الحسين (ع) والوهّابيّة

جلال معاش

الحسين (ع) والوهّابيّة

المؤلف:

جلال معاش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

ولا تظنّ أنّ هذا الصحابي الذي يدافع عنه الناس كان يبيع الخمرة ولا يشربها ، لا بل كانت لا تفارقه أبداً.

ويحدّث ابن أبي الحديد قائلاً : جاء رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فأتياه فإذا هو سمرة بن جندب ، وإذا عند إحدى رجليه خمر وعند الأُخرى ثلج.

فقلنا : ما هذا؟! قالوا : به النقرس.

وإذا القوم قد أتوه ، فقالوا : يا سمرة ما تقول لربّك غداً؟ تؤتى بالرجل فيقال لك : هو من الخوارج فتأمر بقتله ، ثمّ تؤتى بآخر فيقال لك : ليس الذي قتلته بخارجي ذاك فتى وجدناه ماضياً في حاجته فشبّه علينا ، وإنّما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني؟

فقال سمرة : وأيّ بأس في ذلك؟! إن كان من أهل الجنّة مضى إلى الجنّة ، وإن كان من أهل النار مضى إلى النار (١)!

هذا الصحابي الذي رفض نخل الجنّة بضمانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، هو الذي قال بحقّه محمد بن سليم : سألت أنس بن سيرين ، هل كان سمرة قتل أحداً؟

قال : وهل يُحصى مَنْ قتل سمرة بن جندب؟! استخلفه زياد على البصرة وأتى إلى الكوفة ، فجاء وقد قتل ثمانية آلاف من الناس ، فقال له : هل تخاف أن تكون قد قتلت أحداً بريئاً؟

__________________

١ ـ سير أعلام النبلاء ٣ ص ٧٧ ، شرح نهج البلاغة مجلد ٣ ج٥ ص ١٢١.

٤٢١

قال : لو قتلت إليهم مثلهم ما خشيت (١)!

ويشهد أبو سوار العدوي قائلاً : قتل سمرة من قومي في غداة سبعة وأربعين رجلاً قد جمع القرآن (٢) (أي حفظه)!

أهكذا تكون الصحبة؟!

أو هكذا يكون الصحابة؟! وهكذا تكون العدالة؟!

__________________

١ ـ المصدر السابق.

٢ ـ المصدر السابق.

٤٢٢

الفصل السادس

حربٌ على القبور

٤٢٣
٤٢٤

أن تحارب حيّاً فهذا ممكن وربما يحكم به العقلاء ، أو لا أقل تجد لنفسك مبرّراً لذلك ، ولكن أن تحارب الأموات فهذا الذي لا مبرّر له عند العقلاء!

أن تحارب الله سبحانه وتعالى في رسالته ، ورسولَ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بذاته وذريّته الطاهرة في الحياة وفي الممات فهذا شيء عجاب والله!

نعم ، إنّ السلفية عامّة والوهابيّة خاصّة أعلنت حربها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ صلافة وجلافة باسم الدين ، فقالوا :

ـ لا يجوز أن نقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّدنا أو سيّدي ، فنزعوا عنه السيادة!

ـ لا يجوز أن ترفع صوتك بالصلاة على محمد وآله ، بل إنّ ابن عبد الوهاب كان يجلد وربما قتل مَنْ رفع صوته بالصلاة أمامه!

ـ لا يجوز الاجتماع والجمع للذكر ، والصلاة من أعظم الذكر مهما كان السبب.

كلّ ذلك جاء باسم التوحيد وعدم الشرك ، ولكن كلّ ذلك لم يرق لهم ولم يشف غليل صدروهم ؛ لأنّهم يسمعون المؤذّن يشهد بالرسالة خمس مرّات ، ويصلّي ويسلّم على الحبيب المصطفى بعد الأذان ، فأمروا بإلغائها تماماً بعد الأذان!

ولم يكتفوا بذلك ؛ لأنّهم يرون الناس يضجّون ويعجّون إلى الله بالدعاء

٤٢٥

وهم طائفون حول قبر نبيّه الشريف وروضته النورانيّة المباركة ، فراحوا يحرِّضون الناس على عدم الزيارة ، ويمنعون الزائر من استلام الضريح ، أو حتّى الوصول إلى الرخام الموضوع حول القبر الشريف ، وفوق ذلك فهم يدوسونه بأحذيتهم!

لقد أعلنوها حرباً على القبور جميعاً ، وعلى المساجد والقباب التي فوقها ، فدمّروا الذي دمّروه دون وازع من ضمير ، أو رادع من دين ، أو احترام للميت أو الحي مهما كان دينه أو مذهبه ، فعملوا أعمالاً يندى لها جبين التاريخ وما زالوا يعملون!

وقبل الاستطراد بالحديث عن القبور المهدومة ، والحُرم المنتهكة من قبل الوهابيّة ، لا بأس بأن نقدّم كلماتهم وفتاويهم حول هذا الموضوع الذي يعتبرونه من الشرك الأكبر ، ويطلقون عليها (عبادة القبور) ، وعلى فاعليها (بالقبوريين).

اسمعه يقول : والشرك منه ما هو أكبر مُخرج عن ملّة الإسلام ، صاحبه مخلّد في النار إن مات على ذلك.

ومن مظاهر الشرك المنتشرة في كثير من بلاد المسلمين :

ـ الاعتقاد بأنّ الأولياء الموتى يقضون الحاجات ، ويفرِّجون الكربات ، والاستعانة والاستغاثة بهم ، والله سبحانه وتعالى يقول : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيَّاهُ) (١).

ـ وكذلك دعاء الموتى من الأنبياء والصالحين أو غيرهم للشفاعة ، أو

__________________

١ ـ سورة الإسراء : الآية ٢٣.

٤٢٦

للتخليص من الشدائد ، والله يقول : (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (١).

ـ وبعضهم يتّخذ ذكر اسم الشيخ أو الوليّ عادته وديدنه إن قام وإن قعد وإن عثر ، وكلّما وقع في ورطة أو مصيبة وكربة ، فهذا يقول : يا محمد ، وهذا يقول : يا علي ، وهذا يقول : يا حسين ، وهذا يقول : يا بدوي ، وهذا يقول : يا جيلاني ، وهذا يقول : يا شاذلي ، وهذا يقول : يا رفاعي ، وهذا يدعو العيدروس ، وهذا يدعو السيدة زينب ، وذاك يدعو ابن علوان ... والله يقول : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ) (٢).

ـ وبعض عُبّاد القبور يطوفون بها ، ويستلمون أركانها ، ويتمسحون بها ، ويقبّلون أعتابها ، ويعفّرون وجوههم في تربتها ، ويسجدون لها إذا رأوها ، ويقفون أمامها خاشعين متذلّلين متضرّعين سائلين مطالبهم وحاجاتهم ، من شفاء مريض ، أو حصول ولد ، أو سدّ حاجة ، وربما نادى صاحب القبر : يا سيدي ، جئتك من بلد بعيد فلا تخيّبني ، والله عزّ وجلّ يقول : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) (٣). وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ مات وهو يدعو من دون الله ندّاً دخل النار» (٤).

ـ وبعضهم يحلقون رؤوسهم عند القبور ، وعند بعضهم كتب بعناوين

__________________

١ ـ سورة النحل : الآية ٦٢.

٢ ـ سورة الأعراف : الآية ١٩٤.

٣ ـ سورة الأحقاف : الآية ٥.

٤ ـ صحيح البخاري ٨ ص ١٧٦.

٤٢٧

مثل : (مناسك حجّ المشاهد) ويقصدون بالمشاهد : القبور وأضرحة الأولياء.

ـ وبعضهم يعتقد أنّ الأولياء يتصرّفون في الكون وأنّهم يضرّون وينفعون ، والله عزّ وجلّ يقول : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ) (١).

ـ وكذلك من الشرك النذر لغير الله ، كما يفعل الذين ينذرون الشموع والأنوار لأصحاب القبور (٢).

نقلت هذه الفقرة بطولها لأختصر الطريق ، وأقيك عزيزي القارئ من التنقّل من كتاب إلى آخر فأوفّر عليك وقتك وجهدك ؛ لأنّ الرجل جاء برأي الجميع ، وهذا زبدة القول عندهم في هذه المسألة التي اتّخذوها ديناً دون دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ؛ لأنّهم كفّروا الأُمّة كلّها ، ورموها بالشرك الأكبر نتيجة هذه العقيدة الفاسدة.

وإذا قلت لهم : وقبر النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي كان مهوى القلوب المؤمنة منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام قبل أن يجود علينا الزمان بكم؟

لقالوا العجب العجاب ، تأمّل أخي القارئ :

يقول الألباني : إنّ من بدع زيارة المدينة المنوّرة قصد قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله بالسفر ، وإبقاء القبر النبوي في مسجده ، وزيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل الصلاة في مسجده ، والتوسّل به صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الله في الدعاء ، وطلب الشفاعة وغيرها منه ، وقصد القبر

__________________

١ ـ سورة يونس : الآية ١٠٧.

٢ ـ محرّمات استهان بها الناس ـ محمد صالح المنجد ص ١٢ ـ ١٤.

٤٢٨

النبوي للسّلام عليه دبر كل صلاة (١).

وقوله : إنّ من البدع إبقاء قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله في المسجد يعدّ من أشنع وأعظم الفواحش التي نطق بها هذا الرجل! وهل يتصوّر عاقل أنّ مَنْ ينطق بهذا يحترم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحبّه ويوقّره؟! لا سيما وهو يقول ذلك في كتابه ، ثمّ ليعلم أنّ هذه البدع ليست خطورتها في نسبة واحدة ، بل هي على درجات ؛ فبعضها شرك وكفّر صريح ـ كما سترى ـ وبعضها دون ذلك. ولكن يجب أن يعلم أنّ أصغر بدعة يأتي بها الرجل في الدين هي محرّمة بعد تبيّن كونها بدعة ، فليس في البدع كما يتوهّم بعضهم ما هو في رتبة المكروه فقط ، كيف ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «كلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار» ، أي صاحبها ، فتأمّلوا يا مسلمين! أيّ بدعة أعظم ممّا جاء به السلفيّة بهذه الأفكار الجهنميّة؟!

ابن باز وزيارة قبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله

وأيّ ضلال أكبر من ضلال مَنْ يدعو إلى قلع قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مسجده ، أو مَنْ يرى أنّ أعظم مصيبة عليه أن يرى قبّته النوراء تناطح عنان السماء ، أو مَنْ يعتقد أنّ ذلك كلّه بدعة وضلالة وانحراف عن دين الإسلام ومنبع الحبيب المصطفى محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله!

وهل تعلم أنّ ابن باز وهو مفتي الديار السعودية لم يزر قبر رسول

__________________

١ ـ مناسك الحجّ والعمرة ـ للألباني ص ٦٠ ، السلفية الوهابيّة ص ٦٧.

٤٢٩

الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان يرفض زيارته ما دامت القبّة فوقه أو الضريح حوله؟! هل تتصوّر وجود مثل هذا الرجل في أُمّة الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله؟!

وهل تعلم أنّهم يسمّونه (بالصنم) ويرفضون زيارته والوقوف على أعتابه؟! ورغم كلّ الإهانات التي كانوا وما زالوا يوجّهونها إلى رسول الله وأهل بيته الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين) حتّى كانت عصا أحدهم خيراً منه ؛ لأنّه يقتل بها الحيّة! وعند محمد بن عبد الوهاب ما هو إلاّ طارش! هل تعلم ما هي فتاواهم حول هذا الموضوع؟!

نواقض الإسلام عند الوهابيّة

نواقض الإسلام عند الوهابيّة كثيرة ، منها :

١ ـ مَنْ اعتقد أنّ هدي غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أكمل من هديه ، أو أنّ حكم غيره أحسن من حكمه فقد أشرك (١).

فهل تعلم أنّهم خالفوا هدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله واتّبعوا هدي محمد بن عبد الوهاب وشيوخه السلفيين من قبله ؛ رغبة عن دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى ما جاء به محمد بن عبد الوهاب ، وما اخترعه من عقائد وأفكار ، وراحوا يحكمون الناس بالحديد والنار؟!

٢ ـ مَنْ أبغض شيئاً ممّا جاء به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله لمشروعيته ولو عمل به فقد كفر (٢).

__________________

١ ـ دليل الحاج والمعتمر ـ هيئة التوعية ص ١١.

٢ ـ المصدر نفسه ص ١٣.

٤٣٠

والسلفيّة والوهابيّة تركوا سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوّلوا القرآن الكريم حسب ما أرادوا وليس كما جاء به العلماء من أئمّة المسلمين.

٣ ـ مَنْ استهزأ بالله ، أو كتابه ، أو رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو بشيء من دين الله فقد كفر (١).

وهل يوجد استهزاء بالله ـ والعياذ بالله ـ أكثر من تشبيهه بخلقه وما يقولونه بحقّه؟!

وهل هناك استهزاء بالقرآن كتأويلاتهم وآرائهم الفاسدة في تفسيره؟!

وهل سمعت سخرية واستخفافاً برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كأقوالهم وأفعالهم منذ بداية دعوتهم إلى الآن؟!

وهل قرأت سخرية بالدين الحنيف أكبر ممّن يكفّر الأُمّة ويرميها بالشرك الأعظم ، ويُبيح دماءها وأعراضها وأموالها؟!

والأعظم من ذلك ما يعلّق الكاتب للبنود الماضية قائلاً : ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلاّ المكره (٢).

فحكمهم الكفر بفتاواهم وكلماتهم التي يبثّونها في كتبهم التي يبيعونها بلا ثمن ، ويوزعونها مجّاناً على جميع عباد الله بخطوط أنيقة ، وطباعة راقية ، وألوان زاهية ؛ لترويج الأفكار الضالّة بين بسطاء الأُمّة الإسلاميّة.

والحرب الكافرة الأموية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما زالت مستمرّة ، وهم في كلّ يوم يتهجّمون عليه ، أو يحاولون الهجوم على قبره الشريف ، إلاّ أنّ الله سبحانه أخزاهم فلم يستطيعوا أن يعملوا شيئاً ، فاندفعوا إلى ذريّته الطاهرة

__________________

(١) دليل الحاج والمعتمر ـ هيئة التوعية ص ١١.

(٢) المصدر نفسه ص ١٥.

٤٣١

المباركة يشتمونهم وينتقصون من قدرهم ، ويسبّون ويضربون كل مَنْ والاهم وتشيّع لهم ، لا لذنب اقترفوه إلاّ أن يكون الحبّ لمحمد وآله الأطهار (صلوات الله عليهم أجمعين).

فذهبوا بكلّ قوّتهم وصبّوا جام غضبهم على قبور الأئمّة والصالحين من الصحابة في البقيع فهدموها ، ونهبوا كلّ ما فيها من أموال وأضرحة ، ومشاهد عامرة بالنور والإيمان والصلوات.

حتّى الأموات محاربون

وقبل أن نستطرد بالحديث عن بقيّة الفرق لا بأس بفكرة موجزة عن رأي الإسلام بالقبور ، وبناء المشاهد ووضع الأضرحة عليها ؛ وذلك لنكون إسلاميّين واقعيّين ، ونعرف كم هو التضليل وسوء التأويل في أقوال السلفيّة.

والمصيبة أخي الكريم أن تعلم أنّهم يحاربونك كإنسان مسلم في الحياة وبعد الممات ، كيف يكون ذلك؟!

١ ـ في الحياة : إذا لم تتبعهم وتعتقد بأفكارهم ، وتنتهج طريقتهم ، وتستنَّ بسنّتهم كطول اللحية ، وقصر الدشداشة (الجلابية) ، وتكفير الأُمّة وما أشبه فإنّهم عند ذلك يوجّهون إليك سهامهم ، وأقلّ التهم عندهم الشرك الأصغر ، فإذا قلت : (يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فذلك مصيبة عندهم ؛ فإنّها من الشرك الأكبر ، فإمّا أن تتوب أو تُقتل ، وإذا عرفوك شيعيّاً فإنّه لا توبة لك عندهم ؛ لأنّك تستعمل (التقية) ، وحكمك القتل لا محالة! فيقيّدونك بألف قيد إذا لم تكن وهابيّاً سلفيّاً.

٤٣٢

٢ ـ عند الموت : يحاربونك أيضاً ؛ لأنّ المسلمين ـ حسب زعمهم ـ لديهم منكرات يجب إزالتها مثل :

أ) الإعلان في المآذن عن موت شخص.

ب) تقديم أكاليل الزهور لوضعها على الميت.

ج) رفع الصوت بالبكاء على الميت ، أو النياحة أو لطم الخدود.

د) ذهاب النساء مع الرجال إلى المقبرة لدفن الميت.

هـ) رثاء الميت عند القبر ، ومدحه بالنثر والشعر.

و) قراءة القرآن عند القبر ، أو الذكر أو المولد.

ز) الاجتماع إلى أهل الميت في مكان معين للتعزية.

٣ ـ وبعد الموت والدفن في القبر : يلاحقونك بحربهم الشرسة الخبيثة ، بحجّة أنّه :

أ) يحرم البناء على القبر ، والأحجار العالية ، وتدهينه والكتابة عليه.

ب) يحرم القيام بعمل حفلة الأربعين ، والحول للميت وتوزيع المأكولات.

ج) تحرم زيارة القبور في يوم مخصوص ، كيوم الجمعة أو العيد أو النصف من شعبان (١).

أخي الكريم ، قد تتعجّب وتقول : يا أخي ، إنّ هذا الكلام من عندك ، أو استنبطته من أعمالهم وما رأيته منهم؟

أقول لك : لا والله ، بل أنقله بكلّ أمانة ، وبالحرف الواحد تقريباً من كتاب

__________________

١ ـ معلومات مهمّة عن الدين ص ١٢١ وما بعدها.

٤٣٣

لهم جميل وأنيق كانوا يوزّعونه على حجّاج بيت الله الحرام تحت عنوان : (معلومات مهمّة عن الدين لا يعلمها كثير من المسلمين) إعداد : محمد جميل زينو.

وكما ترى فإنّهم يحرمونك من إعلان موتك ، واتّباع أهلك لجنازتك ، والتعزية لأهلك فيك ، وحتى من قراءة القرآن ، أو مجالس الذكر والفاتحة على روحك ، ويحرمون أصدقائك وأحباءك من رثائك ؛ سواء بالشعر ، أو النثر أو إحياء أسبوعك أو سنويتك!

وكلّ ذلك مشروع ومندوب في الشريعة الإسلاميّة ، بل منها ما هو واجب ، ومنها ما هو مستحبّ مؤكّداً ؛ لأنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة كانوا يفعلونا احتراماً لموتاهم.

فكلّ عمل ينطوي تحت شعار (تعظيم شعائر الله) فهو واجب أو مندوب ، وكثير من الأعمال التي نحييها بخصوص الأموات والقبور هي من هذا القبيل ، فلماذا كلّ هذا التهويل والاستنكار علينا في كلّ ذلك؟ فالأُمّة الإسلاميّة منذ وفاة الشخص الأوّل من المسلمين وحتى الشهداء كانوا يوقّرون ويُزارون ويُصلّى عند قبورهم ، بل ويجمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله النساء ؛ ليبكينَ على الشهداء كعمّه حمزة عليه‌السلام ، أسد الله وأسد رسوله ، وعند شهادته [في معركة أُحد ، وبكاء نساء الأنصار على شهدائهنّ] قال : «لكن حمزة لا بواكي له!» ، [فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبكين أحداً حتّى تبدأنَ بحمزة. قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميتاً إلاّ بَدأن بحمزة] (١).

وابنته سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كانت تزور عمّها حمزة ، وتصنع من تربته مسبحة تديرها بين أصابعها الشريفة تذكر الله بها ، فهل عرفت هنا لماذا يحاربون المسبحة ؛ لأنّها من سنن بهجة قلب المصطفى

__________________

١ ـ مجمع الزوائد ـ للهيثمي ٦ ص ١٢٠. (موقع معهد الإمامين الحسَنَين)

٤٣٤

فاطمة الزهراء عليها‌السلام!

المسلمون وقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ زارني بعد موتي كمَنْ زارني في حياتي» (١) ، و «مَنْ حجّ ولم يزرني فقد جفاني» (٢).

والمشهور المؤكّد عند أهل البيت الأطهار عليهم‌السلام أنّ الإمام علياً وفاطمة الزهراء والحسن والحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) كانوا لا ينقطعون ، ولا حتّى يوماً واحداً ، عن زيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله. فهذه كتب التاريخ تذكر مدى حزن وبكاء فاطمة الزهراء على أبيها ، وأنّ أهل المدينة ضجّوا من كثرة بكائها عليه حتّى اشتكوها إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، فبنى لها بيتاً خارج المدينة تبكي فيه سمّوه (بيت الأحزان) ، وهو من المشاهد التي هدمها أصحاب التكفير في السنوات الأخيرة.

حتى إنّها في خطبتها الفدكية وفي مسجد أبيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، التفت في نهايتها إلى القبر الشريف ، ونادت برفيع صوتها ورنت حزنها ، وهي تحتجّ على القوم ببيان صحيح ، كأنّما رسول الله كان يتكلّم.

فمما قالت : «أيّها الناس ، اعلموا أنّي فاطمة ، وأبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أقول عوداً وبدءاً ، ولا أقول ما أقول غلطاً ، ولا أفعل ما أفعل شططاً».

إلى أن قالت : «أتقولون مات محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ فخطب جليل استوسع خرقه ،

__________________

١ ـ منتخب كنز العمال ـ هامش مسند أحمد ٢ ص ٣٩٢.

٢ ـ العوالم ٢ ص ٦٧٣.

٤٣٥

واستنهر فتقه ، وانفتق رتقه ، وأظلمت الأرض لغيبته ، وكُسفت النجوم لمصيبته ، وأكدت الآمال ، وخشعت الجبال ، وأُضيع الحريم ، وأُزيلت الحرمة عند مماته ، فتلك ـ والله ـ النازلة الكبرى ، والمصيبة العظمى ، لا مثلها نازلة ، ولا بائقة عاجلة» (١). إلى أن قالت شعراً :

قد كانَ بعدكَ أنباءٌ وهنبثة

لو كنتَ شاهدها لم تكثرِ الخطبُ

إنّا فقدناكَ فَقْدَ الأرضِ وابلها

واختلَّ قومُكَ فاشهدهم وقد نكبوا

وكلّ أهلٍ لهُ قُربى ومنزلة

عندَ الإلهِ على الأدنينِ مقتربُ

أبدتْ رجالٌ لنا نجوى صدورهمُ

لمّا مضيتَ وحالت دونَكَ التّربُ

تجهمّتنا رجالٌ واستُخِفَّ بنا

لمّا فُقِدتَ وكلُّ الإرثِ مغتصَبُ

وكنتَ بدراً ونوراً يُستضاءُ به

عليكَ تنزلُ من ذي العزّةِ الكتبُ

وكانَ جبريلُ بالآياتِ يؤنسنا

فقد فُقِدتَ فكلُّ الخيرِ محتجَبُ

فليتَ قبلكَ كان الموتُ صادفنا

لمّا مضيتَ وحالت دونَكَ الكثبُ

إنّا رُزينا بما لم يُرْزَ ذو شجن

من البريّةِ لا عجمٌ ولا عربُ (٢)

ألم يكن هذا رثاء من سيّدة النساء لأبيها (صلوات الله عليهم)؟ لماذا لم يستنكر عليها المستنكرون يومها ، أم أنّ هؤلاء الوهابيّة أعلم منها ومن الصحابة الذين سمعوها بالكتاب والسنة ـ والعياذ بالله ـ؟!

وهذا شأن الإمام علي عليه‌السلام قبل فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، فإنّ قبر أخيه وحبيبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان ملاذه دائماً وأبداً ، لا سيما حينما قادوه كُرهاً

__________________

١ ـ العوالم ٢ ص ٦٧٣.

٢ ـ فاطمة الزهراء عليها‌السلام من المهد إلى اللّحد ص ٥٠٢.

٤٣٦

للبيعة ، وبعد أن هدّدوه بضرب العنق إذا لم يبايع ، فقال عليه‌السلام : «أتقتلون عبد الله وأخا رسوله؟!».

فقال عمر : [أمّا] عبد الله نعم ، وأمّا أخو رسوله فلا علم لنا بذلك. بايع وإلاّ ضربت عنقك. فلاذ بقبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ضاجّاً باكياً إلى الله ، يبثّ شكواه إلى أخيه وابن عمّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ممّا لاقاه من جفاء وجفاف وغلظة أخلاق القوم ، والقصّة مشهورة ومعروفة. لا ، بل عندما لحُدت سيدتنا فاطمة الزهراء عليها‌السلام في قبرها الشريف ليلاً توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائلاً : «السّلام عليك يا رسول الله ، عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك ، والسريعة اللحاق بك ، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري ، ورقَّ عنها تجلّدي ، إلاّ أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تَعَزٍّ ، فلقد وسّدتُك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

لقد استُرجِعَت الوديعة ، وأُخذت الرهينة. أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، وستنبئك ابنتك بتضافر أُمَّتك على هضمها حقّها ؛ فأحفها السؤال ، واستخبرها الحال. هذا ولم يَطُل العهد ولم يخلُ منك الذكر.

والسّلام عليكما سلام مودِّعٍ ، لا قالٍ ولا سئمٍ ، فإن أنصرف فلا عن ملالة ، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين» (١).

وكان يقول شعراً كذلك :

__________________

١ ـ موسوعة البحار ٤٣ ص ١٨٣.

٤٣٧

أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة

وصاحبها حتّى المماتِ عليلُ

لكلّ اجتماعٍ من خليلينِ فرقة

وإنّ بقائي عندكم لقليلُ

وإنّ افتقادي فاطمٍ بعدَ أحمدٍ

دليلٌ على أن لا يدومَ خليلُ (١)

أليس هذا بكاءً وتوجّعاً ، وعويلاً ورثاءً؟ قل لي بربّك أيّها القارئ المنصف ، هل تعمل بسنّة وسيرة علي بن أبي طالب وفاطمة بنت محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ، أم تعمل بأقوال خوارج العصور المتأخّرة كابن تيميّة ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهما؟!

وقصّة الحسين بن علي عليه‌السلام والتجاؤه إلى قبر جدّه الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ووداعه ممّا تقدّم في الفصل الأوّل من الكتاب ، فهل تحتاج إلى دلائل على مشروعية زيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وبقيّة القبور ، لا سيما أئمّة المسلمين والعباد الصالحين؟!

هذا وقد نُقل عن الصحابة بطرق عديدة أنّ الصحابة كانوا يلجؤون إلى قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يندبونه في الاستسقاء ، ومواقع الشدائد وسائر الأمراض (٢).

ولا يخفى أنّ وفاة المتوسَّل به لا تنافي التوسّل أصلاً ؛ فإنّ مكانته عند الله لا تزول بالموت كما هو واضح ، هذا مع أنّهم في الحقيقة أحياء كما ذكر الله عزّ وجلّ في حال الشهداء ، فالأنبياء والأولياء (وهم شهداء على كلّ حال) أحقّ بذلك.

__________________

١ ـ موسوعة البحار ٤٣ ص ١٨٣.

٢ ـ وفاء الوفاء ٤ ص ١٣٧٢.

٤٣٨

والأرواح لا تفنى بالموت ، والعبرة بها لا بالأجساد الفانية ، وإن كانت أجساد الأنبياء عليهم‌السلام لا تبلى كما نُصّ عليه في الأخبار (١).

وفي الرواية أنّ الشهداء وسائر المؤمنين إذا زارهم المسلم وسلّم عليهم عرفوه وردّوا عليه‌السلام (٢).

وينقلون عن السيد المسيح أنّ روح الله عيسى لمّا دفن مريم العذراء قال : السّلام عليك يا أُمّاه ، فأجابته من جوف القبر : وعليك السّلام حبيبي وقرّة عيني (٣).

وهناك قصّة نبيّ الله (حيقوق) أو (حبقوق) الإسرائيلي الذي وجدوه كما هو في قبره منذ سنوات ، وكانت المخابرات الإسرائيلية تعمل على سرقته. وكذلك قصص الحرّ الرياحي والشيخ المفيد ، وغيرهم كثير ممّن لم تبلَ أجسادهم ، ولدينا قول يجري كالمثل : السعيد من يحفظ لاشته من أن تأكله الأرض ، والمداومة على غُسل الجمعة يفيد في ذلك كما تؤكّد الروايات ، أمّا ابن عبد الوهاب يقول : الشيعة إذا ماتوا تحوّلوا إلى قردة وخنازير ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله.

__________________

١ ـ سنن ابن ماجة ١ ص ٥٢٤.

٢ ـ وفاء الوفاء ٤ ص ١٣٥١.

٣ ـ الوهابيّة ـ للبلاغي ص ٤٧.

٤٣٩

البناء على القبور

الزيارة مكروهة ، وبالتخصيص محرّمة ، ونداؤها من الشرك ، والبناء عليها من أكبر الكبائر عند السلفيّة والوهابيّة ، كيف ، ولماذا؟

اعلم أنّ البناء على قبور الأنبياء والعباد المصطفين تعظيم لشعائر الله ، وهو من تقوى القلوب ، ومن السنن الحسنة ؛ حيث إنّه احترام لصاحب القبر ، وباعث على زيارته ، وعلى عبادة الله عزّ وجلّ بالصلاة والقراءة والذكر وغيرها عنده ، وملجأ للزائرين والغرباء ، والمساكين والتالين والمصلّين.

بل هو إعلاء لشأن الدين. فعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ سنّ سنّة حسنة فله أجرها وأجر مَنْ عمل بها إلى يوم القيامة» (١). وقد بُني على مراقد الأنبياء عليهم‌السلام قبل ظهور الإسلام وبعده ، فلم ينكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا حتّى أحد من الصحابة والخلفاء ، كالقباب المبنية على قبر دانيال في شوشتر ، وهود وصالح ، ويونس وذي الكفل عليهم‌السلام والأنبياء في بيت المقدس وما يليها ، كالجبل الذي دُفن فيه موسى عليه‌السلام بالأردن ، وبلد الخليل مدفن سيّدنا إبراهيم عليه‌السلام في فلسطين.

بل الحِجْرُ المبني جوار الكعبة المشرّفة على قبر سيّدنا إسماعيل عليه‌السلام وأُمّه الذي صار للمسلمين مصلّى ، وأوّل مَنْ بنى حجرة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله باللبن ، بعد أن كانت مقوّمة بجريد النخل ، عمر بن الخطاب ، ثمّ تناوب الخلفاء على تعميرها (٢).

__________________

١ ـ مسند أحمد ٤ ص ٣٦١.

٢ ـ الوهابيّة ص ٤٩ ، وفاء الوفاء ٢ ص ٦٤٧.

٤٤٠