وكذا الأحاديث ومنها حديث النزول وهو في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال : «ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول من يدعوني فأستجيب له» إلى آخره ، وهذا الحديث رواه عشرون نفسا من الصحابة رضي الله عنهم وقد تقدم أنه يستحيل على الله عزوجل الحركة والتنقل والتغير لأن ذلك من صفات الحدث فمن قال ذلك في حقه تعالى فقد ألحقه بالمخلوق وذلك كفر صريح لمخالفة القرآن في تنزيهه لنفسه سبحانه وتعالى.
ومن العجب العجيب أن يقرأ أحدهم قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) [الحديد : ٢٥] مع أن معدنه في الأرض وقوله تعالى : (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) [الزّمر : ٦] فيا لله العجب من شخص لم يعرف نزول الجمل كيف يتكلم في تفصيلها. وقد قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ) [المائدة : ٤٨] وقال تعالى : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) [الطّلاق : ١٠] فنسب الإنزال إلى هاتين الغايتين إليه سبحانه وتعالى.
وقد قال تعالى : (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ) [الأعراف : ١٨٦] أي ببدعته (فَلا هادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) [الأعراف : ١٨٦] والعمه في البصيرة كما أن العمى في البصر والعمه في البصيرة منه الهلكة أعاذنا الله من ذلك.
وروى أبو عيسى الترمذي عن مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وابن المبارك أنهم قالوا : أمروا هذه الأحاديث بلا كيف ، قال الأئمة : فواجب على الخلق اعتقاد التنزيه وامتناع تجويز النقلة والحركة فإن النزول الذي هو انتقال من مكان إلى آخر يفتقر إلى الجسمية والمكان العالي والمكان السافل ضرورة كما في قوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النّحل : ٥٠] فإن الفوقية باعتبار المكان لا تكون بالضرورة إلا في الأجرام والأجسام مركبة كانت أو بسيطة والرب سبحانه وتعالى منزّه عن ذلك إذ هو من صفات الحدث.
وقال ابن حامد الراسم نفسه بالحنبلي : هو فوق العرش بذاته وينزل من مكانه الذي هو فيه فينزل وينتقل ، ولما سمع تلميذه القاضي منه هذا استبشعه فقال : النزول صفة ذاتية ولا نقول نزوله انتقال ، أراد أن يغالط الأغبياء بذلك. وقال غيره : يتحرك إذا نزل ، وحكوا هذه المقالة عن الإمام أحمد فجورا منهم بل هو كذب محض على هذا السيد الجليل السلفي المنزّه فإن النزول إذا كان صفة لذاته لزم تجددها كل ليلة وتعددها ، والإجماع منعقد على أن صفاته قديمة فلا تجدد ولا تعدد تعالى الله عما يصفون.