ـ الكافي ص ٣٨ ، لاَبي الصلاح الحلبي المتوفى سنة ٤٤٧
... وثبوت كونه تعالى قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة ، ( لاَن ) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر ، من حيث علمنا استحالة الحاجة على من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا على من يلذ ويألم ، لاَن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له ، ويستضر بما يألم به أو يغتم لاَجله ، واللذة والاَلم لا يجوزان إلا على ذي شهوة ونفور ، إذ معنى ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه ، ومعنى متألم أنه أدرك ما ينفر عنه ، ومعنى مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلى من يجري مجراه واندفاع ضرر ، ومعنى مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلى من يجري مجراه أو فوت نفع ، فعاد معنى السرور والغم إلى النفع والضرر.
إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلى محل استحال تخصيصها. وكونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشيء من الحواس ، لاختصاص الاِدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الاَعراض ، وليس هو من الجنسين ، فاستحال إدراكه تعالى.
ولاَنه لو كان مما يصح أن يدرك بشيء من الحواس لوجب أن ندركه الآن ، لاَنا على الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع ، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه ، لاَنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة ، وذلك أجمع من صفات المتحيزات ، وقد دللنا على كونه سبحانه بخلافها ، فلو كان مما يصح أن يدرك لاَدركناه الآن ، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة ، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل ، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل على عدم إدراكه ....
وثبوت كونه تعالى لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والاِختصاص بالحياة والمجاورة ، لاَن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه