الحسين (ع) والوهّابيّة

جلال معاش

الحسين (ع) والوهّابيّة

المؤلف:

جلال معاش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

كيف نعبد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أطلقنا عليه لفظاً يمكن أن نطلقه على كلّ أحد ، وهو الجدير بهذا الوصف دون غيره ، هذا الذي لا أدريه ولا أعرف كيف توصّلت عبقرية ذاك الأستاذ إليه؟!

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سيّد البشر وسيّد ولد آدم ، وسيّد الأنبياء والمرسلين عليهم‌السلام ، هذه بديهيات ؛ ولذا كان الصحابة ينادونه : (يا سيّدي) كما تشهد كتب السيرة والسنن ، فلماذا لا يجوز أن نطلقها على رسولنا الكريم (صلوات الله عليه وآله) ، وتطالبنا أن نطلقها عليك؟!

وليس هذا فقط ، بل إنّ بعضهم كان ينظر لنفسه على أنّه أفضل أو خير من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ والعياذ بالله ـ وأنفع للأُمّة من رسولها ؛ لأنّه حيّ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ميّت!

وذهب آخر إلى القول ـ وهذا القول منسوب في الحقيقة لابن عبد الوهاب شخصياً ـ : ما محمّد؟ إنّ عصاي هذه خيرٌ من محمد ؛ لأنّها ينتفع بها في قتل الحيّة ونحوها ، ومحمّد قد مات ولم يبقَ فيه نفعٌ أصلاً ، وإنّما هو طارش وقد مضى!

ولا شكّ أنّ هذا الكلام كفرٌ بالإجماع ، وهذه الجملة الأخيرة : (هو طارش) من محمد بن عبد الوهاب كما هو معلوم ، وتعني في لغة أهل الشرق : المرسل من قوم إلى آخرين (ساعي بريد) ، فيعني بهذا القول أنّه (صلوات الله عليه وآله) حامل كتب (رسائل) ، أي غاية أمره أنّه كالطارش الذي يرسله الأمير أو غيره في أمرٍ لأناسٍ ؛ ليبلّغهم إيِّاه ثمّ ينصرف(١).

__________________

١ ـ السلفية الوهابيّة ص ٧٧ ، عن روضة المحتاجين لمعرفة قواعد الدين ـ للشيخ رضوان العدل بيبرس ص ٣٨٤.

٣٦١

وساعي البريد كما هو معلوم شخص مجهول في معظم الأحيان ، بل هو مُهان كذلك لدناءة وظيفته عند الجهّال ، وتأثيره فيمَنْ يرسل إليهم لا يتعدّى الخبر الذي يحمله ، أو الرسالة التي يبلغها إليهم إذا ما عرف فحواها ، ويتركهم ويمضي دون ذكر أو تأثير في حياتهم الخاصّة أو العامّة إلاّ أن يذكره ذاكر.

فهل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كذلك؟ (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ)!

ولا أدري وربما لا أفهم من معنى الكلمة غير الذي فهمه وشرحه ذاك الشيخ الجليل ؛ لأنّ الطرش تعني ببعض لغات العرب : (الدواب) لا سيما الماشية (الغنم والمِعزَى) خاصة.

ويكون (الطارش) هو صاحب (الطرش) والمسؤول عنه : أي الراعي. وكما هو معلوم فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يرعى الغنم في مكة المكرّمة في بدايات شبابه وأوائل صباه ، وبالرواية عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من نبيّ ولا رسول إلاّ ورعى الغنم ، إلاّ إدريس فإنّه كان بزازاً (خياطاً)» (١).

أعتقد والله العالم أنّهم يعنون أنّ رسول الله كان راعياً للغنم لا أكثر ولا أقل ، فما عساه أن تكون قيمته عندهم وهو بهذه الوظيفة! والأدهى قول أحدهم : إنّ محمّداً رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله زينة كالخاتم في اليد للزينة ، إنّه خاتم باليد فقط ، وينزع خاتمه من يده للإيضاح أمام مَنْ يسمعه ، فهل سمعت بهذا التفسير العجيب الغريب؟!

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ١٧ ص ٤١ ، مستدرك الوسائل ١٣ ص ٢٦.

٣٦٢

الصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله بدعة

والأعظم من هذا وذاك أنّ زعيم القوم محمد بن عبد الوهاب كان ينهى عن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويتأذّى من سماعها ، وينهى عن الإتيان بها ليلة الجمعة (مع إنّها أفضل الأعمال كما في الرواية) ، وعن الجهر بها على المنائر (لا سيما التعقيب بعد الأذان) ويؤذي مَنْ يفعل ذلك ويعاقبه أشدّ العقاب وربما يقتله.

وكان يقول ـ وعليه إثم ذلك ـ : إنّ الربابة في بيت الخاطئة ـ يعني الزانية ـ أقلُّ إثماً ممّن ينادي بالصلاة على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله على المنائر (١).

وأحرق كتاب (دلائل الخيرات) وغيره من كتب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، متستراً بقوله (ملبّساً على أتباعه) إنّ ذلك بدعة ، وإنّه يريد المحافظة على التوحيد (٢).

ولم يكتفِ ابن عبد الوهاب بتلك التهم للرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والأوصاف والنعوت البعيدة كلّ البعد عن الأدب والاحترام ، فإنّه ولشدّة نصبه وعداوته لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله راح يمنع الناس من الصلاة عليه ، وهي من أعظم القربات عند الله ، وكثير من العلماء في كلّ عصر ومصر ألّفوا كتباً تشيد وتحضّ على الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

كيف لا ، وسبحانه وتعالى يقول له : (وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٣).

__________________

١ ـ السلفية الوهابيّة ص ٧٦.

٢ ـ المصدر نفسه.

٣ ـ سورة التوبة : الآية ١٠٣.

٣٦٣

و (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

ولم يكتفِ كذلك بهذه الموبقة العظيمة ، بل راح يمنع الناس من الحضور في مجالس الذكر ، ومَنْ رفع أصواتهم بالذكر المأمور به كالتسبيح والتهليل والتكبير ، وقراءة القرآن أو الدعاء للمؤمنين ، وراح يحارب تلك المجالس العامرة بالنور ، والتي تحفّها الملائكة حيث تنزل ؛ لتتبرّك بحضور مثل تلك المجالس النورانيّة العامرة بالإيمان.

واعتبروا ذلك كلّه من بدع الصوفية ؛ ولذا حين جاء (الوهابيون) حرّموا مظاهر التصوّف كالاجتماع على الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد الأذان ، وحمل المسبحة ، كما حاربوا اسم التصوّف بشكل عام ، وأوّل مَنْ ابتدع ذلك محمد بن عبد الوهاب النجدي.

ومحاربة الذكر ومظاهر التصوّف ، هي ممّا افترق به محمد بن عبد الوهاب ومَنْ جاء بعده من المتمسلفين عن قدامى أئمّتهم مثل ابن تيميّة وغيره (٢) ؛ لأنّ هذا الأخير يمتدح الصوفية وكلّ مظاهرها لا سيما الذكر والاجتماع عليه.

فما عسانا أن نقول عن كلّ هذه الأقوال والتصرّفات البعيدة كلّ البعد عن الدين الإسلامي الحنيف ، بل هي بعيدة عن الإنسانيّة وأخلاقيّات الوفاء للعظماء المتعارف عليها في كلّ عصر ومصر (٣)؟!

__________________

١ ـ سورة الأحزاب : الآية ٥٦.

٢ ـ السلفية الوهابيّة ص ٧٥.

٣ ـ حقيقة الحديث عن الصوفية والتصوّف ، هل طريقتهم يقرّها الإسلام؟ وهل هي مطابقة لسُنّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله؟ هذا ممّا يحتاج إلى دراسة وبحث وتحقيق.

٣٦٤

مواقف الوهابيّة من الإمام علي عليه‌السلام

يقول أكثر الدارسين لسيرة ومنهج هذه الجماعة : أنّ تعاملهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما كان ليكون لولا العداء العجيب الذي يكنّه ابن عبد الوهاب وأتباعه لأهل البيت النبويّ ورجالات البيت الهاشميّ ككلّ ، لا سيما السادة الكرام.

وإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو بدوره أخبرنا ، كما في نهج البلاغة بقوله : «والله ، لَو ضَربتُ خيشومَ المؤمنِ بسيفي هذا على أن يُبغضني ما أبغضني ، ولو وضعتُ الدنيا بين يدي المنافق على أن يُحبّني ما أحبّني ؛ وذلك أنّه قُضي فانقضى على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال لي : يا عليّ لا يحبّك إلا مؤمنٌ ، ولا يُبغضك إلاّ منافقٌ» (١).

ولهذا الحديث عدّة روايات وبألفاظ مختلفة ، ممّا يؤكّد صدروها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بتلك الألفاظ لاختلاف مناسباتها ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام : «يا علي ، لا يحبّك إلاّ طاهر الولادة ، ولا يبغضك إلاّ خبيث الولادة» (٢).

وهذا ما أكّدته عائشة بنت أبي بكر حين سألوها عن الإمام علي عليه‌السلام في أواخر أيّامها ، فقالت شعراً :

إذا ما التِّبْرُ حُكَّ على محكٍّ

تبيّنَ زيفهُ من غيرِ شكِّ

وفينا الدرُّ والذهب المصفى

عليّ بيننا شبهُ المحكِّ

__________________

١ ـ نهج البلاغة ص قصار الحكم رقم ٤٥.

٢ ـ ينابيع المودّة ص ١٥٨ ب٤٤.

٣٦٥

نعم ، إنّ الإمام علياً عليه‌السلام هو المحكّ المميّز للناس ، ألم يقل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «حبّ علي عنوان صحيفة المؤمن» (١)؟!

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ آذى علياً فقد آذاني» (٢).

وقال أيضاً : «علي مع الحقّ والحقّ مع علي لا يفترقان» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أطاع علياً فقد أطاعني ، ومَنْ عصى علياً فقد عصاني» (٤).

وأكّدت كتب الصحاح قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «يا علي ، لا يحبّك إلاّ مؤمن ، ولا يبغضك إلاّ منافق» (٥).

هذا الذي فضائله كُتبت على صفحات تاريخ الإنسانيّة بأنصع الكلمات النورانيّة ، هذا الذي قام الإسلام بسيفه ، ومال خديجة كما في الرواية. هذا الذي قاتل على التنزيل مع رسول الله ، وقاتل على التأويل من بعده ؛ حفاظاً على دين الله من أن يصيبه هدم أو ثلم ، فسلامة الدين أحبّ إليه كما هو ثابت عنه (صلوات الله عليه وآله).

فما هو موقف هذه الجماعة من عظيم الإسلام وإمام المسلمين ، وأمير

__________________

١ ـ ينابيع المودّة ص ١٠٥ ب ٢٠.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل ص ح ١٥٣٩٤.

٣ ـ ينابيع المودة ص ٦٥ ب ٧.

٤ ـ الحاكم في المستدرك ٣ ص ١٢١ و ١٢٨.

٥ ـ صحيح مسلم ١ ص ٨٦ ، الترمذي ٥ ص ٦٤٣ ، النسائي ٨ ص ١١٦ ، ابن ماجة ١ ص ٤٢.

٣٦٦

المؤمنين ، وقائد الغرِّ المحجّلين ، ويعسوب الدين ، عدل القرآن الناطق. هذا الذي لولاه لما كان للإسلام ذكر أو فكر؟

وأدعوك عزيزي القارئ إلى تصوّر الإسلام بدون علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، هل يمكن أن نرفع علياً من تاريخ الإسلام الحنيف؟

إليك بعض ما قاله إمام النواصب ابن تيميّة الذي أصّل اُصول السلفية ، وأسّس لهم القواعد التي بنوا عليها دعوتهم الخارجة عن سنن الدين القويم ، ومن أقواله نعرف أصله وفصله.

كان يقول ابن تيميّة في الإمام أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : (إنّ أبا بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعليٌّ أسلم صبيّاً ، والصبي لا يصحّ إسلامه على قول) (١).

فالإمام علي عليه‌السلام لم يكن مسلماً عند ابن تيميّة ؛ لأنّه أسلم صبيّاً ولا يصح إسلام الصبي كما يقول ويدّعي ، ولكن كيف يطلق هذا الحكم ـ بعدم صحة إسلام الصبي ـ لا أدري؟!

لسنا هنا في باب إثبات الفضائل أو مناقشة إسلام الإمام علي عليه‌السلام ، ولكن نرجع إلى كلّ مَنْ أرّخ عن هذا الإمام وسيرته ، منذ أن كان في بطن أُمّه ، ثمّ ولادته متفرّداً بهذه الخصيصة في جوف الكعبة ، ثمّ تربيته بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ البداية وحتى شهادته في محراب عبادته في مسجد الكوفة؟!

__________________

١ ـ السلفية الوهابيّة ص ٦٥ عن الدرر الكامنة ١ ص ١٥٥ ، في ترجمة ابن تيمية.

٣٦٧

فهل تجد في سيرته العطرة ما يخرجه عن الدين والعياذ بالله؟! أم أنّك تجد قصّة حياته كلّها ديناً يدان بها؟! فأين هذا ممّن شاخ وكبر على الشرك وعبادة الأصنام؟!

نعم ، إنّه صوت العدالة الإنسانيّة الشامخة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام ، وكفى كونه صنو النبيّ المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

نعم ، إنّ الإغضاء عن خصائص الإمام عليه‌السلام وعظيم مزاياه (وفضائله) إغضاء عن الشمس في رائعة النهار ، وإغضاء عن الخُلق النبيل ، وعن الصدق الذي لا يحجبه شيء ، وعن اليقين ، وعن الشجاعة والإيمان والحكمة في أتّم معانيها ، إغضاء عن الكمال (الإنساني). ولكن ، هناك مَنْ لا يقف عند حدود الإغضاء ، بل يبتعد حتّى ينال منه عليه‌السلام تلميحاً أو تصريحاً ـ والعياذ بالله ـ ، نيلاً يحمله عليه هوى في الآخرين يريد أن يرفعهم ، أو شنآن ينقله من باب إلى آخر من أبواب كلامٍ لا يستحسن له وجه في حالٍ من الأحوال (١).

وهذا حال السلفية كلّهم ، وعلى رأسهم ابن تيميّة وتلميذه الأخير محمد بن عبد الوهاب ؛ فإنّهم ناصبوا رسول الله وأهل البيت (صلوات الله وسلامه عليهم) العداء ، فكان أمير المؤمنين علي عليه‌السلام أوّل هدف لهم يريدون النيل منه ؛ ليبرّروا فعلة أعدائه بني أُميّة بسبابه ولعنه على المنابر أعواماً متطاولة.

ولتكون ذريعة لانتقاص أبنائه وشيعته الذين يدينون لله بحبّهم وولائهم لأميرهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وانطلاقاً من البغض والحقد راحوا إلى كلّ

__________________

١ ـ ابن تيمية حياته وعقائده ص ٣٢١.

٣٦٨

فضيلة ورواية تتحدّث عن فضائله عليه‌السلام فكذّبوها وأنكروها أصلاً ، ولم تسلم منهم الروايات المتواترة والأحاديث الثابتة والصحيحة المؤكّدة بحقّه.

وأنكروا حتّى نزول آيات القرآن بحقّ أهل البيت عليهم‌السلام الذين كان رأسهم وأصلهم أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وسيّدة النساء فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، حتّى إنّ حديث الولاية المتواترة كما يؤكّد تواتره الذهبي ، وخطبة حجّة الوداع التي يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَنْ والاه وعادِ مَنْ عاداه ، وانصر مَنْ نصره ، واخذل مَنْ خذله ، وأدر الحقّ معه كيفما دار» (١).

فيقول عنه ابن تيمية : (فليس هو في الصحاح ، لكن هو ممّا رواه العلماء ، وتنازع الناس في صحته)! وأمّا ابن حزم فإنّه يقول عنه : (فلا يصح من طريق الثقاة أصلاً) (٢).

وهل تصدّق أنّ الألباني ذاك السلفي العنيد يعترف بصحة الحديث وتواتره ، ويستغرب من معلّمه وأستاذه البعيد ، فيقول : فمن العجيب حقّاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في (منهاج السنّة ٤ ص ١٠٤).

فلا أدري ـ بعد ثبوت تواتره ـ وجه تكذيبه للحديث إلاّ التسرّع والمبالغة في الردّ على الشيعة.

وفي مكان آخر يقول الشيخ : (وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من

__________________

١ ـ بحار الأنوار ٣٧ ص ١٤٨.

٢ ـ السلفية الوهابيّة ص ٦٥ ، منهاج السنة ٤ ص ٨٦.

٣٦٩

تسرّعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقّق النظر فيها) (١).

هذا ديدنهم ، وتلك هي مبالغ علمهم ، فشيخ الإسلام السلفي ـ لا الإسلام المحمدي ـ ينكر كلّ فضائل أمير المؤمنين علي عليه‌السلام حتّى التي تسالم عليها الصبيان ، وسارت بها وبأمثالها الركبان ، كالعلم والشجاعة.

ابن تيميّة وعلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام

يقول ابن تيمية عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (لا نسلّم أنّ علياً كان أحفظ للكتاب والسنّة وأعلم بهما من أبي بكر وعمر ، بل هما كان أعلم بكتاب الله والسنّة منه) (٢).

هل سمعت بمثل هذه الدعوى الباطلة والفرية المفضوحة؟! هل كان الرجل يعلم من صاحبيه أكثر من علمهما بأنفسهما؟! ونُحيله إلى كتب التاريخ ؛ فإنّها أحصت أكثر من مئة وخمسين مرّة قال فيها عمر بن الخطاب : (لولا علي لهلك عمر) (٣).

وفي رواية أُخرى : (أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو الحسن) (٤).

وكم مرّة أحصر هو وصاحبه عن أبسط الأسئلة في كتاب الله حتّى المعاني

__________________

١ ـ المصدر السابق ص ٦٦.

٢ ـ منهاج السنة ٣ ص ٢٧٠.

٣ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ١٢ ص ٢٠٥.

٤ ـ ابن حجر في فتح الباري ١٢ ص ١٠١ ، أبو داوود في السنن ٢ ص ٢٢٧ ، البخاري في صحيحه باب لا يُرجم المجنون والمجنونة.

٣٧٠

اللغوية ، ألم يقل أبو بكر : (أيّ سماء تظلّني ، وأيّ أرض تقلّني إن قلت في كتاب الله ما لا أعلم). وقال عمر : (لا عيب على عمر أن يقول لا أعلم).

وقال عمر أيضاً : (كلّ الناس أفقه منك يا عمر حتّى ربّات الحجال) (١). ألا تعجب من إمامٍ أخطأ وامرأة أصابت؟!

ومَنْ قال أنّ أبا بكر أو ابن الخطاب كانا ممّن حفظا كتاب الله؟! فها هي كتب التاريخ والسنن إن كان فيها إلاّ أنّ عمر بن الخطاب حفظ سورة البقرة بعد اثني عشر سنة من نزولها ، فذبح لذلك عجلاً سميناً فرحاً بذلك.

أين ذلك كلّه وسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «أقضاكم علي» ، «أحكمكم علي» ، «أعلمكم علي».

الإمام علي مُلئ إيماناً من مشاشة رأسه إلى أخمص قدميه ، فكان الأنزع البطين الذي بطن العلوم كلّها ، وهو الذي جمع القرآن حفظاً ورواية وتفسيراً حتّى إنّ جميع علوم الإسلام تنتهي إليه بطريق من الطرق ، أو تتعلّق به بسبب من الأسباب.

إنّ إنكار القوم لعلم باب مدينة العلم النبويّة الإلهيّة ، حيث قال النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، فمَنْ أراد العلم فليأتِ باب المدينة» (٢) لهو إنكار لأوضح الواضحات ، ولكن في الأمر قضية ، ووراء الأكمة ما

__________________

١ ـ شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ١ : الآية ١٨٢ ، السيوطي في الدرّ المنثور ٢ ص ١٣٣ ، ابن كثير في تفسيره ١ ص ٣٦٨ ، القرطبي في تفسيره ٥ ص ٩٩.

٢ ـ تاريخ دمشق ـ لابن عساكر ٤٢ ص ٣٨٧ الرقم (٨٩٧٦) ، الحاكم النيسابوري ٣ ص ١٢٦ و ١٢٨ و ٢٢٦ ، ليالي بيشاور ـ لسلطان الواعظين ، ويذكر فيه خمسين مصدراً من مصادر العامّة.

٣٧١

وراءها ، فهذا نتيجة الحقد الأعمى والبغض الشنيع لأمير المؤمنين عليه‌السلام.

الوهابيّة والذريّة الطاهرة عليهم‌السلام

ولنا هنا أن نسأل ما هو موقف الوهابيّة من الذريّة الطاهرة عليهم‌السلام؟

خذها إليك من رأسهم محمد بن عبد الوهاب الذي يقول في كتابه (مسائل الجاهليّة) :

الافتخار بكونهم من ذريّة الأنبياء عليهم‌السلام ، فردّ الله عليهم بقوله : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (١).

ثمّ يذكر قول البعض : أنا علويٌّ ، أو حسنيٌّ ، أو حسينيٌّ (٢).

فالافتخار بالانتساب إلى فخر ربيعة ومضر ، إلى سيّد البشر محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله هو بدعة وضلالة ، ومن آثار الجاهليّة عند القوم.

إنّ هذا التصريح من (ابن تيمية وبعده محمد بن عبد الوهاب) بغمط فضل آل البيت عليهم‌السلام ، ومحاولته لزرع العقيدة الناصَّة على عدم قيمة أن يكون الإنسان من آل البيت ومن تلك الذريّة الطاهرة عليهم‌السلام ، واستعمال الآية في غير موضعها ، والتظاهر بالاستدلال بالقرآن لطمس قول الحقيقة (٣) ، والكثير الكثير من الآيات المباركة التي رفعت شأنهم وعظّمت مكانتهم في الدنيا والآخرة ، والتي منها :

__________________

١ ـ سورة البقرة : الآية ١٤١.

٢ ـ مسائل الجاهليّة ص ١٣٢ ، ط ص مؤسسة مكة ، توزيع الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة.

٣ ـ السلفية الوهابيّة ص ٦٨.

٣٧٢

(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (١). و (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٢) ، وآية (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) (٣).

ثمّ إنّنا نرى على أرض الواقع أنّ هؤلاء لا يحترمون أهل البيت إطلاقاً ، بل إذا وجدوا عالماً من آل البيت فإنّهم يطعنون في نسبه محاولين إزاحة هذا الشرف عنه ، ثمّ في ردّهم عليه نراهم لا يحترمونه البتة ، وإنّما يحترمون أهل نحلتهم أثناء ردّهم على أحد منهم إذا أخطأ في مسألته.

ومن ذلك : أنّ الألباني عندما كان يردّ على الأشراف الغماريين فيما يسوِّده ، فإنّه كان يعبّر بأسوأ أنواع التعبير في الخطاب ، ويستعمل كلمات هابطة لا تدلّ على الاحترام! بينما يعبّر في حقّ ابن باز أثناء ردّه عليه بعبارات التوقير والإجلال والاحترام! وما ذلك إلاّ للنّصب الذي يحملونه في صدورهم (٤).

وسنوافيك يا عزيزي ببعض هذه الحرب الشنيعة على الإسلام ورجاله المخلصين فيما بعد بإذن الله.

الصلاة على العترة الطاهرة هي من الواجبات ، وهي من الأمور التي أكّدت الشريعة عليها ، والصلاة لا تتمّ ولا تُقبل ولا تسقط واجباً ما لم تكن (الصلاة) كاملة ، وهذا واضح بالحديث المتواتر الذي نقله العلماء وأرباب السنن ، وذلك

__________________

١ ـ سورة الشورى : الآية ٢٣.

٢ ـ سورة الأحزاب : الآية ٣٣.

٣ ـ سورة آل عمران : الآية ٣٤.

٤ ـ السلفية الوهابيّة ص ٦٧.

٣٧٣

حين نزلت آية الصلاة وهي قوله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (١).

يروي كعب بن عجزة أنّه قال : قلنا يا رسول الله ، قد علمنا كيف نسلّم عليك ، فكيف نصلّي عليك؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «قولوا : اللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد».

وبراوية أُخرى تمام الصلاة الإبراهيمية : «قولوا : اللّهمّ صلِّ على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنّك حميد مجيد» (٢).

وهذا من الأحاديث المتّفق عليها ، وهو من المسلّمات في ديننا الحنيف ؛ لأنّ الصلاة الواجبة لا تُقبل إلاّ بها. ولنِعْمَ ما قال ذاك الأخ الكريم :

فهذه الصلاة على آل محمد الذين كانوا معه في المباهلة ، والتي يؤدّيها ابن تيمية في تشهّده وفي دعائه ، هل يستطيع أن يحذف منها ذكرهم ويضع مكانها أبا بكر وعمر ؛ لتكون صلاته أتمّ واستجابة دعائه أولى وأسرع؟!

إنّه يعلم ، ويعلم كلّ مسلم أنّ صلاته عندئذٍ ستكون باطلة ، بل لو أبقى ذكرهم فيها وأضاف معهم أبا بكر وعمر لبطلت صلاته بلا جدال ، فكم الفرق بين مَنْ جُعل ذكره في الصلاة واجباً لا تصحّ بدونه ، ومَنْ إذا ذُكر في الصلاة

__________________

١ ـ سورة الأحزاب : الآية ٥٦.

٢ ـ الدرّ المنثور ٥ ص ٢١٦ ، وكذا نقلته كتب الصحاح كلّها كالبخاري ومسلم مع تغيير في الألفاظ.

٣٧٤

بطلت؟ (١)

إنّه لفرق شاسع ، فأين الثّرى من الثريّا ، وأين الذرّة من المجرّة؟! تصوّر أنّ ذكرهم عليهم‌السلام والصلاة عليهم واجبة في الصلاة كالوضوء الواجب للصلاة الواجبة ، فهل تصحّ صلاة بلا وضوء؟!

وربما يقول قائل : إنّنا نصلّي على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ونمسك أو نقف ، ولكن إذا ألحقنا به الأهل أو الآل الكرام عليهم‌السلام فإنّنا نتبعهم بالصحابة والأعلام.

أقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد نهانا عن هذه الصلاة التي يصلّيها البعض ؛ وذلك بالرواية القائلة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا تصلّوا عليَّ الصلاة البتراء».

فقالوا : وما الصلاة البتراء؟

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «تقولون اللّهمَّ صلِّ على محمّد وتمسكون ، بل وقالوا : اللّهمَّ صلِّ على محمّدٍ وعلى آلِ محمّد» (٢).

وقبل أن نترك هذا المقام الرفيع السامي لذكر محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) ، لا بأس بأن نتبّرك بهذا الحديث الشريف الذي روته كتب السنن ، وأوصى بعض العلماء الأعلام بأن يكتب على كفنه ؛ ليكون له حرزاً من النار بإذن الله.

يروي البخاري عن الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال :

«ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، مات شهيداً.

__________________

١ ـ ابن تيمية حياته وعقائده ص ٣١٣.

٢ ـ الصواعق المحرقة ص ١٤٦.

٣٧٥

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، مات مغفوراً له.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، مات تائباً.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، مات مؤمناً مستكمل الإيمان.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، بشره ملك الموت بالجنّة ثمّ منكر ونكير.

وفي رواية : ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد يزفُّ إلى الجنّة كما تزفّ العروس إلى بيت زوجها.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة.

ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد ، مات على السنّة والجماعة».

هذا للمحبّ ، فما للمبغض؟ اسمع بقيّة الحديث :

«ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد مات كافراً.

إلا ومَنْ مات على بغض آل محمّد ، جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله.

ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد ، لم يشم رائحة الجنّة» (١).

هل عرفت الفرق بين المحبّ للآل الكرام عليهم‌السلام ، والمبغض الشانئ لهم؟

عليك أن تعرف الناس بهذه المقاييس الرحمانيّة النورانيّة ، لا أن تأخذ بالأسماء والألقاب ووسع الأكمام وحسن الهندام وغير ذلك.

__________________

١ ـ صحيح البخاري ، تفسير الكشاف ، تفسير سورة الشورى : الآية ٢٣.

٣٧٦

فشيخ الإسلام ابن تيميّة هو شيخ الإسلام لكن غير إسلام الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّه شيخ دين جديد جاء به من عند نفسه حتّى رماه علماء عصره بالكفر والزندقة ، وسجنه أهل السياسة حتّى مات في سجنه.

الفتنة وقرن الشيطان

ألم تسمع يا عزيزي الغالي بحديث الشيطان وقرنه الذي روته كتب السنن؟ إليك إذن ما يشفي الغليل ، ويروي العطشان للحقيقة :

جاء في صحيح البخاري وغيره قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الإيمان يماني ، والفتنة من ها هنا حيث يطلعُ قرنُ الشيطان» (١).

ولك أن تعرف ما المقصود من (ها هنا) لتعلم الجهة وتحدد المكان المقصود.

فرواية أُخرى عن ابن عمر أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال وهو مستقبل المشرق : «إنّ الفتنة ها هنا» (٢).

وفي رواية أُخرى كذلك يقول فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اللّهمّ بارك لنا في مدينتنا ، وفي صاعنا ، وفي مدنا ، ويمننا ، وشامنا ، ثمّ استقبل مطلع الشمس ، فقال : ها هنا يطلُعُ قَرنُ الشيطان» (٣).

وفي رواية أُخرى أكثر تحديداً ما نصّه : عن أبي مسعود عقبة بن عمرو ، قال : أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده نحو اليمن فقال : «الإيمان ها هنا ، ألا إنّ القسوة

__________________

١ ـ صحيح البخاري ٦ ص ٢٤١ ، صحيح مسلم ٥ ح ٢٩٠٥.

٢ ـ صحيح البخاري ٦ ص ٢٤١ ، وصحيح ابن حبان ٨ ص ٢٢٣ ح ٦٦١٤.

٣ ـ مسند أحمد بن حنبل ص ح ٦٠٥٥ ، صحيح مسلم ص ح ١٣٨٣.

٣٧٧

وغلظ القلوب في الفدادين (الرعاة والجمّالون) عند اُصول أذناب الإبل حيث يطلع قرن للشيطان في ربيعة ومضر» (١).

وأهل الحجاز يعلمون أنّ نجد تقع في الجهة الشرقية بالنسبة للحجاز ، ومنها خرج مسيلمة الكذاب وإليها جاءته صاحبته سجاح التي ادّعت النبوّة كذلك.

وتروي الصحاح الكثير من الأحاديث عن الفتن وأواخر الزمان ، منها هذه الرواية عن سويد بن غفلة ، قال علي عليه‌السلام : «سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من قول خير البريّة ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإنّ قتلهم أجر لِمَنْ قتلهم يوم القيامة» (٢).

وهذا الحديث هو غير الحديث الذي يتحدّث فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحذّر الأُمّة من فتنة الخوارج ، والذي يقول فيه : «يخرج فيكم قوم تحقّرون صلاتكم مع صلاتهم ، وصيامكم مع صيامهم ، وعملكم مع عملهم ، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (٣).

فهل عرفت السرّ الذي من أجله أطلق العلماء الأعلام والغيارى على الإسلام على أتباع هذه الجماعة اسم الخوارج ؛ لأنّ جميع الأحاديث المتقدّمة وغيرها تصفهم وتنعتهم وتدلّ ، بل وتشير إليهم مباشرة؟!

__________________

١ ـ فتح الباري ٦ ص ٣٥٠.

٢ ـ صحيح البخاري ص ح ٥٠٥٧.

٣ ـ صحيح البخاري ص ح ٥٠٥٨ ، صحيح مسلم ص ح ١٠٦٤.

٣٧٨

سليمان بن عبد الوهاب يردّ على أخيه

ولنِعْمَ ما ردَّ به الشيخ سليمان بن عبد الوهاب على أخيه محمد بخصوص هذه المسألة ، اسمعه حيث يقول :

إنّ أوّل فتنة وقعت بعده صلى‌الله‌عليه‌وآله وقعت بأرضنا هذه (يعني بلاد نجد حين خرج مسيلمة الكذاب وغيره) ، فنقول : هذه الأمور التي تجعلون بها المسلم كافراً ، بل تكفّرون مَنْ لم يكفّره ملأ مكة والمدينة ، واليمن والحرمين. وبلدنا هذه هي أوّل مَنْ ظهرت فيها الفتن ، ولا نعلم في بلاد المسلمين أكثر من فتنها قديماً وحديثاً (وهذا مصداق للأحاديث المتقدّمة وهي معجزة نبوّية بلا شك).

وأنتم (يعني أخوه وأتباعه) الآن مذهبكم أنّه يجب على العامّة اتّباع مذهبكم ، وأنّ مَنْ اتبعه ولم يقدر على إظهاره في بلده ، وتكفير أهل بلده وجب عليه الهجرة إليكم ، وأنّكم الطائفة المنصورة.

وهذا خلاف كلّ الأحاديث المتقدّمة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبره الله بما هو كائن على أُمّته إلى يوم القيامة ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله بدوره أخبر بما يجري عليهم ومنهم. فلو علم أنّ بلاد المشرق خصوصاً نجد بلاد مسيلمة أنّها تصير دار الإيمان ، وأنّ الطائفة المنصورة تكون بها ، وأنّها بلاد يظهر فيها الإيمان ولا يخفى في غيرها ، وأنّ الحرمين الشريفين واليمن تكون بلاد كفر تُعبد فيها الأوثان وتجب الهجرة منها لأخبر بذلك كلّه ، ولدعا لأهل المشرق وخصوصاً نجد ، ولدعا على الحرمين واليمن والشام ، وأخبر أنّهم يعبدون الأصنام وتبرّأ منهم ، وإذا لم يكن إلاّ عكس ذلك ، فإنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عمَّ المشرق ، وخصَّ نجد بأنّ

٣٧٩

منها يطلع قرن الشيطان ، وأنّ منها وفيها الفتن ، وامتنع من الدعاء لها ، وهذا خلاف زعمكم. وإنّ اليوم عندكم الذين دعا لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفّار ، والذين أبى أن يدعوا لهم وأخبر أنّ منها يطلع قرن الشيطان ، وأنّ منها الفتن والزلازل هي بلاد الإيمان تجب الهجرة إليها (١).

هل نحتاج إلى تعليق بعد هذا البيان الواضح من الشيخ سليمان؟!

وهل يلزمنا الردّ على محمد بن عبد الوهاب بعد أن ردّ عليه شقيقه بهذا التصريح في كتابه القيّم (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة) ، والعنوان يخبرك عن المحتوى والمضمون؟!

عصمنا الله وإيّاكم من السقوط في مهاوي عبادة الذّات ، أو اتّباع الشيطان اللعين الرجيم ، وجعلنا من المعتصمين بمحمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين).

__________________

١ ـ الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابيّة ص ١٣٧.

٣٨٠