ثم قال فرعون : (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني موسى (وَلا يَكادُ يُبِينُ) ، قال : لم يبن الكلام ، ثم قال : (فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ) أي هلا ألقي عليه أسورة (مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)؟ يعني مقارنين (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) لما دعاهم (فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(١).
* س ١٦ : ما هو معنى قوله تعالى :
(فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) (٥٦) [سورة الزخرف : ٥٥ ـ ٥٦]؟!
الجواب / ١ ـ قال أبو عبد الله عليهالسلام ، في قول الله عزوجل : (فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ) فقال : «إن الله عزوجل لا يأسف كأسفنا ، ولكنه خلق أولياء لنفسه ، يأسفون ويرضون ، وهم مخلوقون مربوبون ، فجعل رضاهم رضا نفسه ، وسخطهم سخط نفسه ، لأنه جعلهم الدعاة إليه ، والأدلاء عليه ، فلذلك صاروا كذلك ، وليس أن ذلك يصل إلى الله كما يصل إلى خلقه ، لكن هذا معنى ما قال من ذلك ، وقد قال : من أهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها. وقال : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ)(٢) ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)(٣).
فكل هذا وشبهه على ما ذكرت لك ، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك ، ولو كان يصل إلى الله الأسف والضجر ، وهو الذي خلقهما وأنشأهما ، لجاز لقائل هذا أن يقول : إن الخالق يبيد يوما ، لأنه إذا دخله الغضب والضجر ، دخله التغيير ، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة ، ثم لم يعرف المكوّن من المكوّن ، ولا القادر من المقدور عليه ، ولا
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٨٥.
(٢) النساء : ٨٠.
(٣) الفتح : ١٠.