والحاصل ان وجود المصلحة يقتضى تعلق الوجوب ولا يمنع عنه سوى النهى الفعلى والمفروض عدمه وسوى المنقصة التى يمكن المكلف من الاحتراز عنها اذ لو لم يمكن من ذلك فمجرد وجودها غير صالح للمانعية ، والسّر فى ذلك هو ان المانع عن تعلق الوجوب بواحدها من الافراد ، انما هو لزوم كون فعل الحكيم على وفق الحكمة اذ لا حكمة فى الامر بما فيه منقصة معارضة للمصلحة مع امكان الامتثال بما ليس فيه تلك المنقصة المعارضة وهذا المانع غير موجود فيما لا مناص للمكلّف من الوقوع فى تلك المنقصة ، فيكون الفرد الواحد للمنقصة والعارى عنها متساويين فى مصلحة الامر.
اذا عرفت ذلك كلّه فههنا فيه تنبيه للتحقيق وهو انّ ما ذكرنا من تعلق الوجوب بالحرام عند ارتفاع النهى الفعلى عنه لجهل او اضطرار وشبههما ، انّما هو اذا كان ذلك الارتفاع غير مسبب عن اختيار المكلف ، واما اذا كان كذلك مثل ان اوجد المكلف باختياره سبب الحرام ، ولمّا يقع فيه بعد ـ كما اذا نهاه عن الارتماس فى ماء بئر فى نفسه من فوقه عصيانا للنهى ـ فهل يجوز تعلّق الوجوب حينئذ بذلك الحرام فيحصل البراءة من التكليف الممكن امتثاله فى ضمنه كالغسل فى المثال المزبور ام لا؟
وبعبارة اخرى هل العبرة فى الارتفاع بحال الفعل او بحال المقدمات ـ وان شئت قلت هل يعتبر فى الاضطرار الرافع للنهى والمقتضى لتعلق الوجوب وصحة الامتثال ـ ملاحظة حال المكلف حين مباشرة المنهى عنه او حين صدور النهى؟
فان كان الاوّل لزم الحكم بصحة العبادة لانّ الفعل بعد تحقّق مقدماته