زبدة البيان في أحكام القرآن

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]

زبدة البيان في أحكام القرآن

المؤلف:

الشيخ أحمد بن محمّد الأردبيلي [ المقدّس الأردبيلي ]


المحقق: محمّد الباقر البهبودي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة
الطبعة: ٠
الصفحات: ٧٠١

حبّة أخرجت سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة يعني أنّ النفقة في سبيل الله أي الجهاد أو مطلق القرب بسبع مائة ضعف (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) أي يفعل هذه الزيادة لمن يشاء ، أو أنّه يزيد على هذه لمن يشاء (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي يوسّع ولا يضيق عليه ما يتفضّل من الزيادة عليهم بسبب إخلاص المنفق وقدر إنفاقه وتعبه في تحصيله فيثيبه على ما يعلم من حاله ، ويمكن أن يكون هذه باعتبار التفضّل والمشيئة ، وباعتبار التفاوت في حال المنفق [مثل] حال الإخلاص والاحتياج ، وحال المنفق عليه مثل اضطراره وصلاحه ، وقرابته وشرافته ، وطريق الإنفاق من كونه سرّا حتّى لا يعرف صاحبه فلا ينافيه (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (١).

واعلم أنّ هذه وما قبلها وما بعدها من الآيات الكثيرة تدلّ على الترغيب والتحريص في الإنفاق ، وأنّه لا بدّ من كونه خالصا لله ، وخاليا من الرياء والمنّ والأذى وأنّها تبطله.

السابعة: (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٢).

المنّ أن يعتدّ بإحسانه على من أحسن إليه ، مثل أن يقول أحسنت إليك أو إلى فلان ، والأذى أن يتطاول عليه ويترفّع سبب ما أنعم عليه ، وبالجملة هما معلومان وما ذكرناه بعض أفرادهما وهي تدلّ على عدم الأجر مع المنّ والأذى ، كما هو صريح في أخرى سيجيء وفيه تأمّل سيجيء ، ولا يبعد أنّهما كما يبطلان الإنفاق يبطلان غيره أيضا من الإحسان بأيّ طريق كان ، مثل قضاء حاجة شخص وتعليمه وتخليصه من محنة وتعظيمه وردّ الغيبة عنه ، وتعريفه واستعمال الخلق الحسن معه بأن يسامحه فيما فعل بالنسبة إليه ولم يكاف مع قدرته عليه ، وبالجملة جميع ما يمكن أن يعدّ إحسانا وموجبا للأجر.

والحاصل أنّ مضيعات الأمور الحسنة الموجبة للتقرّب الإلهي كثيرة حتّى أنّ

__________________

(١) الأنعام : ١٦٠.

(٢) البقرة : ٢٦٢.

٢٠١

السرور بذكر غيره إحسانه ومدحه مضيّع ومهلك على ما فهم من بعض الروايات بل يمكن فهمه من عموم بعض الآيات مثل قوله تعالى (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١) والعاقل كلّ العاقل ، والحاذق كلّ الحاذق ينبغي أن لا يفعل ما يضيع سعيه وماله ، ولا يصرفهما بحيث لا أجر له ، بل يكون وبالا عليه ، ويصير سفيها فإنّه ادّعى في التذكرة الإجماع على أنّ صرف المال في الحرام موجب للسفه المانع من سائر تصرّفاته الماليّة ، وهو يحسب أنّه يحسن صنعا ، والخلوص من هذه الأمور سيّما الرياء والسمعة الّتي هي الشرك في غاية الصعوبة كما هو المبيّن في محلّه ، والله الموفّق.

ومثلها قوله تعالى (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ) (٢) أي ردّ جميل بكلام حسن لا قبح فيه والتجاوز عن إلحاح السائل ونيل مغفرة له من الله ، والعفو عن السائل بأن يعذره ويغفر مساويه ، خير من الصدقة الّتي يتبعها أذى ، والظاهر أنّ الخير بمعنى أصل الفعل إذ لا خير في الصدقة الّتي يتبعها أذى كما علم ممّا سبق ، وسيأتي أنّ المنّ والأذى يبطلانها ، بل بهما يحصل العقاب أيضا إلّا أن يقال : إنّ في ذلك مسامحة وأنّ الصدقة تحصل بها أجر ، ولكن بالأذى يحصل العقاب (وَاللهُ غَنِيٌّ) عن إنفاقكم وليس نفعه إلّا لكم (حَلِيمٌ) عن معاجلة من يمنّ ويؤذي بالعقوبة فيؤخّر العقاب لحلمه ، ونعوذ بالله من غضب الحليم ، ويحتمل أن يكون المراد الوصيّة بالحلم فإنّ الله مع غناه يحلم عن عقوبة العصاة ، فكيف المحتاج لا يحلم عن الّذي لا يعصي ، وهو في غاية الاحتياج إلى تحصيل الثواب وسقوط العقاب فافهم ، وأشار إلى إبطالهما بـ.

الثامنة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ

__________________

(١) آل عمران : ١٨٨.

(٢) البقرة : ٢٦٣.

٢٠٢

تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (١).

أي لا تحبطوا أجر الصدقة بكلّ واحد من المنّ والأذى كابطال المرائي إنفاقه الّذي لا يريد به رضى الله ولا ثواب الآخرة ، فالكاف في محلّ النصب بالمصدر ، أي لا تبطلوا إبطالا مثل إبطال الّذي ، ويحتمل الحال فيكون المعنى لا تكونوا مبطليها بهما حال كونكم مثل الّذي يبطل بالرياء ، والرياء منصوب بأنّه مفعول له أو على الحال بمعنى مرائيا ، أو المصدر أي إنفاقا رئاء ، يعني صفة المصدر أو المضاف إليه له وحذف ووضع مقامه (وَلا يُؤْمِنُ) عطف على (يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ) أي وكالّذي لا يؤمن بمعنى كابطاله أعماله أو صدقته فقطّ إذ الكلام فيها أو يكون المعنى كما مرّ بأن يكون من تتمّة التشبيه الأوّل وتفسيرا للمرائي يعني لا يؤمن المرائي بالله ولا باليوم الآخر فلا يؤمن بحصول الثواب بالإنفاق أو الأعمّ أي لا يريد رضى الله وثواب الله يوم الآخرة ولا يصدّق حصولهما بالإنفاق والعمل الصالح ، ويحتمل عطفه على رئاء بجعله حالا بتأويل المفرد.

(فَمَثَلُهُ) مثل المرائي أو مثل المبطل إنفاقه بالمنّ والأذى والرياء في إنفاقه وعدم الإيمان مثل حجر أملس يكون عليه تراب خالص فوقع عليه مطر عظيم القطر فجعل ذلك المطر ذلك الحجر الأملس نقيّا من التراب فليس لهم أجر ولا هم ينتفعون بشيء ممّا كسبوا بطريق الرياء بل وجدوا نقيضه لحرمة الرياء بل كونه شركا كما يشعر به (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) فإنّه تعريض وإشارة بأنّ ذلك كفر فكأنّه عبّر عنهم بالكافرين كما في ترك الزكاة والحجّ ، ففيها تحريم المنّ والأذى والرئاء ووجوب الإخلاص في الإنفاق بل سائر الأعمال.

التاسعة: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٢).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٤.

(٢) البقرة : ٢٦٥ ، وما بعدها ذيلها.

٢٠٣

أي تثبيتا بعض أنفسهم على الإيمان ، فإنّ المال شقيق الروح فمن بذل ماله لوجه الله ثبّت بعض نفسه ، ومن بذل ماله وروحه ثبّتها كلّها ، أو تصديقا للإسلام وتحقيقا للجزاء مبتدئا من أصل أنفسهم ، وفيه تنبيه على أنّ حكمة الإنفاق للمنفق بتزكية نفسه عن البخل والمنّ وحبّ المال (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ) أي ومثل نفقة هؤلاء في الزكاة كمثل بستان في موضع مرتفع فإنّ الشجرة حينئذ يكون أحسن منظرا وأزكى ثمرة ، والربوة مثلّث الراء (أَصابَها وابِلٌ) أي مطر عظيم القطر كما مرّ (فَآتَتْ أُكُلَها) أي جاءت بثمرتها (ضِعْفَيْنِ) أي مثلي ما كانت تثمر بسبب المطر العظيم ، فالمراد بالضعف المثل كما أريد بالزوج الواحد في قوله تعالى (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) وقيل أربعة أمثاله ونصبه على الحال أي مضاعفا (فَإِنْ لَمْ يُصِبْها وابِلٌ فَطَلٌّ) أي فيصيبها طلّ أو فالّذي يصيبها طلّ أو فطلّ يكفيها لحسن منبتها وبرودة هوائها وارتفاع مكانها ، والطلّ هو المطر الصغير القطر ، والمعنى أنّ نفقات هؤلاء زاكية عند الله تعالى لا نضيع بحال وإن كانت تتفاوت باعتبار ما ينضمّ إليها من الأحوال ويجوز أن يكون التمثيل لحالهم عند الله تعالى بالجنّة على الربوة ، ونفقاتهم الكثيرة والقليلة الزائدتين في قراباتهم بالوابل والطلّ (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) تحذير عن الرياء والمنّ والأذى وترغيب في الإخلاص.

(أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ) الهمزة فيه للإنكار (أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ) جعل الجنّة من النخيل والأعناب مع أنّ فيها من سائر الأشجار أيضا تغليبا لهما لشرفهما وكثرة منافعهما ، ثمّ ذكر أنّ فيها من كلّ الثمرات ليدلّ على احتوائها على سائر أنواع الأشجار ، ويجوز أن يكون المراد بالثمرات المنافع (وَأَصابَهُ الْكِبَرُ) أي كبر السنّ فإنّ الفاقة والفقر في الشيخوخة أصعب والواو للحال (وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ) صغار لا قدرة لهم على الكسب (فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ) عطف على أصابها ، والأعصار ريح عاصفة منعكس من الأرض إلى السماء مستديرة كعمود ، والمعنى تمثيل حال من يفعل الأفعال الحسنة ، ويضمّ إليها ما يحبطها كرياء وإيذاء ومنّ ، في الحسرة والندامة

٢٠٤

والأسف إذا كان يوم القيامة واشتدّت حاجته إليها ، ووجدها محبطة ، بحال من هذا شأنه وأشبه بهم من جال بسيرة في عالم الملكوت وترقّى بفكره إلى جناب الجبروت ثمّ نكص على عقبيه إلى عالم الزّور ، والتفت إلى ما سوى الحقّ وجعل سعيه هباء منثورا (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) أي تتفكّرون فيها فتعتبرون بها.

ولنتبع الكتاب بآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ (١)) فاعل «تحسبنّ» النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو كلّ من يصلح للتخاطب و «الّذين» مفعوله الأوّل بحذف المضاف ليربط به المفعول الثاني ، وهو خيرا ، و «هو» فصل أي لا تظننّ بخل الّذين يبخلون خيرا لهم ، وعلى قراءة «يحسبنّ» بالغيبة يحتمل كون الفاعل محسب وعاقل ونحو ذلك ، وهو ظاهر من السوق أو «الّذين» ومفعوله الأوّل حينئذ محذوف أي لا يظننّ الّذين يبخلون بخلهم خيرا لهم ، هكذا قالوا ، وهذا خلاف ما في الكافية من عدم جواز حذف أحد مفعولي باب حسبت ، فكأنّه محمول على الغالب. أو على الحذف الّذي يكون نسيا منسيّا.

قيل في معنى (سَيُطَوَّقُونَ) يجعل ما يبخل به من المال طوقا في عنقه ، والآية نزلت في مانع الزكاة ، وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : ما من رجل لا يؤدّي زكاة ماله إلّا جعل في عنقه شجاع يوم القيامة ثمّ تلا عليه‌السلام هذه الآية ، وقيل : ومعناه ويجعل في عنقه طوق من نار ، وغير ذلك ، وقيل : يؤتى بما بخل من المال فيجعل ذلك طوقا ويعذّب به مثل (يَوْمَ يُحْمى) (٢) وقيل : معناه : يعود وباله إلى عنقه ، وقد يعبّر عن الإنسان بالرقبة كقوله : (فَكُّ رَقَبَةٍ) (٣).

قال في مجمع البيان : قد تضمّنت الآية الحثّ على الإنفاق ، والمنع عن

__________________

(١) تمام الآية : بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ولله ميراث السماوات والأرض والله بما تعملون خبير ، الاية ١٨٠ من آل عمران.

(٢) براءة : ٣٥.

(٣) البلد : ١٣.

٢٠٥

الإمساك ، من جهة أنّ الأموال إذا كانت تعرض للزّوال إمّا بالموت أو بغيره من الآفات ، فأجدر بالعاقل أن لا يبخل بإنفاقه ، ولا يحرص على إمساكه ، فيكون عليه وزره ، ولغيره نفعه ، ومعنى (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ) الاية أنّه يموت من في السموات والأرض ، ويبقى هو جلّ جلاله لم يزل ولا يزال ، فيبطل ملك كلّ مالك إلّا ملكه.

وقوله (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) تأكيد للوعد والوعيد في الإنفاق والبخل وغيرهما ولا يبعد جعلها دليلا على وجوب بذل نحو العلم إلى كلّ من يستحقّه ويطلبه ويحتاج إليه ، مع عدم المانع من تقيّة ونحوها ، لعمومها وعدم منافاة ما روي في تفسيرها ، وكذا ورودها في زكاة المال لو سلّم ، لعدم كون خصوص السّبب مخصّصا لأنّ المدار على ظاهر اللفظ ومقتضاه على حسب القوانين ، كما ثبت في الأصول ولا ينافيه سيطوّق ون خصوصا بالمعنى الأخير ، ويؤيّده ما ورد في الأخبار من عدم المنع [والكتمان وعدم القبول] عن تعليم العلوم مثل ما روي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من كتم علما عن أهله الجم بلجام من نار ، وما روي عن أمير المؤمنين عليه‌السلام ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلّموا حتّى أخذ على أهل العلم أن يعلّموا (١) ولا يخفى ما فيها من التأكيد.

(لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٢) الخطاب والغيبة كما تقدّم في نظيره و (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) تأكيد للأولى ، قال في مجمع البيان : ويجوز أن يجعل بدلا والفاء زائدة (٣) ومفعولا الاولى محذوفان لدلالة مفعولي الثانية عليهما ، أي هم ، وبمفازة : أي لا يظنّنّ الّذين يفرحون بما فعلوا ويريدون أن يحمدوا على ذلك ، وكذا بما لم يفعلوا وهو أشدّ ، أنّهم بمنجاة من النار ومن تعذيبها ، بل هم قريبون بل واقعون فيها ، ولهم عذاب مؤلم.

قال أيضا في مجمع البيان : ثمّ بيّن سبحانه خصلة اخرى ذميمة من خصال اليهود

__________________

(١) الكافي ج ١ ص ٤١.

(٢) آل عمران : ١٨٨.

(٣) مجمع البيان ج ٢ ص ٥٥٣.

٢٠٦

نزلت فيهم حيث كانوا يفرحون بإجلال الناس ونسبتهم لهم إلى العلم ، عن ابن عبّاس وقيل : نزلت في أهل النفاق لأنّهم كانوا يجتمعون على التحلّف عن الجهاد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فإذا رجعوا اعتذروا وأحبّوا أن يقبل منهم العذر ، ويحمدوا بما ليسوا عليه من الايمان ، عن أبي سعيد الخدريّ وزيد بن ثابت ، وقال أبو القاسم البلخي : إنّ اليهود قالوا نحن أبناء الله وأحبّاؤه وليسوا كذلك وهو المرويّ عن أبي جعفر عليه‌السلام ، ثمّ قال : والأقوى أن يكون المعنيّ بالآية من أخبر الله عنهم أنّه أخذ ميثاقهم أن يبيّنوا أمر محمّد ولا يكتمونه وعليه أكثر أهل التأويل ، وهو مؤيّد لما قلناه وكذا في باقي التفاسير.

ولا يبعد الاستدلال بها على تحريم إرادة المحمدة من الغير بما فعل وبما لم يفعل ، بل الفرح بهما أيضا ، ولكن بمعنى الإعجاب بما فعل لعموم الآية ، وعدم التخصيص بالسبب ، وخروج غيره بدليله ، ويؤيّده النهي الموجود في الأخبار عن الفرح المعجب مثل احثوا على وجه المدّاحين التراب ، قال في العدّة العجب من المهلكات قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ثلاث مهلكات : شحّ مطاع وهوى متّبع وإعجاب المرء بنفسه ، وهو محبط للعمل ، والعجب إنّما هو الابتهاج بالعمل الصالح واستعظامه وأن يرى نفسه خارجا عن حدّ التقصير ، وهذا مهلك ، وأمّا السرور بفعل الحسن مع التواضع لأجل جلاله والشكر على التوفيق لذلك وطلب الاستزادة ، فحسن محمود ، قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من سرّته حسنته وساءته سيّئته فهو مؤمن إلخ قال في إحياء العلوم : نقل خبر لو صحّ لهلكنا ، روي أنّه ذكر أحد في حضرة النبيّ بمدح فقال : لو رضي بما قلتم فيه لدخل النار ، قلت : يكفي هذه الآية فافهم.

٢٠٧

(كتاب الخمس)

وفيه آيات :

الاولى: (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (١).

قال في مجمع البيان : اللغة : الغنيمة ما أخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار [بقتال (٢)] وقال القاضي (٣) : الّذي أخذتموها من الكفّار قهرا (٤) وفيهما قصور والمقصود أنّ المراد بها هنا غنائم دار الحرب الّتي هي أحد الأمور السبعة الّتي يجب فيها الخمس عند أكثر أصحابنا وهي غنيمة دار الحرب وأرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد مؤنة السنة لأهله على الوجه المتعارف اللائق من غير إسراف وتقتير ، والمعادن والكنوز وما يخرج بالغوص والحلال المختلط بالحرام مع جهل القدر والمالك ، وأرض الذّمي إذا اشتراها من مسلم. وضمّ الحلبيّ (٥) إليها الميراث والهبة والهديّة والصدقة ، وأضاف الشيخ العسل الجبليّ والمنّ وأضاف الفاضلان (٦) الصمغ وشبهة.

__________________

(١) الأنفال : ٤١.

(٢) مجمع البيان ج ٤ ص ٥٤٣.

(٣) في النسخ : أي الذي أخذتموها ، واستظهرنا أن الصحيح : «وى : الذي أخذتموها» أى وقال ى الذي أخذتموها كما أثتبناه.

(٤) تفسير البيضاوي : ١٦٤.

(٥) هو أبو الصلاح الشيخ تقى بن النجم الحلبي ، الشيخ الأقدم من كبار علمائنا الإمامية كان معاصرا للشيخ أبى جعفر الطوسي ، وقرأ عليه وعلى السيد المرتضى.

(٦) هما آية الله العلامة الحلي ، مع المحقق الحلي.

٢٠٨

ومستحقّه على المشهور أيضا المذكورون فيقسم ستّة أقسام : سهم الله ، وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله وكذا سهم ذي القربى يضعه حيث يشاء من المصالح ، وحال عدمه عليه‌السلام للإمام القائم مقامه ، والنصف الآخر للمذكورين من بني هاشم وذلك للروايات عن أهل البيت عليهم‌السلام وذكر في الكشّاف وتفسير البيضاويّ أيضا عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : المراد أيتامنا ومساكيننا وأبناء سبيلنا ، وتفسيرهم مضى في الزكاة وللخمس أحكام يعلم من الكتب الفرعيّة والّذي ينبغي أن يذكر هنا مضمون الآية فهي تدلّ على وجوبه في غنائم دار الحرب ممّا يصدق عليه شيء ، وأيّ شيء كان منقولا وغير منقول ، قال في الكشّاف : حتّى الخيط والمخيط ، فانّ المتبادر من الغنيمة هنا هي ذلك ويؤيّده تفسير المفسّرين به ، وهو كون ما قبل الآية وما بعدها في الحرب مثل (يَوْمَ الْفُرْقانِ) أي يوم حصل الفرق بين الحقّ والباطل فيه ، بأن غلب الحقّ عليه ، و (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) المسلمون والكفّار ، والدلالة على الوجوب يفهم من وجوه التآكيد المذكورة فيها : التصدير بالعلم ، وليس المراد العلم فقطّ بل العلم المقارن للعمل ، فانّ مجرّد العلم لا ينفع بل يصير وبالا عليه ، ومعلوم أن ليس المطلوب في مثل هذه الأمور العلم بها ، وهو ظاهر. وتقييده بالايمان أي إن كنتم آمنتم بالله واليوم الآخر ، وبما انزل من الفتح والنصرة يوم الفرقان فاعلموا أنّما غنمتم ، فجزاؤه محذوف من جنس ما قبله بقرينته ، ولكن لا مجرّد العلم بل المقارن للعمل كما مرّ فتأمل.

وذكر الجملة الخبريّة وتكرار أنّ المؤكّدة ، وحذف الخبر لإفادة العموم ذكره في الكشّاف حيث قال : فانّ لله خمسه مبتدأ خبره محذوف تقديره فحقّ أو فواجب أنّ لله خمسه ، وروى الجعفيّ عن أبي عمرو : فانّ لله بالكسر إلى قوله : والمشهورة أي قراءة فتح أنّ آكد ، من حيث إنّه إذا حذف الخبر واحتمل غير واحد من المقدّرات كقولك ثابت ، واجب ، حقّ ، لازم ، وما أشبه ذلك كان أقوى لإيجابه من النصّ على واحد ، وفيه تأمّل فإنّه لا يفيد التأكيد أكثر من واجب وهو ظاهر فتأمّل.

٢٠٩

ويحتمل أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره فالحكم أنّ لله إلخ على ما قيل ، بل هذا أولى ، والمجموع خبر أنّ الاولى! وصحّ دخول الفاء في الخبر لكون الاسم موصولا ، وأيضا ما عرفت وجه احتياج تقدير الخبر ، لم لا يجوز كون «فأنّ» من غير تقدير خبر أنّ الاولى ، ويكون حاصله اعلموا أنّ الّذي غنمتم فواجب فيه الخمس ، وقال في مجمع البيان : قيل في فتح أنّ قولان : أحدهما أنّ التقدير : فعلى أنّ لله خمسه ، ثمّ حذف حرف الجرّ ، والآخر أنّه عطف على أنّ الاولى وحذف خبر الاولى لدلالة الكلام عليه ، وتقديره اعلموا أنّما غنمتم من شيء فاعلموا أنّ لله خمسه ، والاحتياج إلى هذا أيضا غير ظاهر مع عدم ظهور معنى فاء العطف على التقدير الثاني.

ثمّ إنّه يفهم من ظاهر الآية وجوب الخمس في كلّ الغنيمة ، وهي في اللّغة بل العرف أيضا الفائدة ، ويشعر به بعض الأخبار مثل ما روى في التهذيب بإسناده عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قلت له (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ) قال هي والله الفائدة يوما فيوما إلّا أنّ أبي جعل شيعتنا من ذلك في حلّ ليزكو (١).

إلّا أنّ الظاهر أن لا قائل به ، فانّ بعض العلماء يجعلونه مخصوصا بغنائم دار الحرب كما عرفت ، وبعضهم ضمّوا إليه المعادن والكنوز وأكثر أصحابنا يحصره في السبعة المذكورة ، وقليل منهم أضاف إليها بعض الأمور الأخر كما أشرنا إليه وأيضا الإجمال في القرآن العزيز كثير ألا ترى كيف ذكر الزكاة بقوله (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ) إلخ والمراد بعض الكنوز مع النصاب وسائر الشرائط الّتي ذكرها الفقهاء وكذا آيات الصلاة والصوم والحجّ.

وأنّه تكليف شاقّ ، وإلزام شخص بإخراج خمس جميع ما يملكه بمثله مشكل ، والأصل والشريعة السهلة السمحة ينفيانه ، والرواية غير صحيحة وفي صراحتها أيضا

__________________

(١) التهذيب ج ١ ص ٣٨٨ ، وتراه في الكافي ج ١ ض ٥٤٤.

٢١٠

تأمّل إذ قد يكون المراد الفائدة يوما فيوما في مثل الصناعات الّتي هي محلّ الخمس فالقول بأنّها تدلّ على وجوب الخمس في كلّ فائدة ويخرج ما لا يجب فيه بالإجماع ويبقى الباقي ، فيكون الخمس واجبا في كلّ فائدة إلّا ما علم من الدليل عدمه فيه فتخصّص الآية به ، لا يخلو عن بعد ، وإن كان صحيحا على قوانين الاستدلال ، لعدم ظهور الآية ووجود الإجمال والعموم ، وإرادة الخاصّ في القرآن كثير كما عرفت ولعدم تفسير أحد إيّاها بها ، وعدم ظهور القائل ، والأصل الدالّ على العدم ، مع ظواهر بعض الآيات والأخبار ، وعدم مثل هذا التكليف الشاقّ وكأنّه لذلك ما ذهب إلى هذا الحمل والاستدلال أحد على الظاهر ، نعم قال في مجمع البيان بعد ما نقلنا عنه في الغنيمة موافقا لجمهور المفسّرين أنّ معناه في اللغة ذلك : قال أصحابنا : إنّ الخمس واجب في كلّ فائدة تحصل للإنسان من المكاسب وأرباح التجارات ، وفي الكنوز والمعادن والغوص ، وغير ذلك ممّا هو مذكور في الكتب ويمكن أن يستدلّ على ذلك بهذه الآية فانّ في عرف اللّغة يطلق على جميع ذلك اسم الغنم والغنيمة ، والظاهر أنّ مراده ما ذهب إليه أكثر الأصحاب من الأمور السبعة ، فإنّه نسبه إلى أصحابنا ، والظاهر منه الجميع أو الأكثر ، وليس وجوبه في كلّ فائدة قولا لأحد منهم على الظاهر ، وأيضا قال : مذكور في الكتب ، وليس ذلك مذكورا في الكتب فكأنّه أشار إلى إمكان الاستدلال لمذهب الأصحاب بالآية الشريفة ، إلزاما للعامّة فإنّهم يخصّونه بغنائم دار الحرب ، وذلك غير جيّد ، الله يعلم.

الثانية: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ) (١).

وقد أشرنا إليه في الزكاة وكذا قوله تعالى (وَآتِ ذَا الْقُرْبى) الآية (٢).

الثالثة: (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) (٣).

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) أسرى : ٢٦ ، الروم : ٣٨.

(٣) الأنفال : ١.

٢١١

قيل : المراد بالأنفال الغنائم ، فالسؤال عن أحكام الغنيمة وكيفيّة قسمتها وإنها نزلت حين اختلف الناس في قسمتها وأنّ القاسم يكون [من] الأنصار أو المهاجر أي قل إنّ أمره إلى الله والرسول بأمر الله فيفعل ما يريد ممّا أمره الله تعالى به ، وهو الأحكام المذكورة مفصّلا في قسمة الغنائم في كتب الفروع ، ويحتمل أن تكون ما هو المتعارف عند الفقهاء ، وهو الأمر الزائد الّذي هو خاصّة النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والإمام بعده كما ورد به الرواية عن الباقر والصادق عليهما‌السلام (١) أو الذي يعيّنه عليه‌السلام للناس يقول : من فعل كذا وكذا فله كذا وكذا ، ثمّ أمر الله تعالى بالتقوى بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ) أي اتّقوا الله في الاختلاف والتشاجر والمنازعة في قسمة الغنيمة بل مطلقا في جميع أوامر الله ونواهيه (وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) أي أصلحوا الحال الّتي بينكم بالمواساة ، ومساعدة بعضكم بعضا فيما رزقكم ، وبترك الخصومة والمنازعة بالصّلح والمحبّة والسداد وتسليم أمركم إلى الله والرسول (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) ولا تخرجوا عمّا أمرتم به فإنّ الايمان يقتضي ذلك.

وفيه مبالغة حيث يشعر بأنّ الخارج عن طاعة الله ورسوله ليس بمؤمن ، بل تارك التقوى وإصلاح ذات البين أيضا كذلك ولا شكّ في ذلك مع الإنكار والاستحلال بعد ثبوته ، فدلّت على قسمة الغنيمة الّتي منها الخمس على الأوّل ، وتخصيص الأنفال به صلى‌الله‌عليه‌وآله على الثاني كما يقول به الأصحاب ، وتعيين الأجر إليه صلى‌الله‌عليه‌وآله لمن يساعده في الحرب على الثالث ، وعلى وجوب التقوى وإصلاح ذات البين مطلقا ، وهذا قد يكون واجبا من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذا كان في خلافه ترك واجب ، بأن ارتكب أحد الخصمين ذلك ، وقد يكون مستحبّا وهو مع عدم ذلك وخوف حصوله ، ففيه ترغيب عظيم وحثّ بليغ في إصلاح الخلق ، والمواساة والمساعدة كما دلّ عليه غير هذه الآية ، والأخبار مشحونة بذلك بحيث لا يمكن الخروج عن عهدة ذلك إلّا لمن وفّقه الله تعالى من أوليائه وأحبّائه.

ثمّ بالغ في التضرّع والخشوع والخوف حتّى أنّه يفهم منه أنّ الايمان لم

__________________

(١) راجع الكافي ج ١ ص ٥٤١.

٢١٢

يتحقّق بدون الوجل عند ذكر الله بقوله تعالى (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) أي فزعت قلوبهم لذكر الله ويحتمل أن يكون المعنى الخوف والطمع عند ذكر أمر الله وثوابه ، ونهيه وعقابه ، والائتمار والانتهاء والانزجار ، فيحتمل أن يكون ذلك شرطا لكمال الإيمان ، فيكون المراد إنّما المؤمنون الكاملون في الايمان قال في الكشّاف والدليل عليه (أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) وفي الدليل تأمّل فإنّ حقّا يجوز أن يكون مفعولا مطلقا لمحذوف تأكيدا لمضمون الجملة كما ذكره أيضا فتأمّل.

ويحتمل كونه شرطا لمطلق الأيمان فإنّ شرطه قبول الأمر والنهي ، بمعنى عدم الإنكار ، والطمع في الثواب ، والخوف من العقاب ، وتحقّق ذلك عنده.

(وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) يعني إذا قرئت عندهم آية من آيات الله الدالّة على الله وصفاته زادتهم الإيمان وفي هذا دليل على قبول الإيمان الزيادة والنقصان ، ويدلّ على أنّه لا بدّ من التوكّل في الإيمان قوله تعالى (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) عطف على (إِذا ذُكِرَ اللهُ) كما قبله ، وعلى ربّهم متعلّق بيتوكّلون أي لا يفوّضون أمرهم إلّا إلى الله تعالى ، ولا يخشون ولا يرجون إلّا الله.

ولنختم هذا البحث بآية (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ) (١) أي المال الّذي أفاء الله أعاده وأرجعه وأعطاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الكفّار ، وجعله فيئا له خاصّة (فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ) أي فما أجريتم على تحصيله ومغنمه ، وهو من الوجيف هو سرعة السير (مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ) ولاتعبتم في القتال عليه ، وإنّما مشيتم على أرجلكم والمعنى أنّ ما خوّل الله رسوله من أموال بني النضير شيء لم تحصّلوه بالقتال والغلبة (وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) ولكن سلّط الله رسوله عليهم وعلى ما في أيديهم كما كان يسلّط رسله على أعدائه ، فالأمر فيه مفوّض إليه يضعه حيث يشاء ، يعني أنّه لا يقسم قسمة الغنائم الّتي قوتل عليها ، وأخذت عنوة وقهرا ، وذلك أنّهم طلبوا القسمة فنزلت كذا في الكشّاف ولكن فيه تأمّل إذ سيجيء

__________________

(١) الحشر : ٦ و ٧.

٢١٣

قسمته فليس الأمر مفوّضا إليه مع أنّ القصّة واحدة كما سيجيء إلّا أن يكون ذلك تفضّلا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله أو يكون المراد نفي قسمة ما أخذت عنوة فتأمّل.

(ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى) في الكشّاف لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنّها بيان للأولى فهي منها غير أجنبيّة بيّن لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما يصنع بما أفاء الله عليه ، وأمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم مقسوما على الأقسام الخمسة ، جعل الخمس خمسة أقسام بجعله لله للتبرّك ، وجعله البعض ستّة : سهم الله ، وسهم رسوله ، وذي القربى ، لرسول الله ، ثمّ للإمام القائم مقامه ، وبعض يجعل سهم الله في المساجد وعمارة الكعبة ، وبالجملة المشهور بين الفقهاء أنّ الفيء له صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده للقائم مقامه ، يفعل به ما يشاء كما هو ظاهر الآية الاولى والآية الثانية تدلّ على أنّه يقسم كالخمس ، فإمّا أن يجعل هذا غير مطلق الفيء بل فيئا خاصّا كان حكمه هكذا ، أو منسوخا أو يكون تفضّلا منه صلى‌الله‌عليه‌وآله وكلام المفسّرين أيضا هنا لا يخلو عن شيء كما فهمت عبارة الكشّاف فإنّها متناقضة (فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) هذه الأقسام الخمسة أو الستّة (كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ) لكيلا يكون الفيء الّذي حقّه أن يعطى الفقراء [ليكون لهم] بلغة يعيشون بها ، ما يتداوله الأغنياء ويدور بينهم ، كما كان في الجاهليّة ، ومعنى الدّولة الجاهليّة أنّ الرؤساء منهم كانوا يستأثرون بالغنيمة لأنّهم أهل الرئاسة والدولة والغلبة والمعنى لئلّا يكون أخذه غلبة وأثره جاهليّة.

(لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) للفقراء بدل من قوله : لذي القربى والمعطوف عليه ، والّذي منع الأبدال من : لله وللرسول والمعطوف عليهما ، وإن كان المعنى لرسول الله أنّ الله عزوجل أخرج رسوله من الفقراء في قوله (وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) وأنّه يترفّع برسوله عن التسمية بالفقير ، وأنّ الإبدال على ظاهر اللفظ من خلاف الواجب في تعظيم الله عزوجل (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في أيمانهم وجهادهم

٢١٤

(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ وَالْإِيمانَ) عطف على المهاجرين ، والمراد بهؤلاء الأنصار الّذين تبوّؤا دار الهجرة ودار الايمان بحذف المضاف إليه من الأوّل والمضاف من الثاني أو المراد أخلصوا الايمان كقوله «علّفته تبنا وماء باردا (١)» أو سمّى المدينة إيمانا لأنّه مستقرّه. إلى قوله (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) أي ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواه عن استعمال البخل بمعونة الله وتوفيقه (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الظافرون بما أرادوا.

__________________

(١) كذا في النسخ ، وهكذا تفسير البيضاوي ص ٤٢٧ والصحيح من البيت هكذا :

علفتها تبنا وماء باردا

حتى شتت همالة عيناها

٢١٥

(كتاب الحج)

(والبحث فيه على أنواع)

(الأول)

(في وجوبه)

وفيه آيتان :

الاولى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١).

الواو في (وَمَنْ دَخَلَهُ) للعطف و «من» مبتدأ و «كان» خبره وحجّ البيت مبتدأ «ولله» خبره ، والواو كأنّه للاستيناف ، و «من» عطف بيان للناس أو خبر مبتدأ محذوف أي هو من ، وكأنّ المراد بالحجّ الطواف مع باقي الأفعال ، أو قصد البيت للأفعال المخصوصة عنده كما هو اصطلاح بعض الفقهاء ، أو الأفعال المخصوصة عنده كما هو عند البعض ، والاستطاعة عند أكثر الأصحاب مفسّرة بالقدرة على الزاد والراحلة ذاهبا وآئبا ، زائدا على نفقة عياله الواجب نفقتهم عليه حتّى يرجع ، مع عدم المانع في نفسه من مرض وعدم القدرة على السفر وتخلية السرب من الموانع ، وكلّ ذلك مأخوذ من الأدلّة العقليّة والنقليّة.

وأمّا الرجوع إلى كفاية على ما هو مذهب البعض لرواية أبي الربيع الشاميّ (٢)

__________________

(١) آل عمران : ٩٦.

(٢) الوسائل ب ٩ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

٢١٦

فالأصل وظاهر الآية ينفيانه فإنّ الأصل عدم اشتراط الزيادة ، وأنّ معنى الآية على الظاهر : لله على من وجد طريقا إلى حجّ البيت حجّه ، ومجهوليّة أبي الربيع تردّ العمل بروايته مع الاختلاف في المتن ، بحيث لا دلالة فيها على ما في بعض النسخ ، مع معارضتها ظاهر الآية والأخبار الكثيرة المعتبرة مثل صحيحة محمّد بن مسلم قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) قال يكون له ما يحجّ به قلت : فان عرض عليه الحجّ فاستحيى ، قال : هو ممّن يستطيع ، ولم يستحيي؟ ولو على حمار أجذع أبتر ، ومثله في حسنة الحلبيّ ، وما في الصحيح عن محمّد بن يحيى الخثعميّ ـ إلّا أنّه قال في رجال ابن داود ورجال الشيخ مهمل ، وقال في الاستبصار في باب من يفوته المشعر أنّه عاميّ ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام : فقال له حفص الكناسيّ : وإذا كان صحيحا في بدنه مخلا سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممّن يستطيع الحجّ؟ قال : نعم (١).

وهذه الأخبار كظاهر الآية دالّة على وجوبه ببذل الزاد والراحلة مطلقا سواء كان الباذل نذره أم لا ، وسواء كان عدلا أم لا ، وسواء كان المبذول له مديونا أم لا ، نعم يمكن إخراج من لم يكن لعياله الواجبة نفقتهم عليه قوت ، ولم يبذل ذلك ، بدليل آخر من عقل أو نقل ، وسواء كان المبذول نفس الزاد والراحلة ، أو ثمنهما ، أو ما يمكن تحصيلهما به ، فالتخصيصات الّتي ذكرها بعض الأصحاب غير واضح ، نعم لا بدّ أن يكون ممّن يوثق به (٢) لو لم يعطه ذلك بالفعل ، بل يقبله ويشاركه معه في الزاد ونحوه ، ويؤيّد الوجوب عموم بعض الأخبار الأخر الّتي تدلّ على أنّ وجوبه معلّقة بالإمكان كما هو مذهب بعض العامّة ، والمبالغة المستفادة منها ومن تتمّة الآية حتّى عبّر عن الترك بالكفر ، والاعراض عن التارك بالغناء عن عبادته وعبادة غيره المشعر باحتياج غيره إليه يوم الحاجة بقوله (وَمَنْ كَفَرَ

__________________

(١) الوسائل الباب : ١٠ من أبواب وجوب الحج الحديث ١.

(٢) اى يظن أنه يفي به ولا يرجع ، بمعنى أن لا يكون هناك ما يفهم منه عدم الاعتماد وعدم الوفاء ، منه رحمه‌الله.

٢١٧

فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) وهي محمولة على المبالغة كالأخبار ، مثل ما روي في المجمع عن أمامة عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : من لم تحبسه حاجة ظاهرة من مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحجّ فليمت إن شاء يهوديّا وإن شاء نصرانيّا ونحوه نقل عن ابن عبّاس والحسن ، وفيه (١) معناه من جحد فرض الحجّ ولم يره واجبا.

وأمّا سائر أفعال الحجّ وأحكامه فلتطلب من محالّها ، ويمكن كون قوله تعالى (وَمَنْ دَخَلَهُ) إشارة إلى وجوب عدم التعرّض لمن جنى في غير الحرم فالتجأ إليه كما قيل إنّه كان في الجاهليّة كذلك وذكره الأصحاب أيضا مع إيجاب عدم معاملته ومؤاكلته ، حتّى يضطرّ إلى الخروج فيفعل به ما اقتضى جنايته من الحدّ وغيره ، للأخبار مثل حسنة الحلبيّ لإبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سألته عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال إذا أحدث العبد في غير الحرم جناية ثمّ فرّ إلى الحرم لم يسغ لأحد أن يأخذه في الحرم ، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقى ولا يكلّم فإنّه إذا فعل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ ، وإذا جنى في الحرم جناية أقيم عليه الحدّ في الحرم لأنّه لم يرع للحرم حرمة ورواية عليّ ابن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) قال إن سرق سارق بغير مكّة أو جنى جناية على نفسه ، ففرّ إلى مكّة ، لم يؤخذ ما دام بالحرم ، حتّى يخرج عنه ، ولكن يمنع من السوق فلا يبايع ولا يجالس حتّى يخرج منه فيؤخذ ، وإن أحدث في الحرم ذلك الحدث أخذ فيه (٢).

والظاهر من الحرم هو الحرم المقرّر الّذي هو اثنا عشر ميلا في مثله ولكن ظاهر الآية هو كون المأمن البيت أو بكّة ، لرجوع الضمير إلى أحدهما مع تأويل في الثاني بالبلد ، للتذكير إذ لا مرجع غيرهما في قوله (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ) وكذا

__________________

(١) أى قال في مجمع البيان ج ٢ ص ٤٧٩ في قوله (وَمَنْ كَفَرَ) معناه : ومن جحد فرض الحج ولم يره واجبا ، عن ابن عباس والحسن ، فتأمل.

(٢) راجع الكافي ج ٤ ص ٢٢٦ و ٢٢٧.

٢١٨

يحتاج إلى التأويل في ضمير «فيه» إذ الظاهر إرجاعه إلى بكّة لأنّ المقام ليس في البيت ، والظاهر أنّه بيان للآيات الواقعة في بكّة كما قيل ، فالظاهر رجوعهما إليهما وإرادة معناهما وإرادة الحرم منهما بعيدة لا يفهم ، والعمدة هي الأخبار في هذه المسئلة مع فتوى الأصحاب ، وإلّا فالآية ليست بصريحة بل ولا ظاهرة فانّ ظاهرها أنّها خبر بكونه مأمنا ، وجعله بمعنى الأمر يعني وليكن مأمونا من دخله أي لا تتعرّضوا له بعيد ، مع أنّه قيل معناها أنّ من دخله عارفا بجميع ما أوجبه الله تعالى عليه كان آمنا يوم القيمة من العقاب الدائم ، ويؤيّده ما روي في الكافي في الحسن لإبراهيم عن عبد الله بن سنان [عن أبي عبد الله عليه‌السلام] قال سألته عن قول الله عزوجل (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) البيت عنى أو الحرم؟ قال : من دخل الحرم من الناس مستجيرا فهو آمن من سخط الله تعالى ، ومن دخله من الوحش والطير كان آمنا من أن يهاج أو يؤذى ، حتّى يخرج من الحرم (١) وهذه تشعر بكون الحكم في الحرم ، وفيها إيماء إلى عدم رجوعه إليه ، بل إلى البيت حيثما صرّح بالمعنى في الآية بل ذكر الحكم ، فتأمّل.

وقيل أيضا إنّه إشارة إلى استجابة دعاء إبراهيم عليه‌السلام (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) (٢) ويحتمل أن يكون المراد أمنه من التخريب وغيره من الآفات ، ونقل في مجمع البيان أنّه روي عن ابن عبّاس أنّ الحرم كلّه مقام إبراهيم ومن دخل مقام إبراهيم يعني الحرم كان آمنا ، فالضمير حينئذ راجع إلى مقام إبراهيم ، وذلك قريب ، ولكن إرادة الحرم هنا من مقام إبراهيم بعيد. أو راجع إلى بكّة ، وأريد منه الحرم. والإرادة لا يخلو عن بعد بأن يراد من بكّة الحرم بإطلاق اسم الجزء على الكلّ ، أو لوجود معنى البكّ في الحرم أيضا في الجملة فتأمّل.

واعلم أنّ في هذا الحكم ودليله دلالة مّا على وجوب الاجتناب عن الفاسق فافهم وأنّ الظاهر عدم تعديته إلى من استدان خارج الحرم مع الوجدان والقدرة

__________________

(١) المصدر ج ٤ ص ٢٢٦.

(٢) البقرة : ١٢٦.

٢١٩

على الأداء فالتجأ إلى الحرم وكذا من غصب أموال الناس ، لأدلّة وجوب الردّ ولكون حقوق الناس أشدّ والمساهلة في حدود الله ، ولهذا تسقط بأيّ شبهة كانت وعدم شمول هذه الأدلّة له للاحتمال في الآية بأن لا يكون في هذا الحكم أصلا ، والأخبار غير صحيحة ولا صريحة في الكلّ ، بل ظاهرة في الجناية الموجبة للحدّ والتعزير ، إذ لا يقال للاستدانة ونحوها أنّها جناية ، نعم السرقة موجودة في الأخيرة الضعيفة ، ومع ذلك يمكن حملها على عدم القطع لا أخذ المال فتأمّل ، وأنّ الظاهر أنّه ينبغي للحاكم إعلام الناس بحاله حتّى لا يعطوه شيئا ليخرج ، وأنّ الحكم بعدم الإعطاء بالكليّة ، فالتضيق الّذي لا يفهم منه عدمه بالكليّة ، وتصريح البعض بأنّه يعطى ولكن ما لا يموت ولا يصبر على مثله بعيد ، وإن أمكن حمل التضييق على ما مرّ فتأمّل.

الثانية: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) (١).

في مجمع البيان : يصدّون بمعنى صدّوا ، ويؤيّده قوله (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا) ويجوز أن يكون المعنى : إنّ الّذين كفروا ويصدّون الآن وفي الكشّاف بمعنى الاستمرار والثبوت ، ونقل عليه شعرا ، أي منعوا الناس عن طاعة الله مطلقا وعن هذه الطاعة الخاصّة وهي دخول المسجد الحرام مطلقا أو للطواف والعبادة فيه ، وخبر إنّ محذوف لدلالة ما سيأتي عليه ، أي نذيقهم من عذاب أليم.

(الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنَّاسِ سَواءً الْعاكِفُ) المقيم الملازم للمكان (فِيهِ) أي في المسجد الحرام (وَالْبادِ) الطاري الوارد على المكان دون المقيم فيه و «الّذي» اسم موصول وما بعده صلته ، وهو صفة المسجد الحرام ، وفي الكشّاف : «سواء» بالنصب مفعول ثان لجعلنا ، أي جعلناه مستويا العاكف فيه والبادي ، وبالرفع الجملة مفعول ثان له وفيه إجمال إذ ما بيّن للنّاس ولا إعراب العاكف على الأوّل ، وأيضا يلزم كون المبتدأ نكرة صرفة ، والخبر معرفة على الثاني ، إن كان سواء مبتدأ وكأنّه جعل

__________________

(١) الحج : ٢٥.

٢٢٠