الذي شرحناه من التبعيض التدريجي ، لا يضرّه دعوى الإجماع على عدم جواز الإهمال ، ولو بمعنى قيام الإجماع على عدم الترخيص في مخالفة تلك التكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال بإعمال البراءة الشرعية ، أو كون ذلك من قبيل الخروج عن الدين ، فإنّا لو سلكنا في تلك التكاليف الواقعية المعلومة بالإجمال ذلك المسلك الذي سلكناه من التبعيض التدريجي ، لم نكن مخالفين لذلك الإجماع ، ولا ارتكبنا ما هو مخالف لضرورة الدين كما هو واضح لا يخفى.
والخلاصة : هي أنّ حاصل دليل الانسداد قياس استثنائي ، أعني أنّه في صورة القياس الاستثنائي ، إذ لو كان حقيقة من القياس الاستثنائي ، لكان استثناء التالي وهو وجوب الاحتياط موجباً لسقوط المقدّم ، وهو انسداد باب العلم والعلمي ، وليس غرضنا من تسميته قياساً استثنائياً إلاّتقريب المطلب إلى الذهن باختصار المقدّمات التي ذكرت لدليل الانسداد. وحاصل المطلب : هو أنّه قد انسدّ علينا باب العلم والعلمي ، ومقتضاه أوّلاً هو وجوب الاحتياط ، لكن لا يمكننا الالتزام بالاحتياط التامّ ، فلابدّ من الالتزام بشيء آخر هو تبعيض الاحتياط ، أو استكشاف حجّية الظنّ شرعاً ، فتسامحنا وسمّينا هذا التقريب قياساً استثنائياً ، وقلنا إنّه لو انسدّ علينا باب العلم والعلمي لوجب علينا الاحتياط في جميع الاحتمالات ، لكن الاحتياط المذكور ليس بواجب ، فلابدّ من التبعيض أو سقوط الاحتياط بالمرّة وإيجاب الشارع علينا العمل بالظنّ.
ومرجع المقدّمة الأُولى إلى إثبات المقدّم ، ومرجع المقدّمة الثانية إلى إثبات التالي ، وهو وجوب الاحتياط التامّ ببرهان العلم الاجمالي ، أو الإجماع على عدم الاهمال ، أو أنّه ـ أعني الاهمال ـ موجب للخروج عن الدين.
ومرجع المقدّمة الثالثة إلى إثبات المستثنى ، أعني إثبات كون الاحتياط