الحديث الرابع والأربعون: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال: «جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وليس بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجه في جنة عدن».
الرائي في جنة عدن لا المرئي لأنه لا تحيط به الأمكنة.
وقال القاضي (أبو يعلى): ظاهر الحديث أن المرئي في جنة عدن. وهذا التجسيم المحض. ورداء الكبرياء ما له من الكبرياء والعظمة، وكأنه إن منعهم فلعظمته وإن شاء كشف لهم؛ وقد تكلمنا على الوجه في الآيات وقلنا المراد هو.
* * *
الحديث الخامس والأربعون: روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لما قضى اللّه تعالى الخلق كتب في كتابه فهو عنده(١) فوق العرش إن رحمتي غلبت غضبي» وفي لفظ «سبقت».
قال القاضي (أبو يعلى) ظاهر قوله «عنده» القرب من الذات.
واعلم أن القرب من الحق تعالى لا يكون بمسافة، إنما ذلك من صفة الأجسام، وقد قال تعالى: (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) [هود: ٨٣].
* * *
الحديث السادس والأربعون: روى عن بعض التابعين أنه قال: خلق اللّه آدم بيده، وكتب التوراة بيده، وغرس الفردوس بيده.
هذا لا يثبت عن قائله، وقد تكلمنا على قوله تعالى: (لِمٰا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) [ص: ٧٥].
* * *
الحديث السابع والأربعون: روى ابن عباس عن النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله تعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمٰاوٰاتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة: ٢٥٥] أنه قال: كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره.
رواه جماعة من الأثبات فوقفوه على ابن عباس، ورفعه منهم شجاع بن مخلد(٢). فعلم بمخالفته الكبار المتقنين أنه قد غلط. ومعنى الحديث أن الكرسي
__________________
(١) يقول العلامة العيني في شرح صحيح البخاري: والعندية ليست مكانية بل هو إشارة إلى كمال كونه مكنونا عن الخلق مرفوعا عن حيز إدراكهم (ز).
(٢) يقول الحافظ ابن حجر في (تقريب التهذيب): شجاع بن مخلد الفلاس أبو الفضل البغوي نزيل بغداد صدوق وهم في حديث واحد رفعه وهو موقوف فذكره بسببه العقيلي في الضعفاء (ز).