__________________
ـ ويودعها تصانيفه» هذا قدر عقلية الذهبي وقدر تحرّيه عند صاحب الطبقات ، ولعل القارئ يرى هذه العقلية من أسخف العقليات كيف لا وهي عقلية ترى الخرافات حقا تودع في المصنفات ويبني عليها ما يتخذه عباد الله دينا ، ورجل هذا حاله أي قدر يكون قدره عند أولي النهي ، الذين عرفوا دخائله.
ولسنا نطيل النقل للقارئ في شأن سقوط كلام هذا الرجل في علماء الحنفية والمالكية والشافعية وهم قادة الأمة وأدلاؤها إذا ادلهم ليل المشكلات وكفى القارئ في هذا الرجل قول ابن السبكي السابق (والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه وعدم اعتبار قوله) فإن هذا معناه القضاء على الرجل وإسقاطه من عداد العلماء الذين يحترم قولهم ، ليتأمل القارئ طويلا في قول التاج ابن السبكي السابق أيضا (ولم يكن يستجري أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أن لا ينقل عنه ما يعاب عليه) فإن هذا معناه أن الرجل كان يعلم حق العلم أنه قال في تلك الكتب ما يوقن أنه ليس بحق ، ولذلك كان يحرص على أن لا يطلع الناس عليه لئلا يفتضح بأكاذيبه البعيدة عما عليه العلماء الذين يكتب عنهم ، وأرجو وألح في الرجاء أن لا يغفل القارئ عن قول صاحب الطبقات السابق في هذا الرجل من أنه (كان قليل المعرفة بمدلولات الألفاظ) ومن من العقلاء يرضى أن يسقط نفسه فيعد من زمرة العلماء رجلا يصل به الجهل إلى درجة قلة المعرفة بمدلولات الألفاظ؟ كما أرجو القارئ أيضا وأشدد في هذا الرجاء أن يلتفت لقول صاحب جمع الجوامع (إن الذهبي لم يمارس علوم الشريعة) ومن فقد رشده وضاع صوابه حتى يستطيع أن يعد من العلماء رجلا لم يمارس الشريعة فليعلم حق العلم ليراعي حق الرعاية. ولا ينسى القارئ أن ما تقدم شهادة تلميذ هو إمام فهو أعرف بشيخه ولعل هذا يكفي في دفع ما ربما يقوله بعض المغرورين بالذهبي أو ينقله عن بعض المغرورين.
وقد أشرت إلى حاله في مواضع مما علقت به على ذيول طبقات الحفاظ وزغل العلم.
ومما يزيدك بصيرة في هذا الباب اجتراء الذهبي على حذف لفظ «إن صحت الحكاية عنه» من كلام البيهقي في الأسماء والصفات (ص ٣٠٣) عند ما نقل كلامه في كتاب العلو (ص ١٢٦) في صدد نسبة القول بأن الله في السماء ، إلى أبي حنيفة ليخيل إلى السامع أن سند هذه الرواية لا مغمز فيه مع أن نوحا الجامع ربيب مقاتل بن سليمان المجسم ، في السند هالك مثل زوج أمه ، وكذلك نعيم حماد ربيب نوح ، وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة فأين التعويل على رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟ وليس بقليل ما ذكره الذهبي في حقهما في ميزان الاعتدال على أنه لو سبق التفاف نحو عشرة آلاف شخص حول بدعه امرأة أتت من ترمذ إلى الكوفة للدعوة إلى مذهب جهم لكان لهذا النبأ شأن عظيم في كتب الأنباء والرواية ولما انفرد بمثل ذلك الخبر يحيى بن يعلى المجهول عن نعيم بن حماد الهالك عن نوح الجامع لكل شيء غير الصدق ولا كان انفرد أحمد بن جعفر بن نصر عن يحيى المذكور ولا أبو الشيخ بن حيان صاحب كتاب العظمة الذي يحوي كل هاتف وقد ضعفه بلديه الحافظ العسال ، وقد أشار البيهقي بقوله «إن صحت الحكاية» إلى ما في الرواية من وجوه الخلل. وعند ما حذف الذهبي هذا اللفظ يظن من لا خبرة عنده بالرجال أن الإله في السماء قول فقيه الملة إمام شطر هذه