وأما المشبه
والمجسم فلأنه بتكرار هذا الاسم يتعقل معناه فيضيء له نوره فينكشف له حجاب الضلال
فإذا حقق المعنى المراد منه ظهر له نوره فأحرق حجاب الضلال فصفى قلبه للحق وزاح
الباطل وقد وقع ذلك لبعض الغلاة في التشبيه والتجسيم مرّ يوما على هذه الآية (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا
هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) [الحشر : ٢٣] فكرر
هذا الاسم وتعقل معناه فقال : والله إنا لفي ضلال مبين بيّن فبادر في الحال وأتى
بالشهادتين وقال : والله لا يخلصني إلا استئناف العمل. فانظر أرشدك الله تعالى إلى
بركة تكرير هذا الاسم العظيم في حق أهل التنزيه والتشبيه والله أعلم.
ثم تمام التقديس
لا يحصل إلا بالتمكن بعد كمال التوحيد وحقيقة التوحيد تكون باعتبار الذات وباعتبار
الفعل فتوحيد الذات ينفي الحدوث وثبوت الأحدية ينفي الأضداد وثبوت الذات ينفي
التشبيه ويحير العقل في بحر الإدراك وأما توحيد الأفعال فهو شهود القدرة في
المقدور ثم الاستغراق في أنوار العظمة فيغيب بذلك عن الموجودات وتبقي القدرة بارزة
بأسرار التوحيد ثم الاستغراق في أنوار المحو فيغيب عن رؤية القدرة بالقادر.
ومن مقدوراته جلّ
وعلا ما ذكره في قوله تعالى : (يَوْمَ يَقُومُ
الرُّوحُ) [النّبأ : ٣٨] قال
أبو الفرج بن الجوزي : روي عن علي رضي الله عنه في تفسيرها أن الروح ملك عظيم له
سبعون ألف وجه في كل وجه سبعون ألف لسان لكل لسان سبعون ألف لغة يسبح الله تعالى
بتلك اللغات كلها يخلق الله عزوجل من كل تسبيحة ملكا يطير مع الملائكة إلى يوم القيامة.
وقال ابن مسعود
رضي الله عنه : الروح ملك عظيم أعظم من السماوات والأرضين والجبال والملائكة يسبّح
كل يوم ألف ألف تسبيحة يخلق الله سبحانه وتعالى من كل تسبيحة ملكا يجيء يوم
القيامة صفا والملائكة بأسرهم يجيئون صفا.
قال ابن عباس :
وهو الذي ينزل ليلة القدر زعيم الملائكة وبيده لواء طوله ألف عام فيغرزه في ظهر
الكعبة ولو أذن الله عزوجل له أن يلتقم السماوات والأرض لفعل وقيل الروح هنا جبريل
عليه الصلاة والسلام وقيل هو ملك ما خلق الله بعد العرش خلقا أعظم منه وقيل غير
ذلك.
روي أنه عليه
الصلاة والسلام قال : «رأيت على كل ورقة من السدرة ملكا قائما يسبّح الله عزوجل» ومراده سدرة المنتهى ، سميت بذلك لأنها لا يتجاوزها أحد
من الملائكة وغيرهم ولا يعلم ما وراءها إلا الله عزوجل وهي شجرة نبق على يمين