الناشئ عن جعل عدم الترخيص بمنزلة الاحتياط الناشئ عن العلم الاجمالي ، فنحتاج إلى سدّ بابه بأحد الوجوه الآتية. وما أدري كيف يكون هذا الإجماع على عدم جواز الاهمال ـ أعني عدم الترخيص الشرعي ـ كاشفاً عن جعل الاحتياط شرعاً ، في حين دعوى الإجماع من الناحية الأُخرى على عدم جواز الاحتياط ، أو على عدم وجوبه. فالأولى أن يقال كما أشرنا إليه غير مرّة : إنّ الاحتياط لا يكون إلاّ عقلياً ، سواء كان دليل المقدّمة الثانية هو الإجماع أو لزوم الخروج أو العلم الاجمالي ، لكن هذا الاحتياط لا يمكن الالتزام به للأدلّة المتقدّمة (١).
والذي يحصل فعلاً للنظر القاصر قبل الدخول في المقدّمة الثالثة ، هو أنّ الكشف أو الحكومة لا يؤخذ من دليل المقدّمة الثانية ، أعني الإجماع والخروج من الدين أو العلم الاجمالي ، بل مأخذ هذين الوجهين أعني الكشف والحكومة ، هو أنّ الدليل على إبطال الاحتياط الآتي من ناحية حكم الشارع بالمنع من ترك التعرّض للأحكام ، أو من ناحية العلم الاجمالي ، هل هو دعوى أنّ الشارع لا يريد امتثال أحكامه بطريق الاحتمال والاحتياط ، فلابدّ حينئذ من القول بأنّه قد جعل الظنّ حجّة ، أو هو دعوى كونه موجباً للعسر والحرج ، فلابدّ من القول بالتبعيض والأخذ بالمظنونات من باب الاحتياط ، من دون فرق في ذلك الاحتياط المبعّض بين كونه بحكم الشرع ، كما هو مقتضى الدليلين الأوّلين لعدم جواز الاهمال ، أو كونه بحكم العقل كما هو مقتضى الدليل الثالث الذي هو العلم الاجمالي ، فلاحظ وانتظر ما يتحصّل في المقدّمة الثالثة إن شاء الله تعالى.
لا يقال : إذا كان الدليل على الاحتياط هو العلم الإجمالي ، لم يكن للشارع تصرّف في ذلك الاحتياط بالمنع عنه.
__________________
(١) في الحاشية السابقة في الصفحة : ١٥ وما بعدها.