أوضح الأدلة على الاحتجاج بالتوسل بالنبي صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته كحياته كفعل (١) عثمان راوي الحديث ولفعل غيره في حياته وبعد وفاته وهم أعلم بالله عزوجل وبرسوله صلىاللهعليهوسلم من غيرهم وإليهم ترجع الأمور في القضايا التي شاهدوها في زمنه وأخذوها عنهم رضي الله عنه (٢) ومن عدل عن ذلك فقد أفهم عن نفسه أن عنده ضغينة لهم وهذا من الواضحات الجليات التي لا ينكرها إلا صاحب دسيسة أعاذنا الله تعالى من ذلك.
وقال القاضي عياض في أشهر كتبه المتداولة بين الناس وهو (الشفاء) الفصل الثاني في حرمته بعد وفاته : وأما حرمته (٣) النبي صلىاللهعليهوسلم بعد وفاته وتوقيره وتعظيمه فهو لازم كما كان في حياته وذلك عند ذكره عليه الصلاة والسلام وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته ومعاملة آله وتعظيم أهل بيته وصحابته واجب على كل مؤمن متى ذكر عنده أن يخضع ويخشع ويتوقر ويسكن من حركته فيأخذ في هيبته وإجلاله بما كان يأخذ بعينه (٤) لو كان بين يديه ويتأدب بما أدّبنا الله عزوجل به.
وقال ابن حبيب : إذا دخلت مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فصلّ ركعتين بين الروضة والمنبر ثم اقصد القبر من تجاه القبلة وادن منه ثم سلّم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأثن عليه وعليك السكينة والوقار فإنه عليه الصلاة والسلام مسلم (٥) ويعلم وقوفك بين يديه وكذا قاله غيره من الأئمة.
قال الحافظ أبو الفرج بن الجوزي : (أما زيارة قبره عليه الصلاة والسلام فأحضر قلبك لتعظيمه ولهيبته وأحضر عظيم رتبته في قلبك واعلم أنه عالم بحضورك وتسليمك) وهذا الذي قالاه معروف مشهور لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يغضون أصواتهم في مسجده تعظيما له وتوقيرا.
وفي البخاري أن عمر رضي الله عنه قال لرجلين من أهل الطائف : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانت عائشة رضي الله عنها إذا سمعت دق الوتد أو المسمار يضرب في بعض الدور المطنبة لمسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ترسل إليهم لا تؤذوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) الكاف في قوله كفعل لام ، اه مصححه.
(٢) قوله : وأخذوها عنهم رضي الله عنه تؤخر فيه عنهم وتقدم عنه كما هو ظاهر ، اه مصححه.
(٣) الصواب وحرمة ويحذف الضمير ، اه مصححه.
(٤) قوله بما كان يأخذ بعينه عبارة الشفاء بما كان يأخذ به نفسه الخ ، اه مصححه.
(٥) قوله مسلم بتشديد اللام أي راد عليك السلام الذي تسلمه عليه ، اه مصححه.