وقال ـ أعني ابن تيمية ـ في الجواب عن المسألة المبسوطة والإمام أحمد أعلم الناس في زمانه بالسنة وبالغ في الثناء عليه فيا لله العجب من هذا الأعمى البصيرة الذي لا يحس بتناقض كلامه كيف يجعل الإمام أحمد فيما له فيه غرض أعلم الناس بالسنة ويسفهه فيما لا غرض له فيه وهذا ونحوه مما يأتي في غير الإمام أحمد من أئمة الحديث يعرفك ما في قلبه من الخبث وعمي بصيرته وأنه لا عليه فيما يقوله. ومن فجوره ادعاء الإجماع على ما يقوله ويفتي به كهذه الفتوى مع شهرة الخلاف في المسألة حتى إنه مشهور في أشهر الكتب المتداولة بين الناس وهو الشفاء فإنه ذكر الخلاف بين مكة والمدينة وإن مالكا وأكثر أهل المدينة قائلون بأن المدينة أفضل من مكة وقال : أهل مكة والكوفة مكة أفضل ومحل الخلاف في غير الموضع الذي ضمّ سيد الأولين والآخرين صلىاللهعليهوسلم ، وأما هو فالإجماع منعقد على أنه أفضل من مكة وسائر البقاع وممن حكى الإجماع القاضي عياض في الشفاء بعد أن حكى الخلاف في التفضيل بين مكة والمدينة فقال : ولا خلاف في أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض وكذا ذكره الإمام هبة الله في كتابه (توثيق عرى الإيمان) وذكر الإمام أبو زكريا يحيى النووي في شرح مسلم ذلك فقال : قال القاضي عياض : أجمعوا على أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض وأقره على ذلك ، فسكوت الخبيث عن مثل ذلك دليل على خبث في باطنه في حق سيد الأولين والآخرين صلىاللهعليهوسلم. وفي هذه الفتوى رمز إلى عدم الاعتداد بقول عمر رضي الله عنه فإنه رضي الله عنه من القائلين بأن المدينة أفضل من مكة ويدل على ما قلته من الرمز (١) تخطئته في الطلاق وعدم الاعتداد بذلك كما رمز إلى تكفير الصديق رضي الله عنه في قوله في بعض تصانيفه من قال الله : ورسوله في أمر يلحقه فإنه يكون مشركا فإن الصديق رضي الله عنه لما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما أبقيت لأهلك؟» قال : أبقيت لهم الله ورسوله ، ويؤيد ما قلته ما هو مشهور في كتبه وعند أتباعه لا ينبغي أن ينسب إلى غير الله تعالى ضر ولا نفع ولا أنه يغني وهذا من الدسائس أيضا فإنه يلبس به على كثير من الناس لا سيما الضعفاء في العلم وأصحاب الأذهان الجامدة فهي كلمة حق أريد بها باطل.
وقد قال الله تعالى في كتابه العزيز : (وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ) [التّوبة : ٧٤] وقال تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ سَيُؤْتِينَا اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ) [التّوبة : ٥٩] وغير ذلك فهذا نص القرآن العظيم على مثل هذا القول في
__________________
(١) هنا لفظ إلى محذوف ، اه مصححه.