قال العالم رضي الله عنه : هذا لا يكون (١) وإن كان سميناه كافرا بالله كاذبا بما يقول أنه يعرف الله تعالى ويستدل على كفره بالله بكفره بمحمد لأن من كفر بالله كفر بمحمد. وليس من قبل كفره بمحمد كفره بالله كما أن النصارى من كفرهم بالواحد الذي ليس له ولد زعموا أن الله تعالى ثالث ثلاثة. وكذلك اليهود من كفرهم بالغني الذي لا يفتقر والجواد الذي لا يبخل والرب الذي ليس له ولد والملك الذي ليس له شبيه زعموا أنّ الله فقير ويد الله مغلولة وعزير ابن الله والله تعالى على مثال صورة ابن آدم ؛ وكذلك الذين اتخذوا النيران وسجدوا للشمس والقمر. وقد قال الله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) [العنكبوت : ٤٧] وقال : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)) [النّساء : ٦٥] فمن زعم أنه يعرف الله ويكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم استدللنا على إنكاره للرب بكفره بمحمد. ومثل ذلك لو أن رجلا زعم أنه يطيق أن يحمل عشرين قفيزا. ونحن نراه يعجز عن حمل القفيزين عرفنا أنه إذا عجز عن حمل القفيزين فهو في العشرين أعجز ومثل هذا لو أن رجلا قال : إني أعرف أن الله تعالى حق غير أني لا أقر بأن هذا الإنسان مخلوقه لعرفنا أنه كاذب فيما يزعم لأنه لو كان يعرف الله لعرف أن كل شيء سواه مخلوقه. ومثل ذلك رجل بحضرته السراج ونار ضخمة وهما عنده بمنزلة واحدة في الدنو فزعم أنه يبصر السراج ولا يبصر النار المشتعلة في الحطب الضخم لعرفت أنه كاذب لأنه لو كان يبصر السراج لكان لتلك النار الضخمة أبصر.
قال المتعلم رحمهالله : قد فرجت عني ولكن أخبرني عمن يزعم لرسول الله أنا أعرف أنك رسول الله ولكن أشتهي أن أقتلك.
قال العالم رضي الله عنه : هذه من مسائل المتعنتين. وهذا محال لو كان يعرف أنه رسول الله لم يشته قتله ولا موته ولا أذاه. ومثل ذلك كالرجل الذي يزعم لآخر أنك أحب إلي من جميع الناس. ولكن أشتهي أن أقتلك بيدي وآكل لحمك. وليس أحد من الناس يزعم أنه يوحد الله تعالى ويؤمن بمحمد ويتناول رسول الله بمنقصة كأن يزعم أنه كان أعرابيا وكان فقيرا يريد به عيبه وانتقاصه فلو كان يعرف الله ويعرف أن محمدا رسوله لكان الله ورسوله أجل في عينيه من أن يتناول رسوله بذكر شيء يريد به عيبه وانتقاصه. وقد قال الله عزوجل في تعظيم منزلة الرسول : (مَنْ يُطِعِ
__________________
(١) يعني هذا لا يقع ، وإن وقع سميناه كافرا (ز).