فيقولون : (هذا عَذابٌ أَلِيمٌ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) ، فقال الله عزوجل ردّا عليهم : (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) ، في ذلك اليوم (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) أي رسول قد تبيّن لهم : (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) ، قال : قالوا : ذلك لما نزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأخذه الغشي ، فقالوا : هو مجنون ، ثم قال : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، يعني إلى يوم القيامة ، ولو كان قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، في القيامة لم يقل : (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها.
ثم قال : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) يعني في القيامة : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ) ، أي اختبرناهم (وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) ، أي ما فرض الله من الصلاة والزكاة والصوم والحجّ والسنن والأحكام ، فأوحى الله إليه : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ، أي يتبعكم فرعون وجنوده (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) ، أي جانبا ، وخذ على الطرف ، (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ).
قوله تعالى : (وَمَقامٍ كَرِيمٍ) أي حسن (وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ، قال : النعمة في الأبدان ، قوله تعالى : (فاكِهِينَ) ، أي مفاكهين للنساء (كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) ، يعني بني إسرائيل (١).
وقال الشيخ الطبرسيّ : (لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) أي إن لم تصدقوني فاتركوني ، لا معي ولا علي. وقيل معناه فاعتزلوا أذاي ، ثم ذكر سبحانه تمام قصة موسى بأن قال : (فَدَعا رَبَّهُ) أي فدعا موسى ربه حين يئس من قومه أن يؤمنوا به فقال : (أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) أي مشركون لا يؤمنون. فكأنه قال : اللهم عجل لهم مما يستحقونه بكفرهم ما يكونون به نكالا لمن بعدهم.
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٩٠.