زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) ظاهرها أنّه لا تخالفوها ولا تنكثوها فيدلّ على أنّ خلف الحلف والحنث حرام كفّر أم لا ، فتجب الكفّارة بعد الحنث وأنّه لا يجوز نكثه بوجه وعلى تقدير الجواز لا وجه للكفّارة ، فمذهب الشافعيّ بتجويزه بعد الكفّارة محلّ التأمّل ، وكذا صحّة الخبر المتقدّم ، فإنّه على تقدير انعقاده يجب حفظه لهذه الآية ونحوها فكيف يجوز رفعه بالكفّارة ، إلّا أن يقال بالحلّ كما قال أصحابنا للنصّ والإجماع ولأنّ الانعقاد مشروط بكون ما يحلف عليه راجحا أو مساويا بالإجماع على الظاهر والأخبار ، وعلى تقدير القلب بالمرجوحيّة لا يبقى شرط الانعقاد ودوامه فتأمّل فيه ، وللأيمان شروط وأحكام مذكورة في محلّها.

(كَذلِكَ) مثل ذلك البيان (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) أعلام شرائعه (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) الله تعالى على التعليم أو سائر نعمه الواجب شكرها ، فانّ مثل هذا البيان يسهّل لكم المخرج ، ويحصّل الخلاص بالكفّارة في الدنيا عن العقاب ، فيجب شكر نعمة شرع الكفّارة وبيانها على وجه واضح كسائر النّعم.

(الخامس عشر العتق)

وفيه آيات مثل قوله تعالى :

(وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) (١).

الخطاب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله «الّذي» زيد بن الحارثة وإنعام الله عليه توفيقه للإسلام ، وإنعامه صلى‌الله‌عليه‌وآله إعتاقه بعد أن ملكه بالأسر (٢) فدلّت الآية على مشروعيّة تملّك الإنسان وعتقه بل رجحانه وكون المعتق منعما ، والآيات الدالّة عليه كثيرة لا يحتاج إلى الذكر ، ولنذكر آية الكتابة وهي قوله :

__________________

(١) الأحزاب : ٣٧.

(٢) بل ملكه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالهبة وهبته له خديجة زوجته عليها‌السلام نعم أسره بنو القين في الجاهلية وشروه في سوق عكاظ أو سوق حباشة من حكيم بن حزام وقد اشتراه هو لعمته خديجة بنت خويلد. راجع أسد الغابة ج ٢ ص ٢٢٥ ، الإصابة ج ١ ص ٥٤٥ ، والاستيعاب بذيله ج ١ ص ٥٢٥.

٥٠١

(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) (١).

في الكشاف : «الّذين» مرفوع على الابتداء أو منصوب بفعل مضمر يفسّره فكاتبوهم ودخلت الفاء لتضمّن معنى الشرط ، والكتاب والمكاتبة كالعتاب والمعاتبة ، وهو أن يقول الرجل لمملوكه : كاتبتك على ألف درهم ، فإن أدّاها عتق ، ومعناه كتبت لك على نفسي أن تعتق منّى إذا وفيت بالمال وكتبت لي على نفسك أن تفي بذلك ، أو كتبت عليك الوفاء بالمال وكتبت عليّ العتق. أي الّذين يطلبون المكاتبة منكم أيّها الموالي من العبيد والإماء فكاتبوهم وهي أن تقرّر معه أن يعطيك مالا معيّنا في نجم أو نجوم معيّنة فينعتق بذلك فهي دالّة على جوازها مطلقا حالا ومؤجّلا منجّما بنجم واحد أو متعدّد ، ومشروطة ومطلقة ، وعلى مال قليل وكثير ، عين ومنفعة وأحكامها مذكورة في الفقه.

(إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) الأمر بها متعلّق بعلم الخير في المملوك فقيل هو المال وقيل هو الصلاح ، وقيل هو القدرة على الاكتساب وتحصيل مال الكتابة والأمانة والمتبادر الوسط ، ويحتمل الأخير والأوّل بعيد خصوصا على المذهب المشهور من عدم تملّكهم شيئا. في الكشاف : الأمر للندب عند عامّة العلماء وجميع الفقهاء ، ونقل عن ابن سيرين أنّه أمر حتم وإيجاب فهو مسبوق بالإجماع وبالعكس ، ففيها دلالة على استحباب الكتابة بشرط طلبه وخيريته.

(وَآتُوهُمْ مِنْ مالِ اللهِ الَّذِي آتاكُمْ) أمر الموالي بإعطاء المكاتبين بعض المال الّذي أعطاهم الله إيّاه فهو يدلّ على وجوب إعطاء المكاتب للمكاتب من المال الّذي أعطاه الله إيّاه وقال بعض الأصحاب بوجوب إعطاء المكاتب شيئا من الزكاة ، وهو من سهم الرقاب إن وجبت وإلّا استحبّ فيجوز أن يعطيه من الزكاة ثمّ يأخذها منه ، وأن يحسب عليه من الزكاة ويسقط من مال الكتابة ، ورجوع زكاته إليه بوجه آخر

__________________

(١) النور : ٣٣.

٥٠٢

غير ضائر كما إذا اشترى من الفقير زكاته ، ولكن قالوا يكره أن يتملّك ما يتصدّق به باختياره ، ولا يبعد إخراج هذه عنه للآية فتأمّل ، وكأنّهم حملوا الآية عليه وهو بعيد لا يفهم إلّا أن يكون لهم دليل عليه ، فتأمّل.

وفي مجمع البيان : معناه حطّوا عنهم من نجوم الكتابة شيئا ، وقيل ردّوا عليهم معشر السّادة من المال الّذي أخذتم منهم شيئا ، وهو استحباب ، وقيل إيجاب وقال قوم من المفسّرين إنّه خطاب للمؤمنين بمعونتهم على تخليص رقابهم من الرقّ ومن قال إنّه خطاب للسّادة اختلفوا في قدر ما يجب ، والأولى قدر ما يعطي فقيل : مقدّر بربع المال عن الثوريّ ، وروي ذلك عن عليّ عليه‌السلام وقيل ليس فيه تقدير بل يحطّ عنه شيء ، وهو الصحيح للصدق فإنّه يصدق الامتثال ويكفي ، ويخرج عن العهدة.

ثمّ إنّ ظاهر الآية وجوب إعطاء ما يصدق أنّه من المال الّذي أعطاهم الله ولكن ينبغي أن يكون ممّا يسمّى إعطاء عرفا وينتفع به غالبا ، لا مثل فلس واحد فتأمّل ، وأنّ المخاطب به هم الموالي والسّادة ، لا المسلمون كما نقل في الكشاف عن أبي حنيفة أنّه على المسلمين ، فإنّه يحصل بالحطّ ، فلا يحتاج إلى الدفع ثمّ الأخذ ، وإن كان رعاية ظاهر اللفظ أولى فتأمّل.

٥٠٣

(كتاب النكاح)

والبحث فيه يتنوّع أنواعا :

(الأول)

(في شرعيته وأقسامه وغير ذلك)

وفيه آيات :

الاولى : (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (١).

في الكشاف : الأيامى واليتامى أصلهما أيايم ويتايم فقلبا ، والأيّم للرجل والمرأة إذا لم يتزوّجا بكرين كانا أو ثيّبين ، والأولى أن يقول من لا زوج لها بكرا أو ثيّبا ومن لا امرأة له كما قاله في القاموس. في مجمع البيان : أحد مفعولي أنكحوا محذوف ، والتقدير أنكحوا الأيامى الرجال منكم من نسائكم والنساء من رجالكم في الكشاف المراد أن زوّجوا من تأيّم منكم من الأحرار والحرائر ، ومن كان فيه صلاح من غلمانكم وجواريكم ، وخصّ الصّالحين لشدّة الاهتمام بشأنهم ، وللإرشاد والترغيب إلى الصلاح ، فإنّهم إن رأوا مزوّجين لصلاحهم رغبوا فيه ، ولأنّ ثوابه أكثر ، ولأنّهم في التّعب إذ يلاحظون ، وأمّا غيرهم فيعالجون أنفسهم نعوذ بالله بغير التزويج وإن أثموا ويجازوا في الآخرة ، في الكشاف : لأنّ الصالحين من الأرقّاء هم الّذين مواليهم يشفقون عليهم ، وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة والمودّة ، فكانوا مظنّة للتوصية بشأنهم ، والاهتمام بهم ، وتقبّل الوصيّة فيهم وأمّا المفسدون منهم فحالهم عند مواليهم على عكس ذلك. وهذا الأمر للندب لما علم أنّ النّكاح أمر مندوب إليه ، وقد يكون للوجوب في حقّ الأولياء عند

__________________

(١) النور : ٣٢.

٥٠٤

طلب المرأة ذلك ، وممّا يدلّ على كونه مندوبا إليه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي وهي النكاح ، وعنه عليه‌السلام من كان له ما يتزوّج به فلم يتزوّج فليس منّا ، وهذا يدلّ على الوجوب فتأمّل ، وعنه عليه‌السلام إذا تزوّج أحدكم عجّ به شيطانه يا ويله عصم ابن آدم منّي ثلثي دينه ، وعنه عليه‌السلام يا عياض لا تزوّجنّ عجوزا ولا عاقرا فانّي مكاثر (١) والأحاديث فيه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كثيرة وربّما كان واجب الترك كما إذا أدّى إلى معصية أو مفسدة ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتى على أمّتي مائة وثمانون سنة من هجرتي فقد حلّت لهم العزوبة والعزلة ، والترهّب على رؤس الجبال ، وفي الحديث : يأتي على الناس زمان لا تنال المعيشة فيه إلّا بالمعصية فإذا كان ذلك الزمان حلّت العزوبة ، وهذه أيضا تدلّ على وجوب التزويج في الجملة ويفهم من كلامه أنّ الأمر إذا آل إلى المعصية يصير ذلك حراما فيكون ما يتوقّف ويحصل به الحرام حراما ككون ما يتوقّف عليه الواجب واجبا ، ولبعض العلماء فيه نزاع وليس هذا محلّه.

وتدلّ الآية على وجوب قبول الوليّ الخطبة وتزويجه المولّى عليها حرّا كان أو مملوكا ، وذلك غير بعيد ، إذا كان فيه مصلحته ، بأن كان الزوج قادرا على النفقة وكفوا كما يدلّ عليه بعض الأخبار ، وفي كلام الأصحاب أنّه يجب إجابة الكفو القادر ، فيفهم الوجوب على الزوجة أيضا وفيه تأمّل ذكرناه في محلّه ، وظاهر الآية عدم اشتراط القدرة والكفو ، وكأنّه مفهوم من الخبر والإجماع ، فالآية دليل ترغيب الأولياء والوكلاء وإن لم يكونوا أولياء شرعا بتزويج من يسمع كلامهم ويتبعهم ، وعدم جعل فقر الزوج والزوجة مانعا ، معلّلا بأنّ الله هو المغني ، بل في الأحاديث ما يدلّ على أنّ التزويج موجب للغناء وأنّ تركه خوفا من الفقر سوء ظنّ بالله.

ولكن جعل في الكشاف ذلك مشروطا بمشيئة الله تعالى ، حيث قال ينبغي أن يكون شريطة الله غير منسيّة في هذا الموعد ونظائره ، وهي مشيّته ، ولا يشاء الحكيم

__________________

(١) راجع مجمع البيان ج ٧ ص ١٤٠ ، الكافي ج ٥ ص ٣٢٩.

٥٠٥

إلّا ما اقتضته الحكمة ، وما كان مصلحة. ونحوه (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (١) وقد جاءت الشريطة منصوصة في قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شاءَ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٢) ومن لم ينس هذه لم ينتصب ، معترضا بعزب كان غنيّا فأفقره النكاح ، وكأنّ هذه الشريطة محذوفة مثل إجابة الدعاء في قوله (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (٣) فلا يرد الشبهة.

ففيها دلالة على مرغوبيّة النكاح مطلقا وأفضليّته وعلى استقلال الآباء والأولياء وإن كان المولّى عليها بالغا تأمل ، وعلى استقلال الموالي أيضا في نكاح المماليك وأيضا فيها دلالة على تملّك المماليك لقوله (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) إذ الظاهر أنّه راجع إلى الكلّ لا الأحرار خاصّة ، فإنّه خلاف الظاهر ، نعم يمكن أن يقال غناهم وفقرهم باعتبار مواليهم وإذنهم في التصرّف في مالهم ، وهو بعيد فتأمّل.

الثانية : (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٤).

في الكشاف وليجتهد في العفّة وظلف النفس ، كأنّ المستعفف طالب من نفسه العفاف ، وحاملها عليه (لا يَجِدُونَ نِكاحاً) أي استطاعة تزوّج ، ويجوز أن يراد بالنكاح ما ينكح به من المال (حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللهُ) ترجئة للمستعففين ، وتقدمة وعد بالتفضّل عليهم بالغنى ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفا لهم في استعفافهم وربطا على قلوبهم ، وليظهر بذلك أنّ فضله أولى بالأعفّاء وأدنى من الصلحاء ، وفيها دلالة على الصبر وطلب العفّة إذا لم يجد ما ينكح به ، حتّى يعطيه الله تعالى من فضله ما يتمكّن معه من ذلك وإن كان قليلا ، فالصبر والعفّة إنّما يرغّب فيهما بعد عدم وجدان ما يتمكّن به من التزويج أصلا لا من يجد شيئا في الجملة ، فلا ينبغي طلب الصبر

__________________

(١) الطلاق : ٣.

(٢) براءة : ٢٨.

(٣) غافر : ٦٠.

(٤) النور : ٣٣.

٥٠٦

والعفّة ليجد مالا كثيرا أو يصير غنيّا ، ولهذا لا يجدون ، ويحتمل أن يكون معنى «حتّى» غاية للاستعفاف ، ويكون المراد بالنكاح الزوجة المناسبة بحاله.

وبالجملة على التقادير لا منافاة بين ما تقدّم وهذه ، إذ الأولى أمر للأولياء بالإنكاح وعدم جعل الخوف مانعا ، وهذه ترغيب للأزواج بطلب العفّة حتّى يغنيهم الله وأن يزوّجوه ولكن له الأولى عدم ذلك ، أو يكون المراد بالثانية مجرّد الإباحة والرخصة دون الرجحان والأولى أن يكون المراد هو عدم الزوجة ونحو ذلك فتأمّل ويحتمل أيضا أن يكون معناها وجوب الصبر والاستعفاف بمعنى عدم التعدّي والميل إلى السفاح ، فكأنّه قال : لا يسفح الّذين لا يجدون نكاحا حتّى يغنيهم الله فتأمّل.

الثالثة : (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) (١).

أي إن خشيتم أن لا تعدلوا بل تجوروا في يتامى النساء إذا تزوّجتم بهنّ فتزوّجوا غيرهنّ ممّن طاب لكم من النساء اللّاتي لا تقدرون على عدم العدل لعشيرتهنّ ونحوها ، فتعدلوا بينهنّ ولا تقصّروا في حقّهنّ من المهر والنفقة ، وروي أنّهم كانوا إذا وجدوا يتيمة ذا مال وجمال تزوّجوها فربّما يجتمع عند أحدهم عدّة منهنّ فيقصّرون فيما هو واجب عليهم ، فنزلت. وروي أيضا أنّهم لمّا كانوا يتحرّجون عن اليتامى والتصرّف في أموالهم خوفا من العقاب بعد أن عرفوا عظم أمر اليتامى والتصرّف في أموالهم ولا يتحرّزون عن الجور في أمور النساء من عدم التعديل والتقصير في المهر والنفقة ، نزلت هذه الآية ، أي إن خفتم من العقاب وتحرّجتم من اليتامى لذلك فينبغي أن تتحرّزوا في أمور النساء أيضا عن ترك ما هو واجب

__________________

(١) النساء : ٣.

٥٠٧

عليكم لهنّ من الحقوق ، فتزوّجوا ما هو حلال طيّب وتقدرون على العدل بينهنّ من ثنتين أو ثلاثا أو أربعا أيّ عدد كانت من هذا العدد الجائز ، وترك الواحدة لعدم الاحتياج إلى القسط والعدل وإن احتاج إلى ملاحظة المهر والنفقة وهي معلومة وقيل : كانوا يتحرّجون من اليتامى ولا يتحرّجون من الزنا فنزلت.

ثمّ اعلم أنّ التعبير عنهنّ بما للإشارة إلى قلّة عقولهنّ وأنّ معنى (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) أنكحوا الطيّبات حال كونهنّ معدودات بهذا العدد ثنتين ثنتين ، وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا ، وهي معدولات منها فهي غير منصرفة بالعدل التحقيقيّ والصفة فإنّها بنيت للوصف فانّ معنى مثنى مثلا الّذي يكون ثنتين أي تزوّجوا أيّها الرجال ثنتين ثنتين ثلاثا ثلاثا أربعا أربعا والخطاب للجميع أي خذوا كلّ واحد منكم ثنتين أو ثلاثا أو أربعا أو مختلفا كما يقول أقسموا هذا المال اثنين اثنين ثلاثة ثلاثة أربعة أربعة ، ويراد قسمة المال على الوجه المذكور ، سواء كانت القسمة متّفقة أو مختلفة وهي منصوبات على الحال عن مفعول (فَانْكِحُوا) أو عن فاعله فيحتاج إلى التأويل ليحمل ، ويحتمل غيرها ولو اختير المفرد بأن يقول ثنتين وثلاثا وأربعا لدلّ على جواز الجمع دون التوزيع ، ولو قيل «أو» لدلّ على أحدها فقط دون الجمع فلا تجوز القسمة إلّا على وجه واحد ، ولا يفهم جواز الجمع بين المذكورات ، فيلزم تجويز أكثر من أربعة مثل ثمانية عشر لشخص واحد ، لما مرّ أنّ المتبادر من هذا الكلام عرفا هو القسمة بين الجميع على الوجه المذكور على سبيل الاتّفاق أو الاختلاف فلا يحتاج لذلك إلى جعل الواو بمعنى أو ، بل لا يصحّ لما مرّ ، ولأنّه يلزم تجويز الستّة بل ثمانية لشخص واحد ، فانّ الثلاث بمعنى ثلاثة ثلاثة ، وكذا رباع.

(فَإِنْ خِفْتُمْ) من العقاب في التعدّد بعدم العدل (فَواحِدَةً) أي فانكحوا واحدة لا غير ، فإنّها لا تحتاج إلى التعديل وكثرة المؤنة (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) واحدة أو متعدّدة فإنّها لا تحتاج إلى التعديل مع الكثرة ، ولا إلى المهر والمؤنة مثل مؤنة الأحرار (ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) أي الواحدة من الحرائر أو اختيار الإماء أقرب إلى أن لا تميلوا ، من عال الميزان إذا مال ، أو أن لا تجوروا ، من عال الحاكم في

٥٠٨

حكمه إذا جار ، ومنه عول الفريضة ، وفسّر بأن لا يكثر عيالكم من عاله ، فعبّر عن كثرة العيال بكثرة المؤنة على الكناية ويؤيّده قراءة تعيلوا من أعال الرجل إذا كثر عياله ، فالمراد بالعيال الأزواج والأولاد ، فهو بالنسبة إلى الواحدة ظاهر ، وأمّا بالنسبة إلى الإماء فإنّه باعتبار عدم كثرة مؤنتهنّ ، فهنّ بمنزلة القليلة وإن كثرن وأنّهنّ مظنّة قلّة الولد بالعزل وغيره.

ثمّ إنّه لا يخفى ما يفهم من الآية الكريمة من وجوب التحرّز عن المحرّمات بمجرّد خوف الوقوع فيها ، حيث قال (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا) وقال (فَإِنْ خِفْتُمْ) الآية ، فتدلّ على كمال المبالغة في وجوب الاجتناب عن المحرّمات ، وفي ملاحظة العدل والقسط بين النساء بل مطلقا ، فيكون المعنى إن خفتم من عدم القسط في يتامى النساء بالمعنى الّذي تقدّم ، فلا يباح لكم ذلك غير مضطرّين ، فانّ لكم أن تنكحوا فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، عادلين بينهنّ منفقين على العيال ، وإن خفتم من عدم العدل وكثرة العيلولة فانكحوا ما لا يحتاج إليهما ، فمقصود الآية تحريم عدم القسط ، وما يؤل إليه ، وإباحة النكاح معه إلى أربع لا وجوبه على الظاهر ، ويحتمل حمل الأمر بالتزويج على الندب ، للإجماع على عدم وجوب مثنى ، بل الواحدة إلّا في بعض الصور وحمله بعيد ، بل لا يمكن فتأمّل بل استحباب الثنتين وما فوقهما أيضا غير ظاهر وكأنّي رأيت عن الشيخ كراهة ذلك وسببها ظاهر ، وفي الآية أيضا إشارة إليها فكأنّه للإباحة وعدم التّحريم فتأمّل.

قال في مجمع البيان : استدلّ بعض النّاس على وجوب التزويج بقوله : (فَانْكِحُوا) وهو خطاء لأنّه يجوز العدول عن الظاهر بدليل ، وقد قام الدليل على عدم الوجوب ، وأنت قد عرفت عدم الدلالة وإلّا يلزم وجوب مثنى ، وأنّ وجود الدليل على عدم الوجوب ، مثل الإجماع والخبر لا ينافي دلالته على الوجوب ظاهرا إلّا أن يقال : إنّه قال به لذلك ، فحينئذ يمكن أن لا يسلّم وجود الدليل.

ويفهم أيضا أنّه يجب الاجتناب عن جميع المحرّمات فهو مؤيّد لما ذكره سلطان

٥٠٩

المحقّقين من عدم قبول التوبة عن بعض الذنوب دون البعض ، ويفهم أيضا جواز النكاح إلى أربع وتحريم الخامسة ، وعدم حسن ترك النكاح بالكلّيّة فإنّه لا بدّ إمّا من الواحدة أو ملك اليمين ، فيفهم كمال الاهتمام بالتزويج ، وذمّ العزوبة وأنّها ترتفع بملك اليمين ، ولا تحتاج إلى النكاح بالعقد ، والكلّ موجود في الأخبار وأنّه لا يجب التعديل بين السراري ، بل المنام عندهنّ وجواز العزل عنهنّ وقلّة مؤنة ما يحتاج إليه منهنّ.

ثمّ أوجب إعطاء مهور النساء فقال (وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً) (١) أي عطيّة من الله تعالى لهنّ ، وسمّي بها مع كونه عوض البضع لاشتراك فوائد التزويج فنحلة حال عن الصدقات ، ويحتمل عن فاعل «آتوا» بمعنى ناحلين فكأنّه عطيّة منهم ، وهو أظهر ، ويحتمل كون نصبها على المصدر ، فكأنّه قال انحلوهنّ نحلة فظاهرها يدلّ على وجوب المهر بمجرد العقد مطلقا ، لأنّه بالعقد تصير الزوجة داخلة في النساء ، فيدلّ على أنّ الموجب للمهر هو العقد فقط ، ولا دخل للدخول ثمّ قد ينتصف بالطلاق وهو مذهب بعض الأصحاب بل على وجوب إعطائه حينئذ فكأنّه مقيّد بطلب صاحبه كسائر الحقوق فيمكن أن يكون لها الامتناع حتّى تأخذه فتأمّل فيه ويدلّ على أنّه يجب الإعطاء من طيب النفس (فَإِنْ طِبْنَ) خطاب للأزواج أي فان طابت نفوسهنّ بهبة (لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) من صدقاتهنّ فتذكير الضمير باعتبار المهر أو باعتبار الفرد المذكور فيها (نَفْساً) هو تمييز ، وتنكير شيء يدلّ على عمومه والظاهر أنّ هبة الكلّ أيضا كذلك إلّا أنّه ذكر للإشارة إلى أنّه ينبغي إعطاء البعض كما دلّ بعض الروايات على تقدّم شيء من المهر (فَكُلُوهُ) أي فكلوا الموهوب لكم ، ويحتمل أن يكون المراد التصرّف والقبول مطلقا (هَنِيئاً مَرِيئاً) فالهنيء الطيّب المساغ الّذي لا ينغّصه شيء ، والمريء المحمود العاقبة الّذي لا يضرّ ولا يؤذي ، وقال في مجمع البيان : الصداق المهر ، والنحلة العطيّة ، وسمّي النحل نحلا لأنّ الله تعالى نحل منها العسل للناس ، والهنيء شفاء من المرض ، ويقال :

__________________

(١) النساء : ٤.

٥١٠

هنّأني الطعام ومرّأني أي صار لي دواء عاجلا شافيا ، وفي كتاب العيّاشي مرفوعا إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام : جاء رجل فقال يا أمير المؤمنين إنّي يوجعني بطني ، فقال ألك زوجة؟ قال : نعم قال : استوهب منها شيئا طابت به نفسها من مالها ، ثمّ اشتر به عسلا ثمّ اسكب عليه من ماء السماء ثمّ اشربه فإنّي سمعت الله يقول في كتابه : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) وقال (يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ) وقال (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) فإذا اجتمعت البركة والشفاء والهنيء والمريء شفيت إن شاء الله تعالى ، قال ففعل ذلك فشفي (١) :

فدلّت الآية على جواز أكل مهورهنّ بطيب أنفسهنّ ، ولا يحتاج إلى الإيجاب والقبول بل مطلق التصرّف في أموالهنّ بل أموال الناس أيضا بطيب النفس ، فلا يبعد سقوطها بالهبة كما وردت به الرّواية ، فالهبة غير مخصوصة بالأعيان كالصدقة على ما دلّ عليه قوله تعالى (وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ) والظاهر أنّه يجوز الإبراء أيضا ولكن ينبغي القبول أيضا ، وأنّ (٢) في المهر شفاء ، وفي الخبر المذكور دلالة على عدم كراهة الاستيهاب من مال الزوجة مطلقا وإن كان الظاهر أنّه المهر فقط ، وحصول الشفاء به وبالعسل وبماء السماء.

الرابعة : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) في جميع الحالات (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) (٣) إلّا حال تزوّجهم أو تسرّيهم ، أي يحفظونها عن جميع ما أمر بالحفظ عنه ولا يحفظونها عن شيء أبيح بدليل ، لعدم حسن الحفظ إمّا وجوبا أو استحبابا أو إباحة فكما أنّ الحفظ عنه صفة حسن ، فكذا عدم الحفظ عن الزوجة والسرّيّة ، فلا ينبغي ترك التزويج خوفا من المعاش بل غيره ، ولا ترك التسرّي خصوصا باعتقاد أنّه ليس بحسن لعدم حصول ولد مناسب ، وكونه عارا كما يفعله بعض الجهلة ، وهو ظاهر. ويدلّ عليه غير هذه الآية أيضا من الآيات والأخبار فافهم

__________________

(١) راجع تفسير العياشي ج ١ ص ٢١٨.

(٢) فان خ.

(٣) المؤمنون ٥ و ٦.

٥١١

ولهذا أكّده ردّا لهم بقوله (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فيكون اللوم عليه حراما و (عَلى أَزْواجِهِمْ) في موضع الحال أي إلّا والين على أزواجهم أو قوّامين عليهنّ ، نظيره فلان على البصرة أي وال عليها ، أو متعلّق بمحذوف يدلّ عليه غير ملومين ، كأنّه قيل يلامون إلّا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنّهم غير ملومين عليهنّ.

فدلّت على عدم حسن مباشرة جميع النساء إلّا زوجته وأمته ، بل كشف الفروج عند غيرهما ، والاستمتاع بغيرهما ، حتّى الاستمناء باليد وسائر البدن وبالحيوانات وغيرها ، وأكّد ذلك بقوله (فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) حتّى فهم تحريمه.

وفي مجمع البيان : أي الظالمون المتجاوزون إلى ما لا يحلّ لهم أي من أراد واحدة غير الأزواج المحلّلة والإماء على الوجه الشرعيّ فأولئك هم الكاملون في العدول عن الحدّ الّذي حدّه الشارع ، سواء كانت زوجة فوق الحدّ أم لا ، ولا تدلّ على تحريم المتعة لأنّها زوجة وانتفاء بعض أحكامها مثل الإرث عند البعض والقسمة لا تقتضي خروجها عن مسمّى الزوجة ، لأنّها زوجة لغة بل شرعا أيضا كما في بعض الدائمات أيضا مثل الناشزة والقاتلة.

قال في الكشّاف فان قلت : هل فيه دليل على تحريم المتعة؟ قلت : لا لأنّ المنكوحة نكاح المتعة من جملة الأزواج إذا صحّ النكاح ، وفيه إشعار إلى جواز المتعة عنده وأنّ الآية دالّة على جوازها ، فإنّه قال إنّها زوجة. فتدخل تحت المستثنيات فيلزمه القول به إلّا أن لا يقول بعمومها ، بل يخصّصها بالخبر ، ولكن لا بدّ حينئذ من الإتيان بخبر يمكن تخصيص القرآن المتواتر به.

وتدلّ على تحريم جميع المباشرة بجميع النساء غيرهما ، فلا يصحّ بالهبة والإجارة وغيرهما فيفهم من الآية عدم جواز التحليل أيضا لكن أكثر الأصحاب بل نقل الإجماع قبل المخالف وبعده على جوازه للأخبار الصحيحة عن أئمّتهم عليهم‌السلام على ذلك ، فسلّموا الحصر في الآية وأدخلوا التحليل في أحدهما ، فبعض أدخله في التزويج ، فإنّ المحلّلة متعة والتحليل تزويج وبعضهم أدخله في الملك وجعل الملك

٥١٢

أعمّ من المنفعة والعين ، والتحليل تمليك منفعة والأوّل بعيد إذ ليس فيه خواصّ المتعة من وجوب تعيين المدّة والمبلغ والصيغة الخاصّة ، والثاني أيضا لا يخلو عن بعد إذا الظاهر من الآية هو ملك اليمين لا الأعمّ ولهذا لا يحلّ تملّك المنفعة بغير وجه التحليل ، على أنّ كون تمليك البعض مثل القبلة المحضة أو اللمس أو النظر فقط غير واضح مع أنّها تباح بالتحليل للنصوص الصحيحة ، وإدخاله في الملك أشكل وإدخال المستأجرة لجميع منافعها أولى منها ، وهو ظاهر فلا بدّ من التخصيص ، ولكن لما ثبت التحليل فلا بدّ من التأويل وإن كان بعيدا فيمكن جعله قسما آخر بنفسه ، وتخصيص هذه الآية ، فإنّه غير عزيز على ما اشتهر أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ : حتّى هذا. فتأمّل.

الخامسة : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) (١).

عطف على المحرّمات مؤبّدا أي حرم عليكم المحصنات أي المزوّجات إلّا ما ملكت أيمانكم من السبايا فإنّه يجوز وطيهنّ مع كونهنّ مزوّجات لبطلان عقدهنّ بالسبي والتملّك ، كما ورد في رواية أبي سعيد الخدريّ : أصبنا سبايا يوم أوطاس ولهنّ أزواج فكر هنا أن نقع عليهنّ فسألنا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله فنزلت الآية (٢) أو ما ملكت الأيمان من الإماء المزوّجات فإنّه للمالك إبطال نكاحهنّ بمنع أزواجهنّ وطيها بعد العدّة إذا كان زوجها أيضا لمالكها بغير خلاف ، ويدلّ عليه الرّوايات مثل صحيحة محمّد بن مسلم قال سألت الباقر عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمته فيقول اعتزل امرأتك ولا تقربها ، ثمّ يحبسها حتّى تحيض ثمّ يمسّها (٣).

__________________

(١) النساء : ٢٤.

(٢) سنن أبى داود ج ١ ص ٤٩٧ ، مجمع البيان ج ٣ ص ٣٠.

(٣) الكافي ج ٥ ص ٤٨١.

٥١٣

والآية تدلّ على جواز نكاح الإماء المزوّجات لمالكها مطلقا والخبر خصّصها وبيّنها بل الإجماع أيضا و «كتاب» مصدر لفعل محذوف أي كتب الله كتابا وفرض فريضة عليكم وأحلّ الله ما وراء ذلك الّذي تقدّم من المحرّمات ، وهو عامّ مخصوص بالمنفصل من الأخبار والإجماع كتحريم بنت الأخ وبنت الأخت على العمّة والخالة بغير رضاهما وغير ذلك (أَنْ تَبْتَغُوا) مفعول له بتقدير إرادة أي أحلّ الله ذلك لإرادة أن تبتغوا (بِأَمْوالِكُمْ) إشارة إلى المهر بالرضا وعدم الغصب ، ويشعر بالمبالغة في المهر بأن يعطى ، ويمكن إدخال شراء السراري أيضا فيه (مُحْصِنِينَ) معفّفين (غَيْرَ مُسافِحِينَ) السفاح الزنا (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ) فمن تمتّعتم (بِهِ مِنْهُنَّ) من النساء المحلّلات المتقدّمات (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) فيجب عليكم أن تؤتوهنّ أجورهنّ الّتي وقع العقد عليها كسائر الاجراء (فَرِيضَةً) أي مفروضة ، حال من الأجور أو مصدر فعل محذوف ، أو صفة مصدر محذوف : أي إيتاء مفروضا.

قال في مجمع البيان قيل المراد به نكاح المتعة وهو النكاح المنعقد بمهر معيّن إلى أجل معلوم ، عن ابن عبّاس والسدّي وسعيد بن جبير وجماعة من التابعين ، وهو مذهب أصحابنا الإماميّة وهو الواضح لأنّ لفظ الاستمتاع والتمتّع وإن كان في الأصل واقعا على الانتفاع والالتذاذ فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعيّن إذا أضيف إلى النساء ، فعلى هذا يكون معناه فمتى عقدتم عليهنّ هذا العقد المسمّى متعة ، فآتوهنّ أجورهنّ ويدلّ على ذلك أنّ الله سبحانه علّق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع ، وذلك يقتضي أن يكون هذا العقد المخصوص من دون الجماع والاستلذاذ ، لأنّ المهر لا يجب إلّا به.

هذا وقد روي عن جماعة منهم أبيّ بن كعب وعبد الله بن عبّاس وعبد الله بن مسعود رضي‌الله‌عنهم أنّهم قرؤوا «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ» وفي ذلك تصريح بأنّ المراد به عقد المتعة ، وقد أورد الثعلبيّ في تفسيره عن حبيب ابن أبي ثابت قال أعطاني ابن عبّاس مصحفا فقال : هذا على قراءة أبيّ فرأيت في المصحف «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» وبإسناده عن أبي نصر

٥١٤

قال سألت ابن عبّاس عن المتعة فقال أما قرأت سورة النساء؟ فقلت : بلى ، فقال أما تقرأ «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» قلت لا أقرأها هكذا قال ابن عبّاس والله هكذا أنزله الله عزوجل ثلاث مرّات ، وبإسناده عن شعبة عن الحكم بن عيينة قال سألته عن هذه الآية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) منسوخة هي؟ قال : لا ، قال الحكم قال عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّا شقيّ ، وبإسناده عن عمران بن حصين قال نزلت آية المتعة في كتاب الله عزوجل ولم تنزل بعدها آية تنسخها فإنّا أمرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فتمتّعنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فمات عليه‌السلام ولم ينهانا عنها ، فقال رجل بعد برأيه ما شاء.

وممّا أورده مسلم ابن حجّاج في الصحيح حدّثنا الحسن الحلوانيّ قال : حدّثنا عبد الرزّاق قال أخبرنا ابن جريج قال عطاء : قدم جابر بن عبد الله معتمرا فجئنا منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأبي بكر وعمر (١).

وممّا يدلّ أيضا على أنّ لفظ الاستمتاع في الآية لا يجوز أن يكون المراد به الانتفاع والجماع أنّه لو كان كذلك لوجب أن لا يلزم شيء من المهر من لا ينتفع من المرأة بشيء ، وقد علمنا أنّه لو طلّقها قبل الدخول ، لزمه نصف المهر ، ولو كان المراد به النكاح الدائم للمرأة يلزم بحكم الآية جميع المهر بنفس العقد ، لأنّه قال (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي مهورهنّ ولا خلاف في أنّ ذلك غير واجب ، وإنّما يجب الأجر بكماله بنفس العقد في نكاح المتعة ، وأنت تعلم أنّه قد قيل بوجوب المهر بمجرّد العقد من أصحابنا أيضا بل هو المشهور كما مرّ إلّا أنّه ينتصف بالطلاق ، ولعلّ مراده وجوبه بحيث لا يسقطه شيء فحينئذ يرد عقد المنقطع أيضا لأنّه ينتصف إذا وهبت المدّة قبل الدخول على المشهور وينبغي أن يقول يلزم ثبوت المهر ووجوده دائما في عقد الدائم ، وليس كذلك فإنّه يجوز خلوّه عن مهر ، ثمّ يلزم بالدخول

__________________

(١) راجع في ذلك تفسير الرازي ج ١٠ ص ٥١ ، تفسير الطبري ج ٥ ص ١٢ و ١٣ سنن البيهقي ج ٧ ص ٢٠٦ ، الوسائل الباب الأول من أبواب المتعة.

٥١٥

مهر المثل ، ويمكن كونه مقصود مجمع البيان فتأمّل.

وممّا يمكن التعلّق به في هذه المسئلة الرواية المشهورة عن عمر بن الخطاب أنّه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله حلالا أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما (١) فأخبر بأنّ هذه المتعة كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأضاف النهي عنها إلى نفسه لضرب من الرأي ، فلو كان النبيّ نسخها أو نهى عنها أو أباحها في وقت مخصوص دون غيره لأضاف التحريم إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله دون نفسه ، وأيضا فإنّه ما فرّق بين متعة الحجّ ومتعة النساء في النهي ، ولا خلاف في أنّ متعة الحجّ غير منسوخة ولا محرّمة فوجب أن يكون حكم متعة النساء حكمها.

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) من قال : إنّ المراد بالاستمتاع الانتفاع والجماع ، قال : المراد به لا حرج ولا إثم عليكم فيما تراضيتم به من زيادة مهر أو نقصانه أو حطّه أو إبرائه ، وقال السدّي : معناه لا جناح عليكم فيما تراضيتم به من استيناف عقد آخر بعد انقضاء المدّة المضروبة في عقد المتعة ، يزيد الرجل في الأجر وتزيده في المدّة ، وهذا قول الإماميّة ، وتظافرت به الروايات عن أئمّتهم عليهم‌السلام (٢).

قال القاضي : نزلت الآية في المتعة الّتي كانت ثلاثة أيّام حين فتحت مكّة ثمّ نسخت كما روي أنّه عليه‌السلام أباحها ثمّ أصبح يقول : يا أيّها الناس إنّي كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء إلّا أنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيمة ، وهي النكاح الموقّت بوقت معلوم سمّي به المتعة إذا الغرض منه مجرّد الاستمتاع بالمرأة وتمتيعها بما يعطي ، وجوّزها ابن عبّاس رضي‌الله‌عنه ثمّ رجع عنه.

قال في الكشاف قيل : نزلت في المتعة الّتي كانت ثلاثة أيّام حين فتح الله مكّة على رسوله ، ثمّ نسخت ، كان الرجل ينكح المرأة وقتا معلوما ليلة أو ليلتين أو

__________________

(١) راجع أحكام القرآن للجصاص ج ١ ص ٣٤٢ : شرح النهج لابن أبى الحديد في شرح الخطبة الشقشقية والخطبة الرقم ٢٢٣ ، تفسير الرازي ج ١٠ ص ٥٠ : وغير ذلك.

(٢) الكافي ج ٥ ص ٤٥٨.

٥١٦

أسبوعا بثوب أو غير ذلك ، ويقضي منها وطره ثمّ يسرحها ، سميت متعة لاستمتاعه بها أو لتمتيعه لها بما يعطيها ، وعن عمر أنّه لا اوتى برجل تزوّج امرأة إلى أجل إلّا رجمتها بالحجارة ، وعن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه أباحها ثمّ أصبح يقول إنّي أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إنّ الله حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، وقيل أبيح مرّتين ، وحرّم مرّتين وعن ابن عبّاس هي محكمة يعني لم تنسخ ، وكان يقرأ «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى» ويروى أنّه رجع عن ذلك عند موته ، وقال «اللهم إنّي أتوب إليك من قولي بالمتعة وقولي بالصرف».

وبالجملة الّذي يظهر أنّ الآية ظاهرة في المتعة والقراءة المنقولة صريحة في ذلك والإجماع واقع على أنّها كانت جائزة ، والروايات كذلك ، فالكتاب والسنة وإجماع الأمّة متّفقة على جوازها وقد اختلفت الأمّة في بقائها والأصل والاستصحاب وعدم دليل واضح على النسخ ، وكونه على خلاف الأصل مع الخلاف في جواز نسخ الكتاب بالسنّة المتواترة ، وعدم الإجماع مع عدم العلم بالتواتر منّا ، وعدم جوازه بالخبر الواحد بالعقل والنقل من الإجماع وغيره ، دليل العدم.

ويؤيّده عدم ورود خبر منقول صريح ، والخلاف من كبار الصحابة مثل ابن عباس وابيّ ونقل بقائه إلى زمان عمر وإسناده التحريم إلى نفسه كما مرّ والروايات من طرق أهل البيت عليهم‌السلام متواترة وأنّ رجوع ابن عبّاس عنه وتوبته بعيد لأنّه ما كان جراما بل كان قوله به واجبا حيث كان مسندا إلى دليل فكيف يصحّ الرجوع عند الموت مع عدم ظهور دليل خلافه في حياته ، ويبعد ظهور دليله عند الموت وكونه مخفيّا عليه وعلى غيره حتّى يمنعوه عنه إلى حين الموت ، ومع ذلك لا معنى للتوبة حيث كان قائلا بقول واجب ، ولهذا ما نقل في غير الكشّاف والقاضي الرجوع (١).

وما تقدّم من تفسيري مجمع البيان والثعلبيّ صريح في بقاء الجواز فقولهما بالنسخ باطل لما عرفت من عدم ما يصلح له من عقل ونقل ، كتابا وسنّة ، وإجماعا لوجود الخلاف من الخاصّة والعامّة مثل السدّي وسعيد بن جبير وجماعة من التابعين

__________________

(١) راجع في ذلك ذيل كنز العرفان ج ٢ ص ١٥٦.

٥١٧

وابن عبّاس وكذا نقل رجوعه باطل ، وممّا يدلّ على بطلانه كونه عند الموت والتوبة عنه ، لما عرفت على أنّ في كلامهما اضطرابا فإنّه يفهم تارة أنّه أباحها مرّة ثمّ حرّمها وتارة أنّه كان مرّتين وأنّه أباحها ثمّ أصبح وقال إنّ الله حرّمها أبدا ، فإنّه يفهم منه أنّه كانت يوما واحدا بل ليلة واحدة ويفهم أنّه كانت ثلاثة أيّام مع أنّه قال كان الرجل منهم يتمتّع أسبوعا ، وهل هذا إلّا تناقض واضطراب لردّ ما أحلّ الله لقول عمر به ، فتأمل ولا تقلّد.

والحاصل أنّ الجواز كان يقينا بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة ، ولا يزول إلّا بيقين مثله عقلا ونقلا من العامّة والخاصّة ، وليس ، فإنّه لا يحصل إلّا من الدليل العقليّ والكتاب والسنّة والإجماع اليقينيّات ، ومعلوم عدمها (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بمصالح (حَكِيماً) فيما شرّع من الأحكام.

السادسة : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً) أي من لم يجد قدرة وغنى ، وأصله الفضل والزيادة ومنه الطول (أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) أي يتزوّجها ، وهو في موضع النصب بطولا أو بفعل مقدّر صفة له ، أي ومن لم يستطع منكم قدرة يرتكب بها نكاح المحصنات أو لم يستطع غنى يبلغ به نكاح المحصنات يعني الحرائر المسلمات وظاهره العقد ويحتمل الوطي (فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) أي فليتزوّج منهنّ أي من جنس ما ملكتم ، فيريد إماء الغير ، فانّ التزويج لا يمكن إلّا بها ، ويحتمل أن يكون المعنى فان لم تقدروا على نكاح المسلمة الحرّة فخذوا الإماء سراري والنكاح حينئذ أيضا يحتمل المعنيين فتأمّل (مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) يعني الإماء المسلمات.

وظاهر الآية يدلّ على جواز نكاح المسلمة الحرّة للحرّ والعبد لعموم «من» إلّا أن يكون الخطاب للأحرار ، وعلى عدم جواز وطي الكافرة مطلقا كتابيّة وغير كتابيّة حرّة أو أمة للعبد والحرّ لقيد المؤمنات في الموضعين ، ولكن بمفهوم الوصف وما ثبت حجّيته ، فلا يعارض عموم أدلّة الحلّ ولا شكّ أنّه أحوط وسيجيء تحقيقه وعلى جواز عقد الأمة مع عدم قدرة الحرّة على الاحتمال الأوّل حرّا كان الناكح أو عبدا لعموم «من».

٥١٨

وقيل : على عدم جواز أخذ الحرّ الأمة بالعقد مع القدرة على الحرّة ، كأنّه بمفهوم الشرط الّذي ثبت حجيّته وفيه تأمّل ، لاحتمال أن يكون المراد المعنى الثاني ولعدم صراحته في الشرط لأنّه متضمّن له ، والمفهوم قد يكون معتبرا إذا كان صريحا ولهذا قيّد في بعض عبارة الأصوليّين بمفهوم «إن» ولأنّ المفهوم إنّما هو حجّة إذا لم يظهر للقيد فائدة غير نفي الحكم عن المسكوت ، كما بيّن في موضعه من الأصول وهنا وجه ظاهر ، وهو الترغيب والتحريص على النكاح وعدم الترك بوجه ولو كان بأمة ، وإفادة أنّ الحرّة أولى ، فلا يترك إلى غيرها مهما أمكن وهو ظاهر.

فالمعنى إن أمكن الفرد الأعلى والأفضل وهو نكاح المسلمة الحرّة فهو مقدّم عقلا وشرعا على تقدير القدرة وإلّا فالفرد الضعيف الغير الأولى وهو نكاح الإماء وهو جار في مفهوم الصفة المذكورة أيضا وأيضا سوق الآية مشعر بأن ليس المقصود ذلك فانّ الظاهر أنّ المقصود من الآية هو الإرشاد ، لا الترتيب في الحكم والأمر والنهي ، ولهذا ما حملت على تعين نكاح الحرّة المسلمة مع القدرة ، وتعين الأمة على تقدير العدم وأيضا لا شكّ في عموم «من» للحرّ والعبد ، وأنّه يجوز نكاح الأمة للعبد مع القدرة على الحرّة بغير خلاف على الظاهر ، ولو كان المفهوم هنا حجّة لزم عدم الجواز له أيضا فتأمّل.

وبالجملة هذا المفهوم لا يعارض عموم أدلّة الجواز مثل (أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) فلا يخرج عنه إلّا بدليل أقوى أو مثله ، ويؤيّده (وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ) يعني ما أنتم مكلّفون إلّا بظاهر الحال ، فكلّ من يظهر الايمان فهو مؤمن ومؤمنة عندكم واحكموا به فنكاحهما جائز ، ولستم مؤاخذين بما في نفس الأمر فإنّ ذلك لا يعلمه إلّا الله ، فلا يمكن تكليفكم به ، (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) أي كلّ منكم من ولد آدم فلا تأبوا نكاح الإماء فإنّ المدار على الجنسيّة والايمان ، وأنتم لا تفاضل بينكم إلّا بالايمان وهو أمر غير معلوم إلّا لله.

ويؤيّد الجواز أيضا قوله (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) أي تزوّجوا من الفتيات المؤمنات بإذن أهلهنّ وأمر ساداتهنّ ، وفيها دلالة على عدم جواز العقد على الأمة

٥١٩

بغير إذن مولاها مطلقا ، عقدا منقطعا ودواما سيّدا وسيّدة فينبغي تأويل ما ورد في بعض الأخبار من جواز العقد المنقطع على أمة السيّدة بغير إذنها ، مع عدم الصحّة والصراحة وتمام تحقيقها في الفروع فراجعها ، ويؤيّده أيضا (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى) الآية ويمكن فهم دلالتها على عدم اعتبار إذن الأمة حيث شرط إذن الأهل فقط.

(وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) أي أعطوهنّ مهورهنّ ، ولعلّ المراد أهلهنّ فإنّها مملوكة لهم (بِالْمَعْرُوفِ) بطريق يقتضيه عرف الشرع ، وهو ما وقع عليه التراضي والعقد ، أو مهر المثل إن لم يقع في العقد ، وعلى وجه حسن دون مماطلة وقبح (الْمُحْصَناتِ) أي تزوّجوهنّ عفائف (غَيْرَ مُسافِحاتٍ) زانيات (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) أي أخلّاء في السرّ ، لأنّ الرجل كان يتّخذها صديقة يزني بها ، والمرأة كانت تتّخذ صديقا فيزني بها ، وروى ابن عبّاس أنّه كان قوم في الجاهليّة يحرّمون ما ظهر من الزنا ويستحلّون ما خفي منه فنهى الله سبحانه عن الزنا سرّا وجهرا ، فعلى هذا يكون المراد بقوله (وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) غير زانيات جهرا ولا سرّا كلّها حالات ولعلّ الفائدة الترغيب في المتّصفة بهنّ لا عدم جواز غيرهنّ.

(فَإِذا أُحْصِنَّ) قرئ بضمّ الهمزة وكسر الصّاد مبنيّا للمفعول أي فإذا تزوّجن وأحصنّ وحفظن من الزنا بأزواجهنّ ، وبالفتح للفاعل يحتمل أن يكون معناه أحصنّ أنفسهنّ من الزنا بالتزويج كما يحتمل أن يقال ذلك في قراءة محصنات ، وقيل : أحصن أزواجهنّ من الزنا ، وقيل أسلمن فأحصنهنّ الإسلام كما يحصنهنّ الأزواج (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ) أي فان زنين المحصنات من الإماء (فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) أي نصف ما على الحرائر من الحدّ في الزنا وهو مائة جلدة ونصفها خمسون ، لا الرجم إذ لا ينتصف فلا رجم على الإماء مطلقا بل العبيد أيضا لعدمه.

فدلّت على أنّ حدّ الزنا في المملوكة المحصنة هو خمسون ولكن لم يظهر حينئذ للقيد بالإحصان والمملوكة وجه ، فإنّه بدونهما أيضا ذلك ، على ما تقرّر فالمعنى الأوّل غير مناسب ، فيحتمل الثاني إذ قد يقال لا زنا للكافرة للشبهة ، ويحتمل

٥٢٠