فيه رءوس ناس من الخوارج فقال لأبي غالب الحمصي : يا أبا غالب هؤلاء ناس من أهل أرضك فأحببت أن أعرفك من هؤلاء ، هؤلاء كلاب أهل النار هؤلاء كلاب أهل النار وهم شر قتلى تحت أديم السماء ـ وأبو أمامة في ذلك يبكي ـ فقال أبو غالب : يا أبا أمامة ما يبكيك؟ إنهم كانوا مسلمين وأنت تقول لهم ما أسمع قال : أولاء ، يقول الله تعالى فيهم : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (١٠٦) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٠٧)) [آل عمران : ١٠٦ ، ١٠٧] قال له : أشيء تقوله برأيك أم سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوسلم؟ قال : إني لو لم أسمعه منه إلا مرة أو مرتين أو ثلاث مرات إلى سبع مرات لما حدثتكموه. فكفر الخوارج كفر انعم ، كفر بما أنعم الله تعالى عليهم. قلت : الخوارج إذا خرجوا وحاربوا وأغاروا ثم صالحوا هل يتبعون بما فعلوا؟ قال : لا غرامة عليهم بعد سكون الحرب ، ولا حد عليهم ، والدم كذلك لا قصاص فيه. قلت : ولم ذلك؟ قال : للحديث الذي جاء أنه لما وقعت الفتنة بين الناس في قتل عثمان رضي الله عنه فاجتمعت الصحابة رضي الله عنهم على أن من أصاب دما بتأويل فلا قود عليه.
ومن أصاب فرجا حراما بتأويل فلا حد عليه. ومن أصاب مالا بتأويل فلا تبعة عليه إلا أن يوجد المال بعينه فيرد إلى صاحبه. قلت : قال قائل : لا أعرف الكافر كافرا. قال : هو مثله. قلت : فإن قال : لا أدري أين مصير الكافر؟ قال : هو جاحد لكتاب الله تعالى وهو كافر. قلت له : فما تقول لو أن رجلا قيل له : أمؤمن أنت؟ قال : الله أعلم ، قال : هو شاك في إيمانه ، قلت : فهل بين الكفر والإيمان منزلة إلا النفاق وهو أحد الثلاثة ، إما مؤمن أو كافر أو منافق ، قال : لا ، ليس بمنافق من يشك في إيمانه ، قلت : لم؟ قال : لحديث صاحب لمعاذ بن جبل وابن مسعود : حدثني حماد عن حارث بن مالك ـ وكان من أصحاب معاذ بن جبل الأنصاري ـ فلما حضره الموت بكى. قال معاذ : ما يبكيك يا حارث؟ قال : ما يبكيني موتك ، قد علمت أن الآخرة خير لك من الأولى ، لكن من المعلم بعدك؟ ويروى من العالم بعدك؟ قال : مهلا وعليك بعبد الله بن مسعود فقال له : أوصني ، فأوصاه مما شاء الله ثم قال : احذر زلّة العالم ، قال : فمات معاذ وقدم الحارث الكوفة إلى أصحاب عبد الله بن مسعود فنودي بالصلاة فقال الحارث : قوموا إلى هذه الدعوة ، حق لكل مؤمن من سمعه أن يجيبه فنظروا إليه وقالوا : إنك لمؤمن ، قال : نعم إني لمؤمن ، فتغامزوا به ، فلما خرج عبد الله قيل له ذلك ، فقال للحارث مثل قولهم فنكس الحارث رأسه وبكى