إيجاد خلقه ، وأنه قديم بأسمائه وصفات ذاته ، التي منها : الحياة التي بها بان من الموت والأموات ، والقدرة التي أبدع بها الأجناس والذوات ، والعلم الذي أحكم به جميع المصنوعات ، وأحاط بجميع المعلومات ، والإرادة التي صرف بها أصناف المخلوقات. والسمع والبصر اللذان أدرك بهما جميع المسموعات والمبصرات ، والكلام الذي به فارق الخرس والسكوت وذوي الآفات ، والبقاء الذي به سبق المكونات ، ويبقى به بعد جميع الفانيات ، كما أخبر سبحانه في قوله : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) [الأعراف : ١٨٠] وقوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ) [النّساء : ١٦٦](وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) [فاطر : ١١] وقوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصّلت : ١٥] وقوله : (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذّاريات : ٥٨] فنصّ تعالى على إثبات أسمائه وصفات ذاته ، وأخبره أنه ذو الوجه الباقي بعد تقضي الماضيات ، كما قال عزوجل : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] وقال : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧)) [الرّحمن : ٢٧] واليدين اللتين نطق بإثباتهما له القرآن ، في قوله عزوجل : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] وقوله : (ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وأنهما ليستا بجارحتين ، ولا ذوي صورة وهيئة ، والعينين (١) اللتين أفصح بإثباتهما من صفاته القرآن وتواترت بذلك أخبار الرسول عليهالسلام ، فقال عزوجل : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] و (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا) [القمر : ١٤] وأن عينه ليست بحاسة من الحواس ، ولا تشبه الجوارح والأجناس ، وأنه سبحانه لم يزل مريدا وشائيا ، ومحبا ومبغضا ، وراضيا ، وساخطا ، ومواليا ، ومعاديا ، ورحيما ، ورحمانا. ولأن جميع هذه الصفات راجعة إلى إرادته في عباده ومشيئته ، لا إلى غضب بغيره. ورضى يسكنه طبعا له ، وحنق وغيظ يلحقه ، وحقد يجده ، إذا كان سبحانه متعاليا عن الميل والنفور.
وأنه سبحانه راض في أزله عمن علم أنه بالإيمان يختم عمله ويوافي به. وغضبان على من علم أنه بالكفر يختم عمله ويكون عاقبة أمره ، وقد قال تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) [هود : ١٠٧] و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة : ١٨٥] وقال : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)) [النّحل :
__________________
(١) وتثنية العين لم ترد في الكتاب ، وحديث الدجال ليس فيه إلا نفي النقص من الله سبحانه لا إثبات العينين له مع كونه خبر آحاد فيتعين الاقتصار على ما ورد في الكتاب وهو ما في الآيتين وإلا يكون في الأمر فتح باب التشبيه (ز).