كان قولهم : ضارب مفيدا للضرب ، وكذلك إذا كان قولهم : المؤلف المركب مفيدا كثرة الاجتماع والتأليف ، وجب أن يكون قولهم جسم مفيدا كذلك.
والجوهر : الذي له حيز. والحيز هو المكان أو ما يقدر تقدير المكان عن أنه يوجه فيه غيره.
والعرض : هو الذي يعرض في الجوهر ، ولا يصح بقاؤه وقتين ، يدل على ذلك قولهم : «عرض لفلان عارض من مرض ، وصداع» إذا قرب زواله ، ولم يعتقد دوامه. ومنه قوله عزوجل : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] وقوله : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) [الأحقاف : ٢٤] فكل شيء قرب عدمه وزواله ، موصوف بذلك ، وهذه صفة المعاني القائمة بالأجسام ، فوجب وصفها في قضية العقل بأنها أعراض.
٧ ـ وأن يعلم أن العالم محدث ، وأنه لا ينفك علويه وسفليه من أن يكون جسما مؤلفا ، أو جوهرا منفردا ، أو عرضا محمولا. وهو محدث بأسره. وطريق العلم بحدوث أجسامه وحدوث أعراضه. والدليل على ثبوت أعراضه : تحرك الجسم بعد سكونه ، وتفرقه بعد اجتماعه ، وتغير حالاته ، وانتقال صفاته ، فلو كان متحركا لنفسه ، ومتغيرا لذاته لوجب تركه في حال سكونه ، وتغيره واستحالته في حال اعتداله ، وفي بطلان ذلك دليل على إثبات حركته ، وسكونه ، وألوانه ، وأكوانه ، وغير ذلك من صفاته ، لأنه إذا لم يكن كذلك لنفسه وجب أن يكون لمعنى ما تغير عن حاله واستحال عن وصفه.
والدليل على حدوث هذه الأعراض : ما هي عليه من التنافي والتضاد ، فلو كانت قديمة كلها لكانت لم تزل موجودة ، ولا تزال كذلك ، ولوجب متى كانت الحركة في الجسم أن يكون السكون فيه ، وذلك يوجب كونه متحركا في حال سكونه ، وميتا في حال حياته ، وفي بطلان ذلك دليل على طروق السكون بعد أن لم يكن ، وبطلان الحركة عند مجيء السكون ، والطارئ بعد عدمه ، والمعدوم بعد وجوده محدث باتفاق ؛ لأن القديم لا يحدث ولا يعدم ، ولا يبطل.
والدليل على حدوث الأجسام : أنها لم تسبق الحوادث ، ولم تخل منها ، لأننا باضطرار نعلم : أن الجسم لا ينفك من الألوان ، ومعاني الألوان من الاجتماع والافتراق ، وما لا ينفك من المحدثات ، ولم تسبقه كان محدثا. لأنه إذا لم يسبقه كان موجودا معه في وقته أو بعده ، وأي ذلك وجد وجب القضاء على حدوثه ، وأنه معدوم قبل وجوده.