بكلام (١) مسموع بالآذان (٢) بغير آلات ولا أدوات ولا جوارح ، أين لهوات الحصى وحلقوم الجذع وجارحتهما فما أجهلك بقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً) [النّمل : ١٣] نسب الأبصار إلى الآيات فأين الحذّق يا قامح.
ومن آياته إنزال القطر بقدرته ، وصبغ ألوان النبات والثمار بحكمته مع مخالفة الطعوم بمشيئته ، وإرسال الرياح لواقح. موصوف بالسمع والبصر يرى في الدجنة كما يرى في القمر ، من شبهه أو كيفه طغى وكفر. هذا مذهب أهل الحق والسنة ، وإن دليلهم لجلي واضح ، من شبهه أو مثل أو جسم فهو مع السامرة واليهود ومن حزبهم يوم تظهر المخبآت وتبلى السرائر وتبين الفضائح ، وإن قيل عنه في الدنيا إنه ولي صالح هلك الهالكون بآرائهم لأنه عمل غير صالح ، وفاز المنزّهون فيا لها صفقة رابح. هو الواحد المتوحد في صفاته الأزلي الجبار ، العظيم العزيز القهار ، تبارك وتعالى وتنزّه عن درك الخواطر والأفكار ، وسم كل مخلوق بميسم الافتقار ، وأظهر آثار قدرته في مخلوقاته ومن أظهرها السماوات والأرض والبراري والبحار ، والأعين والأنهار ، وجريانها على المدرار ، وتصريف السحاب المسخّر بين السماء والأرض واختلاف الليل والنهار (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) [آل عمران : ١٣] يعلم حركات الأسرار ، ودبيب النملة السوداء في الظلمة على سواد الصخور والأحجار ، نوع هذا العالم الإنساني فمنهم شقي ومنهم سعيد وربك يخلق ما يشاء ويختار.
وصفاته كذاته والمشبهة والمجسمة أهل زيغ وكفار ، نزّه نفسه بنفسه وقدّسها فمن شبه أو عطل فمأواه النار ، ومن أناب ورجع قبله وإن ارتكب العظائم الكبار ، لأنه سبحانه وتعالى عزيز غفّار ستّار.
ومن بديع صنعته أن خلق اليوم وليلته ، وقمر السماء وشمسه ، وآدم عليهالسلام وما مسه ، علم ذلك المنزّه فنزّه قدسه ، وجهله أعمى البصيرة المشبه فتصور فيه جنسه ، لأنه بجهله قاس الخالق جلّ وعلا على ما ألفه وأحسه ، فتراكم عليه غبار التشبيه فضاعت المحسة ، وأما المعطل فجحد صفاته فما أغباه وما أخسه ، وإذا كان الأمر كذلك فادفع المعطل بيديك النقية ، وألحق بالمشبه دفعه ورفسه.
__________________
(١) المراد بهذا الكلام هو القرآن لأنه الذي يسمع ، اه مصححه.
(٢) قوله : بغير آلات ، متعلق بمتكلم فليفهم ، اه مصححه.