ليس مما يزيل حقيقة ذلك الشيء من الوجود ، بل أهل البصيرة النافذة يمحصونه بين ضوضاء الأخذ والرد ، فيظهر الحقّ واضحا جليّا بعد التمحيص ، لمن له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولعلّ الحقّ في ذلك لا يعدو ما قلته في «الإشفاق على أحكام الطلاق» ، في صدد الردّ على من يقول من أبناء اليوم : إنّ الإجماع الذي يدّعيه الأصوليون ما هو إلا خيال ... ولا استقرّ رأي العلماء على قول مقبول في معنى الإجماع ـ في نفسه! ـ وكيف يحتجّ به ومتى؟».
ولا بأس أن أسوق هنا بعض ذلك ، دفعا لما عسى أن يعلق ببعض الخواطر من تشكيك ذلك المشكّك.
ومما قلت هناك : «هذا كلام لا يصدر ممن يعقل ما يقول ، وإن دلّ هذا الكلام على شيء ، فإنما دلّ على أنّ قائله ما درس شيئا من أصول الفقه ، ولو نحو «مرآة الأصول» ، أو «التحرير» ، على واحد من المبرّزين في العلم ، فضلا عن كتاب البزدوي ، وشروحه ، ولا اطلع على «بحر» البدر الزركشي ، ولا «شامل» الإتقاني ، فضلا عن «تقويم» الدّبوسي ، و «ميزان السمرقندي» ، و «فصول» أبي بكر الرازي.
ولم يطّلع أيضا على «فصول» الباجي ، و «محصول» أبي بكر بن العربي ... ، ولا «برهان» ابن الجويني ، ولا «قواطع» السمعاني ... ولا على «تمهيد» أبي الخطّاب ، و «روضة» الموفّق و «مختصرها» للطّوفي ، ولا «عمد» القاضي عبد الجبار ، و «معتمد» أبي الحسين البصري ، ولا «محصول» الرازي ، بل «تنقيحه» للقرافي ، بل اكتفى في هذا العلم الخطير بتقليب صفحات كتيّب للشوكاني أو القنّوجي ، شيخي التخبّطات في المسائل في الدّور الأخير ...
أو لم يعلم هذا المتقول أنّ حجيّة الإجماع مما اتّفق عليه فقهاء الأمّة جميعا ، وعدّوه ثالث الأدلة ، حتى إنّ الظاهرية على بعدهم عن الفقه ، يعترفون بحجّيّة إجماع الصحابة ، ولهذا لم يتمكّن ابن حزم من إنكار وقوع الطلاق الثلاث مجموعة ، بل تابع الجمهور في ذلك.
بل قد أطلق كثير من العلماء القول بأنّ مخالف الإجماع كافر ، حتى شرط للمفتي أن لا يفتي بقول يخالف أقوال جماعة العلماء المتقدّمين ، ولهذا كان لأهل العلم عناية خاصّة بمثل «مصنّف» ابن أبي شيبة ، و «إجماع» ابن المنذر ، ونحوهما من