطوف بالبيت وبالصّفا والمروة أي يسعى فالحمل على طواف النساء وتجويز النيابة مع القدرة كما فعله فيه محلّ التأمل.

السادس : أنّ هذا الطواف هل هو شرط إذا كان الحصر في العمرة المتمتّع بها أم لا؟ قال : في الدروس بالثاني للأصل ، وعدم وجوبه فيها ، فإنّه يحصل تحلّل النساء بمجرّد التقصير ، وهو محلّ التأمل إذ ظاهر الروايات عامّة وما علم أنّ المراد طواف النساء لما مرّ ، على أنّ عدمه فيها إذا حصل جميع أفعالها لا يدلّ على عدمه فيها ، إذا لم يحصل ذلك ، ولهذا ما كان التحلّل محتاجا إلى الهدي هناك ، وهنا يحتاج إليه ، وأيضا ما كان الحلق هناك جائزا وهنا يجب ، ويصير محلّلا ، وبالجملة بعد ثبوت الدليل لا يبقى للاجتهاد والاستبعاد محلّ.

السابع : الظاهر جواز الذبح للمحصور أيضا في مكانه ، وليس بعيدا من الآية ويدلّ عليه فعل أمير المؤمنين والحسين عليهما‌السلام كما مرّ فيكون مخيّرا بين البعث والذبح مكانه كما هو مذهب ابن الجنيد المنقول في الدّروس وإن احتمل الجمع بالقارن وغيره بأن يكون البعث واجبا في الأوّل والذبح في الثاني ، ولكنّ الظاهر أنّه بعيد ، لأنّ الآية تصير مختصّة بحكم بعض الحاجّ والمعتمر ، أي القارن

٢٤١

منهما ، وأيضا يدفعه فعل الحسين عليه‌السلام كما نقله في الفقيه في باب الحصر (١) أنّه عليه‌السلام كان ساق الهدي بدنة ونحرها في مكانه ، وكذا الحمل على التطوّع والواجب.

الثامن : هل يكفي هدي القارن عن هذا أم لا؟ ظاهر الآية ذلك وكذا بعض الأخبار كما مرّ في صحيحتي محمّد ورفاعة وغيرهما وبعض الأصحاب أوجب الاثنين وورد به رواية مثل صحيحة معاوية في الفقيه فتحمل على الندب أو على وجوب السوق بنذر وشبهه وإلّا فالظاهر أنّ الواحد يكفي كما مرّ.

التاسع : هل يجب تقسيم هذا الهدي مثل هدي التمتّع أو صرف كلّه على الفقراء ، أم لا يجب شيء؟ الظاهر العدم ، بل يكون ملكا له للأصل ، وإنّما وجب الذبح وهو لا يدلّ على صرفه إلّا أن يدّعى أنّ الغرض من ذبحه حصول النفع للفقراء لا مجرّد الذبح ، ولا كونه بدل هدي المتمتّع بالحجّ ، ولهذا يجب في غيره ، ولعلّ الاحتياط في صرفه ، لكن مع نيّة الإهداء في ثلاثة ، ونيّة التصدّق أيضا والتصدّق بالباقي.

العاشر : لو ظهر خلاف المواعدة بأن لم يكن نائبه ذبح الهدي أصلا ، أو ذبحه بعد تحلّله ، فالظاهر عدم شيء إذ الظاهر أنّه مأمور بالإحلال بحصول ظنّ البلوغ فما يضرّ ظهور عدمه بعده ، وهو ظاهر الآية والأخبار مثل صحيحة زرعة (٢) في باب الزيادات من التهذيب وأخبار الحصر حيث قال فيها : وإن اختلفوا في الميعاد لم يضرّه إنشاء الله لكنّها مضمرة وزرعة واقفيّ وإن كان ثقة إلّا أنّه بعينه موجود في صحيحة معاوية بن عمّار في الفقيه في باب الحصر (٣) ويمكن أن يحمل على عدم حصول ضرر بتحلّله ، بل يبقى محلّا ، لكن يجب عليه بعث هدي آخر إن لم يكن ذبح أصلا ويمسك حينئذ عن محرّمات الإحرام إمّا وجوبا تعبّدا أو مندوبا ويحتمل الوجوب

__________________

(١) فقيه من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥.

(٢) التهذيب ج ١ ص ٥٦٨.

(٣) المصدر : ج ٢ ص ٣٠٥.

٢٤٢

من حين البعث والإمساك حينئذ عن النساء فقط كما هو ظاهر الأصحاب ويؤيّده وجود الإمساك بعد البعث فقط (١) في الرواية الصّحيحة (٢) ولفظه «الآن إذا بعث» في غير الصّحيحة (٣) أو يحمل على عدم وجوب كفّارة بمعنى أنّه ما صار محلّلا بل محرما لا شيء عليه لجهله ، مع العمل بالمأمور به ، ولكن لا يفعل بعده شيئا ينافي الإحرام حتّى يبلغ مثل ما كان [في الكافي] ، وليس ببعيد من الآية والأخبار إذ يمكن كون معنى الآية حتّى يبلغ الهدي محلّه في نفس الأمر ، ولكن يكنفي بالظنّ ما لم يعلم خلافه فتأمّل.

الحادي عشر : هل لهذا الهدي بدل أم لا فيبقى محرما حتّى يوجد؟ نقل في الدّروس عن الشيخ ذلك ، وعن ابن الجنيد خلافه وظاهر الآية مع الشيخ ، ولكن لزوم الحرج والضيق المنفيّ والشريعة السّهلة تدلّ على مذهب ابن الجنيد وكذا حسنة معاوية بن عمّار ، بل لا يبعد أن يقال : صحيحته لأنّ وجه الحسن هو إبراهيم بن هاشم أبو عليّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال في المحصور ولم يسق الهدي قال ينسك ويرجع ، فان لم يجد ثمن هدي صام (٤) أي يذبح الهدي فيرجع وإن لم يجد هديا ولا ثمنا صام بدله وتحلّل ، فحينئذ يكون الصوم بدله ويدلّ أيضا عليه صحيحة معاوية بن عمّار في الفقيه قيل : فإن لم يجد هديا قال أي أبو عبد الله عليه‌السلام : يصوم ، (٥) لكن كانت في القارن لعلّ لا قائل بالفرق.

وأمّا مقدار الصوم فيحتمل عشرة لأنّه بدل الهدي ، ويكون الصوم إشارة إليه أو ثلاثة أو ما يصدق ، وهو الظاهر للصدق ، وأصل عدم الزيادة ، والأوّل أحوط وأحوط منه لبقاء حتّى يتحقّق أو يأتي بأفعال ما أحرم له ويحتمل الانتقال إلى العمرة

__________________

(١) ههنا وقع سقط في النسخة المطبوعة نحو سطر.

(٢) هي رواية معاوية ابن عمار كما مر عن الفقيه والتهذيب والكافي.

(٣) هي خبر زرارة كما في الكافي ج ٤ ص ٣٧١ ، وقد مر أيضا.

(٤) الكافي : ج ٤ ص ٣٧٠ ، تحت الرقم ٥ من باب المحصور والمصدور.

(٥) الفقيه الباب ٢١٠ تحت الرقم ٣.

٢٤٣

المفردة كما يقوله الأصحاب فيمن فاته الحجّ ، وهذه الحسنة تدلّ على جواز الذّبح في مكانه للمحصور ، وإجزاء هدي السياق عن هدي التحلّل.

الثاني عشر : هل هذا الحكم مخصوص بالمريض أو جار في كلّ من يعجز بغير العدوّ مثل مكسور الرجل ، وفائت النفقة ، والضّالّ عن الطريق؟ الظاهر ذلك لعموم الآية وبعض الأخبار ، وإن كان في البعض تصريح بأنّ المحصور هو المريض ، ولكن في صحيحة البزنطيّ المذكورة في زيادات الحجّ من التهذيب بعد أخبار الحصر بأوراق وهي مذكورة في الكافي أيضا في باب الحصر عن أبي الحسن عليه‌السلام عن محرم انكسرت ساقه أيّ شيء حلّ له ، وأيّ شيء [حرم] عليه؟ قال : هو حلال من كلّ شيء فقلت من النساء والثياب والطيّب؟ فقال نعم من جميع ما يحرم على المحرم ، وقال : أما بلغك قول أبي عبد الله عليه‌السلام «وحلّني حيث حبستني لقدرك الّذي قدّرت عليّ»؟ قلت أصلحك الله ما تقول في الحجّ؟ قال : لا بدّ أن يحجّ من قابل ، قال : قلت : فأخبرني عن المحصور والمصدود ، هما سواء؟ قال : لا ، قلت : فأخبرني عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين ردّه المشركون قضى عمرته؟ فقال : لا ولكنّه اعتمر بعد ذلك (١).

فيمكن تقييدها ببعد ذبح الهدي أو البعث للجمع ، ومع ذلك يبقى الحكم بحلّ النساء من غير طوافهنّ مخالفا لحكم المحصور إلّا أن يحمل ما يدلّ عليه على الاستحباب وهو غير بعيد ، سيّما للآية ، لكنّ الظاهر أنّه ما ذهب إليه أحد من الأصحاب في المحصور ، أو يحمل تلك على غير المشترط وهذه عليه ، كما هي ظاهرة فيه ، ولا يبعد إخراج منكسر الساق بخصوصه عن حكم المحصور للخبر ، وجعل الباقي تحت المحصور كما هو الظاهر من اللّغة ، وحصر المحصور في المريض كما في بعض الروايات وظاهر عبارات الأصحاب أمّا للتغليب ، أو إرادة غير المنع بالعدوّ ، حيث قوبل بذلك ، وبالجملة هو أحسن لأنّ الإحرام ثابت والخروج عنه [بغير محلّ] مشكل وبقاؤه كذلك موجب للعسر والضيق المنفيّ عقلا وشرعا

__________________

(١) الكافي ج ٤ ص ٣٦٩ ، التهذيب ج ١ ص ٥٨٠.

٢٤٤

مع شمول الحصر له لغة بل عرفا فتأمّل.

ولا يخفى أنّه يفهم من هذا الخبر أيضا الفرق بين المحصور والمصدود وأنّه لا قضاء للعمرة ، إذ لا وقت له ، وكذا في الحجّ ، وأنّ الاشتراط موجب للتحلّل في الجملة من غير محلّل ، وأنّ الاشتراط ممّا لا ينبغي تركه فتأمل.

الثالث عشر : قال بعض الأصحاب إنّ التحلّل المذكور في الحجّ مقيّد بعدم فواته فإذا صبر حتّى فات الحجّ فعليه العمرة للتحلّل بأن ينتقل بنيّته من الحجّ إلى العمرة ، أو أنّه ينتقل من غير نيّة واختيار ، على الخلاف عندهم ، وإذا حصر عنها أيضا فيتحلّل عن العمرة بالهدي وظاهر الآية وأخبار الحصر عامّ غير مقيّد بذلك ، والروايات الدالّة على وجوب العمرة على من فاته الحجّ على تقدير صحّتها وتسليم دلالتها غير دالّة على محلّ النزاع بحيث تخصّص الآية والأخبار الصّحيحة كما فهمت من شرط (١) تخصيص الكتاب فتذكّر.

الرابع عشر : أنّه لو لم يحلّ والتحق فأدرك الحجّ بالوقوف المجزئ يجب الحجّ وإن ذبح هديه ، إن كان الحصر عنه وإن كان عن العمرة فكذلك وأمّا إذا فات الحجّ في الأوّل ينبغي جواز التحلّل بالهدي بناء على ما قلنا من العمل بعموم الآية والأخبار ، وعلى ما يفهم من قول الأصحاب يجب التحلّل بالعمرة المفردة كما قاله في الدّروس لما رواه معاوية بن عمار في الصحيح في الفقيه في باب من فاته الحجّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ ، وقال : وأيّما قارن أو مفرد أو متمتّع قدم وقد فاته الحجّ فليحلّل بعمرة ، وعليه الحجّ من قابل (٢) ويمكن تخصيص هذه الرواية بغير المحصور للآية وأخبار الحصر ، ويمكن العكس أيضا وفيه الاحتياط مع كثرة الأصحاب ، لكن في الاحتياط تأمل. على أنّ فيه أيضا عن داود الرقّي صحيحا قال كنت مع أبي عبد الله عليه‌السلام بمنى إذ جاء رجل فقال إنّ قوما

__________________

(١) يعنى ترك القرآن القاطع لا يمكن إلا بقاطع اما من حيث المتن أو الدلالة.

(٢) الفقيه : ج ٢ ص ٢٨٤ ، وتراه في الكافي ج ٤ ص ٤٧٥ و ٤٧٦ ، التهذيب : ج ١ ص ٤٣١.

٢٤٥

قدموا وقد فاتهم الحجّ؟ فقال نسأل الله العافية أرى أن يهريق كلّ واحد منهم دم شاة ويحلق وعليهم الحجّ من قابل إن انصرفوا إلى بلادهم ، وإن أقاموا حتّى يمضي أيّام التشريق بمكّة ثمّ خرجوا إلى وقت أهل مكّة فأحرموا منه واعتمروا ، فليس عليهم الحجّ من قابل (١) فهذه تدلّ على عدم عموم وجوب العمرة على التعيين فيمكن حملها على المحصور وفيها أمور أخر فتأمّل.

الخامس عشر : أنّه لو لم يتحلّل ولحق ، وفاته الحجّ وقد ذبح هديه ، قال في الدروس ففي الاجتزاء به أو بالعمرة وجهان قلت الظاهر هو الأوّل ولكن ينبغي مع التقصير ونيّة التحلّل به ، على ما تقرّر للآية ، وبعض الروايات المتقدّمة وصحيحة زرارة في باب زيادات الحجّ من التهذيب في أخبار الحصر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام إن قدم مكة وقد نحر هديه فانّ عليه الحجّ من قابل أو العمرة (٢) أي إن قدمها بعد الذّبح وفوت محلّ الحجّ فليس عليه إلّا الحجّ مع عمرته في القابل على الظاهر.

السادس عشر : بما يتحقّق الحصر؟ معلوم تحقّقه بالمنع عن الموقفين معا في الحجّ والظاهر عدم التحقّق بالمنع عن أحدهما فقط ، مثل أن حصر عن عرفة فحصل له وقوف المشعر ، أو وقف بها ثمّ حصر عنه ، ويدلّ عليه ما ورد في الصدّ في صحيحة فضل بن يونس الثقة في النجاشي المذكورة في باب زيادات الحجّ من التهذيب بعد أخبار الحصر بأوراق ، وهي مذكورة في الكافي أيضا في باب الحصر قال : سألت أبا الحسن الأوّل عليه‌السلام عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرّف ، فبعث به إلى مكّة فحبسه فلمّا كان يوم النحر خلّى سبيله كيف يصنع؟ قال يلحق فيقف بجمع ، ثمّ ينصرف إلى منى ، فيرمي ويحلق ويذبح ، ولا شيء عليه ، قلت : فان خلّى عنه يوم الثاني (٣) كيف يصنع؟ قال هذا مصدود

__________________

(١) المصادر الثلاثة المذكورة.

(٢) التهذيب : ج ١ ص ٥٦٧ ، وتراه في الكافي : ج ٤ ص ٣٧٠.

(٣) في الكافي يوم النفر ، راجع ج ٤ ص ٣٧١.

٢٤٦

عن الحجّ فان كان دخل مكّة متمتّعا بالعمرة إلى الحجّ فليطف بالبيت أسبوعا ويسعى أسبوعا ويحلق رأسه ويذبح شاة ، وإن كان دخل مكّة مفردا فليس عليه ذبح ولا حلق ، وفي الكافي ولا شيء عليه.

وهذه وإن كانت في الصدّ ولكنّ الظاهر عدم الفرق بينهما في ذلك وصدق (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) لأنّ المراد الحصر عن الحجّ والعمرة ، فما لم يكن المنع عمّا يحصل به الحجّ والعمرة لم يتحقّق الحصر عنهما.

وفي هذا الخبر فوائد :

الاولى عدم تحقّق الصدّ إذا كان محبوسا بالحقّ وذلك يفهم من قوله ظالما له بالمفهوم ، وذكره الأصحاب أيضا ويدلّ عليه العقل والنقل أيضا وهو ظاهر. الثانية إدراك الحجّ بإدراك المشعر اضطراريّا كان أو اختياريا ، لظاهر يوم النحر فإنّه يصدق على قبل طلوع الشمس وبعده ، مع أنّه سكت عن التفصيل ، بل الظاهر الاضطراريّ لأنّ الغالب أنّ المطلق من الحبس يوم النحر ما يصل إلى المشعر قبل طلوعها ، الثالثة عدم تحقّق الصدّ بالمنع عن عرفة فقط ، مع تيسّر المشعر الرابعة تحقّقه إذا اخرج من الحبس بعد فوت المشعر ، الخامسة أنّه لو كان بعد التعريف أيضا لم يكن مصدودا لقوله : قبل أن يعرّف. بل يكون حجّة مجزيا بإدراك عرفة وحدها أيضا مطلقا : السادسة وجوب الذبح والحلق مع العمرة السابعة : عدم وجوب كفّارة بفوت منسك بغير الاختيار ، الثامنة : أنّ الواجب على المصدود بعد العمرة المتمتّع بها عن حجّ التمتّع على الظاهر هو العمرة المفردة ، لكن مع وجوب الذبح أيضا وتعيّن الحلق ، وذلك غير ظاهر من كلام الأصحاب ويمكن حمل الذبح على الاستحباب ، وعلى كونه هدي التمتّع الواجب ، وحمل الحلق على الاستحباب أو على كون الحاجّ صرورة لوجود ما ينافيه من جواز التقصير أيضا على ما ذكره الأصحاب ، التاسعة يمكن استفادة وجوب التحلّل بالعمرة إذا لم يتحلّل بالهدي وفات الحجّ في المحصور أيضا كما يقوله الأصحاب قياسا على المصدود ، العاشرة أنّ الواجب هو العمرة فقط من دون الذبح والحلق إذا كان مصدودا عن الحجّ

٢٤٧

المفرد أو عدم وجوب شيء أصلا إذا كان مفردا كما يدلّ عليه ظاهر الكافي بل قوله في التهذيب «ولا حلق» إذ لو كان عليه عمرة لكان عليه الحلق ، ولو تخييرا بينه وبين التقصير إلّا أن يقال : المراد نفي التعيين ، فيفهم حينئذ القول بالتعيين في الإحلال عن حجّ التمتّع ولا يقول به أحد على الظاهر فتأمل الحادية عشر انتقال إحرام الحجّ إلى إحرام العمرة من غير قصد واحتياج إلى النقل ، كما هو مذهب البعض الثانية عشر أنّهم يفهم عدم وجوب طواف النساء في هذه العمرة فتأمل.

ثمّ الظاهر أنّ الحصر لا يتحقّق في ما لو ترك عمدا لم يضرّ في الحجّ مثل مناسك منى ، وطواف النساء ، وأما في طواف الزيارة والسعي فلا يبعد التحقّق لصدق الحصر ، لأنّ الظاهر من الآية الحصر عن تحقّق الحجّ بالتمام ، بمعنى أنّه إذا منع منه لم يأت بالحجّ تامّا ، فينبغي حصول الحصر عنهما فيثبت أحكامه إلّا أنّ الظاهر من قوله (حَتَّى يَبْلُغَ) أنّه من البعيد كما يفهم من التفاسير وبعض الروايات أيضا فلا يتحقّق الحصر عنهما ، ويدلّ عليه قول الأصحاب إنّه إذا مرض بعد الموقفين طيف به إن أمكن وإلّا استناب ، وأيضا إبطال هذا الحجّ مع تحقّق الموقفين اللّذين هما العمدة ، وبهما يتحقّق الحجّ ، وبفواتهما معا يبطل ، وإيجاب هدي آخر والحجّ في القابل ، والطواف لإباحة النساء خلاف الأصل ، وبعيد عن الشريعة السمحة على ما يظهر ، فلا يبعد حمل الآية على المنع عن شيء من الحجّ والعمرة الّذي به يتحقّق وبفواته يبطل عمدا وسهوا لا عمدا فقط ، وليس ذلك ببعيد ، بل هو الظاهر المتبادر.

فلا يتحقّق الحصر في الحجّ إلّا عن الموقفين أو عن أحدهما مع فوات الآخر به ، وعن العمرة لا يتحقّق إلّا عن الطواف ، وأمّا الصدّ فلا شكّ في تحقّقه أيضا عمّا يتحقّق عنه الحصر ، وكذا في عدم التحقّق عن مناسك منى فقط ، بل عن الطواف أيضا سواء كان قبل التحلّل أو بعده ، لما مرّ في الحصر ، والأصل ، وعدم العلم بتحقّق موجبه ، وعدم الفرق بحسب الظاهر فتأمل فإنّ الظاهر عدم الفرق في هذه الأحكام بينهما.

٢٤٨

وأمّا حكم المصدود فان قلنا باندراجه في الآية كما أشرنا إليه ـ وقال في مجمع البيان حيث قال وقوله (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ) فيه قولان أحدهما معناه إن منعكم خوف أو عدوّ أو مرض فامتنعتم لذلك ، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وعطاء ، وهو المرويّ عن أئمتنا (١) وفيه بحث تقدّم (٢) وما رأيت رواية أصلا (٣) لعلّه فقد الأصل ـ فلا بحث في وجوب ذبح الهدي على الظاهر ، وإن لم نقل باندراجه فيها فكذلك أيضا لثبوت الإحرام وعدم العلم بالتحلّل إلّا بالذبح فيبقي بدونه على المنع ومعه يتحقّق كما هو الظاهر من مذهب الأصحاب ، وللتأسّي به صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما فعل في الحديبية كما دلّ عليه صحيحة معاوية بن عمّار.

وأيضا قال بعد صحيحة معاوية بن عمار في الفقيه : وقال الصادق عليه‌السلام المحصور والمصدود ينحران بدنتيهما في المكان الّذي يضطرّ ان فيه (٤) وهذا كما يدلّ على وجوب الهدي على المصدود يدلّ على جواز النحر في المحصور أيضا مكانه كما أشرنا إليه ، ولا يبعد إدخاله في الآية حينئذ ، وأيضا يدلّ على وجوب ذبح الهدي على المصدود في مكانه رواية زرارة في الكافي في باب الحصر عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث الخبر (٥) وكذا رواية حمران فيه عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حين صدّ بالحديبية قصّر وأحلّ ونحر (٦) لكنّهما غير صحيحتين إلّا أنه عمل بهما أكثر الأصحاب ومؤيّدان بغيرهما ، وإن كان في دلالة الأخيرة تأمل.

وأيضا فيها دلالة على عدم الترتيب بين النحر والتقصير ، والترتيب أولى

__________________

(١) مجمع البيان : ج ٢ : ص ٢٩٠.

(٢) من أن قوله تعالى (حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) لا يناسب المصدود.

(٣) يعني رواية دالة على كون الحصر بمعنى مطلق المنع الشامل للمرض والعدو.

(٤) ينظران فيه خ ، فقيه من لا يحضره الفقيه ج ٢ ص ٣٠٥.

(٥) الكافي ج ٤ ص ٣٧١.

(٦) المصدر : ص ٣٦٨.

٢٤٩

لغيرها ، وللاحتياط ، وأمّا وجوب الحلق أو التقصير كما اختاره بعض الأصحاب مثل الشهيد في الدروس فدليله غير ظاهر والقياس باطل سيّما مع الفارق وظاهر الآية ـ مع عدم ورود ما يدلّ على وجوبهما حتّى يؤوّل إليه الآية الّتي تدلّ على العدم ـ مع الأصل ، ولا استصحاب هنا ، وأيضا ظاهر بعض الروايات حيث ما ذكر فيه الحلق أو التقصير مع ذكر ذبح الهدي يدلّ عليه وأيضا يدلّ عليه ما ورد في صحيحة معاوية بن عمّار في بيان فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الحديبية «نحر وأحلّ» إذ ظاهره وجوب الإحلال بالنحر فقط نعم في رواية حمران المتقدّمة ما يدلّ على فعله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذلك ، لكنّها غير صحيحة ، ولا صريحة في أنّه فعل على سبيل الوجوب حتّى يثبت بدليل التأسّي ، نعم الاحتياط يقتضيه ، والاستحباب غير بعيد ، وهكذا في وجوب ذبح الهدي في المكان الّذي صدّ فيه تأمّل ، وإن كان ظاهر صحيحة معاوية بن عمّار ورواية زرارة وجوبه فيه ولكن خلوّ غيرهما عنه وجواز الذبح بعد رجوعه إلى منزله في المحصور كما فهم من صحيحة معاوية ، مع عدم تعقّل ظهور وجه الوجوب ، قرينة عدم الوجوب فيه ، وإن قلنا إنّ الإحلال بالهدي واجب لا يجوز تركه ، إلّا أنّه ما ثبت فوريّته ، فلا يبعد جواز فعله في منزله أيضا بعد أن يرجع إليه كما اختاره في الدروس ، ويفهم من كلام الشيخ زين الدين في شرح الشرائع وجوبه في المكان الّذي صدّ.

ثمّ الظاهر اتّفاقهما في أكثر الفروعات الّتي أشرنا إليها في المحصور مثل عدم الفرق بين الشرط وعدمه وعدم وجوب تعدّد الهدي لو ساق مطلقا ، ولو كان واجبا بنذر وشبهه ، وإن اختار البعض عدم التداخل مطلقا والبعض مع الوجوب المذكور مثل الشيخ زين الدين لعدم الدليل إذ لا تعدّد للموجب إذ الموجب أنّه يذبح هديا وهو عامّ ، بل الظاهر ذبح الهدي الموجود كما مرّ ، ووجوب الحجّ في القابل مع الاستقرار ، وعدمه مع عدمه ، وكذا العمرة وغير ذلك من الأحكام الّتي يظهر بالتأمّل.

وأمّا الحكم فيما لو اجتمعا فعلى الإجمال أنّه لو حصل أحدهما بعد حصول التحلّل بالأوّل فلا بحث ، وإن احتمل ضعيفا وجوب الحلق أو التقصير على تقدير عدمهما

٢٥٠

لو كان الأوّل الصدّ ، وأمّا لو حصلا معا فعلى ما ذكرناه من النحر في مكان المنع فيهما لا يبعد وجوب اختيار حكم الحصر إن لم يوجب الحلق أو التقصير على المصدود لوجوده في الآية محقّقا على ما مرّ ، ودخول أفعال الصدّ فيه ، والاحتياط.

ويحتمل وجوب أحكامهما معا للموجب لكنّه بعيد ، إذ الظاهر أنّ الغرض التحلّل ، ولهذا قال المفسّرون : المراد إن أردتم التحلّل فما استيسر ، وليس بذلك البعد ، لو كان البعث متعيّنا في الإحصار والذبح في المكان ، والتصدّق به في الصدّ ولا شكّ أنّه أحوط والتخيير أيضا بعيد ، لوجود موجب القصر أو الحلق ، والبعث على الاحتمال ، وعدم تحلّل النساء حتّى يطوف ، ويحتمل كون الأمر كذلك لو شرع في بعض أفعال أحدهما فحصل الآخر قبل إتمامه أو لم يشرع أصلا ، والظاهر أنّه يجب العمل بالأوّل لوجوده أوّلا واستقراره ، وعدم تحقّق الآخر لأنّه ممنوع بالأوّل ، فلا يتحقّق المنع من الثاني ، وهو ظاهر إذ المريض الذي لا يقدر على الذّهاب إلى الحجّ مثلا إذا حصل له عدوّ فيمنعه على تقدير برئه لا يقال له : إنّه منعه العدوّ.

وقد تحقّقت من هنا ما في قول الدّروس : لو اجتمع الإحصار والصدّ فالأشبه تغليب الصدّ لزيادة التحلّل به (١) ويمكن التخيير وتظهر الفائدة في الخصوصيّات والأشبه جواز الأخذ بالأخفّ من أحكامهما ، ولا فرق بين عروضهما معا أو متعاقبين نعم لو عرض الصدّ بعد بعث المحصور أو الإحصار بعد ذبح المصدود ولما يقصّرا ، فترجيح جانب السابق قويّ. فتأمّل فيما ذكرته وفيما ذكره يظهر لك ما فيهما.

ثمّ إنّ الأحكام المشتركة بينهما كثيرة مذكورة في الكتب الفقهية وكذا

__________________

(١) اى النساء فإنهن يحللن بذبح الهدى في الصد دون الحصر وقد مر ، وفي كونه سببا للترجيح تأمل بل يمكن جعله سببا للمرجوحية كما ذكرناه للاحتياط ووجود المنع منه والموجب فتأمل وأيضا في قوله والأشبه جواز الأخذ بالأخف تأمل فإنه ان كان الصد فهو تكرار لا يحتاج إليه وان احتمل غيره فهو غير مناسب بعد اختيار الصد على ان الظاهر ان لفظ جواز لغو بل مضر مناف لقوله يمكن التخيير ان اعتبر مفهومه فتأمل.

٢٥١

المختصّة ، والفرق بينهما ، فلا يهمّ ذكرها فإنّه يطول ، ولكن نذكر هنا مسئلة مهمّة ممّا يعمّ به البلوى ، متداولة بين طلبة العلم ، منقولة عن شيخهم الشهيد الثاني رحمه‌الله ، وهي أنّه إذا فعل الحاجّ ما يبطل حجّه مثل ترك الطواف عمدا أو فعله لا على الوجه المجزئ ، ومثل ترك الوقوف عمدا أو جهلا أو وقف بعرفة من غير ثبوت الهلال ، وغيرها ممّا يفوّت الحجّ ويبقى به على الإحرام ، ورجع إلى حيث يمنعه قطّاع الطريق عن الذهاب إلى مكّة أو عدم حصول الرفقة ، والدليل ونحو ذلك ، فهو مصدود فيحلّ بذبح الهدي ، ويتصدّق به ، لأنّه يصدق عليه بعد رجوعه إلى حيث يمنع : أنّه ما يقدر على الذهاب إلى الحجّ للمنع عن الطريق ، ولي في هذا تأمّل ، فإنّ الإحلال بذبح الهدي حكم المصدود بالعدوّ بعد الإحرام ، من غير صدّ ومنع في موضعه عن مكّة فقط أو الموقفين ، قبل دخول مكّة وترك شيء من المناسك وخروجه منها مع لزوم عمرة عليه ، وهذا ليس كذلك وهو ظاهر مع أنّ قطّاع الطريق لا يمنعه عن المنسك ومكّة ، بل يأخذ ماله ، وكذا غيره من الموانع وأيضا إنّه ترك الحجّ والعمرة بعد أن كان متيسّرا له إمّا عمدا أو جهلا حتّى آل أمره إلى هذا ، وأيضا ما نجد له عزما وصدّا بمنع العدوّ ، بل قد لا يكون له الميل إليه أصلا إمّا لعدم قدرته أو عدم تقيّده وأيضا هو جالس في بيته والمفروض أنّه هو في الطريق وصدّ ، وبالجملة الجرأة بمجرّد هذا في مثل هذه المسئلة مشكل ولعلّ له دليلا. ثمّ ينبغي إيجاب التقصير أو الحلق مع النيّة بعد الذبح أيضا على مذهبه وأيضا إيجاب تصدّقه غير ظاهر ، إلّا أن يقول بذلك في الأصل.

والظاهر أنّه أخذه من كلام الدّروس حيث قال : «ولو ظنّ انكشاف العدوّ تربّص ندبا فان استمرّ تحلّل بالهدي إن لم يتحقّق الفوات وإلّا فبالعمرة ولو عدل إلى العمرة مع الفوات فصدّ عن إتمامها تحلّل أيضا ، وكذا لو قلنا ينقلب إحرامه إليها بالفوات ، وعلى هذا لو صار إلى بلده ولمّا يتحلّل وتعذّر العود في عامه لخوف الطريق ، فهو مصدود ، فله التحلّل بالذبح ، والتقصير في بلده» وأنت تعلم أنّ

٢٥٢

كلام الدروس لا يدلّ عليه ، لأنّ كلامه فيمن صدّ ، ثمّ عرض له وجوب العمرة بالفوات ، نقل أو انتقل إليها ، وأراد إتمامها فصدّ عنه ، ولم يتحلّل ورجع إلى بلده ، فدخل تحت المصدود من العمرة وأنّه على تقدير إلحاقه بالمصدود إنّما يلحق بالمصدود عن العمرة ، لو قلنا بأنّ حكم كلّ من فاته الحجّ مطلقا مصدودا كان أو غيره أن يعتمر ، بأن ينتقل بنيّته إليها أو ينتقل من غير اختياره ويتمّ أفعالها للتحليل فإذا حصل له صدّ أو حصر عن باقي أفعالها يأتي بأحكامهما ، لكن بشرط أن يقصد ذلك بحيث لو لا المانع لذهب ، بل لا يبعد إيجاب السفر إلى جانب مكّة ، وعدم التحلّل حتّى يتحقّق المنع إلّا أن يكون محقّقا علما لا ظنّا فتأمّل وأنّه لو ارتفع العدوّ بالمال لا يبعد وجوب بذله هنا ، وإن قلنا بعدم وجوبه في أصل إيجاب الحجّ والعمرة. ودفع الصدّ لفعله العمد هنا ، وتقصيره ولو جهلا ، لعدم العلم بأنّه معذور فتأمّل سيّما في الجاهل وقليل المال ، فإنّه قد يعذر.

وأمّا دليل الإلحاق فعموم وجوب العمرة على من فاته الحجّ مثل صحيحة معاوية بن عمّار المتقدّمة المنقولة عن الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أدرك جمعا فقد أدرك الحجّ وأيّما قارن أو مفرد أو متمتّع قدم وقد فاته الحجّ فليحلّ بعمرة الحديث ، وفيها دلالة على إدراك الحجّ بالمشعر ، ولو كان اضطرارا كما مرّ ، وعليه خبر آخر صحيح على الظاهر ويدلّ على الانتقال من غير احتياج إلى النقل فتأمّل وينضمّ إليه عموم أدلّة الصدّ على العمرة ، فإنّه يصدق عليه حينئذ فتأمّل فيه ، فانّ الظاهر من الأخبار أنّه على الّذي قدم مكّة بعد مضيّ زمان الحجّ العمرة ، وهو غير شامل لما نحن فيه فأمّل وأنّ صدق الصدّ عليه غير ظاهر لما مرّ ، وإن كان ممكنا ومناسبا للشريعة السهلة وعدم الحرج والضيق ، وإجراؤه فيمن أفسد الحجّ ورجع إلى أهله من غير أن يفعل عمرة التحلّل ، وإتمام الحجّ الفاسد أبعد ، هذا منتهى نظري ، وقد يكون له أدلّة وشواهد وما أعلمها ، بل هو الظاهر لأنّي القاصر والمقصّر.

وأمّا تفسير (فَمَنْ كانَ) إلخ فهو ما يعلم من سبب نزوله على ما هو الموجود

٢٥٣

في خبر صحيح في التهذيب والفقيه وفي الكافي أيضا لكنّه غير صحيح ، رواه حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال مر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على كعب بن عجرة الأنصاري والقمل يتناثر من رأسه فقال أيؤذيك هو أمّك؟ فقال : نعم ، فأنزل الله هذه الآية (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بحلق رأسه ، وجعل عليه صيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّ ان ، والنسك شاة ، وقال أبو عبد الله عليه‌السلام وكلّ شيء في القرآن «أو» فصاحبه بالخيار يختار ما يشاء وكلّ شيء في القرآن (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) فعليه كذا ، فالأولى بالخيار (١).

فدلّت على أنّه على تقدير حصول مرض يضرّ أو أذى في الرأس من هو امّه وإن لم يكن مرضا يجوز له الحلق ، وفعل ما لا يجوز للمحرم فعله ، إذا كان بسبب الإحرام ، وسببيّته للمرض إمّا حصولا أو زيادة كيفا أو كمّا وبالجملة أن يكون بحيث يفهم منه أنّ مثل هذا الضرر إنّما هو منه ، ولا يتحمّل مثله عادة فالتقدير فلكم أن تفعلوا ما به يندفع عنكم الضرر والأذى في الإحرام من الأمور الّتي يحرم عليكم فعلها فيه ، لو لم تكونوا مرضى ولم يكن بكم أذى من رأسكم ، وإن فعلتم فعليكم فدية ، فلا تدلّ حينئذ على وجوب الفعل بل على جوازه أو يكون التقدير فالواجب عليكم فدية ، من غير تقدير شيء آخر ، فيستفاد وجوب ذلك الفعل المنهيّ حال الصحّة إذ إيجابها من غير تقييده بشرط الفعل مستلزم لإيجاب الفعل ، وهو ظاهر ، وقد مرّ مثله في (فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) فالمراد بالفداء البدل أي فعليه بدل يقوم مقامه ، فهي مبتدأ خبره محذوف ، ويحتمل العكس ، والتقدير فالواجب فدية ، وهذا أولى ليكون المبتدأ معرفة والجملة جزاء الشرط ، أي فمن كان و (مِنْ صِيامٍ) مع ما عطف عليه بيان ذلك البدل والفدية.

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٤٢ ، الكافي ج ٤ ص ٣٥٨ ، الفقيه ج ٢ ص ٢٢٨ ، وقد رواه أصحاب الصحاح والتفاسير كما في صحيح البخاري ج ١ ص ٣١٠ ، الدر المنثور ج ١ ص ٢١٣ مجمع البيان ج ٢ ص ٢٩١.

٢٥٤

ودلّ الخبر على أنّ النسك شاة ، وأنّ الصدقة إطعام ستّة مساكين لكلّ مسكين مدّان ، وهو مذهب الحسن وابن الجنيد على ما ذكره في الدروس وأنّ الصوم صوم ثلاثة أيّام ، وهذا التفصيل مذكور في تفسير القاضي والكشاف وفي مجمع البيان أيضا مع الإشارة فيه إلى أنّه أشهر وأولى ، حيث قال المرويّ عن أئمّتنا عليهم‌السلام أنّ الصدقة على ستّة مساكين ، وروي عشرة مساكين ، هذا والمشهور عند الأصحاب هو إطعام عشرة مساكين لكلّ واحد مدّ وقال في الدروس التخيير قويّ وكذا قال الشيخ زين الدين في شرح الشرائع للشهرة والخبر الصحيح كأنّه أشار إلى ما ذكرناه ، والّذي يدلّ على عشرة مساكين ما رواه عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله في كتابه (فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) فمن عرض له أذى أو وجع فتعاطى ما لا ينبغي للمحرم إذا كان صحيحا فالصيام ثلاثة أيّام ، والصدقة على عشرة مساكين يشبعهم من الطعام ، والنسك شاة يذبحها فيأكل ويطعم ، وإنّما عليه واحد من ذلك (١) وقال الشيخ وليس بين هذه الرواية والّتي تقدّمها تضادّ في كميّة الإطعام إلى قوله هو مخيّر بأيّ الخبرين أخذ جاز له ذلك ، إشارة إلى التخيير كما ذكره الشهيدان وفي خبر آخر عن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا أحصر الرجل فبعث بهديه فأداه رأسه قبل أن ينحر هديه ، فإنّه يذبح شاة مكانه الّذي أحصر فيه ، أو يصوم أو يتصدّق على ستّة مساكين ، والصوم ثلاثة أيام ، والصدقة نصف صاع لكلّ مسكين (٢) وهذا أيضا يدلّ على الأوّل إلّا أنّه في المحصور ، وكذا خبر آخر وهو الظاهر من الآية أيضا إلّا أنّها حملت على الأعمّ كما مرّ لعموم اللفظ ، وسبب النزول ، والظاهر عدم القائل بالفرق.

ثمّ إنّ الظاهر هو الأوّل لكثرة الأخبار وصحّة الخبر مع شهرته رواية فإنّها منقولة في الكتب الأربعة ، مع عدم شهرة رواية الثاني لأنّي ما رأيته

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٥٤٢

(٢) الكافي ج ٤ ص ٣٧٠ و ٣٧١.

٢٥٥

إلّا في التهذيب (١) فساوى الشهرتان على تقدير كونها شيئا يعتدّ به في الجملة ، وبقي الصّحة مع الكثرة سالمة ، على أنّها (٢) مشتملة على جواز الأكل من الكفّارة للمكفّر ، وهو خلاف الظاهر والمقرّر ، وعلى لفظة «ينبغي» وهو لا ينبغي ، وأيضا ليس فيها لكلّ واحد مدّ كما هو المطلوب وأيضا في الأوّل زيادة فائدة ، وهو التخيير إذا كان «أو» والترتيب إذا كان (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) وأنّ الاولى هو المختار والأولى حينئذ ، فيفهم منه بطلان مذهب من يذهب إلى خلاف ذلك ، كما قيل في كفّارة شهر رمضان ، وخصال كفّارة بدل صيد النعامة ، وهي بدنة ، ومع العجز يقوّم البدنة ، ويفض ثمنها على البرّ ويتصدّق به لكلّ مسكين مدّان ، فلو عجز صام عن كلّ مدّين يوما ، وإن عجز صام ثمانية عشر يوما ، فانّ البعض يقول بالترتيب والبعض بالتخيير ، وكذا في غيرهما من المسائل. وأيضا يمكن الجمع بين الخبرين مع القول بالأوّل بأن يقال : قدر شبع عشرة قد يكون اثني عشر مدّا فيكون التخيير بين عدد المنفقين لا عدد الأمداد ، كما ذكروه وأيضا الأصل والاحتياط مع الأوّل.

بقي هنا شيء وهو أنّ ظاهر الآية ثبوت هذا الحكم في كلّ مرض يرتفع بفعل ما نهي عنه المحرم حال صحّته ، بناء على ما تقدّم من معنى الآية ، وخصّه في مجمع البيان والكشّاف وتفسير القاضي بمرض محوج إلى الحلق ، وقوله تعالى (فَإِذا أَمِنْتُمْ) أي فإذا أمنتم الموانع من العدوّ والمرض وكلّ مانع كذا في مجمع البيان وفي تفسير القاضي والكشّاف أمنتم الإحصار وكنتم في حال أمن وسعة ، وقد فسّر في الكشاف الإحصار بالحبس والمنع المطلق من المرض والعدوّ والخوف ، كما هو مذهب الحنفيّ وفي القاضي بالمنع من العدوّ كما هو مذهب مالك والشافعيّ على ما مرّ وظاهر أنّ الأوّل أولى إلّا أنّ ظاهر البلوغ وأمنتم يأبى عنه ، في الجملة كما أشرنا فيما سبق ، وغير بعيد حملها على وجه يوافق إمّا البلوغ فقد مرّ ، وإمّا

__________________

(١) بل وكذا في الاستبصار ج ٢ ص ١٩٦.

(٢) على أن رواية الثاني خ ل.

٢٥٦

الأمن فكما فهم من الكشّاف ومجمع البيان ، فانّ الخلوّ من المرض أمن ، وكذا عدم الخوف وأيضا المرض ضيق وحرج والصحّة أمن وسعة ، كما أشار إليه القاضي بقوله في حال أمن وسعة ، والعجب منه أنّه مع تخصيصه الإحصار بالعدوّ ، وجعله (أَمِنْتُمْ) مؤيّدا لذلك ، قال ذلك ، وكأنّه فهم من الكشّاف وأخذه تقليدا من غير تدبّر ، إلّا أن يريد غير المعنى الّذي ذكره في الكشّاف فتدبّر.

والحاصل أنّه إذا لم تحصروا وتمنعوا ، وكنتم في حال أمن قادرين على الحجّ (فَمَنْ تَمَتَّعَ) أي استمتع وانتفع (بِالْعُمْرَةِ) منتهيا (إِلَى الْحَجِّ) واستمتاعه بالعمرة إلى وقت الحجّ انتفاعه بالتقرّب بها إلى الله ، قبل الانتفاع بتقرّبه إليه بالحجّ وقيل (١) إذا حلّ من عمرته انتفع باستباحة ما كان محرّما عليه ، إلى أن يحرم بالحجّ. فوجب عليه ما تيسّر وتهيّأ من أصناف الهدي ، وهي هدي المتعة ودم التمتّع الّذي هو الواجب على المتمتّع يذبحها أو ينحرها بمنى يوم النحر بعد الرمي قبل الحلق أو التقصير ، وفي تقسيمه أثلاثا : ثلث يتصدّق به على المؤمن الفقير وآخر يهدي إلى المؤمن ويؤكل من الآخر إمّا واجبا أو ندبا خلاف ، وقد مرّ وسيجيء تحقيقه إنشاء الله تعالى.

(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) هديا فالواجب عليه صيام عشرة أيّام ثلاثة (٢) في الحجّ وسبعة مطلقا بعد الرّجوع. فمن شرط فعليه جزاؤه ولا بدّ في العجز عن الهدي عدم وجدانه أصلا أو فقدان ثمنه ، بمعنى عدم وجدان شيء زائد على ضروريّاته عادة حتّى ثياب تجمّله على ما ذكروه ، ولكن لو تكلّف فاشترى بثمن ثيابه أجزأ قاله في الدّروس ، وفيه تأمّل فإنّه لو صدق عليه الوجدان لوجب وإلّا تعيّن الصوم ولعلّ نظر الدّروس إلى أنّ الصوم حينئذ رخصة لا عزيمة ، أو يجب الهدي بعد بيع ثياب التجمّل فتأمّل ، والظاهر المصير إلى العرف فما لم يضرّ بيعه بحاله ، ولو

__________________

(١) اى وقيل تمتعه إلى وقت الحج هو أنه إذا حل إلخ.

(٢) أعنى متواليات للإجماع ظاهرا والخبر ، ويؤيده القراءة وإن كانت شاذة منه رحمه‌الله في هامش بعض النسخ ، وقد جعله في نص في المتن.

٢٥٧

كان ثياب تجمّله أو غيره لا يبعد وجوب بيعه وشرائه لظاهر «ما تيسّر» فتأمل.

فان لم يجد الهدي ولكن وجد الثمن ، يخلّفه عند ثقة يشتري به هديا يذبحه أو ينحره طول ذي الحجّة إن أمكن ، وإلّا في القابل ، ذكره أكثر الأصحاب ، وإن كان ظاهر الآية يقتضي العمل بالصوم ، على تقدير العجز بالفعل عن الهدي وشرائه بنفسه كما هو مذهب الحسن (١) ظاهرا ، حيث نقل عنه الإطلاق في وجوب الصّوم بعد العجز عن الهدي ، ومذهب ابن إدريس أيضا ، وهو الظاهر من الآية فلو لم يكن دليل يصلح لخلافه لا يخرج عنه ، ولا يقال بالتخيير أيضا كما هو مذهب البعض والدّليل حسنة حريز (٢) ولا ينبغي الخروج عنه بمجرّدها وأيضا ظاهرها إجزاء ما صدق عليه الهدي فاشتراط كونها ثنيّا من البقر ، وهو ما دخل في الثانية ومن الإبل ما دخل في السادسة ومن الضأن ما كمل له سبعة أشهر ، وقيل ستّة وكذا اشتراط كونه تامّا فلا يجزي الأعور ولا المريض والأعرج البيّن عرجه ولا الأجرب ، ولا مكسور القرن الداخل ، ولا مقطوع الاذن ولو قليلا ، ولا الخصيّ ولا المجبوب وكذا اشتراط كونه سمينا بمعنى وجود الشحم على كليتيه (٣) ولو كان بالظنّ مع ظهور خلافه فلا يضرّ الخطاء المعلوم بعد الذبح بالأخبار ولعلّ الإجماع في البعض أيضا فتأمل ، لأنّ ظاهر الآية خلاف ذلك كلّه ، فما لم يوجد ما يصلح للإخراج والتخصيص على ما علمت لا يفعل (٤) فإنّه لا يجوز الخروج عن الآية ، وتخصيصها إلّا بماله صلاحية لذلك ، وكذا إجزاء هدي واحد عن أكثر من واحد مثل سبعة أو سبعين سواء كانوا من أهل بيت واحد أولا ، في حال الاختيار أو الاضطرار ، كما اختاره البعض ، خلاف ظاهر الآية ، فإن وجد ما يصلح لإخراجه عن الآية يرتكب وإلّا فلا.

ولا يبعد جواز الاستنابة في الذّبح للأصل ولأنّ الظاهر أنّ المقصود هو

__________________

(١) يعنى ابن أبى عقيل.

(٢) راجع الكافي ج ٤ ص ٥٠٨.

(٣) الفقيه ج ٢ ص ٢٩٢ ـ ٢٩٧ ، الكافي ج ٤ ص ٤٨٩ ـ ٤٩٢.

(٤) لا تفعل خ.

٢٥٨

الذبح من أيّ فاعل كان ، وللإيماء في بعض الأخبار مثل إجزاء ذبح الضالّة عن صاحبه مع قصده ، ووجوب النيّة لأنّه نسك وعبادة ، كما ذكره الأصحاب ولكن حينئذ ينبغي وجود الدليل على الاستنابة إذ لا نيابة في العبادة إلّا أنّه لا صراحة في الآية على فعل الذبح بنفسه ، بل على الذبح أيضا ، فلا يبعد الاستنابة سيّما مع تصريح الأصحاب ووجود الدّليل في الجملة ، وكذا تعيين زمانه ومكانه ، ومراعاة شروط الذّبيحة والنحيرة.

وأمّا زمان الانتقال إلى الصوم ، فهو زمان فوت محلّ الذبح على ما يخطر بالبال قبل التأمّل ، ولكن جوّزوا في سابع ذي الحجّة وثامنه وتاسعه ، وذلك أيضا غير بعيد من الفهم ، بشرط اعتقاد عدم الوجدان في محلّه ، والظاهر عدم خلاف فيه ، ودلّت عليه الأخبار أيضا وأمّا قبله فبعيد ، والمجوّز قليل ، والبناء على وجوب الهدي بإحرام العمرة غير ظاهر على ما نقله في الدّروس وهو ينافي ما نقله أيضا فيه عن الخلاف أنّه لا يجب الهدي قبل إحرام الحجّ بلا خلاف ، ويجوز الصوم قبل إحرام الحجّ وهو بعيد إذ الظاهر وجوبه على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ وهو صادق بالشروع إلّا أنّه ينتظر زمانه.

وأيضا الظاهر أنّ وجوب الصوم إنّما يتحقّق بعد تحقّق العجز عن الهدي فكيف يجوز الصوم قبل وجود موجبه ، فالظاهر عدم الصوم حتّى يأتي زمان الهدي أو قريب منه كما فهم من كلامهم من جوازه يوم السابع بشرط اعتقاد العدم في المحل وأيضا قول الأصحاب بسقوط الصوم وتعيين الهدي بفوات ذي الحجّة ولمّا يصم بعيد ، إذ هو خلاف ظاهر الآية على ما يفهم ، إذ المفهوم صوم الثلاثة في الحجّ يعني في مكّة ، وكأنّهم حملوا على أيّام الحجّ وهو طول ذي الحجّة ، وذلك غير بعيد وفي الأخبار ما يدلّ عليه ، وسقوطه غير بعيد ، ولكنّ الانتقال إلى الهدي يحتاج إلى دليل فلعلّه إجماع أو أخبار ما نعلمها.

وأمّا السبعة فلا بدّ أن يكون بعد الرجوع إلّا أنّهم قالوا إن أقام في مكّة فلينتظر إمّا وصول أصحابه أو مضيّ الشهر ، ثمّ يصوم للأخبار ، ولا بدّ من كونها

٢٥٩

واقعة في الحضر ، على ما هو شأن الصوم ، سيّما الواجب ، ولو وجد الهدي بعد الصوم فالظاهر الإجزاء للآية والخبر ، وخلافه يحمل على الندب.

قوله (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) قيل معنى كما لها أنّ الصوم قام في البدليّة بحيث لا ينقص ثوابه عن ثواب مبدله وهو الهدي ، وهو مرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام في التهذيب (١) وقيل ذكر العشرة للتأكيد كما يحفظ الحسّاب ، وقيل : لدفع توهّم كون الواو بمعنى «أو» في قوله (وَسَبْعَةٍ) كما جاء في غير هذا المحلّ فتأمّل ، وقيل : ليحصل علمان إجماليّ وتفصيليّ وذلك إشارة إلى التمتّع عندنا وعند أبي حنيفة وأصحابه لأنّ الكلام في التمتّع ، وهو المبحوث عنه لا الهدي أو الصوم إذا عجز عنه ، كما هو رأي الشافعيّ ، فكان عنده يجوز التمتّع لأهل مكّة أيضا ولكن لا يلزمهم الهدي ويكون التمتّع بلا هدي وإلّا يلزم عدم الفرق بين إرجاعه إلى التمتّع أو الهدي أو الصوم ، وهو مناف لظاهر أوّل الآية (فَمَا اسْتَيْسَرَ) وتخصيصه بغير أهل مكّة بعيد من سوق كلام الله تعالى.

ثمّ إنّه في تفسير القاضي والكشّاف إرجاع ذلك إلى التّمتّع عند أبي حنيفة لأنّه لا متعة ولا قران عنده لأهل مكّة وهو غير واضح إذ ظاهر الآية عدم التمتّع فقط لا القران ، وأيضا التعليل غير مناسب إذ المناسب إخراج الحكم عن الآية لا العكس ، وأيضا فهما وجوب هدي على من تمتّع أو قرن من أهل مكّة للجناية عند أبي حنيفة ، وما جوّز الأكل منها بخلاف المتمتّع من الآفاق وذلك كلّه خلاف ظاهر الآية ، وغير واضح الدليل والصحّة ، والأصل عدم وجوب جبر إلى أن يثبت بدليل فتأمّل.

فالتمتّع فرض من نأى عن المسجد الحرام ، أي غير حاضريه وهو من بعد عن مكّة مقدار ثمانية وأربعين ميلا عند أكثر الأصحاب وعند الشافعي أيضا ودليلهم أخبار منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام قول الله

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٤٥٧ ، الكافي ج ٤ ص ٥١٠ ولفظه : قال كمالها كمال الأضحية وترى مثله مرسلا في الفقيه ج ٢ ص ٣٠٢ ولفظه «تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ لجزاء الهدى».

٢٦٠