ثمّ إنّك قد عرفت أنّ أساس القول بالكشف وقوامه إنّما هو الإجماع على عدم صحّة الاحتياط ، وأنّ الشارع لا يريد امتثال أحكامه بطريق الاحتمال ، ولكن الاعتماد على هذا الإجماع المنقول مشكل مع الاعتراف بأنّه لم يوجد في كلمات القوم ، وإنّما استفيد من مذاقهم في الفقه ، فإنّه لقائل أن يقول : إنّه لا يزيد على نسبة الإجماع إليهم في الحكم لإجماعهم على القاعدة التي تقتضيه ، أو إجماعهم على حجّية خبر العادل مع فرض وجود الخبر الدالّ على ذلك الحكم.
وإن شئت فقل : إنّ نسبة الإجماع إليهم على بطلان الاحتياط مع الاعتراف بكونه غير موجود في كلماتهم وأنّه يعرف ذلك من مذاقهم ، لا تزيد على دعوى القطع بالحكم المذكور ، فلا يمكن أن يجعل دليلاً على المسألة بحيث يكون ملزماً للخصم ، غايته أنّه يكون حجّة على القاطع بذلك. مع أنّا لو سلّمنا وجود مثل هذا الإجماع في كلماتهم لكان من المحتمل قويّاً أنّه مختصّ بصورة التمكّن من تحصيل العلم بالأحكام الواقعية أو ما يقوم مقامه ، أمّا مع فرض الانسداد كما هو محلّ الكلام فهو ممنوع أشدّ المنع ، إذ لا وجه للحكم بعدم صحّة الاحتياط في هذه المرحلة أعني مرحلة الانسداد ، بل يمكن بحسب القاعدة المنع من بطلانه حتّى في صورة الانفتاح ، فإنّ من صار بناؤه على أن يمتثل كلّ ما يحتمل أنّه يريده المولى ، لا وجه للحكم ببطلان عمله إلاّبدليل قوي ، إذ لا يعدّه العقل مقصّراً في حقّ مولاه ، إلاّفي باب العبادات لشبهة نيّة الوجه ونحوها ممّا حقّق في محلّه (١) عدم اعتباره حتّى في العبادات ، فضلاً عن باقي الأحكام الوضعية والتحريمية والواجبات التوصّلية ، هذا إذا كان مرجع الإجماع على بطلان الاحتياط إلى
__________________
(١) فوائد الأُصول ٣ : ٦٦ ـ ٦٧ ، وحواشي المصنّف قدسسره على ذلك البحث تقدّمت في المجلّد السادس من هذا الكتاب ص ١٦٥ وما بعدها.