الحسين (ع) والوهّابيّة

جلال معاش

الحسين (ع) والوهّابيّة

المؤلف:

جلال معاش


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار القارئ للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٨٥

الأماكن المقدّسة وأسبابه وأهدافه ، وإعادة إعمار البقيع والأضرحة المباركة.

٢ ـ وضع الأبحاث : من تأليف الكتب والبحوث حول تلك الأماكن ، والتحقيق حولها علميّاً وتاريخيّاً.

٣ ـ نشر المجلاّت : نشر مجلات وجرائد بهذا الخصوص في اليوم الثامن من شوال ؛ لإحياء ذكرى حادثة البقيع المظلوم.

٤ ـ إصدار البيانات في كلّ مناسبة ؛ لتذكير الناس بتلك الجريمة النكراء.

٥ ـ بعث الرسائل : تخاطب المنظمات العالميّة وقادة العالم الإسلامي ؛ للتدخل في القضية.

٦ ـ إرسال البرقيّات إلى العلماء والشخصيّات الإسلاميّة والعالميّة والسفارات الدوليّة ؛ لإعلان الاستنكار والمطالبة بإعادة بناء ما طالته يد التخريب الوهابيّة.

٧ ـ تنظيم المسيرات ؛ للاستنكار في الذكرى السنويّة لتلك الجريمة.

٨ ـ نشر الصور للأضرحة قبل الهدم وللواقع الراهن المزري بعد الهدم.

٩ ـ تأسيس الجمعيات للعمل لإعادة البناء ، وإحياء ذكريات مباركات لتلك البقعة الطاهرة من أرض الحجاز الغالية (١).

وجاء فيه كذلك : فقد دمرّت مراقد هؤلاء السادة والقادة ، فتبكي الأحجار

__________________

١ ـ البقيع المنوّر ص ٢٨ وما بعدها.

٤٦١

الموضوعة على مكانها كما تجري الدموع من العيون الناظرة إليها (١).

فماذا يقول العالم وأنت أيّها الأخ المنصف عن هذه الجريمة النكراء التي ارتكبها أتباع محمد بن عبد الوهاب بحقّ ذريّة رسول الله محمد بن عبد الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

أرقام وتواريخ لهدم البقيع :

نعم ، لقد احتل الوهابيّة المدينة المنوّرة عام ١٢٢١ هـ ومكة المكرّمة عام ١٢٢٠ هـ ، وكانت لهم محاولات قبل ذلك حتّى نجحوا أخيراً بالاحتلال العسكري.

ولذا في عام ١٢٢٠ هـ منعوا الحجّاج العراقيّين والإيرانيّين.

في عام ١٢٢١ هـ منعوا الحجّاج الشاميّين.

في عام ١٢٢٢هـ منعوا الحجّاج المصريّين من الحجّ.

لماذا كان المنع؟!

السبب في ذلك يعود إلى سعود الكبير الذي أراد أن يجبر الحجّاج على اعتناق مذهبه والالتزام بدعوته الوهابيّة ، ولمّا رفضوا منعهم من الحجّ واعتبرهم هراطقة كفرة (٢)!

وفي الثامن من شوال عام ١٣٤٤ هـ الموافق ٢١ ص ٤ ص ١٩٢٥ هدم الوهابيون الأضرحة والقبور المبنيّة في البقيع الشريف.

في ذلك اليوم المشؤوم انهالت معاول الجهل والعصبية على العتبات والمراقد

__________________

١ ـ البقيع المنوّر ص ١٤.

٢ ـ المصدر نفسه ص ٢٢.

٤٦٢

المقدّسة في المدينة المنوّرة والتي كان يؤمّها المسلمون ؛ ليروا من خلالها معالم تاريخهم وآثار سلفهم الصالح ، وليؤدّوا أمامها مراسيم التحيّة والإجلال لرسول الإسلام العظيم النبي محمد ولآل بيته الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وخيرة صحابته المجاهدين.

وبمبرّرات واهية ودعاوى زائفة قام الجهلة المتعصّبون بهدم الأضرحة المباركة والبيوت المشرّفة التي أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه ضمن مقبرة البقيع وسائر أنحاء المدينة والحجاز بشكل عام.

ولقد فوجئ المسلمون في العالم بذلك الاعتداء الأثيم الذي استهدف تاريخهم ومقدّساتهم وتراثهم من قبل فئة محدودة ، لا يصح لها أبداً مهما كانت مبرّراتها أن تفرض رأيها في قضية وموضوع يرتبط بكلّ المسلمين.

ولكنّ اُولئك القائمين بجريمة هدم المقدّسات استبدّوا برأيهم ، وخالفوا إجماع الأُمّة ، وجرحوا مشاعرها ، ورفضوا أيّ دعوة للحوار والنقاش حول الموضوع ، كما لم يُبالوا بصرخات الاعتراض والغضب التي عمّت أجواء المسلمين (١).

والإمام الشيرازي المجدّد الثاني (أعلى الله درجاته) يتنبأ بإعادة إعمار البقيع بعد زوال مَنْ هدمه ، وذلك في كتاب له عن (البقيع الغرقد) يقول فيه : الذين هدموا البقيع وسائر البقاع المباركة لم يفعلوها إلاّ بالسيف من دون أيّ منطق عقلائي ، وهذا خلاف سيرة جميع الأنبياء والمرسلين والأئمّة الصالحين

__________________

١ ـ يوم البقيع ص ٦.

٤٦٣

(صلوات الله عليهم أجمعين).

إنّ المنطق هو الذي يصلح للبقاء ، وإلاّ فصاحب السيف يسقط حين يسقط سيفه ، والسيف مؤقت جدّاً. وبقاء القبور المباركة مهدومة دليل على أنّه لا زال السيف بيد الهادمين إلى الآن ، ولكن عندما يسقط السيف من أيديهم ستجد المسلمين جميعاً في نفس اليوم آخذين في البناء (١).

إنّ أدلّة العقل والمنطق في الأزمان باقية وخالدة يذهب السيف والطغيان.

حتى المساجد هدّموها

والأعظم والأدهى من ذلك أنّ اُولئك لم يهدموا ويخرّبوا المراقد والمشاهد فقط ، بل هدّموا الكثير من المساجد ، لا لشيء إلاّ لطمس آثار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والعترة الطاهرة عليهم‌السلام والأصحاب الكرام.

وهناك أكثر من (٤٤) مسجداً هدّمه الوهابيّون في بلاد الحجاز ، وفيما يلي قائمة بعدد المساجد والمراقد التي تعرّضت للهدم :

١ ـ مسجد المنارتين.

٢ ـ مسجد بني عمرو بن مبذول ، من بني النجار.

٣ ـ مسجد بني عبيد.

٤ ـ مسجد بني سلمة.

٥ ـ مسجد بني أسلم.

٦ ـ مسجد بني حرام الصغير.

__________________

١ ـ البقيع الغرقد ص ٣١.

٤٦٤

٧ ـ مسجد واقم.

٨ ـ مسجد بني مازن.

٩ ـ صدقة الزبير.

١٠ ـ بني الحبلى.

١١ ـ مسجد بني أُميّة بن زيد الأوسي أو مسجد بني أُميّة الأوسي.

١٢ ـ مسجد بني الواقف.

١٣ ـ مسجد النور.

١٤ ـ مسجد الميثب ، أو صدقة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

١٥ ـ مسجد بين الجثجاثة وبئر شداد ، بطرف وادي العقيق.

١٦ ـ مسجد بني غفار.

١٧ ـ مسجد بني راتج.

١٨ ـ مسجد بني جهينة.

١٩ ـ مسجد بني خدارة.

٢٠ ـ مسجد البياضة.

٢١ ـ مسجد بني دينار.

٢٢ ـ مسجد بقيع الزبير.

٢٣ ـ مسجد بني وائل الأوسي.

٢٤ ـ مسجد التوبة.

٢٥ ـ مسجد عتبان بن مالك.

٢٦ ـ مسجد القرصة.

٤٦٥

٢٧ ـ مسجد بني خطمة أو مسجد العجوز.

٢٨ ـ مسجد بني أنيف.

٢٩ ـ مسجد بلال بن رباح (وهو غير المسجد الموجود في المدينة حاليّاً ، على مقربة من الحرم النبوي الشريف).

٣٠ ـ مسجد عثمان بن عفان.

٣١ ـ مسجد ثنية الوداع.

٣٢ ـ مسجد السيدة فاطمة الصغرى.

٣٣ ـ مسجد القشلة.

٣٤ ـ مسجد فيفاء الخبار.

٣٥ ـ مسجد بني زريق ، من الخزرج.

٣٦ ـ مسجد بني ساعدة.

٣٧ ـ مسجد أبي بن كعب (مسجد البقيع).

٣٨ ـ مسجد المصرع (مسجد الوادي).

٣٩ ـ مسجد حمزة بن عبد المطلب (سيد الشهداء).

٤٠ ـ مسجد العمرة (مسجد عرفة).

٤١ ـ مسجد دار سعد بن خيثمة.

٤٢ ـ مسجد بن عدي (دار النابغة).

٤٣ ـ مسجد بني ظفر (مسجد البغلة).

٤٤ ـ قبر السيدة آمنة بنت وهب (يقع في منطقة الأبواء).

٤٥ ـ قبر والد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، عبد الله بن عبد المطلب ـ المدينة المنوّرة ـ.

٤٦٦

٤٦ ـ مسجد الشمس ، أو مسجد ردّ الشمس (١).

بالإضافة إلى :

١ ـ قبر السيّدة آمنة بنت وهب (بالأبواء) ، والدة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٢ ـ قبر السيّد عبد الله بن عبد المطلب (بالمدينة) ، والد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنهما مشركان كما يعتقد القوم ، والعياذ بالله.

٣ ـ البيت الذي ولد فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في مكة المكرّمة الذي حوّلوه إلى مكتبة (مكة المكرّمة).

٤ ـ البيت الذي عاش فيه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في المدينة المنوّرة.

فلماذا كلّ هذا الحقد على الإسلام وآثاره ، وعلى الرسول وذريّته وآله (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)؟!

وأخيراً :

وممّا يبعث على الألم والأسى أن تتعرّض هذه الديار المقدّسة في هذا العصر لمؤامرةٍ خطيرة تستهدف تاريخ الإسلام وآثار ومعالم الرسالة الإلهيّة ، حيث تسلِّط على الجزيرة العربية أناس يحملون مخطّطاً رهيباً يهدف إلى إزالة آثار الإسلام ، ومعالم تاريخه الأوّل ، وذلك بناءً على الأفكار التي بشَّر بها محمد بن عبد الوهاب وخلفاؤه وأتباعه لهدم جميع البيوت والمشاهد والقبب والمساجد التي شُيّدت لحفظ آثار الرسالة ، وتعظيم مضاجع الأئمّة والشهداء والصحابة.

وقد هدّموا قبّة زمزم والقباب التي حول الكعبة ، وتتبّعوا جميع المواضع

__________________

١ ـ البقيع المنور ص ٣٣ ، المنظمة العالميّة للدفاع عن الأماكن المقدّسة ـ لندن.

٤٦٧

التي تضمّ آثار الصالحين فهدّموها ، وكانوا عند الهدم يرتجزون ويضربون الطبل (فرحاً) ، ويغنّون ويبالغون في شتم القبور ويقولون : إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها (١)!

فلمّا استولى الوهابيون على المدينة المنوّرة هدّموا القباب التي فيها وفي ينبع ، ومنها قبّة أئمّة البقيع بالمدينة ، ولكنّهم لم يهدموا قبّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وحملوا الناس على ما حملوهم عليه بمكة وأخذوا جميع ذخائر الحجرة النبويّة وجواهرها ، حتّى إنّهم ملؤوا أربع سحاحير من الجواهر المحلاّة بالماس والياقوت العظيمة القدر (٢).

نعم ، إنّهم لم يدمّروا قبّة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ إنّهم يطمعون بذلك أخزاهم الله على الدوام ، وشاع أنّهم ضربوا بالرصاص على قبّة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (٣) ، وما زالوا يسمّونه بالصنم ـ والعياذ بالله ـ!

وأرادوا هدم قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلاّ أنّهم خافوا على ملكهم من انفجار الأوضاع عليهم من العالم الإسلامي كلّه. ولكنّ النوايا السيئة ما زالت عندهم يبيّتونها وينتظرون الفرصة المواتية للانقضاض على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما فعل أصحاب العقبة تماماً إلاّ أنّ الله لهم بالمرصاد.

فهذا أحد دعاتهم يدعو ـ وكثيرة صارت مثل هذه الدعوات ـ إلى هدم القبر الشريف والقبّة المنيفة ؛ لأنّهم يعتبرون بقاءه أمراً منكراً وانحرافاً ، وإنّ إدخال

__________________

١ ـ راجع كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص ٢٢.

٢ ـ يوم البقيع ص ٢٥ عن (تاريخ الجبرتي).

٣ ـ انظر كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب ص ٦٠.

٤٦٨

قبره في المسجد أشدّ إثماً وأعظم مخالفة ، وسكوت المسلمين على بقاء الأبنية لا يصيّرها أمراً مشروعاً (١)!

هل تعلم أنّ هذا الشيخ يعترف أنّ هذه السُنّة تملأ العالم الإسلامي في كلّ أقطاره ، ولا أحد استنكر ذلك حتّى سيّده ونبيّه محمد بن عبد الوهاب ، وقال برأيه فيها؟! وهو يقول : إنّ هذا أمر عمَّ البلاد ، وطبق الأرض شرقاً وغرباً بحيث لا ترى بلدة من بلاد الإسلام إلاّ وفيها قبور ومشاهد ، بل مساجد المسلمين غالبها لا تخلو من قبر أو مشهد (٢).

وهل الأمر يحتاج إلى كثير من الشرح والتوضيح ، أم أنّه من أوضح الواضحات عندك؟

أرجو الله أن يقي المسلمين شرورهم وإرهابهم في هذه الأيام العصيبة ، وأن تُبصر الأُمّة اُصول تلك الدعوات ومنابت هذه الاعتقادات البعيدة كلّ البعد عن الإسلام وعقائده المباركة ، المتمثّلة بالقرآن الكريم والسنّة النبويّة الشريفة والعترة الطاهرة.

__________________

١ ـ يوم البقيع ص ٢٦ عن كتاب تبديد الظلام ـ لإبراهيم الجبهان ص ٣٨٩.

٢ ـ المصدر نفسه ص ٢٧.

٤٦٩
٤٧٠

الفصل الثامن

الإرهاب النظري والعملي

٤٧١
٤٧٢

إنّ الإرهاب صار في عصرنا الحاضر كقميص عثمان في تاريخنا الماضي ، بل هو كنخلة سمرة بن جندب ، فكلّ مَنْ أرادوا محاربته صار إرهابياً ، وأيّ دولة تريد القوى الاستعمارية ضربها أو التأثير عليها ؛ لإخضاعها صارت تهمة الإرهاب جاهزة.

وبالتدقيق وللحقيقة نقول : إنّ الإرهاب صناعة غربية ، ولكنّها أُلبست اللباس الشرقي عامّة وربما نُفِّذت بيد مَنْ يدّعي الإسلام ، والإسلام منها بريء مهما كان ، وفي أيّ بلد وجِد ؛

لأنّ الإسلام دين سلم ، وحب ، ووئام ، ولا مكان للقوّة والسيف عنده إلاّ للدفاع عن النفس ، ودفع الأعداء ، ومنع الاعتداء على الأعراض والأموال والأنفس في البلاد الإسلاميّة. فهي حالة استثنائية وليست أصلية في الفكر والعقيدة ؛ لأنّ الإسلام ينطلق بدعوة الإحسان لتأليف القلوب وتوحيد المجتمع ، كما قال الله تعالى : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (١).

__________________

١ ـ سورة فصلت : الآية ٣٤.

٤٧٣

فلا مكان للإرهاب النظري ، أو العملي في الدين الإسلامي ، وأمّا التنظيمات العنيفة ، أو التي تستخدم السلوك العنيف والعمل الشنيع فأصحابها ليسوا من الإسلام في شيء وإن اهتمّوا بالجهاد ؛ فللجهاد قوانين وشرائع وضوابط شرعيّة بالإضافة إلى الزمان والمكان ، وكلّ ذلك يحدّده الفقه والشريعة المقدّسة ، والفقهاء الأجلاّء من المجتهدين.

الإرهاب الفكري

وهو الفكر العنيف ، والكلمة القاسية ، والحكم الفظّ الغليظ بالتعامل مع الآخرين ، وأحد أهم معالم الفكر الوهابي السلفي هو رمي مخالفيهم من المذاهب الأُخرى بالابتداع والشرك ، والجهمية والتعطيل والإلحاد ، وأنّهم أعداء السنّة والتوحيد.

فالوهابيّة يرمون المتوسّلين بالأنبياء وآل البيت والأولياء ، والذين يزورون القبور ، والذين يصلّون في مسجد فيه قبر ، وزائري رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذين يدعون الله تعالى مستقبلين قبره الشريف بالشرك والابتداع!

كما يزعمون أنّ المتمذهبين (أتباع المذاهب كلّها) بمذاهب الأئمّة والصوفيين والأشاعرة الذين هم جمهور أهل السنّة والجماعة ، وكذا الشيعة والإباضية وغيرهم بأنّهم مبتدعة ، وأنّهم أعداء السنّة والتوحيد.

يقول الألباني : أعداء السنّة من المتمذهبين ، والأشاعرة والمتصوّفة وغيرهم (١)!

__________________

١ ـ السلفية الوهابيّة ص ٧٢.

٤٧٤

والسلفيّون الوهابيّون ليس لديهم أيّ احترام للخلاف بينهم وبين مخالفيهم مِن بقيّة المذاهب والفرق (١).

ويعتبرون أنفسهم مقدّسين وبعيدين كلّ البعد عن الشبهات ، وأنّ كلامهم موزون وصحيح وواجب الاتّباع ، ولا يجوز ترك حرف واحد منه ، فأقوالهم كأقوال ربّ العالمين ، وكتاباتهم كالقرآن الكريم ـ والعياذ بالله ـ ، ولا يجوز ردّ حرف واحد منها. تأمّل أخي القارئ في هذه الكلمة الغريبة : فإنّه مَنْ استعمل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب (شرح السنّة) فإنّه ليس يدين لله بدين ، وقد ردّه كلّه ، كما لو أنّ عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلاّ أنّه شكّ في حرف ، فقد ردّ جميع ما قال الله تعالى وهو كافر (٢).

هل قرأت مثل هذا الكلام وبهذا البيان في كلام أيّ عالم مسلم من غير الوهابيّة؟ وهل رأيت أجهل من هذا الداعية الذي يتحدّث بهذه العنجهية وهذه الطريقة الغريبة؟! وما علينا إلاّ نردّ جهله بقول الله تعالى : (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (٣).

الوهابيّون يكفّرون جميع الفرق الإسلاميّة

١ ـ السنّة بمذاهبها كلّها ، الأشاعرة والمعتزلة وحتى البسطاء الفقراء من الأُمّة.

٢ ـ الشيعة بفرقها كلّها ، الإمامية والإسماعيلية ، وغير ذلك.

__________________

١ ـ سلسلة الأحاديث الصحيحة ـ للألباني ٦ ص ٦٧٦.

٢ ـ شرح السنّة ص ١٠٦.

٣ ـ سورة الفرقان : الآية ٦٣.

٤٧٥

٣ ـ الصوفية بجميع طرقها ومشايخها وأورادها.

ولكن لهم مع الاثنين من هؤلاء موقفاً خاصّاً سنذكره بعد تقديم هذه الباقة العطرة من أحاديث الحبيب المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله التي تعرّف المسلم والإسلام في السنّة المطهّرة ، نقدمها للقارئ الكريم على طبق من نور إن شاء الله ، نقتطفها من كتاب الشيخ سليمان بن عبد الوهاب الذي ردّ على أخيه محمد بن عبد الوهاب ردّاً رائعاً.

عن عبد الله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «بُني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحجّ البيت ، وصوم رمضان» (١).

وعنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، وأنّ محمداً رسول الله ، ويُقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّ الإسلام وحسابهم على الله» (٢).

وعن أبي هريرة قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أُمرت أن أُقاتل الناس حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ، ويؤمنوا بي وبما جئت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلاّ بحقّها» (٣).

عن عصام المزني قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا بعث سرية يقول : «إذا

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١ ص ٤٧ ، صحيح مسلم ص ح١٦.

٢ ـ صحيح البخاري ٣ ص ٢١١ ، صحيح مسلم ص ح٢١.

٣ ـ صحيح مسلم ص ح٢١.

٤٧٦

رأيتم مسجداً ، أو سمعتم منادياً فلا تقتلوا أحداً» (١).

عن أبي ذرّ الغفاري (رضوان الله عليه) قال ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من عبد قال : لا إله إلاّ الله ، ثمّ مات على ذلك إلاّ دخل الجنّة» (٢).

بشرطها وشروطها كما يحدّدها الإمام الرضا عليه‌السلام في حديث السلسة الذهبية المشهورة في كتب السنن.

عن عبد الله بن مسعود (رضوان الله عليه) قال ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر» (٣).

وعن ابن عمر قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «كفّوا عن أهل لا إله إلاّ الله لا تكفّروهم بذنب ؛ فمَنْ كفّر أهل لا إله إلاّ الله فهو إلى الكفر أقرب» (٤).

وعن أنس بن مالك عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «ثلاث من أصل الإيمان ؛ الكفّ عمّن قال : لا إله إلاّ الله ، لا تكفّروه بذنب ، ولا تخرجوه من الإسلام بعمل» (٥).

وفي حديث آخر يرويه البخاري : «مَنْ حمل علينا السّلاح فليس منّا».

وفي حديث آخر يرويه مسلم في باب النهي عن الإشارة بالسّلاح إلى مسلم ، قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ أشار إلى أخيه بحديدة فإنّ الملائكة تلعنه حتّى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأُمّه».

وعن أبي ذرّ (رضوان الله عليه) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «لا يرمي الرجل

__________________

١ ـ صحيح مسلم ص ح ٢١.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل ٢ ص ٤٩٥ ح ١٦١٦٧.

٣ ـ صحيح البخاري ص كتاب الفتن.

٤ ـ الطبراني في الكبير ص ح ١٣٠٨٩.

٥ ـ أبو داود في السنن ص ح ٢٥٣٥.

٤٧٧

رجلاً بالفسق ولا يرميه بالكفر إلاّ ارتدّت عليه إن لم يكن صاحبها كذلك» (١).

وعن ثابت الضحّاك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «مَنْ قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله» (٢).

وأخيراً عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : «أيّما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما» (٣).

هذا ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وفي الحديث المشهور عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «المسلم مَنْ سلم المسلمون من لسانه ويده» (٤) ، فماذا تقول الوهابيّة والسلفيّة بحقّ الأُمّة الإسلاميّة ، وبحقّ كلّ إنسان مسلم لا يوافقهم الرأي؟!

إليك نماذج من أقوالهم وفتاواهم :

ـ مذهب الشيعة الإمامية : مذهب مبتدع في الإسلام ؛ اُصوله وفروعه (٥).

هل تعلم أنّ هذه الفتوى صادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلميّة والإفتاء ، يوقّع عليها أربعة من أكبر رؤوس الوهابيّة في هذا العصر؟! وإليك واحدة أُخرى لهم كذلك.

لا يجوز للمسلم أن يقلّد مذهب الشيعة الإماميّة ، ولا الشيعة الزيديّة ، ولا أشباههم من أهل البدع ، كالخوارج والمعتزلة والجهمية وغيرهم ، وأمّا انتسابه إلى

__________________

١ ـ صحيح البخاري ١٠ ص ٣٨٨.

٢ ـ صحيح البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي ص ح ١٩٤٠.

٣ ـ صحيح البخاري ١٠ ص ٤٤٨ ، ومسلم ص ح ٦٠.

٤ ـ نهج البلاغة ـ الخطبة ١٦٧ ، كنز العمال ١ ص ١٤٩.

٥ ـ فتاوى اللجنة ٢ ص ٣٣٨.

٤٧٨

بعض المذاهب الأربعة المشهورة فلا حرج فيه إذا لم يتعصّب للمذهب الذي انتسب إليه ، ولم يخالف الدليل من أجله (١).

هل تدري لماذا هذا التقييد لمَنْ ينتسب إلى المذاهب الأربعة؟! لأنّهم سيكفّرونه ويكفّرون إمامه أوّلاً كما سنبيِّن فيما بعد.

وهذا عبد العزيز ابن باز مفتي الديار ، طُرحت عليه مسألة التقريب بين المذاهب الإسلاميّة ، فقال : التقريب بين الرافضة وبين أهل السُنّة غير ممكن ؛ لأنّ العقيدة مختلفة ؛ فعقيدة أهل السُنّة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى ، وأنّه لا يُدعى معه أحد ، لا ملك مقرّب ولا نبي مرسل ؛ إنّ الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب. ومن عقيدة أهل السُنّة محبّة الصحابة والترضّي عنهم ، والإيمان بأنّهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء! وأنّ أفضلهم أبو بكر ، ثمّ عمر ، ثمّ عثمان ، ثمّ علي! والرافضة خلاف ذلك ، فلا يمكن الجمع بينهما ، كما إنّه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنين وأهل السُنّة ، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السُنّة ؛ لاختلاف العقيدة التي أوضحناها (٢).

في فتوى أُخرى لابن باز يقول فيها : أفيدكم بأنَّ الشيعة فرق كثيرة ، وكلّ فرقة لديها أنواع من البدع ، وأخطرها فرقة الرافضة الخمينيّة الاثني عشريّة ؛ لكثرة الدّعاة إليها ، ولما فيها من الشرك الأكبر ؛ كالاستغاثة بأهل البيت ، واعتقادهم أنّهم يعلمون الغيب ، ولا سيما الأئمّة الاثني عشر حسب زعمهم ، ولكونهم

__________________

١ ـ فتاوى اللجنة ٢ ص ١٥٦.

٢ ـ المصدر نفسه.

٤٧٩

يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة ، كأبي بكر وعمر ، نسأل الله السّلامة ممّا هم عليه من الباطل (١).

فتوى ابن الجبرين في كيفية التعامل مع الشيعة :

وهذا ثالث القوم ، إنّه ابن الجبرين ، وكم له من المخازي في هذا الباب الفاضح له ، يستفتونه حول وجود الشيعة في الدوائر الرسميّة وكيفية التعامل معهم ، ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «الدين المعاملة» ، وهذا يقول :

يكثر الابتلاء بهم في كثير من الدوائر ؛ من مدارس وجامعات ودوائر حكومية ، في هذه الحالة نرى إذا كانت الأغلبية لأهل السُنّة أن يظهروا إهانتهم وإذلالهم وتحقيرهم ، وكذلك أن يظهروا شعائر أهل السُنّة فيذكرون دائماً فضائل الصحابة ، ويذكرون الترضّي عنهم ومدائحهم ، وتشتمل مجالسهم على ذكر فضل القرآن ، وعلى ذكر تكفير مَنْ حرَّفه أو ما أشبه ذلك ؛ لعلّهم أن ينقمعوا بذلك ، وأن يذلّوا ويهانوا ، وتضيق بذلك صدورهم ويبتعدوا. أمّا معاملتهم فيعاملهم الإنسان بالشدّة ؛ فيظهر في وجوههم الكراهية ، ويظهر البغض والتحقير والمقت لهم ، ولا يبدؤهم بالسّلام ، ولا يقوم لهم ، ولا يصافحهم ، لكن يمكن إذا بدؤوا بالسّلام أن يردّ عليهم بقوله : وعليكم أو ما أشبه ذلك (٢).

فلو سُئل هذا الوهابي عن معاملة اليهود والنصارى هل كان هذا جوابه؟! أو هل قرأت مثل هذه الآداب والأخلاق في التعامل الاجتماعي؟!

__________________

١ ـ مجمع الفتاوى ٥ ص ١٥٧ و ٤ ص ٤٣٩.

٢ ـ فتوى بتاريخ ٢٣ ص ٨ ص ١٤٢٤ هـ.

٤٨٠