زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

بإعراب مبدلها وهي في المفرد بل الاسم كما هو مذكور في كتب العربيّة المشهورة.

والظاهر أنّ حكم التوابع غير مخصوص بالاسم وإن خصّه في الكافية به لأنّه يجري في الفعل أيضا وهو كثير في القرآن وغيره في العطف ، نعم لا يكون ذلك في الجمل إلّا مع وقوعها في محلّ الاعراب وهو ظاهر فيحتمل أن يكون الجزم آخرا لحكم الوقف في الوصل أيضا قاله في الكشاف والقاضي أيضا أو لمناسبة (وَلا تَمْنُنْ) وهو بعيد.

(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) أي لوجه الله والتقرّب به ، وامتثال إرادته لا غير ، اصبر على جميع المشاقّ من التكاليف بفعل الطاعات وترك المعاصي خصوصا على ما يحصل لك من الأذى في التبليغ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحيث لا يظهر منك شكاية ، وشيء يوجب الحرمان من الثواب ، فإنّ أجر الصبر كثير (إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (١) فيدلّ على وجوب الصبر على المحن على أمّته كذلك ، فيمكن عدم سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لحصول أذى قليل فتأمّل.

ثمّ ذكر الله في آخر هذه السورة ما يدلّ على وجوب الصلاة ، ووجوب إطعام المسكين ، وتحريم الخوض في الباطل على الكفّار أيضا وأنّ خلافها موجب لدخول النار بقوله تعالى (فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ) (٢) أي يسأل أهل الجنّة الّذين هم أصحاب اليمين الّذين تعطى كتبهم بأيمانهم يوم القيمة ، روى في مجمع البيان أنه قال الباقر عليه‌السلام : نحن وشيعتنا أصحاب اليمين (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) عن ذنوبهم الّتي استحقّوا بها السلوك والوقوع في النار بقولهم لهم (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) تركناها (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) تركنا إطعامهم (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) قالوا المراد ترك الصلاة الواجبة وترك الزكاة والخوض والشروع في الباطل ، مع من يفعل ذلك ، ويحتمل التعميم إلّا أنّ العقاب إنّما يترتّب على ترك الواجب وفعل المحرّم ، ويمكن في الإطعام كونه شاملا للكفّارات والإطعام حال الضرورة.

__________________

(١) الزمر : ١.

(٢) المدثر : ٤٠ ـ ٤٥.

٤٢١

وبالجملة ينبغي العمل بالعمومات غير ما استثني بدليل ويؤيّده التأكيد في حال الإطعام في قوله تعالى (وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) (١) فانّ ترك الترغيب والتحريص والحضّ على إطعامهم جعل قرين عدم الايمان بالله ، والموجب لدخول الجحيم ، والكون في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، وعدم صديق وحميم له ، وعدم طعام إلّا من غسلين ، الّذي لا يأكله إلّا الخاطئون المذنبون ، فكيف تارك فعله فلا ينبغي ترك إطعام مسكين إن قدر خصوصا إذا سأل والله الموفّق.

ومن أعظم المرغّبات في الإطعام ما فعله أمير المؤمنين عليه‌السلام ونزل بذلك سورة هل أنى قال في الكشّاف وروي عن ابن عبّاس أنّ الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ناس معه فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك ، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة جارية لهما إن برءا ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض عليّ عليه‌السلام من شمعون اليهوديّ الخيبريّ ثلاثة أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا وأخبزت خمسة أقراص على عددهم ، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمّد ، مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صياما ، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلمّا أصبحوا أخذ عليّ بيد الحسن والحسين رضي‌الله‌عنهما فأقبلوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع قال ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ، وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها ، وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل عليه‌السلام وقال : خذها يا محمّد هنّاك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.

وهذه صريحة مع الشهرة العظيمة بين الخاصّة والعامّة في كونها مدنيّة ، ومع ذلك كتب مكّية في بعض المواضع ، حتّى عنوان السورة في الكشّاف والقاضي ونقل الشيخ أبو على الطبرسيّ قدّس الله روحه الشريفة الروايات عن ابن عبّاس

__________________

(١) الحاقة : ٣٤ ،

٤٢٢

بإسناده في الطريقين وعن الحسن تفصيل كون السور بالترتيب مكيّة ومدنيّة وذكر هل أتى في المدنيّة ، ونقل عن ابن عبّاس عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال أخبرني رسول الله ثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء وذكر أيضا تفصيل السور بترتيب النزول في مكّة والمدينة وذكر السورة في المدنيّة وتفصيل عددها وآيها وحروفها ، وقال : جميع سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة ، وجميع آيات القرآن ستّة آلاف آية ومائتا آية وستّ وثلاثون آية ، وجميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف وأحد وعشرون ألف حرف ومائتان وخمسون حرفا الحديث. فيجب أن يغيّر مكّية بمدنيّة ، وترك العناد والعصبيّة والبغض لأهل بيت النبوّة عليهم من الله أفضل الصلاة والتحيّة ، وعلى من يبغضهم ألف ألف لعنة.

ثمّ اعلم أنّ فيها دلالة على كون النذر موجبا لرفع المحن خصوصا المرض فيستحبّ النذر لدفع البليّة والمشقّة خصوصا المرض ، ويجب الوفاء ، بها وبغيرها من الآيات والأخبار والإجماع ، وأنّها صريحة في كونهم أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وأنّ لهم عند الله شأنا عظيما ومقاما كريما وأنّ مجرّد حصول أذى لهم ولو بجوع في سبيل الله يسوء رسول الله أشدّ سوء ويؤذيه وذلك يدلّ على حصول كمال الأذى له بأذاهم بأخذ حقوقهم ، ومنعهم عنها ، وتكذيبهم وخذلانهم ، فكيف ببغضهم وقتلهم ، فلا شكّ أنّ ذلك موجب لغضب الله والكفر به ، كما ذكره صاحب الكشّاف في تفسير (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١).

ثمّ أعلم أنّها أيضا تدلّ على حسن الإطعام واستحبابه والإيثار ، ولو كان ما يطعم به قرضا ، وإن بقي بلا طعام مع أهله وأولاده ومملوكه مع كونهم صائمين بل مع عدم احتياج المطعم إلى أكل جميع ما اطعم به مثل احتياجهم ، إذ قد يندفع جوعه ويحصل حاجته ببعض الأقراص فلا سرف ولا تبذير في القربات كما هو مشهور ويدلّ عليه الآيات والأخبار مثل صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

٤٢٣

في وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أمير المؤمنين عليه‌السلام يا عليّ أوصيك بوصيّة فاحفظها ، وقال اللهمّ أعنه ، ومنها وأمّا الصدقة فجهدك حتّى تقول قد أسرفت ولم تسرف ، فلعلّ قوله تعالى (وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) محمول على ما ذكرناه فتأمّل.

والظّاهر أنّه غير مختصّ بهم عليهم‌السلام ، بل كلّ من فعل ذلك لله فقط لا غير له مثل ذلك الأجر للتأسّي ، قال في مجمع البيان : وهي جارية في كلّ مؤمن فعل ذلك لله عزوجل ، فما قال في التذكرة من أنّ التّاجر لو صرف جميع ماله في القربات فهو تبذير بالنسبة إليه للآية محلّ التأمّل ، وهو أعرف قدس‌سره وأيضا يدلّ على حسن الصبر بل على وجوب الإيفاء بالنذر ، حيث يفهم من سوق الآية أنّ تركه موجب للعقاب.

(إِنَّ الْأَبْرارَ) جمع برّ أو بارّ ، قيل هم الّذين لا يؤذون الذّرّ ، وقد ظهر ممّا سبق أنّهم أهل البيت عليهم‌السلام (يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ) الزجاجة إذا كانت فيها خمر وتسمّى الخمر أيضا به (كانَ مِزاجُها كافُوراً) يمزج به ماء كافور ، وهو اسم عين في الجنّة ماؤها مثل الكافور في البياض والريح والبرد (عَيْناً) بدل من «كافورا» (يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً) يجرونها حيث شاؤا من منازلهم [وقد ظهر أنّهم أهل البيت عليهم‌السلام](يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) قال في الكشاف والقاضي : جواب من عسى يقول : ما لهم يرزقون ذلك؟ والوفاء بالنذر مبالغة في وصفهم بالتوفّر على أداء الواجبات ، لأنّ من وفى بما أوجبه هو على نفسه لوجه الله كان بما أوجبه الله عليه أوفى (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) منتشرا (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ) قال فيهما : الضمير للطعام أي مع اشتهائه والحاجة إليه ونحوه «وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ» «لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ» (١) ويحتمل الإطعام والله : أي على حبّ الله أي خالصا ، ويدلّ على المبالغة (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) قال في الكشاف : على إرادة القول أي حال كونهم قائلين ، ويجوز

__________________

(١) البقرة : ١٧٢ ، آل عمران : ٨٧.

٤٢٤

أن يكون قولا باللّسان منعا لهم على المجازات بمثله أو بالشكر ، وقال القاضي : على إرادة القول بلسان الحال والمقال ، إزاحة لتوهّم المنّ وتوقّع المكافاة المنقّصة للأجر.

قيل : لمّا علم الله كونه خالصا لوجهه لا يشوبه شيء من الأغراض ، وما ينقّص الثواب ، قال (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ) بيانا لحالهم ، وهو المراد بإرادة القول ولسان الحال للإشارة إلى أنّه هكذا ينبغي أن يفعل الطّاعات بأن لا يفعل إلّا لله ، كما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام «ما عبدتك طمعا للجنّة ولا خوفا من النار ، بل وجدتك أهلا لها فعبدتك.»

(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا) أي نخاف بقصد غير ربّنا من العذاب (يَوْماً عَبُوساً) أي يعبس فيه وجوه من يريد بطاعة الله غير الله ، وغيرهم من الظالمين ، ويحتمل أنّ سبب الإطعام هو الخوف ورجاء الخلاص منه (فَوَقاهُمُ اللهُ) فحفظهم الله بسبب خوفهم عن ذلك اليوم ويحفظهم عنه بالطاعات وترك المعاصي عن (شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ) والعقاب فيه (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) أعط هم بدل عبوس الفجّار وحزنهم نضرة أي بشاشة وبياضا وحمرة في الوجوه ، وسرورا في القلوب (وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) قال في الكشاف : جزاهم بصبرهم على الإيثار وما يؤدّى إليه من الجوع والعرى (جَنَّةً) بستانا فيه مآكل هنيّ (وَحَرِيراً) فيه ملبس بهيّ ، وقال القاضي : بصبرهم على أداء الواجبات واجتناب المحرّمات ، وإيثار الأموال (جَنَّةً) بستانا يأكلون منه (وَحَرِيراً) يلبسونه ، ثمّ نقل إيثارهم عليهم‌السلام باختصار ما في الكشّاف [في الجملة] وباقي الآيات إلى قوله (شُكُوراً) وصف لجزاء عملهم عليهم‌السلام ، والظاهر أنّ ذلك مخصوص بهم عليهم‌السلام ، وما وقع إلى الآن من غيرهم ، بل لم يقع إلّا عن مثلهم كما في التصدّق بالخاتم في الصلاة والتصدّق للنجوى وغيرها ، فانّ ذلك لا يستحقّه إلّا هم.

ثمّ أشار في آخر السورة إلى وجوب الصبر للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أذى المشركين له

٤٢٥

أو لمطلق النّاس في ترك المعاصي وفعل الطاعات وفي البليّات بقوله (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) ونهى عن متابعة الكفّار والفجّار بقوله (وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) ثمّ أمر بذكر اسم الله تعالى بقوله (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً) أي أوّل النّهار (وَأَصِيلاً) أي العشيّ ويحتمل وقت العصر ، فيحتمل كونها إشارة إلى صلاة الصبح والعصر قاله في الكشاف أو العشاء مع المغرب أو مطلق الذكر كما هو الظاهر في هذين الوقتين لشرفهما ثمّ إلى السجود في مطلق اللّيل بقوله (وَمِنَ اللَّيْلِ) أي في بعضه (فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) لعلّ المراد بالطويل في الجملة ، أي ليس زمان قليل إشارة إلى أنّه لا ينبغي صرف هذا كلّه في النوم والفراغ ، ويحتمل أن يكون مطلق السجود والتسبيح في اللّيل ، لأنّه محلّ راحة النفس ، وجمع الخاطر والتسبيح فيه والسجود آكد ، وإلى القبول أقرب ، وأن يكون المراد صلاة المغرب والعشاء قاله في الكشّاف ، والصلاة النافلة في اللّيل ، قال في مجمع البيان : يريد التطوّع بعد المكتوبة ، وروي عن الرضا عليه‌السلام أنّه سأله أحمد بن محمّد عن هذه الآية وقال : ما ذلك التسبيح؟ قال : صلاة اللّيل (١) فتدلّ على ترغيب الصلاة في اللّيل وشرعيّتها مطلقا من غير اختصاص بوقت وصلاة خاصّة ، ويحتمل التهجّد المخصوص قاله في الكشّاف فتأمّل.

__________________

(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤١٣.

٤٢٦

(كتاب البيع)

وفيه آيات :

الاولى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (١).

أي لا يتصرّف بعضكم في أموال البعض بغير وجه شرعيّ مثل الربا والغصب والقمار ، ولكن تصرّفوا فيها بطريق شرعيّ ، وهو التجارة عن تراض من الطرفين ونحو ذلك ، أي التصرّف بالباطل منهيّ عنه ، ولكن التصرّف بالتجارة عن تراض غير منهيّ عنه ، فالاستثناء منقطع لعدم الدخول ، وأيضا لو كان الاستثناء متّصلا لزم التأويل لعدم حصر التصرّف المباح في التجارة عن تراض ، وهي إمّا منصوبة على أنّه خبر تكون واسمه ضمير التجارة أو الأكل والتصرّف وشبهه ، وإمّا مرفوعة على أنّ تكون تامّة والظاهر أنّ المراد بالتجارة هي المعاملة على وجه التعويض مطلقا أو البيع والشراء من غير قصد الربا وبالتراضي الّذي هو صفة التجارة صدور التجارة والمعاملة عند العقد عن تراض وإذن ورضا من صاحبي المال لا إكراها ومن غير رضاهما ، قال في الكشّاف : والتراضي رضا المتعاقدين بما تعاقدا عليه في حال البيع وقت الإيجاب والقبول ، وهو مذهب أبي حنيفة ، لعلّ مراده صاحبا المال أو وكيلاهما ، وقال في مجمع البيان : ثمّ وصف التجارة وقال (عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) أي يرضى كلّ واحد منكما بذلك إلخ ، فالآية تدلّ على عدم جواز التصرّف في مال الغير بغير إذن صاحبه ما لم يرد من الشرع أذن ، ففي الآية إجمال ، وعلى تقدير إرادة القمار والربا والنجش والظلم من الباطل فالآية واضحة وأيضا تدلّ على إباحة التجارة وأكل المال الحاصل بها ، وأنّه لا بدّ في التجارة من إذن صاحب المال حين العقد

__________________

(١) النساء : ٣٤.

٤٢٧

فالبيع الفضوليّ لا يكفي على تقدير كون الاذن سببا لا كاشفا بل كاشفا أيضا وهو ظاهر على أنّه لا معنى للكشف وهو ظاهر ، وقد بيّنته في تعليقات القواعد والإرشاد ، وأيضا تدلّ على حصول الملك وجواز التصرف بمحض العقد قبل التفرّق ومضيّ زمان الخيار ، إذ الظاهر من التراضي ما ذكرناه ، وقال في مجمع البيان : قيل : للتراضي معنيان أحدهما أنّه إمضاء البيع بالتفرّق أو التخاير إلى قوله ومذهب الشافعيّة والإماميّة بعد العقد ، والثاني أنّه البيع بالعقد فقطّ ، والعبارة لا تخلو عن مسامحة ، ولعلّ مراده بالأوّل بقاء الرضا إلى أن يلزم البيع مع خيار المجلس بالفرقة ، ومع غيره باختيار العقد والتزامه ، وبالثاني العقد بالرضا حال العقد فقطّ كما قلناه ونقلناه عن الكشّاف ومجمع البيان أيضا وهو الظاهر المتبادر من الآية ولا ينافيه عدم اللّزوم بدليل في زمان الخيار ، فلا يقتضي مذهب الشافعيّة والإماميّة المعنى الأوّل.

(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) يدلّ على تحريم قتل الإنسان نفسه ، وقيل المراد إيقاعها في التهلكة أو في العذاب بأكل مال الناس ظلما ، أو قتل البعض بعضا ، ويحتمل إرادة الجرح والضرب ، فانّ القتل بمعنى الجرح والضرب غير بعيد ، وقالوا بتحريم جرح الإنسان نفسه (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ) أي قتل النفس أو ما سبق من المحرّمات (عُدْواناً وَظُلْماً) أي إفراطا في التجاوز عن الحقّ وإتيانا بما لا يستحقّ ، وقيل أراد بالعدوان التعدّي على الغير ، وبالظلم على نفسه. (فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) فتدلّ على كون القتل كبيرة ، ولو كان راجعا إلى أكل المال بالباطل أيضا يكون هو أيضا كذلك.

الثانية: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي

٤٢٨

الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (١).

«الّذين» مع صلته مبتدأ خبره «لا يقومون» ، و «إلّا» للاستثناء ، وما بعده مستثنى ، والمستثنى منه محذوف والتقدير لا يقومون قياما إلّا قياما كائنا نحو قيام المصروع ، فالجارّ والمجرور متعلّق بمقدّر صفة للمستثنى المحذوف ، وأقيم مقامه و «ما» مصدريّة و «من المسّ» متعلّق إمّا بلا يقومون ، أو يقوم أو يتخبّطه ، و «ذلك» مبتدأ و «بأنّهم قالوا» خبره و (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) جملة من مبتدأ وخبر مقول قالوا (وَأَحَلَّ) إلخ جملة مستأنفة لإنكار قولهم ، وفاء «فمن» للتعقيب و «من» مع صلته مبتدأ وهي «جاء» مع مفعوله وفاعله ، وهو «موعظة» وتذكيره للفصل وكون تأنيثها غير حقيقيّ وكونها بمعنى الوعظ ، ولهذا قال في موضع آخر : «جاءته موعظة» و «من ربّه» متعلّق بمقدّر صفة الموعظة أي كائنة من ربّه و «فانتهى» عطف على جاءه «فله» خبر «ما سلف» والجملة خبر «من» ولتضمّنها معنى الشرط صحّ دخول الفاء في خبره و «أمره إلى الله» عطف على «له ما سلف» و «هم فيها خالدون» جملة حاليّة ، و «فيها» يتعلّق بخالدون.

ومعناها : الّذين يأخذون الربا ويتصرّفون فيه ـ فعبّر بالأكل مجازا لأنّه الغرض غالبا من الأخذ ، كما يقال في العرف للظلمة كالسلطان الجائر وآخذ العشور والقضاة بالباطل آكلوا الحرام أو اكتفى به لأنّه العمدة ويمكن لكون عقابه أكثر ويكون تحريم غيره بالعلّة المشار إليها ، وبالإجماع وبالأخبار وبقوله «وحرّم الله الرّبا».

لا يقومون إذا بعثوا من القبور يوم القيامة إلّا قياما مثل قيام الشخص الّذي يتخبّطه الشيطان أي جعله مصروعا من الجنون ، وهذا بناء على زعم العرب أنّ الشيطان يخبّط الإنسان فيصرع ، والخبط ذهاب في الأرض على غير اتّساق مثل العشوى لا تبصر ليلا ، والمسّ : الجنون وهذا أيضا بناء على زعمهم أنّ الجنّ

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٤٢٩

إذا مسّ الإنسان يختلط عقله فيصرع ، والحاصل أنّهم لا يقومون من قبورهم إلى المحشر بسبب الربا ووزره وثقله عليهم قياما مثل قيام صحيح العقل ، بل مثل قيام المجانين فيسقطون تارة ويمشون على غير الاستقامة أخرى ولا يقدرون على القيام اخرى ، فكان ما أكلوا من الربا أربى في بطونهم ، وصار شيئا ثقيلا على ظهورهم فلا يقدرون على ما كانوا قادرين عليه من القيام والمشي على الاستقامة.

وقيل : يكون ذلك علامة لهم يوم القيامة يعرفون بها ، كما أنّ لبعض المعاصي علامة يعرف صاحبه بها ، وكذا الطّاعات ، وذلك بسبب أنّهم جعلوا الرّبا حلالا مثل البيع ، وقالوا إنّه مثل الربا ، يعني كما أنّ في البيع الّذي لا ربا فيه يحصل الربح وهو حلال وليس له سبب للتحليل إلّا ذلك ، كذلك في البيع الّذي فيه الربا يحصل ذلك أيضا ، قيل كان ينبغي العكس ولكنّهم اختاروا هذا للمبالغة ، فكأنّهم جعلوا الربا أصلا في الحلّ وقاسوا عليه البيع ، وردّ الله قياسهم وأنكره بقوله (وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) أي وإن كانا متماثلين ، ولكن أحدهما حلال والآخر حرام ، لحكمة يعلمها الله ، لجواز اختلاف الحكم مع التساوي في بعض الأمور ، إذا لم يثبت كونه علّة له ، ففيها دلالة على عدم صحّة مطلق القياس ، وأنّ القائل به مذموم عند الله حيث ذمّهم.

فمن بلغه وعظ من الله بأمر أو نهي وقبض وتصرّف فاتّعظ وقبل النهي أو ارتكب المأمور به (فَلَهُ ما سَلَفَ) أي فملك ما أخذه سالفا وقبض وتصرّف ، وجاز له التصرف فيما فعل من المنهيّ الآن ، وكذا فيما يترتّب على ترك ما هو المأمور به الآن ، ولا مؤاخذة على ما سبق الأمر والنّهي (وَأَمْرُهُ) بعدهما (إِلَى اللهِ) فيجازيه بعمله ، فان اتّعظ لله ، وقبل الأمر والنهي ، لأنّهما من الله فيثيبه ، وإلّا فيعاقبه بقدر العمل ، أو أنّ الله يحكم في شأنه وليس عليكم الاعتراض ، وقيل : معناه بعد الموعظة والتحريم فأمره إلى الله تعالى فان شاء عصمه عن أكله ، وإن شاء خذله ، وقيل أمره في حكم الآخرة ، إن لم يتب إلى الله فان شاء عذّب وإن شاء غفر له.

٤٣٠

والحاصل : ليس جواز ما سبق له مشروطا بالانتهاء ولا برجوع أمره إلى الله بل عدم العقاب فيما يأتي مشروط به ، فكأنّه قال : الّذي اتّعظ فما عليه فيما سبق شيء ، وأمره فيما سيأتي إلى الله ، فان اتّعظ فما عليه شيء ، وإلّا فعليه وزر الترك ولعلّه لدفع توهّم من يتوهّم أنّه إذا حرّم الربا لا يكون للعامل أخذه ، سيّما إذا كان العين باقية بل يردّه إلى أهله ، وتوهّم أنّ المتّعظ ليس أمره بعد الاتّعاظ إليه ، أو يكون المراد : فله ما سلف من غير عقاب ، فيكون للتقييد ، إذ لو لم ينته ليس له ما سلف سالما ، بل هو مع العقاب ، فكأنّه ليس له ذلك لأنّه لا خير مع كون الإنسان معاقبا ، وبالجملة إن ثبت عدم هذا المفهوم بالإجماع ونحوه ، فليس بمعتبر لأنّه إنّما يعتبر مع عدم ما هو أقوى منه ، وإلّا فنقول به.

(وَمَنْ عادَ) أي إلى أكل الربا إذ الكلام فيه ، والظاهر أنّه ليس في مقابل قوله (فَانْتَهى) إذ حاصله حينئذ أنّ الّذي جاءه النهي فانتهى أي قبل النهي واعتقد تحريمه ، فله كذا وإن لم يقبل فكذا ، ولا يناسب لفظ العود حينئذ بل هو جملة عطفت على جملة فمن جاءه إلخ ، فكأنّه قال : الّذين يأكلون الربا ويقولون إنّه حلال ثمّ يعودون إلخ ويمكن أن يكون المراد بالعود الرجوع إلى أكل الربا ، وعدم قبول تحريمه ، وحينئذ لا مسامحة في الحصر الإضافيّ وخلودهم ، لأنّ الّذي يعتقد تحليل ما حرّم الله بعد علمه بأنّه [حرام] من الله كافر ومخلّد ، فلا دلالة فيه على أنّ الفسّاق مخلّدون كما ذهب إليه المعتزلة ، وقال صاحب الكشّاف : هذا دليل بيّن عليه ، نعم إن كان المراد العود إلى فعل الربا بعد الترك ، فحينئذ تكون ظاهرة فيما قاله الكشّاف في الجملة ، ويمكن التأويل بالحمل على المبالغة والمكث الطويل كما قالوا في (مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) وغيره ، لما ثبت من عدم خلود المؤمن في النار بالعقل والنقل.

ثمّ أعلم أنّها تدلّ على تحريم فعل الربا ، وتحريم أكل ما أخذ به بل مطلق التصرّف فيه ، وكون العود إلى الربا كبيرة أو إلى أكل الربا مع قوله بالتحليل ، كما كان قبل ، فإنّه كان يقول (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) وعلى تحليل

٤٣١

جميع البيوع إذ المتبادر منه العموم عرفا كما قالوا. والبيع ظاهر معروف في الكتب الفقهيّة وغيرها وأمّا الربا فنقل أنّه في اللّغة بمعنى الزيادة ، ومعلوم أنّه ليس بمراد هنا ، فقيل المراد به الزيادة في البيع ، بل البيع المشتمل عليها ، ولهذا قيل في التفاسير أنّ معنى قوله (إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا) أنّ البيع الحالي من الربا مثل المشتمل عليه ، فعلى هذا يكون تحريم الربا مخصوصا بالبيع ، ولا يكون في سائر المعاملات ، مثل الصلح على تقدير كونه عقدا برأسه كما هو مذهب بعض الأصحاب ويدلّ عليه أيضا الأصل وعموم الإيفاء بالعقود ، مع عدم ثبوت دليل عليه في سائر المعاملات ووجود الإجماع في البيع دون غيره.

وقيل هي الزيادة في مطلق المعاملات ، وهو مذهب الأكثر ، فالظاهر عدم جواز الزيادة حينئذ في الهبة المعوّضة أيضا فتأمّل ، ودليله أنّه الزيادة مطلقا ، وخرج منها ما يجوز إجماعا وبقي غيره تحتها ، والظاهر أنّه لا شكّ أنّه ليس في الآية بالمعنى اللّغويّ ، والشرعيّ غير ثابت ، ولكنّ الاحتياط واحتمال الآية كون المراد به الزيادة في المعاملة مطلقا بل المعاملة المشتملة عليها ، يقتضي مذهب الأكثر ، وتخصيصها بالبيع خلاف مذهب الأكثر وأيضا علّة التحريم المومى إليها في الأخبار وهي عدم تفويت اصطناع المعروف بالقرض الحسن ورفد المؤمنين يشمل جميع المعاملات فلا يؤخذ الربا لتحريمه في كلّها ، بخلاف ما إذا خصّص بالبيع ، ويؤخذ بوجه آخر ، مثل الصلح ، وإن كان باب الحيلة على ذلك التقدير أيضا مفتوحا ، على ما ذكروه ، ولكنّه حيلة لا تخلو عن شبهة.

ثمّ عمّموا الزيادة من العينيّ والحكميّ مثل الزيادة في الأجل وعمل صنعة وغيرها ، وأيضا حصروه في أشياء مخصوصة بإجماع ونحوه حتّى قالوا : إنّ الّذي يجري فيه الربا إجماعا هو ستّة أشياء : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والملح ، والذهب ، والفضّة ، والأصحاب قالوا يشترط أن يكونا متجانسين ممّا يكال أو يوزن وفي المعدود خلاف ، وكذا في غير المكيل والموزون إذا بيع نسيئة خلاف ، وكذا في غير المتجانسين نسيئة.

٤٣٢

وبالجملة المسئلة وتحقيقها وشرائطها وتفصيلها يحتاج إلى تطويل كثير وهو يخلّ بمقصودنا هنا ، مع وجودها في غير هذا المحلّ إلّا أنه ينبغي أن يعلم أنّ ظاهر الآية خالية من الشرائط فبعد ثبوت معنى الربا فكلّ دليل يصلح لتقييدها يقيّد به ، ومالا فلا ، على ما مرّ مرارا ، وتحريم القياس وأنّه ليس بحجّة شرعيّة إذ لو كان كذلك لمّا ساغ الذمّ عليه ، وإن أخطأ المستعمل كما هو الثابت في الأصول ، إلّا أن تحمل الآية على أنّهم قالوا ذلك مع ثبوت تحريمه ، وهو خلاف الظاهر ، وخلاف ما قيل في سبب النزول ، وهو أنّهم كانوا يفعلون الربا ولا يمتنعون منه ، ويقولون بالقياس المذكور ، فنزلت وخطّاهم الله تعالى في ذلك وقال (أَحَلَّ اللهُ) كما في التفاسير ، وخلاف الظاهر من قوله (فَمَنْ جاءَهُ) إلخ فحينئذ يبطل قول الكشّاف والقاضي أنّ قوله (وَأَحَلَّ اللهُ) ردّ لقولهم ، وإنكار لقياسهم وأنّ قياسهم باطل لمعارضة النصّ وأنّ القياس يهدمه النصّ لأنّ الله جعل الدليل على بطلان قياسهم إحلال الله وتحريمه ، إلّا أن يقال : يريدان ما قلناه ، وهو بعيد لما مرّ.

وتدلّ على تحليل الربا في بعض الأوقات في الجملة ، وأنّه كان يملك ذلك بعد الأخذ والقبض ، بل الظاهر بعد العقد إلّا أنه سيجيء في الثالثة ما يدلّ على نفيه حينئذ ويفهم منها وممّا سبق أيضا أنّ الربا لا يملك مع كون فعله حراما ، وأمّا كون البيع المشتمل عليه باطلا كما يقوله الأصحاب والشافعيّة وغيرهم ـ إلّا ما نقل عن أبي حنيفة من صحّة البيع في أصله ، وبطلانه في الزيادة ، ووجوب ردّها إلى صاحبها ـ فلعلّ دليل الأصحاب إجماعهم وأخبارهم ، وأنّ الّذي وقع عليه التراضي ما انعقد ، إجماعا منّا ومن أبي حنيفة ، وما وقع التراضي على غيره وهو شرط في التجارة ، وأيضا إنّ الّذي علم جوازه وكونه مملّكا وصحيحا هو البيع الخالي من الربا ، وغيره غير ظاهر ، والأصل عدم حصول الملك إلّا بدليل ، إذ الظاهر أنّه ما أراد الله من الأمر بالعقود والإيفاء بها إلّا ما أجازها ورضي بها منها لا غير ، ومنه علم ما تخيّله دليلا.

٤٣٣

فاعلم أنّ في الآية الّتي بعدها تأكيدا لأمر تحريم الربا بأنّه يمحقه الله أي ينقصه ويذهب بركته في العاجل ، ويعاقب عليه في الآجل ، وأنّه يكثر الصدقة ويعطيها البركة وينميها ويزيدها ، بأن يثمر المال في العاجل ، روي أنّه ما نقصت الزكاة عن مال قطّ أي ما نقص شيء من مال أخرجت عنه قطّ إلّا أعطاه الله البركة فيه ويثيب فاعلها في الآجل حتّى أنّه عبّر عن فاعل الربا بالكفّار الأثيم أي المصرّ على تحريم ما حرّمه الله والمنهمك في ارتكابه ، وفي الّتي بعدها دلالة على كون الصلاة والزكاة وسائر الأعمال الصالحة موجبة للأجر العظيم وعدم الخوف والحزن على فاعلهما.

وبالجملة تحريم الربا معلوم من الدين ضرورة ، وقد يعلم من بعض الآيات الآخر.

الثالثة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ) (١).

أي اتركوا البقايا الّتي شرطتم على الناس وهي الربا ـ فمن بيانيّة أو متعلّق ببقي ، فتكون ابتدائيّة أو تبعيضيّة ، والأوّل أولى ـ إن صدّقتم تحريمه فإنّ العلم يمنع من العمل المحرّم إذا كان يقينا كما هو مقتضى العقل فإنّ من يفعل المحرّم فكأنّه جاهل غير مصدّق ، إذا العلم الّذي لا يعمل بمقتضاه هو والجهل سواء وهذه مبالغة مشهورة في إفادة منع العالم عن خلاف ما يقتضي علمه ، فتقييد الترك بالايمان يكون لذلك ، أو يكون على ظاهره ، أي يجب عليكم ترك ما بقي من الربا بعد علمكم بالتحريم فالّذي فعلتم وأخذتم قبل العلم لا يجب ردّه إلى صاحبه كما فهم من قوله (فَلَهُ ما سَلَفَ).

قيل : روي أنّه كان لثقيف مال على بعض قريش فطالبوه عند المحلّ بالمال

__________________

(١) البقرة : ٢٧٨ و ٢٧٩.

٤٣٤

والربا ، فنزلت (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) أي إن لم تتركوا ذلك (فَأْذَنُوا) أي فاعلموا (بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ) من أذن بالشيء إذا علم به وقرئ «فآذنوا» أي فأعلموا بها غيركم من الأذن وهو الاستماع فإنّه من طرق العلم ، قيل التنوين للتعظيم ، كأنّه أبلغ من حرب الله ورسوله لأنّ المعنى بنوع عظيم من الحرب من عند الله ورسوله ويحتمل أن يكون حربهما واحدا ، وهو قتال المسلمين معهم حتّى يرجعوا ، وكون حرب الله في الآخرة بإدخالهم في النار وحرب الرسول في الدنيا بالسيف والأوّل أظهر.

فدلّت على جواز قتال المسلم على ترك الربا حتّى يرجع مثل قتال مانع الزكاة وغيره ، وعلى تحريم أخذ ما بقي من الربا الّذي شرطه قبل التحريم ، ولا يدلّ على كفر الآخذ ، روي أنّه لمّا نزلت قال ثقيف لا يدي لنا بحرب الله ورسوله ، أي لا طاقة لنا.

(وَإِنْ تُبْتُمْ) أي رجعتم عن اعتقاد حلّ الربا كما يفهم من البيضاويّ ، أو عمل الربا كما هو ظاهر الكشّاف وظاهر الآية أيضا (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ) فقط لا الزيادة الّتي شرطتم (لا تَظْلِمُونَ) معامليكم بأخذ الزيادة والربا (وَلا تُظْلَمُونَ) أنتم بأخذ الناقص عن رأس مالكم ، ولا يخفى أنّ مفهوم الشرط المعتبر عند أكثر الأصوليّين يفيد عدم جواز أخذ رأس مالهم ، مع عدم الرجوع ، وهو محلّ التأمّل وقال القاضي ، وهو سديد على ما قلناه ، إذ المصرّ على التحليل مرتدّ وماله فيء ، وقال في الكشّاف : قالوا يكون مالهم فيئا للمسلمين.

قال في كنز العرفان : قال الزمخشريّ والقاضي ، وإن لم يتب يكون مصرّا على التحليل ، فيكون مرتدّا وماله فيء ، وليس بشيء لأنّا نمنع أنّه إذا لم يتب يكون مرتدّا ، لجواز أن يفعله ويعتقد تحريمه (١) وفيه تأمّل لأنّ الزمخشريّ ما قاله بل نقله عن قوم ، وقد يكون ذلك القائل يقول ذلك بناء على أنّ معنى قوله (إِنْ تُبْتُمْ) رجعتم عن تحليل الربا ، كما يقوله القاضي ، فلا يرد عليه ما أورده ، مع

__________________

(١) كنز العرفان ج ٢ ص ٣٩.

٤٣٥

أنّه ما صرّح بارتداده ، بل قد يكون له وجه في ذلك ، وأمّا القاضي فإنّه صرّح بأنّ معنى «تبتم» رجعتم عن تحليل الربا فيكون تاركه مرتدّا من غير شكّ ، فلا معنى لأن يقال عليه ، إنّه يفعل مع اعتقاده التحريم.

نعم يمكن أن يقال : ما قالوه ليس بشيء ، لأنّ دليل أنّ مال المرتدّ فيء للمسلمين غير واضح لأنّه إن كان ملّيا فماله باق على ملكه إلّا أنّه محجور عليه وإن كان فطريّا فماله ينتقل إلى وارثه ، فإنّه بمنزلة الموت كذا قاله الأصحاب ، ولعلّ أدلّتهم إجماعهم ، والروايات ، فإن كان مذهبهم أيضا كذلك ، يرد عليهم ذلك وإلّا يقال الأصل عدم خروج ملك الشخص عنه ، ويستبعد خروج ملك شخص عن ملكه ، ولا يتملّكه وارثه بمجرّد الردّة خصوصا مع احتمال الرجعة ، وقبول التوبة إلّا بدليل ظاهر ، وهو غير ظاهر ، وأيضا المفهوم معتبر مع عدم ظهور وجه التخصيص ، وما هو أقوى منه ، فإذا عارضه أقوى منه أوله وجه تخصيص فلا يعتبر وهنا قد يكون كذلك فتأمّل أو يقال إنّ المنطوق حصول رأس المال فقط ومفهومه عدمه ، وهو كذلك لحصول العقاب معه ، وهو ظاهر.

ويمكن أن يقال أيضا أنّ منطوق الآية أنّ التائبين عن فعل الربا أو تحليله لهم تمام رأس مالهم حال كونهم غير ظالمين لأنفسهم بترك التوبة وارتكاب المحرّم ولا لغيرهم بطلب ما لا يستحقّونه عليه ، ولا مظلومين بنقص مالهم ، ولا بحصول عقاب من عند أنفسهم ، فجملة (لا تَظْلِمُونَ) حال ومفهومها أنّ غير التائبين ليسوا بهذه الحالة ، للزوم عدم المشروط عند عدم الشرط ، وهو كذلك لأنّه ليس لهم رأس مالهم مع الحال المذكورة ، بل مع نقيضها ، فإنّه لو كان لهم رأس مالهم يكون حال ـ كونهم ظالمين لأنفسهم بل لغيرهم أيضا ومظلومين أيضا لظلمهم أنفسهم ، وهذا المقدار يكفي لاعتبار المفهوم ، ولا يلزم رفع جميع ما ذكر للمذكور ، وهو ظاهر بيّن ، فعلم أنّ ما قالاه ليس بشيء لوجوه قلناها لا لما قيل فافهم.

الرابعة: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (١).

__________________

(١) آل عمران ١٣٠.

٤٣٦

قد مرّ مضمونها وهو تحريم الربا ولعلّ التكرار للتأكيد ، والمبالغة في التحريم ، وأيضا لتصريح النهي فإنّ الّذي مضى كان بحسب الظاهر خبرا أو لعظم ذنب هذا الفرد ، وهو الأكل أضعافا مضاعفة وكانّ الواقع كان كذلك ، ولكثرة ضرره على الناس ، وكأنّ الأكل كناية عن أخذ الربا وهو متعارف يقال فلان يأكل الربا يعنون به أنّه يستعمله ويأخذه ولا يجتنبه ، لا أنّه يأكله حقيقة فيحتاج إلى قياس غيره عليه ، ومعنى (أَضْعافاً مُضاعَفَةً) قيل أن يضاعف بتأخير أجل بعد أجل كلّما حلّ أجل أجّل إلى غيره ، وزيد زيادة على المال ، أو تضاعفوا أموالكم فيدخل فيه كلّ زيادة محرّمة في المعاملة ، ويمكن أن يكون المراد يضاعف الزيادة أضعاف الأصل أو أضعاف ما يتعارف في ربح مثله.

وقال في المجمع : في تحريم الربا مصالح منها أنّه يدعو إلى مكارم الأخلاق بالإقراض ، وإنظار المعسر من غير زيادة ، وهو المرويّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الكافي في الحسن عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إنّما حرّم الله عزوجل الربا لكيلا يمتنع الناس من اصطناع المعروف ، وعن سماعة قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام إنّي رأيت الله قد ذكر الربا في غير آية وكرّره فقال أو تدري لم ذلك قلت لا ، قال لئلّا يمتنع الناس من اصطناع المعروف (١) وأنت تعلم أنّها تنعدم بفتح باب الحيلة ، كما هو المتعارف ، فإنّهم يأخذون بها ما يؤخذ بالربا.

الخامسة: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (٢).

الويل قيل : اسم واد في جهنّم أو كناية عن عذاب وسخط من الله ، على من يطفّفون الميزان والكيل ، ويباشرونهما ، الّذين إذا اكتالوا من النّاس حقّهم أو اتّزنوه منهم يأخذونه وافيا تامّا كاملا ، حذف واكتفي بالأوّل وفي الكشّاف للإشعار

__________________

(١) الكافي ج ٥ ص ١٤٦.

(٢) المطففين : ١ ـ ٣.

٤٣٧

بأنّهم ما يأخذون لأنفسهم من الناس إلّا بالكيل لأنّه أكمل وأمكن وأتمّ للاستيفاء والسرقة فتأمّل ، وإذا كالوا أو وزنوا هم من أنفسهم للناس يخسرون ينقصون ذلك ولا يستوفون فتدلّ على أنّ إعطاء الناقص حرام ، ويدلّ عليه العقل والنقل ، وغيرها أيضا من عدم جواز أخذ أموال الناس إلّا برضاهم.

ويدلّ أيضا على المنع من نقص الكيل والوزن بخصوصه بعض الآيات والأخبار أيضا مثل (أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ) (١) وتحريم ذلك ظاهر لا يحتاج إلى الدليل «ويل» مبتدأ و «للمطفّفين» خبره و «إذا» ظرف يتضمّن معنى الشرط وما بعده شرطه ، و «يستوفون» جزاؤه والجملة صلة الّذين وهو صفة للمطفّفين ، وذكر الاستيفاء هنا لزيادة قبح النقص حينئذ يعني يأخذ لنفسه تامّا ويعطي الغير ناقصا لا أنّه أيضا حرام ، وإن كان مرجوحا فان عدم الاستقصاء والاستيفاء وإعطاء الزائد وأخذ الناقص مطلوب شرعا لأنّه إحسان عقلا ونقلا ومرغوب ومستحبّ ذكر ذلك مع دليله في محلّه ، ويحتمل أن يكون المراد الاستيفاء مع أخذ الزائد كما يشعر به كلمة «على» الدالّة على الضرر ، فيكون هو أيضا حراما بخصوصه.

«وإذا كالوا» إلخ عطف على «اكتالوا» عطف جملة على جملة ، قيل اكتالوا وكالوا بمعنى واحد ، وكانّ زيادة الحرف في الأوّل تدلّ على زيادة الحرص والسعي فيه ، و «هم» في الموضعين منصوب إمّا لأنّه يقال كالهم ، كما يقال كال لهم ، كما يفهم ذلك من مجمع البيان أو على الحذف والإيصال ، أو على حذف مضاف أي مكيلهم ، وقال في الكشّاف : لا يحسن كونه تأكيدا لضمير كالوا لفوات المقابلة لما قبله ولا كونه فصلا لأنّه إنّما يكون بين المبتدأ والخبر ونحوه ، مثل مفعولي فعل. قال في مجمع البيان : قيل ذلك والصحيح أنّه منصوب كأنّه إشارة إلى ما ذكر من ضعف التأكيد والفصل ، ووجه صحّة النصب وهو ظاهر لا يحتاج إلى البيان.

__________________

(١) الرحمن : ٨ و ٩.

٤٣٨

السادسة: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١).

قال في الكشّاف : العفو ضدّ الجهد كأنّه هو المشقّة ، فالعفو هو السهولة أي خذ يا محمّد ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم ، وتسهّل من غير كلفة ولا تداقّهم ، ولا تطلب منهم الجهد وما يشقّ عليهم ، حتّى لا ينفروا كقوله عليه‌السلام يسّروا ولا تعسّروا ، والعرف المعروف والجميل من الأفعال وأعرض عن الجاهلين. ولا تكافؤ السفهاء مثل سفههم ، ولا تمارهم وأحلم عنهم ، وأغض عمّا يسوؤك منهم ، وقيل لمّا نزلت الآية سأل جبرئيل عليه‌السلام فقال : لا أدري حتّى أسأل ثمّ رجع فقال : يا محمّد إنّ ربّك أمرك أن تصل من قطعك وتعطى من حرمك وتعفو عمّن ظلمك. وعن جعفر الصادق رضي‌الله‌عنه : أمر الله نبيّه بمكارم الأخلاق وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها.

فهذه دالّة على رجحان حسن الخلق من العفو ممّا يستحقّه الإنسان في ذمّة الغير من الحقوق وغيره ، واستعمال اللّين والملاءمة في المعاملات ، والأمر بالمعروف والاعراض عن الجهّال ، وعدم مؤاخذتهم بما فعلوا بالنسبة إلى الإنسان ويؤيّده (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٢) وعلى عدم المماكسة وإعطاء الزائد وأخذ الناقص ، وعدم الربح على الموعود بالإحسان بل مطلق المؤمن ونحو ذلك من الإحسان.

السابعة: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) (٣).

قال في مجمع البيان قيل : فيه أقوال : المراد لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ولا ظهورا ، قيل : بالحجّة ، وإن جاز أن يغلبهم بالقوّة ، ولو حملناه على الغلبة لكان صحيحا لأنّ غلبة الكفّار على المؤمنين ليس من الله تعالى ، وقال القاضي : حينئذ أي في الآخرة أو في الدنيا والمراد بالسبيل الحجّة ، واحتجّ به أصحابنا على فساد شراء الكافر المسلم والحنفيّة على حصول البينونة (٤) بنفس الارتداد ، وهو

__________________

(١) الأعراف : ١٩٨.

(٢) الفرقان : ٦٣.

(٣) النساء : ١٤٠.

(٤) أى بين الزوج والزوجة ، منه.

٤٣٩

ضعيف لأنّه لا ينفي أن يكون إذا عاد إلى الايمان قبل مضيّ العدّة. وفي الاستدلال على عدم جواز الشراء بعد قوله والمراد بالسبيل الحجّة تأمّل ، نعم إن حملت على العموم كما هو الظاهر ، فالاستدلال صحيح.

وقد استدلّ بعض أصحابنا أيضا بها على عدم التملّك ، وقال البعض بجواز التملّك مثل أن أسلم عنده ولكن لا يتمكّن من التصرّف للآية بل يباع عليه ، ويمكن الاستدلال بها على عدم تسلّط الكافر على المسلم بوجه تملّك وإجارة ورهن وغيرها لأنّه نكرة في سياق النفي يفيد العموم فلا شيء من السبيل له على المسلم ، ويصحّ استدلال الحنفيّة أيضا لأنّ الزوجيّة تسلّط وسبيل واضح ، والفرض كونه منفيّا بالآية ، والعجب من القاضي أنّه ضعّفه بعد القول باستدلال أصحابه به ، بأنّه لا ينفي أن يكون إذا عاد لأنّه إذا انتفى السبيل فما بقي نكاح فكيف تعود الزوجيّة بغير عقد ، ولأنّه قد سلّم زواله لأنّه سبيل منفيّ فعوده يحتاج إلى دليل ، ومجرّد رفع المزيل والمانع لم يكف بل يحتاج إلى المقتضي.

نعم يرد عليه أن ليس للزوجة سلطنة على الزوج عرفا بل شرعا أيضا ، فلا تدل على بطلان العقد بارتدادها وإلّا يلزم انفكاك الرقّ وخروج الملك عن ملك المولى بردّته لو قيل إنّ مثل وجوب النفقة سلطنة ، وأيضا قد يقال يكفي في رفع السلطنة عدم ثبوت أحكام النكاح من الدخول وغيره حتّى يرجع إلى الإسلام فيكون الردّة مانعة ، فيرجع بعد زوالها كما يقوله أصحابنا على التفصيل الّذي ذكروه فتأمّل.

٤٤٠