الحسين (ع) والوهّابيّة

جلال معاش

الحسين (ع) والوهّابيّة

المؤلف:

جلال معاش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

السجن الذي امتدّ شهراً ، وكان يتوضأ ويصلّي وهي في يده ، كما كان ممنوعاً حتّى من قراءة القرآن الكريم ، فاتقوا الله تعالى فإنَّ الظلم ظلمات يوم القيامة.

ولا يجوز أن يكون فعل ذلك في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله المبعوث رحمة للعالمين الذي قال : «إنّما أنا رحمةٌ مهداة» (١). وبعثه الله تعالى رحمةً للعالمين ، فكيف بالمسلمين الذين تعاملونهم هذه المعاملة القاسية المنكرة بجواره الكريم وفي مسجده الشريف ، وهو القائل (عليه الصلاة والسّلام) : «الأنبياء أحياء في قبورهم يصلّون» (٢). و «إنّ الله عزّ وجلّ حرَّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» (٣).

١٤ ـ سمحتم لأحد المحسنين من أهل المدينة بهدم وإعادة بناء مسجد أبي بكر في جبل الخندق على حسابه الخاص ، وبعد الهدم أوقفتم رخصة البناء ؛

__________________

١ ـ رواه البيهقي في شعب الإيمان ٢ ص ١٦٤ ، وفي دلائل النبوّة ١ ص ١٥٧ ـ ١٥٨ ، والحاكم في المستدرك ١ ص ٣٥ ، ووافقه الذهبي ، ورواه القضاعي في مسنده ٢ ص ١٨٩ مرفوعاً عن أبي هريرة ، ورواه الدارمي في سننه ١ ص ٢١ وغيره عن أبي صالح مرسلاً ، رواه البزاز في كشف الأستار ٣ ص ١١٤ بلفظ : «إنّما بعثت رحمة مهداة». قال الهيثمي في المجمع ٨ ص ٢٥٧ : رواه البزاز والطبري في الصغير والأوسط ، ورجال البزاز رجال الصحيح.

٢ ـ رواه البيهقي في حياة الأنبياء ص ١٥ ، وأبو يعلي في مسنده ٦ ص ١٤٦ ح ٣٤٢٥ ، والبزاز في مسنده ص ٢٥٦ وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ٢ ص ٢١١ : (رواه أبو يعلي والبزاز ، ورجال أبي يعلي ثقات).

٣ ـ رواه أحمد في مسنده ٤ ص ٨ ، وابن أبي شيبة ٢ ص ٥١٦ ، وأبو داود في سننه ص ١٠٤٧ ، والنسائي ٣ ص ٩١ ـ ٩٢ ، وابن ماجه ١ ص ١٠٨٥ ، وابن حبان في صحيحه : (الإحسان ٣ ص ١٩٠ ـ ١٩١) ، وابن خزيمة في صحيحه ص ١٧٣٣ ، والحاكم في المستدرك ١ ص ٢٧٨ وصححه ، ووافقه الذهبي ، وصححه النووي في الأذكار (انظر الفتوحات الربّانية ٣ ص ٣٠٩ ـ ٣١٢).

٥٠١

لأنّكم تعتبرون زيارة المساجد السبعة في موقع معركة الخندق النازلة فيها سورة الأحزاب بدعة ، بل وتتمنون هدمها (١).

١٥ ـ تمنعون الناس من إدخال وقراءة كتاب (دلائل الخيرات) للشيخ العارف بالله محمد سليمان الجزولي الحسني في الصلوات على النبي (عليه الصلاة والسّلام) (٢) ، وكذا غيره من الكتب في حين أنّكم تعلمون ما يدخل ويعرض من الكتب والمطبوعات المنكرة شرعاً! فاتقوا الله تعالى.

١٦ ـ تتجسّسون وتلاحقون ، وتستجوبون وتعاقبون مَنْ يقيم مجالس الاحتفال والاحتفاء بذكرى المولد النبوي الشريف التي تخلو من أيّ منكر في الشرع ، في حين لا تعترضون على مجالس اللّهو والطرب والغناء ومظاهرها بشتى ألوانها وأنواعها. فهل يجوز الكيل بمكيالين ، وهل تجوز إهانة المحبّ ومراضاة الفاسق المستهتر؟ (٣).

__________________

١ ـ المؤلّف : وفي آخر زيارتنا للمدينة المنوّرة ، وكان ذلك في عام ١٤٢٤ هـ ، زرنا هذه المساجد ، فقد شاهدنا أنّ مسجد السيّدة فاطمة الزهراء عليها‌السلام أُغلق منذ أربع سنوات ، ومسجد علي بن أبي طالب عليه‌السلام أُغلق أيضاً منذ عامين ، والمخطّط هو هدم كلّ هذه المعالم التاريخية وبناء مسجد كبير واحد فقط! فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم.

٢ ـ المؤلّف : بل كلّ كتاب غير المختّصة بعقائدهم وأفكارهم فهي ممنوعة علناً ، وقد بعثنا كتباً إسلاميّة عامّة بالبريد فرجع البريد مكتوباً عليه (من الممنوعات) ، وقد صادروا منّا ومن المسلمين وحجّاج بيت الله الحرام ملايين من الكتب بعنوان (غير مسموحة)!

مع العلم أنّ كلّ العالم أصبح قرية صغيرة كما يقولون ، وكلّ ما تريده موجود على الانترنيت وفي سي دي صغير ، ولكن انظر إلى التخلّف العقلي ، والتعصب الأعمى عند هذه الجماعة!

٣ ـ المؤلّف : تأمّل يا أخي القارئ ، ماذا يصنع عشرات الآلاف من الأجانب غير المسلمين في المملكة من المنكرات والمحرّمات ، أو القنوات الفاسدة التي يملكها الأمراء المنحرفون وأنتم ساكتون عنهم ، أو حتّى ترى في المطارات كيف يُهان الحاج والمعتمر ويقومون يتفتيشه

٥٠٢

١٧ ـ تمنعون الأئمّة من (القنوت) في المساجد في صلاة الصبح وتعتبرونه بدعة ، علماً بأنّه ثابت شرعاً لدى إمامين من الأئمّة الأربعة : هما الشافعي ومالك ، فلماذا فرض الرأي الواحد ، والتضييق على المسلمين؟! فاتقوا الله تعالى (١).

١٨ ـ لا تعهدون بالإمامة في الحرمين الشريفين إلاّ لأحدكم (من نجد) ، وتحظرونها على مَنْ سواكم من علماء الحجاز والإحساء وغيرهم ، فهل هذا من العدل أو من الدين بالضرورة؟! فاتقوا الله تعالى ، وأقسطوا إنّه تعالى يحبّ المقسطين.

١٩ ـ أعملتم معولكم في هدم آثار النبي (عليه الصلاة والسّلام) والصحابة الكرام في المدينة المنوّرة خاصّة والحرمين الشريفين عامّة ، حتّى كاد أن لا يبقى منها إلاّ المسجد النبوي الشريف وحده ، في حين أنّ الأُمم تعتزّ وتحتفظ بآثارها ، ذكرى وعبرة ودليلاً على ماضيها التليد ، وترى أنّ كلّ أثر يقصد للاطّلاع والزيارة شرك بالله تعالى ... والله تعالى أمرنا بأن نسير في الأرض ؛ لننظر آثار المشركين فنعتبر بها ، كعاد وثمود الموجودة في (ديار صالح ـ العلا قرب المدينة المنوّرة) ، والتي لا تزال مزاراً للسائحين ، حيث قال الله تعالى : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (٢).

__________________

والتدقيق في جوازه ، بينما غير المسلم يكرم ويحترم ويعامل معاملة حسنة ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

١ ـ المؤلّف : علماً أنّ المذهب الإمامي الاثني عشري أيضاً يعتبر (القنوت) في كافة الصلوات مستحبّاً.

٢ ـ سورة آل عمران : الآية ١٣٧.

٥٠٣

وقال تعالى : (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَاراً فِي الأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (١).

وقال تعالى : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاّ اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) (٢).

فلماذا تحرمون المسلمين من مشاهدة معالم وآثار معركة بدر وأُحد ، والحديبية وحنين والأحزاب ، وغيرها من (أيّام الله) التي نصر بها رسوله وعباده الصالحين ، وهزم الشرك والمشركين؟ فاتّقوا الله وكونوا من أولي الألباب لعلكم ترحمون.

٢٠ ـ آويتم (ناصر الألباني) ونصرتموه ، وسمحتم له بنشر كتابه (أحكام الجنائز وبدعها) الذي طالب فيه جهاراً بإخراج قبر المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد الشريف (٣) ، وعيّنتموه عضواً في المجلس الأعلى للجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة وأستاذاً بها ، ولمّا أخرجه الملك فيصل مع بعض أتباعه وطردهم ، أعدتموه إلى نفس المنصب بعد ذلك ، ولا تزال كتبه الكاسدة مفسوحاً لها ومشجّعة

__________________

١ ـ سورة غافر : الآية ٢١ ـ ٢٢.

٢ ـ سورة إبراهيم : الآية ٩.

٣ ـ وهذا الهراء ردّده أيضاً في رسالته (تحذير الساجد) انظر ص٦٨ ـ ٦٩ ، بل زاد على ذلك حين عدّ في رسالته (حجّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ص١٣٧ ، من ضمن بدع المدينة المنوّرة كما يزعم (إبقاء القبر النبوي في مسجده) اهـ.

٥٠٤

عندكم ، في الوقت الذي منعت فيه بعض كتب حجة الإسلام الغزالي وأبي الحسن الندوي وعبد الفتاح أبو غدة والمالكي وسعيد حوى والبوطي وغيرهم من علماء المسلمين ، فأين العدل والقسط؟ (١).

٢١ ـ احتضنتم تلميذ الألباني ووكيله في الكويت (عبد الرحمن عبد الخالق) ووجهتم أبتاعكم إليه وأمددتموه بالمدد الكامل ، واعتبر كل الصوفية زنادقة باطنيين وضالّين، ولو كان منهم من اثنى عليه وزكّاه ابن تيمية وابن رجب والذهبي وبقية مشايخكم المعتمدين عندكم ، وفي الحديث القدسي الصحيح : «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب»(٢). فاتقوا الله تعالى وانتهوا.

٢٢ ـ تنتهزون كلّ عام فرصة صيانة وصباغة وترميم المسجد النبويّ الشريف ؛ لتزيلوا كثيراً من المعالم الإسلاميّة الموجودة في خلوة المسجد الشريف من الآثار والمدائح النبويّة ، فقد طمستم كثيراً من أبيات البردة النبويّة للبوصيري ، وقد أردتم طمس البيتين الشهيرين ، المكتوبين على الشباك الشريف ، الواردين في قصّة العتبي كما ذكرها ابن كثير في التفسير (٣) :

يا خيرَ مَنْ دُفنت بالقاعِ أعظمه

فطابَ من طيبهنّ القاعُ والأكَمُ

__________________

١ ـ المؤلّف : كما بينا سابقاً فإنّ كتب الإمامية الاثني عشرية أيضاً ممنوعة ، ويحاسب عليها الإنسان محاسبة عسيرة.

٢ ـ هو جزء من حديث رواه البخاري في صحيحه: (الفتح١١ص٣٤٨) رقم (٦٥٠٣) كتاب الرقاق، باب التواضع.

٣ ـ انظر تفسير ابن كثير ٢ ص ٣٠٦.

٥٠٥

نفسي الفداءُ لقبرٍ أنتَ ساكنه

فيهِ العفافُ وفيهِ الجودُ والكرمُ

لولا أن نهاكم الملك فهد عندما بلغه الأمر وأمر بإعادتها ، فما هذا الجفاء والصد عن نبيّكم الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو الواسطة بينكم وبين ربّكم تعالى؟ ما الأمر الذي بينكم وبينه؟ وكأنّكم نسيتم قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (١) ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (٢).

٢٣ ـ سمحتم للمدعو مقبل بن هادي الوادعي ، المعروف بكثرة سبابه وطعنه على مخالفيه من العلماء ، والدعاة إلى الله وصلحاء هذه الأُمّة ، كما تشهد بذلك كتبه وأشرطته ، أن يتقدّم ببحث في نهاية دراسته الجامعية في الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة ، بعنوان : (حول القبّة المبنيّة على قبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وإشراف الشيخ حماد الأنصاري ، طالب فيها جهاراً نهاراً بإخراج القبر الشريف من المسجد النبويّ ، واعتبر وجود القبر والقبّة الشريفة بدعة كبيرة ، وطالب بإزالتها وهدمها! ومنحتموه على ذلك درجة الفوز والنجاح!

فهل تكرّمون مَنْ يحادّ رسول الإسلام ، حبيب الله ، رحمة للعالمين وخليله (عليه الصلاة والسّلام)؟!

وقد وجّه هذا الرجل المئات من أتباعه ومقلديه ونحوهم ممّنْ تأثر بمذهبكم ، ووجّههم وهم حاملوا السّلاح إلى هدم ونبش قبور المسلمين الصالحين في

__________________

١ ـ سورة التوبة : الآية ٦١.

٢ ـ سورة الأحزاب : الآية ٧٥.

٥٠٦

عدن باليمن منذ سنوات قليلة ، فعاثوا في الأرض فساداً وخراباً ، فنبشوا قبور الموتى بالمساحي ونحوها حتّى أخرجوا عظام بعض الموتى وانتهكوا حرماتهم ، وأثاروا فتنة عمياء ، وبلغنا أنّهم استخدموا في ذلك المتفجرات (الديناميت) في بعض المواضع في اليمن (وهذا كلّه في صحيفة أعمالكم)!

٢٤ ـ سمّيتم المصحف الشريف الذي أمر بطبعه الملك فهد بـ (مصحف المدينة النبويّة) بدلاً من أن يسمّى (مصحف المدينة المنوّرة) ، وكأنّكم لا تقرّون أنّ هذه المدينة المباركة قد استنارت بل استنارت الدنيا كلّها ببعثة ورسالة سيّدنا محمد (عليه الصلاة والسّلام) ، وقديماً هتفت جواري الأنصار عند هجرته الشريفة مرحّبات :

طلعَ البدرُ علينا

من ثنيّاتِ الوداع

وجبَ الشكرُ علينا

ما دعا للهِ داع

فهو البدر والقمر والنور ، قال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً) (١) ، وقال سبحانه : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢).

وارجعوا إلى كتب التفاسير وهي كثيرة ؛ لتروا أنّهم فسّروا النور في الآية الشريفة بأنّه المصطفى (عليه الصلاة والسّلام) ، وهنا لا نجادلكم في نور ذاته

__________________

١ ـ سورة الأحزاب : الآية ٤٥ ـ ٤٦.

٢ ـ سورة المائدة : الآية ١٥ ـ ١٦.

٥٠٧

الشريفة ، بل نقول : إنّه (عليه الصلاة والسّلام) كان نوراً ورحمة بما جاء به من كتاب وسنة وهداية ، قال تعالى : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (١).

٢٥ ـ في الوقت الذي تفصلون النساء عن ذويهنّ ومحارمهنّ في المسجد النبوي بحجّة الغيرة على العرض والدين ، توقفون الرجال من أتباعكم أمام مداخل النساء يستشرفونهنّ وكأنّهم معصومون عن كلّ ما يصدر عن غيرهم ، كما أنّكم توقفون مراقبيكم من الرجال بين صفوف الطائفين والطائفات من الحجّاج والمعتمرين يستشرفون وجوه النساء ويطالبونهنّ بالحجاب ، خلافاً لما عليه الجمهور من وجوب كشف الوجوه عند أداء هذه الشعيرة.

٢٦ ـ لا تعترضون على مَنْ يُرعب المسلمين الموجودين في الحرم المكي ويحقّق معهم ، ثمّ يقبض عليهم إذا لم يجد معهم (سند الإقامة) ، خلافاً لقول الله تعالى عن الحرم الشريف : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (٢) ، وهو أيضاً ممّا يشوّش ويعكّر الصفو والهدوء ، والسكينة والهيبة على المعتكفين والركّع السجود.

٢٧ ـ تمنعون وتمتنعون في المحاكم الشرعية عن إبرام عقود الزواج ، والنكاح بين المسلمين والمسلمات لكلّ مسلم غريب ومسلمة إذا كان زائراً ولا يملك سند الإقامة الدائم ، وهذه بدعة وظلم ، وفي ذمتكم لو ارتكب ما هو محرّم شرعاً.

٢٨ ـ ترفضون أن تسجّلوا أي طالب للدراسات العليا في جامعاتكم إلاّ بعد

__________________

١ ـ سورة المائدة : الآية ١٦.

٢ ـ سورة آل عمران : الآية ٩٧.

٥٠٨

أن تمتحنونه في ما تسمّونه بـ (العقيدة الصحيحة) ، ولا تكتفون بأنّه مسلم من عامّة المسلمين الموحّدين ، وهذه عصبية ممقوتة.

٢٩ ـ إذا اختلف معكم أحد في موضوع ، أو أمر فقهي أو عقدي ، أصدرتم كتاباً في ذمّه وتبديعه أو تشريكه ، ومع هذا لا تمنحونه حقّه في الدفاع عن نفسه وتبرئتها من ذلك (١).

٣٠ ـ سعيتم لبدعة كبيرة لم تسبقوا إليها حتّى من أسلافكم في العقيدة والمنهج ، وهي أنّكم سعيتم لغلق وقفل البقيع الشريف ، ومنع الدفن فيه ، ونقل دفن الأموات الجدد إلى موقع آخر بعيد عن موقع الشرك والبدع في رأيكم ؛ ولمنع الناس من الدخول إلى البقيع وزيارة مَنْ فيه من الآل والصحابة والتابعين وبقيّة الصالحين ، ولكنّ الله تعالى أحبط مسعاكم.

٣١ ـ رضيتم ولم تعارضوا هدم بيت السيّدة خديجة الكبرى ، أُمّ المؤمنين والحبيبة الأولى لرسول ربّ العالمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المكان الذي هو مهبط الوحي الأوّل عليه من ربّ العزّة والجلال ، وسكتّم على هذا الهدم راضين أن يكون المكان بعد هدمه دورات مياه وبيوت خلاء ، وميضآت!

__________________

١ ـ المؤلّف : وإذا أردّتم الحقيقة أيّها الأحبّة فزوروا المنطقة الشرقية في المملكة ؛ فسوف ترون الأعاجيب من مظلوميّة أتباع أهل البيت عليهم‌السلام هناك!

٥٠٩

فأين الخوف من الله تعالى؟ وأين الحياء من رسوله الكريم (عليه الصلاة والسّلام)؟!

٣٢ ـ حاولتم ولا زلتم تحاولون ، وجعلتم دأبكم هدم البقيّة الباقية من آثار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ألا وهي البقعة الشريفة التي ولد فيها والتي هُدّمت ، ثمّ جُعلت سوقاً للبهائم ، ثمّ حوّلها بالحيلة الصالحون إلى مكتبة هي : (مكتبة مكة المكّرمة) ، فصرتم ترمون المكان بعيون الشرّ والتهديد ، والانتقام وتتربصون به الدوائر ، وطالبتم صراحة بهدمه واستعديتم السلطة وحرّضتموها على ذلك ، بعد اتخاذ قرار بذلك من هيئة كبار علمائكم قبل سنوات قليلة ، (وعندي شريط صريح بذلك). فيا سوء الأدب ، وقلّة الوفاء لهذا النبيّ الكريم الذي أخرجنا الله به وإيّاكم والأجداد من الظلمات إلى النور! ويا قلّة الحياء منه يوم الورود على حوضه الشريف! ويا بؤس وشقاء فرقة تكره نبيّها ؛ سواء بالقول أو بالعمل ، وتحقّره وتسعى لمحو آثاره! والله تعالى يقول لنا : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) (١).

والله تعالى يقول ممتنّاً على بني إسرائيل بطالوت وموسى وهارون : (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢).

وقال المفسرون : إنّ البقية المذكورة هي عصا موسى ونعلاه و ... الخ.

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ١٢٥.

٢ ـ سورة البقرة : الآية ٢٤٨.

٥١٠

واقرؤوا إن شئتم الأحاديث الصحيحة الواردة فيما يتعلق بآثار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واهتمام الصحابة بها المذكورة في ثنايا أبواب صحيح البخاري ، ففيه الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، وفيه الغنية لقوم يعقلون ويتدبرون.

٣٣ ـ ضيّقتم ثمّ أوصدتم وأقفلتم باب النصيحة من المسلمين لأئمّتهم وحكّامهم ، وأفتيتم بمعصية مَنْ يخالف ذلك ، وعاديتموه في الوقت الذي فيه المسلمون وحكّامهم بأمسِّ الحاجة إلى الوعظ والنصيحة بالحسنى ، وصلّى الله تعالى على القائل : «الدين النصيحة». قلنا لِمَنْ؟ قال : «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمّة المسلمين وعامّتهم» (١).

٣٤ ـ منعتم الدروس إلاّ دروسكم ، والمذاهب إلاّ مذهبكم ، والوعظ إلاّ وعظكم ، والدعاة إلاّ دعاتكم ، فعتطّلت مجالس العلم ، ودرست محافل الوعظ ، وخوت حلقات القرآن ، واستخفت مجالس الذكر ، فماذا غداّ أنتم لربّكم قائلون ، يوم يقول : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) (٢)؟

٣٥ ـ أنشأتم جامعة في المدينة المنوّرة سمّيتموها (الجامعة الإسلاميّة) بجوار سيّد المرسلين صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهرع الناس والعلماء إليها بفلذّات أكبادهم وأبنائهم مسرعين فرحين ؛ لينهلوا من هذا المنبع ، ظانّين أنّها ستزيدهم محبّة واتّباعاً لحبيبهم صلى‌الله‌عليه‌وآله وآله الطيّبين وأصحابه والتابعين ، فإذا بكم تدرّسونهم كيف يجافونه ويجافونهم أجمعين. وتجعلون الطلاب على بعضهم يتجسسون ؛ لينقلوا إليكم أسماء وأخبار مَنْ سمّيتموهم (القبوريّين) الذين يكثرون الزيارة والسّلام على

__________________

١ ـ رواه مسلم في صحيحه ١ ص ٧٤ ح ٥٥ وقد تقدّم.

٢ ـ سورة الصافات : الآية ٢٤.

٥١١

سيّد المرسلين ورحمة الله للعالمين ؛ حتّى يكونوا من المحارَبين المنبوذين المفصولين ، إلاّ مَنْ والاكم وأطاعكم فهو وحده الصادق الأمين.

ومَنْ تخرّج بكم وتشرّب بآرائكم من الناجحين ، صرتم ترسلونهم إلى بلادهم وكلاء عنكم منذرين ومبشّرين ؛ لتجديد إسلام آبائهم وأقوامهم الضالّين بزعمكم ، وتُغدقون عليهم الرواتب ، وتفتحون لهم المكاتب ، وتفسحون الميادين ، فتقوم القيامة وينشب الخلاف والعداء بينهم وبين العلماء والصلحاء من آبائهم وشيوخهم السابقين ، وكأنّهم قنابل موقوتة عبّأتموها وملأتموها بكلّ سوء ظنّ وحقد دفين ؛ ممّا جعل البلاد الإسلاميّة وخاصّة إفريقيا وآسيا ساحة للمعارك والخلافات بين المسلمين ، بل وصل الأمر هذا إلى البلدان الإسلاميّة التي استقلّت حديثاً من روسياً ، وإلى الأقلّيات والجاليات المسلمة في أوروبا وأمريكا واستراليا وغيرها ، فإلى الله المشتكى.

٣٦ ـ إنّ ما يحصل من مذابح ومجازر ، ومآسٍ تشوّه سمعة الإسلام وتفتك بالمسلمين ، خاصّة كالتي في الجزائر ومصر ، أو التي حدثت في الحرم المكي ، ما هي إلاّ ثمرة خرِّيجيكم وآرائكم ، وقراءة كتبكم ومطبوعاتكم التي بُنيت على التكفير والتشريك ، والتبديع وسوء الظنّ بالمسلمين ..

٣٧ ـ تتّهمون المخالفين لكم من المسلمين بأنّهم جهمية أو معتزلة مارقون ، وأنتم الجهمية ؛ لأنّكم وافقتموهم في بعض آرائهم ، وحقّاً أنتم المعتزلة ؛ لأنّكم شاركتموهم في إنكار الولاية والأولياء والكرامة والكرامات ، وحياة الموتى وتحكيم العقل في المغيّبات من أمور الدين.

وقديماً قيل : رمتني بدائها وانسلَّت ، وقيل :

٥١٢

لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مثله

عارٌ عليكَ إذا فعلتَ عظيمُ

فهل أنتم للحقّ سامعون؟!

٣٨ ـ تعملون عمل الخوارج ، فإذا جاءكم أحد من المسلمين ، وخاصّة طلبة العلم ، تبدؤون في عقيدته أصحيحة عندكم أم لا؟ ما تقول في كذا ، وكذا ، وأين الله؟ و ...؟

وهكذا كان يعمل الخوارج فيما سبق ، فكانوا إذا جاءهم ، أو مرَّ بهم المسلم الموحّد امتحنوه ، فإذا خالفهم قتلوه ، أمّا المشرك أو الكافر فيتلطّفون به ويتلون الآية : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ) (١) ، (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (٢).

٣٩ ـ كان للمذاهب الأربعة في الحرم المكي منابر فهدّمتموها ، ثمّ كراسي للتدريس فمنعتموها (٣).

٤٠ ـ كان هناك أثر (مبرك للناقة) ناقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في مسجد (قباء) يوم قدومه مهاجراً إلى المدينة ، في مكان نزل فيه قوله تعالى : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى

__________________

١ ـ سورة التوبة : الآية ٦.

٢ ـ سورة القلم : الآية ٣٥ ـ ٣٦.

٣ ـ المؤلّف : أمّا المذهب الإمامي الاثني عشري الذين عددهم في العالم اليوم أكثر من (٥٠٠) مليون إنسان ، يعني أكثر من ثلث المسلمين ، فلا منبر ولا كرسي ، ولا صوت للتدريس ولا الخطابة ، فمَنْ يشرح للحجّاج والمعتمرين مسائلهم الشرعية؟!

٥١٣

التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (١) ، فأزلتم هذا الأثر ، وكنّا نشاهده حتّى وقت قريب.

٤١ ـ وكان في مسجد القبلتين علامة على القبلة القديمة إلى المسجد الأقصى المنسوخة ، فأزلتموها باعتبارها بدعة.

٤٢ ـ أزلتم بُستان الصحابي سلمان الفارسي رضي‌الله‌عنه حيث كانت هناك نخلة غرسها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ورَدَمْتُم بئر (العين الزرقاء) قرب قباء ، وبئر أريس (بئر الخاتم) ، ومنعتم مشاهدة بئر رومة التي اشتراها عثمان من اليهودي ، وهناك آثار كثيرة هامّة ؛ إمّا أزيلت كلّية ، أو غُيرت معالمها.

٤٣ ـ وكان لأهل الإحساء من أصحاب المذاهب الأربعة مدارس خاصّة لكلّ مذهب أغلقتموها ومنعتم التدريس فيها (٢) ؛ لأنّه لا يجوز عندكم تدريس ما سوى مذهبكم في المدارس التي تشرفون عليها للذكور والإناث ، ولمّا صاروا يقيمون بعض الدروس في بيوتهم راقبتموهم وضايقتموهم ، وحاصرتموهم وتجسّستم عليهم. فهل هذه أعمال الدعاة الأبرار ، والرجال الأخيار ، التقاة الزهّاد ، الورعين الخائفين من الله تعالى القائل : (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٢)؟!

__________________

١ ـ سورة التوبة : الآية ١٠٨.

٢ ـ المؤلّف : فإذا كانت المذاهب الأربعة قد أُغلقت مدارسهم ، فإنّ أتباع مذهب أهل البيت عليهم‌السلام لم يكن لهم مدارس حتّى تُغلق ، بل كان نصيبهم المنع المطلق ، ولا تُدرّس أفكارهم ولا عقائدهم ولا أحكامهم الشرعية ، مع العلم أنّ نفوسهم في المملكة ربع السكّان تقريباً.

٣ ـ سورة البقرة : الآية ٢٨١.

٥١٤

والقائل : (أَلا يَظُنُّ اُولئك أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (١).

٤٤ ـ وضعتم معاولكم في بيت الصحابي الجليل (أبي أيوب الأنصاري) الذي استضاف فيه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عند قدومه المدينة المنوّرة قبل بناء حجراته الشريفة ، وقد حافظت عليه كلّ العهود السابقة بما فيها عهد أسلافكم ، فهدمتم هذا الأثر الشريف الذي كان في قبلة محراب المسجد النبوي الشريف ؛ وذلك بزعم أنّ المسلمين (المشركين) يتبرّكون به!

٤٥ ـ كما ردمتم (بيرحاء) التي دخلت في التوسعة ، ولم تتركوا عليها أثراً أو علامة ، كأثر دخله النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ورد ذكره في صحيح البخاري (٢) وغيره.

ولم تبقوا في المدينة المنوّرة من آثار المصطفى وأصحابه غير المسجد النبوي وحده ، فهلاّ التفتم لخيبر وغيرها ، وهل يجوز أن نقلّد اليهود في إزالتهم لكلّ أثر إسلامي في القدس الشريف فنزيل آثارنا في المدينة المنوّرة؟!

وماذا أبقيتم للأجيال القادمة من تراثنا المجيد؟!

٤٦ ـ وتوسّعتم في إصدار الأحكام باسم الشرع الحنيف في قتل المخالفين لكم من أصحاب الرقية والعلاج الروحي ، وسمّيتموهم (سحرة) ، ولم تفرّقوا بين المحقّين منهم وبين المبطلين منهم ، وتركتم لأنفسكم مطلق الفتوى والحكم

__________________

١ ـ سورة المطففين : الآية ٤ ـ ٦.

٢ ـ انظر صحيح البخاري ٢ ص ١٢٦ كتاب الزكاة ، باب الزكاة على الأقارب ، وصحيح مسلم ١ ص ٦٩٣ كتاب الزكاة ، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين ح ٩٩٨.

٥١٥

بذلك ، فأسلتم دماء الكثيرين من الأبرياء بحجّة أنّهم سحرة تُستباح دماؤهم ، متناسين قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ) ، وقول البشير النذير صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أوّل ما يقضى به بين الناس يوم القيامة في الدماء» (١).

فقفوا عند الحدود وادرؤوها بالشبهات ، واتّقوا يوم يُقتص للجماء من القرناء ، (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً) (٢) ، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (٣) (٤).

هذه مقتطفات من الرسالة التي وجّهها السيّد هاشم الرفاعي ، فهل من مدافع عن مظلومية أتباع أهل البيت عليهم‌السلام؟

__________________

١ ـ متّفق عليه ، رواه البخاري ٨ ص ١٣٨ ، ومسلم ٥ ص ١٠٧ وقد تقدّم.

٢ ـ سورة النبأ : الآية ٤٠.

٣ ـ سورة البقرة : الآية ٢٨١.

٤ ـ نصيحة لإخواننا علماء نجد ص ٢٦ مع الإجمال.

٥١٦

الفصل التاسع

مفهوم الأخلاق عند الوهابيّة

٥١٧
٥١٨

أمّا الأخلاق الفاضلة ، والقيم الإنسانيّة ، فإنّهم لم يسمعوا بها أبداً ، أو إنّهم سمعوا بها ولكنّها كانت غير منسجمة مع سلوكهم فرفضوها تماماً. والله سبحانه يريد الدعوة : (بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (١).

وهم يريدون الدعوة إلى دينهم بالحديد والنار ، وبمنطق القوّة لا قوّة المنطق ، وإنّما قوّة العنف والإرهاب ، وإذا أردت الحوار معهم فلا أسهل من السباب والشتائم ، والتكفير والإشراك والإلحاد التي ستكون بانتظارك دائماً وأبداً ؛ فتراهم يشوّشون ويصرخون ، ويقذفون الناس بالسباب لأتفه الأسباب ، ولمجرد الاختلاف بالرأي معهم.

والاختلاف بالرأي حالة طبيعية وتكوينية في حياة الإنسان ، الله سبحانه وتعالى رعاها حين قال على لسان رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله : (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢).

أمّا الوهّابي فيقول لك : أنت على ضلال دائماً وهو على الهدى المبين ، لا

__________________

١ ـ سورة النحل : الآية ١٢٥.

٢ ـ سورة سبأ : الآية ٢٤.

٥١٩

لقول الله عزّ وجلّ ، ولا لقول رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بل لقول ابن تيمية ، أو ابن الجوزية ، أو ابن عبد الوهّاب ، أو الألباني ، أو ابن باز وأمثالهم.

ورحم الله الشاعر الذي قال :

وحسبكمُ هذا التفاوتُ بيننا

وكلُّ إناءٍ بالذي فيهِ ينضحُ

فلا غرابة من سوء أخلاقهم ، وفظاظة ألفاظهم ، وجفاف أذواقهم ، وقلّة أدبهم تجاه مَنْ يحاورونه ، أو يراسلونه ، أو حتّى بحديثهم العادي الغير موجّه.

أين الأخلاق الإسلاميّة؟

الكلّ يعلم ، أنّ الأخلاق أساس من أسس التكوين الاجتماعي ، ودعامة من الدعامات التي يقوم عليها التجمّع الإنساني ؛ ولذا فهي مدار بحث منذ القديم وحتى العصر الراهن ، كما تقدّم ـ وبيّنا في الفصل الأوّل ـ.

والشاعر العربي يقول :

إنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت

فإنْ همُ ذهبتْ أخلاقُهم ذهبوا

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الخُلق الحسن نصف الدّين» (١) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أثقل ما يوضع في الميزان الخُلق الحسن» (٢) ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً» (٣).

__________________

١ ـ موسوعة البحار ٧١ ص ٣٨٥.

٢ ـ موسوعة البحار ٧١ ص ٣٨٣.

٣ ـ موسوعة البحار ٧١ ص ٣٨٩.

٥٢٠