والذي يدل على أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً ، قوله : لا تأخذه سنة ولا نوم ، وقوله : ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إلَه ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.
فإن قيل : كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.
قلنا : إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للاَبصار ، وبذلك تميز من جميع الموجودات ، لاَنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.
فإن قيل : ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.
قلنا : قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه ، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً ، أو ما قالوه من أنه يقدر على منع الاَبصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الاِدراك ، وما قالوه باطل لقيام الدلالة على أن الاِدراك ليس بمعنى الاِحاطة ، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه ، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل : إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل ، وذلك يدل على مدحته ، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.
فإن قيل : إنه تعالى نفى أن تكون الاَبصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟
قلنا : الاَبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره ، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الاِدراك إلى الاَبصار ويراد به ذووا الاَبصار ، كما يقولون : بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني ، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.
فإن قيل : إنه تعالى نفى أن جميع المبصرين لا يدركونه ، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟
قلنا : إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه ، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي ، ولك أن تستدل بأن تقول : هو تعالى نفى الاِدراك عن نفسه نفياً عاماً كما