الحسين (ع) والوهّابيّة

جلال معاش

الحسين (ع) والوهّابيّة

المؤلف:

جلال معاش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

سيَّر معاوية جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة ، وجعل عليهم سفيان بن عوف ، وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم ، فتثاقل واعتلّ ، فأمسك عنه أبوه.

قال : فأصاب الناس في غزاتهم جوعٌ ومرض شديد ، فأنشأ يزيد يقول :

ما إن أُبالي بما لاقت جموعهمُ

بالفَرقَدونة من حمّى ومن مُومِ

إذا اتكأتُ على الأنماطِ مرتفقا

بدير مُرّانَ عندي أُمّ كلثومِ

وأُمّ كلثوم امرأته بنت عبد الله بن عامر. (هكذا قالوا والحقيقة بضمير الغيب) ، فبلغ معاوية شعره ، فأقسم عليه ليلحقنّ بسفيان في أرض الروم ، فسار معه جمع كثير أضافهم إليه أبوه (١).

وأنت تقرأ هذه السطور التي لخّص فيها العلماء حسنة يزيد بالخروج إلى أرض الروم ، تلك الحسنة التي كانت رغماً عن أنفه ، وليس بشجاعته أو صولته وجولته ؛ لأنّه لا يصول ويجول إلاّ في أحضان النساء.

إنّ مدى تعلّقه بالجهاد ، وحبّه للفتوح الإسلاميّة واضح للعيان ، ومدى اهتمامه بذاك الجيش الجرّار من المجاهدين كذلك ، فهو (ما إن أبالي بما لاقت جموعهم) ، كيف يبالي إذن وهو (بدير مران) ذاك الدير النصراني معتكفاً فيه لحاجاته وديانته يعبد هواه وشيطانه (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ) (٢).

حسنة يزيد يا شيخ ما هي إلاّ أتفه سيئة له ، فكيف صارت عندك حسنة

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ ج٣ ص٤٥٨.

٢ ـ سورة الجاثية: الآية ٢٣.

٤٠١

ترفع عنه موبقة استباحة المدينة وقتل الأصحاب والتابعين لهم بإحسان ، لا إله إلاّ الله ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله؟!

هذه الحسنة التي ترفع السيئة عند ابن تيميّة لسيّده ومولاه يزيد ، ولكن أين التأويل في بقيّة أعمال يزيد؟ خذها من الشيخ نفسه :

١ ـ قتل الإمام الحسين عليه‌السلام :

يقول : إنّ يزيد لم يظهر الرضا بقتله ، وأنّه أظهر الألم لقتله ، والله أعلم بسريرته ، وقد عُلم أنّه لم يأمر بقتله ابتداءً ، ولكنّه كان مع ذلك ما انتقم من قاتليه ، ولا عاقبهم على ما فعلوا إذ كانوا قتلوه لحفظ ملكه ، ولا قام بالواجب في الحسين وأهل بيته ، ولم يظهر له من العدل وحسن السيرة ما يوجب حمل أمره على أحسن المحامل ، ولا نقل أحد أنّه كان على أسوأ الطرائق التي توجب الحدّ (١).

فيزيد لم يقتل ولا حتّى أمر بالقتل ، ولكنّه لم يعاقب القاتل ؛ لأنّه فعل ذلك لمصلحته ، وهذا أمر عادي في عرف الملوك ، وأعظم ما كان منه أنّه لم يحلم عن الإمام الحسين عليه‌السلام ويحمله على العدل وحسن السيرة ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب حدّاً وتنكيلاً وهذا بإجماع العلماء ، ولست أدري أيّ علماء إلاّ علماء السلفيّة والوهابيّة.

ولا داعي للتعليق على كلّ هذه الدعاوي الباطلة بداية ونهاية ، إلاّ أنّني أنقل ما نقله المؤرّخون عن الأمر بقتل سيّد الشهداء عليه‌السلام الذي صدر من يزيد ،

__________________

١ ـ رأس الحسين : الآية ٢٠٧.

٤٠٢

ولا أتعدّى القاتل المباشر للإمام ألا وهو عبيد الله بن زياد.

قالوا : عاش عبيد الله بن زياد بعد موت يزيد فاضطربت عليه الأحوال في العراق فخرج إلى الشام ومعه مئة رجل من الأزد يحفظونه ، وفي بعض الطريق رأوه قد سكت طويلاً ، فخاطبه أحدهم ويدعى مسافر بن شريح اليشكري ، فقال له : أنائمٌ أنت؟

قال : لا ، كنت أحدّث نفسي.

قال له مسافر : أفلا أحدّثك بما كنت تحدّث به نفسك؟

قال : هات.

قال مسافر : كنت تقول : ليتني كنتُ لم أقتل حسيناً.

فقال عبيد الله بن زياد : أمّا قتلي الحسين فإنّه أشار إليّ يزيد بقتله أو قتلي ، فاخترتُ قتله (١).

وكذلك كان أمر يزيد لوالي المدينة بأخذ البيعة أو القتل ، وإلى والي مكة بقتل الإمام عليه‌السلام ولو كان متعلّقاً بأستار الكعبة ، كلّ ذلك من بديهيات المؤرّخين كما قرأت من قبل ، ولكنّ الشيخ ابن تيمية كان يتمنّى لو قاد إمامه يزيد الجيش مباشرة لقتل إمامنا الحسين عليه‌السلام ، وإبادة ذريّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حتّى يرضى ، وربما يعدّها من حسناته كذلك.

__________________

١ ـ الكامل في التاريخ ٤ ص ١٤٠.

٤٠٣

٢ ـ واقعة الحرّة :

واستباحة المدينة لثلاثة أيّام بعد المقتلة العظيمة التي مُني بها أهل الإيمان في مدينة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله التي قال فيها النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المدينة حرمٌ ما بين عابر إلى ثور (١) ، فمَنْ أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، ولا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً ...» (٢).

وكثيرة هي الأحاديث في فضل وحرمة المدينة المنوّرة المباركة ، أمّا يزيد فإنّه وجّه إليها جيشاً جرّاراً بقيادة مسرف بن عقبة فقتل الثوّار ، وحاصر المدينة واستباحها لمدّة ثلاثة أيّام حتّى ولدت فيها ألف بكر لا يعلم آباؤهم ، وكانوا يزوّجون بناتهم ولا يسألون عنها.

ولكن ماذا يقول ابن تيمية : فأمّا أهل الحرّة فإنّهم لمّا خلعوا يزيد وأخرجوا نوّابه أرسل إليهم مرّة بعد مرّة يطلب الطاعة فامتنعوا ، فأرسل إليهم مسلم بن عقبة المرّي وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة أيام ، وهذا هو الذي عظم إنكار الناس له من فعل يزيد (٣).

هكذا كان إمامه معذوراً في وقعة الحرّة ، وفي قتل أهلها من الصحابة حتّى لم يكد ينجُ منهم أحد ، وهم الصحابة الكبار من المهاجرين والأنصار وأبنائهم ؛ لأنّ تأويله وغيرته على ملكه ومحاولة حفظه كان أولى ، وهو الذي يقول فيهم : إنّ مَنْ طعن بأحد منهم فهو أضلّ من حمار أهله.

__________________

١ ـ هما جبلان ؛ الأوّل في المدينة ، والآخر في مكة. النهاية ١٠ ص ٢٢٩.

٢ ـ كنز العمال ١٢ ح ٣٤٨٠٥.

٣ ـ منهاج السنة النبوية ٢ ص ٢٥٣.

٤٠٤

ولكنّ الذي لم يكن له حقّ فيه : هو استباحة المدينة وانتهاك أعراض المسلمين ؛

ولهذا يُبرر بأسلوبه الساخر : لكنّه ـ أي يزيد ـ لم يقتل جميع الأشراف ، ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف ، ولا وصلت الدماء إلى قبر النبيّ (١)!

وا ويلاه من هذا الكلام! وكأنّك تحسّ من كلام الشيخ أسفه وحسرته إذ لم يقتل الجميع ، وتصل الدماء إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله على هذا الكلام!

فيزيد متأوّل وإمام مُخطئ ، ولكنّ أهل المدينة هم المعتدون لشقّ عصا الطاعة والخروج على الإمام يزيد ؛ ولذا فهم يستحقّون ما وقع لهم ، ولذا أخذ مسلم بن عقبة البيعة ممّن بقي من أهل المدينة على أنّهم عبيد أرقّاء ليزيد بن معاوية ، ولكن كيف ذلك وما تأويلها عند ابن تيمية ، علمه عنده؟

٣ ـ إحراق الكعبة المشرَّفة :

أمّا عن إحراق الكعبة ورميها بالمنجنيق حتّى تهدمّت بقيادة طاغية بني أُميّة (الحجّاج بن يوسف الثقفي) فقد قال المؤرّخون : إنّ جيش يزيد لما قضى على حركة أهل المدينة في وقعة الحرّة توجّه إلى مكة قاصداً ابن الزبير الذي كان معتصماً بها ، فحاصروه ورموه بالمنجنيق حتّى أحرقوا الكعبة ، فصعد قاضي ابن الزبير ينادي : يا أهل الشام ، هذا حرم الله الذي كان مأمناً في الجاهليّة فاتقوا الله.

__________________

١ ـ منهاج السنة النبوية ٢ ص ٢٥٣.

٤٠٥

فيصيح الشاميّون : الطاعة الطاعة! الكرّة الكرّة! الرواح قبل المساء!

فلم يزالوا على ذلك حتّى احترقت الكعبة ، وقال أهل الشام : إنّ الحرمة والطاعة اجتمعتا ، فغلبت الطاعة الحرمة (١).

ولكن ماذا يقول ابن تيمية : إنّ حريق الكعبة لم يقصده يزيد ، وإنّما كان مقصوده حصار ابن الزبير ، والضرب بالمنجنيق كان له (لابن الزبير) لا للكعبة ، ويزيد لم يهدم العكبة ولم يقصد إحراقها ، لا هو ولا نوّابه باتّفاق المسلمين (٢)!

هل تضحك أم تبكي عزيزي القارئ من هذا الكلام؟! هل قرأت مثل هذا التبرير السلفي لأفعال يزيد؟!

ابن تيمية ولعن يزيد

بعد كلّ الذي تقدم ، وكلّ هذا الدفاع المستميت عن يزيد ، هل تتوقّع من الشيخ أن يسمح بلعن يزيد الذي صارت لعنته كلعنة الشيطان ، أصبحت مضرباً للأمثال عند الأُمّة الإسلاميّة حتّى يُقال : العن يزيد ولا تزيد.

ومعنى القول : إنّ يزيد هو الوحيد الذي يستحق اللعنة من هذه الأُمّة المرحومة ، أو أنّه من أوائل مَنْ يستحقّون ذلك ، ولكن لعنته المتّفق عليها بين علماء الأُمّة وعوامها على حدّ سواء هي باطلة عند ابن تيمية.

إنّ الشيخ ابن تيمية ألّف كتاباً سمّاه (فضائل معاوية ويزيد وأنّه لا يُسبّ)

__________________

١ ـ ابن تيمية حياته وعقائده ص ٣٧٩.

٢ ـ منهاج السنة النبوية ٢ ص ٢٥٤.

٤٠٦

وكانت دعواه من حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا يكون المؤمن لعّاناً».

وإليك أوّلاً رأي الإمام أحمد بن حنبل بلعن يزيد بن معاوية :

قيل للإمام أحمد : أتكتب حديث يزيد؟

فقال : لا ، ولا كرامة ، أوَ ليس هو الذي فعل بأهل الحرّة ما فعل؟!

وقيل له : إنَّ قوماً يقولون : إنّا نحبّ يزيد.

فقال : وهل يحبّ يزيداً أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟!

فقال له ابنه صالح : فلماذا لا تلعنه؟

فقال الإمام أحمد : ومتى رأيت أباك يلعن أحداً ... ، وكيف لا يُلعن مَنْ لعنه الله تعالى في كتابه؟!

فقيل له : وأين لعن الله يزيد في كتابه؟

فقال : في قوله تعالى : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * اُولئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (١).

وهل يكون فساد أعظم من قتل الحسين عليه‌السلام؟!

وقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) (٢).

وأيّ أذى أشدّ على محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله من قتل الحسين الذي هو له ولابنته البتول

__________________

١ ـ سورة محمد : الآية ٢٣.

٢ ـ سورة الأحزاب : الآية ٥٧.

٤٠٧

قرّة عين (١).

وهل تعلم عزيزي القارئ أنّ ابن تيمية ينقل هذا الحديث إلاّ أنّه يختصره كعادته عندما ينقل مثل هذه الروايات ، ويقف عند قول الإمام أحمد لولده متى رأيت أباك يلعن أحداً ، فيكتب في آخر الرواية (انتهى) ؛ لإشعار القارئ بانتهاء الرواية إلاّ أنّها لم تنتهِ ، ولكنّ التعصّب هو الذي ينهي الرواية حيث يشاء الشيخ.

واللطيف في القضية أنّ شيخاً من تلاميذ الشيخ ابن تيمية هو أبو الفرج ابن الجوزي الفقيه الحنبلي ، يؤلّف كتاباً يردّ به على كتاب ابن تيمية أسماه (الردّ على المتعصّب العنيد) يقول فيه : إنّ إنكار (ابن تيمية) على مَنْ استجاز ذمّ المذموم ، ولعن الملعون من جهلٍ صراحٍ ، فقد استجازه كبار العلماء منهم الإمام أحمد بن حنبل ، وقد ذكر أحمد في حقّ يزيد ما يزيد على اللعنة (٢). ويقصد طبعاً الحديث المتقدّم.

فناصر السنّة والمكافح عن السلف والمدافع عن يزيد وأبيه معاوية هو الشيخ ابن تيمية ؛ وذلك لحبّه وتعلّقه الشديد بهما. ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «المرء يحشر مع مَنْ أحبّ». حشره الله معهما هو وجميع مَنْ يتولّونه.

قال ابن العماد الحنبلي ، قال التفتازاني في (شرح العقائد النسفية) : اتفقوا (العلماء) على جواز اللعن على مَنْ قتل الحسين ، أو أمر به ، أو أجازه ، أو

__________________

١ ـ الإتحاف بحبّ الأشراف ص ٦٤.

٢ ـ الردّ على المتعصّب العنيد ص ١٣.

٤٠٨

رضي به. والحقّ إنّ رضا يزيد بقتل الحسين ، واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا تواتر معناه ، وإن كان تفصيله آحاداً فنحن لا نتوقّف في شأنه ، بل في كفره وعدم إيمانه ، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه (١).

والشبراوي يقول : ولا يشكّ عاقل أنّ يزيد بن معاوية هو القاتل للحسين عليه‌السلام ؛ لأنّه هو الذي ندب عبيد الله بن زياد لقتل الحسين (٢).

ماذا تحكم على ابن تيمية بعد هذه الأقوال ، وهو ممّن رضي بقتل الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام ودافع عن قاتله ، وبرّر أعماله وأجازه في كلّ ما فعل؟!

موضوعية اللعن في القرآن الكريم

يطول ويكثر الطعن علينا نحن شيعة أهل البيت عليهم‌السلام ويتّهموننا بلعن أو سب الصحابة أو غيرهم من المسلمين. والمسألة تطول إلاّ أنّني سأوجزها بأسطر قليلة وآيات من الذكر الحكيم فقط ؛ نتبيّن من خلالها رأي الإسلام الحنيف بمسألة اللعن.

إنّ المعنى المتعارف لللّعن : هو الطرد والإبعاد من رحمة الله ، فهي إلى الدعاء أقرب منها إلى السباب أو الشتائم ؛ لذا تراك إذا كنت تريد أن تلعن أحداً تقول : اللّهم العن فلاناً ، أو العنه ، أي اطرده من رحمتك ، وأبعده من ساحة قدسك ، فهي إذن أمر عادي لِمَنْ يستحقّه.

وردت هذه المادة (لَعْنْ) في القرآن الكريم (٤٠) مرّة بمختلف الصيغ

__________________

١ ـ شذرات الذهب ١ ص ٦٩.

٢ ـ الإتحاف بحبّ الإشراف ص ٦٢.

٤٠٩

والاشتقاقات اللغوية والتي بلغت (١٧) اشتقاقاً أكثرها كان :

(لَعْنَة) ١٣ مرّة.

(لعنهم) ٧ مرّات.

(لَعنهُ) ٣ مرّات.

(يَلعنُ) و (يلعنهم) و (لُعنوا) كلّ واحدة مرّتين.

وباقي الاشتقاقات ، وهي لَعَنَ ، لَعَنَتْ ، لَعنَاً ، لعنَّاهم ، نَلعنهم ، إلعنهُمْ ، لُعِن ، لَعْنَتي ، اللاّعنون ، ، مَلعونين ، الملعونة ، وردت مرّة واحدة فقط.

فمَنْ الذين لعنهم الله في كتابه العزيز؟

أ) الشيطان اللعين الرجيم. ولعنته من البديهيات الإسلاميّة بقوله تعالى : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاّ شَيْطَاناً مَرِيداً * لَعَنَهُ اللَّهُ) (١).

وقال تعالى : (قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) (٢).

فهو ملعون مطرود من رحمة الله إلى يوم البعث والحساب.

ب) أصناف من البشر ، لعنهم الله بصفاتهم وأعمالهم مثل :

١ ـ الكافرون ، بقوله تعالى :

(إنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً) (٣).

__________________

١ ـ سورة النساء : الآية ١١٦ ـ ١١٧.

٢ ـ سورة ص : الآية ٧٧ ـ ٧٨.

٣ ـ سورة الأحزاب : الآية ٦٤.

٤١٠

(فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (١).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ اُولئك عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (٢).

٢ ـ الظالمون ، بقوله تعالى :

(فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٣).

(وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٤).

(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (٥).

٣ ـ الكاذبون ، بقوله تعالى :

(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (٦).

(وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) (٧).

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ٨٩.

٢ ـ سورة البقرة : الآية ١٦١.

٣ ـ سورة الأعراف : الآية ٤٤.

٤ ـ سورة هود : الآية ١٨.

٥ ـ سورة غافر : الآية ٥٢.

٦ ـ سورة آل عمران : الآية ٦١.

٧ ـ سورة النور : الآية ٧.

٤١١

٤ ـ المفسدون في الأرض ، بقوله تعالى :

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ اُولئك لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (١).

٥ ـ الذين يرومون المحصنات ويقذفونهنّ ببهتان ، والعياذ بالله ، قال تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (٢).

٦ ـ الذين يؤذون الله ورسوله ، بقوله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً) (٣).

٧ ـ المنافقون ، في قوله تعالى :

(وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (٤).

٨ ـ علماء السوء ووعّاظ السلاطين ، وذلك بقوله تعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

__________________

١ ـ سورة الرعد : الآية ٢٥.

٢ ـ سورة النور : الآية ٢٣.

٣ ـ سورة الأحزاب : الآية ٥٧.

٤ ـ سورة الفتح : الآية ٦.

٤١٢

وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * اُولئك الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) (١).

ج) هناك اليهود ، من اللعناء الذين تكرّرت لعنتهم في القرآن الكريم بالتصريح بالاسم ، أو الصفات التي كانت تلازمهم كأصحاب السبت ، والذين مسخوا قردة وخنازير وعبدوا الطاغوت ، وغير ذلك من الصفات من ذلك :

١ ـ اليهود ، في قوله تعالى :

(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) (٢).

٢ ـ أصحاب السبت ، بقوله تعالى :

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) (٣).

٣ ـ المسوخات منهم ، بقوله تعالى :

(قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ اُولئك شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (٤).

__________________

١ ـ سورة النساء : الآية ٥١ ـ ٥٢.

٢ ـ سورة المائدة : الآية ٦٤.

٣ ـ سورة النساء : الآية ٤٧.

٤ ـ سورة المائدة : الآية ٦٠.

٤١٣

٤ ـ ناقضوا الميثاق ، لقوله تعالى :

(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) (١).

٥ ـ الكافرون منهم ، بقوله تعالى :

(وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَا يُؤْمِنُونَ) (٢).

(لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) (٣).

بعد هذا الاستعراض السريع للآيات المباركات دون تعليق ؛ لأنّني سأترك ذلك للأخ القارئ الكريم.

بقيت لدينا مسألتان هما :

الأولى : وردت في القرآن كلمة (الشجرة الملعونة) ، وذلك بقوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاّ طُغْيَاناً كَبِيراً) (٤).

ذهب المفسّرون وأهل العلم والإنصاف إلى أنّها نزلت بحقّ بني أُميّة ، فهم الشجرة المعلونة في القرآن بقصّة ترويها كتب التفسير والسنن ، وأنّ تلك الرؤيا التي رآها الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله هي رؤيته أنّ صبيان بني أُميّة ينزون على منبره

__________________

١ ـ سورة المائدة : الآية ١٣.

٢ ـ سورة البقرة : الآية ٨٨.

٣ ـ سورة المائدة : الآية ٧٨.

٤ ـ سورة الإسراء : الآية ٦٠.

٤١٤

نزو القردة ، فأخبر الأُمّة وحذّرها فتنتهم.

وقال بحقّ زعيمهم : «إذا رأيتم معاوية على منبري فابقروا كرشه ، ولن تفعلوا».

بروايات مختلفة يعلمها المتتبّعون للسيرة النبويّة المباركة.

وقال كذلك : «اللّهمّ العن القائد والسائق والراكب» (١) عندما رأى أبا سفيان يركب على بعير ويزيد يقوده ومعاوية يسوقه.

الثانية : فهي مكانة اللعن واللاعن لِمَنْ يستحقّ اللعن في كتاب الله العزيز.

والمسألة دقيقة وتحتاج إلى تمحيص وتدقيق ، وسأتطرق إليها لأنّها تُهمة شنيعة يلصقها بعض الجهّال بالشيعة ، من أنّهم يسبّون ويلعنون ، وأنّ المؤمن لا يكون لعّاناً.

أقول وبالله العون : إنّ المؤمن حقّ الإيمان يجب أن يكون لعّاناً لأعداء الله وأعداء رسوله الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله. ولنرى ماذا يقول القرآن الكريم ، وهو كلام ربّ العالمين في هذا الخصوص.

جاء في سورة البقرة المباركة الآيات التالية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ اُولئك يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُونَ إِلاّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَاُولئك أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ اُولئك عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٣٠ : الآية ٢٩٥ ، الاحتجاج ١ ص ٢٧٤ ، شرح نهج البلاغة ٦ ص ٢٨٨.

٤١٥

أَجْمَعِينَ) (١).

بالتدبر في هذه الآيات المباركة تجد :

ـ إنّ كتمان الرسالة وبيّنات الهدى يستوجب اللعنة ، ويُستثنى منها التائب توبة نصوحاً لوجه الله تعالى.

ـ إنّ الكفّار والذين ماتوا على الكفر يستحقّون اللعنة كذلك ، ولا توبة لهم.

ولكن اللعنة مِمَّن؟ وهنا الشاهد على كلامي.

١ ـ من الله عزّ وجلّ.

٢ ـ من الملائكة الكرام.

٣ ـ من اللاعنين. وقيل : هم الملائكة ، ولكنّ الواقع أنّهم المؤمنون ؛ لأنّ الملائكة مذكورون.

٤ ـ من الناس. وهم جميع الناس الذين يمكن أن يلعنوا الكفّار ، فلهم ذلك ويؤجرون على عملهم ذاك.

إلاّ أنّه يجب أن لا تخفى عليك هذه المسألة : وهي أنّ اللعنة على الذين يكتمون الآيات من بعد ما عرفوها هي من الله واللاعنين ، أي المؤمنين.

أمّا اللعنة على الكفّار ، لا سيما الميّتون منهم فهي من الله والملائكة والناس أجمعين ؛ لأنّهم أعمّ وأشمل بالكفر من اُولئك الذين يشملهم الصنف الأوّل.

أمّا الذين في الصنف الأوّل فهم أخصّ وألعن ؛ ولذا لا تصيبهم إلاَّ اللعنة المجابة

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ١٥٩ ـ ١٦١.

٤١٦

من الله واللاعنين.

وجاء في آيات سورة آل عمران المباركة ما هو قريب من ذلك من الآيات : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * اُولئك جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١).

وبالتدبّر في الآيات نجد :

١ ـ الدين المقبول عند الله هو الإسلام ، ولا يقبل أي دين غيره أبداً.

٢ ـ مَنْ يترك الإسلام رغبة منه إلى غيره فإنّه يخسر الدنيا والآخرة.

٣ ـ الله سبحانه لا يهدي المستكبرين الذين يعلمون علم اليقين أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله صادق وأمين ، وأنّ القرآن هو من عند الله الحقّ ، إلاّ أنّهم ينكرون ويصرّون على ذلك.

٤ ـ وهؤلاء يستحقّون اللعنة. ومِمَّن هي؟

ـ من الله تعالى.

ـ والملائكة الكرام.

ـ والناس أجمعين.

فالملاحظ في الآيات الآنفة الذكر أنّ اللعن هو مقام عظيم ، وأحياناً يكون واجباً على أهل الإيمان والتقى ؛ لأنّ أهل العربية يستنبطون ذلك من العطف

__________________

١ ـ سورة آل عمران : الآية ٨٥ ـ ٨٧.

٤١٧

الوارد في الآيات المباركة.

(يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاّعِنُون) ، وعليهم (لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) في الموردين ، وهذا العطف بالواو على الذّات المقدّسة تعني قدسيّة المعطوف لقداسة المعطوف عليه ، وهذا يجب أن لا يخفى عليك أخي العزيز.

وهنا يجب أن نتذكّر مسألة التولّي لأولياء الله والتبرِّي من أعدائهم.

والولاية تعني : الالتزام بعد الإيمان بنهج أولياء الله. وأمّا البراءة فتعني : التبرّي اللساني والقلبي والفعلي من أعداء الله ورسوله والأئمّة الأطهار (صلوات الله وسلامه عليهم).

ولهذا نقرأ في آية الكرسي : (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

فالكفر بالطاغوت يجب أن يسبق الإيمان كما في الآية المباركة ؛ لأنّ الإنسان إذا لم يكفر بالطاغوت وينزعه من قلبه تماماً فإنّه لن يخلص في إيمانه بالله تعالى ، وهذا واضح من التشهّد بـ (لا إله إلاّ الله) فالنفي يسبق الإثبات للوحدانية.

ولكن ، أسألك عزيزي القارئ ما هي نتيجة هذا البحث؟ هل وجدت أنّ يزيد وأشباهه وأنصاره يستحقّون اللعنة أم لا؟

وإذا كان الشخص تنطبق عليه صفة من الصفات التي تستحق اللعن ، فهل سوف تلعنه أم لا؟

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ٢٥٦.

٤١٨

ومَنْ يلعنه الله ورسوله والملائكة ، واللاعنون والناس فهل ستوافق على لعنه؟

هذا والأحاديث المرويّة عن رسول الله في السنّة النبويّة الشريفة تؤكّد أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعن الكثير من اللعناء ؛ اعتباراً من المستهزئين والمشركين والمنافقين ، لا سيما بني أُميّة (الشجرة الملعونة في القرآن) ، والشجرة المروانيّة التي قال عنها : «الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون ، عليه اللعنة وعلى مَنْ يخرج من صلبه إلى يوم الدين» (١). وعائشة كانت تسميه (فضضٌ من لعنة نبي الله) (٢).

الصحابة يلعنون بعضهم بعضاً

وكثير من الصحابة لعن بعضهم بعضاً ، وصحاح المسلمين مليئة بمثل هذه الأحاديث والأحداث ، وإليك واحدة نأخذها من البخاري وشيخه :

قال الحميدي (شيخ البخاري وأستاذه) : حدّثنا سفيان ، حدّثنا عمرو بن دينار قال : أخبرني طاووس سمع ابن عباس يقول : بلغ عمر بن الخطاب أنّ سمرة بن جندب باع خمراً.

فقال : قاتل الله سمرة ، ألم يعلم أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لعن الله اليهود ، حرّمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها» (٣) أي : أذابوها.

ولا يهولنك إذا قرأت في صحيح البخاري كلمة (فلاناً) مكان اسم سمرة بن

__________________

١ ـ مقتل الحسين عليه‌السلام ـ للخوارزمي ١ ص ١٨٤.

٢ ـ الكامل في التاريخ ٤ ص ٥٠٧.

٣ ـ صحيح البخاري ١ ص ٩ ح ١٣ من أحاديث عمر.

٤١٩

جندب ؛ لأنّه كان يريد أن يُغطّي على عورة هذا الصحابي المفضوحة على الملأ كعورة عمرو بن العاص في صفين.

وهذا ديدن البخاري وعادته في محاولة التغطية والتمويه ؛ لأنّه يعتقد بعدالة الصحابة جميعاً دون استثناء ، وأنّهم كالنجوم ولا يتطرّق إلى أحدهم الشك ، (ومَن طعن بأحد منهم فهو أضلّ من حمار أهله) كما يقول شيخ السلفية ابن تيمية!

ولكن ، أسأله وأمثاله ، ما رأيه بهذا الصحابي (سمرة بن جندب) ، وهذا الطعن واللعن له من الصحابي الثاني عمر بن الخطاب؟!

صحابي يبيع الخمر في عهد عمر ، وعمر يلعنه ، فهل كان أهلاً للعنة؟ أم أنّ عمر كان كما وصف ابن تيمية؟!

وهذا الصحابي الذي يبيع الخمر هو من أهل النار بنصّ حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما في (سير أعلام النبلاء) للذهبي. والمشهور أنّه وقع في قدر مملوء بالماء الحار جدّاً فمات بالنار في الدنيا ، وله نار الآخرة كما أخبر الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ وذلك لكثرة الدماء التي سفكها في عهد بني أُميّة ، فكان زياد يستخلفه ستة أشهر على البصرة وعلى الكوفة مثلها. قال الذهبي : وقتل سَمُرَةُ بشراً كثيراً ، وما في الأرض بقعةٌ نشفَتْ من الدم ما نَشفَتْ هذه ـ يعنون دار الأمارة ـ قتل بها سبعون ألفاً.

قيل : مَنْ فعل ذلك؟ قال : زيادٌ وابنه (عبيد الله) وسَمُرة (بن جندب) (١).

__________________

١ ـ انظر سير أعلام النبلاء ٣ ص ١٨٥ ترجمة ٣٥.

٤٢٠