حتى بلغت النوبة الثالثة إلى أن قال : فدعوت بمثل ما دعوت وتوسلت بالنبي صلىاللهعليهوسلم وقوي حالي في أمر صدق توسلي به صلىاللهعليهوسلم علمي بأنه وسيلة من قبلي فإذا بطعام اثنين والماء مثل ذلك فغمني ذلك ، قال : فغلبتني عيناي من الهم خوف الشماتة بديننا فإذا بقائل يقول لي : أدركناك بالإيثار الذي خصصنا به محمدا من دون الأنبياء (١) وهي علامته وكرامة أمته من بعد إلى يوم القيامة.
قال : فلما بلغت النوبة الرابعة إلي قالا : بلى يا مسلم ما هذا؟ إنا نرى في طعامك وشرابك نقصا فلم ذلك؟ فقلت لهما : أو لم تعلما أن هذا خصّ الله عزوجل نبيه نبيه محمدا صلىاللهعليهوسلم من بين الأنبياء وخصّ أمته به من بعده إن الله عزوجل يريد لي الإيثار وقد آثرتكما اقتداء بنبي المكرم فقالا : صدقت ، ثم قالا : نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ، صدقت في قولك هذا ، خلق محمد في كتب الله المنزلة إن الله عزوجل خصّ محمدا وأمته بذلك ، قال : وحسن إسلامهما ، قال : ثم قلت لهما في الجمعة والجماعة فقالا : ذلك واجب ، قلت : نعم فاسألا الله تعالى وادعوا أن يخرجنا من هذا التيه إلى أقرب الأماكن فدعوا ، فبينا نحن نسير إذا نحن ببيوت قد أشرفنا عليها فإذا هي بيت المقدس ، قال : فدخلنا المسجد وأقمنا أياما ثم تجدد لي سفر ففارقتهما وقد ملئ قلبي فرحا بإسلامهما وبصحبة توسلي (٢) بالنبي صلىاللهعليهوسلم وأنه غيّاث الصادقين في محبة (٣) السالكين خلفه في صدقه مع ربه وصحة الاعتماد عليه. فانظر أرشدك الله كيف بصدق التوسل به جرى ما جرى من حصول الكرامات من نبع الماء وحصول الطعام والاهتداء لها ، فله عزوجل المنّة على ما أكرمنا به وعلى ما وهب الأولياء من آثار معجزاته.
وقال سفيان الثوري : بينا أنا أطوف بالبيت وإذا أنا برجل لا يرفع قدما ولا يضع أخرى إلا وهو يصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم فقلت : يا هذا إنك تركت التسبيح والتهليل وأقبلت على الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم فهل عندك من هذا شيء؟ فقال لي : من أنت؟ قلت : سفيان الثوري ، فقال : لو لا أنك غريب في أهل زمانك لما أخبرتك عن حالي
__________________
(١) أي خصصنا به أمة محمد صلىاللهعليهوسلم من دون أمم الأنبياء وإلا فالأنبياء جميعا أوائل أهل الإيثار صلى الله وسلّم عليهم جميعا ، اه مصححه.
(٢) قوله : وبصحبة توسلي ، صوابه وبصحة توسلي الخ ، اه مصححه.
(٣) قوله : في محبة السالكين ، صوابه في محبته. السالكين ، الخ ، اه مصححه.