سُباتاً) معناه : وجعلنا نومكم راحة ودعة لأجسادكم (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً) أي غطاء وسترة يستر كل شيء بظلمته وسواده (وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) المعاش : العيش ، أي جعلناه مطلب معاش تبتغون فيه من فضل ربكم (وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً) أي سبع سماوات (شِداداً) محكمة أحكمنا صنعها ، وأوثقنا بناءها (وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً) يعني الشمس جعلها سبحانه سراجا للعالم وقادا متلألأ بالنور يستضيئون به ، فالنعمة عامة به لجميع الخلق (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ) أي الرياح ذوات الأعاصير (ماءً ثَجَّاجاً) أي صبابا دفاعا في انصبابه متتابعا يتلو بعضه بعضا (لِنُخْرِجَ بِهِ) أي بالماء (حَبًّا وَنَباتاً) حبّا يأكل الناس ، ونباتا تنبته الأرض مما يأكله الأنعام (وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً) أي بساتين ملتفة بالشجر والتقدير : ونخرج به شجر جنات الفافا ، وإنما سمّي جنة لأن الشجر تجنّها : أي تسترها.
١٧ ـ ٣٠ ـ (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) أي يوم القضاء الذي يفصل الله فيه الحكم بين الخلائق (كانَ مِيقاتاً) لما وعد الله من الجزاء والحساب والثواب والعقاب (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) قد مرّ معناه (فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) أي جماعة جماعة إلى أن تتكاملوا في القيامة ، وقيل : زمرا زمرا ، من كل مكان للحساب ، وكل فريق يأتي مع شكله ، وقيل : إنّ كل أمة تأتي مع نبيّها ، فلذلك فجاءوا أفواجا أفواجا (وَفُتِحَتِ السَّماءُ) أي شقّت لنزول الملائكة (فَكانَتْ أَبْواباً) أي ذات أبواب (وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ) أي زيلت عن أماكنها وذهب بها (فَكانَتْ سَراباً) أي كالسراب يظن أنها جبال وليست إياها (إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً) يرصدون به ، أي هي معدة لهم يرصد بها خزنتها الكفار (لِلطَّاغِينَ مَآباً) أي للذين جاوزوا حدود الله ، وطغوا في معصية الله مرجعا يرجعون إليه ومصيرا (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة وذكر فيها أقوال (أحدها) ان المعنى : أحقابا لا انقطاع لها ، كلما مضى حقب جاء بعده حقب آخر ، والحقب ثمانون سنة من سني الآخرة (وثانيها) ان الأحقاب ثلاثة وأربعون حقبا ، كل حقب سبعون خريفا ، كل خريف سبعمائة سنة كل سنة ثلاثمائة وستون يوما ، وكل يوم ألف سنة (وثالثها) ان الله تعالى لم يذكر شيئا إلا وجعل له مدة ينقطع إليها ولم يجعل لأهل النار مدة بل قال : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، فو الله ما هو إلا انه إذا مضى حقب دخل آخر ثم آخر كذلك إلى أبد الآبدين ، فليس للأحقاب عدة إلا الخلود في النار ، ولكن قد ذكروا أن الحقب الواحد سبعون ألف سنة ، كل يوم من تلك السنين ألف سنة مما نعده (ورابعها) ان مجاز الآية : (لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً) ، لا يذوقون في تلك الأحقاب بردا ولا شرابا إلّا حميما وغسّاقا ، ثم يلبثون فيها لا يذوقون غير الحميم والغساق من أنواع العذاب ، فهذا توقيت لأنواع العذاب لا لمكثهم في النار. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : لا يخرج من النار من دخلها حتى يمكث فيها أحقابا ، والحقب بضع وستون سنة ، والسنة ثلاثمائة وستون يوما ، كل يوم كألف سنة مما تعدون ، فلا يتكلن أحد أن يخرج من النار (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) لا يذوقون في جهنم بردا ينفعهم من حرّها ، ولا شرابا ينفعهم من عطشها (إِلَّا حَمِيماً) وهو الماء الحار الشديد الحرّ (وَغَسَّاقاً) وهو صديد أهل النار (جَزاءً وِفاقاً) أي جوزوا جزاء وفق أعمالهم والوفاق : الجاري على المقدار ، فالجزاء وفاق لأنه جار على مقدار الأعمال في الاستحقاق (إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً) أي فعلنا ذلك بهؤلاء الكفار لأنهم كانوا لا يخافون أن يحاسبوا والمعنى : كانوا لا يؤمنون بالبعث ولا بأنهم محاسبون (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا) أي بما جاءت به الأنبياء (كِذَّاباً) أي تكذيبا (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً) معناه : وكل شيء من أعمالهم حفظناه لنجازيهم به. ثم بيّن أن ذلك الإحصاء والحفظ وقع بالكتابة لأن الكتابة أبلغ في حفظ