بالنفس بكلامهم ؛ فلغة العرب غير لغة العبرانية ولغة السريانية غيرهما ، لكن الكلام القديم القائم بالنفس شيء واحد لا يختلف ولا يتغير ، وقد يدل على الكلام القائم بالنفس الخطوط المصطلح عليها بين كل أهل خط ، فيقوم الخط في الدلالة مقام النطق باللسان ، وقد بيّن تعالى ذلك فقال : (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩)) [الجاثية : ٢٩] فقام الخط مقام النطق ، لما كان يدل على الكلام دلالة النطق ، لكن الخطوط تختلف بحكم الاصطلاح والمواضعة وقلة الحروف وكثرتها ، فحرف الإنجيل والتوراة كل واحد منها خلاف الآخر ، وكذلك حروف العرب وخطوطهم تخالف غيرها ، وكذلك حروف الهند وخطوطهم تخالف الجميع ، لكن لكل خط وحرف بين أهله يقوم لهم في الدلالة على الكلام القائم بأنفسهم مقام دلالة نطق ألسنتهم ، ويختصون بذلك في الفهم والاصطلاح عند كلام اللسان ، وعند رسم الحروف الخطوط ، حتى لا يفهم غيرهم ذلك إلا أن يتعلم لغتهم وخطوطهم ، فصحّ أن الكلام الحقيقي هو المعنى القائم بالنفس دون غيره ، وإنما الغير دليل عليه بحكم التواضع والاصطلاح ويجوز أن يسمى كلاما إذ هو دليل على الكلام ، لا أنه نفس الكلام ، الحقيقي. وكذلك قد يدل على الكلام الحقيقي القائم بالنفس الرموز والإشارات ، وقد بيّن ذلك تعالى بقوله في قصة زكريا عليهالسلام : (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً) [آل عمران : ٤١] يعني أن لا تفهم الكلام القائم بنفسك باللسان ، وإنما أفهمه بالرمز والإشارة ففعل كما أمره تعالى ، فأخبر عنه فقال : (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (١١)) [مريم : ١١] فأفهم أمره الذي هو الأمر بالتسبيح القائم في نفسه بالإشارة دون نطق اللسان ، وكذلك الأخرس الذي لا ينطق باللسان ولا يسمع الصوت ، إنما يفهمنا كلامه القائم بنفسه ، ونفهمه كلامنا القائم بأنفسنا بالإشارة دون نطق اللسان ، فحصل من هذه الجملة أن حقيقة الكلام على الإطلاق في حق الخالق والمخلوق إنما هو المعنى القائم بالنفس لكن جعل لنا دلالة عليه تارة بالصوت والحروف نطقا ، وتارة بجمع الحروف بعضها إلى بعض كتابة دون الصوت ووجوده وتارة إشارة ورمزا دون الحرف والأصوات ووجودهما ، فحقيق الكلام القائم بالنفس موجود عند الحرف والصوت ، لكن الخلق كلامهم مخلوق كهم وكلام الله ليس بمخلوق كهو ، سبحانه وتعالى. ونريد بقولنا كهو أن صفات ذاته لا توصف بالخلق والحدث ولا بشيء من الخلق والحدث ، كما أنه تعالى لا يوصف بالخلق والحدث. ولا بشيء من صفات الخلق