لآياته (غَيْرُ يَسِيرٍ) غير هيّن ولا سهل ، وهو بمعنى قوله : عسير إلّا أنه أعاده بلفظ آخر للتأكيد.
١١ ـ ٣٠ ـ (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً) أي دعني وإياه فإني كاف له في عقابه ، كما يقول القائل : دعني وإياه ، ومعناه : دعني ومن خلقته متوحدا ، بخلقه لا شريك لي في خلقه ، يعني الوليد بن المغيرة (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) ما بين مكة إلى الطائف من الإبل والخيل ، والمستغلات (وَبَنِينَ شُهُوداً) حضورا معه بمكة لا يغيبون عنه لغناهم عن ركوب السفر للتجارة ؛ قالوا : فما زال الوليد بعد هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) أي بسطت له في العيش بسطا حتى صار مكفي المؤونة من كل وجه ، حتى صارت أحواله متناسبة (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) أي لم يشكرني على هذه النعم بل كفر نعمائي وهو مع ذلك يطمع أن أزيد في انعامه. ثم قال على وجه الردع والزجر (كَلَّا) أي لا يكون كما ظنّ ولا أزيده مع كفره. ثم بيّن سبحانه كفره فقال (إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً) أي إنما لم نفعل به ذلك لأنه كان بحججنا وأدلتنا معاندا ينكرها مع معرفته بها (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) أي سأكلّفه مشقة من العذاب لا راحة فيه ، وقيل : صعود جبل في جهنم من نار يؤخذ بارتقائه ، فإذا وضع يده عليه ذابت ، فإذا رفعها عادت وكذلك رجله (إِنَّهُ فَكَّرَ) ودبّر ماذا يقول في القرآن (وَقَدَّرَ) القول في نفسه ، وإنما فكّر ليحتال به للباطل ، لأنه لو فكر على وجه طلب الرشاد لكان ممدوحا ، وقدر فقال : إن قلنا شاعر كذبتنا العرب باعتبار ما أتى به ، وإن قلنا كاهن لم يصدّقونا ، لأن كلامه لا يشبه كلام الكهان ، فنقول ساحر يؤثر ما أتى به من غيره من السحرة (فَقُتِلَ) أي لعن وعذب (كَيْفَ قَدَّرَ) معناه : لعن على أيّ حال قدر ما قدر من الكلام (ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) هذا تكرير للتأكيد (ثُمَّ نَظَرَ) في طلب ما يدفع به القرآن ويرده (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ) أي كلح وكره وجهه ، ونظر بكراهة شديدة كالمهتم المتفكر في الشيء (ثُمَّ أَدْبَرَ) عن الإيمان (وَاسْتَكْبَرَ) أي تكبر حين دعا إليه فقال (إِنْ هذا) أي ما هذا القرآن (إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي سحر تؤثره النفوس وتختاره لحلاوته فيها (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) أي ما هذا إلّا كلام الإنس وليس من عند الله (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) أي سأدخله جهنّم وألزمه إياها ؛ وسقر دركة من دركات جهنّم (وَما أَدْراكَ) أيها السامع (ما سَقَرُ) في شدتها وهولها وضيقها ، ثم وصف بعض صفاتها فقال (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) أي لا تبقي شيئا إلّا أحرقته (لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ) أي لافحة للجلود حتى تدعها أشد سوادا من الليل (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) من الملائكة هم خزنتها ، مالك ومعه ثمانية عشر ، أعينهم كالبرق الخاطف ، وأنيابهم كالصياصي ، يخرج لهب النار من أفواههم ، ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة ، تسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر ، نزعت منهم الرحمة ، يرفع أحدهم سبعين ألفا فيرميهم حيث أراد من جهنم (وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) ومعناه : وما جعلنا الموكلين بالنار ، المتولين تدبيرها إلّا ملائكة ؛ جعلنا شهوتهم في تعذيب أهل النار ، ولم نجعلهم من بني آدم كما تعهدون أنتم فتطيقونهم (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لم نجعلهم على هذا العدد إلّا محنة وتشديدا في التكليف للذين كفروا أنعم الله ، وجحدوا وحدانيته حتى يتفكروا فيعلموا أن الله سبحانه حكيم لا يفعل إلّا ما هو حكمة ، ويعلموا أنه قادر على أن يزيد في قواهم ما يقدرون به على تعذيب الخلائق ، ولو راجع الكفار عقولهم لعلموا أن من سلط ملكا واحدا على كافة بني آدم لقبض أرواحهم فلا يغلبونه ، قادر على سوق بعضهم إلى النار وجعلهم فيها بتسعة عشر من الملائكة (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) من اليهود والنصارى أنه حق ، وأن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم صادق من حيث أخبر بما هو في كتبهم من غير