وكذلك قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ فَصَّلْناهُ عَلى عِلْمٍ) [الأعراف : ٥٢] والذي جاءهم بالكتاب هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، لكن لما كان مجيئه بالكتاب إليهم بأمره تعالى أضاف ذلك إلى نفسه ، والقرآن من هذا مملوء إذا تتبع. إنه يضيف الفعل إلى نفسه وإن كان الفاعل له غيره ، لما كان بأمره.
وأما الدليل من كلام العرب ، فإنه يقال : نادى الأمير في البلد ، فيضاف النداء إليه لما كان بأمره ، وإن كان المنادي غيره ، فصحّ ما قلناه.
ثم نقول لهم : أليس الله تعالى قال : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] أتقولون : إن الله تعالى قاصّ؟ هذا قول لا يجوزه أحد من المسلمين ؛ لكن لما قصّ عليه جبريل عليهالسلام بأمر الله تعالى أضاف القصص إلى نفسه ، لما كان بأمره ، وقد بيّن ذلك بقوله : (بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ) [يوسف : ٣] فالقرآن كلامه وصفته ، وقصّ جبريل عليهالسلام على الرسول صلىاللهعليهوسلم بالقرآن الذي تضمن قصص الأولين وأخبارهم. فإن احتجوا على أن القراءة هي المقروء بما روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «قرأ الله (طه (١)) [طه : ١] و (يس (١)) [يس : ١] قبل أن يخلق الخلق بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة قالوا : طوبى لأمة ينزل هذا عليها» قالوا : فأضاف القراءة إلى الله تعالى. فالجواب عن هذا من وجهين :
أحدهما : أنه ذكر أن القراءة وجدت قبل السموات والأرض بألفي عام ، ودل على أنها لم تكن موجودة ثم وجدت ، والمقروء القديم ليس لوجوده أولية ، بل هو موجود بوجوده تعالى ، فدلّ على الفرق بين القراءة والمقروء ، لأن المقروء موجود بوجوده تعالى.
والجواب الثاني : أنه أمر بعض الملائكة أن يقرأ (طه (١)) [طه : ١] و (يس (١)) [يس : ١] قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام ، فلما سمعت الملائكة ذلك قالوا : وأضاف القراءة إلى نفسه. لما كانت بأمره ، فصار هذا كقوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) [الزّمر : ٤٢] والمتوفى هو ملك الموت ، بدليل قوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) [السّجدة : ١١] لكن لما كان توفّيه لهم بأمره أضاف ذلك إلى نفسه.
* * *